الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ) الضَّمَانِ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ
،
ــ
[منح الجليل]
[بَابُ الضَّمَانِ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ]
بَابٌ) فِي بَيَانِ الضَّمَانِ وَأَقْسَامِهِ وَأَحْكَامِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا (الضَّمَانُ) أَيْ حَقِيقَتُهُ شَرْعًا الْمَازِرِيُّ الْحَمَالَةُ وَالْكَفَالَةُ وَالضَّمَانُ وَالزَّعَامَةُ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي اللُّغَةِ، تَقُولُ الْعَرَبُ هَذَا كَفِيلٌ وَحَمِيلٌ وَضَمِينٌ وَزَعِيمٌ، هَذِهِ هِيَ الْأَسْمَاءُ الْمَشْهُورَةُ وَتَقُولُ الْعَرَبُ أَيْضًا قَبِيلٌ بِمَعْنَى ضَمِينٍ (شَغْلٌ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَيْنِ، أَيْ مَصْدَرُ شَغَلَ بِفَتْحِهِمَا مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ جِنْسٌ شَمِلَ الضَّمَانَ وَغَيْرَهُ، وَإِضَافَتُهُ لِ (ذِمَّةٍ) فَصْلٌ مُخْرِجٌ لِشَغْلِ غَيْرِهَا وَنَعْتُ ذِمَّةٍ بِ (أُخْرَى) أَيْ مَعَ الْأُولَى فَصْلٌ ثَانٍ مُخْرِجٌ الْحَوَالَةَ وَالْبَيْعَ وَالْإِجَارَةَ وَالنِّكَاحَ وَالْخُلْعَ وَنَحْوَهَا (بِالْحَقِّ) إمَّا ابْتِدَاءً أَوْ انْتِهَاءً، فَشَمِلَ ضَمَانَ الْمَالِ وَضَمَانَ الْوَجْهِ وَضَمَانَ الطَّلَبِ، وَأَلْ فِي الْحَقِّ لِلْعَهْدِ أَيْ الْأَوَّلِ الَّذِي شُغِلَتْ بِهِ الذِّمَّةُ الْأُولَى فَانْدَفَعَ إيرَادُهُ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِشُمُولِهِ بَيْعَ شَيْءٍ بِدَيْنٍ ثُمَّ بَيْعَ سِلْعَةٍ أُخْرَى بِدَيْنٍ أَيْضًا وَالتَّشْرِيكُ فِيمَا اشْتَرَى، وَأَوْرَدَ أَنَّهُ يَشْمَلُ التَّوْلِيَةَ، وَيُجَابُ بِخُرُوجِهَا بِأُخْرَى كَالْحَوَالَةِ، وَانْدَفَعَ بِقَوْلِي أَوْ انْتِهَاءً إيرَادُ أَنَّهُ غَيْرُ جَامِعٍ لِعَدَمِ شُمُولِهِ ضَمَانَ الْوَجْهِ وَضَمَانَ الطَّلَبِ.
وَتَبِعَ الْمُصَنِّفُ ابْنَ الْحَاجِبِ فِي تَعْرِيفِهِ بِمَا ذُكِرَ، وَعَرَّفَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ الْحَمَالَةُ الْتِزَامُ دَيْنٍ لَا يُسْقِطُهُ أَوْ طَلَبَهُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لِمَنْ هُوَ لَهُ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ تَابِعًا لِعَبْدِ الْوَهَّابِ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ لَا يَشْمَلُهَا لِأَنَّ شَغْلَ الذِّمَّةِ لَازِمٌ لَهَا لَا نَفْسِهَا لِأَنَّهَا مُكْتَسَبَةٌ، وَالشَّغْلُ حُكْمٌ غَيْرُ مُكْتَسَبٍ كَالْمِلْكِ مَعَ الْبَيْعِ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إطْلَاقُ الْحَمَالَةِ عَلَى الطَّلَبِ إنَّمَا هُوَ مَجَازٌ عُرْفًا لَا حَقِيقَةً، يُرَدُّ بِمَنْعِهِ لِظَاهِرِ إطْلَاقَاتِ الْمُدَوَّنَةِ وَالْأُمَّهَاتِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالرُّوَاةِ.
" غ " فَالضَّمَانُ فِي تَعْرِيفِ ابْنِ عَرَفَةَ مُنَوَّعٌ إلَى الْتِزَامِ الدَّيْنِ وَالْتِزَامِ طَلَبِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ
وَصَحَّ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ:
ــ
[منح الجليل]
وَالضَّمَانُ عِنْدَهُ مُكْتَسَبٌ وَالشَّغْلُ لَازِمُهُ كَمَا أَنَّ الْبَيْعَ مُكْتَسَبٌ وَالْمِلْكَ لَازِمُهُ. الْبُنَانِيُّ حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُمْ شَغْلٌ مُبَايِنٌ لِلْمَحْدُودِ فَلَيْسَ بِجَامِعٍ وَلَا مَانِعٍ لِأَنَّ الضَّمَانَ سَبَبٌ فِي الشَّغْلِ، فَالشَّغْلُ مُسَبَّبٌ عَنْهُ لَا نَفْسُهُ وَسَلَّمَهُ " غ " وعج وَرَدَّهُ ابْنُ عَاشِرٍ بِأَنَّ الَّذِي لَيْسَ فِعْلًا لِلشَّخْصِ إنَّمَا هُوَ اشْتِغَالُ الذِّمَّةِ. وَأَمَّا شَغْلُهَا فَهُوَ فِعْلُ الشَّخْصِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ، فَقَوْلُهُمْ شَغْلُ ذِمَّةٍ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّخْصَ شَغَلَ ذِمَّتَهُ بِالْحَقِّ أَيْ أَلْزَمَهَا إيَّاهُ، فَهُوَ فِعْلٌ مُكْتَسَبٌ مُسَاوٍ لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ الْتِزَامُ دَيْنٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاحْتَرَزَ ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ لَا يُسْقِطُهُ عَنْ الْحَوَالَةِ وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّهَا طَرْحُ الدَّيْنِ عَنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَدْخُلْ فِي الْتِزَامٍ، فَالْمُنَاسِبُ أَنَّهُ لِتَحْقِيقِ الْمَاهِيَّةِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي فُصُولِ الْحَدِّ لَا لِإِخْرَاجِ الْحَوَالَةِ، ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ لِإِخْرَاجِ بَعْضِ صُوَرِ الْحَوَالَةِ وَذَلِكَ إذَا الْتَزَمَ مَدْيَنُ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى دَائِنِهِ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الْحَوَالَةِ، فَهَذِهِ تَخْرُجُ بِقَوْلِهِ لَا يُسْقِطُهُ، وَيَخْرُجُ بِهِ أَيْضًا الْتِزَامُ دَيْنٍ عَلَى آخَرَ أَفَادَهُ عج.
(وَصَحَّ) الضَّمَانُ وَلَزِمَ (مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ) بِالْمَضْمُونِ فِيهِ وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الَّذِي لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِيمَا ضَمِنَ، فِيهِ فَدَخَلَتْ الزَّوْجَةُ وَالْمَرِيضُ بِالنِّسْبَةِ لِلثُّلُثِ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا أَذِنَ لَهُمَا سَيِّدُهُمَا فِي ضَمَانِهِ. وَمَفْهُومُ أَهْلِ التَّبَرُّعِ فِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ كَانَ زَوْجَةً أَوْ مَرِيضًا بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ رَقِيقًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، أَوْ مَدِينًا بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمَالِ، أَوْ مُؤَجِّرًا نَفْسَهُ لِعَمَلٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ ظِئْرًا فَضَمَانُهُمْ صَحِيحٌ غَيْرُ لَازِمٍ وَإِنْ كَانَ سَفِيهًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَهُوَ فَاسِدٌ وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ إجَازَتُهُ.
فِي النَّوَادِرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مَنْ تَكَفَّلَ بِوَجْهِ رَجُلٍ فَغَابَ الرَّجُلُ فَأُخِذَ بِهِ الْكَفِيلُ فَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الْكَفِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنْ يَبْنِيَ لَهُ دَارِهِ أَوْ يُسَافِرَ مَعَهُ إلَى مَكَّةَ فَالْإِجَارَةُ مُقَدَّمَةٌ وَلَا يُحْبَسُ فِي الدَّيْنِ لِأَنَّ كَفَالَةَ الدَّيْنِ مَعْرُوفٌ مُتَطَوَّعٌ بِهِ وَلَوْ كَانَتْ ظِئْرًا اُسْتُؤْجِرَتْ لِرَضَاعٍ قَبْلَ كَفَالَتِهَا فَلَا تُحْبَسُ فِي الْكَفَالَةِ أَيْضًا، وَالرَّضَاعُ مُقَدَّمٌ، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الرَّضَاعِ طُولِبَتْ بِالْحَمَالَةِ.
كَمُكَاتَبٍ، وَمَأْذُونٍ أَذِنَ سَيِّدُهُمَا، وَزَوْجَةٍ، وَمَرِيضٍ بِثُلُثٍ
ــ
[منح الجليل]
وَمَثَّلَ لِأَهْلِ التَّبَرُّعِ فَقَالَ (كَ) رَقِيقٍ (مُكَاتَبٍ وَ) رَقِيقٍ (مَأْذُونٍ) لَهُ فِي التِّجَارَةِ (أَذِنَ سَيِّدُهُمَا) لَهُمَا فِي الضَّمَانِ، فَيَصِحُّ مِنْهُمَا، وَيَلْزَمُهُمَا إنْ وَقَعَ مِنْهُمَا. فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمَا فَيَصِحُّ وَلَا يَلْزَمُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي وَأُتْبِعَ ذُو الرِّقِّ بِهِ إنْ عَتَقَ، وَدَخَلَ بِالْكَافِ قَنٌّ وَذُو شَائِبَةٍ كَمُدَبَّرٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُعْتَقٍ لِأَجَلٍ، وَخَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ جَوَازِ ضَمَانِهِمَا بِلَا إذْنٍ لِإِحْرَازِ الْمُكَاتَبِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ، وَلِرَفْعِ الْحَجْرِ عَنْ الْمَأْذُونِ بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يَجُوزُ لِلْمُكَاتَبِ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ لِسَيِّدِهِ فِيهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِيهِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى عَجْزِهِ. وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ تَوَقُّفُ ضَمَانِهِمَا عَلَى إذْنِ سَيِّدِهِمَا وَلَوْ ضَمِنَاهُ وَهُوَ كَذَلِكَ. وَمُرَادُهُ بِهِمَا غَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمَا لِدَيْنٍ بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ بِهِمَا لِأَهْلِ التَّبَرُّعِ، فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ الشَّارِحِ بِشُمُولِ كَلَامِهِ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِمَا لِدَيْنٍ، وَأَجَابَ تت بِأَنَّهُ أَطْلَقَ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِهِ فِي الْحَجْرِ وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ كَالْحُرِّ. الْبُنَانِيُّ الْكَافُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِلتَّشْبِيهِ، وَفِي الْمَعْطُوفِ لِلتَّمْثِيلِ فَهِيَ مِنْ الْمُشْتَرَكِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي مَعْنَيَيْهِ.
(وَ) كَ (زَوْجَةٍ وَمَرِيضٍ) ضَمِنَ أَحَدُهُمَا دَيْنًا (بِ) قَدْرِ (ثُلُثٍ) مِنْ مَالِهِ أَوْ بِزَائِدٍ عَلَيْهِ بِيَسِيرٍ كَدِينَارٍ وَمَا خَفَّ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَمْ تَقْصِدْ بِهِ ضَرَرًا فَيَمْضِي الثُّلُثُ مَعَ الزَّائِدِ الْيَسِيرِ لَا بِكَثِيرٍ، فَلَا يَلْزَمُهَا، وَإِنْ ضَمِنَتْ زَوْجَهَا أَوْ ضَمِنَ مَرِيضٌ وَارِثَهُ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ صَحِيحًا مُتَوَقِّفًا عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ وَالْوَارِثِ وَلِلزَّوْجِ رَدُّ جَمِيعِهِ إنْ ضَمِنَتْ بِأَزْيَدَ كَمَا مَرَّ وَلَوْ لَهُ هُوَ وَلِلْوَارِثِ رَدُّ الزَّائِدِ فَقَطْ وَلَوْ لَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا كَفَالَةُ ذَاتِ الزَّوْجِ فِي ثُلُثِهَا إنْ تَكَفَّلَتْ بِزَوْجِهَا فَفِيهَا عَطِيَّتُهَا زَوْجَهَا جَمِيعَ مَالِهَا جَائِزَةٌ، وَكَذَا كَفَالَتُهَا عَنْهُ. الْبَاجِيَّ يُرِيدُ بِإِذْنِهِ وَفِيهَا إنْ ادَّعَتْ أَنَّهُ أَكْرَهَهَا فِي كَفَالَتِهَا عَنْهُ فَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ. اهـ. فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَفَالَةِ زَوْجِهَا وَغَيْرِهِ، وَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْبَاجِيَّ هُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ وَإِنْ كَاتَبَتْ أَوْ تَكَفَّلَتْ أَوْ أَعْتَقَتْ أَوْ تَصَدَّقَتْ أَوْ وَهَبَتْ أَوْ صَنَعَتْ شَيْئًا مِنْ الْمَعْرُوفِ، فَإِنْ حَمَلَهُ ثُلُثُهَا وَهِيَ لَا وِلَايَةَ عَلَيْهَا جَازَ وَإِنْ كَرِهَ زَوْجُهَا.
وَإِنْ جَاوَزَ ثُلُثَهَا فَلِزَوْجِهَا رَدُّ جَمِيعِهِ أَوْ إجَازَتُهُ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ كَالدِّينَارِ وَمَا خَفَّ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهَا لَمْ تُرِدْ بِهِ ضَرَرَهُ فَيَمْضِي الثُّلُثُ مَعَ الزِّيَادَةِ، ثُمَّ قَالَ
وَاتُّبِعَ ذُو الرِّقِّ بِهِ إنْ عَتَقَ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ جَبْرُهُ عَلَيْهِ
ــ
[منح الجليل]
فِيهَا وَإِذَا أَجَازَ الزَّوْجُ كَفَالَةَ زَوْجَتِهِ الرَّشِيدَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهَا جَازَتْ تَكَفَّلَتْ عَنْهُ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ تَكَفَّلَتْ عَنْهُ بِمَا يَغْتَرِقُ جَمِيعَ مَالِهَا فَلَمْ يَرْضَ لَمْ يَجُزْ الثُّلُثُ وَلَا غَيْرُهُ. اهـ. وَلَا حَاجَةَ لِتَقْيِيدِهَا بِكَوْنِهَا حُرَّةً رَشِيدَةً لِأَنَّ غَيْرَهُمَا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَلَا يَكُونُ ضَمَانُهَا لِغَيْرِهِ، فَإِنْ ضَمِنَتْهُ جَازَ وَلَوْ اسْتَغْرَقَ جَمِيعَ مَالِهَا لِأَنَّ جَوَازَ هَذَا مَشْرُوطٌ بِإِذْنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَالزَّوْجُ وَغَيْرُهُ فِي هَذَا سَوَاءٌ، نَعَمْ يُقَيَّدُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِكَوْنِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ لَيْسَتْ يَسِيرَةً كَدِينَارٍ وَمَا خَفَّ وَإِلَّا فَيَمْضِي كُلُّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(وَ) إنْ ضَمِنَ الرَّقِيقُ مَالًا أَوْ وَجْهًا وَتَعَذَّرَ مَضْمُونُهُ (اُتُّبِعَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ (ذُو الرِّقِّ) أَيْ الرَّقِيقُ (بِ) غَرَامَاتِ (هـ) أَيْ الضَّمَانِ، سَوَاءٌ ضَمِنَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ أَوْ بِلَا إذْنِهِ (إنْ عَتَقَ) الرَّقِيقُ الضَّامِنُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْفَوْقِيَّةِ أَيْ صَارَ حُرًّا بِإِعْتَاقٍ أَوْ أَدَاءِ نُجُومِ كِتَابَةٍ أَوْ مَوْتِ سَيِّدِهِ أَوْ انْقِضَاءِ أَجَلِ رَقَبَتِهِ أَوْ حُصُولِ مُعَلَّقٍ عَلَيْهِ أَوْ تَمْثِيلٍ أَوْ نَحْوِهَا إذَا لَمْ يُرِدْ سَيِّدُهُ ضَمَانَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ قَبْلَ عِتْقِهِ، فَإِنْ رَدَّ سَقَطَ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِإِسْقَاطِهِ عَنْهُ لِأَنَّ رَدَّهُ إبْطَالٌ لَا إيقَافٌ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَجُوزُ لِعَبْدٍ وَلَا مُكَاتَبٍ وَلَا مُدَبَّرٍ وَلَا أُمِّ وَلَدٍ كَفَالَةٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ إلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ، فَإِنْ فَعَلُوا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا يَجُوزُ إنْ رَدَّهُ السَّيِّدُ، فَإِنْ رَدَّهُ فَلَا يَلْزَمُهُمْ، وَإِنْ عَتَقُوا وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ حَتَّى عَتَقُوا لَزِمَهُمْ عَلِمَ بِهِ السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِهِمْ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ. أَبُو الْحَسَنِ جَعَلَ رَدَّ السَّيِّدِ هُنَا رَدَّ إبْطَالٍ وَمِثْلُهُ فِي الْعِتْقِ، وَجَعَلَهُ فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ رَدَّ إيقَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفَادَهُ الْحَطّ.
(وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ جَبْرُهُ) أَيْ الرَّقِيقِ (عَلَيْهِ) أَيْ الضَّمَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يَفِي بِمَا يَضْمَنُهُ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَهُ جَبْرُهُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَفِي بِهِ فَلَهُ جَبْرُهُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا. اللَّخْمِيُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَجْبُرَ عَبْدَهُ عَلَى الْكَفَالَةِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ بِقَدْرِهَا، وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ فَقِيرًا وَلَيْسَ فِي يَدِهِ مَالٌ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُجْبَرُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُجْبَرُ. اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ ثُمَّ قَالَ لَوْ أَشْهَدَ سَيِّدُهُ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْكَفَالَةُ فَلَا تَلْزَمُهُ إلَّا بِرِضَاهُ
وَعَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ
وَالضَّامِنِ
ــ
[منح الجليل]
وَ) صَحَّ الضَّمَانُ بِمَعْنَى الْحَمْلِ لَا حَقِيقَةِ الضَّمَانِ الَّذِي هُوَ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ لِخَرَابِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، أَيْ صَحَّ الْحَمْلُ وَيَلْزَمُ (عَنْ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ) بِسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ الْمُعْسِرِ. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ الْحَمَالَةُ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ رضي الله عنه تَجُوزُ عَنْ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ تَحَمَّلَ عَنْ الْحَيِّ فَأَدَّى عَنْهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ، وَإِتْبَاعُهُ بِهِ إنْ كَانَ مُعْدَمًا تَحَمَّلَ عَنْهُ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِنْ تَحَمَّلَ عَنْ مَيِّتٍ لَا وَفَاءَ لَهُ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِمَا أَدَّى عَنْهُ فِي مَالٍ طَرَأَ لَهُ اهـ. الْمَازِرِيُّ لَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي جَوَازِ الْحَمَالَةِ عَنْ الْحَيِّ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا وَلَا فِي الْحَمَالَةِ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ مُوسِرًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْحَمَالَةِ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا فَالْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِهَا، وَانْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بِمَنْعِهَا
(وَ) صَحَّ ضَمَانُ (الضَّامِنِ) وَإِنْ تَكَرَّرَ بِأَنْ ضَمِنَ الضَّامِنُ ضَامِنًا وَضَمِنَ ضَامِنُ الضَّامِنِ ضَامِنًا ثَالِثًا، وَضَمِنَ الثَّالِثُ ضَامِنًا رَابِعًا، وَضَمِنَ الرَّابِعُ خَامِسًا وَهَكَذَا، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَشْمَلُ كَوْنَ الضَّمَانِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَالٍ أَوْ بِوَجْهٍ أَوْ بِطَلَبٍ، أَوْ كَوْنَ الْأَوَّلِ بِمَالٍ، وَالثَّانِي بِوَجْهٍ وَعَكْسَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ وَإِنْ اخْتَلَفَا مِنْ حَيْثُ الرُّجُوعُ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَخَذَ مِنْ الْكَفِيلِ كَفِيلًا لَزِمَهُ مَا لَزِمَ الْكَفِيلَ اهـ.
وَفِي الشَّامِلِ وَإِنْ كَانَا مَعًا بِمَالٍ غَرِمَهُ الْأَوَّلُ إنْ حَلَّ وَغَابَ غَرِيمُهُ، فَإِنْ أَعْدَمَ فَالثَّانِي فَإِنْ غَابَ الْأَوَّلُ أَيْضًا فَأَحْضَرَ الثَّانِي أَحَدَهُمَا مُوسِرًا بَرِئَ وَإِلَّا غَرِمَ، فَإِنْ غَابَ الْكُلُّ بَدَأَ بِمَالِ غَرِيمِهِ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَالْأَوَّلِ، ثُمَّ الثَّانِي وَإِنْ كَانَا مَعًا بِوَجْهٍ فَغَابَ غَرِيمُهُ أَحْضَرَهُ الْأَوَّلُ وَإِلَّا غَرِمَ، فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا بَرِئَ الثَّانِي بِحُضُورِ مَنْ ضَمِنَهُ، وَإِنْ غَابَ الْأَوَّلُ أَيْضًا أَحْضَرَ الثَّانِي أَحَدَهُمَا وَإِلَّا غَرِمَ، وَإِنْ غَابَ الْكُلُّ أُخِذَ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَالْأَوَّلِ، ثُمَّ الثَّانِي إنْ لَمْ يَثْبُتْ فَقْرُ غَرِيمِهِ مَعَ الْأَوَّلِ. وَإِنْ كَانَا الْأَوَّلُ بِمَالٍ دُونَ الثَّانِي فَغَابَ غَرِيمُهُ غَرِمَ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي إنْ كَانَ غَرِيمُهُ فَقِيرًا. فَإِنْ غَابَ الْأَوَّلُ أَيْضًا فَأَحْضَرَ الثَّانِي غَرِيمَهُ مُوسِرًا أَوْ الْأَوَّلَ مُطْلَقًا بَرِئَ وَإِلَّا غَرِمَ
وَالْمُؤَجَّلُ حَالًّا، إنْ كَانَ مِمَّا يُعَجَّلُ
وَعَكْسُهُ إنْ أَيْسَرَ غَرِيمُهُ أَوْ لَمْ يُوسِرْ
ــ
[منح الجليل]
وَإِنْ غَابَ الثَّانِي أَيْضًا وَوُجِدَ لَهُ مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ فَقْرُ الْأَوَّلِ. وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ بِوَجْهٍ دُونَ الثَّانِي فَغَابَ غَرِيمُهُ أَحْضَرَهُ الْأَوَّلُ وَإِلَّا غَرِمَ. فَإِنْ أَعْدَمَ غَرِمَ الثَّانِي وَإِنْ غَابَ الْأَوَّلُ أَيْضًا بَرِئَ الثَّانِي إنْ أَحْضَرَ غَرِيمَهُ مُطْلَقًا أَوْ الْأَوَّلَ مُوسِرًا، فَإِنْ مَاتَ الْغَرِيمُ بَرِئَ لِبَرَاءَةِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الْأَوَّلُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ مَاتَ الثَّانِي جَرَى عَلَى حُكْمِ حَمِيلِ الْمَالِ إذَا مَاتَ عَلَى الْأَظْهَرِ. اهـ. وَأَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ لَكِنَّ هَذَا أَخْصَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(وَ) إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا وَأَسْقَطَ الْمَدِينُ حَقَّهُ فِي التَّأْجِيلِ وَرَضِيَ بِتَعْجِيلِهِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ صَحَّ ضَمَانُ الدَّيْنِ (الْمُؤَجَّلِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَمْزِ وَالْجِيمِ مُشَدَّدًا عَلَى أَنْ يُدْفَعَ (حَالًّا) قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ (إنْ كَانَ) الدَّيْنُ (مِمَّا يُعَجَّلُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْجِيمِ مُشَدَّدًا أَيْ يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ وَهُوَ الْعَيْنُ مُطْلَقًا وَالْعَرْضُ وَالطَّعَامُ مِنْ قَرْضٍ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعَجَّلُ كَعَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ فَلَا يَجُوزُ ضَمَانُهُ حَالًّا لِأَنَّ فِيهِ حَطَّ الضَّمَانِ، وَأَزِيدُك تَوَثُّقًا بِالضَّمَانِ.
الْبُنَانِيُّ كَضَمَانِ الْمُؤَجَّلِ حَالًّا فِي جَوَازِهِ بِقَيْدِهِ ضَمَانَهُ لِدُونِ أَجَلِهِ وَضَمَانَهُ لِلْأَجَلِ نَفْسِهِ وَلِأَبْعَدَ مُمْتَنِعٌ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَالصُّوَرُ أَرْبَعٌ، وَتَقْيِيدُهُ بِكَوْنِهِ مِمَّا يُعَجَّلُ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ بِبَيِّنٍ، فَإِنَّ رَبَّ الدَّيْنِ لَا يَأْخُذُ زِيَادَةً فِي نَفْسِ الْحَقِّ وَلَا مُنْفَصِلَةً يَنْتَفِعُ بِهَا، وَإِنَّمَا قَصَدَ التَّوَثُّقَ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا غَرَضَ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ وَلَا غَرَضَ لِلْآخَرِ فِي بَقَاءِ الدَّيْنِ فِي ذِمَّتِهِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ مَعَ التَّأْخِيرِ لَا مَعَ التَّعْجِيلِ، وَتَعَقَّبَ بِمُخَالَفَتِهِ النَّقْلَ. ابْنُ عَرَفَةَ وَإِعْطَاءُ حَمِيلٍ بِدَيْنٍ قَبْلَ أَجَلِهِ إلَيْهِ جَائِزٌ مُطْلَقًا، وَإِلَى أَجَلٍ دُونَهُ وَالدَّيْنُ عَيْنٌ أَوْ عَرْضٌ مِنْ قَرْضٍ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَرْضًا مِنْ بَيْعٍ وَالْقَصْدُ نَفْعُ الطَّالِبِ بِالتَّعْجِيلِ جَازَ، وَلِنَفْعِ الْمَطْلُوبِ بِإِسْقَاطِ الضَّمَانِ لَا يَجُوزُ
(وَ) يَجُوزُ (عَكْسُهُ) أَيْ ضَمَانِ الْحَالِّ مُؤَجَّلًا كَأَجَلِ مَدِينِك بِالدَّيْنِ شَهْرًا وَأَنَا ضَامِنُهُ (إنْ أَيْسَرَ غَرِيمُهُ) أَيْ مَدِينُ الْمَضْمُونِ لَهُ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ لِأَنَّهُ كَابْتِدَاءِ تَسْلِيفٍ بِضَامِنٍ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ أَخْذِ حَقِّهِ مِنْهُ (أَوْ) أَعْسَرَ غَرِيمُهُ بِالدَّيْنِ الْحَالِّ وَ (لَمْ) أَيْ وَكَانَ لَا (يُوسِرْ) الْغَرِيمُ
فِي الْأَجَلِ
وَبِالْمُوسِرِ أَوْ بِالْمُعْسِرِ؛ لَا الْجَمِيعِ بِدَيْنٍ
ــ
[منح الجليل]
فِي الْأَجَلِ) بِأَنْ كَانَ يَسْتَمِرُّ عُسْرُهُ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ الَّذِي ضَمِنَهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ وَإِنْ انْتَفَعَ بِتَوَثُّقِهِ بِالضَّمَانِ لَمْ يَحْصُلْ تَسْلِيفٌ بِتَأْخِيرِهِ لِوُجُوبِ إنْظَارِهِ لِعُسْرِهِ، فَإِنْ كَانَ يُوسِرُ فِي الْأَجَلِ بِغَلَّةٍ أَوْ مُرَتَّبٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَثَلًا فَلَا يَصِحُّ ضَمَانُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ بَعْدَ يُسْرِهِ تَسْلِيفٌ جَرَّ نَفْعًا بِتَوَثُّقِهِ بِالضَّمَانِ فِيمَا قَبْلَ يُسْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيُسْرَ الْمُتَرَقَّبَ كَالْحَاصِلِ، وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِصْحَابُ عُسْرِهِ وَيُسْرُهُ الْمُتَرَقَّبُ قَدْ لَا يَحْصُلُ فَهُوَ مُعْسِرٌ تَبَرَّعَ بِضَامِنٍ. ابْنُ عَرَفَةَ وَإِعْطَاؤُهُ أَيْ الْحَمِيلِ بَعْدَ حُلُولِهِ لِتَأْخِيرِ وَالْغَرِيمُ مُوسِرٌ جَائِزٌ، وَكَذَا إنْ كَانَ مُعْسِرًا وَالتَّأْخِيرُ لِمَا يَرَى يُسْرَهُ إلَيْهِ أَوْ بَعْدَهُ، وَفِي جَوَازِهِ لِمَا يَرَى يُسْرَهُ قَبْلَهُ قَوْلَا أَشْهَبَ وَابْنِ الْقَاسِمِ
(وَ) إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَالْمَدِينُ مُوسِرٌ بِبَعْضِهِ وَمُعْسِرٌ بِبَعْضِهِ صَحَّ ضَمَانُهُ (بِ) الْبَعْضِ (الْمُوسَرِ) بِفَتْحِ السِّينِ بِهِ فَقَطْ مُؤَجَّلًا (أَوْ) ضَمَانُهُ بِالْبَعْضِ (الْمُعْسَرِ) بِفَتْحِ السِّينِ بِهِ إنْ اسْتَمَرَّ عُسْرُهُ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَجَلِ (لَا) يَصِحُّ ضَمَانُهُ (بِالْجَمِيعِ) أَيْ الْمُوسَرِ بِهِ وَالْمُعْسَرِ بِهِ مَعًا عَلَى تَأْخِيرِهِ بِالْمُوسَرِ بِهِ لِأَنَّهُ تَسْلِيفٌ بِتَأْخِيرِهِ جَرَّ نَفْعَ التَّوَثُّقِ بِالضَّمَانِ فِي الْمُعْسَرِ بِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِالْبَعْضِ فَالْحَمَالَةُ بِهِ لِيُؤَخِّرَهُ جَائِزَةٌ، وَكَذَا بِمَا هُوَ مُعْسَرٌ بِهِ عَلَى تَعْجِيلِ مَا هُوَ مُوسَرٌ بِهِ وَعَلَى تَأْخِيرِهِ لَا يَجُوزُ. قُلْت وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِالْبَعْضِ جَازَ ضَمَانُ أَحَدِهِمَا لَا الْجَمِيعِ.
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيهِ نَظَرٌ إذَا مَرِضَ إنَّ عُسْرَهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْيُسْرِ فِي الْأَجَلِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُوسِرًا بِالْجَمِيعِ لَجَازَ، وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا بِهِ لَجَازَ أَيْضًا. قُلْت لَا يَخْفَى سُقُوطُ احْتِجَاجِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا بِالْجَمِيعِ فَلَا عُوِّضَ عَنْ الْحَمَالَةِ بِوَجْهٍ، وَإِذَا كَانَ مُوسِرًا بِالْبَعْضِ فَالْعِوَضُ عَنْهَا مَوْجُودٌ وَهُوَ تَأْخِيرُهُ بِالْبَعْضِ الَّذِي هُوَ مُوسِرٌ بِهِ فَيَدْخُلُهُ ضَمَانٌ بِجُعْلٍ وَسَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا حَسْبَمَا قَرَّرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَشَارَ لِلْمَضْمُونِ فِيهِ بِقَوْلِهِ مُعَلَّقًا لَهُ يَصِحُّ (بِدَيْنٍ) لَا بِمُعَيَّنٍ كَوَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ وَمَالِ قِرَاضٍ وَشَرِكَةٍ عَلَى أَنَّهَا إنْ تَلِفَتْ أَتَى الضَّامِنُ بِعَيْنِهَا لِاسْتِحَالَتِهِ، فَإِنْ ضَمِنَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى
لَازِمٍ، أَوْ آيِلٍ إلَيْهِ
لَا كِتَابَةٍ بَلْ كَجُعْلٍ
ــ
[منح الجليل]
تَلَفِهَا بِتَعَدٍّ أَوْ تَفْرِيطٍ مِنْ الْعَرْضِ صَحَّ وَلَزِمَ (لَازِمٌ) كَقَرْضٍ وَثَمَنِ مَبِيعٍ وَأُجْرَةِ مُسْتَأْجَرٍ فَلَا يَصِحُّ الضَّمَانُ فِي دَيْنٍ غَيْرِ لَازِمٍ كَدَيْنٍ عَلَى رَقِيقٍ أَوْ صَبِيٍّ أَوْ سَفِيهٍ تُدَايِنُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَوَلِيِّهِ (أَوْ آيِلٌ) بِهَمْزَتَيْنِ وَلَا تَبْدُ الثَّانِيَةُ يَاءً كَبَائِعٍ أَيْ صَائِرٌ (إلَيْهِ) أَيْ اللُّزُومِ كَجُعْلٍ.
ابْنُ عَرَفَةَ الْمَضْمُونُ مَا يَأْتِي نَيْلُهُ مِنْ الضَّامِنِ أَوْ مَا يَسْتَلْزِمُهُ فَيَدْخُلُ الْوَجْهُ، وَكُلُّ الْكُلِّيِّ لَا الْجُزْئِيِّ الْحَقِيقِيِّ كَالْمُعَيَّنِ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ، وَلِذَا جَازَتْ بِعَمَلِ الْمُسَاقَاةِ لِأَنَّهُ كُلِّيٌّ حَسْبَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَجْوِبَتُهَا مَعَ غَيْرِهَا، وَتَوَقَّفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُفْتِينَ وَفِيهَا لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِمَا ابْتَعْته مِنْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، وَتَجُوزُ بِمَا أَدْرَكَهُ مِنْ دَرْكٍ فِي الْمَبِيعِ فَيَغْرَمُ الثَّمَنَ حِينَ الدَّرْكِ فِي غَيْبَةِ الْبَائِعِ وَعُدْمِهِ
وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِ لَازِمٍ فَقَالَ (لَا) يَصِحُّ الضَّمَانُ بِنُجُومِ (كِتَابَةٍ) لِعَدَمِ لُزُومِهَا إلَّا أَنْ يُعَجِّلَ سَيِّدُهُ عِتْقَهُ أَوْ يَشْتَرِطَ تَنْجِيزَ عِتْقِهِ عَلَى تَقْدِيرِ عَجْزِهِ فَيَصِحُّ ضَمَانُهُ فِيهَا لِلُزُومِهَا، وَإِنْ أَدَّاهَا الضَّامِنُ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَى الْمُكَاتَبِ، قَالَ فِي الشَّامِلِ لَا كِتَابَةَ عَلَى الْمَعْرُوفِ إلَّا بِشَرْطِ تَعْجِيلِ الْعِتْقِ أَوْ كَانَتْ نَجْمًا وَاحِدًا وَقَالَ الْحَمِيلُ هُوَ عَلَيَّ إنْ عَجَزَ (بَلْ) تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِ (كَجُعْلٍ) أَيْ عِوَضِ عَمَلٍ مُعَلَّقٍ عَلَى التَّمَامِ بِقَوْلِهِ إنْ جِئْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مَثَلًا فَيَصِحُّ ضَمَانُهُ فِيهَا وَلَوْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَالشَّامِلِ لِأَنَّهُ آيِلٌ لِلُّزُومِ، فَلِذَا مَثَّلَ بِهِ لَهُ " غ ".
فَإِنْ قُلْت لَوْ قَالَ بِدَيْنٍ لَازِمٍ أَوْ آيِلٍ كَجُعْلٍ لَا كِتَابَةٍ لَكَانَ أَحْسَنَ. قُلْت بَلْ صَنِيعُهُ أَمَسُّ لِعَطْفِهِ دَايِنْ عَلَى عَجِّلْ، إذْ هُمَا مِثَالَانِ لِلْآيِلِ إلَيْهِ، وَاقْتَضَى حُسْنُ الْإِلْقَاءِ أَنْ لَا يُقَدِّمَهُمَا لِطُولِ التَّفْرِيعِ فِي الثَّانِيَةِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا كِتَابَةَ بَلْ بِمُعَجَّلٍ كَجُعْلٍ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ الضَّمَانُ بِكِتَابَةٍ، بَلْ إنَّمَا يَجُوزُ بِعِوَضِ عِتْقٍ مُعَجَّلٍ كَمَا يَجُوزُ بِجُعْلٍ فَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِكِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ. وَأَمَّا مَنْ عَجَّلَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى مَالٍ فَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِهِ، وَكَذَا مَنْ قَالَ عَجِّلْ عِتْقَ مُكَاتَبِك وَأَنَا بِمَا فِي كِتَابَتِهِ كَفِيلٌ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَأَمَّا الْجُعْلُ فَلَمْ يُوقَفْ فِي عَيْنِهِ عَلَى رِوَايَةٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَلَكِنْ نَصَّ الْمَازِرِيُّ عَلَى جَوَازِ الضَّمَانِ فِيهِ وَلِلَّهِ دَرُّ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ لَمْ يَزَلْ بِهِ
وَدَايِنْ فُلَانًا، وَلَزِمَ فِيمَا ثَبَتَ
ــ
[منح الجليل]
نَقْلُ ابْنُ شَاسٍ وَاتَّبَعَهُ فِي ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ شَاسٍ قَالَ لَا يَجُوزُ ضَمَانُ الْجُعْلِ إلَّا بَعْدَ الْعَمَلِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَرَّرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ الْقَفْصِيُّ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَائِلًا لِأَنَّ الْجَعَالَةَ قَبْلَ الْعَمَلِ لَيْسَتْ بِعَقْدٍ مُنْبَرِمٍ، وَأَشْبَهَتْ الْكِتَابَةَ وَلَمْ يَقْنَعْ حَتَّى زَادَ، وَفِي جَوَازِ الْحَمَالَةِ بِهَا بَعْدَ الْعَمَلِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْعَامِلِ بَعْدَ الْعَمَلِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي هَذَا نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا لَازِمًا فِي الْحَالِ فَيَلْزَمُ فَهُوَ آيِلٌ إلَى اللُّزُومِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْمَازِرِيِّ، وَمِنْ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ مَا لَيْسَ بِعَقْدٍ لَازِمٍ كَالْجُعْلِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِالْعَقْدِ كَقَوْلِهِ إنْ جِئْتنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَكَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، فَهَذَا تَصِحُّ الْحَمَالَةُ بِهِ أَيْضًا قَبْلَ الْمَجِيءِ بِالْآبِقِ، فَإِنْ جَاءَ بِهِ لَزِمَ مَا تَحَمَّلَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ اهـ.
وَأَمَّا ابْنُ عَرَفَةَ فَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ، وَقَالَ قَوْلُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ لَا يَجُوزُ ضَمَانُ الْجُعْلِ إلَّا بَعْدَ الْعَمَلِ لَا أَعْرِفُهُ لِغَيْرِهِمَا، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ عِنْدِي الْجَوَازُ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ غَيْرِهَا بِصِحَّةِ ضَمَانِ مَا هُوَ مُحْتَمِلٌ لِلثُّبُوتِ اسْتِقْبَالًا. وَتَوْجِيهُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ نَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْجَعَالَةَ قَبْلَ الْعَمَلِ لَيْسَتْ بِعَقْدٍ مُنْبَرِمٍ فَأَشْبَهَتْ الْكِتَابَةَ، يُرَدُّ بِأَنَّ حَمَالَةَ الْكِتَابَةِ تُؤَدِّي إلَى الْغُرْمِ مَجَّانًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ دَيْنًا ثَابِتًا، وَالْجُعْلُ مَهْمَا غَرِمَهُ الْحَمِيلُ رَجَعَ بِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ دَيْنٌ ثَابِتٌ، وَفِي وَجِيزِ الْغَزَالِيِّ فِي ضَمَانِ الْجُعْلِ فِي الْجَعَالَةِ وَجْهَانِ
(وَ) يَصِحُّ الضَّمَانُ مِمَّنْ قَالَ لِشَخْصٍ (دَايِنْ فُلَانًا) أَيْ عَامِلْهُ بِدَيْنٍ بِأَنْ تُقْرِضَهُ أَوْ تُسَلِّمَهُ أَوْ تَبِيعُهُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَأَنَا ضَامِنُهُ فِيمَا تُعَامِلُهُ بِهِ (وَ) إنْ دَايَنَهُ (لَزِمَ) الضَّمَانُ الضَّامِنَ (فِيمَا) أَيْ دَيْنٍ أَوْ الدَّيْنِ الَّذِي (ثَبَتَ) تَدَايُنُهُ مِنْ الْمَقُولِ لَهُ. ابْنُ عَرَفَةَ مَنْ تَحَمَّلَ لِفُلَانٍ بِمَالِهِ قِبَلَ فُلَانٍ فِي لُزُومِ غُرْمِهِ مَا أَقَرَّ بِهِ فُلَانٌ بِإِقْرَارِهِ أَوْ وَقَفَهُ عَلَى ثُبُوتِهِ بِبَيِّنَةٍ نَقْلًا اللَّخْمِيُّ. قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدِّمْيَاطِيَّةِ وَالْمُدَوَّنَةِ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ. فِي الْبَزَّازِ وَمَا الْعَادَةُ الْمُدَايَنَةُ فِيهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَسَمِعَ عِيسَى رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْ قَالَ أَنَا حَمِيلٌ بِمَا بُويِعَ بِهِ فُلَانٌ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِمَّا بُويِعَ بِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ لَا بِإِقْرَارِهِ، وَكَذَا مَنْ شُكِيَ إلَيْهِ مَطْلُ رَجُلٍ فَقَالَ مَا عَلَيْهِ عَلَيَّ لَمْ يَلْزَمْهُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِبَيِّنَةٍ.
وَهَلْ يُقَيَّدُ بِمَا يُعَامَلُ بِهِ؟ تَأْوِيلَانِ وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْمُعَامَلَةِ، بِخِلَافِ احْلِفْ وَأَنَا ضَامِنٌ بِهِ،
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ رُشْدٍ مِثْلُهُ قَوْلُهَا مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ بَايِعْ فُلَانًا فَمَا بَايَعْته بِهِ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَا ضَامِنٌ ثَمَنَهُ لَزِمَهُ إذَا ثَبَتَ مَا بَايَعَهُ بِهِ زَادَ غَيْرُهُ عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا يُشْبِهُ أَنْ يُدَايَنَ بِمِثْلِهِ الْمَحْمُولُ عَنْهُ، وَلَا خِلَافَ عِنْدِي فِيهِ، وَلَا فِي مَسْأَلَةِ الشَّكْوَى اُنْظُرْ تَمَامَهُ فِي الْحَطّ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهَا إنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ مُدَايِنَتِهِ أَوْ مُعَامَلَةِ هَذَا الْمَثَلِ.
هَذَا (وَ) اخْتَلَفَ شُيُوخُهَا فِي جَوَابِ (هَلْ يُقَيَّدُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مُثَقَّلَةً اللُّزُومُ فِيمَا ثَبَتَ وَصِلَةُ يُقَيَّدُ (بِمَا يُعَامَلُ بِهِ) مِثْلُ الْمَضْمُونِ، وَهَذَا تَأْوِيلُ ابْنِ يُونُسَ وَابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، فَقَوْلُ الْغَيْرِ وِفَاقٌ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَوْ لَا يُقَيَّدُ بِذَلِكَ، وَهَذَا تَأْوِيلُ غَيْرُ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ شَارِحِيهَا فَهُوَ خِلَافٌ فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) وَأَنْكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ الثَّانِي قَالَ لَا أَذْكُرُ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْخِلَافِ، بَلْ نَصَّ ابْنُ رُشْدٍ وَالصَّقَلِّيُّ عَلَى أَنَّهُ وِفَاقٌ. اهـ. فَعُمْدَةُ الْمُصَنِّفِ فِي ذِكْرِ التَّأْوِيلَيْنِ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَا يَظْهَرُ فَإِنَّهُ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَفَسَّرَ بِهِ الشَّارِحَانِ التَّأْوِيلَيْنِ فَعُلِمَ أَنَّ جَعْلَهُ تَقْيِيدًا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَعْرُوفُ مِنْهُ فَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ.
(وَلَهُ) أَيْ مَنْ قَالَ دَايِنْ فُلَانًا وَأَنَا ضَامِنُهُ (الرُّجُوعُ) عَنْ الضَّمَانِ (قَبْلَ) حُصُولِ (الْمُعَامَلَةِ) بَيْنَ الْمَضْمُونِ لَهُ وَالْمَضْمُونِ لِالْتِزَامِهِ الضَّمَانَ فِيمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَطْلَقَ أَوْ قَيَّدَ بِقَدْرٍ كَمِائَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ فِي التَّقْيِيدِ بِقَدْرٍ وَالْآخَرُ لَا رُجُوعَ لَهُ، وَقَوْلُهُ قَبْلَ الْمُعَامَلَةِ أَيْ قَبْلَ تَمَامِهَا، فَإِنْ عَامَلَهُ يَوْمًا مَثَلًا ثُمَّ رَجَعَ الضَّامِنُ لَزِمَهُ مَا عَامَلَهُ بِهِ فِي الْيَوْمِ لَا مَا عَامَلَهُ بِهِ فِيمَا بَعْدَهُ قَالَهُ الْجَزِيرِيُّ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا حَدَّ لِمَا يُعَامِلُهُ بِهِ حَدًّا كَمِائَةٍ أَوْ لَمْ يَحُدَّ لَهُ حَدًّا وَقُلْنَا يُقَيَّدُ بِمَا يُعَامَلُ بِهِ مِثْلُهُ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي فَلَا فَائِدَةَ لَهُ قَالَهُ عب، وَفِي قَوْلِهِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي إلَخْ نَظَرٌ، إذْ الْفَائِدَةُ ظَاهِرَةٌ عَلَيْهِ أَيْضًا.
(بِخِلَافِ) مَنْ قَالَ لِمُدَّعٍ بِمَالٍ عَلَى مُنْكِرِهِ (احْلِفْ) عَلَى مَا ادَّعَيْت بِهِ (وَأَنَا ضَامِنٌ)
إنْ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ضَامِنِهِ
وَإِنْ جُهِلَ
ــ
[منح الجليل]
بِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَلَوْ قَبْلَ حَلِفِهِ لِأَنَّهُ أَحَلَّ نَفْسَهُ مَحَلَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ إذَا قَالَ لِلْمُدَّعِي احْلِفْ وَخُذْ فَلَا رُجُوعَ لَهُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَنْ قَالَ لِرَجُلٍ احْلِفْ أَنَّ الَّذِي تَدَّعِيهِ قِبَلَ أَخِي حَقٌّ وَأَنَا ضَامِنٌ ثُمَّ رَجَعَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُ رُجُوعُهُ، وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إنْ حَلَفَ الطَّالِبُ، وَإِنْ مَاتَ كَانَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ فَإِنْ أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِمَا غَرِمَ الْحَمِيلُ غَرِمَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَنْكَرَهُ فَلِلْحَمِيلِ تَحْلِيفُهُ، فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ الْحَمِيلِ إذْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ وَلَا لَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الطَّالِبَ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَفَ أَوَّلًا، وَأَشْبَهَتْ يَمِينُهُ يَمِينَ التُّهَمِ الَّتِي بِالنُّكُولِ عَنْهَا يَغْرَمُ. اهـ. مِنْ أَبِي الْحَسَنِ.
وَأَشَارَ لِلْمَضْمُونِ فِيهِ أَيْضًا بِجَعْلِهِ شَرْطًا فَقَالَ (إنْ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ) أَيْ الْحَقِّ الْمَضْمُونِ (مِنْ ضَامِنِهِ) وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ بِدَيْنٍ، إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إخْرَاجُ الْمُعَيَّنَاتِ وَالْحُدُودِ وَنَحْوِهَا كَالتَّعَازِيرِ وَالْقَتْلِ وَالْجَرْحِ فَلَا يَصِحُّ الضَّمَانُ فِيهَا إذْ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ الضَّامِنِ، وَهَذِهِ خَارِجَةٌ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ، وَأَيْضًا فَالضَّمَانُ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَا احْتَرَزَ عَنْهُ بِهَذَا الْقَيْدِ حَتَّى يَحْتَاجَ لِإِخْرَاجِهِ بِهِ، إذْ هُوَ شَغْلُ ذِمَّةٍ أُخْرَى بِالْحَقِّ وَالْمُعَيَّنَاتُ لَا تَقْبَلُهَا الذِّمَمُ وَكَذَا الْحُدُودُ وَنَحْوُهَا لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ لَا بِالذِّمَّةِ، وَهَذَا الْإِيرَادُ الثَّانِي وَارِدٌ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ بِدَيْنٍ، إذْ مُحْتَرَزُهُ الْمُتَقَدِّمُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ، وَلَعَلَّ الْغَرَضَ مِنْ ذِكْرِهِ التَّوَصُّلُ بِهِ إلَى صِفَتِهِ وَهُوَ اللَّازِمُ قَالَهُ " د "
(وَ) يَصِحُّ الضَّمَانُ بِالدَّيْنِ الثَّابِتِ اللَّازِمِ إنْ كَانَ مَعْلُومًا، بَلْ (وَإِنْ جُهِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الدَّيْنُ حَالًا وَمَآلًا، الْحَطُّ مِنْ صُوَرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ مَا ذَابَ لَك قِبَلَ فُلَانٍ الَّذِي تُخَاصِمُ فَأَنَا بِهِ حَمِيلٌ فَاسْتُحِقَّ قِبَلَهُ مَالًا كَانَ هَذَا الْكَفِيلُ ضَامِنًا لَهُ. عِيَاضٌ ذَابَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ فَأَلْفٍ سَاكِنَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ أَيْ ثَبَتَ وَصَحَّ.
فِي التَّوْضِيحِ إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ الضَّمَانِ فَقَوْلَانِ اسْتَقْرَاهُمَا.
عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنْهَا ابْنُ الْمَوَّازِ مَا أَقَرَّ بِهِ قَبْلَ الْحَمَالَةِ يَلْزَمُهُ غُرْمُهُ، وَقَيَّدَ ابْنُ سَحْنُونٍ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بِعُسْرِ الْغَرِيمِ. وَأَمَّا الْمُوسِرُ فَلَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ ثُمَّ قَالَ قَالَ ابْنُ يُونُسَ تَجُوزُ الْحَمَالَةُ بِالْمَالِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، وَيَضْرِبُ لَهُ مِنْ الْأَجَلِ بِقَدْرِ مَا يَرَى. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ
أَوْ مَنْ لَهُ، وَبِغَيْرِ إذْنِهِ: كَأَدَائِهِ رِفْقًا لَا عَنَتًا فَيُرَدُّ: كَشِرَائِهِ،
ــ
[منح الجليل]
قَالَ لِرَجُلٍ إنْ لَمْ يُوَفِّك فُلَانٌ حَقَّك فَهُوَ عَلَيَّ وَلَمْ يَضْرِبْ لِذَلِكَ أَجَلًا تَلَوَّمَ لَهُ السُّلْطَانُ بِقَدْرِ مَا يَرَى، ثُمَّ يَلْزَمُهُ الْمَالُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ حَاضِرًا مَلِيًّا، وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ يُوَفِّك حَقَّك فُلَانٌ حَتَّى يَمُوتَ فَهُوَ عَلَيَّ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْكَفِيلِ حَتَّى يَمُوتَ الْغَرِيمُ يُرِيدُ عَدِيمًا.
ابْنُ يُونُسَ لَوْ مَاتَ الْحَمِيلُ قَبْلَ مَوْتِ الْغَرِيمِ وَجَبَ أَنْ يُوقَفَ مِنْ مَالِهِ قَدْرُ الدَّيْنِ، فَإِنْ مَاتَ الْمَحْمُولُ عَنْهُ عَدِيمًا أَخَذَ الْمَحْمُولُ لَهُ ذَلِكَ الْمَوْقُوفَ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ إلَى خُرُوجِ الْعَطَاءِ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا إنْ كَانَ فِي قَرْضٍ أَوْ فِي تَأْخِيرِ ثَمَنِ بَيْعٍ صَحَّتْ عُقْدَتُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ بَيْعٍ لَمْ يَجُزْ إذَا كَانَ الْعَطَاءُ مَجْهُولًا.
وَيَصِحُّ الضَّمَانُ بِالدَّيْنِ الثَّابِتِ اللَّازِمِ سَوَاءٌ عَلِمَ الْمَضْمُونُ لَهُ (أَوْ) جَهِلَ (مَنْ) أَيْ الشَّخْصُ الَّذِي الدَّيْنُ (لَهُ) إذْ لَا يَخْتَلِفُ الضَّمَانُ بِمَعْرِفَتِهِ وَعَدَمِهَا (وَ) صَحَّ الضَّمَانُ (بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ الْمَضْمُونِ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ صِحَّةُ ضَمَانِهِ وَإِنْ جَهِلَهُ الضَّامِنُ. الْبُنَانِيُّ جَرَتْ عَادَةُ الْمُوَثِّقِينَ بِذِكْرِ رِضَا الْمَدِينِ بِضَمَانِهِ، وَسَبَبُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا قَالَهُ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْحَمَالَةَ لَا تَلْزَمُ الْمِدْيَانَ إلَّا بِشَرْطِ كَوْنِهَا بِأَمْرِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ نُصُوصُهَا مَعَ غَيْرِهَا بِصِحَّةِ الْحَمَالَةِ دُونَ رِضَا الْمُتَحَمَّلِ عَنْهُ وَاضِحَةٌ. الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ فَتُّوحٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ لَا تَلْزَمُ الْحَمَالَةُ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ إلَّا بِأَمْرِهِ، وَلِذَا كَتَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ تَحَمَّلَ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ بِأَمْرِهِ.
وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ (كَأَدَائِهِ) أَيْ الدَّيْنِ لِرَبِّهِ مِنْ غَيْرِ الْمَدِينِ بِلَا إذْنِهِ فَيَصِحُّ إذَا أَدَّاهُ عَنْهُ (رِفْقًا) بِالْمَضْمُونِ فِي الْأُولَى وَبِالْمُؤَدَّى عَنْهُ فِي الثَّانِيَةِ (لَا) يَصِحُّ الضَّمَانُ وَلَا التَّأْدِيَةُ إنْ ضَمِنَهُ أَوْ أَدَّى عَنْهُ (عَنَتًا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ فَمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ أَيْ لِإِضْرَارِهِ بِسُوءِ طَلَبِهِ وَحَبْسِهِ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا (فَيُرَدُّ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ الْمَالُ الَّذِي أَدَّاهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ لِمُؤَدِّيهِ إنْ كَانَ بَاقِيًا بِعَيْنِهِ، فَإِنْ فَاتَ رُدَّ لَهُ عِوَضُهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ بِغَيْبَةِ الْمَدْفُوعِ لَهُ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَنْ يَقْبِضُ مِنْ الْمَدِينِ وَيَدْفَعُ لِلْمُؤَدِّي عَنَتًا.
وَشَبَّهَ فِي الْمَنْعِ لِلْعَنَتِ وَالرَّدِّ فَقَالَ (كَشِرَائِهِ) أَيْ الدَّيْنِ عَنَتًا فَيُرَدُّ، فَإِنْ فَاتَ رُدَّ عِوَضُهُ إلَخْ مَا تَقَدَّمَ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي كِتَابِ الْمِدْيَانِ مِنْهَا مَنْ أَدَّى عَنْ رَجُلٍ دَيْنًا بِغَيْرِ أَمْرِهِ
وَهَلْ إنْ عَلِمَ بَائِعُهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؟ تَأْوِيلَانِ
، لَا إنْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ فَضَمِنَ ثُمَّ أَنْكَرَ، أَوْ قَالَ لِمُدَّعٍ عَلَى مُنْكِرٍ: إنْ لَمْ آتِك بِهِ لِغَدٍ فَأَنَا ضَامِنٌ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ، إنْ لَمْ يُثْبِتْ حَقَّهُ بِبَيِّنَةٍ،
ــ
[منح الجليل]
جَازَ إنْ فَعَلَهُ رِفْقًا بِالْمَطْلُوبِ، وَإِنْ أَرَادَ الضَّرَرَ بِطَلَبِهِ وَإِعْنَاتِهِ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَى دَيْنًا عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَرُدَّ إنْ عُلِمَ. أَبُو الْحَسَنِ قَصْدُ الضَّرَرِ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ فَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِإِقْرَارِهِ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بِقَرَائِنَ تَدُلُّ عَلَيْهِ.
(وَهَلْ) رَدُّ شِرَاءِ الدَّيْنِ عَنَتًا (إنْ عَلِمَ بَائِعُهُ) أَيْ الدَّيْنِ يَقْصِدُ مُشْتَرِيَهُ بِشِرَائِهِ الْعَنَتَ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ فَلَا يُرَدُّ وَيُبَاعُ الدَّيْنُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِشَخْصٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينِ عَدَاوَةٌ لِيَرْتَفِعَ ضَرَرُهُ بِهِ (وَهُوَ) أَيْ التَّقْيِيدُ بِعِلْمِ بَائِعِهِ (الْأَظْهَرُ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ خِلَافِ مَنْ تَقَدَّمَهُ.
" غ " إنَّمَا وَقَفْت عَلَى هَذَا التَّرْجِيحِ لِابْنِ يُونُسَ، وَعَنْهُ نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ فَإِنْ لَمْ يَقُلْهُ ابْنُ رُشْدٍ فَصَوَابُهُ وَهُوَ الْأَرْجَحُ. ابْنُ عَرَفَةَ لَوْ ثَبَتَ قَصْدُ مُشْتَرِي الدَّيْنِ ضَرَرَ الْمَدِينِ وَالْبَائِعُ جَاهِلٌ بِذَلِكَ، فَفِي فَسْخِ بَيْعِهِ وَمُضِيِّهِ وَيُبَاعُ عَلَى مُشْتَرِيهِ نَقْلًا عَبْدِ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَغَيْرِهِ مَعَ الصِّقِلِّيِّ، أَوْ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ بَائِعِهِ قَصْدَ مُشْتَرِيهِ الضَّرَرَ بِشِرَائِهِ فَيُرَدُّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بَائِعُهُ وَهُوَ ظَاهِرُهَا عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ وَغَيْرِهِ فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ)
(لَا) يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ (إنْ ادَّعَى) شَخْصٌ دَيْنًا (عَلَى) شَخْصٍ (غَائِبٍ فَضَمِنَ) شَخْصٌ آخَرُ الْغَائِبَ فِيمَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ (ثُمَّ أَنْكَرَ) الْغَائِبُ الدَّيْنَ بَعْدَ حُضُورِهِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ الدَّيْنُ بِبَيِّنَةٍ (أَوْ قَالَ) شَخْصٌ (لِ) شَخْصٍ (مُدَّعٍ عَلَى) شَخْصٍ (مُنْكِرٍ) بِكَسْرِ الْكَافِ لَمَّا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ أَطْلِقْهُ الْيَوْمَ وَأَنَا آتِيك بِهِ غَدًا.
وَ (إنْ لَمْ آتِك بِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ (لِغَدٍ) أَيْ فِيهِ (فَأَنَا ضَامِنٌ) مَا ادَّعَيْت بِهِ عَلَيْهِ (وَلَمْ يَأْتِ) الْقَائِلُ (بِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرُ فِي الْغَدِ فَلَا يَلْزَمُ الْقَائِلَ شَيْءٌ (إنْ لَمْ يَثْبُتْ) الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِبَيِّنَةٍ) فَإِنْ ثَبَتَ بِهَا لَزِمَ الضَّامِنَ مَا ثَبَتَ.
وَهَلْ بِإِقْرَارِهِ؟ تَأْوِيلَانِ: كَقَوْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: أَجِّلْنِي الْيَوْمَ فَإِنْ لَمْ أُوَافِك غَدًا فَاَلَّذِي تَدَّعِيهِ عَلَيَّ حَقٌّ.
ــ
[منح الجليل]
وَهَلْ) يَلْزَمُ الضَّامِنَ مَا ثَبَتَ (بِإِقْرَارِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ مَدْلُولُ الْكِتَابِ أَوْ لَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. عِيَاضٌ لَوْ أَقَرَّ الْمُتَكَفَّلُ عَنْهُ بَعْدُ فَلَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ وَهُوَ نَصُّ كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ بَعْضُهُمْ الْكِتَابَ. فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يَذْكُرْهُمَا الشَّارِحَانِ إلَّا فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ زَادُوا وَأَقْبَلَ بِإِقْرَارِهِ لَكَانَ حَسَنًا فِي عَدَمِ اللُّزُومِ الْمَطْوِيِّ فِي كَلَامِهِ قَالَهُ تت.
الْحَطّ الشَّرْطُ وَمَا بَعْدَهُ رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهُ، اُنْظُرْ الْمُدَوَّنَةَ فِي الْحَمَالَةِ، وَكَلَامُ أَبِي الْحَسَنِ عَلَيْهَا يُفْهَمُ مِنْهُ ذَلِكَ. الْبُنَانِيُّ الْأَوَّلُ لِعِيَاضٍ، وَالثَّانِي لِغَيْرِهِ. وَلَوْ قَالَ وَهَلْ وَبِإِقْرَارِهِ كَانَ أَوْلَى، وَقَوْلُ " ز " رَاجِعٌ لِلثَّانِيَةِ فَقَطْ أَصْلُهُ لِلشَّارِحِ وَالْبِسَاطِيِّ وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَاشِرٍ قَائِلًا لِأَنَّ الْأُولَى فَرْضُهَا الْإِنْكَارُ. الْمِسْنَاوِيُّ لَعَلَّهُمْ تَكَلَّمُوا عَلَى مَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِغَيْرِهِ اقْتِصَارًا عَلَى مَا عَلَيْهِ شُيُوخُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى خِلَافُ ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا التَّأْوِيلَانِ إنَّمَا هُمَا فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ كَانَ فِي الْأُولَى خِلَافٌ أَيْضًا، لَكِنَّهُ لَيْسَ بِتَأْوِيلٍ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ اللُّزُومِ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ الْحَقُّ بِبَيِّنَةٍ وَفِي لُزُومِهِ حَيْثُ ثَبَتَ بِهَا، وَيُعْتَبَرُ الْإِقْرَارُ هُنَا اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ عَلَى نَفْسِهِ فَقَالَ (كَقَوْلِ) الشَّخْصِ (الْمُدَّعَى) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (عَلَيْهِ) الْمُنْكِرِ لِلْمُدَّعِي (أَجِّلْنِي الْيَوْمَ) وَأَنَا أُوَافِيك غَدًا (فَإِنْ لَمْ أُوَافِك) أَيْ آتِك وَأُلَاقِك (غَدًا فَاَلَّذِي تَدَّعِيهِ عَلَيَّ) بِفَتْحِ الْيَاءِ مُشَدَّدَةً (حَقٌّ) وَأَخْلَفَ وَعْدَهُ وَلَمْ يُوَافِهِ غَدًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. الْحَطُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَأَ قَوْلُهُ أُوَافِك بِأَلْفٍ بَعْدَ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ مِنْ الْمُوَافَاةِ، أَيْ الْمُلَاقَاةِ، وَيُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ لِابْنِ هِشَامٍ.
وَمِنْ كِتَابِ الْجِدَارِ وَسُئِلَ عِيسَى عَنْ الْخَصْمَيْنِ يَشْتَرِطُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ لَمْ يُوَافِهِ عِنْدَ الْقَاضِي إلَى أَجَلٍ سَمَّيَاهُ فَدَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ إنْ كَانَ مُدَّعِيًا أَوْ دَعْوَى صَاحِبِهِ حَقٌّ إنْ كَانَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
مُدَّعَى عَلَيْهِ فَيُخْلِفُهُ هَلْ يَلْزَمُهُ هَذَا الشَّرْطُ قَالَ لَا يُوجِبُ هَذَا الشَّرْطُ حَقًّا لَمْ يَجِبْ وَلَا يُسْقِطُ حَقًّا قَدْ وَجَبَ، وَسُئِلَ عَنْ الْخَصْمَيْنِ يَتَوَاعَدَانِ إلَى الْمُوَافَاةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَهُوَ عَلَى بُعْدٍ مِنْهُمَا يُسَمِّيَانِهَا فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا إنِّي أَخَافُ أَنْ تُخْلِفَنِي فَأَتْعَبَ وَأَغْرَمَ كِرَاءَ الدَّابَّةِ فَيَقُولُ إنْ لَمْ أُوَافِك فَدَعْوَاك حَقٌّ ثُمَّ يُخْلِفُهُ قَالَ لَا أَرَى ذَلِكَ يَلْزَمُهُ. اهـ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْرَأَ أُوَفِّك غَدًا بِإِسْقَاطِ الْأَلْفِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ مِنْ التَّوْفِيَةِ وَنَحْوُهُ فِي حَمَالَةِ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهَا وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لِلطَّالِبِ أَجِّلْنِي الْيَوْمَ، فَإِنْ لَمْ أُوَافِك غَدًا فَاَلَّذِي تَدَّعِيهِ قِبَلِي حَقٌّ فَهَذِهِ مُخَاطَرَةٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ أَيْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بَيِّنَةً. أَبُو الْحَسَنِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ إذْ قَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ اهـ.
(فَرْعٌ) أَبُو الْحَسَنِ مَا يَقُولُهُ النَّاسُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ مَجْلِسَ الْقَاضِي وَقْتَ كَذَا فَالْحَقُّ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ مَنْ الْتَزَمَهُ اهـ.
(فَرْعٌ) فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ لَوْ قَالَ لِغَرِيمِهِ إنْ عَجَّلْت لِي مِنْ حَقِّي كَذَا وَكَذَا فَبَقِيَّتُهُ مَوْضُوعَةٌ عَنْك، إمَّا السَّاعَةَ أَوْ إلَى أَجَلٍ سَمَّاهُ فَيُعَجِّلُ ذَلِكَ فِي السَّاعَةِ أَوْ فِي الْأَجَلِ إلَّا الدِّرْهَمَ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْوَضِيعَةُ، فَقَالَ عِيسَى مَا أَرَى الْوَضِيعَةَ تَلْزَمُهُ إذْ لَمْ يُعَجِّلْ جَمِيعَ حَقِّهِ. طفي الَّذِي فِي النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْت عَلَيْهَا أُوَفِّك، وَالصَّوَابُ أُوَافِك بِأَلْفٍ بَعْدَ الْوَاوِ مِنْ وَافَى بِمَعْنَى أَتَى، وَالْأُولَى تَصْحِيفٌ مِمَّنْ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ إذْ لَا مَعْنَى لِوَفَّى الَّذِي بِمَعْنَى أَدَّى هُنَا، إذْ هَذَا كَصَرِيحِ الْإِقْرَارِ وَمُخَالِفٌ لِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لِلطَّالِبِ أَجِّلْنِي يَوْمَيْنِ، فَإِنْ لَمْ أُوَافِك غَدًا فَاَلَّذِي تَدَّعِيهِ قِبَلِي حَقٌّ، فَهَذِهِ مُخَاطَرَةٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. أَبُو الْحَسَنِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ، إذْ قَدْ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَفُهِمَ مِنْ تَوْجِيهِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ وَافَى بِمَعْنَى أَتَى.
وَمِمَّا يَدُلُّ لَهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ أَيْ قَوْلَهُ إنْ لَمْ آتِك بِهِ لِغَدٍ فَأَنَا ضَامِنٌ عَبَّرَ عَنْهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ بِإِنْ لَمْ أُوَافِك كَمَا فِي هَذِهِ فَخَالَفَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهُمَا تَفَنُّنًا، وَنَصُّهَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ ادَّعَى
وَرَجَعَ بِمَا أَدَّى وَلَوْ مُقَوَّمًا، إنْ ثَبَتَ الدَّفْعُ.
ــ
[منح الجليل]
عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَأَنْكَرَهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَنَا بِهِ كَفِيلٌ إلَى غَدٍ، فَإِنْ لَمْ أُوَافِك فِي غَدٍ بِهِ فَأَنَا ضَامِنٌ لِلْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ فِي غَدٍ فَلَا يَلْزَمُ الْحِيَلَ شَيْءٌ حَتَّى يُثْبِتَ الْحَقَّ بِبَيِّنَةٍ فَيَكُونَ حَمِيلًا بِهِ وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ تَغَيُّرَ تت وَغَيْرِهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَأَنَّ تَجْوِيزَ الْحَطّ تَشْدِيدَ الْفَاءِ بِمَعْنَى الْوَفَاءِ وَاسْتِدْلَالَهُ عَلَى هَذَا الضَّبْطِ بِلَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورِ فِيهِ نَظَرٌ، إذْ كَلَامُهَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا تَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْبُنَانِيُّ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ ابْنَ يُونُسَ اخْتَصَرَهَا بِلَفْظِ فَإِنْ لَمْ آتِك غَدًا
(وَ) إنْ دَفَعَ الضَّامِنُ شَيْئًا لِلْمَضْمُونِ لَهُ (رَجَعَ) عَلَى الْمَضْمُونِ (بِ) مِثْلِ (مَا) أَيْ الْمَالِ الَّذِي (أَدَّى) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مُثَقَّلَةً أَيْ دَفَعَهُ الضَّامِنُ لِلْمَضْمُونِ لَهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا كَعَيْنٍ وَطَعَامٍ، بَلْ (وَلَوْ) كَانَ مَا أَدَّاهُ (مُقَوَّمًا) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَالْوَاوِ، وَمُثَقَّلًا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، لِأَنَّهُ كَالسَّلَفِ، وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى قَوْلِ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْمُقَوَّمِ وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُقَوَّمُ عَرْضًا اشْتَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ حَكَى فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ يَرْجِعُ بِثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ إنْ لَمْ يُحَابَ، وَسَاقَهُ فِي الشَّامِلِ قَيَّدَ الْحَطّ ابْنُ رُشْدٍ إذَا اشْتَرَى الْكَفِيلُ الْعَرْضَ الَّذِي تَحَمَّلَ بِهِ فَلَا اخْتِلَافَ أَعْرِفُهُ فِي أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَطْلُوبِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ مَا لَمْ يُحَابِ الْبَائِعَ فَلَا يَرْجِعُ بِمَا زَادَ عَلَى الْقِيمَةِ. وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ إنْ كَانَ ضَمِنَ الْمَضْمُونَ بِإِذْنِهِ وَإِلَّا فَيَرْجِعُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الثَّمَنِ وَقِيمَةِ مَا تَحَمَّلَ بِهِ.
وَيَرْجِعُ بِمَا أَدَّى (إنْ ثَبَتَ الدَّفْعُ) مِنْ الضَّامِنِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ بِبَيِّنَةٍ عَايَنَتْ دَفْعَ الدَّيْنِ لِلطَّالِبِ أَوْ بِإِقْرَارِ الطَّالِبِ بِقَبْضِهِ مِنْ الضَّامِنِ، وَأَمَّا إقْرَارُ الْمَطْلُوبِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الدَّفْعُ فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْحَمِيلَ لَا يَرْجِعُ إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا إقْرَارُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ بِأَنَّ الضَّامِنَ دَفَعَ الدَّيْنَ لِلطَّالِبِ إذَا أَنْكَرَ الطَّالِبُ الْقَبْضَ وَهُوَ كَذَلِكَ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَلَمْ أَعْلَمْ خِلَافًا فِي هَذَا إذَا أَدَّى الضَّامِنُ الدَّيْنَ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْغَرِيمِ وَأَمَّا بِحَضْرَتِهِ فَلِابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِتَقْصِيرِهِ وَبِتَرْكِ الْإِشْهَادِ، وَلَهُ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ يَرْجِعُ لِتَقْصِيرِ الْغَرِيمِ فِيهِ.
وَجَازَ صُلْحُهُ عَنْهُ بِمَا جَازَ لِلْغَرِيمِ عَلَى الْأَصَحِّ
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ رُشْدٍ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْمَالَ لِلضَّامِنِ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِشْهَادِ عَلَى دَفْعِهِ، وَذَكَرَ الْحَطّ سَمَاعَ عِيسَى وَكَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهِ فَانْظُرْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَطّ تَنْبِيهٌ هَذَا إذَا دَفَعَ الْحَمِيلُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَلَوْ دَفَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ الْمَالَ لِلْحَمِيلِ لِيَدْفَعَهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ فَدَفَعَهُ ثُمَّ أَنْكَرَهُ فَإِنْ دَفَعَهُ بِحَضْرَةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَمِيلِ الدَّافِعِ وَيَغْرَمُهُ الْمَضْمُونُ ثَانِيَةً بَعْدَ يَمِينِ الطَّالِبِ الْجَاحِدِ، فَإِنْ أَعْدَمَ الْمَطْلُوبُ أَوْ غَابَ أُخِذَ مِنْ الْحَمِيلِ ثَانِيَةً وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمَطْلُوبِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلطَّالِبِ قِبَلَهُ كَمَا لَوْ دَفَعَهُ الْمَطْلُوبُ بِحَضْرَةِ الْحَمِيلِ وَجَحَدَهُ الطَّالِبُ وَأَخَذَهُ مِنْ الْحَمِيلِ ثَانِيَةً لِعَدَمِ الْمَطْلُوبِ أَوْ غَيْبَتِهِ، وَإِنْ دَفَعَهُ الْحَمِيلُ مِنْ مَالِهِ الْمَطْلُوبِ فِي غَيْبَتِهِ ضَمِنَهُ لِلْمَطْلُوبِ وَلَهُ تَضْمِينُهُ وَإِنْ عَلِمَ دَفْعَهُ لِلطَّالِبِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِتَرْكِ إشْهَادِهِ عَلَى دَفْعِهِ قَالَهُ فِي سَمَاعِ عِيسَى
(وَجَازَ صُلْحُهُ) أَيْ الضَّامِنِ رَبِّ الدَّيْنِ (عَنْهُ) أَيْ الْمَدِينِ أَوْ الدَّيْنِ (بِمَا) أَيْ الْمَالِ الَّذِي (جَازَ لِلْغَرِيمِ) أَيْ الْمَدِينِ صَلَحَ رَبُّ الدَّيْنِ بِهِ (عَلَى) الْقَوْلِ (الْأَصَحِّ) مِنْ الْخِلَافِ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ قَدَّمَهُمْ الْمُصَنِّفُ فَيَنْزِلُ الضَّامِنُ مَنْزِلَةَ الْمَضْمُونِ، فَيَجُوزُ صُلْحُ الضَّامِنِ بَعْدَ الْأَجَلِ عَنْ دَنَانِيرَ جَيِّدَةٍ بِدَنَانِيرَ رَدِيئَةٍ وَعَكْسِهِ لِجَوَازِهِ لِلْمَضْمُونِ.
(تَنْكِيتٌ) تَعَقَّبَ الْبِسَاطِيُّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ بِصُورَتَيْنِ يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهِمَا لِلْغَرِيمِ وَلَا يَجُوزُ الضَّامِنُ أَحَدُهُمَا طَعَامُ السَّلَمِ الَّذِي حَلَّ أَجَلُهُ، يَجُوزُ لِلْغَرِيمِ الصُّلْحُ عَنْهُ بِأَدْنَى أَوْ أَجْوَدَ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَجُوزُ لِلضَّامِنِ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ صُلْحُ الْغَرِيمِ بِغَيْرِ الْجِنْسِ بِشَرْطِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلضَّامِنِ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْ دَنَانِيرَ بِدَرَاهِمَ وَعَكْسُهُ، وَيُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْأُولَى فِي تَوْضِيحِهِ عَقِبَ قَوْلِهِ مَا جَازَ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَدْفَعَهُ جَازَ لِلضَّامِنِ، قَالَ لَكِنْ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَمْ يَطَّرِدْ هَذَا أَيْ الْجَوَازُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الطَّعَامِ مِنْ السَّلَمِ فَإِنَّهُ مَنَعَ الْكَفِيلَ أَنْ يُصَالِحَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ بِطَعَامٍ أَجْوَدَ مِمَّا تَحَمَّلَ بِهِ أَوْ أَدْنَى مِنْهُ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَضَاءً عَنْ الْغَرِيمِ لَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ اهـ. فَلَمْ يَعْتَمِدْ هُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْهَا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَفِي التَّوْضِيحِ قَبْلَ هَذَا بِنَحْوِ صَفْحَةٍ اخْتَلَفَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ إذَا صَالَحَ بِمِثْلِيٍّ مُخَالِفٍ جِنْسَ الدَّيْنِ فَمَنَعَهُ فِي السَّلَمِ الثَّانِي وَأَجَازَهُ فِي الْكَفَالَةِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ أَقْرَبُ لِأَنَّ الْبَابَ مَعْرُوفٌ، وَمَا لَا يَجُوزُ لِلْغَرِيمِ دَفْعُهُ عِوَضًا عَمَّا عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ لِلضَّامِنِ فَلَوْ ضَمِنَهُ فِي عُرُوضٍ مِنْ سَلَمٍ فَلَا يَجُوزُ لِلضَّامِنِ الصُّلْحُ عَنْهَا قَبْلَ الْأَجَلِ بِأَدْنَى صِفَةً أَوْ قَدْرًا لِدُخُولِ ضَعْ وَتَعَجَّلْ وَلَا بِأَكْثَرَ قَبْلَ الْأَجَلِ لِدُخُولِ حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُ قَالَهُ تت.
طفي لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَعْطَى الْحَمِيلَ مِثْلَ مَا أَدَّى أَوْ مَا كَانَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ لَمْ يَعْتَمِدْ مَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ عَنْهَا فِيهِ نَظَرٌ، إذْ يَبْقَى الْمُصَنِّفُ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ فِي مُخَالَفَةِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَوْلُهُ اخْتَلَفَ قَوْلُ الْمُدَوَّنَةِ إذَا صَالَحَ بِمِثْلِيٍّ إلَخْ أَيْ: وَالدَّيْنُ عَيْنٌ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي مَنْعِهِ عَنْ عَيْنٍ بِمِثْلِيٍّ وَجَوَازِهِ قَوْلًا سَلَمُهَا وَكَفَالَتُهَا، وَنَصُّ سَلَمِهَا وَإِنْ كَانَ دَيْنُك مِائَةَ دِينَارٍ مِنْ قَرْضٍ فَصَالَحَك الْكَفِيلُ عَنْهَا قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ بَعْدَهُ بِشَيْءٍ يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ جَازَ ذَلِكَ، وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْغَرِيمِ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ لَمَّا صَالَحَ بِهِ وَإِنْ صَالَحَك الْكَفِيلُ بِطَعَامٍ أَوْ بِمَا يَقْضِي بِثَمَنِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْغَرِيمَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ إنْ أَعْطَاك مِثْلَهُ أَوْ الدَّيْنَ اهـ.
وَنَصُّ كَفَالَتِهَا وَمَنْ تَكَفَّلَ بِمِائَةِ دِينَارٍ هَاشِمِيَّةٍ فَأَدَّاهَا دِمَشْقِيَّةً وَهِيَ دُونَهَا بِرِضَا الطَّالِبِ رَجَعَ بِمِثْلِ مَا أَدَّى، وَلَوْ دَفَعَ فِيهَا عَرْضًا أَوْ طَعَامًا فَالْغَرِيمُ مُخَيَّرٌ فِي دَفْعِ مِثْلِ الطَّعَامِ أَوْ قِيمَةِ الْعَرْضِ أَوْ مَا لَزِمَهُ مِنْ أَصْلِ الدَّيْنِ اهـ. فَكِلَاهُمَا فِي الْمُصَالَحَةِ عَنْ الْعَيْنِ بِمِثْلِيٍّ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ خِلَافًا لِتَعْمِيمِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، أَمَّا الْمُصَالَحَةُ عَنْ الْعَيْنِ بِمُقَوَّمٍ فَجَائِزَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَصِّ سَلَمِهَا، وَحَكَى الْمَازِرِيُّ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقَ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَأَمَّا الْمُصَالَحَةُ عَنْ الْعِوَضِ بِعَرْضٍ أَوْ عَيْنٍ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي مَنْعِهِ عَنْ عَرْضٍ بِعَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ مُخَالِفٍ لَهُ سَمَاعُ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ.
وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا الْمُصَالَحَةُ عَنْ الْمِثْلِيِّ بِمِثْلِيٍّ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَتَمْرٍ عَنْ قَمْحٍ، ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ قَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْبِسَاطِيَّ أَطْلَقَ فِي مَنْعِ الْمُصَالَحَةِ بِغَيْرِ الْجِنْسِ لِلْكَفِيلِ، وَفِيهَا تَفْصِيلٌ. وَقَوْلُ تت فَدَرَجَ هُنَا عَلَى مَا اسْتَقَرَّ بِهِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَلْزَمُ
وَرَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِنْهُ أَوْ قِيمَتِهِ. وَإِنْ بَرِئَ الْأَصْلُ:
ــ
[منح الجليل]
عَلَيْهِ مُخَالَفَةُ الْمَشْهُورِ لِأَنَّ مَا فِي سَلَمِهَا هُوَ الْمَشْهُورُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ زَرْقُونٍ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا فِي كَفَالَتِهَا مُضْطَرِبٌ. عِيَاضٌ سَقَطَ عِنْدَ ابْنِ عَتَّابٍ ذِكْرُ الطَّعَامِ هُنَا وَثَبَتَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ، وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى قَوْلُهُ أَوْ طَعَامٌ لَا يُعْجِبُنِي. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا وَهِيَ الْمُصَالَحَةُ بِالْمُقَوَّمِ عَنْ الْعَيْنِ وَلَمْ يُرِدْ الْمُصَالَحَةَ بِالْمِثْلِيِّ لِقَوْلِهِ وَرَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِنْهُ أَوْ قِيمَتِهِ وَقَدْ أَخَذُوا مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ الَّتِي كَهَذِهِ أَنَّ الصُّلْحَ بِمُقَوَّمٍ فَلَا يَرِدُ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ.
وَأَمَّا الصُّلْحُ عَنْ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ وَعَكْسِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَالْمَنْعِ، ذَكَرَهُمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَجَزَمَ الْبِسَاطِيُّ يَقْتَضِي أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ. كَلَامُ طفي. الْبُنَانِيُّ الْمُصَالَحَةُ بِالْمُقَوَّمِ عَنْ الْعَيْنِ نَصَّ عَلَى جَوَازِهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَحَكَى الْمَازِرِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ مَوْجُودًا فِيمَا عِنْدَ غَيْرِهِ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ إذْ لَا أَقُولُ إنَّ الْجَوَازَ فِيهَا هُوَ الرَّاجِحُ، ثُمَّ قَالَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْبَاجِيَّ وَإِلَى مَنْعِ الْمُصَالَحَةِ بِالدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ وَبِالْعَكْسِ رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَأَصْحَابُنَا اهـ.
وَأَمَّا صُلْحُهُ عَنْ طَعَامَ بِيعَ بِأَجْوَدَ مِنْهُ أَوْ أَدْنَى، فَإِنَّ مَنْعَهُ لِلضَّامِنِ دُونَ الْغَرِيمِ ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَ فِي ضَيْح بَعْدَ ذِكْرِهِ أَنَّ الْكَفِيلَ كَالْغَرِيمِ فِيمَا يَجُوزُ مِنْ الصُّلْحِ وَيُمْنَعُ عَنْ الْمَازِرِيِّ مَا نَصُّهُ، لَكِنْ لَمْ يَطَّرِدْ هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي الطَّعَامِ مِنْ السَّلَمِ، فَإِنَّهُ مَنَعَ الْكَفِيلَ أَنْ يُصَالِحَ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ بِطَعَامٍ أَجْوَدَ أَوْ أَدْنَى مِنْهُ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ لِحُصُولِ الْخِيَارِ لِلْمَدِينِ إلَخْ
(وَرَجَعَ) الضَّامِنُ إذَا صَالَحَ عَنْ الْعَيْنِ بِمُقَوَّمٍ (بِالْأَقَلِّ مِنْهُ) أَيْ دَيْنِ الْعَيْنِ (أَوْ) مِنْ (قِيمَتِهِ) أَيْ الْمُقَوَّمِ الْمُصَالَحِ بِهِ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَقَلَّ رَجَعَ بِهِ. فِي الْجَوَاهِرِ إذَا صَالَحَ الْكَفِيلُ رَجَعَ بِالْأَقَلِّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ قِيمَةِ مَا صَالَحَ بِهِ، وَكَذَا لَوْ سُومِحَ بِحَطِّ قَدْرٍ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ صِفَةٍ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا بِمَا بَذَلَ اهـ (وَإِنْ بَرِئَ) مِنْ الدَّيْنِ (الْأَصْلُ) أَيْ الْمَضْمُونُ بِدَفْعِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ لِمُسْتَحِقِّهِ أَوْ هِبَتِهِ لَهُ أَوْ إبْرَائِهِ مِنْهُ أَوْ مَوْتِهِ مَلِيًّا وَالطَّالِبُ وَارِثُهُ أَوْ إحَالَةٍ عَلَى دَيْنٍ ثَابِتٍ
بَرِئَ، لَا عَكْسُهُ
، وَعُجِّلَ بِمَوْتِ الضَّامِنِ، وَرَجَعَ وَارِثُهُ بَعْدَ أَجَلِهِ أَوْ الْغَرِيمِ إنْ تَرَكَهُ.
وَلَا يُطَالَبُ، إنْ حَضَرَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا، أَوْ لَمْ يَبْعُدْ إثْبَاتُهُ عَلَيْهِ
ــ
[منح الجليل]
لَازِمٍ (بَرِئَ) مِنْهُ الضَّامِنُ لِأَنَّ طَلَبَهُ فَرْعُ ثُبُوتِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَضْمُونِ (لَا) يَثْبُتُ (عَكْسُهُ) أَيْ لَا يَلْزَمُ مِنْ بَرَاءَةِ الْمَضْمُونِ، فَإِنْ أَسْقَطَ رَبُّ الدَّيْنِ الضَّمَانَ عَنْ الضَّامِنِ أَوْ وَهَبَهُ الدَّيْنَ أَوْ أَخَذَهُ مِنْهُ لِعَدَمِ الْمَضْمُونِ أَوْ غَيْبَتِهِ أَوْ كَانَ الضَّمَانُ مُقَيَّدًا بِمُدَّةٍ وَتَمَّتْ، وَالْمَضْمُونُ حَاضِرٌ مَلِيءٌ بَرِئَ الضَّامِنُ دُونَ الْمَضْمُونِ
(وَعُجِّلَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْجِيمِ مُثَقَّلَةً الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ الْمَضْمُونُ (بِمَوْتِ الضَّامِنِ) لَهُ أَوْ فَلَسِهِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ مِنْ تَرِكَةِ الضَّامِنِ وَحَاصَّ مُسْتَحِقُّهُ بِهِ غُرَمَاءَ الضَّامِنِ فِي مَالِهِ إنْ فُلِّسَ لِخَرَابِ ذِمَّتِهِ وَحُلُولِ مَا عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ وَلَوْ حَضَرَ الْمَضْمُونُ مَلِيًّا (وَرَجَعَ وَارِثُهُ) أَيْ الضَّامِنُ عَلَى الْمَضْمُونِ (بَعْدَ) تَمَامِ (أَجَلِهِ) أَيْ الدَّيْنِ فَلَوْ مَاتَ الضَّامِنُ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ أَوْ بَعْدَهُ وَالْمَضْمُونُ حَاضِرٌ مَلِيءٌ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَةِ الضَّامِنِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ كَالْحَيِّ (أَوْ) مَوْتِ (الْغَرِيمِ) أَيْ الْمَدِينِ الْمَضْمُونِ فَيُعَجَّلُ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لِذَلِكَ، وَيُعَجَّلُ (إنْ تَرَكَ) الْكَفِيلُ أَوْ الْغَرِيمُ وَفَاءَ (هـ) أَيْ الدَّيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْغَرِيمُ وَفَاءَهُ فَلَا يُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالدَّيْنِ حَتَّى يَتِمَّ أَجَلُهُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حُلُولِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَدِينِ بِمَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ حُلُولُهُ عَلَى الْكَفِيلِ لِبَقَاءِ ذِمَّتِهِ
(وَ) إنْ حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ وَلَمْ يَدْفَعْهُ الْمَدِينُ فَ (لَا يُطَالَبُ) الضَّامِنُ بِالدَّيْنِ الْمَضْمُونَ فِيهِ (إنْ حَضَرَ الْغَرِيمُ) أَيْ الْمَدِينُ الْمَضْمُونُ حَالَ كَوْنِهِ (مُوسِرًا) بِالدَّيْنِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الْمَرْجُوعُ إلَيْهِ الْمَشْهُورُ، وَبِهِ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَبِهِ الْقَضَاءُ، وَلَهُ فِيهَا أَيْضًا لَهُ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَبِهِ صَدَّرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يُطَالَبُ أَيْضًا إذَا غَابَ الْغَرِيمُ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ يُعَدَّى فِيهِ أَيْ يُسَلِّطُ الْحَاكِمُ رَبَّ الدَّيْنِ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْحَاضِرِ الْمَلِيءِ فَيُؤَدِّي مِنْ مَالِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (أَوْ) غَابَ الْغَرِيمُ وَ (لَمْ يَبْعُدْ) أَيْ يَشُقَّ وَيَصْعُبْ (إثْبَاتُهُ) أَيْ مَالُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
الْغَرِيمِ الْغَائِبِ (عَلَيْهِ) أَيْ الطَّالِبِ وَلَا النَّظَرُ فِيهِ، وَنَصُّهَا وَإِذَا كَانَ لِلْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ يُعَدَّى فِيهِ فَلَا يُتْبَعُ الْكَفِيلُ. وَقَالَ غَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي تَثْبِيتِهِ وَالنَّظَرِ فِيهِ بُعْدٌ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَمِيلِ.
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ الْغَيْرِ تَفْسِيرٌ لَا خِلَافٌ، وَكَذَا حَمَلَهُ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ الشُّيُوخِ، وَبِهِ الْعَمَلُ.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ لَمْ يَبْعُدْ إثْبَاتُهُ، أَيْ أَوْ غَابَ الْغَرِيمُ وَحَضَرَ مَالُهُ وَلَمْ يَبْعُدْ إثْبَاتُهُ عَلَيْهِ أَيْ الطَّالِبِ. الْحَطّ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ نَفْيَ مُطَالَبَةِ الضَّامِنِ مَشْرُوطٌ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ إمَّا حُضُورُ الْغَرِيمِ مُوسِرًا أَوْ حُضُورُ مَالِهِ إذَا لَمْ يَبْعُدْ عَلَى الطَّالِبِ إثْبَاتُهُ لِلْمَطْلُوبِ وَالنَّظَرُ فِيهِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا رَجَعَ مَالِكٌ رضي الله عنه عَنْ تَخْيِيرِ الطَّالِبِ فِي طَلَبِ الْحَمِيلِ دُونَ الْغَرِيمِ لِوَقْفِهِ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ طَلَبِ الْغَرِيمِ، وَأَخَذَ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ.
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي اخْتَارَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَظْهَرُ فِي أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَلْزَمُ الْكَفِيلَ مَعَ مَلَاءِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ وَحُضُورِهِ وَاسْتِوَائِهِمَا فِي اللَّدَدِ لِأَنَّهُ إنْ قَضَى لِلْمَكْفُولِ لَهُ عَلَى الْكَفِيلِ قَضَى فِي الْحِينِ لِلْكَفِيلِ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ فَالْقَضَاءُ لِلْمَكْفُولِ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَوْلَى وَأَقَلُّ عَنَاءً. طفي قَوْلُ عج ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ كَثِيرَ الْمَطْلِ وَاللَّدَدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُلِدًّا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِقِيلَ الَّتِي لِلتَّمْرِيضِ، وَنَسَبَهُ ابْنُ شَاسٍ لِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَصُّهُ قَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَوْ كَانَ مُلِدًّا ظَالِمًا، فَلَهُ إتْبَاعُ الْحَمِيلِ وَكَلَامُ الْغَيْرِ هُوَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُصَنِّفِ خِلَافُ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَإِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي عَدِّهِ خِلَافًا نَظَرٌ، وَجَعَلَهُ فِي الشَّامِلِ تَقْيِيدًا. الْبُنَانِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِهِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، إذْ قَالَ وَاسْتِوَائِهِمَا فِي اللَّدَدِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ أَيْضًا فَسَقَطَ تَوَرُّكُ طفي عَلَى عج.
(تَنْبِيهٌ) بِالتَّخْيِيرِ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ الْإِمَامُ جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْعَمَلِيَّاتِ عَنْ سَيِّدِي الْعَرَبِيِّ الْفَاسِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْقَوْلُ لَهُ فِي مُلَائِهِ، وَأَفَادَ شَرْطَ أَخْذِ أَيِّهِمَا شَاءَ
ــ
[منح الجليل]
وَ) إنْ تَنَازَعَ الضَّامِنُ وَالْمَضْمُونُ لَهُ فِي مَلَاءِ الْمَضْمُونِ فَ (الْقَوْلُ لَهُ) أَيْ الضَّامِنِ (فِي) ثُبُوتِ (مَلَائِهِ) أَيْ الْمَضْمُونِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَلَيْسَ لِلطَّالِبِ طَلَبُ الضَّامِنِ لِتَصْدِيقِهِ فِي مَلَاءِ الْمَضْمُونِ وَلَا طَلَبُ الْمَضْمُونِ لِإِقْرَارِهِ بِعَدَمِهِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ بِعَدَمِهِ فَلَهُ طَلَبُ الضَّامِنِ أَوْ تَجَدَّدَ مَالٌ لِلْمَضْمُونِ فَلَهُ طَلَبُهُ حِينَئِذٍ، هَذَا خِلَافُ مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ عَنْهُ أَنَّ الْقَوْلَ لِلطَّالِبِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْحَمِيلُ بَيِّنَةً بِمَلَاءِ الْغَرِيمِ. ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» فَوَجَبَ غُرْمُهُ حَتَّى يَثْبُتَ مَا يُسْقِطُهُ، وَلَكِنْ الْمُصَنِّفُ اسْتَظْهَرَ فِي تَوْضِيحِهِ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْقَوْلَ لِلْحَمِيلِ فِي مَلَائِهِ وَمَشَى عَلَيْهِ هُنَا، وَمَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَهَلْ بِيَمِينٍ أَمْ لَا، لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِشَيْءٍ فِي ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمِينَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ خَصْمُهُ الْعِلْمَ، وَيُفْهَمُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُقَدِّمَاتِ.
سَحْنُونٌ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُتَحَمِّلِ لَهُ، وَعَلَى الْكَفِيلِ إقَامَةُ بَيِّنَةٍ أَنَّ الْغَرِيمَ مَلِيءٌ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ لِأَنَّهُ قَالَ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لِلْغَرِيمِ مَالٌ ظَاهِرٌ، فَالْحَمِيلُ غَارِمٌ. الْبُنَانِيُّ مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَنَصُّهُ وَإِذَا طَالَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْحَمِيلَ بِدَيْنِهِ وَالْغَرِيمُ حَاضِرٌ فَقَالَ لَهُ الْحَمِيلُ شَأْنُك بِغَرِيمِك فَهُوَ مَلِيءٌ بِدَيْنِك. وَقَالَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْغَرِيمُ مُعْدِمٌ، وَمَا أَجِدُ لَهُ مَالًا فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَقَالَهُ سَحْنُونٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ الْحَمِيلَ يَغْرَمُ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ يُسْرَ الْغَرِيمِ وَمَلَاءَهُ فَيَبْرَأُ فَإِنْ عَجَزَ حَلَفَ لَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ مَعْرِفَةَ يُسْرِهِ عَلَى إنْكَارِ مَعْرِفَتِهِ بِذَلِكَ وَغَرِمَ الْحَمِيلُ، وَلَهُ رَدُّ الْيَمِينِ فَإِنْ رَدَّهَا حَلَفَ الْحَمِيلُ وَبَرِئَ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْوَاضِحَةِ لَيْسَ عَلَى الْحَمِيلِ سَبِيلٌ حَتَّى يَبْدَأَ بِالْغَرِيمِ. اهـ. فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ اسْتِظْهَارَ نَفْسِهِ، وَمَا اسْتَظْهَرَهُ " ح " مِنْ عَدَمِ الْيَمِينِ إلَّا بِدَعْوَى الْعِلْمِ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَيْطِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَأَفَادَ) رَبُّ الدَّيْنِ (شَرْطَ) أَيْ اشْتِرَاطَ (أَخْذِ) أَيْ تَغْرِيمِ (أَيِّهِمَا) أَيْ الضَّامِنِ وَمَضْمُونِهِ (شَاءَ) الْأَخْذَ مِنْهُ مُبْدَأٌ عَلَى الْآخَرِ وَلَوْ حَضَرَ مَلِيًّا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَفَائِدَةُ هَذَا
وَتَقْدِيمِهِ، أَوْ إنْ مَاتَ كَشَرْطِ ذِي الْوَجْهِ، أَوْ رَبِّ الدَّيْنِ، التَّصْدِيقَ فِي الْإِحْضَارِ، وَلَهُ طَلَبُ الْمُسْتَحِقِّ
ــ
[منح الجليل]
الِاشْتِرَاطِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَمِيلِ لِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ إنْ حَضَرَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا، فَإِنْ اخْتَارَ إتْبَاعَ الْحَمِيلِ سَقَطَ إتْبَاعُهُ الْمَدِينَ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً لَا يَجُوزُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ إلَّا فِي الْقَبِيحِ الْمُطَالَبَةِ، أَوْ ذِي السُّلْطَانِ، وَقَوْلُهُ إنْ اخْتَارَ إتْبَاعَ الْحَمِيلِ سَقَطَ إتْبَاعُهُ الْمَدِينَ نَقَلَهُ أَحْمَدُ عَنْ بَعْضِهِمْ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ اهـ بُنَانِيٌّ.
(وَ) أَفَادَ شَرْطُ (تَقْدِيمِهِ) أَيْ الْحَمِيلِ فِي الْغُرْمِ عَلَى الْمَضْمُونِ عَكْسَ الْحُكْمِ السَّابِقِ لِأَنَّ الشَّرْطَ لِحَقِّ آدَمِيٍّ يُوَفِّي لَهُ بِهِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ لِلشَّرْطِ فَائِدَةٌ لِكَوْنِهِ أَمْلَأَ أَوْ أَسْمَحَ أَوْ أَيْسَرَ قَضَاءً أَوَّلًا، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْبَيَانِ وَسَوَاءٌ شَرَطَ بَرَاءَةَ الْمَدِينِ أَمْ لَا، وَإِذَا اخْتَارَ تَقْدِيمَ الْحَمِيلِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ بَرَاءَةَ الْمَدِينِ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَخْذِ مِنْ الْحَمِيلِ (أَوْ) شَرَطَ الْحَمِيلُ أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ إلَّا (إنْ مَاتَ) الْمَضْمُونُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ يُوَفِّك حَقَّك حَتَّى يَمُوتَ فَهُوَ عَلَيَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ الْغَرِيمُ.
ابْنُ يُونُسَ يُرِيدُ أَنْ يَمُوتَ عَدِيمًا، فَلَوْ فُلِّسَ أَوْ افْتَقَرَ أَوْ جَحَدَ الْمَدِينُ فَلَا يُطَالَبُ الضَّامِنُ عَمَلًا بِشَرْطِهِ، وَيُحْتَمَلُ عَوْدُ ضَمِيرِ مَاتَ لِلضَّامِنِ، أَيْ شَرَطَ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ أَنْ لَا يُطَالَبَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْحَمِيلِ، وَلَوْ أَعْدَمَ الْمَدِينُ وَشَبَّهَ فِي إفَادَةِ الشَّرْطِ فَقَالَ (كَشَرْطِ ذِي الْوَجْهِ) أَيْ ضَامِنِ الْوَجْهِ (أَوْ) شَرْطِ (رَبِّ الدَّيْنِ التَّصْدِيقَ فِي) شَأْنِ (الْإِحْضَارِ) لِلْمَضْمُونِ، يَعْنِي أَنَّ ضَامِنَ الْوَجْهِ إذَا شَرَطَ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ أَنَّهُ يَصْدُقُ فِي دَعْوَاهُ إحْضَارَ الْمَضْمُونِ إذَا حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ بِلَا يَمِينٍ أَوْ شَرَطَ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى ضَامِنِ الْوَجْهِ أَنَّهُ يَصْدُقُ فِي إحْضَارِهِ بِلَا يَمِينٍ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ. الْمُتَيْطِيُّ إذَا اشْتَرَطَ ضَامِنُ الْوَجْهِ أَنَّهُ يَصْدُقُ فِي إحْضَارِ مَضْمُونِهِ دُونَ يَمِينٍ فَلَهُ شَرْطُهُ، وَإِنْ انْعَقَدَ فِي وَثِيقَةِ الضَّمَانِ تَصْدِيقُ الْمَضْمُونِ لَهُ فِي عَدَمِ إحْضَارِهِ إنْ ادَّعَى الضَّامِنُ أَنَّهُ قَدْ أَحْضَرَهُ دُونَ يَمِينٍ فَهُوَ مِنْ الْحَزْمِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْيَمِينُ إنْ ادَّعَى الضَّامِنُ إحْضَارَهُ.
(وَلَهُ) أَيْ الضَّامِنِ (طَلَبُ) الشَّخْصِ (الْمُسْتَحِقِّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ رَبِّ الدَّيْنِ
بِتَخْلِيصِهِ عِنْدَ أَجَلِهِ؛ لَا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ
ــ
[منح الجليل]
الْمَضْمُونِ لَهُ (بِتَخْلِيصِهِ) أَيْ الضَّامِنِ مِنْ الضَّمَانِ بِأَنْ يَقُولَهُ (عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِهِ) أَيْ الدَّيْنِ وَسُكُوتِهِ عَنْ طَلَبِ دَيْنِهِ مِنْ الْمَضْمُونِ الْحَاضِرِ الْمَلِيءِ أَوْ تَأْخِيرِهِ إمَّا أَنْ تَأْخُذَ دَيْنَك مِنْ الْمَضْمُونِ أَوْ تُسْقِطَ الضَّمَانَ عَنِّي وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ طَلَبَ الْمُسْتَحِقُّ دَيْنَهُ مِنْ الضَّامِنِ أَوْ لَا.
وَمَفْهُومٌ عِنْدَ أَجَلِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ حُلُولِ الْأَجَلِ. الْحَطّ كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَرِيحٌ فِي طَلَبِ الضَّامِنِ رَبَّ الدَّيْنِ بِأَنْ يُخَلِّصَ دَيْنَهُ مِنْ الْغَرِيمِ إذَا حَلَّ الْأَجَلُ، وَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يُقَالَ فِيهِ ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ طَلَبَ الْكَفِيلُ بِمَا عَلَى الْغَرِيمِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ طَلَبٌ فِي حُضُورِ الْغَرِيمِ وَيُسْرِهِ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَهُ لَا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ لَا يُلَائِمُهُ كُلَّ الْمُلَاءَمَةِ، لَكِنْ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدُ وَلَزِمَهُ تَأْخِيرُ رَبِّهِ الْمُعْسِرِ إلَخْ، وَيَشْهَدُ لَهُ كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، أَوْ قَوْلُهُ وَلَزِمَهُ تَأْخِيرُ رَبِّهِ وَقَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَلِلضَّامِنِ الْمُطَالَبَةُ بِتَخْلِيصِهِ عِنْدَ الطَّلَبِ يَعْنِي أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ إذَا تَوَجَّهَ لَهُ الطَّلَبُ عَلَى غَرِيمِهِ فَسَكَتَ عَنْهُ أَيْ نَصَّ عَلَى تَأْخِيرِهِ فَلِلْحَمِيلِ أَنْ يَرْضَى بِذَلِكَ، وَيَقُولَ لِرَبِّ الدَّيْنِ إمَّا أَنْ تَطْلُبَ حَقَّك مِنْ الْغَرِيمِ مُعَجَّلًا وَإِلَّا فَأَسْقِطْ عَنِّي الْحَمَالَةَ لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ عِنْدَ وُجُوبِهِ ضَرَرًا بِالْحَمِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا الْآنَ وَيُعْسِرُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ الْمُطَالَبَةُ إذَا كَانَ الْغَرِيمُ مُوسِرًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا مَقَالَ لِلْحَمِيلِ لِأَنَّ الطَّالِبَ لَا طَلَبَ لَهُ عَلَى الْغَرِيمِ فِي هَذَا الْحَالِ اهـ.
وَأَمَّا طَلَبُ الضَّامِنِ الْمِدْيَانَ أَنْ يُخَلِّصَ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ، فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْمُصَنِّفُ. وَفِي الْجَوَاهِرِ لِلْكَفِيلِ إجْبَارُ الْأَصْلِ عَلَى تَخْلِيصِهِ إذَا طُولِبَ وَلَيْسَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَ اهـ، وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ فِي ذَخِيرَتِهِ وَالْمُصَنِّفُ فِي تَوْضِيحِهِ. قُلْت وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهَا فِي السَّلَمِ.
الثَّانِي لَيْسَ لِلْكَفِيلِ أَخْذُ الطَّعَامِ مِنْ الْغَرِيمِ بَعْدَ الْأَجَلِ لِيُوَصِّلَهُ إلَى رَبِّهِ، وَلَهُ طَلَبُهُ حَتَّى يُوَصِّلَهُ إلَى رَبِّهِ وَيَبْرَأُ مِنْ حَمَالَتِهِ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُلَائِمُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلَهُ طَلَبُ الْمِدْيَانِ بِتَخْلِيصِهِ عِنْدَ أَجَلِهِ لَا بِتَسْلِيمِ الْمَالِ إلَيْهِ لَكَانَ حَسَنًا اهـ.
(لَا) أَيْ لَيْسَ لِلضَّامِنِ طَلَبُ الْمَضْمُونِ (بِتَسْلِيمِ الْمَالِ) الْمَضْمُونِ فِيهِ (إلَيْهِ) أَيْ الضَّامِنِ
وَضَمِنَهُ إنْ اقْتَضَاهُ لَا أُرْسِلَ بِهِ
ــ
[منح الجليل]
عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ لِيُؤَدِّيَهُ لِلْمَضْمُونِ لَهُ
(وَ) إنْ سَلَّمَهُ لَهُ فَضَاعَ (ضَمِنَهُ) أَيْ الْكَفِيلُ الْمَالَ (إنْ اقْتَضَاهُ) أَيْ أَخَذَ الْكَفِيلُ الْمَالَ مِنْ الْمَضْمُونِ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِضَاءِ وَالتَّخْلِيصِ لِتَنَزُّلِهِ مَنْزِلَةَ صَاحِبِ الْمَالِ، فَهُوَ وَكِيلٌ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ تَعَدِّيًا (لَا) يَضْمَنُ الْكَفِيلُ الْمَالَ الَّذِي اسْتَلَمَهُ مِنْ الْمَضْمُونِ إنْ (أُرْسِلَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ السِّينِ، أَيْ الضَّامِنُ أَيْ أَرْسَلَهُ الْمَضْمُونُ (بِهِ) أَيْ الْمَالِ لِرَبِّهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ أَمِينٌ لِلْمَضْمُونِ، فَضَمَانُ الْمَالِ عَلَى الْمَضْمُونِ حَتَّى يَصِلَ لِرَبِّهِ.
الْحَطّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي السَّلَمِ الثَّانِي مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَدْ أَشْبَعَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا الرَّكْرَاكِيُّ فِي شَرْحِ مُشْكِلَاتِ الْمُدَوَّنَةِ، وَنَصُّهُ لَا يَخْلُو قَبْضُ الْكَفِيلِ الطَّعَامَ مِنْ الَّذِي عَلَيْهِ السَّلَمُ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَقْبِضَهُ عَلَى مَعْنَى الرِّسَالَةِ فَلَا يَخْلُو الطَّعَامُ مِنْ كَوْنِهِ قَائِمًا بِيَدِهِ أَوْ فَائِتًا، فَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَالطَّالِبُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَتْبَعَ الْكَفِيلَ، وَإِنْ شَاءَ أَتْبَعَ الْأَصْلَ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا. وَإِنْ فَاتَ الطَّعَامُ فَلَا يَخْلُو مِنْ كَوْنِهِ بِتَلَفٍ أَوْ إتْلَافٍ، فَإِنْ كَانَ بِتَلَفٍ فَهُوَ مُصَدَّقٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَيَبْقَى عَلَيْهِ الطَّلَبُ بِالْكَفَالَةِ خَاصَّةً، ثُمَّ يَجْرِي عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْهُودِ فِي الْحَمَالَةِ فِي التَّبْدِئَةِ بِالْمُطَالَبَةِ، وَإِنْ كَانَ بِإِتْلَافٍ مِنْ الْكَفِيلِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْأَصِيلِ مِثْلَ ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَإِنْ غَرِمَ الْكَفِيلُ الطَّعَامَ لِلطَّالِبِ فَلَا تَرَاجُعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَصِيلِ، فَإِنْ غَرِمَهُ لِلْأَصِيلِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِمِثْلِ طَعَامِهِ أَوْ أَخْذِ ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا الْوَجْهِ، وَإِنْ غَرِمَ الْكَفِيلُ الطَّعَامَ لِلطَّالِبِ بَعْدَ أَنْ بَاعَ مَا أَخَذَ مِنْ الْأَصِيلِ فَأَرَادَ الْأَصِيلُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مِثْلَ مَا غَرِمَ مِنْ الطَّعَامِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
الثَّانِي: أَنْ يَقْبِضَهُ عَلَى مَعْنَى الْوَكَالَةِ، فَإِذَا قَبَضَهُ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْأَصِيلِ قَوْلًا وَاحِدًا، فَإِنَّ الطَّالِبَ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ بِقَبْضِ الْكَفِيلِ، فَإِنْ تَعَدَّى عَلَيْهِ الْكَفِيلُ بَعْدَ صِحَّةِ قَبْضِهِ فَالْعَدَاءُ عَلَى الطَّالِبِ وَقَعَ بِلَا إشْكَالٍ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَقْبِضَهُ عَلَى مَعْنَى الِاقْتِضَاءِ إمَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِهِ، كَمَا إذَا غَابَ الطَّالِبُ وَحَلَّ الْأَجَلُ وَخَافَ الْكَفِيلُ إعْدَامَ الْأَصِيلِ وَإِحْدَاثَ الْفَلَسِ، وَبِهَذَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
يُؤَوَّلُ مَا وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ قَوْلِهِ قَبَضَهُ بِحُكْمِ قَاضٍ أَوْ قَبَضَهُ بِرِضَا الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ بِلَا حُكْمٍ، فَالْكَفِيلُ فِي هَذَا الْوَجْهِ ضَامِنٌ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى الطَّعَامِ وَذِمَّتُهُ عَامِرَةٌ بِهِ أَوْ بِمِثْلِهِ حَتَّى يُوَصِّلَهُ إلَى طَالِبِهِ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا اتِّفَاقًا مَعَ قِيَامِ الطَّعَامِ بِيَدِ الْكَفِيلِ أَوْ فَوَاتِهِ، فَإِنْ غَرِمَ الْأَصِيلُ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْكَفِيلِ بِطَعَامِهِ أَوْ مِثْلِهِ إنْ أَتْلَفَهُ، أَوْ بِثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّمَنَ. وَلَا يَجُوزُ لِطَالِبِهِ بَيْعُهُ بِهَذَا الْقَبْضِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَلَا أَخْذُ ثَمَنِهِ إنْ بَاعَهُ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ الطَّالِبُ مِثْلَ طَعَامِهِ بَعْدَ بَيْعِهِ مَا اقْتَضَاهُ سَاغَ الثَّمَنُ لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ الْأَصِيلُ أَنْ يَدْفَعَ لَهُ مِثْلَ الطَّعَامِ الَّذِي غَرِمَهُ وَيَأْخُذَ مِنْهُ الثَّمَنَ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ.
الرَّابِعُ: اخْتِلَافُهُمَا فِي صِفَةِ الْقَبْضِ فَادَّعَى الْكَفِيلُ أَنَّهُ عَلَى مَعْنَى الْإِرْسَالِ وَالْأَصِيلُ أَنَّهُ عَلَى مَعْنَى الِاقْتِضَاءِ، فَفِيهِ قَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَصِيلِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْقَرْضِ إذَا قَالَ قَابِضُهُ قَبَضْته عَلَى مَعْنَى الْوَدِيعَةِ. وَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ قَرْضًا إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ. وَالثَّانِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَابِضِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْرِ مَا مَوْضِعٍ، وَسَبَبُ الْخِلَافِ تَعَارُضُ أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا اتِّفَاقُهُمَا عَلَى أَنَّ الْمَالَ الْمَقْبُوضَ لِلدَّافِعِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ لِلْقَابِضِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِقَبْضِهِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ عَنْهُ فَالْأَصْلُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَالْأُصُولُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَبِهَذَا قِيلَ الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَصِيلِ، وَالْأَصْلُ الثَّانِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ إذَا اجْتَمَعَا أَنْ يَغْلِبَ حُكْمُ الْحَظْرِ، وَالْكَفِيلُ هَاهُنَا قَدْ ادَّعَى قَبْضًا صَحِيحًا، وَالْأَصِيلُ قَدْ ادَّعَى قَبْضًا فَاسِدًا، فَوَجَبَ كَوْنُ الْقَوْلِ قَوْلَ الْقَابِضِ الَّذِي هُوَ الْكَفِيلُ لِأَنَّ قَوْلَهُ قَدْ أَشْبَهَ وَقَدْ ادَّعَى أَمْرًا مُبَاحًا وَالْأَصِيلُ قَدْ ادَّعَى الْفَسَادَ لِأَنَّ الْكَفِيلَ لَا يَجُوزُ لَهُ قَبْضُ الطَّعَامِ مِنْ الْمَكْفُولِ، وَإِنَّمَا لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِالدَّفْعِ إلَى الطَّالِبِ لِيَبْرَأَ مِنْ الْكَفَالَةِ، فَإِذَا ادَّعَى الْأَصِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ فَقَدْ ادَّعَى أَمْرًا مَحْظُورًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يُصَدَّقَ.
الْخَامِسُ: إبْهَامُ الْأَمْرِ وَخُلُوُّ الْقَبْضِ عَنْ الْقَرَائِنِ وَقَدْ مَاتَ الْأَصِيلُ وَالْكَفِيلُ، فَهَلْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
يُحْمَلُ عَلَى الْإِرْسَالِ حَتَّى يَثْبُتَ الْقَبْضُ عَلَى الِاقْتِضَاءِ، أَوْ يُحْمَلَ عَلَى الِاقْتِضَاءِ حَتَّى يَثْبُتَ الْإِرْسَالُ، فَهَذَا مِمَّا يَتَخَرَّجُ فِيهِ قَوْلَانِ. اهـ. وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ إذَا قَبَضَهُ عَلَى مَعْنَى الرِّسَالَةِ وَادَّعَى التَّلَفَ أَنَّهُ يَحْلِفُ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَإِنْ قَبَضَ عَلَى مَعْنَى الرِّسَالَةِ فَالضَّمَانُ مِنْ الدَّافِعِ بَعْدَ يَمِينِ الْقَابِضِ عَلَى التَّلَفِ، وَيَبْقَى الْحَقُّ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا كَانَ قَبْلُ اهـ. وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْحَمِيلِ فِي دَعْوَاهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ وَإِنْ اُتُّهِمَ أُحْلِفَ.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي إذَا قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ الْوَكَالَةِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِي دَعْوَى تَلَفِهِ بِيَمِينِهِ إنْ اُتُّهِمَ، وَإِذَا صُدِّقَ فِيهِ كَانَتْ الْمُصِيبَةُ مِنْ الطَّالِبِ وَبَرِئَ الْمَطْلُوبُ وَسَقَطَتْ الْكَفَالَةُ إذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الدَّفْعِ وَلَا يَكْفِي تَصْدِيقُ الْقَابِضِ إذَا ادَّعَى التَّلَفَ، وَلَا اخْتِلَافَ فِي هَذَا.
ثُمَّ قَالَ الْحَطّ وَقَوْلُهُ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ إذَا قَبَضَهُ عَلَى مَعْنَى الِاقْتِضَاءِ أَنَّ الْكَفِيلَ ضَامِنٌ سَوَاءٌ قَبَضَهُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ أَوْ بِرِضَا مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ فِي كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ خِلَافُهُ. قَالَ قَوْلُهُ بِقَضَاءِ سُلْطَانٍ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ قَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ أَنْكَرَ سَحْنُونٌ هَذَا اللَّفْظَ، وَقَالَ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ هُنَا حُكْمٌ. قَالَ وَرَأَيْت فِيمَا أَمْلَاهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَغِيبَ الَّذِي لَهُ الْحَقُّ غَيْبَةً بَعِيدَةً وَيَحِلَّ الْأَجَلُ وَيَقُومَ الْكَفِيلُ عَلَى الْمَكْفُولِ، وَيَقُولَ أَخْشَى أَنْ يَعْدَمَ قَبْلَ قُدُومِهِ فَأَغْرَمَ فَيَنْظُرَ الْحَاكِمُ، فَإِنْ كَانَ الْمَكْفُولُ مَلِيًّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلْكَفِيلِ، وَإِنْ كَانَ يُخَافُ عَلَيْهِ الْعُدْمُ أَوْ كَانَ مُلِدًّا قَضَى عَلَيْهِ بِدَفْعِ الدَّيْنِ وَأَبْرَأَهُ مِنْهُ وَجَعَلَهُ عِنْدَ عَدْلٍ أَوْ عِنْدَ الْكَفِيلِ إنْ كَانَ ثِقَةً، وَنَقَلَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ عَنْ ابْنِ مَسْلَمَةَ. أَبُو الْحَسَنِ إلَّا أَنَّ فِي هَذَا إحَالَةً لِلْمَسْأَلَةِ عَنْ وَجْهِهَا إذْ لَا ضَمَانَ فِي هَذَا الْفَرْضِ، وَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فِيهَا الضَّمَانُ اهـ. وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا أَرَادَ الْحَمِيلُ أَخْذَ الْحَقِّ بَعْدَ مَحِلِّهِ وَالطَّالِبُ غَائِبٌ وَقَالَ أَخَافُ أَنْ يُفَلَّسَ وَهُوَ مِمَّنْ يُخَافُ عُدْمُهُ قَبْلَ قُدُومِهِ، أَوْ لَا يُخَافُ إلَّا أَنَّهُ كَثِيرُ اللَّدَدِ وَالْمَطْلِ مُكِّنَ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ أَمِينًا أَقَرَّ عِنْدَهُ وَإِلَّا أَوْدَعَ وَيَبْرَأُ الْحَمِيلُ وَالْغَرِيمُ وَضَمَانُ الْمَالِ مِنْ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ قَبَضَ لَهُ بِالْحَاكِمِ، وَإِنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ مَلِيًّا وَفِيًّا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ شَيْءٌ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ
وَلَزِمَهُ تَأْخِيرُ رَبِّهِ، الْمُعْسِرِ، أَوْ الْمُوسِرِ، إنْ سَكَتَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، إنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهُ مُسْقِطًا
وَإِنْ أَنْكَرَ: حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ وَلَزِمَهُ
ــ
[منح الجليل]
وَلَزِمَهُ) أَيْ الضَّامِنَ (تَأْخِيرُ رَبِّهِ) أَيْ الدَّيْنِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَمَفْعُولُهُ الْمَضْمُونَ (الْمُعْسِرَ) ابْنُ رُشْدٍ وَلَا كَلَامَ لِلضَّامِنِ فِي هَذَا اتِّفَاقًا لِوُجُوبِ إنْظَارِ الْمُعْسِرِ، وَنَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا لِئَلَّا يَحْتَجَّ الضَّامِنُ بِأَنَّ تَأْخِيرَهَا إسْقَاطٌ لِلضَّمَانِ عَنْهُ، فَأَفَادَ أَنَّ التَّأْخِيرَ يَلْزَمُهُ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْكَفَالَةُ (أَوْ) تَأْخِيرُ رَبِّهِ الْمَضْمُونَ (الْمُوسِرَ) بِالدَّيْنِ فَيَلْزَمُ الضَّامِنَ (إنْ سَكَتَ) الضَّامِنُ عَالِمًا بِالتَّأْخِيرِ زَمَانًا يَرَى عُرْفًا أَنَّ سُكُوتَهُ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِبَقَاءِ ضَمَانِهِ إلَى الْأَجَلِ الَّذِي أَخَّرَ إلَيْهِ (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) الضَّامِنُ بِالتَّأْخِيرِ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ الَّذِي أَخَّرَ رَبُّ الدَّيْنِ الْمَضْمُونَ إلَيْهِ، فَالضَّمَانُ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الضَّامِنِ (إنْ حَلَفَ) رَبُّ الدَّيْنِ (أَنَّهُ) أَيْ رَبَّ الدَّيْنِ (لَمْ يُؤَخِّرْهُ) أَيْ الْمَضْمُونَ حَالَ كَوْنِهِ (مُسْقِطًا) لِلضَّمَانِ عَنْ الضَّمَانِ.
اللَّخْمِيُّ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَمِيلُ بِالتَّأْخِيرِ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ حَلَفَ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْهُ لِيُسْقِطَ الْكَفَالَةَ وَيَكُونَ عَلَى حَقِّهِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَمَحِلُّهُ إذَا كَانَتْ ذِمَّةُ الْغَرِيمِ يَوْمَ حُلُولِ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ، وَالثَّانِي سَوَاءٌ وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ حَلَّ الْأَجَلُ الْأَوَّلُ ثُمَّ أَعْسَرَ الْآنَ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْحَمِيلِ لِتَفْرِيطِهِ حَتَّى تَلِفَ مَالُ غَرِيمِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْكَفِيلُ فَيُعَدُّ رَاضِيًا. اهـ. فَإِنْ نَكَلَ سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُمَا، وَلَوْ أَشْهَدَ رَبُّ الدَّيْنِ حِينَ التَّأْخِيرِ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ الْحَمَالَةَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ قَالَهُ الْحَطّ
(وَإِنْ أَنْكَرَ) الضَّامِنُ التَّأْخِيرَ حِينَ عِلْمِهِ بِهِ (حَلَفَ) الطَّالِبُ (أَنَّهُ) أَيْ الطَّالِبَ (لَمْ يُسْقِطْ) الطَّالِبُ الْحَمَالَةَ بِتَأْخِيرِ الْمَضْمُونِ (وَلَزِمَهُ) أَيْ الضَّمَانُ الضَّامِنَ وَسَقَطَ التَّأْخِيرُ وَبَقِيَ الدَّيْنُ حَالًّا، فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ التَّأْخِيرُ وَسَقَطَتْ الْكَفَالَةُ، هَذَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهَا الْكَفَالَةُ سَاقِطَةٌ بِكُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ حَلَفَ أَوْ نَكَلَ. وَقِيلَ لَازِمَةٌ بِكُلِّ حَالٍ نَقَلَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصُّهُ وَإِنْ أَخَّرَهُ مَلِيًّا فَأَنْكَرَ حَمِيلُهُ فَفِي سُقُوطِهِ حَمَالَتُهُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
وَبَقَائِهَا. ثَالِثُهَا إنْ أَسْقَطَ الْحَمَالَةَ صَحَّ تَأْخِيرُهُ وَإِلَّا حَلَفَ مَا أَخَّرَ إلَّا عَلَى بَقَائِهَا وَسَقَطَ تَأْخِيرُهُ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ وَسَقَطَتْ الْكَفَالَةُ. الْحَطّ غَيْرَ أَنَّهُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْت مِنْ الْبَيَانِ آثَرَ قَوْلَهُ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ التَّأْخِيرُ، وَالْكَفَالَةُ سَاقِطَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ أَبُو الْحَسَنِ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ، وَقَوْلُهُ بِكُلِّ حَالٍ مُشْكِلٍ لِاقْتِضَائِهِ سُقُوطَ الْكَفَالَةِ مَعَ حَلِفِهِ، وَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْلِ الثَّانِي.
وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ بِلَفْظٍ وَالْكَفَالَةُ ثَابِتَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَاسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّهُ مِثْلُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ، وَكَذَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ فِي غَالِبِ نُسَخِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الْقَاسِمِ لُزُومُ الْكَفَالَةِ إذَا نَكَلَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ وَاسْتَشْكَلَهُ الْبِسَاطِيُّ بِوَجْهٍ آخَرَ، قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ إنَّهَا ثَابِتَةٌ بِكُلِّ حَالٍ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ يَمِينَهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِالتَّأْخِيرِ سُقُوطَ الْكَفَالَةِ، فَإِنْ نَكَلَ فَالْقِيَاسُ سُقُوطُهَا وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. اهـ. وَهَذَا يَرْتَفِعُ بِأَنَّ الَّذِي فِي الْبَيَانِ سَاقِطَةٌ بِكُلِّ حَالٍ لَا ثَابِتَةٌ، وَيَبْقَى الْإِشْكَالُ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَلَكِنْ عَلَى مَا فِي الْبَيَانِ يَبْقَى الْقَوْلُ الثَّانِي، كَأَنَّهُ الْأَوَّلُ لَا كَمَا قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مِنْ كَوْنِ الثَّالِثِ كَالْأَوَّلِ، وَيَزُولُ الْإِشْكَالُ مَرَّةً وَاحِدَةً بِزَوَالِ قَوْلِهِ بِكُلِّ حَالٍ مِنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا فِي الْبَيَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ لِأَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ نَقَلَهُ كَذَلِكَ، وَكَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي لِابْنِ الْقَاسِمِ يُفَرِّقُ بَيْنَ حَلِفِهِ فَلَا يُسْقِطُ الْكَفَالَةَ وَيُسْقِطُ التَّأْخِيرَ، وَبَيْنَ نُكُولِهِ فَتَسْقُطُ الْكَفَالَةُ وَلَا يُسْقِطُ التَّأْخِيرَ وَقَوْلُ غَيْرِهِ سُقُوطُهَا فِي الْوَجْهَيْنِ بِمُجَرَّدِ التَّأْخِيرِ، وَالثَّالِثُ ثُبُوتُهَا فِيهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
طفي وَاَلَّذِي عَلَيْهِ النَّاقِلُونَ لِكَلَامِ الْبَيَانِ هُوَ نَقْلُ أَبِي الْحَسَنِ وَصَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ. وَقَوْلُ " ح " لِاقْتِضَائِهِ سُقُوطَ الْكَفَالَةِ مَعَ حَلِفِهِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ مُعْتَرِفٌ بِسُقُوطِهَا لِقَوْلِهِ أَوَّلَ كَلَامِهِ، فَإِنْ عَلِمَ فَأَنْكَرَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَالَةُ، وَيُقَالُ لِلطَّالِبِ إنْ أَحْبَبْت أَنْ تُمْضِيَ التَّأْخِيرَ عَلَى أَنْ لَا كَفَالَةَ لَك عَلَى الْكَفِيلِ، وَإِلَّا فَاحْلِفْ أَنَّك إنَّمَا أَخَّرْته عَلَى أَنْ يَبْقَى الْكَفِيلُ عَلَى كَفَالَتِهِ، فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّأْخِيرُ وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ
وَتَأَخَّرَ غَرِيمُهُ بِتَأْخِيرِهِ،
ــ
[منح الجليل]
التَّأْخِيرُ وَالْكَفَالَةُ سَاقِطَةٌ بِكُلِّ حَالٍ. . . إلَخْ وَلِأَنَّ حَلِفَهُ إنَّمَا هُوَ لِيُبْطِلَ التَّأْخِيرَ حَيْثُ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ كَمَا فِي نَقْلِ " ق "، وَهَكَذَا فِي نَقْلِ أَبِي الْحَسَنِ وَ " ح " اخْتَصَرَهُ وَأَخَلَّ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْكَفَالَةَ سَاقِطَةٌ بِكُلِّ حَالٍ لَيْسَ هُوَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِسُقُوطِهَا فِي كُلِّ حَالٍ فِي الْأَوَّلِ، أَيْ بِقَيْدِ الْإِنْكَارِ حَلَفَ أَمْ لَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى فَهْمِهَا. ابْنُ رُشْدٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي سُقُوطُهَا بِكُلِّ حَالٍ لَا بِقَيْدِ الْإِنْكَارِ فَعِنْدَهُ أَنَّ نَفْسَ التَّأْخِيرِ مُسْقِطٌ لَهَا، وَهُوَ قَوْلُ الْغَيْرِ، فَافْتَرَقَ الْقَوْلَانِ. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْكَفِيلُ بِالتَّأْخِيرِ خُيِّرَ الطَّالِبُ، فَأَمَّا إبْرَاءُ الْحَمِيلِ مِنْ حَمَالَتِهِ وَيَصِحُّ التَّأْخِيرُ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِرِضَا الْحَمِيلِ.
فَإِنْ سَكَتَ الْحَمِيلُ وَقَدْ عَلِمَ بِذَلِكَ لَزِمَتْهُ الْحَمَالَةُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى حَلَّ أَجَلُ التَّأْخِيرِ حَلَفَ الطَّالِبُ مَا أَخَّرَهُ لِيُبَرِّئَ الْحَمِيلَ وَثَبَتَتْ الْحَمَالَةُ. وَقَالَ غَيْرُهُ إنْ كَانَ الْغَرِيمُ مَلِيًّا وَأَخَّرَهُ تَأْخِيرًا بَيِّنًا سَقَطَتْ الْحَمَالَةُ. اهـ. فَأَنْت تَرَى قَوْلَ الْغَيْرِ بِسُقُوطِ الْحَمَالَةِ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِالْإِنْكَارِ، بَلْ مُطْلَقٌ وَلَوْ عَلِمَ وَسَكَتَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى حَلَّ التَّأْخِيرُ، بِخِلَافِ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَقَدْ اتَّضَحَ لَك الْحَقُّ، وَبَانَ لَك أَنَّ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بَوْنًا، وَإِنْ كَانَ ابْنُ رُشْدٍ أَتَى بِهِمَا فِي قِسْمِ الْإِنْكَارِ، وَلَا يَضُرُّنَا ذَلِكَ، لِأَنَّهُ أَشَارَ إلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَأَمَّا نَقْلُ الْمُصَنِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْحَمَالَةَ ثَابِتَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، فَتَبِعَ فِيهِ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ عَلَى وَجْهِهِ، بَلْ اخْتَصَرَهُ فَطَغَى الْقَلَمُ. وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَعْزِيَ لِابْنِ رُشْدٍ ثُبُوتَ الْحَمَالَةِ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ قَدْ قَالَ إنْ عَلِمَ فَأَنْكَرَ فَلَا تَلْزَمُهُ الْحَمَالَةُ فَتَأَمَّلْ مُنْصِفًا، وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ، وَتَبِعَهُ الْبُنَانِيُّ. تت تَنْبِيهٌ سَكَتَ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ، هَذَا كُلُّهُ فِي التَّأْخِيرِ الْكَثِيرِ، وَأَمَّا الْيَسِيرِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلضَّامِنِ مَعَ ذِكْرِهِ فِي تَوْضِيحِهِ
(وَ) إنْ حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ وَأَخَّرَ رَبُّهُ الضَّامِنُ (تَأَخَّرَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا (غَرِيمُهُ) أَيْ مَدِينُ رَبِّ الدَّيْنِ (بِ) سَبَبِ (تَأْخِيرِهِ) أَيْ الْحَمِيلِ، فَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ الْغَرِيمِ إلَّا بَعْدَ حُلُولِ
إلَّا أَنْ يَحْلِفَ
وَبَطَلَ، إنْ فَسَدَ مُتَحَمَّلٌ بِهِ
أَوْ فَسَدَتْ: كَبِجُعْلٍ مِنْ غَيْرِ رَبِّهِ لِمَدِينِهِ،
ــ
[منح الجليل]
أَجَلِ التَّأْخِيرِ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَحْلِفَ) رَبُّ الدَّيْنِ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِتَأْخِيرِهِ الْحَمِيلَ تَأْخِيرَ الْغَرِيمِ، فَلَهُ طَلَبُ الْغَرِيمِ، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ تَأْخِيرُ الْغَرِيمِ أَيْضًا، وَاسْتَشْكَلَ قَوْلُهُ تَأَخَّرَ إلَخْ بِأَنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُطَالِبُ الْحَمِيلَ مَعَ حُضُورِ الْغَرِيمِ وَيُسْرِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَخَّرَهُ وَالْمَدِينُ مُعْسِرٌ أَوْ غَائِبٌ فَأَيْسَرَ الْغَرِيمُ أَوْ حَضَرَ فِي أَثْنَاءِ الْأَجَلِ مَلِيًّا فَلَا يُطَالَبُ حَتَّى يَحِلَّ أَجَلُ تَأْخِيرِ الضَّامِنِ
(وَبَطَلَ) الضَّمَانُ (إنْ فَسَدَ) الْعَقْدُ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَالٌ (مُتَحَمَّلٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ الثَّانِيَةِ، تَحَمَّلَ (بِهِ) الضَّامِنُ عَنْ الْمَدِينِ الَّذِي تَرَتَّبَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ ادْفَعْ لَهُ دِينَارًا فِي دِينَارَيْنِ، أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا إلَى شَهْرٍ وَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ، فَهَذِهِ حَمَالَةٌ فَاسِدَةٌ عِنْدَ أَبِي الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ، وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه وَسَوَاءٌ كَانَ الضَّمَانُ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ اتِّفَاقًا فِي الثَّانِي، وَعَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْأَوَّلِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ كُلُّ حَمَالَةٍ وَقَعَتْ عَلَيَّ حَرَامٌ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِمَا أَوْ بَعْدَهُ، فَهِيَ سَاقِطَةٌ لَا يَلْزَمُ الْحَمِيلَ بِهَا شَيْءٌ عَلِمَ الْمُتَبَايِعَانِ بِحَرَامِ ذَلِكَ أَوْ جَهِلَاهُ عَلِمَ الْحَمِيلُ بِذَلِكَ أَوْ جَهِلَهُ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ لَزِمَ فِي الْمُتَحَمَّلِ بِهِ قِيمَتُهُ لِفَوَاتِهِ أَمْ لَا، وَصَرَّحَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَالْجَزِيرِيُّ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ الْمُتَحَمِّلُ بِفَسَادِ الْحَمَالَةِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْحَمِيلَ الْحَمَالَةُ بِالْقِيمَةِ لَا إنْ عَلِمَ
(أَوْ) أَيْ وَبَطَلَ الضَّمَانُ أَيْ لَغِيَ وَلَمْ يَلْزَمْ الْحَمِيلَ بِهِ شَيْءٌ إنْ (فَسَدَتْ) الْحَمَالَةُ نَفْسُهَا بِانْتِفَاءِ رُكْنِهَا أَوْ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعِهَا فَلَمْ يَتَّحِدْ الْمُعَلَّقُ وَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فَلَا اعْتِرَاضَ بِتَعْلِيقٍ أُنْشِئَ عَلَى نَفْسِهِ، وَمَثَّلَ شَيْنَ الْفَاسِدَةِ فَقَالَ (كَ) حَمَالَةٍ (بِجُعْلٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ، أَيْ عِوَضٍ (مِنْ غَيْرِ رَبِّهِ) أَيْ الدَّيْنِ (لِمَدِينِهِ) بِأَنْ كَانَ مِنْ رَبِّهِ وَمِنْ الْمَدِينِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لِلضَّامِنِ لِأَنَّ الضَّامِنَ إذَا غَرِمَ رَجَعَ بِمِثْلِ مَا غَرِمَهُ وَازْدَادَ الْجُعْلَ، وَهَذَا سَلَفٌ بِزِيَادَةٍ وَلِأَنَّ الضَّمَانَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى. وَالثَّانِي الْقَرْضُ، وَالثَّالِثُ الْجَاهُ، فَمَنْطُوقُهُ صَادِقٌ بِثَلَاثِ صُوَرٍ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
الْجُعْلُ مِنْ رَبِّهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ لِمَدِينِهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِشَرْطِ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي الْأَوَّلِ، فَهَذِهِ النُّسْخَةُ صَحِيحَةٌ أَفَادَهُ عب.
الْبُنَانِيُّ فِي التَّوْضِيحِ لَا يَجُوزُ لِلضَّامِنِ أَنْ يَأْخُذَ جُعْلًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ الْمَدِينِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا. الْمَازِرِيُّ لِلْمَنْعِ عِلَّتَانِ أُولَاهُمَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بِيَاعَاتِ الْغَرَرِ لِأَنَّ مَنْ أَخَذَ عَشَرَةً عَلَى أَنْ يَتَحَمَّلَ بِمِائَةٍ لَمْ يَدْرِ هَلْ يُفْلِسُ مَنْ تَحَمَّلَ عَنْهُ أَوْ يَغِيبُ فَيَخْسَرَ مِائَةً وَلَمْ يَأْخُذْ إلَّا الْعَشَرَةَ أَوْ يَسْلَمُ مِنْ الْغَرَامَةِ وَيَفُوزُ بِالْعَشَرَةِ، ثَانِيَتُهُمَا أَنَّهُ دَائِرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَمْنُوعَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ أَدَّى الْغَرِيمُ الدَّيْنَ كَانَ لَهُ الْجُعْلُ بَاطِلًا، وَإِنْ أَدَّى الضَّامِنُ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى الْمَضْمُونِ صَارَ كَأَنَّهُ أَسْلَفَ مَا أَدَّى وَرَبِحَ الْجُعْلَ فَكَانَ سَلَفًا بِزِيَادَةٍ. اهـ. وَالْبُطْلَانُ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِ الْجُعْلِ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَعِلْمِ رَبِّ الدَّيْنِ وَإِلَّا لَزِمَتْ الْحَمَالَةُ، وَرَدَّ الْجُعْلَ.
قَالَ فِي شَرْحِ التُّحْفَةِ اعْلَمْ أَنَّ الْجُعْلَ إنْ كَانَ لِلْحَمِيلِ رَدَّ الْجُعْلَ قَوْلًا وَاحِدًا، وَيَفْتَرِقُ الْجَوَابُ فِي ثُبُوتِ الْحَمَالَةِ وَسُقُوطِهَا، وَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفَسَادِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ فَتَارَةً تَسْقُطُ الْحَمَالَةُ وَيَثْبُتُ الْبَيْعُ، وَتَارَةً تَثْبُتُ الْحَمَالَةُ وَالْبَيْعُ. وَالثَّالِثُ يَخْتَلِفُ فِيهِ فِي الْحَمَالَةِ وَالْبَيْعِ جَمِيعًا، فَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ الْبَائِعِ كَانَتْ الْحَمَالَةُ سَاقِطَةً لِأَنَّهَا بِعِوَضٍ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِي لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيمَا فَعَلَ الْبَائِعُ مَعَ الْحَمِيلِ وَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مِنْ الْمُشْتَرِي، أَيْ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَلَمْ يَعْلَمْ الْبَائِعُ بِهِ فَالْحَمَالَةُ لَازِمَةٌ كَالْبَيْعِ لِأَنَّ الْحَمِيلَ غَرَّ الْبَائِعَ حَتَّى أَخْرَجَ سِلْعَتَهُ.
وَاخْتُلِفَ إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ تَسْقُطُ الْحَمَالَةُ يُرِيدُ وَيُخَيَّرُ الْبَائِعُ فِي سِلْعَتِهِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ الْكَفَالَةُ لَازِمَةٌ وَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي ذَلِكَ سَبَبٌ، وَأَصْلُهُ لِلَّخْمِيِّ اُنْظُرْ " ح "، وَقَوْلُ " ز " وَمَفْهُومُهُ صُورَتَانِ إلَخْ. الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ مِنْهُمَا دَاخِلَةٌ فِي مَنْطُوقِ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَتْ مِنْ مَفْهُومِهِ وَقَدْ عُلِمَ جَوَازُهَا فَتَرِدُ عَلَى الْمَنْطُوقِ
وَإِنْ ضَمَانَ مَضْمُونِهِ،
ــ
[منح الجليل]
وَتَفْسُدُ بِهَا، هَذِهِ النُّسْخَةُ أَعْنِي مِنْ غَيْرِ رَبِّهِ لِمَدِينِهِ " غ " فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ أَوْ فَسَدَتْ كَبِجُعْلٍ، وَإِنْ مِنْ غَيْرِ رَبِّهِ كَمَدِينِهِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْيَاءِ وَالرَّاءِ وَزِيَادَةِ وَإِنْ وَكَمَدِينِهِ بِكَافِ التَّشْبِيهِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ لَا يَجُوزُ لِلضَّامِنِ أَنْ يَأْخُذَ جُعْلًا مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ أَوْ الْمَدِينِ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِنْ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ لِمَدِينِهِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَالدَّالِ وَلِمَدِينِهِ بِاللَّامِ، وَصَوَابُهُ عَلَى هَذَا لَا مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ لِمَدِينِهِ بِلَا النَّافِيَةِ حَتَّى يُطَابِقَ قَوْلَهُ فِي تَوْضِيحِهِ اُخْتُلِفَ إذَا كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ أَعْطَى الْمِدْيَانَ شَيْئًا عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ حَمِيلًا فَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَغَيْرُهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ أَشْهَبَ لَا يَصِحُّ، وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَرِهَهُ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ الْجَوَازُ أَبْيَنُ.
الْحَطّ هَاتَانِ النُّسْخَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا غَيْرُ مُشْتَهِرَتَيْنِ، وَالنُّسْخَةُ الْمَشْهُورَةُ مِنْ غَيْرِ رَبِّهِ لِمَدِينِهِ كَمَا ذَكَرْته أَوَّلًا بِإِسْقَاطِ وَإِنْ وَغَيْرُ بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ وَالْيَاءِ وَلِمَدِينِهِ فَاللَّامُ الْجَرِّ، وَهَذِهِ مَعْنَاهَا فَاسِدٌ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمَانَ يَفْسُدُ إذَا دَفَعَ غَيْرُ رَبِّ الدَّيْنِ لِلْمِدْيَانِ جُعْلًا عَلَى أَنْ يُعْطِيَ لِرَبِّ الدَّيْنِ حَمِيلًا، وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ غَازِيٍّ أَنَّ الْجُعْلَ لَوْ كَانَ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ لِلْمِدْيَانِ يَصِحُّ، فَأَحْرَى إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ بَدَلَ اللَّامِ كَافٌ صَحَّتْ، لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى الْأُولَى غَيْرَ أَنَّهُ يَدَّعِي فِيهَا أَنَّهُ إذَا كَانَ الْجُعْلُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ أَحْرَوِيًّا فَأَوْلَى النُّسَخِ وَأَحْسَنُهَا النُّسْخَةُ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ غَازِيٍّ.
وَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ بِكَجُعْلٍ جَمِيعُ الصُّوَرِ الَّتِي لَا تَجُوزُ فِيهَا الْحَمَالَةُ لِدُخُولِ الْفَسَادِ بَيْنَ الْكَفِيلِ وَالطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ وَيَبْطُلُ الضَّمَانُ بِجُعْلٍ لِلضَّامِنِ إنْ كَانَ الْجُعْلُ مَالًا، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ الْجُعْلُ (ضَمَانَ مَضْمُونِهِ) أَيْ الضَّامِنِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَمَفْعُولُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ الضَّامِنُ بِأَنْ ضَمَّنَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لِيُضَمِّنَهُ الْآخَرُ بِأَنْ تَدَايَنَ رَجُلَانِ دَيْنًا مِنْ رَجُلٍ أَوْ مِنْ رَجُلَيْنِ، وَيُضَمِّنَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِيمَا عَلَيْهِ لِرَبِّ الدَّيْنِ فَيُمْنَعُ إذَا شَرَطَا ذَلِكَ لَا إنْ اتَّفَقَ بِدُونِ شَرْطٍ، وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيرُ مَفْعُولِ الْمَصْدَرِ مَدِينُ الضَّامِنِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ اضْمَنِّي وَأَنَا أَضْمَنُ لَك مَدِينَك.
إلَّا فِي اشْتِرَاءِ شَيْءٍ بَيْنَهُمَا، أَوْ بَيْعِهِ، كَقَرْضِهِمَا عَلَى الْأَصَحِّ
وَإِنْ تَعَدَّدَ حُمَلَاءُ أُتْبِعَ كُلٌّ بِحِصَّتِهِ،
ــ
[منح الجليل]
وَاسْتَثْنَى مِنْ الْمُبَالَغِ عَلَيْهِ فَقَالَ (إلَّا) تَضَامُنُهُمَا (فِي) ثَمَنٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا بِسَبَبِ (اشْتِرَاءِ شَيْءٍ) مُعَيَّنٍ مُشْتَرَكٍ (بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمُتَضَامِنَيْنِ بِأَنْ يَشْتَرِيَا شَيْئًا مُعَيَّنًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِالنِّصْفِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ مُؤَجَّلٍ عَلَيْهِمَا إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَيَضْمَنُ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِيمَا عَلَيْهِ لِلْبَائِعِ فَيَجُوزُ لِعَمَلِ السَّلَفِ (أَوْ) تَضَامُنُهُمَا فِي عَرْضٍ أَوْ طَعَامٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ بِ (بَيْعِهِ) لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ عَلَى وَجْهِ السَّلَمِ فَيَجُوزُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ.
وَشَبَّهَ فِي الْجَوَازِ فَقَالَ (كَقَرْضِهِمَا) أَيْ تَسَلُّفِ شَخْصَيْنِ شَيْئًا بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَتَضَامُنِهِمَا فِيهِ فَيَجُوزُ (عَلَى الْأَصَحِّ) مِنْ الْخِلَافِ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَابْنُ الْعَطَّارِ خِلَافًا لِابْنِ الْفَخَّارِ رَآهُ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً. تت وَقَيَّدْنَا بِالسَّوِيَّةِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ مِمَّا لِلْآخَرِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ أَحَدُهُمَا قَدْرَ مَا ضَمِنَهُ الْآخَرُ فِيهِ فَقَطْ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ. عب جَازَ فِي الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ لِعَمَلِ الْمَاضِينَ فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِمَّا امْتَنَعَ، وَالْجَوَازُ فِيهَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ يُضَمِّنَ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ فِي قَدْرِ مَا ضَمَّنَهُ فِيهِ الْآخَرُ وَإِلَّا امْتَنَعَ، فَإِذَا اشْتَرَيَا شَيْئًا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَ وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ، فَإِنْ ضَمِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِي جَمِيعِ مَالِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ ضَمِنَ ذُو الثُّلُثِ نِصْفَ مَا لِصَاحِبِهِ جَازَ
(وَإِذَا تَعَدَّدَ حُمَلَاءُ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مَمْدُودًا جَمْعُ حَمِيلٍ، وَأَرَادَ بِهِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ فَيَشْمَلُ الِاثْنَيْنِ أَيْضًا لِمَدِينٍ ضَمِنُوهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَحَلَّ الْأَجَلُ وَغَابَ الْغَرِيمُ أَوْ أَفْلَسَ (اتَّبَعَ) الْمَضْمُونُ لَهُ (كُلًّا) مِنْ الْحُمَلَاءِ (بِحِصَّتِهِ) أَيْ الْحَمِيلِ الْمُتَّبِعِ فَقَطْ مِنْ قِسْمَةِ الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ فِيهِ عَلَى عَدَدِهِمْ، فَلَا يَكُونُ بَعْضُهُمْ حَمِيلًا عَنْ بَعْضِهِمْ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ
إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ: كَتَرَتُّبِهِمْ، وَرَجَعَ الْمُؤَدِّي بِغَيْرِ الْمُؤَدَّى عَنْ نَفْسِهِ بِكُلِّ مَا عَلَى الْمُلْقِي؛ ثُمَّ سَاوَاهُ،
ــ
[منح الجليل]
فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ مَلِيءٍ حِصَّةُ مُعْدِمٍ، وَلَا مِنْ حَاضِرٍ نَصِيبُ غَائِبٍ، وَلَا مِنْ حَيٍّ حَظُّ مَيِّتٍ، بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمْ ضَمَانُهُ عَلَيْنَا وَوَافَقَهُ الْبَاقِي، أَوْ قِيلَ لَهُمْ تَضْمَنُونَ فُلَانًا فَقَالُوا جَمِيعًا نَعَمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ مُتَعَاقِبِينَ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ) الْمَضْمُونُ لَهُ فِي عَقْدِ الضَّمَانِ (حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ) أَيْ الْحُمَلَاءِ (عَنْ بَعْضٍ) فَلَهُ أَخْذُ جَمِيعِ حَقِّهِ مِنْ بَعْضِهِمْ إنْ غَابَ غَيْرُهُ أَوْ أَعْدَمَ وَإِنْ حَضَرُوا أَمْلِيَاءَ اتَّبَعَ كُلًّا بِحِصَّتِهِ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ قَالَ مَعَ ذَلِكَ أَيُّكُمْ شِئْت أَخَذْت حَقِّي مِنْهُ فَلَهُ أَخْذُ جَمِيعِ حَقِّهِ مِمَّنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَلَوْ حَضَرَ غَيْرُهُ مَلِيًّا.
وَأَقْسَامُ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةٌ، تَعَدُّدُهُمْ بِلَا شَرْطٍ فَلَا يَتَّبِعُ كُلًّا إلَّا بِحِصَّتِهِ. تَعَدُّدُهُمْ وَاشْتِرَاطُ حَمَالَةِ بَعْضِهِمْ، وَقَالَ أَيُّكُمْ شِئْت أَخَذْت حَقِّي مِنْهُ فَلَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ شَاءَ وَلَوْ حَضَرُوا أَمْلِيَاءَ. تَعَدُّدُهُمْ بِشَرْطِ حَمَالَةِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ وَلَمْ يَقُلْ أَيُّكُمْ إلَخْ، فَيَأْخُذُ جَمِيعَ حَقِّهِ مِمَّنْ حَضَرَ مَلِيًّا إنْ غَابَ الْبَاقِي أَوْ أَعْدَمَ وَإِنْ حَضَرُوا أَمْلِيَاءَ اتَّبَعَ كُلًّا بِحِصَّتِهِ. تَعَدُّدُهُمْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَقَالَ أَيُّكُمْ شِئْت أَخَذْت حَقِّي مِنْهُ فَلَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ شَاءَ وَلَوْ حَضَرُوا أَمْلِيَاءَ.
وَشَبَّهَ فِي أَخْذِهِ الْحَقَّ مِمَّنْ شَاءَ الْمَضْمُونُ لَهُ أَخْذُهُ مِنْهُ الْمَفْهُومُ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ فَقَالَ (كَتَرَتُّبِهِمْ) أَيْ الْحُمَلَاءِ فِي الْحَمَالَةِ بِأَنْ ضَمِنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ فَلَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ شَاءَ، وَلَوْ حَضَرُوا جَمِيعًا أَمْلِيَاءَ إنْ أَعْدَمَ الْمَضْمُونُ أَوْ غَابَ، وَسَوَاءٌ شَرَطَ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ أَمْ لَا عَلِمَ الْمُتَأَخِّرُ بِالتَّقَدُّمِ أَمْ لَا، " غ " كَأَنَّهُ يُشِيرُ لِقَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ أَخَذَ مِنْ غَرِيمِهِ كَفِيلًا بَعْدَ كَفِيلٍ فَلَهُ فِي عُدْمِ الْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ بِجَمِيعِ حَقِّهِ أَيَّ الْكَفِيلَيْنِ شَاءَ (وَرَجَعَ) الضَّامِنُ (الْمُؤَدِّي) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الدَّالِ مُثَقَّلًا، وَمَفْهُومُهُ مَحْذُوفٌ لِلْعِلْمِ بِهِ، أَيْ الدَّيْنِ الْمَضْمُونُ فِيهِ (بِغَيْرِ) الْقَدْرِ (الْمُؤَدَّى) بِفَتْحِ الدَّالِ مُثَقَّلًا (عَنْ نَفْسِهِ) أَيْ الْمُؤَدِّي، وَأَبْدَلَ مِنْ بِغَيْرِ إلَخْ قَوْلُهُ (بِكُلِّ مَا) أَيْ الْقَدْرِ الَّذِي (عَلَى) الشَّخْصِ (الْمُلْقِي) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَشَدِّ الْيَاءِ (ثُمَّ سَاوَاهُ) أَيْ الْمُؤَدِّي الْمُلْقِي بِالْكَسْرِ فِيهِمَا فِيمَا
فَإِنْ اشْتَرَى سِتَّةٌ بِسِتِّمِائَةٍ بِالْحَمَالَةِ فَلَقِيَ أَحَدَهُمْ: أَخَذَ مِنْهُ الْجَمِيعَ، ثُمَّ إنْ لَقِيَ أَحَدَهُمْ: أَخَذَهُ بِمِائَةٍ، ثُمَّ بِمِائَتَيْنِ، فَإِنْ لَقِيَ أَحَدُهُمَا ثَالِثًا: أَخَذَهُ بِخَمْسِينَ وَبِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ: فَإِنْ لَقِيَ الثَّالِثُ رَابِعًا: أَخَذَهُ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ
ــ
[منح الجليل]
أَدَّاهُ عَنْ صَاحِبِهِمَا الْغَائِبِ إذَا كَانُوا حُمَلَاءَ غُرَمَاءَ، بِدَلِيلِ تَمْثِيلِهِ الْآتِي أَوْ حُمَلَاءَ فَقَطْ، وَاشْتَرَطَ حَمَالَةَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْآتِيَيْنِ فِي هَذَا كَثَلَاثَةٍ اشْتَرَوْا سِلْعَةً بِثَلَاثِمِائَةٍ عَلَى كُلِّ مِائَةٍ وَتَضَامَنُوا فَلَقِيَ الْبَائِعُ أَحَدَهُمْ فَأَخَذَ مِنْهُ الْجَمِيعَ مِائَةً عَنْ نَفْسِهِ وَمِائَتَيْنِ عَنْ صَاحِبَيْهِ، فَإِنْ وَجَدَ الْغَارِمُ أَحَدَهُمَا أَخَذَ مِنْهُ الْمِائَةَ الَّتِي دَفَعَهَا عَنْهُ وَخَمْسِينَ نِصْفَ الْمِائَةِ الَّتِي دَفَعَهَا عَنْ صَاحِبِهِمَا ثُمَّ كُلُّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُمَا. الثَّالِثُ أَخَذَ مِنْهُ خَمْسِينَ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْحُمَلَاءِ السِّتَّةِ الَّتِي أُفْرِدَتْ بِالتَّصَانِيفِ مُفَرِّعًا لَهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَقَالَ (فَإِنْ اشْتَرَى سِتَّةٌ) سِلْعَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ سَوِيَّةً (بِسِتِّمِائَةٍ) عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ مِائَةٌ (بِ) شَرْطِ (الْحَمَالَةِ) مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِبَاقِيهِمْ (فَلَقِيَ) الْبَائِعُ (أَحَدَهُمْ فَأَخَذَ مِنْهُ الْجَمِيعَ) أَيْ السِّتَّمِائَةِ مِائَةً عَنْ نَفْسِهِ أَصَالَةً لَا يَرْجِعُ بِهَا، وَخَمْسَمِائَةٍ حَمَالَةً عَنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِينَ يَرْجِعُ بِهَا عَلَيْهِمْ (ثُمَّ إنْ لَقِيَ) الدَّافِعُ (أَحَدَهُمْ) أَيْ الْخَمْسَةِ (أَخَذَهُ) أَيْ الدَّافِعُ الْمُلْقِي (بِمِائَةٍ) عَنْ نَفْسِ الْمُلْقِي تَبْقَى أَرْبَعُمِائَةٍ لِلدَّافِعِ فَيُسَاوِي الْمُلْقِي فِيهَا فَيَأْخُذَهُ (بِمِائَتَيْنِ) فَيَصِيرُ كُلٌّ مِنْهُمَا غَرِمَ مِائَتَيْنِ عَنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِينَ.
(فَإِنْ لَقِيَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الدَّافِعُ وَالْمُلْقِي الْأَوَّلُ (ثَالِثًا) مِنْ السِّتَّةِ الْمُتَضَامِنِينَ (أَخَذَهُ) أَيْ أَحَدَهُمَا الْمُلْقِي الثَّالِثُ (بِخَمْسِينَ) عَنْ نَفْسِ الْمُلْقِي الثَّالِثِ رُبْعَ الْمِائَتَيْنِ الْمَدْفُوعَتَيْنِ عَنْ الْأَرْبَعَةِ يَبْقَى مِنْ الْمِائَتَيْنِ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَيُسَاوِي أَحَدَهُمَا فِيهَا الْمُلْقِي الثَّالِثُ (وَ) يَأْخُذُهُ (بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ) عَنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ.
(فَإِنْ لَقِيَ الثَّالِثَ) الَّذِي دَفَعَ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ حَمَالَةً عَنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ (رَابِعًا) مِنْ السِّتَّةِ (أَخَذَهُ) أَيْ الثَّالِثُ الرَّابِعَ (بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ) عَنْ نَفْسِ الرَّابِعِ يَبْقَى مِنْ الْخَمْسَةِ
وَبِمِثْلِهَا، ثُمَّ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ، وَبِسِتَّةٍ وَرُبُعٍ
ــ
[منح الجليل]
وَالسَّبْعِينَ الَّتِي دَفَعَهَا الثَّالِثُ حَمَالَةً خَمْسُونَ فَيُسَاوِي الثَّالِثُ الرَّابِعَ فِيهَا (وَ) يَأْخُذُهُ (بِمِثْلِهَا) أَيْ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ حَمَالَةً عَنْ الْبَاقِيَيْنِ.
(ثُمَّ) إنْ لَقِيَ هَذَا الرَّابِعُ خَامِسًا مِنْ السِّتَّةِ أَخَذَهُ (بِاثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفٍ) عَنْ نَفْسِ الْخَامِسِ يَبْقَى لِلرَّابِعِ مِنْ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٍ فَيُسَاوِي الْخَامِسَ فِيهَا (وَ) يَأْخُذُهُ (بِسِتَّةٍ وَرُبُعٍ) حَمَالَةً عَنْ السَّادِسِ، فَإِنْ لَقِيَ الْخَامِسُ السَّادِسَ أَخَذَهُ بِسِتَّةٍ وَرُبُعٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ لِوُضُوحِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا أَيْضًا كَيْفِيَّةَ اسْتِيفَاءِ الْعَمَلِ حَتَّى يَصِيرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ السِّتَّةِ دَافِعًا الْمِائَةَ الَّتِي عَلَيْهِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي تَوْضِيحِهِ عَنْ الْمَازِرِيِّ بَعْضُ مَشَايِخِي فِيهِ تَطْوِيلٌ تَنْفِرُ مِنْهُ النُّفُوسُ، وَذَكَرَ طَرِيقًا قَالَ وَإِنْ كَانَ لَا يُنَاسِبُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ كُلَّ الْمُنَاسَبَةِ فَقَالَ إذَا لَقِيَ الْبَائِعُ أَحَدَ الْمُشْتَرِينَ وَأَخَذَ مِنْهُ السِّتَّمِائَةِ، ثُمَّ لَقِيَ هَذَا الدَّافِعُ وَاحِدًا مِنْ شُرَكَائِهِ فِي الشِّرَاءِ طَالَبَهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ مِائَةٍ تَخُصُّهُ وَمِائَتَيْنِ بِطَرِيقِ الْحَمَالَةِ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَهُ قَدْ دَفَعْت سِتَّمِائَةٍ مِائَةً تَخُصُّنِي لَا رُجُوعَ لِي بِهَا وَخَمْسَمِائَةٍ عَنْك، وَعَنْ أَصْحَابِك يَخُصُّك مِنْهَا مِائَةٌ تَبْقَى أَرْبَعُمِائَةٍ عَنْ أَصْحَابِنَا الْأَرْبَعَةِ أَنْتَ حَمِيلٌ مَعِي بِهَا فَلِذَلِكَ يُطَالِبُهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ. فَإِذَا أَخَذَهَا مِنْهُ اسْتَقَرَّ، أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَفَعَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَقَدْ عَلِمْت تَفْصِيلَهَا، فَإِذَا لَقِيَا ثَالِثًا طَالَبَاهُ بِمِائَةٍ تَخُصُّهُ وَتَبْقَى ثَلَاثُمِائَةٍ هُوَ مَعَهُمَا حَمِيلٌ بِهَا فَيُطَالِبُهُ بِمِائَةٍ مِنْهَا بِالْحَمَالَةِ فَيَأْخُذَانِ الْمِائَتَيْنِ فَيَقْتَسِمَانِهِمْ افَيَبْقَى لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِائَةٌ، وَلِلثَّالِثِ أَيْضًا مِائَةٌ، فَإِذَا لَقِيَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ رَابِعًا طَالَبُوهُ بِمِائَةٍ عَنْ نَفْسِهِ، وَيَبْقَى لَهُمْ مِائَتَانِ هُوَ حَمِيلٌ بِهِمَا مَعَهُمْ فَيُطَالِبُونَهُ بِحِصَّتِهِ مِنْهُمَا بِطَرِيقِ الْحَمَالَةِ وَهِيَ خَمْسُونَ، وَيَتَقَاسَمُ الثَّلَاثَةُ هَذِهِ الْمِائَةُ وَالْخَمْسِينَ أَثْلَاثًا فَيَبْقَى لِكُلٍّ خَمْسُونَ وَلِلرَّابِعِ أَيْضًا كَذَلِكَ، وَهِيَ الَّتِي دَفَعَهَا بِطَرِيقِ الْحَمَالَةِ فَالْبَاقِي مِائَتَانِ.
فَإِذَا لَقِيَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ خَامِسًا طَالَبُوهُ بِمِائَةٍ عَنْ نَفْسِهِ وَبِعِشْرِينَ مِنْ الْمَائِهِ السَّادِسَةِ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ حُمَلَاءُ بِهَا فَتُضَمُّ هَذِهِ الْعِشْرُونَ إلَى الْمِائَةِ، وَيُوَزَّعُ الْمَجْمُوعُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ فَيَنُوبُ كُلًّا ثَلَاثُونَ، وَيَبْقَى لِكُلٍّ عِشْرُونَ، وَلِلْخَامِسِ أَيْضًا عِشْرُونَ، وَمَجْمُوعُهَا مِائَةٌ فَيَأْخُذُهَا الْخَمْسَةُ مِنْ السَّادِسِ إذَا ظَفِرُوا بِهِ وَيَتَقَاسَمُونَهَا أَخْمَاسًا فَيَظْفَرُ كُلٌّ بِمَجْمُوعِ حَقِّهِ اهـ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
(تَنْبِيهٌ) هَذَا الْعَمَلُ نَحْوُهُ عَمِلَ الطُّنَيْزِيُّ، وَقَدْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ عَرَفَةَ اُنْظُرْهُ فِي الْكَبِيرِ قَالَهُ تت فِي الصَّغِيرِ طفي جَعْلُهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ مَشَايِخِهِ طَرِيقًا آخَرَ لَا يُنَاسِبُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَنَحْوًا لِعَمَلِ الطُّنَيْزِيِّ وَهُمْ، بَلْ هُوَ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ التَّرَاجُعِ تُنَاسِبُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَيْسَتْ طَرِيقًا أُخْرَى، لِأَنَّ صُوَرَ التَّرَاجُعِ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِيمَا ذَكَرَ.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ اعْلَمْ أَنَّ وُجُوهَ التَّرَاجُعِ لَا تَنْحَصِرُ بَيْنَهُمْ فِي عَدَدٍ، إذْ قَدْ يَلْتَقُونَ عَلَى رُتَبٍ مُخْتَلِفَةٍ وَصُوَرٍ شَتَّى لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ إمَّا أَنْ يَلْقَى جَمِيعَهُمْ أَوْ يَلْقَى خَمْسَةً مِنْهُمْ أَوْ أَرْبَعَةً أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ وَاحِدًا، وَإِذَا لَقِيَ أَرْبَعَةً مِنْهُمْ أَوْ أَقَلَّ فَأَخَذَ مَالَهُ مِمَّنْ لَقِيَ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْغَرِيمَ إمَّا أَنْ يَلْقَى سَائِرَهُمْ مُجْتَمَعِينَ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبَيْ الْمُلْتَقِينَ أَوْ مُجْتَمَعِينَ فِي جَانِبٍ وَمُفْتَرِقِينَ فِي آخَرَ وَالِافْتِرَاقُ عَلَى أَقْسَامٍ كَثِيرَةٍ، ثُمَّ ذَكَرَ كَيْفِيَّةَ التَّرَاجُعِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ إلَى أَنْ قَالَ وَإِنْ لَقِيَ اثْنَانِ مِنْهُمْ وَاحِدًا رَجَعَا عَلَيْهِ بِمَا أَدَّيَا عَنْهُ مِنْ أَصْلِ الْحَقِّ وَبِثُلُثِ مَا أَدَّيَا عَنْ أَصْحَابِهِ بِالْحَمَالَةِ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَلَقُوا وَاحِدًا رَجَعُوا عَلَيْهِ بِمَا أَدَّوْا عَنْهُ بِحِمَالَةِ مَا أَدَّوْا عَنْ أَصْحَابِهِ بِالْحَمَالَةِ. اهـ. بِاخْتِصَارٍ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَ لَك أَنَّ هَذِهِ وُجُوهٌ مُفَرَّعَةٌ عَلَى طَرِيقِ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ لَا اخْتِلَافَ فِيهَا، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا طَرِيقًا مُخَالِفًا لِغَيْرِهِ، وَالْخِلَافُ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَالطُّنَيْزِيِّ حَيْثُ لَقِيَ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ الثَّالِثَ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُ حَسْبَمَا هُوَ مَفْرُوضٌ فِي كَلَامِ عِيَاضٍ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ أَمَّا إنْ لَقِيَاهُ مَعًا كَمَا فَرَضَ بَعْضُ مَشَايِخِ تت فَلَا خِلَافَ فِيهَا، وَلَا تَنْحُو لِمَا قَالَ الطُّنَيْزِيُّ وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ: وَضَابِطُ تَرَاجُعِهِمْ فِي ثَمَنِ مَا ابْتَاعُوهُ مُتَحَامِلِينَ رُجُوعُ كُلِّ غَارِمٍ عَلَى مَنْ لَقِيَهُ بِمَا غَرِمَ عَنْهُ مِنْ ثَمَنِ مَا ابْتَاعَهُ، وَبِمَا يُوجِبُ مُسَاوَاتَهُ إيَّاهُ فِيمَا غَرِمَهُ بِالْحَمَالَةِ عَنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ فِي رُجُوعِهِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَى حَالِ لِقَاءِ الْغَارِمِ مَنْ لَقِيَهُ فَقَطْ أَوْ عَلَى مُقْتَضَى مَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ كُلِّ مَنْ غَرِمَ لَوْ لَقِيَهُمْ رَبُّ الْحَقِّ مُجْتَمِعِينَ قَوْلًا الْأَكْثَرُ.
وَنَقَلَ عِيَاضٌ حَيْثُ قَالَ لَوْ لَقِيَ ثَانِي السِّتَّةِ ثَالِثُهُمْ فَفِيهَا يَأْخُذُهُ بِخَمْسِينَ قَضَاهَا عَنْهُ فِي
وَهَلْ لَا يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ أَيْضًا إذَا كَانَ الْحَقُّ عَلَى غَيْرِهِمْ أَوْ لَا وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ؟
ــ
[منح الجليل]
خَاصَّتِهِ، وَبِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ نِصْفِ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ أَدَّاهَا بِالْحَمَالَةِ فَذَلِكَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَعَلَى هَذَا حَسَبَ كُلُّ الْفُقَهَاءِ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّرَاجُعِ بَيْنَهُمْ. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطُّنَيْزِيُّ الْفَارِضِيُّ هَذَا غَلَطٌ فِي الْحِسَابِ وَالْوَاجِبُ إذَا الْتَقَى الثَّالِثُ مَعَ أَحَدِ الْأَوَّلِينَ أَنْ يَقُولَ الثَّالِثُ نَحْنُ كَأَنَّا اجْتَمَعْنَا مَعًا بِاجْتِمَاعِ بَعْضِنَا بِبَعْضٍ، وَلَوْ اجْتَمَعْنَا مَعًا كَانَ الْمَالُ عَلَيْنَا أَثْلَاثًا عَلَيَّ مِنْهُ مِائَتَانِ غَرِمْتُهُمَا أَنْتَ وَصَاحِبُك عَنِّي خُذْ مِائَتَك وَادْفَعْ لِصَاحِبِك مِائَتَهُ إذَا لَقِيته وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ الْمَسْأَلَةِ.
قُلْت قَبِلَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَهُوَ غَلَطٌ فِي الْفِقْهِ لِأَنَّ مَآلَهُ عَدَمُ غُرْمِ الثَّالِثِ شَيْئًا بِالْحَمَالَةِ لِأَنَّ جُمْلَةَ مَا غَرِمَهُ عَلَى قَوْلِهِ فِي لِقَائِهِ. الثَّانِي مِائَةٌ وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ وَاسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْتِزَامِ الْحَمَالَةِ يُوجِبُ اسْتِوَاءَهُمَا فِي الْغُرْمِ بِهَا وَاسْتِوَاؤُهُمَا فِيهِ يُوجِبُ رُجُوعَ الثَّانِي عَلَى الثَّالِثِ بِمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ
(وَ) إذَا كَانُوا حُمَلَاءَ غَيْرَ غُرَمَاءَ بِأَنْ ضَمِنُوا شَخْصًا فِي مَالٍ عَلَيْهِ بِشَرْطِ حَمَالَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَأَدَّى بَعْضُهُمْ الْحَقَّ لِرَبِّهِ لِعَدَمِ الْغَرِيمِ أَوْ غَيْبَتِهِ وَلَقِيَ الْمُؤَدِّي أَحَدَ أَصْحَابِهِ فَ (هَلْ لَا يَرْجِعُ) الْمُؤَدِّي عَلَى الْمُلْقِي (بِمَا) أَيْ الْقَدْرِ الَّذِي أَيْ الْمُؤَدَّى (أَيْضًا) أَيْ كَمَا لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ إذَا كَانُوا حُمَلَاءَ غُرَمَاءَ (إذَا كَانَ الْحَقُّ) الْمَضْمُونُ (عَلَى غَيْرِهِمْ) أَيْ الْحُمَلَاءِ الْمُشْتَرَطِ حَمَالَةُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ (أَوَّلًا) بِشَدِّ الْوَاوِ مُنَوَّنًا، أَيْ ابْتِدَاءً وَعَلَيْهِمْ ثَانِيًا بِالْحَمَالَةِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَدَمِ رُجُوعِ الْمُؤَدِّي بِمَا يَخُصُّهُ عَلَى الْمُلْقِي (الْأَكْثَرُ) وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَكَيْفِيَّةُ التَّرَاجُعِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ إذَا تَحَمَّلَ ثَلَاثَةٌ عَنْ وَاحِدٍ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَغَرِمَهَا أَحَدُهُمْ ثُمَّ لَقِيَ آخَرَ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مِائَةً عَنْ نَفْسِهِ وَخَمْسِينَ بِحَمَالَةِ الثَّالِثِ، وَمَنْ لَقِيَ مِنْهُمَا الثَّالِثَ أَخَذَ مِنْهُ خَمْسِينَ.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي طَوَاهُ الْمُصَنِّفُ تَقْدِيرُهُ أَوْ يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ، وَكَيْفِيَّةُ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ أَنَّ الْغَارِمَ الْأَوَّلَ يَأْخُذُ مِنْ الْمُلْقِي الْأَوَّلِ مِائَةً وَخَمْسِينَ بِالْحَمَالَةِ، وَإِذَا لَقِيَ أَحَدُهُمَا الثَّالِثَ فَيَأْخُذُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
مِنْهُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ، وَإِذَا لَقِيَهُ الْآخَرُ طَالَبَهُ بِخَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ فَيَقُولُ لَهُ الثَّالِثُ دَفَعْت لِصَاحِبِنَا الَّذِي لَقِيَنِي قَبْلَك خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَاوَيْتُك فِيهَا يَبْقَى لَك زَائِدًا مِثْلُهَا فَخُذْ نِصْفَهُ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ وَنِصْفًا، ثُمَّ كُلُّ مَنْ لَقِيَ مِنْهُمَا الَّذِي لَمْ يَدْفَعْ إلَّا خَمْسَةً وَسَبْعِينَ أَخَذَ مِنْهُ اثْنَيْ عَشَرَ وَنِصْفًا فَيَسْتَوِي الْجَمِيعُ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دَفَعَ مِائَةً بِالْحَمَالَةِ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ فِي كَيْفِيَّةِ تَرَاجُعِهِمْ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، وَكَلَامُ مَنْ وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ الشُّرَّاحِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَلَا وَافٍ بِالْمَقْصُودِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ كَذَا إنْ كَانَ الْحَقُّ عَلَى غَيْرِهِمْ لَكَانَ أَوْلَى لِاخْتِصَارِهِ وَإِفَادَتِهِ جَرَيَانَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْأَوْلَى فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ قَوْلِهِ وَرَجَعَ الْمُؤَدِّي إلَى قَوْلِهِ ثُمَّ سَاوَاهُ قَالَهُ الْمِسْنَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
طفي قَوْلُهُ وَهَلْ لَا يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ. . . إلَخْ، أَيْ إذَا أَخَذَ مِنْ أَحَدِهِمْ مَا يَخُصُّهُ فَقَطْ فَهَلْ لَا يَرْجِعُ بِهِ كَمَا إذَا كَانَ الْحَقُّ عَلَيْهِمْ أَوْ يَرْجِعُ بِهِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَبِهِ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ، وَالْمَسْأَلَةُ هَكَذَا مَفْرُوضَةٌ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَنَصُّهُ فَإِنْ تَحَمَّلَ بِالْمَالِ حُمَلَاءُ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَنُوبُهُ مِنْهُ مُوَزَّعًا عَلَى عَدَدِهِمْ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَمِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ أَوْ عَنْ أَصْحَابِهِ، قَالَ بِجَمِيعِ الْمَالِ، أَوْ لَمْ يَقُلْ فَيُؤْخَذُ مَلِيُّهُمْ بِمُعْدِمِهِمْ كَأَخْذِهِمْ بِعُدْمِ الْغَرِيمِ، وَيَأْخُذُ أَيَّهُمْ شَاءَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ رضي الله عنه، وَعَلَى كِلَيْهِمَا إنْ اشْتَرَطَ أَخْذَ أَيِّهِمْ شَاءَ، فَإِنْ أَخَذَا أَحَدَهُمْ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ الْمَالِ فَاخْتُلِفَ هَلْ لِلْمَأْخُوذِ مِنْهُ ذَلِكَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى مَنْ وَجَدَ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى يُسَاوِيَهُ فِيهِ فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ. وَقِيلَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ مَا يَنُوبُهُ مِنْهُ إنَّمَا أَدَّاهُ عَنْ نَفْسِهِ وَمِثْلُهُ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَهُوَ الْآتِي عَلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ لِغَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي السِّتَّةِ كُفَلَاءُ اهـ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَ " ق ".
وَأَمَّا فَرْضُهَا فِي أَخْذِ جَمِيعِ الْحَقِّ مِنْ أَحَدِهِمْ فَلَا يَظْهَرُ لِلْخِلَافِ فِيهِ مَعْنًى لِمَنْ تَأَمَّلَ وَأَنْصَفَ وَإِنْ كَانَ جَمْعٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فَرَضُوهُ فِيهِ كَعِيَاضٍ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ عَرَفَةَ، بَلْ وَجَمِيعُ مَنْ وَقَفْت عَلَيْهِمْ إلَّا ابْنَ رُشْدٍ، مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَنْقُلُوا إلَّا كَلَامَهُ، وَلَعَلَّهُمْ حَرَّفُوهُ وَإِنْ بَعُدَ تَوَاطُؤُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْأَجِلَّاءِ عَلَى التَّحْرِيفِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فَرْضُهُمْ، وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ
تَأْوِيلَانِ
وَصَحَّ بِالْوَجْهِ
وَلِلزَّوْجِ: رَدُّهُ مِنْ زَوْجَتِهِ
ــ
[منح الجليل]
يُتَّبَعَ، وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ صَرِيحٌ فِيمَا فَرَضُوهُ لَا تَأْوِيلَ فِيهِ وَلَا خِلَافَ، وَنَصُّهَا فِي الثَّلَاثَةِ الْحُمَلَاءِ فَقَطْ إنْ أَخَذَ مِنْ أَحَدِهِمْ جَمِيعَ الْمَالِ رَجَعَ الْغَارِمُ عَلَى صَاحِبَيْهِ إذَا لَقِيَهُمَا بِالثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ لَقِيَ أَحَدَهُمَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ. اهـ. فَأَنْتَ تَرَى أَنَّهَا صَرَّحْت بِمَا يَرْجِعُ بِهِ وَهُوَ كَلَامٌ ظَاهِرٌ لَا تَأْوِيلَ فِيهِ وَلَا خِلَافَ، فَلَوْ كَانَ الْخِلَافُ فِيمَا فَرَضُوهُ لَنَبَّهُوا عَلَى نَصِّهَا إذْ يَبْعُدُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى التُّونُسِيِّ وَابْنِ الْمَوَّازِ وَسَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ وَيُتْرَكَ نَصُّهَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَبِهِ يَظْهَرُ لَك مَا فِي تَقْرِيرِ تت وَبَعْضِ مَشَايِخِهِ مِنْ الْخَبْطِ، لَكِنَّ الْعُذْرَ لَهُمَا أَنَّهُمَا مَسْبُوقَانِ بِذَلِكَ مِمَّنْ لَهُ قَدَمٌ رَاسِخٌ فِي التَّحْقِيقِ وَالْكَمَالُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَالْمَحَلُّ لَيْسَ مَحَلًّا لِلتَّأْوِيلَيْنِ، إذْ لَمْ يُؤَوِّلَا عَلَيْهَا. وَجَعْلُ تت فِي كَبِيرِهِ تَبَعًا لِلْبِسَاطِيِّ نَصَّهَا الْمُتَقَدِّمَ مَحَلَّ التَّأْوِيلَيْنِ غَيْرُ ظَاهِرٍ اهـ.
الْبُنَانِيُّ وَانْدَفَعَ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمِسْنَاوِيِّ مَا هَوَّلَ بِهِ طفي، ثُمَّ قَالَ سَلَّمْنَا وُجُودَ الْخِلَافِ فِي فَرْضِ ابْنِ رُشْدٍ كَمَا بَيَّنَهُ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ التَّأْوِيلَيْنِ فِي الْفَرْضِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَدْ عَلِمْت ثَمَرَتَهُمَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ قُلْت الْعَجَبُ كَيْفَ حَمَلَهُ عَدَمُ فَهْمِهِ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ فِي فَرْضِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الثَّانِي بِالنِّصْفِ فَإِنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ لِسُكُوتِهِ عَنْ رُجُوعِ أَحَدِهِمَا عَلَى الثَّالِثِ، فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لطفي، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ فِي الْجَوَابِ (تَأْوِيلَانِ) تت.
(تَنْبِيهٌ) أَوَّلًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُنَوَّنٌ كَذَا رَأَيْته بِخَطِّ الْأَقْفَهْسِيِّ مَضْبُوطًا بِالْقَلَمِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ. وَأَمَّا بِغَيْرِ تَنْوِينٍ نَفْيًا لِقَوْلِهِ لَا يَرْجِعُ بِمَا يَخُصُّهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِينَ، فَيَنْعَكِسُ النَّقْلُ إذْ يَصِيرُ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ هُوَ التَّأْوِيلُ الثَّانِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ
(وَصَحَّ) الضَّمَانُ (بِالْوَجْهِ) أَيْ الذَّاتِ أَيْ الْإِتْيَانُ بِالْمَدِينِ وَقْتَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَا اخْتِلَافَ فِي صِحَّتِهِ عِنْدَنَا، وَتَبِعَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي تَعْبِيرِهِ يَصِحُّ، وَعَبَّرَ ابْنُ عَرَفَةَ بِجَازِ كَمَا لِإِرْشَادٍ. وَفِي الشَّامِلِ وَجَازَ بِوَجْهٍ وَالْعُضْوُ الْمُعَيَّنُ كَالْجَمِيعِ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَجْهِ وَغَيْرِهِ
(وَ) إنْ ضَمِنَتْ زَوْجَةٌ بِالْوَجْهِ فَ (لِلزَّوْجِ رَدُّهُ مِنْ زَوْجَتِهِ) أَيْ ضَمَانِ الْوَجْهِ وَلَوْ بِغَيْرِ مَالٍ، لِأَنَّهُ
وَبَرِئَ بِتَسْلِيمِهِ لَهُ، وَإِنْ بِسِجْنٍ،
ــ
[منح الجليل]
يَقُولُ قَدْ تَخْرُجُ لِلتَّفْتِيشِ عَلَى الْمَضْمُونِ وَإِحْضَارِهِ، وَذَلِكَ عَارٌ عَلَيَّ وَمِثْلُهُ ضَمَانُ الطَّلَبِ.
وَأَمَّا ضَمَانُ الْمَالِ فَقَدَّمَ صِحَّتَهُ فِي قَدْرِ ثُلُثِ مَالِهَا. الْحَطّ ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ الْمَضْمُونُ فِيهِ دُونَ ثُلُثِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَالشَّامِلِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَقَبِلُوهُ، وَزَادَ وَلَوْ شَرَطَتْ عَدَمَ الْغُرْمِ فِي التَّوْضِيحِ وَلَوْ تَكَفَّلَتْ ذَاتُ زَوْجٍ بِوَجْهِ رَجُلٍ عَلَى أَنْ لَا مَالَ عَلَيْهَا فَلِزَوْجِهَا رَدُّهُ لِأَنَّهُ يَقُولُ قَدْ تُحْبَسُ وَامْتَنَعَ مِنْهَا وَتَخْرُجُ لِلْخُصُومَةِ، وَذَلِكَ شَيْنٌ عَلَيَّ فَلَهُ مَنْعُ تَحَمُّلِهَا بِالطَّلَبِ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(وَبَرِئَ) ضَامِنُ الْوَجْهِ (بِتَسْلِيمِهِ لَهُ) أَيْ الْمَضْمُونِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ زَادَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِمَكَانٍ فِيهِ حَاكِمٌ، وَإِمَّا مَكَان لَا سُلْطَانَ فِيهِ أَوْ فِي حَالِ فِتْنَةٍ أَوْ مَفَازَةٍ أَوْ بِمَكَانٍ يَقْدِرُ الْغَرِيمُ عَلَى الِامْتِنَاعِ لَمْ يَبْرَأْ أَفَادَهُ تت، وَيَبْرَأُ بِتَسْلِيمِهِ فِي مَكَان يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِ حَقِّهِ مِنْهُ فِيهِ إنْ كَانَ بِغَيْرِ سِجْنٍ، بَلْ (وَإِنْ) سَلَّمَهُ لَهُ (بِسِجْنٍ) بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ مَحَلٍّ مَسْجُونٍ فِيهِ.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ يُسْجَنُ لَهُ بَعْدَ تَمَامِ مَا حُبِسَ فِيهِ. الْبَاجِيَّ سَوَاءٌ كَانَ سَجْنُهُ فِي دَمٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَكْفِي قَوْلُهُ بَرِئْت مِنْهُ إلَيْك وَهُوَ فِي السِّجْنِ فَشَأْنُك بِهِ كَانَ سَجْنُهُ فِي حَقٍّ أَوْ تَعَدِّيًا. اللَّخْمِيُّ وَلَوْ تَعَدِّيًا. ابْنُ عَرَفَةَ فِي التَّعَدِّي نَظَرٌ لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِإِخْرَاجِهِ بِرَفْعِ التَّعَدِّي عَنْهُ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِإِمْكَانِ مُحَاكَمَتِهِ فِي الْحِينِ، فَإِنْ مُنِعَ مِنْهُ جَرَى مَجْرَى مَوْتِهِ، فَفِي التَّوْضِيحِ اللَّخْمِيُّ وَالْمَازِرِيُّ سَوَاءٌ سُجِنَ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ لِإِمْكَانِ مُحَاكَمَتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي الَّذِي حَبَسَهُ، فَإِنْ مُنِعَ هَذَا الطَّالِبُ مِنْهُ وَمِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ فَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى مَوْتِهِ، وَمَوْتُهُ يُسْقِطُ الْكَفَالَةَ.
(فَرْعٌ) إنْ أَحْضَرَهُ بِزَاوِيَةٍ لَا يُمْكِنُ إخْرَاجُهُ مِنْهَا، فَاَلَّذِي وَقَعَ بِهِ الْحُكْمُ وَالْعَمَلُ أَنَّهُ كَإِحْضَارِهِ يَبْرَأُ بِهِ، قَالَ فِي نَظْمِ الْعَمَلِيَّاتِ:
وَضَامِنٌ مَضْمُونَهُ قَدْ أَحْضَرَ
…
بِمَوْضِعٍ إخْرَاجُهُ تَعَذَّرَا
يَكْفِيهِ مَا لَمْ يَضْمَنْ الْإِحْضَارُ لَهْ
…
بِمَجْلِسِ الشَّرْعِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَهْ
أَوْ بِتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ، إنْ أَمَرَهُ بِهِ، إنْ حَلَّ الْحَقُّ، وَبِغَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ، إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ، وَبِغَيْرِ بَلَدِهِ، إنْ كَانَ بِهِ
ــ
[منح الجليل]
اهـ. بُنَانِيٌّ (أَوْ بِتَسْلِيمِهِ) أَيْ الْمَضْمُونِ مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَمَفْعُولِهِ (نَفْسِهِ) أَيْ الْمَضْمُونِ لِلْمَضْمُونِ لَهُ فَيَبْرَأُ الْحَمِيلُ بِهِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَزَادَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ (إنْ أَمَرَهُ) أَيْ الضَّامِنُ الْمَضْمُونَ (بِهِ) أَيْ تَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ لِلْمَضْمُونِ لَهُ لِأَنَّهُ كَوَكِيلِهِ فَإِنْ سَلَّمَ نَفْسَهُ بِدُونِ أَمْرِهِ فَلَا يَبْرَأُ الضَّامِنُ بِهِ، وَلَوْ قَالَ سَلَّمْت نَفْسِي نِيَابَةً عَمَّنْ تَحَمَّلَ بِي كَمَا لَوْ سَلَّمَهُ أَجْنَبِيٌّ بِدُونِ أَمْرِ الضَّامِنِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا. ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ إذَا لَمْ يُرِدْ الطَّالِبُ قَبُولَهُ حَتَّى يُسَلِّمَهُ لَهُ الْحَمِيلُ وَلَوْ قَبْلَهُ بَرِئَ كَمَنْ دَفَعَ دَيْنًا عَنْ أَجْنَبِيٍّ لِلطَّالِبِ أَنْ لَا يَقْبَلَهُ إلَّا بِتَوْكِيلِ الْغَرِيمِ، وَلَهُ قَبُولُهُ فَيَبْرَأُ، زَادَ الصِّقِلِّيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ أَنْكَرَ الطَّالِبُ كَوْنَ الْحَمِيلِ أَمَرَهُ بِتَسْلِيمِهِ نَفْسَهُ، فَإِنْ شَهِدَ بِهِ أَحَدٌ بَرِئَ الْحَمِيلُ. وَفِي الشَّامِلِ لَوْ أَنْكَرَ الطَّالِبُ أَمْرَهُ لَهُ بَرِئَ إنْ شَهِدَ لَهُ بِهِ أَحَدٌ.
وَشَرْطُ بَرَاءَةِ الْحَمِيلِ بِتَسْلِيمِ الْمَضْمُونِ (إنْ حَلَّ الْحَقُّ) الْمَضْمُونُ بِهِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي إحْضَارِهِ قَبْلَ حُلُولِهِ قَالَهُ الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ عج أَيْ عَلَى الْغَرِيمِ كَمَا فِي الشَّرْحِ، وَلَوْ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَى الضَّامِنِ بِأَنْ أَخَّرَهُ وَحَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ تَأْخِيرَ الْغَرِيمِ، قَالَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا، وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ ضَامِنَ الْوَجْهِ كَضَامِنِ الْمَالِ فِي هَذَا (وَ) بَرِئَ بِتَسْلِيمِهِ (بِغَيْرِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ) الْمَضْمُونُ لَهُ عَلَى الضَّامِنِ تَسْلِيمَهُ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ، فَإِنْ اشْتَرَطَهُ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ بِهِ قَالَهُ فِي الْكَافِي، وَلَوْ أَحْضَرَهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَوَجَدَ الْمَضْمُونَ لَهُ غَائِبًا فَلَا يَبْرَأُ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الضَّامِنُ سُقُوطَ الضَّمَانِ عَنْهُ بِإِحْضَارِهِ لَوْ لَمْ يَجِدْهُ وَلَا وَكِيلَهُ لَكِنَّهُ يُشْهِدُ عَلَى إحْضَارِهِ، وَيَبْرَأُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ بَقِيَ مَجْلِسُ الْحُكْمِ بِحَالِهِ أَوْ خَرِبَ وَلَمْ تَجْرِ فِيهِ الْأَحْكَامُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَهُ تت عب فَإِنْ خَرِبَ وَانْتَقَلَ الْعُمْرَانُ لِغَيْرِهِ فَفَيْءُ بَرَاءَتِهِ بِإِحْضَارِهِ فِيمَا خَرِبَ وَعَدَمِهَا قَوْلَانِ مَبْنَاهُمَا مُرَاعَاةُ اللَّفْظِ أَوْ الْمَعْنَى ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ.
(وَ) بَرِئَ بِتَسْلِيمِهِ لَهُ (بِغَيْرِ بَلَدِهِ) أَيْ الِاشْتِرَاطِ الْمَفْهُومِ مِنْ يَشْتَرِطُ (إنْ كَانَ بِهِ)
حَاكِمٌ وَلَوْ عَدِيمًا، وَإِلَّا أُغْرِمَ بَعْدَ خَفِيفِ تَلَوُّمٍ، إنْ قَرُبَتْ غَيْبَةُ غَرِيمِهِ: كَالْيَوْمِ
وَلَا يَسْقُطُ الْغُرْمُ بِإِحْضَارِهِ؛ إنْ حَكَمَ بِهِ،
ــ
[منح الجليل]
أَيْ بَلَدِ التَّسْلِيمِ (حَاكِمٌ) شَرْعِيٌّ يُخَلِّصُ الْحَقَّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاكِمٌ فَلَا يَبْرَأُ بِهِ، وَقِيلَ لَا يَبْرَأُ بِهِ حَكَاهُمَا عَبْدُ الْحَكَمِ الْمَازِرِيُّ وَهَذَا الْخِلَافُ يَجْرِي عِنْدِي عَلَى الْخِلَافِ فِي الشَّرْطِ الَّذِي لَا يُقَيَّدُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَدْ يَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ مُقَيَّدًا بِأَنْ كَانَ الْبَلَدُ الْمُشْتَرَطُ إحْضَارُهُ فِيهِ مَوْضِعَ سُكْنَى الْبَيِّنَةِ، أَوْ كَانَ الْحَقُّ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَلِلطَّالِبِ غَرَضٌ فِي أَخْذِهِ فِي مَحَلِّ الِاشْتِرَاطِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَلَوْ شَرَطَ إحْضَارَهُ بِبَلَدٍ فَأَحْضَرَهُ بِغَيْرِهِ حَيْثُ تَنَالُهُ الْأَحْكَامُ، فَفِي بَرَاءَتِهِ بِإِحْضَارِهِ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَيُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَ بَرَاءَتَهُ بِالْأَحْرَى إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ إحْضَارَهُ بِبَلَدٍ مُعَيَّنٍ وَأَحْضَرَهُ فِي غَيْرِ بَلَدِ الضَّمَانِ مِمَّا يَأْخُذُهُ الْحُكْمُ فِيهِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَإِذَا أَحْضَرَهُ بَرِئَ إنْ كَانَ مَلِيًّا بَلْ (وَلَوْ) كَانَ (عَدِيمًا) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى قَوْلِ ابْنِ الْجَهْمِ وَابْنِ اللَّبَّادِ لَا يَبْرَأُ بِإِحْضَارِهِ عَدِيمًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ الْحَمِيلُ بِوَجْهٍ مِمَّا تَقَدَّمَ (أُغْرِمَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الضَّامِنُ الْحَقَّ الْمَضْمُونَ فِيهِ (بَعْدَ خَفِيفِ) أَيْ يَسِيرِ (تَلَوُّمٍ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَضَمِّ الْوَاوِ مُشَدَّدَةً أَيْ تَأْخِيرٍ (إنْ قَرُبَتْ غَيْبَةُ غَرِيمِهِ) أَيْ مَضْمُونِ الضَّامِنِ (كَالْيَوْمِ) وَأَدْخَلَتْ الْكَافُ يَوْمًا آخَرَ، فَإِنْ بَعُدَتْ أُغْرِمَ بِلَا تَلَوُّمٍ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ عَدَمُ التَّلَوُّمِ إذَا حَضَرَ الْغَرِيمُ، وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ التَّلَوُّمُ فِي حُضُورِهِ أَيْضًا.
فَلَوْ قَالَ إنْ حَضَرَ أَوْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ لَوَفَّى بِمَا فِيهَا وَالتَّلَوُّمُ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَلَوْ أَدَّاهُ إلَى أَمَدٍ أَكْثَرَ مِنْ مُدَّةِ الْخِيَارِ عَلَى الظَّاهِرِ
(وَ) إنْ حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ وَلَمْ يَحْضُرْ ضَامِنُ الْوَجْهِ الْمَضْمُونِ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَى ضَامِنٍ بِغُرْمِ مَا عَلَى الْمَضْمُونِ فَأَحْضَرَ الضَّامِنُ الْمَضْمُونَ فَ (لَا يَسْقُطُ) الْغُرْمُ عَنْ ضَامِنِ الْوَجْهِ (بِإِحْضَارِهِ) أَيْ الْمَضْمُونِ (إنْ) كَانَ (حُكِمَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ عَلَى الضَّامِنِ (بِهِ) أَيْ الْغُرْمِ قَبْلَ إحْضَارِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مَضَى. فَإِنْ كَانَ دَفَعَ الْمَالَ ثُمَّ أَحْضَرَهُ مَضَى اتِّفَاقًا قَالَهُ
لَا إنْ أَثْبَتَ عَدَمَهُ، أَوْ مَوْتَهُ فِي غَيْبَتِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ بَلَدِهِ
ــ
[منح الجليل]
فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّامِلِ، وَعَلَى الْمَشْهُورِ يُخَيَّرُ الطَّالِبُ فِي إتْبَاعِ الْغَرِيمِ أَوْ الْحَمِيلِ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ.
وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ أَنَّهُ إنْ أَحْضَرَهُ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَالدَّعْوَى، وَقَبْلَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الْغُرْمُ عَنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْحُكْمِ فَقِيلَ هُوَ إشْهَادُ الْحَاكِمِ عَلَى حُكْمِهِ بِالْغُرْمِ وَقِيلَ الْقَضَاءُ بِالْمَالِ وَدَفْعِهِ لِرَبِّهِ لِعَبْدِ الْمَلِكِ وَغَيْرِهِ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِيُسْرِ الْمَضْمُونِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا رُدَّ الْحُكْمُ بِالْغُرْمِ، وَرَجَعَ الضَّامِنُ بِمَا دَفَعَهُ لِقَوْلِهِ (لَا) يَغْرَمُ الضَّامِنُ (إنْ ثَبَتَ عُدْمُهُ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ فَقْرُ الْمَضْمُونِ وَعَجْزُهُ عَنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ فِيهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَوْ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَى الضَّامِنِ بِالْغُرْمِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ اللَّخْمِيِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ يَمِينَ الْمَدِينِ مَعَ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِعُدْمِهِ اسْتِظْهَارٌ، وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْفَلَسِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ بِغُرْمِهِ وَلَوْ أَثْبَتَ عُدْمَهُ فِي غَيْبَتِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَتْمِيمٌ لِلنِّصَابِ وَرَجَعَ تت وَغَيْرُهُ مَا هُنَا
(أَوْ) أَيْ وَلَا يَغْرَمُ ضَامِنُ الْوَجْهِ إنْ أَثْبَتَ (مَوْتَهُ) أَيْ الْمَضْمُونِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْغُرْمِ، فَإِنْ أَثْبَتَ مَوْتَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِهِ فَهُوَ حُكْمٌ مَضَى وَيَلْزَمُهُ الْغُرْمُ، فَإِنْ سَبَقَ الْحُكْمُ الْمَوْتَ لَزِمَ الْغُرْمُ، وَإِنْ سَبَقَ الْمَوْتُ الْحُكْمَ لَمْ يَلْزَمْ لِتَبَيُّنِ خَطَإِ الْحُكْمِ، وَقَوْلُهُ (فِي غَيْبَتِهِ) قَيْدٌ فِي ثُبُوتِ عُدْمِهِ فَقَطْ، وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ إثْبَاتِ عُدْمِهِ فِي حَالِ حُضُورِهِ مَعَ عَدَمِ إحْضَارِهِ لِلطَّالِبِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْغُرْمُ عَنْ الْحَمِيلِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي إثْبَاتِ الْعُدْمِ مِنْ حَلِفِ مَنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِعُدْمِهِ إذَا حَضَرَ، بِخِلَافِ الْغَائِبِ فَيَثْبُتُ عُدْمُهُ بِمُجَرَّدِ الْبَيِّنَةِ وَيَسْقُطُ غُرْمُ ضَامِنِ الْوَجْهِ بِثُبُوتِ مَوْتِ الْمَضْمُونِ بِبَلَدِ الضَّمَانِ، بَلْ (وَلَوْ) مَاتَ (بِغَيْرِ بَلَدِهِ) أَيْ الضَّمَانِ لِذَهَابِ الذَّاتِ الْمَكْفُولَةِ.
أَشْهَبُ لَا أُبَالِي مَاتَ غَائِبًا أَوْ بِبَلَدِهِ فَيَبْرَأُ الْحَمِيلُ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْحَمَالَةَ تَسْقُطُ بِمَوْتِ الْمِدْيَانِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ مَاتَ بِبَلَدِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ مَاتَ بِغَيْرِ بَلَدِهِ بَعْدَ الْأَجَلِ أَوْ قَبْلَهُ بِزَمَنٍ لَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ فِيهِ عِنْدَ الْأَجَلِ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي مَاتَ بِهِ أَنْ لَوْ كَانَ حَيًّا فَلَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِأَنَّ تَفْرِيطَهُ فِي
وَرَجَعَ بِهِ
وَبِالطَّلَبِ، وَإِنْ فِي قِصَاصٍ كَأَنَا حَمِيلٌ بِطَلَبِهِ، أَوْ اشْتَرَطَ نَفْيَ الْمَالِ، أَوْ قَالَ لَا أَضْمَنُ إلَّا وَجْهَهُ،
ــ
[منح الجليل]
الْغَرِيمِ حَتَّى خَرَجَ عَنْ الْبَلَدِ كَعَجْزِهِ عَنْ إحْضَارِهِ حَيًّا لِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ لِحِلِّ الْأَجَلِ وَهُوَ بِالْبَلَدِ وَتَمَكُّنِ الطَّالِبِ مِنْهُ وَإِلَّا سَقَطَ، وَصَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ هَذَا خِلَافُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ
(وَ) إنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَلَمْ يَحْضُرْ ضَامِنُ الْوَجْهِ الْمَضْمُونِ وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِالْغُرْمِ وَغَرِمَ ثُمَّ أَثْبَتَ الضَّامِنُ مَوْتَ الْمَضْمُونِ أَوْ عُدْمَهُ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ (رَجَعَ) الضَّامِنُ الَّذِي حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْغُرْمِ وَغَرِمَ فَيَرْجِعُ (بِهِ) أَيْ مَا غَرِمَهُ إذَا أَثْبَتَ أَنَّ الْغَرِيمَ مَاتَ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ أَعْدَمَ حِينَ حَلَّ الْحَقُّ فَهُوَ رَاجِعٌ لِإِثْبَاتِ الْعُدْمِ وَالْمَوْتِ كَمَا فِي طخ. وَأَمَّا إذَا غَرِمَ لِرَبِّ الدَّيْنِ فِي غَيْبَةِ الْغَرِيمِ بِلَا قَضَاءٍ ثُمَّ أَثْبَتَ مَوْتَهُ أَوْ عُدْمَهُ فَلَا يَرْجِعُ لِتَبَرُّعِهِ كَمَا فِي. طخ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَوْ غَرِمَ الْحَمِيلُ ثُمَّ أَثْبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ الْغَرِيمَ قَدْ مَاتَ فِي غَيْبَتِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ رَجَعَ الْحَمِيلُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ بِمَا أَدَّى، لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَاتَ حِينَ طَلَبَ الْحَمِيلُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا تَقَعُ الْحَمَالَةُ بِالنَّفْسِ مَا كَانَ حَيًّا. الْحَطّ وَانْظُرْ إذَا غَرِمَ ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّهُ كَانَ عَدِيمًا قَبْلَ الْقَضَاءِ هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ أَمْ لَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْبُنَانِيُّ لَمْ أَجِدْ فِي طخ رُجُوعَهُ فِي إثْبَاتِ أَنَّهُ كَانَ عَدِيمًا قَبْلَ الْقَضَاءِ
(وَ) صَحَّ الضَّمَانُ (بِالطَّلَبِ) أَيْ التَّفْتِيشِ عَلَى الْمَضْمُونِ وَإِعْلَامِ الْمَضْمُونِ لَهُ بِمَحَلِّهِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ إنْ كَانَ فِي مَالٍ، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (فِي) شَأْنِ (قِصَاصٍ) مِنْ نَفْسِهَا أَوْ دُونِهَا إذْ لَا يَلْزَمُ ضَامِنَ الطَّلَبِ إلَّا طَلَبُ الْمَضْمُونِ بِمَا يَقْوَى عَلَيْهِ. ابْنُ عَرَفَةَ حَمَالَةُ الطَّلَبِ لَا تُوجِبُ غُرْمَ مَالٍ، وَأَشَارَ لِصِيغَتِهِ بِقَوْلِهِ (كَ) قَوْلِ الضَّامِنِ (أَنَا حَمِيلٌ بِطَلَبِهِ) أَيْ الْمَضْمُونِ أَوْ عَلَى طَلَبِهِ أَوْ لَا أَضْمَنُ إلَّا طَلَبَهُ أَوْ عَلَى إحْضَارِهِ أَوْ الْتَزَمْت بِإِحْضَارِهِ أَوْ أَنَا مُطَالَبٌ بِطَلَبِهِ (أَوْ اشْتَرَطَ) الضَّامِنُ (فَفِي) أَيْ عَدَمِ ضَمَانِ (الْمَالِ) بِالتَّصْرِيحِ بِأَنْ قَالَ أَضْمَنُ وَجْهَهُ لَا الْمَالَ الَّذِي عَلَيْهِ (أَوْ قَالَ) الضَّامِنُ (لَا أَضْمَنُ إلَّا وَجْهَهُ) أَيْ الْمَضْمُونَ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَصِيغَتُهَا حَمِيلٌ بِطَلَبِهِ وَمُرَادِفُهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهَا أَنَا حَمِيلُ الْوَجْهِ أَطْلُبُهُ، فَإِنْ لَمْ
وَطَلَبَهُ بِمَا يَقْوَى عَلَيْهِ، وَحَلَفَ مَا قَصَّرَ، وَغَرِمَ إنْ فَرَّطَ أَوْ هَرَّبَهُ، وَعُوقِبَ،
ــ
[منح الجليل]
أَجِدْهُ بَرِئْت مِنْ الْمَالِ. وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ قَائِلٌ لَا أَضْمَنُ إلَّا وَجْهَهُ لَا يَلْزَمُهُ. ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنَا ضَامِنٌ لِوَجْهِهِ وَلَا أَضْمَنُ إلَّا وَجْهَهُ فِي ضَمَانِ الْوَجْهِ عَلَيْهِ وَمَنْ ضَمِنَ الْوَجْهَ ضَمِنَ الْمَالَ كَمَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَسْلَفَنِي فُلَانٌ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَمَا أَسْلَفَنِي إلَّا أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ قَوْلُهُ إذَا كَانَ لِكَلَامِهِ بِسَاطٌ يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ الْمَالِ مِثْلُ أَنْ يُقَالَ تَحَمَّلْ لَنَا بِوَجْهِ فُلَانٍ، فَإِنْ جِئْت بِهِ بَرِئْت مِنْ الْمَالِ فَيَقُولُ لَا أَضْمَنُ لَكُمْ إلَّا وَجْهَهُ وَشَبِيهُ ذَلِكَ اهـ.
(وَطَلَبَهُ) أَيْ ضَامِنُ الطَّلَبِ الْمَضْمُونِ وُجُوبًا (بِمَا) أَيْ شَيْءٍ أَوْ الشَّيْءِ الَّذِي (يَقْوَى) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالْوَاوِ وَسُكُونِ الْقَافِ، أَيْ يَقْدِرُ ضَامِنُ الطَّلَبِ (عَلَيْهِ) عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ سَوَاءٌ عَلِمَ مَوْضِعَهُ أَوْ جَهِلَهُ فِي الْبَلَدِ وَقُرْبَهُ. وَقِيلَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ. وَقِيلَ وَإِنْ بَعُدَ مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ، وَقِيلَ عَلَى مَسَافَةِ نَحْوِ شَهْرٍ هَذَا عَلَى نَقْلِ اللَّخْمِيِّ، وَعَزَا ابْنُ رُشْدٍ لِلْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ إنْ بَعُدَ أَوْ جَهِلَ مَوْضِعَهُ (وَحَلَفَ) حَمِيلُ الطَّلَبِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَضْمُونَهُ وَكَذَّبَهُ الطَّالِبُ وَصِيغَةُ يَمِينِهِ أَنَّهُ (مَا قَصَّرَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا فِي الطَّلَبِ وَلَا دَلَّسَ وَأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ لَهُ مَحَلًّا.
(وَغَرِمَ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ حَمِيلُ الطَّلَبِ الْمَالَ الَّذِي عَلَى مَضْمُونِهِ (إنْ فَرَّطَ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا حَمِيلُ الطَّلَبِ فِي مَضْمُونِهِ بَعْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ حَتَّى هَرَبَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْضِعَهُ (أَوْ هَرَّبَهُ) بِفَتَحَاتٍ مُثَقَّلًا، أَيْ أَمَرَ الْحَمِيلُ الْمَضْمُونَ بِهُرُوبِهِ مِنْ الطَّالِبِ فَهَرَبَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَحَلَّهُ (وَعُوقِبَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ أَيْ يُؤَدَّبُ حَمِيلُ الطَّلَبِ الَّذِي فَرَّطَ أَوْ هَرَّبَ بِمَا يَرَى السُّلْطَانُ بِاجْتِهَادِهِ مِنْ حَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ. الْحَطُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَمْعُ التَّغْرِيمِ وَالْعُقُوبَةِ، وَاَلَّذِي فِي الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُحْبَسُ إذَا فَرَّطَ فِي الطَّلَبِ حَتَّى يَجْتَهِدَ فِيهِ. وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ تَفْرِيطُهُ فِيهِ بِأَنْ لَقِيَهُ وَتَرَكَهُ أَوْ غَيَّبَهُ وَهَرَّبَهُ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الْمَالَ فَقَطْ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا عُقُوبَةً.
عج إذَا كَانَ الْمَضْمُونُ فِيهِ قِصَاصًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُرْمُ بِتَفْرِيطِهِ يَضْمَنُ
وَحُمِلَ فِي مُطْلَقٍ: أَنَا حَمِيلٌ، وَزَعِيمٌ، وَأَذِينٌ، وَقَبِيلٌ، وَعِنْدِي وَإِلَيَّ وَشِبْهِهِ عَلَى الْمَالِ عَلَى الْأَرْجَحِ وَالْأَظْهَرِ
ــ
[منح الجليل]
دِيَةَ عَمْدٍ، وَلَكِنْ مُفَادُ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَاقَبَ اهـ. الْبُنَانِيُّ هَذَا قُصُورٌ، فَإِنَّ ابْنَ رُشْدٍ إنَّمَا قَالَ فِي ضَمَانِ الطَّلَبِ فِي الْقِصَاصِ أَنَّ الضَّامِنَ يَلْزَمُهُ طَلَبُ الْمَكْفُولِ، قَالَ وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ إذَا تَكَفَّلَ بِنَفْسِ فِي قِصَاصٍ أَوْ جِرَاحٍ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَجِئْ بِهِ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ وَأَرْشُ الْجِرَاحَةِ، وَكَانَتْ لَهُ فِي مَالِ الْجَانِي إذْ لَا قِصَاصَ عَلَى الْكَفِيلِ. اهـ. فَأَنْتَ تَرَاهُ إنَّمَا عَزَا لُزُومَ الدِّيَةِ لِعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ. وَفِي التَّنْبِيهَاتِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ إلَّا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فَأَلْزَمَهُ دِيَةَ النَّفْسِ فِي الْقَتْلِ وَأَرْشَ الْجِرَاحَاتِ وَلِأَصْبَغَ فِي الْفَاسِقِ الْمُتَعَسِّفِ عَلَى النَّاسِ بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ فَيُؤْخَذُ وَيُعْطَى حَمِيلًا بِمَا عَلَيْهِ مِنْ قَتْلٍ، وَأَخْذِ مَالٍ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ الْحَمِيلُ بِمَا يُؤْخَذُ بِهِ الْفَاسِقُ إلَّا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ.
فَضْلُ بْنُ مَسْلَمَةَ هَلْ أَرَادَ يُؤْخَذُ بِالْمَالِ خَاصَّةً أَوْ بِهِ وَبِالدِّيَةِ فِي الْقَتْلِ. عِيَاضٌ وَهُوَ عَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي مُوَافِقٌ لِعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ اهـ. تت تَكْمِيلٌ بَقِيَ نَوْعٌ مِنْ الضَّمَانِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَسَمَّاهُ ضَمَانَ الدَّرْكِ، فَقَالَ وَمَنْ تَكَفَّلَ لِرَجُلٍ بِمَا أَدْرَكَهُ مِنْ دَرْكٍ فِي جَارِيَةٍ ابْتَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ أَوْ دَارٍ أَوْ غَيْرِهِمَا جَازَ ذَلِكَ وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ حِينَ الدَّرْكِ فِي غَيْبَةِ الْبَائِعِ وَعُدْمِهِ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ فَانْظُرْهُ.
(وَحُمِلَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الضَّمَانُ (فِي مُطْلَقِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ قَوْلِ الضَّامِنِ أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَالِ وَالْوَجْهِ وَالطَّلَبِ (أَنَا حَمِيلٌ أَوْ) أَنَا (زَعِيمٌ أَوْ) أَنَا (أَذِينٌ) بِفَتْحِ أَوَّلِهَا وَكَسْرِ ثَانِيهَا وَإِعْجَامِ الذَّالِ (وَ) أَنَا (قَبِيلٌ) كَذَلِكَ (وَعِنْدِي وَإِلَيَّ) بِشَدِّ الْيَاءِ (وَشَبَهِهِ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ الصِّيَغِ. كَعَلَيَّ بِشَدِّ الْيَاءِ وَصَبِيرٍ وَكَوَيْنَ بِالنُّونِ مِنْ كُنْت لَهُ بِكَذَا، وَكَفِيلٌ وَضَامِنٌ وَغُرَيْرٌ بِمُعْجَمَةٍ فَرَاءَيْنَ مُهْمَلَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ. عِيَاضٌ وَكُلُّهَا مِنْ الْحِفْظِ وَالْحِيَاطَةِ، وَصْلَةٌ حُمِلَ (عَلَى) ضَمَانِ (الْمَالِ عَلَى الْأَرْجَحِ) عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ لِقَوْلِهِ هُوَ الصَّوَابُ (وَ) عَلَى (الْأَظْهَرِ) عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ لِقَوْلِهِ هُوَ الْأَصَحُّ.
ابْنُ عَرَفَةَ الصِّيغَةُ مَا دَلَّ عَلَى الْحَقِيقَةِ عُرْفًا فِيهَا مَنْ قَالَ أَنَا حَمِيلٌ بِفُلَانٍ أَوْ زَعِيمٌ أَوْ
لَا إنْ اخْتَلَفَا، وَلَمْ يَجِبْ وَكِيلٌ لِلْخُصُومَةِ
وَلَا كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ
ــ
[منح الجليل]
كَفِيلٌ أَوْ ضَامِنٌ أَوْ قَبِيلٌ أَوْ هُوَ لَك عِنْدِي أَوْ عَلَيَّ أَوْ إلَيَّ أَوْ قِبَلِي فَهِيَ حَمَالَةٌ لَازِمَةٌ إنْ أَرَادَ الْوَجْهَ، وَإِنْ أَرَادَ الْمَالَ لَزِمَهُ. عِيَاضٌ وَمِثْلُهَا قَبِيلٌ وَأَذِينٌ وَعَوِينٌ وَصَبِيرٌ وَكَوِينٌ، وَفِي حَمْلِ لَفْظِهَا الْمُبْهَمِ الْعُرْيُ عَنْ بَيَانِ لَفْظٍ أَوْ قَرِينَةٍ عَلَى الْمَالِ أَوْ النَّفْسِ نَقْلًا عِيَاضٍ عَنْ شُيُوخِنَا. ابْنِ رُشْدٍ الْأَصَحُّ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «الْحَمِيلُ غَارِمٌ» . وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُطْلَقٌ عَمَّا لَوْ قَيَّدَ بِالْمَالِ أَوْ الْوَجْهِ أَوْ الطَّلَبِ فَيَلْزَمُهُ مَا قَيَّدَ بِهِ بِلَفْظٍ أَوْ قَرِينَةٍ. فِي التَّوْضِيحِ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ هُنَا عَلَى الْأَلْفَاظِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا أَهْلُ الْعُرْفِ فِي الضَّمَانِ اهـ.
وَتَلَخَّصَ مِنْ مَنْطُوقِ كَلَامِهِ وَمَفْهُومِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ الْأَوَّلُ: عَرْوُ الصِّيغَةِ عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَالِ وَالْوَجْهِ لَفْظًا وَنِيَّةً، وَهَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ وَالتَّرْجِيحِ. وَالثَّانِي. تَقْيِيدُهَا بِأَحَدِهِمَا لَفْظًا وَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِ مَا قَيَّدَ بِهِ. وَالثَّالِثُ: تَقْيِيدُهَا نِيَّةً وَلَا خِلَافَ فِي اعْتِبَارِهِ أَيْضًا كَمَا فِي نَصِّهَا السَّابِقِ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَقَدْ تَعَقَّبَ الْبِسَاطِيُّ الْمُصَنِّفَ بِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(لَا) تُحْمَلُ صِيغَةُ الضَّمَانِ عَلَى ضَمَانِ الْمَالِ (إنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الضَّامِنُ وَالْمَضْمُونُ لَهُ بِأَنْ قَالَ الضَّامِنُ إنَّمَا ضَمِنْت الْوَجْهَ وَقَالَ الْمَضْمُونُ لَهُ بَلْ ضَمِنْت الْمَالَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّامِنِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحِ. وَقَالَ الْبِسَاطَيْ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ بَحْثٌ لِقَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَمِيلِ (وَ) إنْ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِحَقٍّ وَأَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَطَلَبَ الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَوْكِيلَ ثِقَةٍ حَتَّى يَأْتِيَ بِبَيِّنَتِهِ الْغَائِبَةِ خَائِفًا مِنْ هُرُوبِهِ (لَمْ) الْأُولَى لَا (يَجِبْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ وَادَّعَى الْمُدَّعِي غَيْبَةَ بَيِّنَتِهِ وَطَلَبَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَوْكِيلَ ثِقَةٍ مَأْمُونٍ خَوْفًا مِنْ هُرُوبِهِ إذَا حَضَرَتْ بَيِّنَتُهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَكِيلٌ) أَيْ تَوْكِيلُهُ (لِلْخُصُومَةِ) عَنْهُ إذَا حَضَرَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى وَغَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الشَّهَادَاتِ اخْتِلَافَ الشُّيُوخِ فِي فَهْمِ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
(وَلَا) يَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ (كَفِيلٌ بِالْوَجْهِ) لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِ) سَبَبٍ مُجَرَّدِ
بِالدَّعْوَى، إلَّا بِشَاهِدٍ
وَإِنْ ادَّعَى بَيِّنَةً بِكَالسُّوقِ أَوْقَفَهُ الْقَاضِي عِنْدَهُ.
ــ
[منح الجليل]
الدَّعْوَى) صِلَةُ يَجِبْ الْمَنْفِيُّ، وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ أَنَّ الْعَمَلَ جَرَى بِإِلْزَامِ الْمَطْلُوبِ بِحَمِيلٍ، وَجْهٌ بِالدَّعْوَى سَوَاءٌ ادَّعَى الطَّالِبُ قُرْبَ بَيِّنَتِهِ أَوْ بُعْدَهَا. بُنَانِيٌّ (إلَّا بِ) شَهَادَةِ (شَاهِدٍ) وَاحِدٍ وَزَعَمَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَهُ شَاهِدٌ آخَرُ وَطَلَبَ الْإِمْهَالَ لِإِحْضَارِهِ وَقَالَ أَخَافُ هُرُوبَ الْمَطْلُوبِ فَلْيَأْتِ بِوَكِيلٍ أَوْ كَفِيلٍ بِوَجْهِهِ فَيَلْزَمُهُ لِتَقْوَى دَعْوَاهُ بِالشَّاهِدِ وَسَيَأْتِي آخَرَ الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ يَجِبُ كَفِيلٌ بِالْمَالِ مَعَ الشَّاهِدِ قَالَهُ تت. الْحَطّ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لِلْكَفِيلِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَفَالَةِ الْمُدَوَّنَةِ. وَفِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْهَا خِلَافُ هَذَا وَأَنَّهُ يَجِبُ لِلْكَفِيلِ بِالْوَجْهِ وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِشَاهِدٍ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَهَا فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ، وَكَلَامُ الشُّيُوخِ عَلَيْهِ فِي كَوْنِهِ وِفَاقًا أَوْ خِلَافًا.
الْبُنَانِيُّ مَذْهَبُ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَعَ الشَّاهِدِ إلَّا حَمِيلٌ بِالْوَجْهِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَجِبُ حَمِيلٌ بِالْمَالِ ذَكَرَ الْخِلَافَ ابْنُ هِشَامٍ فِي الْمُفِيدِ، وَقَالَ مَذْهَبُ سَحْنُونٍ هُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ فَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ خِلَافُ مَا فِي التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَإِنْ ادَّعَى) شَخْصٌ عَلَى آخَرَ بِحَقٍّ فَأَنْكَرَهُ وَطَلَبَ الْقَاضِي مِنْ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ فَأَجَابَهُ الطَّالِبُ بِأَنَّ لَهُ (بَيِّنَةً) عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ (بِكَالسُّوقِ) وَجَانِبِ الْبَلَدِ الْآخَرِ وَالْمَكَانِ الْآخَرِ وَبَعْضِ الْقَبَائِلِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ (وَقَفَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (الْقَاضِي عِنْدَهُ) مِقْدَارَ مَا يَأْتِي بِهَا، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا خَلَّى سَبِيلَهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.