الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابٌ) الشَّرِكَةُ:
إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا مَعَ أَنْفُسِهِمَا
ــ
[منح الجليل]
[بَابٌ الشَّرِكَةِ]
(الشَّرِكَةُ) بِفَتْحِ الشِّينِ مَعَ سُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا وَبِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ، وَالْأُولَى أَفْصَحُهَا وَهِيَ لُغَةً الِاخْتِلَاطُ وَالِامْتِزَاجُ، وَشَرْعًا (إذْنٌ) مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا) أَيْ الْآذِنَيْنِ فِي مَالِهِمَا أَوْ بِبَدَنِهِمَا أَوْ عَلَى ذِمَّتَيْهِمَا (مَعَ) بَقَاءِ تَصَرُّفِ (أَنْفُسِهِمَا) لَهُمَا فِيهِمَا، أَيْ أَنْ يَأْذَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ لِلْآخَرِ فِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَجْمُوعٍ مِنْ مَالِهِمَا أَوْ بِبَدَنِهِمَا أَوْ عَلَى ذِمَمِهِمَا وَمَا يَنْشَأُ عَنْ تَصَرُّفِهِمَا مِنْ الرِّبْحِ لَهُمَا وَالْخُسْرِ عَلَيْهِمَا، فَقَوْلُهُ: إذْنٌ جِنْسٌ شَمِلَ الشَّرِكَةَ وَغَيْرَهَا وَقَوْلُهُ فِي التَّصَرُّفِ فَصْلٌ مُخْرِجٌ الْإِذْنَ فِي غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ لَهُمَا صِلَةُ التَّصَرُّفِ فَصْلٌ ثَانٍ مُخْرِجٌ تَوْكِيلَ كُلٍّ مِنْ شَخْصَيْنِ الْآخَرَ عَلَى التَّصَرُّفِ لَهُ فِي مَالِهِ، وَقَوْلُهُ مَعَ أَنْفُسِهِمَا فَصْلٌ ثَالِثٌ مُخْرِجٌ دَفْعَ كُلٍّ مِنْ شَخْصَيْنِ مَالًا لِلْآخَرِ لِيَتَّجِرَ فِيهِ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ.
ابْنُ عَرَفَةَ الشَّرِكَةُ الْأَعَمِّيَّةُ تَقَرُّرُ مُتَمَوَّلٍ بَيْنَ مَالِكَيْنِ فَأَكْثَرَ مِلْكًا فَقَطْ، وَالْأَخَصِّيَّةُ بَيْعُ مَالِكٍ كُلَّ بَعْضِهِ بِبَعْضِ كُلِّ الْآخَرِ يُوجِبُ صِحَّةَ تَصَرُّفِهِ فِي الْجَمِيعِ فَيَدْخُلُ فِي الْأُولَى شَرِكَةُ الْإِرْثِ وَالْغَنِيمَةِ لَا شَرِكَةُ التَّجْرِ، وَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْعَكْسِ، وَشَرِكَةُ الْأَبْدَانِ وَالْحَرْثِ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ فِي الثَّانِيَةِ وَنِيَّةِ عِوَضِهِ فِي الْأُولَى، وَقَدْ يَتَبَايَنَانِ فِي الْحُكْمِ، فَشَرِكَةُ الشَّرِيكِ بِالْأُولَى جَائِزَةٌ، وَبِالثَّانِيَةِ مَمْنُوعَةٌ فِيهَا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُفَاوِضَ شَرِيكًا دُونَ إذْنِ شَرِيكِهِ، وَلَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا دُونَ إذْنِهِ.
وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا مَعَ أَنْفُسِهِمَا قَبِلُوهُ، وَيَبْطُلُ طَرْدُهُ بِقَوْلِ مَالِكِ شَيْءٍ لِآخَرَ أَذِنْت لَك فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ مَعِي، وَقَوْلِ الْآخَرِ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَيْسَ شَرِكَةً إذْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
لَوْ هَلَكَ مِلْكُ أَحَدِهِمَا لَمْ يَضْمَنْهُ الْآخَرُ وَهُوَ لَازِمُ الشَّرِكَةِ، وَنَفْيُ اللَّازِمِ يَنْفِي الْمَلْزُومَ وَعَكْسُهُ بِخُرُوجِ شَرِكَةِ الْجَبْرِ كَالْوَرَثَةِ وَشَرِكَةِ الْمُبْتَاعَيْنِ شَيْئًا بَيْنَهُمَا، وَقَدْ ذَكَرَهُمَا إذْ لَا إذْنَ فِي التَّصَرُّفِ لَهُمَا، وَلِذَا اُخْتُلِفَ فِي كَوْنِ تَصَرُّفِ أَحَدِهِمَا كَغَاصِبٍ أَمْ لَا، سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ لِأَحَدِ مَالِكَيْ عَبْدٍ ضَرْبُهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَهُ إلَّا فِي ضَرْبٍ لَا يَتْلَفُ فِي مِثْلِهِ أَوْ ضَرْبِ أَدَبٍ. وَقَالَ سَحْنُونٌ يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا وَلَوْ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ كَأَجْنَبِيٍّ.
ابْنُ رُشْدٍ رَأْيُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - شَرِكَتُهُ شُبْهَةٌ تُسْقِطُ الضَّمَانَ فِي ضَرْبِ الْأَدَبِ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ سَحْنُونٍ لِأَنَّ تَرْكَ ضَرْبِهِ أَدَبًا يُفْسِدُهُ وَعَلَيْهِ زَرْعُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَبِنَاؤُهُ فِي أَرْضٍ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فِي كَوْنِهِ كَغَاصِبٍ يُقْلَعُ زَرْعُهُ وَبِنَاؤُهُ أَوْ لَا لِشَبَهِ الشَّرِكَةِ فَلَهُ الزَّرْعُ، وَإِنْ لَمْ يُفْتِ إلَّا بَانٍ وَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ لِنِصْفِ شَرِيكِهِ وَلَهُ قِيمَةُ بِنَائِهِ قَائِمًا وَعَلَيْهِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي إيلَادِ الْعَبْدِ أَمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ حُرٍّ نِصْفُ قِيمَتِهَا جِنَايَةً فِي رَقَبَتِهِ، وَقَوْلُ سَحْنُونٍ هُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ يُتْبَعُ بِمَا نَقَصَ ثَمَنُهَا عَنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا اهـ.
وَأُجِيبَ عَنْ إبْطَالِ الطَّرْدِ بِتَعْلِيقٍ لَهُمَا بِالتَّصَرُّفِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَعَنْ إبْطَالِ الْعَكْسِ بِأَنَّ سِيَاقَ ابْنِ الْحَاجِبِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ حَدُّ شَرِكَةِ التَّجْرِ، وَأَنَّهَا الْمَعْقُودُ لَهَا الْبَابُ، وَذِكْرُ غَيْرِهَا فِيهِ اسْتِطْرَادٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْحَطّ اُنْظُرْ مَا مَعْنَى تَسْمِيَةُ الْأُولَى أَعَمِّيَّةً مَعَ خُرُوجِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الشَّرِكَةِ عَنْهَا بِمَا ذَكَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قُلْت إذَا حَذَفَ قَوْلَهُ فَقَطْ ظَهَرَتْ الْأَعَمِّيَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّصَّاعُ فِي اسْتِثْنَائِهِ شَرِكَةَ التَّجْرِ نَظَرٌ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْأَعَمِّ صِدْقُهُ عَلَى الْأَخَصِّ، فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِيهِ وَإِلَّا انْتَفَى عُمُومُهُ، فَالْأَوْلَى حَذْفُ مِلْكًا فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَحُكْمُهَا الْجَوَازُ كَجُزْأَيْهَا الْبَيْعِ وَالْوَكَالَةِ وَعُرُوضُ وُجُوبِهَا بَعِيدٌ، بِخِلَافِ عُرُوضِ مُوجِبِ حُرْمَتِهَا وَكَرَاهَتِهَا، وَدَلِيلُهَا الْإِجْمَاعُ فِي بَعْضِ صُوَرِهَا وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إنَّ اللَّهَ يَقُولُ أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمْ» ، ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ، وَصَحَّحَهُ بِسُكُوتِهِ عَنْهُ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَفِيهِ خَرَجْت مِنْ بَيْنِهِمَا.
وَإِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ شَاسٍ وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ، الْأَوَّلُ: الْعَاقِدَانِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا الْأَهْلِيَّةُ التَّوْكِيلُ وَالتَّوَكُّلُ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَصَرِّفٌ لِصَاحِبِهِ بِإِذْنِهِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ وَالْمُصَنِّفُ فَقَالَ (وَإِنَّمَا تَصِحُّ) الشَّرِكَةُ (مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ) لِغَيْرِهِ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ (وَ) أَهْلِ (التَّوَكُّلِ) عَنْ غَيْرِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمُوَكِّلِ، وَأَهْلُهُمَا الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْحُرُّ الرَّشِيدُ الْمُسْلِمُ غَيْرُ الْعَدُوِّ. ابْنُ عَرَفَةَ وَتَبِعُوا كُلُّهُمْ وَجِيزَ الْغَزَالِيِّ وَيَرُدُّ بِوُجُوبِ زِيَادَةِ وَأَهْلِ الْبَيْعِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَبَاعَ لِصَاحِبِهِ بَعْضَ مَالِهِ وَلَا يَسْتَلْزِمُهَا أَهْلِيَّةُ الْوَكَالَةِ لِجَوَازِ تَوْكِيلِ الْأَعْمَى اتِّفَاقًا وَتَوَكُّلِهِ، وَتَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ اهـ. وَذَكَرَهُ " غ " كَالْمُنَكِّتِ بِهِ عَلَى الْمُصَنِّفِ.
الْحَطّ لَا يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ أَهْلِيَّةِ الْبَيْعِ لِأَنَّ بَيْعَ الْأَعْمَى جَائِزٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْمُصَنِّفُ إنَّمَا فَرَّعَ عَلَيْهِ، نَعَمْ لَوْ اقْتَصَرُوا عَلَى أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ فَقَالُوا مِنْ أَهْلِ التَّوْكِيلِ أَوْ أَهْلِ التَّوَكُّلِ لَكَفَى إذْ مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ لِنَفْسِهِ جَازَ تَوْكِيلُهُ وَجَازَ كَوْنُهُ وَكِيلًا إلَّا لِمَانِعٍ، وَمَسَائِلُ الْمَذْهَبِ وَاضِحَةٌ بِهِ.
فَإِنْ قُلْت قَدْ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ التَّوْكِيلُ وَلَا يَجُوزُ تَوَكُّلُهُ كَالذِّمِّيِّ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ وَلَا يَجُوزُ تَوَكُّلُهُ عَنْ مُسْلِمٍ، وَكَالْعَدُوِّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ عَلَى عَدُوِّهِ كَمَا أَشَارَ إلَى هَذَا ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ لِقَوْلِهِمَا إلَّا لِمَانِعٍ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ إخْرَاجَ ذَلِكَ مِنْ الشَّرِكَةِ أَيْضًا. قُلْت أَمَّا أَوَّلًا فَعَلَى تَسْلِيمِهِ، فَكَانَ يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقْتَصِرُوا عَلَى قَوْلِهِمْ مِنْ أَهْلِ التَّوَكُّلِ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَهْلِيَّةَ التَّوْكِيلِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الذِّمِّيَّ وَالْعَدُوَّ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ التَّوَكُّلِ لِأَنَّ تَوَكُّلَهُمَا إنَّمَا امْتَنَعَ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضِ الْأَشْخَاصِ فَقَطْ، وَأَيْضًا فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ جَوَازُ مُشَارَكَةِ الْعَدُوِّ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ صِحَّةُ مُشَارَكَةِ الذِّمِّيِّ وَإِنْ لَمْ تَصْلُحْ ابْتِدَاءً، قَالَ فِيهَا فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ وَلَا يَصْلُحُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُشَارِكَ ذِمِّيًّا إلَّا أَنْ لَا يَغِيبَ الذِّمِّيُّ عَلَى بَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ وَلَا قَضَاءٍ وَلَا اقْتِضَاءٍ إلَّا بِحَضْرَةِ الْمُسْلِمِ.
ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ فَإِنْ وَقَعَ اُسْتُحِبَّ صَدَقَتُهُ بِرِبْحِهِ إنْ شَكَّ فِي عَمَلِهِ بِالرِّبَا، وَبِجَمِيعِ
وَلَزِمَتْ بِمَا يَدُلُّ عُرْفًا: كَاشْتَرَكْنَا
ــ
[منح الجليل]
مَالِهِ إنْ شَكَّ فِي عَمَلِهِ بِهِ فِي خَمْرٍ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. اهـ. وَنَقَلَهُ الْقَرَافِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَ مُشَارَكَةِ الْمُسْلِمِ الَّذِي لَا يُحَافِظُ عَلَى دِينِهِ فِي التَّصَدُّقِ بِالرِّبْحِ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ فَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّ شَرِكَةَ الذِّمِّيِّ إذَا لَمْ يَغِبْ صَحِيحَةٌ، بَلْ وَجَائِزَةٌ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ وَكُرِهَتْ مُشَارَكَةُ ذِمِّيٍّ وَمُتَّهَمٍ فِي دِينِهِ إنْ تَوَلَّى الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، وَإِلَّا جَازَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاقْتَضَى كَلَامُ الْمُصَنِّفِ صِحَّةَ مُشَارَكَةِ النِّسَاءِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ وَبَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الرِّجَالِ. اللَّخْمِيُّ يُرِيدُ إنْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً أَوْ شَابَّةً وَلَا تُبَاشِرُهُ فِي التِّجَارَةِ لِأَنَّ كَثْرَةَ مُحَادَثَةِ الشَّابَّةِ الرَّجُلَ يُخْشَى مِنْهَا الْفِتْنَةُ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ فَلَا بَأْسَ. ابْنُ عَرَفَةَ يُرِيدُ وَاسِطَةً مَأْمُونَةً. ابْنُ الْهِنْدِيِّ إنَّمَا تَجُوزُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذَا كَانَا صَالِحَيْنِ مَشْهُورَيْنِ بِالْخَيْرِ وَالدِّينِ وَالْفَضْلِ وَإِلَّا فَلَا. أَبُو الْحَسَنِ أَوْ مَعَ ذِي مُحْرِمٍ.
وَفِيهَا تَجُوزُ شَرِكَةُ الْعَبِيدِ الْمَأْذُونِ لَهُمْ فِي التِّجَارَةِ. اللَّخْمِيُّ إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَوَلِيَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، فَلَا يَضْمَنُ وَضِيعَةَ الْمَالِ وَلَا تَلَفَهُ، وَكَذَا إنْ وَلِيَا مَعًا الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَوَزَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مَنَابَهُ وَأَغْلَقَا عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَنْفَرِدْ الْحُرُّ بِهِمَا، وَإِنْ انْفَرَدَ بِتَوَلِّي ذَلِكَ ضَمِنَ رَأْسَ الْمَالِ إنْ هَلَكَ أَوْ خَسِرَ. اهـ. فَإِنْ كَانَا عَبْدَيْنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ تَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهُمَا وَلَا يَضْمَنُ الْعَبْدُ مَالَ الْحُرِّ إنْ ضَاعَ.
وَأَشَارَ لِلرُّكْنِ الثَّانِي وَهِيَ الصِّيغَةُ بِقَوْلِهِ (وَلَزِمَتْ) الشَّرِكَةُ (بِمَا يَدُلُّ) عَلَيْهَا (عُرْفًا) مِنْ قَوْلٍ (كَاشْتَرَكْنَا) وَتَعَامَلْنَا فِي هَذَا الْمَالِ عَلَى كَذَا وَنَحْوِهِ، أَوْ فِعْلٍ كَخَلْطِ الْمَالَيْنِ وَالْعَمَلِ فِيهِمَا وَشَمِلَ مَا يَدُلُّ عُرْفًا الْإِشَارَةَ الْمُفْهِمَةَ شُهِرَ هَذَا فِي الْمُعِينِ. وَقِيلَ جَائِزَةٌ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْخَلْطِ. الْبُنَانِيُّ لُزُومُهَا بِالْقَوْلِ هُوَ الَّذِي لِابْنِ يُونُسَ وَعِيَاضٍ، وَنَصُّهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ الشَّرِكَةُ عَقْدٌ يَلْزَمُ بِالْقَوْلِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْمُعَاوَضَاتِ وَهِيَ رُخْصَةٌ فِي بَابِهَا الَّذِي يَخْتَصُّ بِهَا، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْكِتَابِ، وَمَذْهَبُ غَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْخَلْطِ اهـ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمُعِينِ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ عَبْدِ الرَّفِيعِ فِي لُزُومِهَا بِالْقَوْلِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَذْهَبُ لُزُومُ شَرِكَةِ الْأَمْوَالِ
بِذَهَبَيْنِ أَوْ وَرِقَيْنِ اتَّفَقَ صَرْفُهُمَا
ــ
[منح الجليل]
بِالْعَقْدِ دُونَ الشُّرُوعِ اهـ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ هِيَ مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهَا مَتَى شَاءَ وَنَحْوُهُ اللَّخْمِيُّ. خَلِيلٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمْ وَمُرَادُ ابْنِ يُونُسَ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ الضَّمَانِ، أَيْ إذَا هَلَكَ شَيْءٌ بَعْدَ الْعَقْدِ فَضَمَانُهُ مِنْهُمَا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالْخَلْطِ اهـ. الْحَطّ الظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ يُونُسَ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ. اهـ. وَوَفَّقَ الْعَوْفِيُّ تَوْفِيقًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ اللُّزُومَ بِالْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ بَيْعِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضَ مَالِهِ الْآخَرَ، وَعَدَمِ اللُّزُومِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَصِلَ مَتَى شَاءَ كَمَا هُوَ صَرِيحُ ابْنِ رُشْدٍ وَإِذَا تَفَاصَلَا اقْتَسَمَا مَا صَارَ بَيْنَهُمَا لَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَرْجِعُ فِي عَيْنِ شَيْئِهِ، فَإِذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا عَيْنًا وَالْآخَرُ عَرْضًا فَالشَّرِكَةُ لَزِمَتْهُمَا بِالْعَقْدِ، فَإِنْ انْفَصَلَا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الْعَيْنِ وَنِصْفُ الْعَرْضِ.
وَأَشَارَ لِلرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي يُشْتَرَكُ بِهِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ ابْنُ الْحَاجِبِ بِالْمَحِلِّ فَقَالَ وَمَحِلُّهَا الْمَالُ وَالْعَمَلُ بِقَوْلِهِ تَصِحُّ (بِذَهَبَيْنِ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (أَوْ) ب (وَرِقَيْنِ) مِنْهُمَا بِكَسْرِ الرَّاءِ إنْ (اتَّفَقَ صَرْفُهُمَا) أَيْ الذَّهَبَيْنِ أَوْ الْوَرِقَيْنِ وَوَزْنُهُمَا وَيُغْتَفَرُ الْفَضْلُ الْيَسِيرُ فِي الْوَزْنِ، سَوَاءٌ اتَّفَقَتْ سِكَّتُهُمَا أَوْ اخْتَلَفَتْ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا دَنَانِيرَ هَاشِمِيَّةٍ وَأَخْرَجَ الْآخَرُ مِثْلَ وَزْنِهَا دَنَانِيرَ دِمَشْقِيَّةٍ أَوْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ يَزِيدِيَّةٍ وَالْآخَرُ وَزْنَهَا مُحَمَّدِيَّةٍ وَصَرْفُهُمَا مُخْتَلِفٌ لَمْ يَجُزْ إلَّا فِي الِاخْتِلَافِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا بَالَ لَهُ فَيُجَوِّزُوهُمَا فِيمَا كَثُرَ كَتَفَاضُلِ الْمَالَيْنِ، وَلَوْ جَعَلَا الرِّبْحَ وَالْعَمَلَ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ فَضْلِ مَا بَيْنَ السِّكَّتَيْنِ لَمْ يَجُزْ إذْ صَرَفَاهُمَا إلَى الْقِيَمِ وَحُكْمُهُمَا الْوَزْنُ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرِكَةِ.
أَبُو الْحَسَنِ صُورَةُ الْقِيمَةِ أَنْ يُقَالَ مَا قِيمَةُ الْمُحَمَّدِيَّةِ، فَيُقَالُ عَشَرَةٌ، وَمَا قِيمَةُ الْيَزِيدِيَّةِ فَيُقَالُ خَمْسَةٌ، فَيَشْتَرِكَانِ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَيَلْزَمُ التَّفَاضُلُ. ابْنُ الْمَوَّازِ فَإِنْ نَزَلَ أَخَذَ كُلٌّ مِثْلَ رَأْسِ مَالِهِ مِنْ سِكَّتِهِ وَمِنْ الرِّبْحِ بِقَدْرِ وَزْنِ رَأْسِ مَالِهِ لَا عَلَى فَضْلِ مَا بَيْنَ السِّكَّتَيْنِ، وَقَالَهُ مَالِكٌ " رضي الله عنه ". بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ لَعَلَّ مُحَمَّدًا أَرَادَ إذَا لَمْ تَخْتَلِفْ سُوقُ السِّكَّتَيْنِ مِنْ الشَّرِكَةِ إلَى الْقِسْمَةِ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ فَيَظْلِمُ الَّذِي زَادَ سُوقُ سِكَّتِهِ صَاحِبَهُ إذَا أَخَذَ مِثْلَ رَأْسِ
وَبِهِمَا مِنْهُمَا، وَبِعَيْنٍ: وَبِعَرْضٍ، وَبِعَرْضَيْنِ مُطْلَقًا
وَكُلٌّ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ أُحْضِرَ، لَا فَاتَ، إنْ صَحَّتْ
ــ
[منح الجليل]
مَالِهِ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِمَّا دَفَعَ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ اتَّفَقَتْ السِّكَّتَانِ فِي الصَّرْفِ يَوْمَ الشَّرِكَةِ جَازَتْ، فَإِنْ افْتَرَقَا وَقَدْ حَالَّ الصَّرْفُ فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ وَيَقْتَسِمَانِ مَا بِأَيْدِيهِمَا عَرْضًا كَانَ أَوْ طَعَامًا أَوْ عَيْنًا أَفَادَهُ الْحَطّ.
(وَ) تَصِحُّ الشَّرِكَةُ (بِهِمَا) أَيْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ مَعًا (مِنْهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ بِأَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا ذَهَبًا وَوَرِقًا وَالْآخَرُ مِثْلَهُمَا اتِّفَاقًا بِشَرْطِ اسْتِوَاءِ الذَّهَبَيْنِ وَالْوَرِقَيْنِ فِي الْوَزْنِ وَالصَّرْفِ (وَ) تَصِحُّ (بِعَيْنٍ) أَيْ ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ بِهِمَا مِنْ أَحَدِهِمَا (وَبِعَرْضٍ) مِنْ الْآخَرِ، وَأَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الطَّعَامَ (وَ) تَصِحُّ (بِعَرْضَيْنِ) غَيْرِ طَعَامَيْنِ مِنْ كُلِّ شَرِيكٍ عَرْضٌ بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي (مُطْلَقًا) عَنْ التَّقْيِيدِ بِاتِّحَادِ جِنْسِهِمَا فَتَجُوزُ بِعَرْضَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَصُوفٍ وَحَرِيرٍ، وَشَمِلَ عَرْضًا مِنْ أَحَدِهِمَا وَطَعَامًا مِنْ الْآخَرِ. فَفِي الْمُدَوَّنَةِ تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِطَعَامٍ وَدَرَاهِمَ وَبِعَيْنٍ وَعَرْضٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْقِيَمِ، وَبِقَدْرِهَا يَكُونُ الرِّبْحُ وَالْعَمَلُ.
(وَكُلٌّ) مِنْ الْعَرْضِ الْمُتَشَارَكِ بِهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا يُعْتَبَرُ رَأْسَ مَالٍ (بِالْقِيمَةِ) لَهُ (يَوْمَ أُحْضِرَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الْعَرْضُ لِلشَّرِكَةِ، فَإِنْ اسْتَوَتْ قِيمَةُ الْعَرْضَيْنِ أَوْ قِيمَةُ الْعَرْضِ وَالْعَيْنِ الْمُقَابِلَةِ لَهُ فَالشَّرِكَةُ بِالنِّصْفِ وَإِلَّا فَبِقَدْرِ الِاخْتِلَافِ (لَا) تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْفَوَاتِ إنْ (فَاتَ) الْعَرْضُ (إنْ صَحَّتْ) الشَّرِكَةُ، فَإِنْ فَسَدَتْ فَلَا يُقَوَّمُ وَرَأْسُ مَالِ مُخْرِجِ الْعَرْضِ مَا يُبَاعُ بِهِ عَرْضُهُ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ وَضَمَانِهِ إلَيَّ بَيْعِهِ كَالْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا. " غ " عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ تُوهِمُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي قِيمَةِ الْعَرْضِ فِي الْفَاسِدَةِ يَوْمَ الْفَوَاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَعِبَارَةُ ابْنِ الْحَاجِبِ أَبْيَنُ مِنْهَا إذَا قَالَ فَلَوْ وَقَعَتْ فَاسِدَةً فَرَأْسُ مَالِهِ مَا بِيعَ بِهِ عَرْضُهُ وَقَالَ الصَّقَلِّيَّانِ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ يُونُسَ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا مَا بِيعَتْ سِلْعَتَاهُمَا بِهِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ قِيمَةُ عَرْضِهِ يَوْمَ بَيْعِهِ، وَحَمْلُهُ عَلَى هَذَا بَعِيدٌ اهـ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا وَقَعَتْ الشَّرِكَةُ فِي طَعَامٍ فَاسِدَةً فَرَأْسُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مَا بِيعَ بِهِ طَعَامُهُ إذْ هُوَ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يُبَاعَ وَلَوْ خُلِطَ قَبْلَ بَيْعِهِ فَرَأْسُ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ قِيمَةُ طَعَامِهِ يَوْمَ
إنْ خَلَطَا وَلَوْ حُكْمًا
ــ
[منح الجليل]
خَلْطِهِ. طفي اُنْظُرْ فَائِدَةَ قَوْلِهِ لَا فَاتَ لِأَنَّ عَادَةَ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا اُسْتُقْرِئَ مِنْ كَلَامِهِ إذَا نَفَى شَيْئًا فَإِنَّمَا يُنَكِّتُ بِهِ عَلَى مَنْ قَالَ بِهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْقِيمَةَ تُعْتَبَرُ فِي الصَّحِيحَةِ يَوْمَ الْفَوَاتِ مَعَ مَا تُوهِمُهُ عِبَارَتُهُ أَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْفَاسِدَةِ تُعْتَبَرُ يَوْمَ الْفَوَاتِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ " غ ".
وَإِنْ اشْتَرَكَ شَخْصَانِ أَوْ أَكْثَرُ شَرِكَةً صَحِيحَةً ثُمَّ تَلِفَ مَالُ أَحَدِهِمَا أَوْ بَعْضُهُ ضَمِنَهُ شَرِيكُهُ مَعَهُ (إنْ خَلَطَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ مَا أَخْرَجَاهُ لِلشَّرِكَةِ بِهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ حَقِيقَةً، بَلْ (وَلَوْ حُكْمًا) بِجَعْلِهِمَا فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ بِلَا خَلْطٍ فَهُوَ شَرْطٌ فِي مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَقِبَهُ، وَإِلَّا فَالتَّالِفُ مِنْ رَبِّهِ. وَقَالَ الْحَطّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي حُصُولِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الرِّبْحِ وَالْخَسَارَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ. قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ ذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّ الْخَلْطَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ فِي التَّوَاءِ، أَيْ الْهَلَاكِ لَا فِي النَّمَاءِ لِأَنَّهُ قَالَ مَا اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا بِمَالِهِ قَبْلَ الْخَلْطِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَمَا ضَاعَ فَهُوَ مِنْ صَاحِبِهِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي شَرْطِ ثُبُوتِ لَازِمِهَا وَهُوَ ضَمَانُ الْمُشْتَرَكِ مِنْهُمَا بِالْخَلْطِ الْحُكْمِيِّ فَضْلًا عَنْ الْحِسِّيِّ، أَوْ بِالْحِسِّيِّ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ فِيهَا، وَالْحُكْمُ كَوْنُ الْمَالَيْنِ فِي حَوْزِ وَاحِدٍ وَلَوْ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْبُنَانِيُّ ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْخَلْطَ شَرْطٌ فِي اللُّزُومِ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، وَدَرَجَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمَقْصَدِ الْمَحْمُودِ وَصَاحِبُ الْمَعُونَةِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ عِيَاضٍ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، فَلِذَا تَأَوَّلَهُ " ح "، ثُمَّ قَالَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ بَعْدَ لُزُومِهَا بِالْعَقْدِ يَكُونُ ضَمَانُ كُلِّ مَالِ مِنْ صَاحِبِهِ قَبْلَ الْخَلْطِ، فَإِنْ وَقَعَ الْخَلْطُ وَلَوْ حُكْمًا فَالضَّمَانُ مِنْهُمَا.
وَإِلَّا فَالتَّالِفُ مِنْ رَبِّهِ، وَمَا اُبْتِيعَ بِغَيْرِهِ فَبَيْنَهُمَا، وَعَلَى الْمُتْلِفِ نِصْفُ الثَّمَنِ
وَهَلْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِالتَّلَفِ فَلَهُ وَعَلَيْهِ؟ أَوْ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْأَخْذَ لَهُ؟ تَرَدُّدٌ.
ــ
[منح الجليل]
وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ خَلْطٌ لِلْمَالَيْنِ لَا حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَتَلِفَ الْمَالَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا (فَ) الْمَالُ (التَّالِفُ) ضَمَانُهُ (مِنْ رَبِّهِ) خَاصَّةً (وَمَا) أَيْ الْعَرْضُ الَّذِي (اُبْتِيعَ) أَيْ اُشْتُرِيَ لِلتِّجَارَةِ (بِغَيْرِهِ) أَيْ التَّالِفِ (فَ) هُوَ مُشْتَرَكٌ (بَيْنَهُمَا) أَيْ صَاحِبِ السَّالِمِ وَصَاحِبِ التَّالِفِ كَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ رَبِحَ فَلَهُمَا وَإِنْ خَسِرَ فَعَلَيْهِمَا (وَعَلَى الْمُتْلِفِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا، أَيْ الَّذِي تَلِفَ مَالُهُ (نِصْفُ الثَّمَنِ) الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْعَرْضَ إنْ كَانَتْ شَرِكَتُهُمَا بِالنِّصْفِ وَإِلَّا فَبِحَسَبِ مَالِهِ فَلَوْ قَالَ ثَمَنُ حِصَّتِهِ لَشَمِلَهُمَا.
(وَهَلْ) يَكُونُ الْعَرْضُ الْمُشْتَرَى بِالسَّالِمِ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ) صَاحِبُ السَّالِمِ (بِالتَّلَفِ) لِمَالِ شَرِيكِهِ حِينَ شِرَائِهِ، فَإِنْ عَلِمَهُ حِينَهُ فَلَا يَكُونُ الْعَرْضُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، وَيَخْتَصُّ بِهِ ذُو السَّالِمِ (فَلَهُ) أَيْ رَبِّ السَّالِمِ رِبْحُ مَا اشْتَرَاهُ إنْ رَبِحَ فِيهِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ رَبِّ السَّالِمِ نِصْفُهُ إنْ خَسِرَ فِيهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ (أَوْ) هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا (مُطْلَقًا) أَيْ عَنْ التَّقْيِيدِ بِعَدَمِ عِلْمِ رَبِّ السَّالِمِ تَلَفَ مَالِ شَرِيكِهِ حِينَ شِرَائِهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ، وَالْخِلَافُ الْمُتَقَدَّمُ فِي كُلِّ حَالٍّ (إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ) رَبُّ السَّالِمِ أَنَّهُ قَصَدَ (الْأَخْذَ) أَيْ الشِّرَاءَ (لِنَفْسِهِ) خَاصَّةً، فَإِنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَيَخْتَصُّ بِمَا ابْتَاعَهُ اتِّفَاقًا، فِي الْجَوَابِ (تَرَدُّدٌ) فِي فَهْمِ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ بَقِيَتْ صُرَّةُ كُلٍّ بِيَدِ رَبِّهَا حَتَّى ابْتَاعَ أَحَدُهُمَا بِصُرَّتِهِ أَمَةً عَلَى الشَّرِكَةِ وَتَلِفَتْ الصُّرَّةُ الْأُخْرَى فَالصُّرَّةُ التَّالِفَةُ مِنْ رَبِّهَا وَالْأَمَةُ بَيْنَهُمَا، فَفَهِمَهَا ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَابْنُ يُونُسَ عَلَى الثَّانِي، فَالْجَارِي عَلَى اصْطِلَاحِ الْمُصَنِّفِ تَأْوِيلَانِ قَالَهُ تت.
طفى قَرَّرَ تت كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى ظَاهِرِهِ مَعَ أَنَّهُ مُنْتَقَدٌ مِنْ " ح " وَمَنْ تَبِعَهُ، وَهُوَ انْتِقَادٌ صَحِيحٌ. وَحَاصِلُ النَّقْلِ عَنْ جَمِيعِ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ بَيْنَ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ يُونُسَ مَعَ عَبْدِ الْحَقِّ فَابْنُ رُشْدٍ عِنْدَهُ إنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
اشْتَرَى بَعْدَ تَلَفِ مَا أَخْرَجَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُلْزِمَهُ حِصَّتَهُ مِمَّا اشْتَرَاهُ أَوْ يَنْفَرِدَ بِهِ عَنْهُ، وَإِنْ اشْتَرَى بَعْدَ عِلْمِهِ بِالتَّلَفِ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً هَكَذَا فِي مُقَدِّمَاتِهِ، وَهَكَذَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ وَغَيْرُهُ. وَعِنْدَ ابْنِ يُونُسَ وَعَبْدِ الْحَقِّ إنْ اشْتَرَى بَعْدَ عِلْمِهِ التَّلَفَ فَشَرِيكُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيهَا أَوْ يَدَعَهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِي فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّلَفِ حِينَ اشْتَرَى فَهِيَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى فَتَلِفَتْ الصُّرَّةُ الْأُخْرَى، هَكَذَا فِي نَقْلِ أَبِي الْحَسَنِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ فَابْنُ رُشْدٍ عَكَسَ مَا قَالَاهُ إذْ التَّخْيِيرُ عِنْدَهُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِهِمَا، وَقَدْ أَحْسَنَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فِي عَزْوِهِمَا، وَنَصُّهُ وَهَلْ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالتَّلَفِ فَيُخَيَّرُ، وَإِنْ عَلِمَ يَخْتَصُّ بِهِ أَوْ يُخَيَّرُ الْآخَرُ مَعَ الْعِلْمِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ ابْتَاعَ لِنَفْسِهِ تَرَدُّدٌ اهـ.
وَقَالَ تت فِي كَبِيرِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السَّالِمَ صُرَّتُهُ تَلْزَمُهُ الشَّرِكَةُ فِيمَا اُبْتِيعَ بِهَا بِشَرْطِهِ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ يُونُسَ، وَاَلَّذِي فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ وَبِهِ قَرَّرَ الشَّارِحُ كَلَامَهُ هُنَا، وَدَرَجَ عَلَيْهِ فِي شَامِلِهِ ثُمَّ سَاقَ كَلَامَ الشَّامِلِ الْمُتَقَدِّمَ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ لِلْمُشْتَرِي وَهُوَ السَّالِمُ صُرَّتُهُ، كَمَا عَلِمْت، وَكَمَا فِي الشَّامِلِ، وَقَدْ نَقَلَ لَفْظَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ فِي صَغِيرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. الْحَطّ الْأَلْيَقُ بِاصْطِلَاحِهِ تَأْوِيلَانِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ بَقِيَتْ كُلٌّ صُرَّةٍ بِيَدِ رَبِّهَا حَتَّى ابْتَاعَ أَحَدَهُمَا بِصُرَّتِهِ أَمَةً عَلَى الشَّرِكَةِ وَتَلِفَتْ الصُّرَّةُ الْأُخْرَى وَالْمَالَانِ مُتَّفِقَانِ، فَالْأَمَةُ بَيْنَهُمَا وَالصُّرَّةُ مِنْ رَبِّهَا.
ابْنُ يُونُسَ قَوْلُهُ فَالْأَمَةُ بَيْنَهُمَا يُرِيدُ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ ثَمَنِهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهَا عَلَى الشَّرِكَةِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنْ اشْتَرَاهَا بَعْدَ التَّلَفِ عَالِمًا بِهِ فَشَرِيكُهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيهَا أَوْ يَدَعَهَا لَهُ، إلَّا أَنْ يَقُولَ إنَّمَا اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِي فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّلَفِ حَتَّى اشْتَرَى الْأَمَةَ فَهِيَ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثُمَّ تَلِفَتْ صُرَّةُ الْآخَرِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ.
أَبُو الْحَسَنِ وَلِابْنِ رُشْدٍ عَكْسُ هَذَا، قَالَ إنْ اشْتَرَى بَعْدَ التَّلَفِ وَهُوَ لَمْ يَعْلَمْ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُلْزِمَهُ مَا اشْتَرَاهُ أَوْ يَنْفَرِدَ بِهِ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَوْ عَلِمْت تَلَفَهُ لَمْ أَشْتَرِ إلَّا لِنَفْسِي، وَمَا
وَلَوْ غَابَ نَقْدُ أَحَدِهِمَا إنْ لَمْ يَبْعُدْ وَلَمْ يُتَّجَرْ لِحُضُورِهِ
ــ
[منح الجليل]
اشْتَرَى بَعْدَ عِلْمِهِ تَلَفَ مَا أَخْرَجَهُ صَاحِبُهُ فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً. اهـ. فَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَهَلْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِالتَّلَفِ فَلَهُ وَعَلَيْهِ هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ مَا اشْتَرَى بِالسَّالِمِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ التَّلَفَ، فَإِنْ عَلِمَهُ فَهِيَ لَهُ خَاصَّةً إلَّا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْهُ فَالسِّلْعَةُ بَيْنَهُمَا بِلَا خِيَارٍ لِأَحَدِهِمَا، وَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ يُفِيدُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ.
فَإِنْ قِيلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ إلَّا أَنْ يَدَّعِي، يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ. قُلْت لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ اشْتَرَى لِلشَّرِكَةِ وَلَمْ يَدَّعِ الْأَخْذَ لِنَفْسِهِ، فَكَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ يُفِيدُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ وَإِنَّهُ بَيْنَهُمَا لُزُومًا.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوْ مُطْلَقًا هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ، إلَّا أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ أَنَّهُ بَيْنَهُمَا، وَلَا خِيَارَ لِأَحَدِهِمَا سَوَاءٌ اشْتَرَى بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتَّلَفِ أَوْ قَبْلَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ يُفِيدُ أَنَّهُ إنْ اشْتَرَى بَعْدَ عِلْمِهِ التَّلَفَ يُخَيَّرُ شَرِيكُهُ الَّذِي تَلِفَتْ صُرَّتُهُ فِي شَرِكَتِهِ وَتَرْكِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ إنْ أَحْضَرَ مَا أَخْرَجَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، بَلْ (وَلَوْ غَابَ نَقْدُ أَحَدِهِمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ الَّذِي شَارَكَ بِهِ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَاسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ بِقَيْدَيْنِ، أَشَارَ الْمُصَنِّفُ لَهُمَا بِقَوْلِهِ (إنْ لَمْ يَبْعُدْ) النَّقْدُ الْغَائِبُ، زَادَ فِي تَوْضِيحِهِ جِدًّا، فَإِنْ بَعُدَ النَّقْدُ الْغَائِبُ جِدًّا فَلَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِهِ (وَلَمْ يُتَّجَرْ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ مُشَدَّدَةً وَالْجِيمِ بِنَقْدِ أَحَدِهِمَا الْحَاضِرِ (لِحُضُورِهِ) أَيْ النَّقْدِ الْغَائِبِ، وَاَلَّذِي فِي تَوْضِيحِهِ لِقَبْضِهِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ حُضُورَهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ قَالَهُ تت. فَإِنْ اتَّجَرَ بِالْحَاضِرِ قَبْلَ حُضُورِ الْغَائِبِ فَلَا تَصِحُّ. طفي جَعَلَهُ تت مُبَالَغَةً فِي لُزُومِهَا، وَتَبِعَهُ " س "، وَاعْتَرَضَهُمَا عج بِاقْتِضَائِهِ عَدَمَ لُزُومِهَا مَعَ الْبُعْدِ أَوْ التَّجْرِ قَبْلَ حُضُورِهِ، وَالْمُرَادُ مَنْعُهَا وَجَعْلُهُ مُبَالَغَةً فِي جَوَازِهَا.
قُلْت الْأَوْلَى كَوْنُهُ مُبَالَغَةً فِي صِحَّتِهَا الْمُتَقَدِّمَةِ، قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ إلَخْ ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ
لَا بِذَهَبٍ وَبِوَرِقٍ
ــ
[منح الجليل]
الْمُسْتَتِرَ لِلَّخْمِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْقَيْدُ لِبَعْضِ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ كَمَا فِي ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِ، وَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي كَوْنِهِ تَقْيِيدًا نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ خِلَافٌ. اهـ. وَنَصُّهُ وَفِي الشَّرِكَةِ بِمَالٍ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ، نَقَلَ اللَّخْمِيُّ صِحَّتَهَا عَنْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَمَنَعَهَا عَنْ سَحْنُونٍ، وَنَقَلَ التُّونُسِيُّ عَنْهُ الْكَرَاهَةَ وَالصَّقَلِّيُّ الْفَسَادَ، وَفِي كَوْنِ قَوْلِ بَعْضِ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ إنَّمَا تَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِشَرْطِ قُرْبِ الْغَيْبَةِ وَوَقْفُ التَّجْرِ بِالْحَاضِرِ عَلَى حُضُورِ الْغَائِبِ تَقْيِيدًا نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ خِلَافٌ لِاحْتِجَاجِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الْجَوَازِ بِقَوْلِ مَالِكٍ فِيهَا اُنْظُرْ تَمَامَهُ.
(لَا) تَصِحُّ الشَّرِكَةِ (بِذَهَبٍ) مِنْ أَحَدِهِمَا (وَوَرِقٍ) مِنْ الْآخَرِ لِاجْتِمَاعِ الشَّرِكَةِ وَالصَّرْفِ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ احْتِجَاجُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّهُ صَرْفٌ وَشَرِكَةٌ غَيْرُ بَيِّنٍ ` لِأَنَّ الْعُقُودَ الْمُنْضَمَّةَ إلَى الشَّرِكَةِ إنَّمَا تُمْنَعُ صِحَّتُهَا إنْ كَانَتْ خَارِجَةً عَنْهَا، نَصَّ عَلَى مَعْنَى هَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ عَرَفَةَ، قَوْلُهُ إنْ كَانَتْ خَارِجَةً عَنْهَا ظَاهِرُهُ أَنَّ غَيْرَ الْخَارِجَةِ غَيْرُ مَانِعَةٍ صَرْفًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إنَّمَا قَالَهُ فِيمَا لَيْسَ صَرْفًا لِأَجْلِ ضِيقِ الصَّرْفِ وَشِدَّتِهِ، وَإِنَّمَا الْغَيُّ مَانِعِيَّةُ الصَّرْفِ فِي الشَّرِكَةِ. سَحْنُونٌ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ. اهـ. وَقِيلَ عِلَّةُ الْمَنْعِ أَنَّ يَدَ كُلٍّ جَائِلَةٌ فِي نَقْدِهِ فَهُوَ بَاقٍ تَحْتَ يَدِهِ فَهُوَ صَرْفٌ بِتَأْخِيرٍ، وَقَدْ يُقَالُ
وَبِطَعَامَيْنِ، وَلَوْ اتَّفَقَا؛
ــ
[منح الجليل]
إنَّ فِيمَا أَجَازُوهُ مِنْ الشَّرِكَةِ بِذَهَبَيْنِ أَوْ وَرِقَيْنِ بَدَلَا التَّأْخِيرِ لِجَوَلَانِ يَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى نَقْدِهِ، وَفِيهِ اجْتِمَاعُ الشَّرِكَةِ وَالْبَدَلِ وَهُوَ يُؤَدِّي إلَى الْبَدَلِ بِتَأْخِيرٍ.
وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إجَازَةِ الشَّرِكَةِ بِالدَّنَانِيرِ مِنْ كِلَا الشَّرِيكَيْنِ، أَوْ الدَّرَاهِمِ مِنْ كِلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا عَدَمَ الْمُنَاجَزَةِ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ لِبَقَاءِ يَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا بَاعَ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ وَهُوَ إجْمَاعٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَكَأَنَّهُمْ رَخَّصُوا فِي النُّقُودِ لِأَنَّهَا أُصُولُ الْأَثْمَانِ، وَالنَّاسُ مُحْتَاجُونَ إلَى الْمُعَيَّنِ فِي أَمْوَالِهِمْ. وَأَمَّا الطَّعَامُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لِلشَّرِكَةِ فِيهِ ضَرُورَةٌ اهـ.
(وَلَا) تَصِحُّ (بِطَعَامَيْنِ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ إنْ اخْتَلَفَا جِنْسًا أَوْ صِفَةً أَوْ قَدْرًا، بَلْ (وَلَوْ اتَّفَقَا) أَيْ الطَّعَامَانِ نَوْعًا وَصِفَةً عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَيْعُ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ، إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاعَ لِلْآخَرِ بَعْضَ طَعَامِهِ بِبَعْضِ طَعَامِ الْآخَرِ وَبَقِيَ الْبَعْضُ الَّذِي بَاعَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا تَحْتَ يَدِهِ، فَإِذَا بِيعَ لِأَجْنَبِيٍّ فَقَدْ بِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَبَحَثَ فِيهِ بِأَنَّ هَذَا فِي الشَّرِكَةِ بِطَعَامٍ وَعَيْنٍ أَوْ عَرْضٍ، وَقَدْ أَجَازَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَأُجِيبَ بِاغْتِفَارِهِ فِي هَذِهِ لِتَبَعِيَّةِ الطَّعَامِ النَّقْدَ أَوْ الْعَرْضَ. ابْنُ عَرَفَةَ وَهِيَ بِطَعَامَيْنِ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةِ كَثِيرًا مَمْنُوعَةٌ. الصِّقِلِّيُّ اتِّفَاقًا، وَإِلَّا فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ تُمْنَعُ قَائِلًا لَمْ يُجِزْهُ مُنْذُ لَقِينَاهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا مَا عَلِمْت لِكَرَاهَةٍ فِيهَا وَجْهًا، وَعَلَّلَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ بِخَلْطِ الطَّعَامِ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ وَعَبْدُ الْحَقِّ بِبَيْعِ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِسْمَاعِيلُ بِافْتِقَارِ الشَّرِكَةِ إلَى اسْتِوَاءِ الْقِيمَةِ وَالْبَيْعِ إلَى اسْتِوَاءِ الْكَيْلِ، وَلَا يَكَادُ أَنْ يُوجَدَا. وَزَادَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِهَا بِعَيْنَيْنِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ لَمْ يَقِسْ عَلَيْهِ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي هَذَا الْقَوْلِ جَوَازَهَا بِطَعَامَيْنِ وَأَبُو الْحَسَنِ اخْتِلَافُ الْأَغْرَاضِ فِي الطَّعَامِ مُطْلَقًا لِفَسْخِ بَيْعِهِ بِاسْتِحْقَاقِهِ، وَعَدَمِ اخْتِلَافِهَا فِي الْعَيْنِ لِعَدَمِ فَسْخِهِ فِيهِ فَصَارَ مُتَمَاثِلَا الطَّعَامِ كَمُخْتَلِفَيْهِ، بِخِلَافِ مُتَمَاثِلَيْ الْعَيْنِ، وَنَظَمَ " غ " الْمَسْأَلَةَ وَعَلَّلَهَا فَقَالَ:
ثُمَّ إنْ أَطْلَقَا التَّصَرُّفَ وَإِنْ بِنَوْعٍ، فَمُفَاوَضَةٌ
وَلَا يُفْسِدُهَا: انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِشَيْءٍ؛
ــ
[منح الجليل]
شَارِكْ بِجِنْسِ الْعَيْنِ وَالطَّعَامِ
…
وَالثَّانِ لِلْعُتَقِيِّ لَا الْإِمَامِ
لِلنَّقْلِ وَالْخَلْطِ وَالْأَرْشِ وَالْغَرَضْ
…
وَعِلَلٍ وَإِنْ كَلَامًا قَبَضْ
وَالْمُرَادُ بِالنَّقْلِ نَقْلُ الْإِجْمَاعِ فِي الْعَيْنِ، وَبِالْأَرْشِ الْقِيمَةُ الَّتِي تَفْتَقِرُ الشَّرِكَةُ إلَى الِاسْتِوَاءِ فِيهَا، وَبِالْغَرَضِ اخْتِلَافُ الْأَغْرَاضِ فِي الطَّعَامِ وَتَنْكِيرُ عِلَلٍ لِلتَّكْثِيرِ. ابْنُ عَرَفَةَ فِي جَوَازِهَا بِدَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ وَطَعَامَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَعَرْضَيْنِ كَذَلِكَ وَمَنَعَهَا فِي الْجَمِيعِ. ثَالِثُهَا تَجُوزُ فِي الْعَرْضَيْنِ فَقَطْ الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ وَسَحْنُونٍ، وَالثَّانِي لِأَبِي زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. وَالثَّالِثُ لِأَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ لِاجْتِمَاعِ عِلَّتَيْنِ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَهُمَا عَدَمُ الْمُنَاجَزَةِ وَالْبَيْعِ وَالشَّرِكَةِ وَانْفِرَادُ عِلَّةٍ فِي الْعَرْضَيْنِ هِيَ الْبَيْعُ وَالشَّرِكَةُ. اهـ. وَأَصْلُهُ لِابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ نَقْدِهَا مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، قَالَ أَجَازَ ذَلِكَ سَحْنُونٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُرَاعِ فِي الشَّرِكَةِ عَدَمَ التَّنَاجُزِ وَلَا الصَّرْفِ وَالشَّرِكَةِ وَلَا الْبَيْعِ إذَا دَخَلَا فِيهَا.
وَلَمَّا كَانَتْ الشَّرِكَةُ سِتَّةَ أَقْسَامٍ مُفَاوَضَةٍ وَعِنَانٍ وَجَبْرٍ وَعَمَلٍ وَذِمَمٍ وَمُضَارَبَةٍ وَهُوَ الْقَرَّاضُ ذَكَرَهَا مُرَتَّبَةً كَهَذَا وَأَفْرَدَ الْأَخِيرَ بِبَابٍ فَقَالَ: (ثُمَّ) بَعْدَ لُزُومِهَا بَدَا لَهَا عُرْفًا (إنْ أَطْلَقَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ (التَّصَرُّفَ) لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي جَمِيعِ مَا يَتَّجِرَانِ فِيهِ بِأَنْ جَعَلَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ، وَبِلَا إذْنِهِ وَعِلْمِهِ، وَفِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَالِاكْتِرَاءِ وَالْإِكْرَاءِ وَنَحْوِهَا إنْ كَانَ الْإِطْلَاقُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ مَا يُتَّجَرُ فِيهِ، بَلْ (وَإِنْ) كَانَ (بِنَوْعٍ) وَاحِدٍ مِمَّا يُتَّجَرُ فِيهِ كَالْبَزِّ بِالزَّايِ أَوْ الْعِطْرِ (فَ) هِيَ (مُفَاوَضَةٌ) بِفَتْحِ الْوَاوِ لَا غَيْرُ أَيْ تُسَمَّى بِهَذَا
(وَلَا يُفْسِدُهَا) أَيْ الْمُفَاوَضَةَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ (انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ (بِشَيْءٍ) مِنْ الْمَالِ يَتَّجِرُ فِيهِ لِخَاصَّةِ نَفْسِهِ إذَا دَخَلَا عَلَى عَمَلِهِ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ بِقَدْرِ مَالِهِ فِيهَا يَكُونَانِ مُتَفَاوِضَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا عَيْنٌ أَوْ عَرْضٌ دُونَ صَاحِبِهِ، وَلَا يُفْسِدُ ذَلِكَ الْمُفَاوَضَةُ بَيْنَهُمَا. وَفِي التَّوْضِيحِ وَلَا يُفْسِدُ عِنْدَنَا وُجُودُ مَالٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى حِدَتِهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
وَلَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ، إنْ اسْتَأْلَفَ بِهِ أَوْ خَفَّ، كَإِعَارَةِ آلَةٍ، وَدَفْعِ كِسْرَةٍ
وَيُبْضِعَ
وَيُقَارِضَ
ــ
[منح الجليل]
(وَلَهُ) أَيْ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْمُفَاوَضَةِ (أَنْ يَتَبَرَّعَ) بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ (إنْ اسْتَأْلَفَ) الْمُتَبَرِّعُ (بِهِ) أَيْ التَّبَرُّعِ لِلتِّجَارَةِ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ وَنَحْوِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْلِفْ بِهِ مُنِعَ وَيُحْسَبُ عَلَيْهِ مِمَّا يَخُصُّهُ (أَوْ) لَمْ يَسْتَأْلِفْ بِهِ لَهَا و (خَفَّ) أَيْ قَلَّ الْمُتَبَرَّعُ بِهِ (كَإِعَارَةِ آلَةٍ) جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِعَارَتِهَا كَدَلْوٍ وَفَأْسٍ وَرَحًى (وَدَفْعِ كِسْرَةٍ) مِنْ رَغِيفٍ لِفَقِيرٍ وَشَرْبَةِ مَاءٍ وَإِعَارَةِ غُلَامٍ لِنَحْوِ سَقْيِ دَابَّةٍ. وَمَفْهُومُ خَفَّ مَنْعُ الْكَثِيرِ فِيهَا وَإِنْ أَخَّرَ أَحَدُهُمَا غَرِيمًا بِدَيْنٍ أَوْ وَضَعَ لَهُ مِنْهُ نَظَرًا وَاسْتِئْلَافًا فِي التِّجَارَةِ لِيَشْتَرِيَ مِنْهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ جَازَ، وَكَذَلِكَ وَكِيلُ الْبَيْعِ إذَا فَوَّضَ إلَيْهِ وَمَا صَنَعَهُ غَيْرُ مُفَوَّضٍ إلَيْهِ مِنْ شَرِيكٍ أَوْ وَكِيلٍ فَلَا يَلْزَمُ، وَلَكِنْ يَلْزَمُ الشَّرِيكَ فِي حِصَّتِهِ وَيَرُدُّ صَنِيعَ الْوَكِيلِ إلَّا أَنْ يَهْلِكَ مَا صَنَعَهُ الْوَكِيلُ فَيَضْمَنُهُ. اهـ. وَفِيهَا أَيْضًا لَيْسَ لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يُعِيرَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا أَنْ يُوسِعَ لَهُ فِيهِ شَرِيكُهُ، أَوْ يَكُونَ شَيْئًا خَفِيفًا كَعَارِيَّةِ غُلَامٍ لِيَسْقِيَ دَابَّةً وَنَحْوِهِ، فَأَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَالْعَارِيَّةُ مِنْ الْمَعْرُوفِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا فِعْلُهُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ اسْتِئْلَافًا لِلتِّجَارَةِ. وَإِنْ وَهَبَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَعَارَ عَلَى الْمَعْرُوفِ ضَمِنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ إلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ لِلِاسْتِئْلَافِ فَلَا يَضْمَنُ
(وَ) لَهُ أَنْ (يُبْضِعَ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَكَسْرٍ أَيْ يَدْفَعُ مَالًا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ لِمَنْ يَشْتَرِي بِهِ بِضَاعَةً مَعْلُومَةً مِنْ بَلَدِ كَذَا وَيُرْسِلُهَا أَوْ يَقْدُمُ بِهَا لِلشَّرِيكَيْنِ
(وَ) لَهُ أَنْ (يُقَارِضَ) أَيْ يَدْفَعُ مَالًا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ لِمَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ رِبْحِهِ فِيهَا لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يُبْضِعَ وَيُقَارِضَ دُونَ إذْنِ الْآخَرِ. اللَّخْمِيُّ إذَا كَانَ الْمَالُ وَاسِعًا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضْلٌ عَنْهُمَا فَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ نَظَرِهِ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ فِي شَيْءٍ بَارَ عَلَيْهِمَا وَبَلَغَهُ نَفَاقُهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَلَا يَجِدُ لِلسَّفَرِ بِهِ إلَيْهِ سَبِيلًا، أَوْ يَبْلُغُهُ عَنْ سِلَعٍ صَلَاحًا بِبَلَدٍ فَيَبْعَثُ مَا يُشْبِهُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ مِنْ مِثْلِ مَا بِأَيْدِيهِمَا، وَمِثْلُ هَذَا يُعْرَفُ عِنْدَ نُزُولِهِ نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ وِفَاقٌ لَهَا.
وَيُودِعَ لِعُذْرٍ، وَإِلَّا ضَمِنَ
وَيُشَارِكُ فِي مُعَيَّنٍ
ــ
[منح الجليل]
وَ) لَهُ أَنْ (يُودِعَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الدَّالِ مَالَ الْمُفَاوَضَةِ عِنْدَ أَمِينٍ (لِعُذْرٍ) كَهَدْمِ جِدَارٍ وَحُدُوثِ جَارِ سَوْءٍ وَحُدُوثِ فِتْنَةٍ وَسَفَرٍ وَدُخُولِ حَمَّامٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِيدَاعُ لِعُذْرٍ وَضَاعَ الْمَالُ (ضَمِنَ) الْمُودِعُ بِالْكَسْرِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ مِمَّا أَوْدَعَهُ. اللَّخْمِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُودَعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إلَّا لِعُذْرٍ، وَكَذَلِكَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ، وَلَهُ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ اخْتِيَارًا بِلَا عُذْرٍ. فَإِنْ مَاتَ الْمُودِعُ وَلَمْ تُوجَدْ الْوَدِيعَةُ كَانَتْ فِي ذِمَّتِهِ كَانَ مُفَاوَضًا أَمْ لَا، وَفِيهَا وَأَمَّا إيدَاعُهُ فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَنُزُولِهِ بَلَدًا فَرَأَى أَنْ يُودِعَ، إذْ مَنْزِلَةُ الْفُنْدُقِ وَلَا يُؤْمَنُ مِنْ السَّرِقَةِ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ أَوْدَعَ لِغَيْرِ عُذْرٍ ضَمِنَهُ. أَبُو الْحَسَنِ فَذَلِكَ لَهُ أَيْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لَهُ لِدَفْعِ تَوَهُّمٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَلَهُ) أَنْ (يُشَارِكَ فِي) مَالٍ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ (مُعَيَّنٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَالتَّحْتِيَّةِ مُشَدَّدَةً شَرِكَةَ غَيْرَ مُفَاوَضَةٍ، كَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَلِذَا قَالَ الْبِسَاطِيُّ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ بِغَيْرِ الْمُفَاوَضَةِ لِأَنَّهُ قَدَّمَ أَنَّهَا تَكُونُ فِي الْمُعَيَّنِ. طفي بَلْ وَلَوْ مُفَاوَضَةٌ فِي الْمُعَيَّنِ وَغَرَّهُ قَوْلُهَا، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُفَاوِضَ شَرِيكًا إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ.
وَأَمَّا إنْ شَارَكَهُ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا غَيْرِ شَرِكَةِ مُفَاوَضَةٍ فَجَائِزٌ لِأَنَّهَا تِجَارَةٌ مِنْ التِّجَارَاتِ. اهـ. وَلَيْسَ مَعْنَاهُ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهَا غَيْرُ شَرِكَةِ مُفَاوَضَةٍ فِي تِلْكَ السِّلْعَةِ بِعَيْنِهَا، بَلْ مُرَادُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشَارِكَهُ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ حَتَّى يَكُونَ ثَالِثَهُمَا، فَفِي شَرْحِهَا اللَّخْمِيُّ مُشَارَكَتُهُ ثَالِثًا إنْ شَارَكَهُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ سِلْعَةٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ بِدَنَانِيرَ يُخْرِجُهَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَيُشَارِكُ بِهَا آخَرَ لِيَتَّجِرَ فِي ذَلِكَ جَازَ، فَإِنْ جَعَلَهُ ثَالِثًا لَهُمَا لَمْ يَجُزْ فَقَوْلُهُ فِيهَا غَيْرُ مُفَاوَضَةٍ أَيْ بِجَعْلِهِ ثَالِثًا لَهُمَا.
أَبُو الْحَسَنِ فِي قَوْلِهَا وَلِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يُبْضِعَ وَيُقَارِضَ دُونَ إذْنِ الْآخَرِ. ابْنُ يُونُسَ لِأَنَّ دَفْعَهُ الْبِضَاعَةَ وَمُقَارَضَةَ غَيْرِهِ وَشَرِكَتَهُ فِي سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ فِي سِلَعٍ مِنْ التِّجَارَةِ مُوَسَّعٌ لَهُ فِيهِ. وَأَمَّا شَرِكَتُهُ شَرِكَةُ مُفَاوَضَةٍ فَقَدْ مَلَكَ هَذَا الشَّرِيكُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الشَّرِيكِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَحُزْ ذَلِكَ عَلَيْهِ. اهـ. فَجَعَلَ مَحَلَّ الْمَنْعِ حَيْثُ جَعَلَهُ ثَالِثًا فَصَحَّ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ كَمَا
وَيُقِيلَ
وَيُوَلِّيَ
ويَقْبَلَ الْمَعِيبَ وَإِنْ أَبَى الْآخَرُ
وَيُقِرُّ بِدَيْنٍ لِمَنْ لَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ
وَيَبِيعَ بِالدَّيْنِ
لَا الشِّرَاءُ بِهِ
ــ
[منح الجليل]
أَطْلَقَ غَيْرُهُ وَتَبِعَهُ فِي الشَّامِلِ، وَفَسَدَ التَّقْيِيدُ. وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ لَا بُدَّ مِنْ التَّقْيِيدِ. اهـ. الْبُنَانِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ وَاللَّخْمِيِّ لِمَا قَالَهُ الْبِسَاطِيُّ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) لَهُ أَنْ (يُقِيلَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى وَكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ أَيْ يَرُدُّ سِلْعَةً لِلشَّرِكَةِ بِثَمَنِهَا الَّذِي بَاعَهَا بِهِ هُوَ أَوْ شَرِيكُهُ
(وَ) لَهُ أَنْ (يُوَلِّيَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُشَدَّدَةً، أَيْ يَبِيعُ سِلْعَةً مُشْتَرَكَةً بِمِثْلِ ثَمَنِهَا إذَا خَافَ كَسَادَهَا أَوْ خُسْرَهَا، وَلَعَلَّ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ مَا لَمْ يُجَابَّ.
(وَ) لَهُ أَنْ (يَقْبَلَ الْمَعِيبَ) أَيْ الْمَرْدُودَ بَعْدَ بَيْعِهِ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ شِرَائِهِ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ مِنْهُمَا مَعًا إنْ رَضِيَ شَرِيكُهُ، بَلْ (وَإِنْ أَبَى) شَرِيكُهُ (الْآخَرُ) قَبُولَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُفَاوِضَ إذَا ظَهَرَ لَهُ عَيْبٌ قَدِيمٌ فِيمَا اشْتَرَاهُ أَوْ شَرِيكُهُ فَلَهُ قَبُولُهُ وَعَدَمُ رَدِّهِ عَلَى بَائِعِهِ، وَإِنْ أَبَى الْآخَرُ قَبُولَهُ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَرَضِيَهُ هُوَ أَوْ شَرِيكُهُ لَزِمَ ذَلِكَ الْآخَرَ، فَإِنْ رَدَّهُ مُبْتَاعُهُ وَرَضِيَهُ شَرِيكُهُ لَزِمَ رِضَاهُ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ عَالِمًا بِأَنَّهُ بِهِ لَزِمَ الشَّرِيكَ.
(وَ) لَهُ أَنْ (يُقِرُّ بِدَيْنٍ) فِي مَالِ الْمُفَاوَضَةِ، وَيَلْزَمُ مَا أَقَرَّ بِهِ الْآخَرَ إنْ كَانَ إقْرَارُهُ (لِمَنْ) أَيْ شَخْصٍ (لَا يُتَّهَمُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ مُشَدَّدَةً الْمُقِرُّ (عَلَيْهِ) بِالْكَذِبِ فِي إقْرَارِهِ لَهُ بِأَنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا غَيْرَ مُلَاطِفٍ لِلْمُقِرِّ أَوْ بَعِيدَ الْقَرَابَةِ كَذَلِكَ، فَإِنْ أَقَرَّ لِمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ كَأَبَوَيْهِ وَأَوْلَادِهِ وَصَدِيقِهِ فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ.
(وَ) لَهُ أَنْ (يَبِيعَ) سِلْعَةً مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ (بِالدَّيْنِ) لِأَجَلٍ مَعْلُومٍ عَلَى الْمَشْهُورِ
(لَا) يَجُوزُ لَهُ (الشِّرَاءُ) لِسِلْعَةٍ لِلْمُفَاوَضَةِ (بِهِ) أَيْ الدَّيْنِ. طفي سِوَى ابْنِ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِابْنِ شَاسٍ الشِّرَاءُ بِالْبَيْعِ فِي الْجَوَازِ فَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِقَوْلِهِ مَا قَالَهُ فِي الْبَيْعِ نَسِيئَةً هُوَ الْمَشْهُورُ وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَأَمَّا الشِّرَاءُ بِالدَّيْنِ فَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمُدَوَّنَةِ أَكْرَهُ أَنْ يُخْرِجَا مَالًا عَلَى أَنْ يَتَّجِرَا بِهِ وَبِالدِّينِ مُفَاوَضَةً، فَإِنْ فَعَلَا فَمَا اشْتَرَاهُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
مِنْهُمَا فَبَيْنَهُمَا وَإِنْ جَاوَزَ رُءُوسَ أَمْوَالِهَا، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ غَيْرَ أَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ قَالَ إذَا كَانَ الشِّرَاءُ عَلَى النَّقْدِ بَعْدَ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ جَازَ، وَهَذَا لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهُ. اهـ. فَتَبِعَهُ خَلِيلٌ فِي تَعَقُّبِهِ وَاسْتِدْلَالِهِ بِكَلَامِهَا، وَلِذَا فَرَّقَ فِي مُخْتَصَرِهِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ.
وَفِي اسْتِدْلَالِهِمَا عَلَى التَّعَقُّبِ بِكَلَامِهَا وَهْمٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ فِي تَعَاقُدِهِمَا عَلَى الشِّرَاءِ بِالدَّيْنِ، وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَيْسَ فِي ذَلِكَ فَبَيْنَهُمَا مَا بَيْنَ الضَّبِّ وَالنُّونِ، وَإِنَّمَا كَلَامُهَا فِي شَرِكَةِ الذِّمَمِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ فِي قَوْلِهَا الْمَذْكُورِ وَهَذِهِ تُفَسِّرُ مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَكَا بِمَالٍ قَلِيلٍ عَلَى أَنْ يَتَدَايَنَا، وَأَشَارَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهَا، أَمَّا الذِّمَمُ بِغَيْرِ مَالٍ عَلَى أَنْ يَضْمَنَا مَا ابْتَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَكَا بِمَالٍ قَلِيلٍ عَلَى أَنْ يَتَدَايَنَا.
وَأَرَادَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِبَعْضِ الشُّيُوخِ اللَّخْمِيَّ، قَالَ وَلَا يَشْتَرِي بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، فَإِنْ فَعَلَ وَكَانَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ فَيَكُونُ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي خَاصَّةً، ثُمَّ قَالَ يَجُوزُ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا لَا يَكُونُ ثَمَنُهُ مَعَهُ عَلَى النَّقْدِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، وَهَذَا مِمَّا لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْهُ، فَلَوْ اسْتَدَلَّا عَلَى تَعَقُّبِهَا بِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ كَمَا فَعَلَ ابْنُ فَرْحُونٍ لَأَجَادَا.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ لَيْسَ هُوَ الْمَذْهَبَ، وَلِذَا لَمْ يُدْرِجْ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ، وَقَدْ أَقَرَّ كَلَامَهُمَا ابْنُ عَرَفَةَ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى تَعَقُّبِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِحَالٍ، وَقَدْ نَازَعَ الْبِسَاطِيُّ الْمُصَنِّفَ فِي اسْتِدْلَالِهِ بِكَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ بِمَا قُلْنَاهُ، قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى بَابِهَا، وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ لَا يُنَافِيهَا اهـ. فَانْظُرْ كَيْفَ يَلْتَئِمُ هَذَا الْكَلَامُ مَعَ التَّعَقُّبِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ فَرْضَ ابْنِ الْحَاجِبِ خِلَافُ فَرْضِهَا فَكَيْفَ لَا يُنَافِيهَا. وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَقَدْ حَمَلَهَا أَبُو الْحَسَنِ عَلَى الْمَنْعِ قَائِلًا لِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ فَسْخٌ فَكُلُّ مَا يُفْسَخُ إذَا وَقَعَ تَكُونُ الْكَرَاهَةُ فِيهِ الْمَنْعَ اهـ كَلَامُ طفي.
الْبُنَانِيُّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْجَوَازَ هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا عِنْدَ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ صَوَابٌ، إذْ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي قَوْلِهَا وَمَا ابْتَاعَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مِنْ بَيْعٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ لَزِمَ
كَكِتَابَةٍ،
ــ
[منح الجليل]
الْآخَرَ وَيَتْبَعُ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ أَوْ الْقِيمَةِ فِي فَوْتِ الْفَاسِدِ أَيَّهُمَا شَاءَ. اهـ. وَهُوَ يَشْمَلُ الشِّرَاءَ بِالنَّقْدِ وَبِالدَّيْنِ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِالْجَوَازِ، وَنَصُّ السَّمَاعِ أَصْبَغُ ابْنُ الْقَاسِمِ سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا عَلَى أَخْذِ مَتَاعٍ بِدَيْنٍ يَكُونُ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا وَلَهُمَا مَالٌ أَوْ لَا مَالَ لَهُمَا، قَالَ إنْ كَانَا يَشْتَرِكَانِ فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا يَشْتَرِيَانِهَا بِدَيْنٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ كَانَ لَهُمَا رَأْسُ مَالٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ كَانَا إنَّمَا يَشْتَرِكَانِ عَلَى مَا يَشْتَرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولَانِ مَا اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِدَيْنٍ وَلَا مَالَ لَهُمَا فَنَحْنُ فِيهِ شُرَكَاءُ فَلَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ.
أَصْبَغُ فَإِنْ وَقَعَ نَفَذَ عَلَى سُنَّةِ الشَّرِكَةِ وَضَمِنَاهُ جَمِيعًا وَفُسِخَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ وَمِثْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَهُوَ مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ إنَّهُمَا إنْ اشْتَرَكَا فِي سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا بِدَيْنٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَهُمَا شَرِيكَانِ فِيهَا كَانَ لَهُمَا مَالٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَالٌ، فَإِنْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ عَلَيْهِمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا حِصَّةُ حَقِّهِ مِنْ الثَّمَنِ النِّصْفُ إنْ كَانَتْ شَرِكَتُهُمَا عَلَى النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثُ أَوْ الثُّلُثَانِ إنْ كَانَتْ شَرِكَتُهُمَا عَلَى أَنَّ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثَ وَلِلْآخِرِ الثُّلُثَانِ أَوْ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ، إلَّا أَنْ يَكُونَا شُرَكَاءَ عَقْدٍ قَدْ اشْتَرَكَا شَرِكَةً صَحِيحَةً عَلَى مَالٍ لَهُمَا فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَامِنًا لِثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ صَاحِبُهُ بِدَيْنٍ اجْتَمَعَا فِي أَخْذِ الْمَتَاعِ بِالدَّيْنِ أَوْ افْتَرَقَا.
وَأَمَّا إنْ اشْتَرَكَا وَلَا مَالَ لَهُمَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِالدَّيْنِ وَيَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِي ذَلِكَ يَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ صَاحِبُهُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا قَالَ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ بِالذِّمَمِ وَلَا تَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - الشَّرِكَةُ بِالذِّمَمِ لِأَنَّهَا غَرَرٌ اهـ. فَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَا شُرَكَاءَ عَقْدٍ نُصَّ فِيمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا ابْنُ رُشْدٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْبَيَانَ، وَعَلَيْهِ دَرَجَ الْمُتَيْطِيُّ وَابْنُ هَارُونَ وَابْنُ سَلْمُونٍ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ مَا لِلَّخْمِيِّ، وَرَدُّ مَا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفِ، وَإِنَّ الْجَوَازَ هُوَ الْمَذْهَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ إلَّا بِإِذْنِ الشَّرِيكِ فَقَالَ: (كَكِتَابَةٍ) لِرَقِيقٍ مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ
وَعِتْقٍ عَلَى مَالٍ
وَإِذْنٍ لِعَبْدٍ فِي تِجَارَةٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ
وَاسْتَبَدَّ آخِذُ قِرَاضٍ
وَمُسْتَعِيرُ دَابَّةٍ بِلَا إذْنٍ، وَإِنْ لِلشَّرِكَةِ
ــ
[منح الجليل]
فَلَا تَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا عِتْقٌ (وَعِتْقٍ) الرَّقِيقَ مِنْهُ (عَلَى مَالٍ) مُعَجَّلٍ مِنْ الرَّقِيقِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ لِأَنَّ لَهُ انْتِزَاعَهُ بِلَا عِتْقٍ وَأَمَّا مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِثْلِ قِيمَتِهِ فَيَجُوزُ كَبَيْعِهِ
(وَ) كَ (إذْنٍ لِعَبْدٍ) مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ (فِي تِجَارَةٍ) فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ (أَوْ) شَرِكَةٍ (مُفَاوَضَةٍ) فِي مَالِ الْمُفَاوَضَةِ لِثَالِثٍ تَجُولُ يَدُهُ فِيهِ مَعَهُمَا فَلَا تَجُوزُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ
(وَاسْتَبَدَّ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَشَدِّ الدَّالِ أَيْ اسْتَقَلَّ وَاخْتَصَّ شَرِيكُ مُفَاوَضَةٍ (آخِذُ) بِمَدِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (قِرَاضٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ مَالٍ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ يَتَّجِرُ فِيهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ رِبْحِهِ بِالرِّبْحِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ شَرِيكُهُ فِي أَخْذِهِ لِأَنَّهُ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ فِيهِ الْخَارِجِ عَنْ الْمُفَاوَضَةِ فَلَا شَيْءَ لِشَرِيكِهِ فِيهِ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ
(وَ) اسْتَبَدَّ شَرِيكٌ مُفَاوَضٌ (مُسْتَعِيرُ دَابَّةٍ) لِحَمْلِ أَمْتِعَةِ الْمُفَاوَضَةِ (بِلَا إذْنٍ) مِنْ شَرِيكِهِ (وَإِنْ) اسْتَعَارَهَا (لِ) حَمْلِ سِلَعِ (الشَّرِكَةِ) وَاوُهُ لِلْحَالِ وَإِنْ صِلَةٌ فَيَخْتَصُّ بِالرِّبْحِ أَيْ أُجْرَةِ الْحَمْلِ وَالْخُسْرِ، أَيْ ضَمَانُ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ مَعَهَا كَلِجَامٍ وَإِكَافٍ. الْحَطّ أَشَارَ إلَى قَوْلِهَا وَإِنْ اسْتَعَارَ أَحَدُهُمَا مَا حَمَلَ عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ أَوْ مَالَ الشَّرِكَةِ فَتَلَفَ فَضَمَانُهُ عَلَيْهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى شَرِيكِهِ لِأَنَّهُ يَقُولُ كُنْت اسْتَأْجَرْت فَلَا تَضَمُّنٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يَضْمَنُ الدَّابَّةَ الْمُسْتَعَارَةَ إلَّا بِالتَّعَدِّي عَلَيْهَا. أَبُو الْحَسَنِ ظَاهِرُهُ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الدَّابَّةِ، وَهَذَا بِخِلَافِ أَصْلِهِ فِيمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ فِي الْإِعَارَةِ إلَّا بِالتَّعَدِّي، فَذَهَبَ حَمْدِيسٌ إلَى أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ فِيمَا يُغْلَبُ عَلَيْهِ كَالْإِكَافِ. وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ يُرِيدُ بَعْدَ تَبَيُّنِ كَذِبِهِ فِي الْحَيَوَانِ فَقَوْلُ غَيْرِهِ تَفْسِيرٌ.
وَقَالَ الْقَابِسِيُّ إنَّهُ يَضْمَنُ الْحَيَوَانَ إذَا قَضَى بِهِ قَاضٍ يَرَى ذَلِكَ وَهُوَ رَأْيُ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَكَانَ قَاضِي مِصْرَ يَوْمَئِذٍ رَأَى ذَلِكَ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَعْنَى اسْتِبْدَادِهِ بِالْخُسْرِ هُنَا تَعَلُّقُ الضَّمَانِ بِهِ بِتَعَدِّيهِ أَوْ ظُهُورِ كَذِبِهِ أَوْ بِحُكْمِ مَنْ رَآهُ، وَأَمَّا اسْتِبْدَادُهُ بِالرِّبْحِ فَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ
وَمُتَّجِرٌ بِوَدِيعَةٍ بِالرِّبْحِ وَالْخُسُرِ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ شَرِيكُهُ بِتَعَدِّيهِ فِي الْوَدِيعَةِ؛
وَكُلٌّ وَكِيلٌ، فَيُرَدُّ عَلَى حَاضِرٍ لَمْ يَتَوَلَّ، كَالْغَائِبِ
ــ
[منح الجليل]
وَانْظُرْ هَلْ مَعْنَاهُ طَلَبُ شَرِيكِهِ بِمَا يَنْوِيهِ مِنْ كِرَائِهَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِيهِ اهـ. طفي فَرَضَ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِعَارَةَ فِي دَابَّةٍ تَبَعًا لِلَفْظِ التَّهْذِيبِ وَلَفْظِ الْأُمَّهَاتِ. وَإِنْ اسْتَعَارَ مَا حَمَلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَهَلَكَ فَضَمَانُهُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ غَيْرِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يَضْمَنُ الدَّابَّةَ إلَّا بِالتَّعَدِّي، ثُمَّ قَالَ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِتْيَانُ بِلَفْظِ الْأُمَّهَاتِ الْقَابِلِ لِلتَّأْوِيلَاتِ.
(وَ) اسْتَبَدَّ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ (مُتَّجِرٌ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا (بِوَدِيعَةٍ) عِنْدَهُ وَصِلَةُ اسْتَبَدَّ (بِالرِّبْحِ وَالْخُسْرِ) فِيهَا. طفي الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَجْمَلَ فِي قَوْلِهِ بِالرِّبْحِ وَالْخُسْرِ اتِّكَالًا عَلَى ذِهْنِ السَّمِيعِ اللَّبِيبِ فِي رَدِّ كُلِّ مَا يَلِيقُ بِهِ، إذْ الْعَارِيَّةُ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِبْدَادُهُ بِالرِّبْحِ فِيهَا، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُمَا فِيهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَى الضَّمَانِ وَذَكَرَهُمَا مَعًا فِي الْوَدِيعَةِ وَالْقِرَاضِ. وَأَمَّا تَصْوِيرُ عج فَمَعَ كَوْنِهِ لَا نَقْلٌ يُعَضِّدُهُ فَهُوَ بَعِيدٌ لَا يَكَادُ أَنْ يُقَالَ بِهِ، وَيَخْتَصُّ الْمُتَّجِرُ بِوَدِيعَةٍ بِالرِّبْحِ وَالْخُسْرِ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ شَرِيكُهُ بِتَعَدِّيهِ) بِالتَّجْرِ (فِي الْوَدِيعَةِ) وَيَرْضَى بِتَجْرِهِ فِيهَا فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَالْخُسْرُ عَلَيْهِمَا. وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ لِأَحَدِهِمَا وَدِيعَةً فَعَمَل فِيهَا تَعَدِّيًا فَرَبِحَ، فَإِنْ عَلِمَ شَرِيكُهُ بِالْعَدَاءِ وَرَضِيَ بِالتِّجَارَةِ بِهَا بَيْنَهُمَا فَالرِّبْحُ لَهُمَا وَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالرِّبْحُ لِلْمُتَعَدِّي وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ خَاصَّةً اهـ.
(وَكُلٌّ) مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ (وَكِيلٌ) أَيْ كَوَكِيلٍ عَنْ الْآخَرِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالِاكْتِرَاءِ وَالْإِكْرَاءِ وَالِاقْتِضَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالْقِيَامِ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَضَمَانِ الْعَيْبِ، وَلِذَا فَرَّعَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ (فَيُرَدُّ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَشَدِّ الدَّالِ مَا بَاعَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ غَابَ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ ظَهَرَ لِمُشْتَرِيهِ بَعْدَ شِرَائِهِ فَلَهُ رَدُّهُ بِهِ (عَلَى شَرِيكٍ حَاضِرٍ) لِبَائِعِهِ (لَمْ يَتَوَلَّ) أَيْ الشَّرِيكُ بَيْعَهُ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَمَّنْ تَوَلَّاهُ، فَإِنْ حَضَرَ الْمُتَوَلِّي فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي رَدُّهُ عَلَى غَيْرِهِ حَالَ كَوْنِ الرَّدِّ عَلَى الشَّرِيكِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّي (كَ) الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ (الْغَائِبِ) الَّذِي ظَهَرَ فِي مَبِيعِهِ عَيْبٌ قَدِيمٌ
إنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ، وَإِلَّا اُنْتُظِرَ
ــ
[منح الجليل]
لِمُشْتَرِيهِ بَعْدَ شِرَائِهِ فِي تَوَقُّفِهِ عَلَى إثْبَاتِ شِرَائِهِ بِعُهْدَةٍ وَتَارِيخُ الشِّرَاءِ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ فِي مَبْحَثِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ثُمَّ قَضَى إنْ أَثْبَتَ عُهْدَةً مُؤَرَّخَةً وَصِحَّةَ الشِّرَاءِ إلَخْ.
وَأَفَادَ شَرْطُ الرَّدِّ عَلَى الشَّرِيكِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّي بِقَوْلِهِ (إنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ) أَيْ الشَّرِيكِ الْغَائِبِ الَّذِي تَوَلَّى بَيْعَ الْمَعِيبِ كَعَشَرَةِ الْأَيَّامِ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ وَالْيَوْمَيْنِ مَعَ خَوْفِهِ وَإِنْ لَمْ تَطُلْ غَيْبَتُهُ فَلَيْسَ ضَمِيرُ غَيْبَتِهِ لِلْغَائِبِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} [فاطر: 11] فَاطِرٌ أَيْ مُعَمَّرٍ آخَرَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَبْعُدْ غَيْبَةُ الشَّرِيكِ الَّذِي تَوَلَّى الْبَيْعَ (اُنْتُظِرَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ، أَيْ أَخَّرَ الرَّدَّ إلَى قُدُومِهِ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِأَمْرِ الْمَبِيعِ وَلِئَلَّا تَكُونَ لَهُ حُجَّةٌ.
طفي قَوْلُهُ إنْ بَعُدَتْ غَيْبَتُهُ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَيَرُدُّ عَلَى حَاضِرٍ لَمْ يَتَوَلَّ وَالضَّمِيرُ لِلْغَائِبِ لَا يُفِيدُ أَنَّهُ الْمُتَقَدِّمُ، فَهُوَ مِنْ بَابِ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ، وَلَا يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ كَالْغَائِبِ، لِأَنَّ التَّفْصِيلَ بَيْنَ قُرْبِ الْغَيْبَةِ وَبَعْدَهَا إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي غَيْبَةِ الشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ. وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ كَالْغَائِبِ مَا قَدَّمَهُ فِي الْعُيُوبِ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ قُضِيَ إنْ أَثْبَتَ عُهْدَةً مُؤَرَّخَةً وَصِحَّةَ الشِّرَاءِ إلَخْ، وَهَذَا حَاصِلُ تَقْرِيرِ " غ "، وَنَصُّهُ أَصْلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ فِي آخِرَ كِتَابِ الشَّرِكَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا مِنْ أَحَدِهِمَا فَظَهَرَ عَيْبُهُ فَلَهُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِهِ إنْ كَانَ حَاضِرًا، أَوْ إنْ كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً قَرِيبَةً كَالْيَوْمِ وَنَحْوِهِ فَلْيَنْتَظِرْ لَعَلَّ لَهُ حُجَّةً.
وَإِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ بَعِيدَةً فَأَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً أَنَّهُ ابْتَاعَ عَلَى بَيْعِ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتِهِ نَظَرَ فِي الْعَيْبِ، فَإِنْ كَانَ قَدِيمًا لَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ بَعْدَ شِرَائِهِ رَدَّ الْعَبْدَ عَلَى الشَّرِيكِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَعَلَى الْمُبْتَاعِ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ وَإِلَّا حَلَفَ الشَّرِيكُ بِاَللَّهِ مَا عَلِمَ هَذَا الْعَيْبَ كَانَ عِنْدَنَا وَبَرِئَ؛ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُبْتَاعُ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهُ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ. اهـ. فَبِسَبَبِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ وَكِيلٌ لِلْآخَرِ يَرُدُّ وَاجِدُ الْعَيْبِ عَلَى حَاضِرٍ لَمْ يَتَوَلَّ الْبَيْعَ لِتَعَذُّرِ وُجُودِ الْغَائِبِ الَّذِي تَوَلَّاهُ حَالَ كَوْنِ هَذَا الرَّدِّ كَالرَّدِّ عَلَى كُلِّ غَائِبٍ فِي افْتِقَارِ الْمُشْتَرِي الرَّادِّ إلَى إثْبَاتِ أَنَّهُ ابْتَاعَ بَيْعَ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَتَهُ، ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الرَّدَّ عَلَى الْحَاضِرِ الَّذِي لَمْ
وَالرِّبْحُ وَالْخُسْرُ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ
وَتَفْسُدُ بِشَرْطِ التَّفَاوُتِ، وَلِكُلٍّ أَجْرُ عَمَلِهِ لِلْآخَرِ.
ــ
[منح الجليل]
يَتَوَلَّ إنَّمَا هُوَ إنْ بَعُدَتْ غَيْبَةُ شَرِيكِهِ الْغَائِبِ وَإِلَّا انْتَظَرَ، فَالشَّرْطُ رَاجِعٌ لِلْمُشَبَّهِ لَا لِلْمُشَبَّهِ بِهِ، وَبِهَذِهِ التَّمْشِيَةِ يَكُونُ كَلَامُهُ مُطَابِقًا لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مُتَضَمِّنًا لِفُصُوصٍ نَصُّهَا، فَلِلَّهِ دَرُّهُ مَا أَلْطَفَ إشَارَتَهُ.
فَإِنْ قُلْت وَأَيْنَ تَقَدَّمَ لَهُ الْغَائِبُ الَّذِي أَحَالَ عَلَيْهِ. قُلْت قَوْلُهُ فِي خِيَارِ النَّقِيصَةِ ثُمَّ قَضَى إنْ أَثْبَتَ عُهْدَةً مُؤَرَّخَةً وَصِحَّةَ الشِّرَاءِ.
فَإِنْ قُلْت عَوْدُ الضَّمِيرِ فِي غَيْبَتِهِ عَلَى الْغَائِبِ الْمُشَبَّهِ بِهِ يُغَيِّرُ فِي وَجْهِ هَذِهِ التَّمْشِيَةِ. قُلْت سَلَّمْنَا عَوْدَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرُدُّهُ لِلْغَائِبِ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ، فَقُصَارَاهُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ عِنْدِي دِرْهَمٌ وَنِصْفُهُ، وَقَدْ قِيلَ بِنَحْوِ هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} [العنكبوت: 62] وَفِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ} [فاطر: 11] وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَالرِّبْحُ) فِي مَالِ الشَّرِكَةِ (وَالْخُسْرُ) فِيهِ يُقْسَمُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ (بِقَدْرِ) أَصْلِ (الْمَالَيْنِ) الْمُشْتَرَكِ بِهِمَا وُجُوبًا تَسَاوَيَا أَوْ لَا
(وَتَفْسُدُ) الشَّرِكَةُ (بِشَرْطِ) أَيْ اشْتِرَاطِ (التَّفَاوُتِ) أَيْ قِسْمَةِ الرِّبْحِ وَالْخُسْرِ بِغَيْرِ قَدْرِ الْمَالَيْنِ فِي عَقْدِهَا كَكَوْنِ مِائَةٍ لِأَحَدِهِمَا وَخَمْسِينَ لِلْآخَرِ وَشَرَطَا قَسْمَ الرِّبْحِ بِالنِّصْفِ وكَوْنِ الْمَالَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ وَشَرَطَا لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَ الرِّبْحِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثَيْنِ، وَيُفْسَخُ قَبْلَ الْعَمَلِ وَإِنْ عَمَلَا قُسِمَ الرِّبْحُ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ.
(وَلِكُلٍّ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (أَجْرُ عَمَلِهِ لِلْآخَرِ)" غ " كَأَنَّهُ أَطْلَقَ أَجْرَ الْعَمَلِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَحَقِيقَتُهُ الْأُجْرَةُ التَّابِعَةُ لِلْعَمَلِ وَمَجَازُهُ الرِّبْحُ التَّابِعُ لِلْمَالِ، وَسَهَّلَ لَهُ هَذَا قَرِينَةُ قَوْلِهِ وَلِكُلٍّ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْجَانِبَيْنِ وَزِيَادَةُ الْعَمَلِ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمَا، وَكَذَا زِيَادَةُ الرِّبْحِ. فَإِذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثُ وَلِلْآخِرِ الثُّلُثَانِ وَشَرَطَا الْمُنَاصَفَةَ فِي الْعَمَلِ وَالرِّبْحِ فَيَرْجِعُ صَاحِبُ الثُّلُثَيْنِ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثِ بِسُدُسِ الرِّبْحِ وَصَاحِبُ الثُّلُثِ عَلَى صَاحِبِ الثُّلُثَيْنِ بِأُجْرَةِ سُدُسِ الْعَمَلِ.
وَلَهُ التَّبَرُّعُ، وَالسَّلَفُ، وَالْهِبَةُ بَعْدَ الْعَقْدِ
وَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي التَّلَفِ وَالْخُسْرِ
وَلِآخِذٍ لَائِقٍ لَهُ، وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ
وَحُمِلَ عَلَيْهِ فِي تَنَازُعِهِمَا
ــ
[منح الجليل]
(وَلَهُ) أَوْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (التَّبَرُّعُ) لِشَرِيكِهِ بِشَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ أَوْ الْعَمَلِ، وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ بِشَرْطٍ (وَ) لَهُ (السَّلَفُ) لِشَرِيكِهِ (وَ) لَهُ (الْهِبَةُ) لِشَرِيكِهِ وَتَنَازُعُ التَّبَرُّعِ وَالسَّلَفِ وَالْهِبَةِ (بَعْدَ الْعَقْدِ) لِلشَّرِكَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللَّاحِقَ لِلْعَقْدِ لَيْسَ كَالْوَاقِعِ فِيهِ فَهُوَ مَعْرُوفٌ، وَلَا تَجُوزُ قَبْلَهُ لِتَوَافُقِهِمَا عَلَى الْفَسَادِ. الْحَطّ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ غَازِيٍّ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِجَوَازِهَا بَعْدَهُ فِي كِتَابِ شَرِكَةِ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُمَا إذَا عَقَدَاهَا عَلَى شَرْطِ التَّفَاوُتِ تَفْسُدُ مَا نَصُّهُ، وَلَوْ صَحَّ عَقْدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ فِي الْمَالِ ثُمَّ تَطَوَّعَ الَّذِي لَهُ الْأَقَلُّ فَعَمَلَ فِي الْجَمِيعِ جَازَ وَلَا أَجْرَ لَهُ اهـ.
(وَإِنْ) ادَّعَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ تَلَفَ بَعْضِ مَالِ الشَّرِكَةِ الَّذِي بِيَدِهِ أَوْ خُسْرَهُ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ فَ (الْقَوْلُ لِمُدَّعِي التَّلَفِ) بِلَا تَجْرٍ، بَلْ بِنَحْوِ سَرِقَةٍ (وَالْخُسْرِ) بِالتَّجْرِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَيْهِ. وَفِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْجَوَاهِرِ تَقْيِيدُهُ بِعَدَمِ ظُهُورِ كَذِبِهِ، فَإِنْ اتَّهَمَهُ شَرِيكُهُ حَلَّفَهُ وَإِنْ ظَهَرَ كَذِبُهُ ضَمِنَ
(وَ) إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا شِرَاءَ شَيْءٍ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً وَالْآخَرُ اشْتَرَاهُ لِلشَّرِكَةِ فَالْقَوْلُ (لِآخِذِ) بِمَدِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ شَيْءٍ (لَائِقٍ) أَيْ مُشْبِهٍ وَمُنَاسِبٍ (لَهُ) مِنْ طَعَامٍ وَلِبَاسٍ لَا عُرُوضٍ وَعَقَارٍ وَحَيَوَانٍ غَيْرِ عَاقِلٍ أَوْ عَاقِلٍ وَلَوْ لَائِقًا بِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بِأَجِيرٍ فَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ فَلِشَرِيكِهِ الدُّخُولُ مَعَهُ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ اللَّائِقِ. (وَ) إنْ قَالَ أَحَدُهُمَا الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَنَا بِالنِّصْفِ وَالْآخَرُ بِالثُّلُثَيْنِ لَهُ وَالثُّلُثِ لِلْآخَرِ فَالْقَوْلُ (لِمُدَّعِي النِّصْفِ) بِيَمِينٍ
(وَحُمِلَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ الِاشْتِرَاكُ (عَلَيْهِ) أَيْ النِّصْفِ (فِي) حَالِ (تَنَازُعِهِمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ فِي كَوْنِ شَرِكَتِهِمَا بِالنِّصْفِ أَوْ غَيْرِهِ " غ "، لَعَلَّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَلِمُدَّعِي النِّصْفِ لِقَوْلِ ابْنِ يُونُسَ وَإِذَا أَشْرَكَ مِنْ مَالِهِ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُشْرِكَهُ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ أَشْرَكْتُك بِالرُّبْعِ وَالْآخَرُ بِالنِّصْفِ، وَقَالَا نَطَقْنَا بِهِ أَوْ أَضْمَرْنَاهُ بِغَيْرِ نُطْقٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى مِنْهُمَا النِّصْفَ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ أَحَدُهُمَا رُدَّ إلَيْهِ أَصْلُ شَرِكَتِهِمَا فِي الْقَضَاءِ وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً، فَعَلَى عَدَدِهِمْ، وَهَكَذَا مَا كَانُوا ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا إنْ أَشْرَكَ رَجُلًا فِي سِلْعَةٍ اشْتَرَاهَا مِمَّنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُشْرِكَهُ ثُمَّ اخْتَلَفَا هَكَذَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِيمَا نَوَيَا وَلَمْ يَنْطِقَا بِهِ كَانَتْ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ فَعَلَى عَدَدِهِمْ، وَقَالَ قَبْلَ هَذَا وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ شَرِيكُهُ ثُمَّ زَعَمَ أَنَّهُ شَرِيكُهُ بِالرُّبْعِ أَوْ إنَّمَا هُوَ شَرِيكُهُ فِي مِائَةِ دِينَارٍ فَإِنَّهُ شَرِيكُهُ بِالنِّصْفِ. اهـ. مَا قُصِدَ نَقْلُهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ يُونُسَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَصَدَ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ.
فَإِنْ قُلْت يَصِيرُ عَلَى هَذَا تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ آخِرَ فَصْلِ الْخِيَارِ وَإِنْ أَشْرَكَهُ حُمِلَ إنْ أَطْلَقَ عَلَى النِّصْفِ. قُلْت تَكْرَارُهُ مَعَ مَا طَالَ وَتُنُوسِيَ أَهْوَنُ مِنْ تَكْرَارِهِ مَعَ مَا يَلِيهِ وَحَمْلِهِ عَلَى تَنَازُعِهِمَا. عب وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيهَا مَنْ سَلِمَ لَهُ شَيْءٌ أَخَذَهُ، وَيُقْسَمُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بَيْنَهُمَا وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الصَّدَاقِ حَيْثُ قَالَ لَا إنْ طَلَّقَ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ وَجَهِلَتْ وَدَخَلَ بِإِحْدَاهُمَا وَلَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ لِلْمَدْخُولِ بِهَا الصَّدَاقُ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمِيرَاثِ، وَلِغَيْرِهَا رُبْعُهُ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الصَّدَاقِ، وَقَالَ غَيْرُهُمَا يُقْسَمُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ بَيْنَهُمَا عَلَى الدَّعْوَى إنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا كَالْعَوْلِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الشَّهَادَاتِ اهـ.
الْبُنَانِيُّ قَوْلُ ابْنِ زَمَنِينَ إلَخْ هَذَا مِنْ تَمَامِ قَوْلِ أَشْهَبَ وَقَدْ تَرَكَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ كَالْمُصَنِّفِ، فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ أَشْهَبَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ، وَعِبَارَةُ الشَّامِلِ أَوْلَى وَنَصُّهَا وَلَوْ ادَّعَى الثُّلُثَيْنِ وَالْآخَرُ النِّصْفَ دُفِعَ لِكُلٍّ مَا سَلِمَ لَهُ وَقُسِمَ السُّدُسُ بَيْنَهُمَا. وَقِيلَ
وَلِلِاشْتِرَاكِ فِيمَا بِيَدِ أَحَدِهِمَا، إلَّا لِبَيِّنَةٍ عَلَى: كَإِرْثِهِ، وَإِنْ قَالَتْ لَا نَعْلَمُ تَقَدُّمَهُ لَهَا إنْ شَهِدَ بِالْمُفَاوَضَةِ، وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ بِالْإِقْرَارِ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ.
ــ
[منح الجليل]
يَحْلِفَانِ وَيُنَصَّفُ. اهـ. وَكَانَ الْمُصَنِّفُ أَسْقَطَ الْيَمِينَ لِاسْتِشْكَالِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَهَا بِأَنْ حَلَفَ مَنْ ادَّعَى الثُّلُثَيْنِ لَهُ ثُمَّ يَأْخُذُ النِّصْفَ لَا يَحْتَمِلُهُ الْأُصُولُ، وَتَبِعَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَانْفَصَلَ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ أَشْهَبَ لَمْ يَبْنِ عَلَى رَعْيِ دَعْوَاهُمَا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَإِنَّمَا بَنَى عَلَى رَعْيِ تَسَاوِيهِمَا فِي الْحَوْزِ وَالْقَضَاءِ بِالْحَوْزِ لَا يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ بِهِ دُونَ يَمِينِ الْحَائِزِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ النِّصْفُ يُسَلِّمُهُ الْخَصْمُ.
(وَ) إنْ حَازَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ شَيْئًا وَادَّعَى اخْتِصَاصَهُ بِهِ وَقَالَ شَرِيكُهُ هُوَ مِنْ مَالٍ الْمُفَاوَضَةِ فَالْقَوْلُ (ل) مُدَّعِي (الِاشْتِرَاكِ فِيمَا) أَيْ الشَّيْءِ الَّذِي (بِيَدِ) أَيْ حَوْزِ (أَحَدِهِمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ دُونَ قَوْلِ مُدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ فِي كُلِّ حَالٍّ (إلَّا لِ) شَهَادَةِ (بَيِّنَةٍ عَلَى كَارِثَةٍ) أَيْ مُدَّعِي الِاخْتِصَاصِ الشَّيْءِ الَّذِي ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ فَيَخْتَصُّ بِهِ إنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ نَعْلَمُ تَأَخُّرَ إرْثِهِ عَنْ اشْتِرَاكِهِمَا، بَلْ (وَإِنْ قَالَتْ) الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِإِرْثِهِ (لَا نَعْلَمُ تَقَدُّمَهُ) أَيْ الْإِرْثِ وَلَا تَأَخُّرَهُ (لَهَا) أَيْ عَنْ الشَّرِكَةِ، وَأَمَّا إنْ قَالَتْ نَعْلَمُ تَقَدُّمَهُ عَلَيْهَا فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الِاشْتِرَاكِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ بِعَدَمِ إدْخَالِهِ فِيهَا فَالْأَقْسَامُ ثَلَاثَةٌ، وَذَكَرَ شَرْطَ كَوْنِ الْقَوْلِ الْمُدَّعِي الِاشْتِرَاكَ فِيمَا قَبْلُ إلَّا فَقَالَ (إنْ شُهِدَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (بِالْمُفَاوَضَةِ) بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ الْمُتَنَازِعَيْنِ، أَيْ بِتَصَرُّفِهِمَا تَصَرُّفَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَالْإِقْرَارِ مِنْهُمَا بِهَا وَأَوْلَى إنْ شُهِدَ بِعَقْدِ الْمُفَاوَضَةِ بَيْنَهُمَا، بَلْ (وَلَوْ لَمْ يُشْهَدْ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْهَاءِ (بِالْإِقْرَارِ) مِنْهُمَا (بِهَا) أَيْ الْمُفَاوَضَةِ (عَلَى الْأَصَحِّ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مِنْ الْخِلَافِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سَهْلٍ، فَأَشَارَ بِالْأَصَحِّ لِقَوْلِهِ فِي تَوْضِيحِهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ.
وَأَشَارَ بِوَ لِخِلَافِ ابْنِ الْقَطَّانِ وَابْنِ دَحُونٍ وَابْنُ الشَّقَّاقِ بِقَوْلِهِمْ لَا يَكْتَفِي بِذَلِكَ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ أَقَرَّا عِنْدَنَا بِالْمُفَاوَضَةِ وَأَشْهَدَانَا بِهَا. وَنَصُّ ابْنِ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ: أَفْتَى ابْنُ الْقَطَّانِ بِأَنَّ الشُّهُودَ إذَا قَالُوا نَعْرِفُ أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ مُتَفَاوِضَانِ فِي جَمِيعِ أَمْوَالِهِمَا إلَى آخِرِ
وَلِمُقِيمِ بَيِّنَةٍ بِأَخْذِ مِائَةٍ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ، إنْ أَشْهَدَ بِهَا عِنْدَ الْآخِذِ،
ــ
[منح الجليل]
الْعَقْدِ أَنَّهَا شَهَادَةٌ نَاقِصَةٌ لَا يَجِبُ بِهَا قَضَاءٌ بِشَرِكَةٍ بَيْنَهُمَا إذْ لَمْ يُفَسِّرُوا مَعْرِفَتَهُمْ بِهَا إنْ كَانَتْ بِإِشْهَارٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَوْ بِإِقْرَارٍ عِنْدَهُمْ بِذَلِكَ، إذْ يَجُوزُ أَنْ يَعْرِفُوا ذَلِكَ بِسَمَاعٍ يُذْكَرُ، وَهَذَا غَيْرُ عَامِلٍ، وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الشُّهُودُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ شَهِدْت الشُّورَى فِيهَا وَقَدْ نَزَلَتْ. وَقَالَ ابْنُ الشَّقَّاقِ وَابْنُ دَحُونٍ بِهَذَا وَنَفَذَ الْحُكْمُ بِهِ.
وَأَفْتَى ابْنُ مَالِكٍ بِأَنَّهُ يَحْسُنَ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ عُدُولُ الْبَيِّنَةِ الَّتِي قُيِّدَتْ بِهَا الشَّهَادَةُ عَنْ وَجْهِ مَعْرِفَتِهَا الْمُفَاوَضَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنْ فَسَّرُوا أَنَّهُمَا عَلِمَاهَا بِإِعْلَامِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إيَّاهُمَا بِذَلِكَ أُعْمِلَتْ الشَّهَادَةُ وَنَابَ الْحَاضِرُ مِنْهُمَا عَنْ الْغَائِبِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ قَرِيبٌ فَهُوَ أَتَمُّ وَأَطْيَبُ لِلنَّفْسِ وَأَوْلَى. أَبُو الْأَصْبَغِ قَوْلُهُ أَتَمُّ هُوَ نَصُّ ابْنِ الْقَطَّانِ فِي وَثَائِقِهِ. قَالَ فِي بَعْضِ عُقُودِهَا لِلْأَوْصِيَاءِ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْإِيصَاءَ الْمَذْكُورَ. ثُمَّ قَالَ إنْ قُلْت مِمَّنْ يَعْرِفُهُ بِإِشْهَادِهِ إيَّاهُ عَلَيْهِ فَهُوَ أَتَمُّ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ تَامَّةٌ عِنْدَهُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الشَّاهِدُ الْوَجْهَ الَّذِي عَلِمَ بِهِ ذَلِكَ. وَذَكَرَ هُوَ وَابْنُ أَبِي زَمَنِينَ وَابْنُ الْهِنْدِيِّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كُتُبِهِمْ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْإِيصَاءَ، وَمِمَّنْ يَعْرِفُ لِلتَّوْكِيلِ مِنْ غَيْرِ تَبْيِينِ وَأَخْبَرَنِي ابْنُ عَتَّابٍ عَنْ أَبِي عُمَرَ الْإِشْبِيلِيِّ أَنَّهُ أَفْتَى فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ تَامَّةٌ مَعْمُولٌ بِهَا، وَنَحْوُهُ فِي أَحْكَامِ ابْنِ زِيَادٍ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مُفَاوَضَةٌ وَلَمْ تَشْتَرِطْ تَعْيِينًا فَالتَّعْوِيلُ عَلَى هَذَا أَوْلَى مِنْ التَّعْوِيلِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الشَّقَّاقِ وَابْنِ دَحُونٍ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي جَوَابِهِ عَنْهُمَا اهـ. كَلَامُ ابْنِ سَهْلٍ.
(وَ) إنْ أَخَذَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ مِائَةً مَثَلًا مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ وَادَّعَى رَدَّهَا لَهُ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ فِي رَدِّهَا لَهُ وَادَّعَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عِنْدَ أَخْذِهَا فَالْقَوْلُ (لِ) شَرِيكٍ (مُقِيمٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْقَافِ أَيْ مُشْهِدِ (بَيِّنَةٍ) عَلَى شَرِيكِهِ (بِأَخْذِ مِائَةٍ) مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ادَّعَى الْآخِذُ أَنَّهُ رَدَّهَا لَهُ وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ فَالْقَوْلُ لَهُ فِي (أَنَّهَا) أَيْ الْمِائَةَ (بَاقِيَةٌ) عِنْدَ أَخْذِهَا (إنْ شُهِدَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (بِهَا) أَيْ الْمِائَةِ (عِنْدَ الْآخِذِ) لَهَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، سَوَاءٌ طَالَتْ الْمُدَّةُ بَيْنَ أَخْذِهَا وَتَنَازُعِهِمَا أَمْ لَا فَلَا يَبْرَأُ مِنْهَا إلَّا بِإِشْهَادٍ عَلَى رَدِّهَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ (أَوْ) لَمْ
أَوْ قَصُرَتْ الْمُدَّةُ:
ــ
[منح الجليل]
يُشْهِدْ بِهَا عِنْدَ أَخْذِهَا و (قَصُرَتْ الْمُدَّةُ) بَيْنَ أَخْذِهَا وَتَنَازُعِهِمَا فِي رَدِّهَا، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ بِهَا عِنْدَهُ وَطَالَتْ الْمُدَّةُ فَالْقَوْلُ لِلْآخِذِ أَنَّهُ رَدَّهَا لَهُ.
الْمُصَنِّفُ الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ مُحَمَّدٍ بِالْإِشْهَادِ عِنْدَ الْأَخْذِ قَصْدُهُ لِلتَّوَثُّقِ كَالْإِشْهَادِ عَلَى الْمُودَعِ بِالْفَتْحِ عِنْدَ الْإِيدَاعِ، فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الرَّدِّ مَعَهُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ، فَالْأَوْلَى إنْ أَشْهَدَ بِهَا عِنْدَهُ رُبَاعِيًّا فِيهَا، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَأَقَامَ صَاحِبُهُ بَيِّنَةً أَنَّ مِائَةَ دِينَارٍ مِنْ الشَّرِكَةِ عِنْدَ الْمَيِّتِ فَلَمْ تُوجَدْ وَلَمْ يُعْلَمْ مَسْقَطُهَا، فَإِنْ قَرُبَ مَوْتُهُ مِنْ أَخْذِهَا فِيمَا يُظَنُّ أَنَّهُ لَمْ يَشْغَلْهَا فِي تِجَارَةٍ فَهِيَ فِي حِصَّتِهِ وَمَا تَطَاوَلَ وَقْتُهُ لَا يَلْزَمُهُ، أَرَأَيْت لَوْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ قَبَضَهَا مُنْذُ سَنَةٍ وَهُمَا يَتَّجِرَانِ أَيَلْزَمُهُ اهـ. وَفِي النَّوَادِرِ عَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلُ هَذَا وَبِأَنَّ مُحَمَّدًا قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ إنْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَخْذِهَا شَاهِدَيْنِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ رَدَّهَا وَإِنْ طَالَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إقْرَارُهُ بِلَا تَعَمُّدِ إشْهَادٍ وَلَا كِتَابٍ فَكَمَا قَالَ فِي صَدْرِ الْمَسْأَلَةِ اهـ.
ابْنُ عَرَفَةَ اُنْظُرْ قَوْلَهُ وَلَا كِتَابٍ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِكِتَابٍ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا أَخَذَهَا بِكِتَابٍ فَقَدْ وُثِّقَ آخِذُهَا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِدَلِيلٍ عَلَى الْبَرَاءَةِ اهـ. فِي التَّوْضِيحِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمُدَوَّنَةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ، وَأَمَّا إذَا أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَخْذِهَا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِإِشْهَادٍ بِأَنَّهُ رَدَّهَا طَالَ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ مُحَمَّدٍ بِقَوْلِهِ أَشْهَدَ كَوْنُ الْبَيِّنَةِ قُصِدَتْ لِلتَّوَثُّقِ كَالْبَيِّنَةِ الَّتِي لَا تُقْبَلُ مَعَهَا دَعْوَى رَدِّ الْوَدِيعَةِ قَالُوا هِيَ الَّتِي تُشُهِّدَ عَلَى دَفْعِهَا لِلْمُودِعِ. وَأَمَّا لَوْ دَفَعَ بِحَضْرَةِ قَوْمٍ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّوَثُّقَ بِشَهَادَتِهِمْ فَلَا، وَهَذَا الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ. وَأَمَّا إنْ كَانَ إقْرَارُهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ إشْهَادٍ فَكَمَا ذَكَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ قَوْلَهُ أَشْهَدُ بِهَمْزَةٍ فِي أَوَّلِهِ عَلَى أَنَّهُ رُبَاعِيٌّ، أَيْ أَشْهَدُ بِهَا قَاصِدًا التَّوَثُّقَ كَمَسْأَلَةِ الْمُودِعِ وَقَدْ نُبِّهَ عَلَى هَذَا " غ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَفَادَهُ الْحَطّ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ هُوَ الْإِشْهَادُ بِأَخْذِهَا لِقَصْدِ التَّوَثُّقِ، وَلَا يَسْقُطُ بِطُولٍ لِزَمَانٍ وَلَوْ زَادَ عَلَى عَشْرِ سِنِينَ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ، فَسَيَأْتِي فِي بَابِهَا فِي قَوْلِهِ إلَّا
كَدَفْعِ صَدَاقٍ عَنْهُ فِي أَنَّهُ مِنْ الْمُفَاوَضَةِ إلَّا أَنْ يَطُولَ كَسَنَةٍ، وَإِلَّا بِبَيِّنَةٍ عَلَى: كَإِرْثِهِ،
ــ
[منح الجليل]
كَعَشْرٍ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ إشْهَادٍ مَقْصُودٍ بِهِ التَّوَثُّقُ. وَأَمَّا مَعَهُ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِدَفْعِهَا بِإِشْهَادٍ، فَإِنْ مَاتَ الشَّرِيكُ وَلَمْ يُوصِي بِمَا أَشْهَدَ أَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِغَيْرِ إشْهَادٍ أَوْ بِإِشْهَادٍ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّوَثُّقُ فَيَكْفِي فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ بِهَا مُضِيُّ سَنَةٍ وَنَحْوِهَا، بِخِلَافِ الْوَدِيعَةِ كَمَا سَيَأْتِي. وَفَرَّقَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ الشَّرِيكَ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ رَدَّهَا بِخِلَافِ الْمُودِعِ.
الثَّانِي: عُلِمَ مِنْ هَذَا إنَّمَا يُفِيدُ حَيْثُ كَانَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ تَحْتَ يَدِ الْآخِذِ وَهُوَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ رَدَّ الْبَعْضَ الَّذِي أَخَذَهُ. وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ فَلَا يُفِيدُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمِائَةِ وَجَمِيعِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ إذَا أَشْهَدَ أَنَّهُ حَبَسَهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَإِنْ كَانَ الْإِشْهَادُ قُصِدَ لِلتَّوَثُّقِ بِهِ فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ وَإِلَّا فَلَا.
الثَّالِثُ: ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَوْ أَقَرَّ الشَّرِيكُ أَنَّ بِيَدِهِ مِائَةً مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فَفَرَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ بَيْنَ طُولِ الْمُدَّةِ وَقِصَرِهَا، وَلَوْ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَخَذَهَا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِالْإِشْهَادِ أَنَّهُ رَدَّهَا. اهـ. فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْآخِذِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَشَبَّهَ فِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى الضَّمَانَ لِلْمُفَاوَضَةِ فَقَالَ (كَدَفْعِ صَدَاقٍ) مِنْ أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ (عَنْهُ) أَيْ الْآخَرِ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَوْنَهُ مِنْ مَالِ الدَّافِعِ أَوْ الْمَدْفُوعِ عَنْهُ أَوْ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، ثُمَّ ادَّعَى الدَّافِعُ أَوْ وَارِثُهُ إنْ مَاتَ أَنَّهُ مِنْ مَالِ الدَّافِعِ وَادَّعَى الْمَدْفُوعُ عَنْهُ أَنَّهُ مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ، وَأَنَّهُ رَدَّهُ إلَيْهِ أَوْ عَكْسُهُ، أَيْ ادَّعَى الْمَدْفُوعُ أَنَّهُ مِنْ مَالِ الْخَاصِّ بِهِ وَالدَّافِعُ أَوْ وَارِثُهُ أَنَّهُ مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ، فَالْقَوْلُ لِلْمَدْفُوعِ عَنْهُ (فِي أَنَّهُ) أَيْ الصَّدَاقَ الْمَدْفُوعَ (مِنْ) مَالِ (الْمُفَاوَضَةِ) وَيُطَالَبُ بِهِ الْمَدْفُوعُ عَنْهُ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا أَنْ يَطُولَ) الزَّمَنُ بَيْنَ دَفْعِهِ وَالتَّنَازُعِ (كَسَنَةٍ) فَيُصَدَّقُ الْمَدْفُوعُ عَنْهُ فِي رَدِّهِ لَهَا، وَيَبْرَأُ مِنْهُ، وَهَذَا فِي صُورَةِ الْأَصْلِ وَلِلدَّافِعِ أَوْ وَارِثِهِ فِي أَنَّهُ مِنْهَا فِي صُورَةِ الْعَكْسِ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا لِ) شَهَادَةِ (بَيِّنَةٍ) بِأَنَّ الصَّدَاقَ الْمَدْفُوعَ حَصَلَ لِلْمَدْفُوعِ عَنْهُ (عَلَى كَإِرْثٍ) أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ
وَإِنْ قَالَتْ: لَا نَعْلَمُ
وَإِنْ أَقَرَّ وَاحِدٌ بَعْدَ تَفَرُّقٍ أَوْ مَوْتٍ: فَهُوَ شَاهِدٌ فِي غَيْرِ نَصِيبِهِ
ــ
[منح الجليل]
أَوْ خُلْعٍ أَوْ أَرْش جِنَايَةٍ أَوْ غَنِيمَةٍ أَوْ نَحْوَهَا، فَيُقْضَى لِلْمَدْفُوعِ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ مَالِهِ وَيَبْرَأُ مِنْهُ إنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ عَلِمْنَا تَأَخُّرَهُ عَنْ الْمُفَاوَضَةِ، بَلْ (وَإِنْ قَالَتْ) الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِأَنَّهُ مِنْ كَإِرْثٍ (لَا نَعْلَمُ) تَأَخُّرَهُ عَنْهَا.
" غ " فِي النَّوَادِرِ عَنْ ابْنِ سَحْنُونٍ سُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ رَجُلٍ دَفَعَ عَنْ أَخِيهِ وَهُوَ شَرِيكُهُ مُفَاوَضَةَ صَدَاقِ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ مِنْ مَالِهِ أَوْ مَالِ أَخِيهِ أَوْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ حَتَّى مَاتَ الدَّافِعُ فَقَامَ فِي ذَلِكَ وَرَثَتُهُ، وَقَالُوا هُوَ مِنْ مَالِ وَلِيِّنَا، فَأَجَابَ إذَا دَفَعَ وَهُمَا مُتَفَاوِضَانِ ثُمَّ أَقَامَا سِنِينَ كَثِيرَةً فِي تَفَاوُضِهِمَا لَا يَطْلُبُ أَخَاهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَهَذَا ضَعِيفٌ إنْ كَانَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ، فَذَلِكَ بَيْنَهُمَا شَطْرَيْنِ وَيُحَاسَبُ بِهِ الْبَاقِي إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حُجَّةٌ. اهـ. فَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْقَوْلَ لِمَنْ ادَّعَى أَنَّ الصَّدَاقَ الْمَدْفُوعَ مِنْ الْمُفَاوَضَةِ إلَّا فِي وَجْهَيْنِ، أَحَدِهِمَا، أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَطُولَ كَسَنَةٍ، وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ فِي التَّحْدِيدِ بِالسَّنَةِ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِ سَحْنُونٍ وَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ ذَلِكَ فَذَلِكَ بَيْنَهُمَا، وَرَأَى أَنَّ مَا عَارَضَ هَذَا الْمَفْهُومَ مِنْ قَوْلِهِ فِي مُقَابَلَةِ سِنِينَ كَثِيرَةٍ غَيْرَ مَقْصُودٍ.
وَثَانِيهِمَا: أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا لِبَيِّنَةٍ بِكَإِرْثِهِ، وَإِنْ قَالَتْ لَا نَعْلَمُ وَهَكَذَا هُوَ فِي عِدَّةِ نُسَخٍ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ قَبْلَ إلَّا، وَهُوَ كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْبَاقِي حُجَّةٌ، فَإِنَّ الْبَاقِي مِنْ الْأَخَوَيْنِ إنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنَّ الصَّدَاقَ الْمَدْفُوعَ كَانَ مِنْ إرْثٍ مَثَلًا كَانَ ذَلِكَ حُجَّةً لَهُ، وَإِنْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ لَا نَعْلَمُ تَأَخُّرَ هَذَا الْإِرْثِ عَنْ الْمُفَاوَضَةِ فَهَذَا أَمْثَلُ مَا انْقَدَحَ لَنَا فِي تَشْقِيقِ كَلَامِهِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَإِنْ أَقَرَّ وَاحِدٌ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِدَيْنٍ مَثَلًا تَدَايَنَاهُ حَالَ شَرِكَتِهِمَا، وَأَنَّهُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِمَا، وَصِلَةُ أَقَرَّ (بَعْدَ تَفَرُّقٍ) بَيْنَمَا مِنْ الشَّرِكَةِ (أَوْ) أَقَرَّ بِهِ (بَعْدَ مَوْتٍ) لِشَرِيكِهِ وَأَنْكَرَهُ شَرِيكُهُ أَوْ وَارِثُهُ (فَ) الْمُقِرُّ (شَاهِدٌ فِي غَيْرِ نَصِيبِهِ) أَيْ الْمُقِرُّ، فَإِنْ كَانَ عَدْلًا فَلِلْمُقَرِّ لَهُ إقَامَةُ آخَرَ مَعَهُ أَوْ الْحَلِفُ، وَيَسْتَحِقُّ نَصِيبَ غَيْرِهِ وَلَزِمَ الْمُقِرَّ نَصِيبُهُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ.
وَأُلْغِيَتْ نَفَقَتُهُمَا وَكِسْوَتُهُمَا، وَإِنْ بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ السِّعْرِ:
كَعِيَالِهِمَا إنْ تَقَارَبَا
ــ
[منح الجليل]
وَ) إنْ أَنْفَقَ كُلٌّ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ اكْتَسَى مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ (أُلْغِيَتْ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تُرِكَتْ وَلَمْ تُحْسَبْ (نَفَقَتُهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا (وَ) أُلْغِيَتْ (كِسْوَتُهُمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ لِأَنْفُسِهِمَا إنْ كَانَا بِبَلَدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِبَلَدَيْنِ مُتَّفِقَيْ السِّعْرِ لِلْمَأْكُولِ وَالْمَلْبُوسِ، بَلْ (وَإِنْ) كَانَا (بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ السِّعْرِ) لِذَلِكَ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ وَدُخُولِهِمَا عَلَيْهِ مِنْ قِلَّةِ مُؤْنَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَاسْتُسْهِلَ اخْتِلَافُ السِّعْرَيْنِ مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا أَقَامَ لِلتَّجْرِ قَالَهُ ابْنُ يُونُسَ.
وَشَبَّهَ فِي الْإِلْغَاءِ فَقَالَ (كَ) نَفَقَةِ وَكِسْوَةِ (عِيَالِهِمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ فَتُلْغَيْ أَيْضًا (إنْ تَقَارَبَا) أَيْ الْعِيَالَانِ عَدَدًا وَسِنًّا بِالْعُرْفِ وَلَوْ بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ السِّعْرِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا لِمَالِكٍ لَغْوُ نَفَقَتِهِمَا إنْ كَانَا ذَوَيْ عِيَالٍ وَلَوْ كَانَا بِبَلَدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ السِّعْرِ. الصِّقِلِّيُّ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ لِابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا إذَا تَقَارَبَا فِي الْعِيَالِ، ثُمَّ قَالَ التُّونُسِيُّ يَنْبَغِي لَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عِيَالٌ وَاخْتَلَفَ سِعْرُ بَلَدَيْهِمَا اخْتِلَافًا بَيِّنًا أَنْ تُحْسَبَ النَّفَقَةُ إذْ نَفَقَةُ الْعِيَالِ لَيْسَتْ مِنْ التَّجْرِ. اللَّخْمِيُّ الْقِيَاسُ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي قَرَارِهِ وَسِعْرِهِ أَغْلَى يُحَاسَبُ بِمَا بَيْنَ السِّعْرَيْنِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ لِتَجْرٍ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَغْلَاهُمَا فَلَا يُحَاسَبُ بِالْفَضْلِ لِأَنَّهُ خَرَجَ لِتَنْمِيَةِ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ فِي قَرَارِهِ وَكَانَ أَغْلَاهُمَا سِعْرًا مَنْ هُوَ فِي قَرَارِهِ دُونَ مَنْ خَرَجَ لِتَنْمِيَةِ الْمَالِ كَانَ لِأَقَلِّهِمَا سِعْرًا أَنْ يُحَاسِبَ الْآخَرَ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ نَفَقَةَ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ لِلْعَادَةِ، فَإِنْ كَانَتْ الْإِنْفَاقُ مِنْ الْوَسَطِ جَازَ عَلَى مَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ عَلَيْهِ وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ فِي الْإِنْفَاقِ، وَفِيهَا لِمَالِكٍ تُلْغَى النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا إنَّمَا أَنْفَقَا مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ وَالْكِسْوَةُ لَهُمَا وَلِعِيَالِهِمَا تُلْغَى لِأَنَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، قَالَ تُلْغَيْ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ مِنْ النَّفَقَةِ. قُلْت وَهَذَا نَصٌّ فِي لُزُومِ كِسْوَةِ مَنْ الْتَزَمَتْ نَفَقَتُهُ، وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِيهَا فِي النَّفَقَةِ، وَفِيهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ كِسْوَةً لَيْسَتْ مِمَّا يَبْتَذِلُهُ الْعِيَالُ مِثْلَ الْقَسِّيِّ وَالشَّوْكِيِّ وَالْوَشْيِ، فَهَذِهِ لَا تُلْغَيْ، وَأَسْقَطَ شَرْطًا وَهُوَ كَوْنُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً فَقَطْ.
وَإِلَّا حَسَبَا كَانْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِهِ
وَإِنْ اشْتَرَى جَارِيَةً لِنَفْسِهِ، فَلِلْآخَرِ رَدُّهَا؛ إلَّا لِلْوَطْءِ بِإِذْنِهِ
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كُلُّ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ إلْغَاءِ النَّفَقَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ عَلَى النِّصْفِ، فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الثُّلُثِ فَتُحْسَبُ نَفَقَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. اللَّخْمِيُّ وَإِنْ اشْتَرَكَا عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ وَتَسَاوَيَا فِي الْعِيَالِ فَلَا يُنْفِقُ صَاحِبُ الثُّلُثِ إلَّا بِقَدْرِ جُزْئِهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْفِقَ بِقَدْرِ عِيَالِهِ لِيُحَاسَبَ بِذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا إنْ عَقَدَا الشَّرِكَةَ عَلَى ذَلِكَ، لَوْ كَانَ تَطَوُّعًا بَعْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ كَانَ كَالسَّلَفِ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَقَارَبْ الْعَيَّالَانِ بِأَنْ اخْتَلَفَا عَدَدًا أَوْ سِنًّا اخْتِلَافًا غَيْرَ مُتَقَارِبٍ (حَسَبَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ مَا أَنْفَقَاهُ عَلَى عِيَالِهِمَا مَا لَمْ يَسْتَوِيَا. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنْ اكْتَفَى أَحَدُهُمَا بِجَرِيشِ الطَّعَامِ وَغَلِيظِ اللِّبَاسِ وَالْآخَرُ بِضِدِّهِمَا حُسِبَ كُلُّ مَا أَنْفَقَهُ. وَشَبَّهَ فِي الْحَسَبِ فَقَالَ (كَانْفِرَادِ أَحَدِهِمَا) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ (بِهِ) أَيْ الْعِيَالِ أَوْ الْإِنْفَاقِ فَيُحْسَبُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ مَا أَنْفَقَهُ عَلَى عِيَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عِيَالٌ وَوَلَدٌ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ عِيَالٌ وَلَا وَلَدٌ حَسَبُ كُلُّ مَا أُنْفِقَ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الشَّارِحِ و " ق " وَغَيْرِهِمَا.
ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا وَمَا اشْتَرَى مِنْ طَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ لِنَفْسِهِ وَلِعِيَالِهِ فَلِبَائِعِهِ أَخْذُ ثَمَنِهِ مِمَّنْ قُدِّرَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا لِأَنَّ مَالِكًا " رضي الله عنه " قَالَ إنَّهُ يُلْغَى. اللَّخْمِيُّ إنْ تُسَاوَى الْعِيَالَانِ فِي الْعَدَدِ وَتَبَايَنَا فِي السِّنِّ تَحَاسَبَا بِالْفَضْلِ كَتَبَايُنِ الْعَدَدِ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُبْتَذَلُ وَاشْتُرِيَتْ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَرِبْحُهَا لِلشَّرِكَةِ وَخَسَارَتُهَا عَلَى مُشْتَرِيهَا وَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ قَبْلَ وَزْنِ الثَّمَنِ فَلِلْآخَرِ مَنْعُهُ إلَّا عَلَى الْمُفَاضَلَةِ فِيهِ.
(وَإِنْ اشْتَرَى) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (جَارِيَةً لِنَفْسِهِ) لِاسْتِخْدَامِهَا أَوْ وَطِئَهَا وَلَمْ يَطَأْهَا وَدَفَعَ ثَمَنَهَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ (فَلِلْآخَرِ رَدُّهَا) أَيْ الْجَارِيَةِ لِلشَّرِكَةِ وَلَهُ تَرْكُهَا لِمُشْتَرِيهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا) إذَا كَانَ اشْتَرَاهَا (لِلْوَطْءِ بِإِذْنِهِ) أَيْ الْآخَرِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا لِلشَّرِكَةِ فَيَخْتَصُّ الْمُشْتَرِي بِهَا فَلَهُ رِبْحُهَا وَعَلَيْهِ خُسْرُهَا لِأَنَّ شَرِيكَهُ أَسْلَفَهُ نِصْفَ ثَمَنِهَا، وَكَذَا إذَا اشْتَرَاهَا بِإِذْنِهِ لِلْخِدْمَةِ، نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ،
وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً لِلشَّرِكَةِ بِإِذْنِهِ، أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَحَمَلَتْ قُوِّمَتْ،
ــ
[منح الجليل]
وَنَصُّ الْوَجْهِ الثَّانِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِنَفْسِهِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ عَلَى أَنْ يَضْمَنَهَا إنْ هَلَكَتْ فَلَهُ رِبْحُهَا وَعَلَيْهِ خَسَارَتُهَا، فَهَذَا قَدْ أَسْلَفَهُ شَرِيكُهُ نِصْفَ ثَمَنِهَا فَلَهُ النَّمَاءُ وَعَلَيْهِ النُّقْصَانُ.
وَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهَا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لِيَطَأهَا عَلَى أَنَّهَا لِلشَّرِكَةِ بِمَعْنَى أَنَّ الرِّبْحَ لَهُمَا وَالْخَسَارَةَ عَلَيْهِمَا فَنَصَّ اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّهَا كَالْمُحَلَّلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَطَأَهَا رُدَّتْ لِلشَّرِكَةِ، وَإِنْ وَطِئَهَا لَزِمَتْهُ قِيمَتُهَا جَبْرًا عَلَيْهِمَا فَاشْتَرَكَ هَذَا، وَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ وَافْتَرَقَا مِنْ أَنَّ الْأَوَّلَ اشْتَرَاهَا بِدُونِ إذْنِ شَرِيكِهِ، وَلِهَذَا قَالَ " غ " مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا بِالْوَطْءِ أَوْ بِإِذْنِهِ بِجَرِّ اللَّفْظَيْنِ بِالْبَاءِ، وَعَطْفِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِأَوْ بَدَلَ قَوْلِهِ إلَّا لِلْوَطْءِ. أَتَمُّ فَائِدَةٍ حَسْبَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ النُّسْخَةَ تُفِيدُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ، لَكِنْ فِي الْأَوَّلِ بِدُونِ إذْنِ شَرِيكِهِ. وَفِي الثَّانِي بِإِذْنِهِ، وَتُفِيدُ أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي الْوَجْهِ مَحِلُّهُ مَا لَمْ يَطَأْ.
(وَإِنْ وَطِئَ) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (جَارِيَةً) اشْتَرَاهَا (لِلشَّرِكَةِ) وَصِلَةُ وَطِئَ (بِإِذْنِهِ) أَيْ الشَّرِيكِ الْآخَرِ فِي وَطْئِهَا قُوِّمَتْ عَلَى وَاطِئِهَا جَبْرًا عَلَيْهِمَا، وَسَوَاءٌ حَمَلَتْ مِنْ وَطْئِهِ أَمْ لَا رَدًّا لِإِعَارَةِ الْفَرْجِ (أَوْ) وَطِئَهَا (بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ الشَّرِيكِ الْآخَرِ (وَحَمَلَتْ قُوِّمَتْ) بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْوَاوِ مُشَدَّدَةً عَلَى وَاطِئِهَا وُجُوبًا إنْ كَانَ مَلِيًّا. الْحَطّ تَنْبِيهٌ هَذَا أَنَّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي وُجُوبِ الْقِيمَةِ فَهُمَا مُخْتَلِفَانِ لِأَنَّهُ إنْ أُعْدِمَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَحَمَلَتْ الْأَمَةُ مِنْهُ فَلَا تُبَاعَ وَيُتْبَعُ بِقِيمَتِهَا فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَتُبَاعُ عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْهَا فِي الْمُحَلَّلَةِ، وَأَمَّا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي فَاَلَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ " رضي الله عنه " أَنَّ شَرِيكَهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ التَّمَسُّكِ بِنَصِيبِهِ وَإِتْبَاعِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ وَاتِّبَاعِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا يَوْمَ حَمْلِهَا فَيُبَاعُ نِصْفُهَا بَعْدَ وِلَادَتِهَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا فَيَأْخُذُهُ إنْ كَانَ كَفَافًا بِنِصْفِ قِيمَتِهَا وَتَبِعَهُ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ دَيْنًا، وَإِنْ نَقَصَ ثَمَنُ نِصْفِهَا عَنْ نِصْفِ قِيمَتِهَا اتَّبَعَهُ بِبَاقِيهِ وَبِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ، وَلَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْحُكْمِ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَتِهَا مَعَ نِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ قَالَهُ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ، وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ.
وَإِلَّا فَلِلْآخَرِ إبْقَاؤُهَا، أَوْ مُقَاوَاتُهَا
وَإِنْ اشْتَرَطَا نَفْيَ الِاسْتِبْدَادِ
ــ
[منح الجليل]
وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ مِنْ وَطْئِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ (خُيِّرَ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (فِي إبْقَائِهَا) أَيْ الْأَمَةِ لِلشَّرِكَةِ (وَتَقْوِيمِهَا) أَيْ الْأَمَةِ عَلَى وَاطِئِهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْقَذْفِ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا قَوْلُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَمُقَاوَمَتِهَا بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ وَيُرْجَعُ لِلْأَوَّلِ بِتَكَلُّفٍ، وَفِي بَعْضِهَا وَمُقَاوَاتُهَا أَيْ الْمُزَايَدَةِ فِيهَا حَتَّى تَقِفَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَهَذَا يُوَافِقُ مَا فِي كِتَابِ الشَّرِكَةِ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَكِنَّهُ خِلَافُ مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ شِرَائِهَا لِلشَّرِكَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ وَطْئِهَا ثُمَّ وَطْئِهَا وَشِرَائِهَا لَوَطِئَهَا عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لَهُمَا وَالْخَسَارَةَ عَلَيْهِمَا، وَمِثْلُهُمَا شِرَاؤُهُ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَوَطْئِهَا.
الثَّانِي: إذَا تَمَسَّكَ الشَّرِيكُ بِنَصِيبِهِ وَلَمْ يُقَوِّمْهَا مَنَعَ وَاطِئَهَا مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا لِئَلَّا يَعُودَ لِوَطْئِهَا وَيُعَاقَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَلَا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ وَلَكِنْ عُقُوبَتُهُ أَخَفُّ مِنْ عُقُوبَةِ الْعَالِمِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ. الْحَطّ هَذَا خِلَافُ قَوْلِهَا فِي كِتَابِ الْقَذْفِ إنْ وَطِئَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَمَةً بَيْنَهُمَا وَهُوَ عَالَمٌ بِتَحْرِيمِهِ فَلَا يُحَدُّ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَيُؤَدَّبُ إنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ.
الثَّالِثُ: ابْنُ عَرَفَةَ وَفِيهَا إنْ حَمَلَتْ قُوِّمَتْ عَلَى وَاطِئِهَا يَوْمَ وَطْئِهِ إنْ كَانَ مَلِيًّا وَلَحِقَ الْوَلَدُ بِهِ فَهِيَ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ وَلَا يَتَمَاسَكُ شَرِيكُهُ بِنَصِيبِهِ مِنْهَا. اللَّخْمِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " أَيْضًا تُقَوَّمُ يَوْمَ حَمَلَتْ. وَقِيلَ يَوْمَ الْحُكْمِ. وَعَنْ مَالِكٍ " رضي الله عنه " إنْ شَاءَ يَوْمَ الْوَطْءِ، وَإِنْ شَاءَ يَوْمَ الْحُكْمِ وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْوَاطِئُ مُعَسِّرًا فَقَالَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " مَرَّةً هِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِوَاطِئِهَا وَيَتْبَعُ بِقِيمَتِهَا دَيْنًا ثُمَّ رَجَعَ إلَى تَخْيِيرِ شَرِيكِهِ فِي تَمَاسُكِهِ بِنَصِيبِهِ مِنْهَا مَعَ اتِّبَاعِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ وَلَدِهَا، وَفِي تَقْوِيمِهِ نِصْفُهَا وَنِصْفُ قِيمَةِ وَلَدِهَا وَيُبَاع لَهُ نِصْفُهَا فَقَطْ فِيمَا لَزِمَ لَهُ.
(وَإِنْ شَرَطَا) أَيْ الشَّرِيكَانِ (نَفْيَ) أَيْ عَدَمِ (الِاسْتِبْدَادِ) بِالتَّصَرُّفِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا
فَعِنَانٌ
وَجَازَ لِذِي طَيْرٍ وَذِي طَيْرَةٍ: أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْفِرَاخِ
ــ
[منح الجليل]
فَ) الشَّرِكَةُ (عِنَانٌ) أَيْ تُسَمَّى بِهَذَا. ابْنُ عَرَفَةَ عِيَاضٌ ضَبَطْنَاهُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ، وَفِي بَعْضِ كُتُبِ اللُّغَةِ فَتْحُهَا وَلَمْ أَرَهُ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِفَتْحِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِكَسْرِهَا وَهِيَ جَائِزَةٌ وَلَازِمَةٌ. ابْنُ الْحَاجِبِ وَإِنْ شَرَطَا نَفْيَ الِاسْتِبْدَادِ لَزِمَ وَتُسَمَّى شَرِكَةَ الْعِنَانِ.
ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِ شَرِيكِهِ فِي حَضْرَتِهِ وَمَعَ غَيْبَتِهِ، فَلَوْ شَرَطَا أَنَّهُ لَا يَتَصَرَّفُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَّا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ وَمُوَافَقَتِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَعْنَى نَفْيِ الِاسْتِبْدَادِ لَزِمَ الشَّرْطُ، وَتُسَمَّى شَرِكَةَ عِنَانٍ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي تَسْمِيَتِهَا بِهَذَا الِاسْمِ حُصُولُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي نَوْعٍ مِنْ الْمَتْجَرِ أَوْ لَا. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ الشَّرِكَةُ فِي نَوْعٍ مَخْصُوصٍ سَوَاءٌ شُرِطَ ذَلِكَ الشَّرْطُ أَمْ لَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ الشَّرِكَةُ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ كَثَوْبٍ أَوْ دَابَّةٍ. وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهِ مِنْ مَاذَا هُوَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا. ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَمَّا شَرِكَةُ الْعِنَانِ فَلَا نَعْرِفُهَا مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ يَعْرِفُهَا، قِيلَ لَمْ يُعْرَفْ اسْتِعْمَالُ هَذَا اللَّفْظِ بِبَلَدِهِمْ. قُلْت وَقَدْ عَلَّقَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْحُكْمَ عَلَى شَرِكَةِ الْعِنَانِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ لَكِنَّهُ لَمْ يُفَسِّرْهَا.
(وَجَازَ لِذِي طَيْرٍ) ذَكَرٍ (وَذِي طَيْرَةٍ) أُنْثَى (أَنْ يَتَّفِقَا) أَيْ ذُو الطَّيْرِ وَذُو الطَّيْرَةِ عَلَى جَمِيعِ الطَّيْرِ وَالطَّيْرَةِ (عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْفِرَاخِ) الْحَاصِلَةِ مِنْهُمَا، رَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْحَمَامِ لِتَعَاوُنِهِمَا فِي الْحَضْنِ. ابْنُ سَلْمُونٍ سُئِلَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الشُّورَى عَنْ الرَّجُلِ يَجْعَلُ دِيكًا وَيَجْعَلُ الْآخَرُ دَجَاجَةً وَيَشْتَرِكَانِ فِي الْفَلَالِيسِ، فَقَالَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الدِّيكَ لَا يَحْضُنُ. قَالَ فَإِنْ جَعَلَ أَحَدُهُمَا حَمَامَةً أُنْثَى وَالْآخَرُ ذَكَرًا، قَالَ جَازَتْ الشَّرِكَةُ لِأَنَّ الذَّكَرَ يَحْضُنُ كَالْأُنْثَى، فَفِي شَرِكَةِ الْعُتْبِيَّةِ سَحْنُونٌ أَخْبَرْنَا ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فِي الرَّجُلِ يَأْتِي بِحَمَامَةٍ أُنْثَى وَيَأْتِي الْآخَرُ بِحَمَامَةٍ ذَكَرٍ، عَلَى أَنْ تَكُونَ الْفِرَاخُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفِرَاخَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا يَتَعَاوَنَانِ جَمِيعًا عَلَى الْحَضَانَةِ.
وَاشْتَرِ لِي وَلَك، فَوَكَالَةٌ. وَجَازَ: وَانْقُدْ عَنِّي، إنْ لَمْ يَقُلْ وَأَبِيعُهَا لَك،
ــ
[منح الجليل]
" غ " ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ هَذَا بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالْفَوَاتِ لِأَنَّهُ قَالَ هَذَا قِيَاسُ قَوْلِهِ فِي أَنَّ الزَّرْعَ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ لِصَاحِبَيْ الْعَمَلِ وَالْأَرْضِ يُرِيدُ وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْأُنْثَى عَلَى صَاحِبِ الذَّكَرِ بِمِثْلِ نِصْفِ بَيْضِ حَمَامَتِهِ، وَيَأْتِي عَلَى قِيَاسِ الْقَوْلِ بِأَنَّ الزَّرْعَ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ لِصَاحِبِ الْبَزْرِ أَنَّ الْفِرَاخَ لِصَاحِبِ الْأُنْثَى لِأَنَّ الْبَيْضَ لَهُ وَلِصَاحِبِ الذَّكَرِ قِيمَةُ حَضَانَتِهِ اهـ. الْبُنَانِيُّ قَوْلُهُ وَجَازَ لِذِي طَيْرٍ إلَخْ، ظَاهِرُهُ الْجَوَازُ ابْتِدَاءً وَهُوَ صَرِيحُ ابْنِ يُونُسَ، وَظَاهِرُ النَّوَادِرِ عَنْ الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَنَقَلَ " غ " أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَالْفَوَاتِ فَانْظُرْهُ.
تت تَنْبِيهٌ أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِذَوَيْ رَقِيقَيْنِ أَنْ يُزَوِّجَاهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْأَوْلَادِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَبِأَنَّ مِنْ جَاءَ لِشَخْصٍ بِبَيْضٍ، وَقَالَ لَهُ اجْعَلْهُ تَحْتَ دَجَاجَتِكَ وَالْفِرَاخُ بَيْنَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ كَمَا أَشْعَرَ لَكِنَّهُ لَمْ يُفِدْ الْحُكْمَ بَعْدَ الْوُقُوعِ، وَهُوَ أَنَّ الْفِرَاخَ لِصَاحِبِ الدَّجَاجَةِ وَلِصَاحِبِ الْبَيْضِ مِثْلُ بَيْضِهِ. زَادَ " غ " وَهُوَ مِثْلُ مَنْ جَاءَ بِقَمْحٍ لِرَجُلٍ وَقَالَ ازْرَعْهُ بِأَرْضِك وَمَا يَخْرُجُ بَيْنَنَا فَإِنَّمَا لَهُ مِثْلُهُ وَالزَّرْعُ لِرَبِّ الْأَرْضِ.
(وَ) إنْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ (اشْتَرِ) سِلْعَةَ كَذَا بِكَذَا (لِي وَلَك فَ) هِيَ (وَكَالَةٌ) عَلَى الشِّرَاءِ خَاصَّةً فَلَا تَتَعَدَّاهُ إلَى الْبَيْعِ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ الْخَاصَّةَ لَا يَتَعَدَّى الْوَكِيلُ فِيهَا لِغَيْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الْبِسَاطِيِّ فِيهِ مُنَاقَشَةٌ لَفْظِيَّةٌ وَهُوَ الْفَاءُ فِي غَيْرِ مَحِلِّهَا قَالَ تت (وَ) إنْ قَالَ اشْتَرِ لِي وَلَك (جَازَ) أَنْ يَقُولَ (وَانْقُدْ) بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ، أَيْ ادْفَعْ ثَمَنَ نَصِيبِي مِمَّا تَشْتَرِيهِ نِيَابَةً (عَنِّي) لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ يَصْنَعُهُ الْمَأْمُورُ مَعَ آمِرِهِ بِتَسْلِيفِهِ وَنِيَابَتِهِ عَنْهُ فِي الشِّرَاءِ (إنْ لَمْ يَقُلْ) الْآمِرُ (وَ) أَنَا (أَبِيعُهَا) أَيْ السِّلْعَةَ الَّتِي تَشْتَرِيهَا لِي وَلَك أَيْ أَتَوَلَّى بَيْعَهَا (لَك) أَيْ نِيَابَةً عَنْك فِي نَصِيبِك، فَإِنْ قَالَهُ امْتَنَعَ لِلسَّلَفِ بِمَنْفَعَةٍ وَهِيَ تَوَلِّي الْآمِرُ بَيْعَ نَصِيبِ الْمَأْمُورِ. الْبَاجِيَّ فَإِنْ وَقَعَ فَالسِّلْعَةُ بَيْنَهُمَا وَلَا يَلْزَمُ الْآمِرَ بَيْعُ نَصِيبِ الْمَأْمُورِ إلَّا تَطَوُّعًا أَوْ بِإِجَازَةٍ صَحِيحَةٍ، وَيَلْزَمُهُ مَا دَفَعَهُ
وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا
إلَّا أَنْ يَقُولَ: وَاحْبِسْهَا، فَكَالرَّهْنِ،
وَإِنْ أَسْلَفَ غَيْرَ الْمُشْتَرِي جَازَ، إلَّا لِكَبَصِيرَةِ الْمُشْتَرِي
ــ
[منح الجليل]
الْمَأْمُورُ عَنْهُ نَقْدًا، فَإِنْ كَانَ بَاعَ فَلَهُ جَعْلُ مِثْلِهِ فِي تَوَلِّيهِ بَيْعَ نَصِيبِ الْمَأْمُورِ وَلَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ النَّقْدِ لَأَمْسَكَ الْمَأْمُورُ وَلَا يُنْقَدُ وَهُمَا شَرِيكَانِ فِي السِّلْعَةِ فَيَبِيعُ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ مِنْهَا أَوْ يَسْتَأْجِرُ عَلَيْهِ مِنْ بِنَاءٍ.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْمَأْمُورِ (حَبْسُهَا) أَيْ مَنْعُ الْآمِرِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِهِ مِنْ السِّلْعَةِ لِلتَّوَثُّقِ فِيمَا دَفَعَهُ عَنْهُ مِنْ ثَمَنِ نَصِيبِهِ. الْبِسَاطِيُّ إنْ قُلْت لِلْبَائِعِ حَبَسَهَا حَتَّى يَقْبِضَ فَمَا الْفَرْقُ. قُلْت الْفَرْقُ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ عِوَضُ الثَّمَنِ، وَالْخَارِجَ مِنْ يَدِ الْمُسَلِّفِ لَيْسَ عِوَضَهُ فَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهَا وَفِي كُلِّ حَالٍ
(إلَّا أَنْ يَقُولَ) الْآمِرُ اشْتَرِ لِي وَلَك وَانْقُدْ عَنِّي (وَاحْبِسْهَا) حَتَّى أَدْفَعَ لَك نَصِيبِي مِنْ ثَمَنِهَا (فَ) يَصِيرُ نَصِيبُ الْآمِرِ مِنْ السِّلْعَةِ (كَالرَّهْنِ) عِنْدَ الْمَأْمُورِ فِيمَا يَدْفَعُهُ عَنْهُ أَيْ إذَا اشْتَرَيْتهَا وَصَارَتْ فِي مِلْكِي صَيَّرْتهَا رَهْنًا عِنْدَك فِيمَا تَدْفَعُهُ عَنِّي فَهُوَ عَقْدُ رَهْنٍ مُعَلَّقٌ عَلَى الْمِلْكِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَالرَّهْنِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يُغَابُ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى تَلَفِهِ وَعَدَمِهِ، وَلَعَلَّهُ قَالَ كَالرَّهْنِ لِاحْتِيَاطِهِ لِلَفْظٍ صَرِيحٍ مِنْ مَادَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ.
(وَإِنْ أَسْلَفَ غَيْرَ الْمُشْتَرِي) أَيْ الْآمِرُ الْمُشْتَرِي ثَمَنَ نَصِيبِهِ مِمَّا يَشْتَرِيهِ لَهُمَا، بِأَنْ قَالَ لَهُ خُذْ هَذَيْنِ الدِّينَارَيْنِ اشْتَرِ بِهِمَا سِلْعَةَ كَذَا لِي وَلَك وَانْقُدْهُمَا عَنِّي وَعَنْك، وَتَرُدَّ لِي عِوَضَ مَا تَدْفَعُهُ عَنْك إذَا تَيَسَّرَتْ (جَازَ) إسْلَافُ الْآمِرِ الْمَأْمُورَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا) إذَا كَانَ دَفْعُ الْآمِرِ عَنْ الْمَأْمُورِ (لِكَبَصِيرَةِ) أَيْ خِبْرَةِ وَمَعْرِفَةِ (الْمُشْتَرِي) بِالشِّرَاءِ أَوْ جَاهِهِ أَوْ حَظِّهِ، فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا.
وَفِي الْبَيَانِ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ إذَا صَحَّتْ النِّيَّةُ وَمَنْعُهُ إذَا قَصَدَ نَفْعَ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ حَيْثُ لَا نِيَّةَ. فِي الْعُتْبِيَّةِ سَحْنُونٌ أَخْبَرَنِي ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ " رضي الله عنه " أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ دَعَا أَخَاهُ إلَى أَنْ أَسُلَفَهُ ذَهَبًا وَيُخْرِجُ مِثْلَهُ وَيُشَارِكُهُ بِهِ وَيَتَّجِرَانِ جَمِيعًا بِهِمَا فِي مَوْضِعِهِمَا أَوْ يُسَافِرَانِ فِي ذَلِكَ، قَالَ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ مِنْهُ لِأَخِيهِ وَلَا
وَأُجْبِرَ عَلَيْهَا، إنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِسُوقِهِ، لَا لِكَسَفَرٍ وَقِنْيَةٍ، وَغَيْرُهُ حَاضِرٌ لَمْ يَتَكَلَّمْ مِنْ تُجَّارِهِ
ــ
[منح الجليل]
حَاجَةَ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ إلَّا الرِّفْقُ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ. وَأَمَّا إنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي بَصِيرَةٍ فِي الْبَيْعِ وَالِاشْتِرَاءِ وَإِنْقَاذِ التِّجَارَةِ وَتَعْلِيمِهِ وَنَحْوِهِ فَلَا خَيْرَ فِيهِ. وَقَالَ مَالِكٌ " رضي الله عنه " بَعْدَ هَذَا الْأَخِيرِ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَتَفْصِيلُهُ الْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ.
ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُهُ إذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَلَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ إلَّا الرِّفْقُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِارْتِفَاعِهِ بِمُشَارَكَتِهِ إيَّاهُ فِي وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ كَانَ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً، وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا» ، وَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا صَحَّتْ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذَا قَصَدَ بِهِ نَفْعَ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا فَرَأَى الْإِمَامُ مَرَّةً النِّيَّةَ فِيهِ مُحْتَمَلَةً فَسَأَلَ عَنْهَا وَصَدَّقَهُ فِيهَا وَمَرَّةً رَآهَا بَعِيدَةً، وَإِلَّا ظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ قَصَدَ نَفْعَ نَفْسِهِ بِدَلِيلِ سُؤَالِهِ إيَّاهُ الشَّرِكَةَ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ الشَّرِيكُ هُوَ الَّذِي سَأَلَهُ أَنْ يُسَلِّفَهُ وَيُشَارِكَهُ لَوَجَبَ أَنْ يَسْأَلَ فِي ذَلِكَ نِيَّتَهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا يُؤْمَرُ بِهِ ابْتِدَاءً وَيُنْهَى عَنْهُ، وَأَمَّا إنْ وَقَعَ وَادَّعَى أَنَّهُ قَصَدَ نَفْعَ نَفْسِهِ لِيَأْخُذَ سَلَفَهُ مُعَجَّلًا، إنْ كَانَ أَجَلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ إنْ كَانَ عَرْضًا وَفَاتَ، فَعَلَى الْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ ابْتِدَاءً لَا يُصَدَّقُ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ وَيُنْهَى عَنْهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ بِيَمِينِهِ وَيَأْخُذُ سَلَفَهُ مُعَجَّلًا اهـ. أَفَادَهُ الْحَطّ، وَانْظُرْ الْحُكْمَ إذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَمَلِ.
(وَأُجْبِرَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ الْمُشْتَرِي (عَلَيْهَا) أَيْ شَرِكَةٍ غَيْرُهُ مَعَهُ فِيمَا اشْتَرَاهُ (إنْ اشْتَرَى) الْمُشْتَرِي الَّذِي تَضَمَّنَهُ اشْتَرَى (شَيْئًا) طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَخَصَّهُ أَشْهَبُ بِالطَّعَامِ بِشَرْطِ كَوْنِ الشِّرَاءِ (بِسُوقِهِ) أَيْ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى بِالْفَتْحِ، وَكَوْنِ شِرَائِهِ لِلتِّجَارَةِ بِهِ فِي بَلَدِ الشِّرَاءِ (لَا) إنْ اشْتَرَاهُ (لِكَسَفَرٍ) بِهِ لِلتِّجَارَةِ بِبَلَدٍ آخَرَ (وَ) لَا إنْ اشْتَرَاهُ (لِقِنْيَةٍ) أَوْ عَاقِبَةٍ أَوْ مَهْرٍ أَوْ فِدَاءِ أَسِيرٍ، وَإِذَا نُوزِعَ فِي نِيَّتِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ بِقَرِينَةٍ كَكَثْرَةِ مَا اشْتَرَاهُ جِدًّا وَمِنْ الشُّرُوطِ شِرَاؤُهُ (وَغَيْرُهُ) أَيْ الْمُشْتَرِي وَاوُهُ لِلْحَالِ (حَاضِرٌ) الشِّرَاءَ (لَمْ يَتَكَلَّمْ) حَالَ كَوْنِهِ (مِنْ
لَا بِبَيْتِهِ وَهَلْ وَفِي الزُّقَاقِ لَا كَبَيْتِهِ؟ قَوْلَانِ.
وَجَازَتْ بِالْعَمَلِ، إنْ اتَّحَدَ، أَوْ تَلَازَمَ،
ــ
[منح الجليل]
تُجَّارِهِ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَشَدِّ الْجِيمِ جَمْعِ تَاجِرٍ، أَيْ الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى. فَلَوْ غَابَ غَيْرُهُ حِينَ شِرَائِهِ أَوْ حَضَرَ وَزَادَ فِي السَّوْمِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ تُجَّارِهِ فَلَا يُجْبَرُ. الْحَطّ بَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يُبَيِّنَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ إنَّمَا يَشْتَرِيهِ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ بَيَّنَ ذَلِكَ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى تَشْرِيكِ غَيْرِهِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، وَالْمُرَادُ تَبْيِينُهُ لِتُجَّارِ السِّلْعَةِ الَّذِينَ أَرَادُوا مُشَارَكَتَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَا لَمْ يُبَيِّنْ مُتَوَلِّي الشِّرَاءِ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُ أَحَدًا مِنْهُمْ وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ زَادَ، فَإِذَا بَيَّنَ هَكَذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ حَضَرَ دُخُولُهُ مَعَهُ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَتَكَلَّمْ أَنَّهُمْ لَوْ تَكَلَّمُوا حِينَ الشِّرَاءِ وَقَالُوا أَشْرَكْنَا فَقَالَ نَعَمْ أَوْ سَكَتَ لِجَبْرٍ بِالْأُولَى، وَلَهُ جَبْرُهُمْ عَلَى مُشَارَكَتِهِ إنْ امْتَنَعُوا مِنْهَا لِظُهُورِ خَسَارَةٍ، وَلَوْ قَالَ لَا لَا يُجْبَرُ لَهُمْ وَلَا يُجْبَرُونَ لَهُ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ اشْتَرَى أَنَّهُمْ لَوْ حَضَرُوا السَّوْمَ فَقَطْ وَاشْتَرَى بَعْدَ ذَهَابِهِمْ فَلَا يُجْبَرُ وَلَوْ قَالُوا لَهُ أَشْرِكْنَا وَلَكِنَّهُ يَحْلِفُ مَا اشْتَرَى لَهُ وَلَهُمْ وَلَوْ أَرَادَهُ هُوَ لَزِمَهُمْ لِسُؤَالِهِمْ، كَذَا فِي التَّوْضِيحِ.
وَصَرَّحَ بِمَفْهُومِ بِسُوقِهِ فَقَالَ (لَا) يُجْبَرُ عَلَيْهَا إنْ اشْتَرَاهَا (بِبَيْتِهِ) أَيْ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ أَوْ مَجْلِسِهِ أَوْ حَانُوتِهِ بِغَيْرِ سُوقِهِمَا اتِّفَاقًا قَالَهُ فِي الْبَيَانِ (وَهَلْ) يُجْبَرُ إنْ اشْتَرَى بِسُوقِهِ (وَفِي الزُّقَاقِ) بِزَايٍ وَقَافَيْنِ، أَيْ طَرِيقٍ غَيْرِ مُعَدٍّ لِلشِّرَاءِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ (لَا) الشِّرَاءُ فِي الزُّقَاقِ (كَ) الشِّرَاءِ فِي (بَيْتِهِ) فِي عَدَمِ الْجَبْرِ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْبَغَ وَغَيْرِهِ، الْجَوَابُ (قَوْلَانِ) مُسْتَوِيَانِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ حَكَاهُمَا فِي تَوْضِيحِهِ وَالشَّارِحُ، وَفِي الشَّامِلِ كَذَا فِي النُّسْخَةِ الَّتِي شَرَحَ عَلَيْهَا تت، وَفِي نُسْخَةٍ وَهَلْ وَفِي الزُّقَاقِ لَا كَبَيْتِهِ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الْخَرَشِيِّ وعب.
(وَجَازَتْ) الشَّرِكَةُ (بِالْعَمَلِ) اتِّفَاقًا (إنْ اتَّحَدَ) الْعَمَلُ كَخَيَّاطَيْنِ (أَوْ) اخْتَلَفَ و (تَلَازَمَ) بِأَنْ يَلْزَمَ مِنْ رَوَاجِ أَحَدِهِمَا رَوَاجُ الْآخَرِ كَنَسْجٍ وَإِصْلَاحِ غَزْلٍ بِتَهْيِئَتِهِ لِلنَّسْجِ لَا إنْ اخْتَلَفَ وَلَمْ يَتَلَازَمْ، إذْ قَدْ تَرُوجُ صَنْعَةُ أَحَدِهِمَا دُونَ صَنْعَةِ الْآخَرِ فَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا غَلَّةَ
وَتَسَاوَيَا فِيهِ، أَوْ تَقَارَبَا، وَحَصَلَ التَّعَاوُنُ، وَإِنْ بِمَكَانَيْنِ
وَفِي جَوَازِ إخْرَاجِ كُلِّ آلَةٍ
ــ
[منح الجليل]
الْآخَرِ بَاطِلًا (وَتَسَاوَيَا) أَيْ الْعَامِلَانِ (فِيهِ) أَيْ الْعَمَلِ بِأَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَلَّةِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فِي الْمُتَّحَدِ، وَقَدْرِ قِيمَتِهِ فِي الْمُتَلَازِمِ، فَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا الثُّلُثَ وَالْآخَرُ الثُّلُثَيْنِ فَلِلْأَوَّلِ ثُلُثُ الْغَلَّةِ وَلِلثَّانِي ثُلُثَاهَا، فَلَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ اسْتِوَاءِ الْعَمَلَيْنِ أَوْ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ وَفِي مَفْهُومِهِ تَفْصِيلٌ بِأَنْ يُقَالَ إنْ لَمْ يَسْتَوِيَا فِي الْعَمَلِ، فَإِنْ أَخَذَ مِنْ الْغَلَّةِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ جَازَتْ وَإِلَّا فَلَا.
(أَوْ) لَمْ يَتَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ و (تَقَارَبَا) فِيهِ عُرْفًا كَعَمَلِ أَحَدِهِمَا زِيَادَةً عَنْ النِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ يَسِيرًا وَالْآخَرِ النِّصْفَ أَوْ الثُّلُثَيْنِ، فَإِنْ احْتَاجَا مَعَ الصَّنْعَةِ لِمَالٍ أَخْرَجَ كُلٌّ بِقَدْرِ عَمَلِهِ (وَ) إنْ (حَصَلَ التَّعَاوُنُ) مِنْهُمَا فِي الْعَمَلِ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَلَا تَجُوزُ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ عَنْ صَيَّادِينَ مَعَهُمْ شِبَاكٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَتَعَاوَنُ وَمَا أَصَبْنَا بَيْنَنَا فَنَصَبَ أَحَدُهُمْ شَبَكَتَهُ فَأَخَذَ صَيْدًا وَأَبَى أَنْ يُعْطِيَ الْآخَرِينَ فَقَالَ ذَلِكَ لَهُ وَلَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ مِمَّا أَصَابَ لِأَنَّهَا شَرِكَةٌ لَا تَحِلُّ. ابْنُ رُشْدٍ لِأَنَّ شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ لَا تَجُوزُ إلَّا فِيمَا يَحْتَاجُ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ إلَى التَّعَاوُنِ لِأَنَّهُمْ مَتَى اشْتَرَكُوا عَلَى أَنْ يَعْمَلَ كُلٌّ عَلَى حِدَتِهِ كَانَ مِنْ الْغَرَرِ الْبَيِّنِ، وَتَصِحُّ بِاسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ إنْ كَانَ بِمَكَانٍ، بَلْ (وَإِنْ) كَانَا (بِمَكَانَيْنِ) إنْ اتَّحَدَتْ الصَّنْعَةُ كَمَا فِي الْعُتْبِيَّةِ.
وَشَرَطَ فِي الْمُدَوَّنَةِ اتِّحَادَ صَنْعَتِهِمَا وَمَكَانِهِمَا، وَعَلَيْهِ دَرَجَ ابْنُ الْحَاجِبِ. ابْنُ نَاجِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ مَا بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ خِلَافٌ، وَهُوَ رَأْيُ اللَّخْمِيِّ أَوْ وِفَاقٌ بِحَمْلِ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا بِسُوقٍ وَاحِدٍ أَوْ سُوقَيْنِ نَفَاقُهُمَا وَاحِدٌ وَتَجُولُ أَيْدِيهِمَا بِعَمَلِهِمَا أَوْ يَجْتَمِعَانِ بِمَكَانٍ لِأَخْذِ الْمَصْنُوعَاتِ، ثُمَّ يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ بَعْضَهَا يَذْهَبُ بِهَا لِحَانُوتِهِ بِعَمَلِهِ فِيهِ لِرِفْقِهِ بِهِ لِسَعَتِهِ أَوْ قُرْبِهِ مِنْ مَنْزِلِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
(وَفِي جَوَازِ إخْرَاجِ كُلِّ) مِنْ شَرِيكَيْ الْعَمَلِ (آلَةٍ) لَهَا قَدْرٌ كَآلَةِ النِّجَارَةِ وَالصِّيَاغَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ مُخْرِجِهَا ذَاتًا وَمَنْفَعَةً، هَذَا قَوْلُ سَحْنُونٍ وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اشْتِرَاكِهِمَا فِيهَا بِمِلْكٍ أَوْ كِرَاءٍ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ، وَتَأَوَّلَهَا بَعْضٌ آخَرُ عَلَيْهِ تَأْوِيلَانِ وَقَوْلَانِ.
وَاسْتِئْجَارِهِ مِنْ الْآخَرِ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ مِلْكٍ أَوْ كِرَاءٍ؟ تَأْوِيلَانِ:
ــ
[منح الجليل]
وَ) فِي جَوَازِ (اسْتِئْجَارِهِ) لِلْآلَةِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَيْ اسْتِئْجَارِ غَيْرِ الْمَالِكِ (مِنْ) الشَّرِيكِ (الْآخَرِ) الْمَالِكِ الْآلَةَ قَدْرُ نَصِيبِهِ مِنْهَا عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ هَذَا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (أَوْ لَا بُدَّ) فِي صِحَّةِ الشَّرِكَةِ فِي الْعَمَلِ الْمُحْتَاجِ لِآلَةٍ لَهَا بَالٌ (مِنْ) اشْتِرَاكِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْآلَةِ ب (مِلْكٍ) لَهُمَا (أَوْ) ب (كِرَاءٍ) لَهَا مِنْ غَيْرِهِمَا، وَهَذَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ، وَتُؤُوِّلَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِ أَيْضًا (تَأْوِيلَانِ) وَقَوْلَانِ فَقَدْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ مِلْكٍ أَوْ كِرَاءٍ تَأْوِيلَانِ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا عَلَيْهِ.
الْحَطّ ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَسْأَلَتَيْنِ، أُولَاهُمَا هَلْ يَكْفِي فِي الشَّرِكَةِ أَنْ يُخْرِجَ كُلٌّ مِنْهُمَا آلَةً مُسَاوِيَةً لِآلَةِ الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، وَتُؤُوِّلَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِ أَوْ لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْآلَةِ بِمِلْكٍ أَوْ كِرَاءٍ وَلَوْ بِأَنْ يَكْتَرِيَ مِنْ شَرِيكِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ، بَلْ صَرِيحُهَا كَمَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الرَّحَى وَالْبَيْتِ وَالدَّابَّةِ لَكِنَّهُ قَالَ فِيهَا إنْ وَقَعَ مَضَى وَصَحَّتْ الشَّرِكَةُ.
الثَّانِيَةُ: هَلْ يَكْفِي فِي الِاشْتِرَاكِ فِي الْآلَةِ كَوْنُهَا لِأَحَدِهِمَا وَاسْتِئْجَارُ الْآخَرِ نِصْفَهَا مِنْهُ. عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ هُوَ ظَاهِرُ الْكِتَابِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّسَاوِي فِي الْمِلْكِ أَوْ الْكِرَاءِ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. قُلْت كَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي تَطَوُّعِ أَحَدِهِمَا بِكَثِيرِ الْآلَةِ، وَمَسْأَلَةُ الْبَيْتِ وَالرَّحَى صَرِيحٌ فِي الْأَوَّلِ، فَفِي تَسْوِيَةِ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ التَّأْوِيلَيْنِ فِي هَذِهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
طفي قَوْلُهُ وَفِي جَوَازِ إخْرَاجِ كُلِّ آلَةٍ تُسَاوِي آلَةَ صَاحِبِهِ وَسَكَتَا عَنْ الْكِرَاءِ، هَذِهِ ذَاتُ التَّأْوِيلَيْنِ مَذْهَبُ سَحْنُونٍ الْجَوَازُ، وَتَأَوَّلَ عَلَيْهِ الْمُدَوَّنَةَ فِي مَسْأَلَةِ الثَّلَاثَةِ لِأَحَدِهِمْ الْبَيْتُ وَلِلْآخَرِ الدَّابَّةُ وَلِلْآخَرِ الرَّحَى قَائِلًا إنَّمَا يُمْنَعُ إذَا كَانَ كِرَاءُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَخْتَلِفُ، وَقَالَ عِيَاضٌ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ، وَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ الثَّلَاثَةِ ظَاهِرُ هَذَا، أَنَّ مَذْهَبَ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ إذَا كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ، وَصَرَّحَ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ مَضَى، هَذَا تَحْصِيلُ مَا فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَنِّفِ. فَقَوْلُ تت تَأْوِيلَانِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
وَقَوْلَانِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، إذْ لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِالْمَنْعِ إلَّا مَا فَهِمَهُ عِيَاضٌ مِنْ ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَبُو الْحَسَنِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ وَاسْتِئْجَارُهُ مِنْ الْآخَرِ فَقَرَّرَهُ الشَّارِحُ بِأَنَّ الْآلَةَ لِأَحَدِهِمَا وَأَجْرَ نِصْفِهَا لِصَاحِبِهِ وَتَبِعَهُ تت وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ لِلْمُصَنِّفِ فِي تَوْضِيحِهِ قَائِلًا، قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الْجَوَازُ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ عِيَاضًا لَمْ يَقُلْ هَذَا فِي تَصْوِيرِهِ وَإِنَّمَا قَالَهُ فِيمَا إذَا أَخْرَجَ كُلٌّ آلَةً وَآجَرَ نِصْفَ آلَةِ صَاحِبِهِ بِنِصْفِ آلَتِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا تَأْوِيلَيْنِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا فِي الْمُقَدِّمَةِ. وَنَصُّهُ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُؤَاجِرَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ آلَةِ صَاحِبِهِ بِنِصْفِ آلَتِهِ هُوَ وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ، ظَاهِرُ الْكِتَابِ الْجَوَازُ. وَلِابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ الْمَنْعُ إلَّا بِالتَّسَاوِي فِي الْمِلْكِ وَالْكِرَاءِ مِنْ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ إكْرَاءً وَاسْتَوَيَتَا فَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعُ، فَإِنْ وَقَعَ مَضَى وَأَجَازَهُ سَحْنُونٌ، وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ. اهـ. وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ عَرَفَةَ وَأَبُو الْحَسَنِ، فَظَهَرَ أَنَّ كَلَامَهُ اشْتَمَلَ عَلَى مَسْأَلَتَيْنِ الْأُولَى أَنْ يُخْرِجَ كُلٌّ آلَةً مُسَاوِيَةً لِآلَةِ صَاحِبِهِ بِنِصْفِ آلَتِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا تَأْوِيلَيْنِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهَا الْجَوَازَ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالْمَنْعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ.
الثَّانِيَةِ: أَنْ يُخْرِجَ كُلٌّ آلَةً مُسَاوِيَةً لِآلَةِ صَاحِبِهِ وَيَسْكُتَا عَنْ الْكِرَاءِ وَهِيَ ذَاتُ التَّأْوِيلَيْنِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ نِسْبَةِ الْمُصَنِّفِ لِعِيَاضٍ، ظَاهِرُ الْكِتَابِ الْجَوَازُ فِي تَصْوِيرِهِ، وَجَعَلَ فِيهِ تَأْوِيلَيْنِ وَتَبِعُوهُ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ نَقَلَ الْحَطَّابُ كَلَامَهُ وَقِبَلَهُ تَقْلِيدًا وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَذَكَرَ التَّأْوِيلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَالَ تت تَأْوِيلَانِ وَقَوْلَانِ فِي هَذَا أَيْضًا، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا ذَلِكَ كُلُّهُ، وَعَلَى فَرْضِ عِيَاضٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ بِالْمَنْعِ، وَظَاهِرُ الْكِتَابِ بِالْجَوَازِ.
فَإِنْ قُلْت مَا الْحُكْمُ فِيمَا فَرَضُوهُ، قُلْت صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِجَوَازِهِ، فَفِيهَا وَأَمَّا إنْ تَطَاوَلَ أَحَدُهُمَا بِأَدَاةٍ لَا يُلْغَى مِثْلُهَا لِكَثْرَتِهَا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَشْتَرِكَا فِي مِلْكِهَا أَوْ يَكْتَرِي مِنْ الْآخَرِ نِصْفَهَا اهـ. وَلَا شَكَّ فِي مَنْعِهَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي الْمِلْكِ أَوْ الْكِرَاءِ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِالْخِلَافِ فِيهَا وَأَنَّ جَوَازَهَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ
وَصَائِدَيْنِ فِي الْبَازَيْنِ. وَهَلْ وَإِنْ افْتَرَقَا؟
ــ
[منح الجليل]
وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَالْقَوْلُ بِمَنْعِهَا لِلْعُتْبِيَّةِ فَهِيَ ذَاتُ خِلَافٍ أَيْضًا، وَإِنَّمَا نَقَمْنَا عَلَى الْمُصَنِّفِ نِسْبَتَهُمَا لِعِيَاضٍ وَذَكَرَ التَّأْوِيلَيْنِ فِيهَا وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ فِيهَا جَوَازُهَا، وَقَدْ اعْتَرَضَ الْحَطّ عَلَى الْمُصَنِّفِ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَهَا كَمَا فَرَضُوا قَائِلًا كَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ تَطَوُّعِ أَحَدِهِمَا بِكَثِيرِ الْآلَةِ، وَفِي مَسْأَلَةِ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَالرَّحَى صَرِيحٌ فِي جَوَازِهَا فَفِي تَسْوِيَةِ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ نَظَرٌ اهـ. إلَّا أَنَّهُ سَلَّمَ التَّأْوِيلَيْنِ تَقْلِيدًا لِلْمُصَنِّفِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمَا غَيْرُ مُسَلَّمَيْنِ فِيهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ حَقَّ التَّأَمُّلِ، وَشُدَّ يَدَك عَلَيْهِ، فَلَعَلَّك لَا تَجِدُ تَحْقِيقَهُ فِي غَيْرِ هَذَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
الْبُنَانِيُّ قَوْلُ عِيَاضٍ وَاخْتَلَفَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ فِي الْكِتَابِ إلَخْ، يُحْتَمَلُ رُجُوعُهُ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا تَكُونُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَأْوِيلَانِ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَاسْتِئْجَارُهُ مِنْ الْآخَرِ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا، أَيْ وَاسْتِئْجَارُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ إلَخْ، فَيَسْقُطُ عَنْهُ الِاعْتِرَاضُ فِي الْمَتْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ) هَذَا فِيمَا يَحْتَاجُ لِآلَةٍ لَهَا قِيمَةٌ، وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَاجُ إلَى آلَةٍ أَوْ يَحْتَاجُ إلَى آلَةٍ لَا قَدْرَ لَهَا كَالْخَيَّاطَةِ، فَلَا كَلَامَ فِيهِ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ قَالَهُ الْحَطّ.
وَمَثَّلَ لِشَرِيكَيْ الْعَمَلِ فَقَالَ كَطَبِيبَيْنِ اتَّحَدَ طِبُّهُمَا كَكَحَّالَيْنِ أَوْ تَلَازَمَ (اشْتَرَكَا) أَيْ الطَّبِيبَانِ (فِي الدَّوَاءِ) بِشِرَاءٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ أَحَدُهُمَا يَعْمَلُ وَيَشْتَرِي الْآخَرُ، فَإِنْ اخْتَلَفَ طِبُّهُمَا وَلَمْ يَتَلَازَمْ فَلَا تَصِحُّ شَرِكَتُهُمَا قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ
(وَ) كَصَائِدَيْنِ اشْتَرَكَا (فِي) مِلْكِ أَوْ كِرَاءِ (الْبَازَيْنِ) أَوْ الْكَلْبَيْنِ أَوْ أَخْرَجَ كُلٌّ مِنْهُمَا جَارِحًا وَاسْتَأْجَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفَ جَارِحِ صَاحِبِهِ بِنِصْفِ جَارِحِهِ أَوْ سَكَتَا أَوْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا جَارِحًا وَأَكْرَى نِصْفَهُ لِلْآخَرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وِفَاقًا وَخِلَافًا إذَا كَانَ طَلَبُهُمَا وَأَخْذُهُمَا وَاحِدًا لَا يَفْتَرِقَانِ كَمَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمُدَوَّنَةِ.
(وَهَلْ) يَجُوزُ اشْتِرَاكُهُمَا إنْ اشْتَرَكَا فِي الْجَارِحَيْنِ بِمُلْكٍ أَوْ كِرَاءٍ مِنْ غَيْرِهِمَا (إنْ
رُوِيَتْ عَلَيْهِمَا
ــ
[منح الجليل]
افْتَرَقَا) أَيْ الصَّائِدَانِ فِي الْمَكَانِ أَوْ الِاصْطِيَادِ أَوْ لَا يَجُوزُ (رُوِيَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ الْمُدَوَّنَةُ (عَلَيْهِمَا) أَيْ الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ إنْ افْتَرَقَا. الْبُنَانِيُّ لَفْظُهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَصِيدَا بِبَازَيْهِمَا أَوْ كَلْبَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَمْلِكَا رِقَابَهُمَا أَوْ يَكُونَ الْكَلْبَانِ أَوْ الْبَازَانِ طَلَبُهُمَا وَاحِدًا لَا يَفْتَرِقَانِ فَجَائِزٌ. عِيَاضٌ رُوِيَتْ بِالْوَاوِ وَبِأَوْ وَعَزَا الرِّوَايَةَ بِأَوْ لِأَكْثَرِ النُّسَخِ وَلِرِوَايَتِهِ عَنْ شُيُوخِهِ. " ق " عَلَى مَعْنَى أَوْ حَمَلَهَا. ابْنُ يُونُسَ وَابْنُ عَتَّابٍ وَاللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ فَالظَّاهِرُ وَهَلْ إنْ اتَّفَقَا فِي الْمِلْكِ وَالطَّلَبِ أَوْ أَحَدُهُمَا كَافٍ اُنْظُرْ الْحَطّ، وَنَصُّهُ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي شَرِكَةِ الصَّائِدَيْنِ مِنْ اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْبَازَيْنِ، ثُمَّ هَلْ يَجُوزُ وَإِنْ افْتَرَقَا أَوْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ رُوِيَتْ الْمُدَوَّنَةُ عَلَيْهِمَا، وَقَدْ يَتَبَادَرُ هَذَا الْفَهْمُ مِنْ كَلَامِ التَّنْبِيهَاتِ لَكِنْ إذَا تَأَمَّلْته وَجَدْته يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا رُوِيَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْبَازَيْنِ وَأَنْ لَا يَفْتَرِقَا بِأَنْ يَكُونَ طَلَبُهُمَا وَاحِدًا، وَالثَّانِي أَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُ شَيْئَيْنِ إمَّا أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْبَازَيْنِ فَتَجُوزُ الشَّرِكَةُ وَإِنْ افْتَرَقَا أَوْ يَجْتَمِعَا فِي الطَّلَبِ فَتَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكَا فِي رِقَابِ الْبَازَيْنِ وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَصِيدَا بِبَازَيْهِمَا أَوْ كَلْبَيْهِمَا إلَّا أَنْ يَمْلِكَا رِقَابَهُمَا أَوْ يَكُونَ الْبَازَانِ أَوْ الْكَلْبَانِ طَلَبُهُمَا وَأَخْذُهُمَا وَاحِدٌ لَا يَفْتَرِقَانِ. عِيَاضٌ كَذَا فِي رِوَايَتِي عَنْ شُيُوخِي، يَعْنِي بِأَوْ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَيَكُونُ الْبَازَانِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَفْتَرِقُ الصَّائِدَانِ وَإِنْ اشْتَرَكَا فِيهِمَا كَالصَّانِعَيْنِ وَنَحْوِهِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَوْ فَاسْتَدَلَّ مِنْهُ الْأَشْيَاخُ عَلَى أَنَّ الِاشْتِرَاكَ إذَا حَصَلَ بَيْنَهُمَا فَلَا يَلْزَمُ اجْتِمَاعُهَا وَيَجُوزُ الْإِفْرَاقُ، وَيُسْتَدَلُّ مِنْهُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ التَّسَاوِي فِي الْآلَةِ يَجُوزُ مَعَ الِاشْتِرَاكِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكَا فِيهَا. اهـ. فَآخِرُ كَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ كَافٍ. وَنَصَّ اللَّخْمِيُّ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا كَافٍ فَقَالَ وَإِنْ كَانَتْ الْبُزَاةُ أَوْ الْكِلَابُ مُشْتَرَكَةً جَازَ وَإِنْ افْتَرَقَا فِي الِاصْطِيَادِ. وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِكَا فِي الْبُزَاةِ وَالْكِلَابِ جَازَتْ الشَّرِكَةُ إنْ كَانَ الصَّيْدُ بِهِمَا مَعًا يَتَعَاوَنَانِ وَلَا يَفْتَرِقَانِ، فَيَكُونُ مَضْمُونُ الشَّرِكَةِ عَمَلًا بِعَمَلٍ وَلَا يَجُوزُ إذَا افْتَرَقَا اهـ.
فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَصَائِدَيْنِ وَهَلْ إنْ اشْتَرَكَا فِي الْبَازَيْنِ وَلَمْ يَفْتَرِقَا أَوْ أَحَدُهُمَا كَافٍ
وَحَافِرَيْنِ بِكَرِكَازٍ، وَمَعْدِنٍ، وَلَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ بَقِيَّتَهُ، وَأَقْطَعَهُ الْإِمَامُ، وَقُيِّدَ بِمَا لَمْ يَبْدُ
ــ
[منح الجليل]
رُوِيَتْ عَلَيْهِمَا لَكَانَ مُوفِيًا بِالرِّوَايَتَيْنِ، وَعَلَى رِوَايَةٍ أَوْ اخْتَصَرَهَا. ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُمَا ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ قَوْلًا كَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى. التُّونُسِيُّ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَازٌ وَلِلْآخَرِ كَلْبٌ وَكَانَا يَتَعَاوَنَانِ فِي الصَّيْدِ فَيَجُوزُ.
(وَ) كَ (حَافِرَيْنِ) اشْتَرَكَا (بِ) حَفْرٍ عَلَى كَ (رِكَازٍ) أَيْ مَدْفُونٍ جَاهِلِيٍّ (وَمَعْدِنٍ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَبِئْرٍ وَعَيْنٍ وَقَبْرٍ إنْ اتَّحَدَ الْمَوْضِعُ: الْمُتَيْطِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ هَذَا فِي غَارٍ مِنْ مَعْدِنٍ، وَهَذَا فِي غَارٍ سِوَاهُ (وَ) إنْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِشَخْصٍ فِي الْعَمَلِ فِي مَعْدِنٍ وَأَخَذَ خَارِجَهُ لِنَفْسِهِ وَمَاتَ الْمَأْذُونُ لَهُ قَبْلَ تَمَامِهِ (لَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ) أَيْ الْمَأْذُونِ لَهُ (بَقِيَّتَهُ) أَيْ الْمَعْدِنِ (وَ) رَجَعَ حُكْمُهُ لِلْإِمَامِ فَ (أَقْطَعَهُ) أَيْ أَعْطَى الْمَعْدِنَ (الْإِمَامُ) لِمَنْ شَاءَ مِنْ وَارِثِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ.
(وَقُيِّدَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا، أَيْ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِ وَارِثِهِ بَقِيَّةَ الْمَعْدِنِ (بِمَا) إذَا (لَمْ يَبْدُ) أَيْ يَظْهَرُ النَّيْلُ بِعَمَلِ مُوَرِّثِهِ أَوْ يُقَارِبُ الْبُدُوَّ، فَإِنْ بَدَا أَوْ قَارَبَ بُدُوَّهُ بِعَمَلِهِ وَلَمْ يُخْرِجْ شَيْئًا أَوْ أَخَرَجَ بَعْضَهُ وَإِنْ زَادَ الْعُرْفُ عَلَى مُقَابِلِ عَمَلِهِ فِيمَا يَظْهَرُ اسْتَحَقَّ وَارِثُهُ بَقِيَّتَهُ إلَى أَنْ يَفْرُغَ النَّيْلُ الَّذِي بَدَا أَوْ قَارَبَ، وَإِنْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ كُلَّهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ وَارِثُهُ بَقِيَّةَ الْعَمَلِ. الْحَطّ وَالْمُقَيِّدُ بِذَلِكَ الْقَابِسِيُّ، وَلَفْظُ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى اخْتِصَارِ ابْنِ يُونُسَ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا بَعْدَ إدْرَاكِهِ النَّيْلَ فَلَا يُوَرَّثُ حَظُّهُ مِنْ الْمَعْدِنِ، وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْطَعَهُ لِمَنْ يَرَى وَيَنْظُرَ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ اهـ. فِي النُّكَتِ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ عَنْ الْقَابِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَدْرَكَا نَيْلًا أَنَّهُمَا أَخْرَجَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ فَلَيْسَ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ التَّمَادِي عَلَى الْعَمَلِ فِي الْمَعْدِنِ إلَّا بِإِقْطَاعٍ مِنْ الْإِمَامِ لَهُمْ أَوْ لِغَيْرِهِمْ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يُخْرِجَا شَيْئًا اهـ، فَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَسْتَحِقُّ وَارِثُهُ بَقِيَّتَهُ يُرِيدُ بِهِ فِي الْأَنْيَالِ الَّتِي لَمْ تَبْدُ. وَأَمَّا النَّيْلُ الَّذِي بَدَا وَعَمَلَ فِيهِ أَوْ قَارَبَ أَنْ يَبْدُو فَلِوَرَثَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الْبُنَانِيُّ لَفْظُ
وَلَزِمَهُ مَا يَقْبَلُهُ صَاحِبُهُ وَضَمَانُهُ وَإِنْ تَفَاصَلَا
ــ
[منح الجليل]
التَّهْذِيبِ قُلْت فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا بَعْدَ إدْرَاكِهِ النَّيْلَ قَالَ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمَعَادِنِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِأَنَّهَا إذَا مَاتَ صَاحِبُهَا الَّذِي عَمِلَهَا أَقْطَعَهَا الْإِمَامُ غَيْرَهُ فَأَرَى الْمَعَادِنَ لَا تُورَثُ اهـ. عِيَاضٌ لَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ إذْ لَمْ يُجِبْ عَنْ مَسْأَلَتِهِ، وَإِنَّمَا أَجَابَ عَنْ حُكْمِ الْمَعْدِنِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنْ أَدْرَكَ النَّيْلَ كَانَ لِوَرَثَتِهِ اهـ. طفي وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهَا مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا بَعْدَ إدْرَاكِهِ النَّيْلَ يُنَافِي الْقَيْدَ الْمَذْكُورَ، حَمَلَهُ الْقَابِسِيُّ عَلَى أَنَّ الْمُدْرَكَ أَخْرَجَاهُ وَاقْتَسَمَاهُ فَلَوْ بَقِيَتْ مِنْهُ بَقِيَّةٌ مَا صَحَّ الْقَيْدُ الْمَذْكُورُ.
(وَ) إنْ اُسْتُؤْجِرَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ فِي غَيْبَةِ شَرِيكِهِ (لَزِمَهُ) أَيْ الشَّرِيكَ الَّذِي كَانَ غَائِبًا حِينَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ الْعَمَلُ فِي (مَا يَقْبَلُهُ) أَيْ يَسْتَأْجِرُ عَلَى عَمَلِهِ صَاحِبَهُ، أَيْ شَرِيكَهُ فِي الْعَمَلِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا عَقْدُهُمَا مَعًا (وَ) لَزِمَهُ أَيْضًا (ضَمَانُهُ) أَيْ مَا يَقْبَلُهُ (صَاحِبُهُ) إنْ اسْتَمَرَّا عَلَى الشَّرِكَةِ، بَلْ وَلَوْ (تَفَاصَلَا) مِنْ الشَّرِكَةِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا يَقْبَلُهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلصَّنْعَةِ لَزِمَ الْآخَرَ عَمَلُهُ وَضَمَانُهُ فَيُؤْخَذُ بِهِ وَإِنْ افْتَرَقَا. اللَّخْمِيُّ إنْ عَقَدَ الشَّرِيكَانِ الْإِجَارَةَ عَلَى عَمَلٍ بِشَيْءٍ ثُمَّ مَرِضَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَاتَ فَعَلَى الْآخَرِ أَنْ يُوَفِّيَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ مَضْمُونٌ فِي الذِّمَّةِ أَوْ عَلَى أَعْيَانِهِمَا لِأَنَّهُمَا عَلَى ذَلِكَ اشْتَرَكَا. أَحْمَدُ بَابَا إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ تَلِفَ قَبْلَ الْمَقَالَةِ فَالْمُبَالَغَةُ ضَائِعَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ تَلِفَ بَعْدَهَا فَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ ضَمَانَهُ مِمَّنْ هَلَكَ بِيَدِهِ.
وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَلَفُهُ بَعْدَهَا وَضَمِنَاهُ كَضَمَانِ الْوَصِيَّيْنِ إذَا اقْتَسَمَا الْمَالَ وَضَاعَ مَا عِنْدَ أَحَدِهِمَا فَضَمَانُهُ عَلَيْهِمَا لِتَعَدِّي وَاضِعِ الْيَدِ بِاسْتِقْلَالِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ، وَالْآخَرِ بِرَفْعِ يَدِهِ عَنْهُ. اهـ. وَقَرَّرَهُ الْحَطّ بِتَلَفِهِ قَبْلَهَا وَتَأَخُّرِ الطَّلَبِ بِهِ بَعْدَهَا، وَنَصُّهُ يَعْنِي أَنَّ أَحَدَ شَرِيكَيْ الْعَمَلِ إذَا قَبِلَ شَيْئًا لِيَعْمَلَا فِيهِ لَزِمَ شَرِيكَهُ الْآخَرَ أَنْ يَعْمَلَهُ مَعَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْقِدَا مَعًا، وَيَلْزَمُ أَحَدَهُمَا الضَّمَانُ فِيمَا أَخَذَهُ صَاحِبُهُ وَإِنْ افْتَرَقَا، كَمَا إذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا لِيَعْمَلَا فِيهِ فَتَلِفَ ثُمَّ تَفَارَقَا فَجَاءَ صَاحِبُهُ يَطْلُبُ بِهِ الَّذِي دَفَعَهُ لَهُ، فَإِنَّ ضَمَانَهُ عَلَيْهِمَا مَعًا. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَا يَقْبَلُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إلَى آخَرِ مَا تَقَدَّمَ. الْبُنَانِيُّ فَالْمُصَنِّفُ تَبِعَ الْمُدَوَّنَةَ فِي الْمُبَالَغَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأُلْغِيَ مَرَضُ كَيَوْمَيْنِ وَغَيْبَتُهُمَا، لَا إنْ كَثُرَ
ــ
[منح الجليل]
وَأُلْغِيَ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَا يُعْتَبَرُ (مَرَضُ) أَحَدِ شَرِيكَيْ الْعَمَلِ (كَيَوْمَيْنِ وَ) أُلْغِيَتْ (غَيْبَتُهُمَا) أَيْ الْيَوْمَيْنِ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْهُمَا فَمَا عَمَلَهُ أَحَدُهُمَا فِي مُدَّةِ مَرَضِ الْآخَرِ أَوْ غَيْبَتِهِ فَأُجْرَتُهُ تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا (لَا) يُلْغَى مَرَضُ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْبَتُهُ (إنْ كَثُرَ) أَيْ طَالَ زَمَنُ الْمَرَضِ أَوْ الْغَيْبَةِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا مَرِضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الصَّنْعَةِ أَوْ غَابَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَعَمِلَ صَاحِبُهُ فَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جَائِزٌ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ إلَّا مَا تَفَاحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَطَالَ، فَإِنَّ الْعَامِلَ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ لِصَاحِبِهِ نِصْفَ مَا عَمِلَ جَازَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَعْقِدَا فِي أَصْلِ الشَّرِكَةِ أَنَّ مَنْ مَرِضَ مِنْهُمَا أَوْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَمَا عَمِلَ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا.
(تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ قَوْلُهُ كَيَوْمَيْنِ يُفِيدُ أَنَّ مَا قَارَبَهُمَا لَهُ حُكْمُهُمَا، وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الْيَوْمَيْنِ، فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَمَدَ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهَا فِي الشِّقِّ الثَّانِي إلَّا مَا تَفَاحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَطَالَ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ، وَكَأَنَّهُ أَحَالَهُ عَلَى الْعُرْفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ فِي الرَّدِّ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مَا بَاعَهُ الْآخَرُ فِي غَيْبَةِ الْبَائِعِ أَنَّ الْقَرِيبَ الثَّلَاثَةُ وَالْبَعِيدَ الْعَشَرَةُ، وَأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا يَلْحَقُ بِمَا قَارَبَهُ اهـ، وَيَنْبَغِي مِثْلُهُ فِيمَا يُشْبِهُهُ مِنْ الْأَبْوَابِ.
الثَّانِي: ضَمِيرُ غَيْبَتِهِمَا رَاجِعٌ إلَى الْيَوْمَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ.
الثَّالِثُ: هَلْ يُلْغَى مِنْ الْكَثِيرَةِ يَوْمَانِ. الْبِسَاطِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُلْغَى مِنْهَا شَيْءٌ. الْحَطّ يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ الْآتِي فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَهُ.
الرَّابِعُ: عُلِمَ مِنْ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ مَرِضَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَاتَ أَنَّ الْمَوْتَ كَالْغَيْبَةِ وَالْمَرَضِ، عَلَيْهِ فَيَنْغِي أَنْ يُقَالَ إنْ عَمِلَ بَعْدَ مَوْتِهِ يَوْمَيْنِ أُلْغِيَ وَإِنْ كَثُرَ فَلَا يُلْغَى.
الْخَامِسُ: عُلِمَ مِنْ قَوْلِ اللَّخْمِيِّ ثُمَّ مَرِضَ أَحَدُهُمَا إلَخْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَخْذِ الشَّيْءِ الَّذِي يَعْمَلَانِ فِيهِ فِي صِحَّتِهِمَا أَوْ مَرَضِ أَحَدِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
السَّادِسُ: ابْنُ حَبِيبٍ هَذَا فِي شَرِكَةِ الْعَمَلِ، وَأَمَّا فِي شَرِكَةِ الْمَالِ فَلِلَّذِي عَمِلَ نِصْفُ أُجْرَةِ عَمَلِهِ عَلَى شَرِيكِهِ وَالْفَضْلُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْمَالَ جَرَّهُ. وَقَالَ الرَّجْرَاجِيُّ إنْ مَرِضَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ مَالِيَّةٌ بَيْنَهُمَا فَالرِّبْحُ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ عَمَلِهِ لِأَنَّ سَبَبَ الرِّبْحِ الْمَالُ. وَأَمَّا الْبَدَنِيَّةُ فَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ مِمَّا الْغَالِبُ التَّسَامُحُ فِيهِ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا وَلَا شَيْءَ لِلْمُعَافَى عَلَى الْمَؤُوفِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَهَلْ يَكُونُ الْمُعَافَى مُتَطَوِّعًا لِلْمَؤُوفِ قَوْلَانِ. أَشْهَبُ مُتَطَوِّعٌ لَهُ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَيْسَ مُتَطَوِّعًا لَهُ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، وَيَخْتَصُّ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ. اهـ. وَالْمَؤُوفُ هُوَ الْمَرِيضُ.
السَّابِعُ: اللَّخْمِيُّ إنْ عَقَدَ أَحَدُهَا إجَارَةً بَعْدَ طُولِ الْمَرَضِ أَوْ الْغَيْبَةِ فَذَلِكَ لَهُ وَحْدَهُ لِانْقِطَاعِ الشَّرِكَةِ وَضَمَانِ مَا هَلَكَ إنْ لَمْ تَنْقَطِعْ الشَّرِكَةُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ انْقَطَعَتْ عَلَيْهِ وَحْدَهُ، وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضٍ وَأَقَرَّهُ.
الثَّامِنُ: لَمْ يُفْهَمْ مِنْ قَوْلِهِ لَا إنْ كَثُرَ كَيْفَ يَعْمَلُ، وَكَلَامُ الشَّارِحِ يُوهِمُ اخْتِصَاصَ الْعَامِلِ بِأُجْرَةِ مَا عَمِلَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَقَدْ صَرَّحَ اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأُجْرَةَ بَيْنَهُمَا وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ عَمَلِهِ. اللَّخْمِيُّ إنْ عَقَدَ الشَّرِيكَانِ الْإِجَارَةَ عَلَى عَمَلٍ ثُمَّ مَرِضَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَاتَ أَوْ غَابَ فَعَلَى الْآخَرِ أَنْ يُوفِيَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ فِي أَعْيَانِهِمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا عَلَى ذَلِكَ وَلِدُخُولِ مُسْتَأْجَرِهِمَا عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُمَا مُتَضَامِنَانِ فَيَلْزَمُ أَحَدَهُمَا مَا يَلْزَمُ الْآخَرَ. وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الصِّحَّةِ ثُمَّ مَرِضَ أَحَدُهُمَا مَرَضًا خَفِيفًا أَوْ طَوِيلًا أَوْ غَابَ أَحَدُهُمَا إلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ فَعَلَى الصَّحِيحِ وَالْحَاضِرِ الْقِيَامُ بِجَمِيعِ الْعَمَلِ، وَكَذَا إذَا عَقَدَ الْإِجَارَةَ عَلَى شَيْءٍ فِي أَوَّلِ الْمَرَضِ ثُمَّ بَرَأَ عَنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ، أَوْ فِي سَفَرِ أَحَدِهِمَا إلَى مَكَان قَرِيبٍ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي أَنَّ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْحَاضِرِ الْقِيَامَ بِجَمِيعِ الْعَمَلِ، هَذَا فِي حَقِّ الَّذِي لَهُ الْعَمَلُ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُسَمَّى الَّذِي عَقَدَ عَلَيْهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَيَفْتَرِقُ الْجَوَابُ فِي رُجُوعِ الَّذِي عَمِلَ عَلَى صَاحِبِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَرَضُ خَفِيفًا وَالسَّفَرُ قَرِيبًا فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ الْعَادَةَ الْعَفْوُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَلَوْلَاهَا لَرَجَعَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ. إنْ طَالَ الْمَرَضُ أَوْ السَّفَرُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ. اهـ. وَالْأُجْرَةُ الَّتِي آجَرَا بِهَا بَيْنَهُمَا وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَبِلَهُ وَأَبُو الْحَسَنِ وَالرَّجْرَاجِيُّ وَتَقَدَّمَ فِي السَّادِسِ نَصُّهُ أَفَادَهُ الْحَطّ.
طفي فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ، الْأَوَّلِ: رَدُّهُ عَلَى الشَّارِحِ وَكَلَامُهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ، وَإِذَا مَرِضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الصَّنْعَةِ أَوْ غَابَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَعَمِلَ صَاحِبُهُ فَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ جَائِزٌ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ إلَّا مَا تَفَاحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَطَالَ، فَإِنَّ الْعَامِلَ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ لِصَاحِبِهِ نِصْفَ مَا عَمِلَ جَازَ ذَلِكَ. أَبُو الْحَسَنِ وَإِنْ لَمْ يُحِبَّ فَلَا يُعْطِيهِ. ابْنُ يُونُسَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إذَا تَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا بَعْدَ طُولِ غَيْبَةِ صَاحِبِهِ أَوْ مَرَضِهِ فَهُوَ لَهُ، وَإِذَا تَقَبَّلَا جَمِيمًا ثُمَّ غَابَ أَحَدُهُمَا غَيْبَةً طَوِيلَةً كَانَتْ الْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا، وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ عَلَى شَرِيكِهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ حَمِيلًا لِصَاحِبِهِ بِالْعَمَلِ. اهـ. وَنَحْوِهِ اللَّخْمِيُّ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ وَكَلَامُهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ إلَخْ، مَعَ أَنَّهَا مُصَرِّحَةٌ بِالْمُرَادِ.
الثَّالِثِ: جَزْمُهُ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَيْنَهُمَا، وَإِطْلَاقُهُ فِي ذَلِكَ وَاسْتِدْلَالُهُ بِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ مَعَ تَفْصِيلِهِ كَبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ، وَقَدْ نَقَلَ هُوَ كَلَامَهُ، وَفِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ. وَأَمَّا نَقْلُهُ عَنْ الرَّجْرَاجِيِّ أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا وَيُطَالِبُهُ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خِلَافُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ وَخِلَافُ تَفْصِيلِ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَاللَّخْمِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَفْرِيعٌ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَدْ تَبِعَهُ عج وَمَنْ بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَحَلُّ كَلَامِهِ فِيمَا قَبِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْغَيْبَةِ الطَّوِيلَةِ وَالْمَرَضِ الطَّوِيلِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ تَقْرِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَذَكَرَ التَّنْبِيهَاتِ قَالَ التَّنْبِيهُ الثَّامِنُ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَلَوْ عَقَدَ أَحَدُهُمَا إجَارَةً بَعْدَ طُولِ الْمَرَضِ أَوْ السَّفَرِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَحْدَهُ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ حِينَئِذٍ قَدْ انْقَطَعَتْ. اهـ. فَهَذَا يُقَيِّدُ إطْلَاقَهُ أَوَّلًا، لَكِنَّهُ بَعِيدٌ لِأَنَّ اللَّخْمِيَّ فَرَضَ الْكَلَامَ أَوَّلًا فِيمَا عَقَدَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْغَيْبَةِ الطَّوِيلَةِ أَوْ الْمَرَضِ الطَّوِيلِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا وَيَرْجِعُ بِأُجْرَةِ نِصْفِ الْعَمَلِ ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ مَا قَبِلَهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ السَّفَرِ أَوْ الْمَرَضِ الطَّوِيلِ، وَلِكَوْنِ مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ
وَفَسَدَتْ بِاشْتِرَاطِهِ
كَكَثِيرِ الْآلَةِ،
ــ
[منح الجليل]
كَلَامَهُ بَعِيدًا جَزَمَ عج وَمَنْ تَبِعَهُ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ بَيْنَهُمَا وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ أُجْرَةِ الْعَمَلِ وَلَمْ يُفَصِّلْ.
(وَفَسَدَتْ) شَرِكَةُ الْعَمَلِ (بِ) سَبَبِ (اشْتِرَاطِهِ) أَيْ لَغْوِ كَثِيرِ الْمَرَضِ أَوْ الْغَيْبَةِ، وَمَفْهُومُ اشْتِرَاطِهِ أَنَّهُمَا إنْ لَمْ يَشْتَرِطَاهُ وَأَرَادَ صَاحِبُهُ أَنْ يُعْطِيَهُ نَصِيبَهُ مِمَّا عَمِلَهُ جَازَ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَفِيهَا وَإِذَا مَرِضَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الصَّنْعَةِ أَوْ غَابَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَعَمِلَ صَاحِبُهُ فَالْعَمَلُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ جَائِزٌ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ إلَّا مَا تَفَاحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَطَالَ، فَإِنَّ الْعَامِلَ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ لِصَاحِبِهِ نِصْفَ مَا عَمِلَ جَازَ إنْ لَمْ يَعْقِدَا أَصْلَ الشَّرِكَةِ، عَلَى أَنَّ مَنْ مَرِضَ مِنْهُمَا أَوْ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً فَمَا عَمِلَ الْآخَرُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ عَقَدَا عَلَى هَذَا لَمْ تَجُزْ الشَّرِكَةُ، فَإِنْ نَزَلَ ذَلِكَ كَانَ مَا اجْتَمَعَا فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِمَا وَمَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمَا فَهُوَ لَهُ خَاصَّةً. اهـ. زَادَ الْقَرَافِيُّ عَقِبَ قَوْلِهِ لَمْ تَجُزْ لِلْغَرَرِ ابْنُ يُونُسَ أَنَّ كَلَامَهَا الْمَذْكُورَ يُرِيدُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا الْقَرَوِيِّينَ إنْ لَمْ يَعْقِدَا عَلَى هَذَا لَا نَبْغِي أَنْ يَكُونَ الْقَدْرُ الَّذِي لَوْ صَحَّ هَذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا، وَيَكُونُ الزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ لِلْعَامِلِ وَحْدَهُ وَيُتَسَامَحُ فِي الشَّرِكَةِ الصَّحِيحَةِ عَنْ التَّفَاضُلِ الْيَسِيرِ. وَأَمَّا إذَا فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ فَلَا يُسْمَحُ فِي ذَلِكَ اهـ.
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْقَدْرُ لَهُ، وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ جُزْءَ الْجُمْلَةِ هَلْ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ أَمْ لَا كَمَنْ يَسْجُدُ عَلَى أَنْفِهِ وَهُوَ يُومِئُ، وَهَذَا هُوَ الْخِلَافُ الَّذِي أَشَرْت إلَيْهِ فِي التَّنْبِيهُ الثَّالِثِ مِنْ الْقَوْلَةِ السَّابِقَةِ.
وَشَبَّهَ فِي الْفَسَادِ فَقَالَ (كَ) انْفِرَادِ أَحَدِهِمَا بِ (كَثِيرِ الْآلَةِ) لِعَمَلِهِمَا فَيُفْسِدُ الشَّرِكَةَ.
الْحَطّ وَلَوْ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَاحْتُرِزَ بِكَثِيرِهَا مِنْ يَسِيرِهَا فَتَطَوُّعُ أَحَدِهِمَا بِهِ لَا يُفْسِدُهَا، هَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَبِهِ قَرَّرَ الشَّارِحُ، وَقَيَّدَهُ الْبِسَاطِيُّ بِالِاشْتِرَاطِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لَهَا فَفِيهَا وَإِنْ تَطَاوَلَ أَحَدُ الْقَصَّارَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ تَافِهٍ مِنْ الْمَاعُونِ لَا قَدْرَ لَهُ فِي الْكِرَاءِ كَالْقَصْرِيَّةِ وَالْمِدَقَّةِ جَازَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ تَطَاوَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِأَدَاةٍ لَا يُلْغَى مِثْلُهَا
وَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ كَالصَّحِيحَةِ تَرَدُّدٌ
ــ
[منح الجليل]
لِكَثْرَتِهَا فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَشْتَرِكَا فِي مِلْكِهَا، أَوْ يَكْتَرِي مِنْ الْآخَرِ نِصْفَهُ اهـ الْحَطّ. وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ إذَا تَطَوَّعَ أَحَدُهُمَا بِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
طفي أَبُو الْحَسَنِ مَعْنَى تَطَاوَلَ تَفَضَّلَ، ثُمَّ قَالَ قَوْلُهَا لَا يَجُوزُ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ شَرِكَةَ الْأَبْدَانِ لَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَإِنَّمَا تُلْزِمُ بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ وَأَمَّا عَلَى أَنَّهَا تُلْزِمُ بِالْعَقْدِ فَتَجُوزُ. اهـ. فَحَمَلَهَا ابْنُ رُشْدٍ عَلَى التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَأَخَّرَهُ أَبُو الْحَسَنِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ. وَفَهِمَهَا الْحَطّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَطَوَّلَ فِي الْعَقْدِ وَلَوْ بِلَا شَرْطٍ، وَبِهِ قَرَّرَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَتْرُوكًا عَلَى الْبِسَاطِيِّ، وَفِيهِ نَظَرٌ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَأَبِي الْحَسَنِ وَتَبِعَهُ عج، وَنَقَلَ كَلَامَ أَبِي الْحَسَنِ قَبْلَ هَذَا وَلَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ. الْبُنَانِيُّ مَا لِابْنِ رُشْدٍ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي شَرِكَةِ الْمَالِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ، وَجَرَى الْمُصَنِّفُ عَلَى لُزُومِهَا بِهِ، وَكَلَامُ الْحَطّ جَارٍ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَهَلْ يُلْغَى) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (الْيَوْمَانِ) أَيْ مَرَضُهُمَا وَغَيْبُهُمَا فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ بِسَبَبِ اشْتِرَاطِ إلْغَاءِ الْكَثِيرِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي أُجْرَةِ عَمَلِ الْيَوْمَيْنِ، وَيَخْتَصُّ الْعَامِلُ بِأُجْرَةِ الْعَمَلِ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِمَا (كَ) إلْغَائِهِمَا فِي الشَّرِكَةِ (الصَّحِيحَةِ) وَهَذَا لِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ أَوْ لَا يُلْغَيَانِ فَيَخْتَصُّ الْعَامِلُ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ فِيهِمَا أَيْضًا، وَهَذَا لِابْنِ يُونُسَ، فِي الْجَوَابِ (تَرَدُّدٌ) لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْحُكْمِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَهُ تت. الْحَطّ وَجَعَلَ الشَّارِحَانِ الْخِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَاللَّخْمِيِّ، مَعْنَى قَوْلِهِ وَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ كَالصَّحِيحَةِ تَرَدُّدٌ. قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ عَنْ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ يُلْغَى ذَلِكَ وَيَخْتَصُّ بِمَا زَادَ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ لَا يُلْغَى، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ وَنَحْوِهِ فِي الصَّغِيرِ وَفِي الشَّامِلِ فَإِنْ شُرِطَ عَدَمُهُ فِي الْعَقْدِ أَوْ كَثِيرُ آلَةٍ فَسَدَتْ وَلَا يُلْغَى الْيَوْمَانِ فِيهِمَا عَلَى الْأَظْهَرِ اهـ.
الْحَطّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ وَلَا يُسَامَحُ بِالْيَسِيرِ فِي الْفَاسِدَةِ، وَإِنَّمَا يُسَامَحُ فِيهِ فِي الصَّحِيحَةِ فَكَلَامُ بَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ اللَّخْمِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ كَلَامِهِ عَلَى الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَلَوْ اشْتَرَكَا عَلَى الْعَفْوِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ كَانَتْ شَرِكَةً فَاسِدَةً وَلَوْ فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، لَكَانَ التَّرَاجُعُ بَيْنَهُمَا فِي
وَبِاشْتِرَاكِهِمَا بِالذِّمَمِ أَنْ يَشْتَرِيَا بِلَا مَالٍ وَهُوَ بَيْنَهُمَا
ــ
[منح الجليل]
قَرِيبِ ذَلِكَ وَبَعِيدِهِ اهـ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى الْقَوْلِ بِلَغْوِ الْيَوْمَيْنِ فِي الْفَاسِدَةِ بَعْدَ مُرَاجَعَةِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ يُونُسَ وَأَبِي الْحَسَنِ وَالرَّجْرَاجِيِّ وَالذَّخِيرَةِ وَابْنِ عَرَفَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّوْضِيحِ، فَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ وَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ كَالْقَصِيرَةِ تَرَدُّدٌ، وَيَكُونُ مُرَادُهُ وَهَلْ يُلْغَى الْيَوْمَانِ مِنْ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ كَمَا يُلْغَيَانِ فِي الْقَصِيرَةِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ أَوْ لَا يُلْغِيَانِ، وَهُوَ الَّذِي نَسَبَهُ أَبُو الْحَسَنِ لِلَّخْمِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ شَرِكَةَ الذِّمَمِ وَتُسَمَّى شَرِكَةَ الْوُجُوهِ أَيْضًا فَقَالَ (وَ) فَسَدَتْ الشَّرِكَةُ (بِاشْتِرَاكِهِمَا) أَيْ الشَّخْصَيْنِ (بِالذِّمَمِ) بِكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ ذِمَّةٍ بِكَسْرِهَا وَشَدِّ الْمِيمِ وَهِيَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى (أَنْ يَشْتَرِيَا) مَا تَيَسَّرَ لَهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا (بِلَا مَالٍ) مُشْتَرَكٍ بَيْنَهَا يَدْفَعَانِ مِنْهُ ثَمَنَ مَا يَشْتَرِيَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا، وَيَكُونُ ثَمَنُهُ دَيْنًا بِذِمَّتِهِمَا، وَبَيَّنَ الْحُكْمَ بَعْدَ الْوُقُوعِ فَقَالَ (وَهُوَ) أَيْ مَا اشْتَرَيَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا مُشْتَرَكٌ (بَيْنَهُمَا) عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ سَحْنُونٌ مَا يَشْتَرِيهِ أَحَدُهَا يَخْتَصُّ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ إلَّا بِالْأَمْوَالِ أَوْ بِعَمَلِ الْأَبْدَانِ إنْ كَانَ صَنْعَةً وَاحِدَةً فَأَمَّا بِالذِّمَمِ بِغَيْرِ مَالٍ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا ابْتَاعَ الْآخَرُ فَلَا تَجُورُ كَانَا بِبَلَدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِبَلَدَيْنِ يُجَهِّزُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي الرَّقِيقِ أَوْ فِي جَمِيعِ التِّجَارَاتِ أَوْ بَعْضِهَا، وَكَذَا اشْتِرَاكُهُمَا بِمَالٍ قَلِيلٍ عَلَى أَنْ يَتَدَايَنَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَالَ لِصَاحِبِهِ تَحْمِلُ عَنِّي بِنِصْفِ مَا أَشْتَرِي وَأَتَحَمَّلُ عَنْك بِنِصْفِ مَا تَشْتَرِي إلَّا أَنْ يَشْتَرِكَا فِي شِرَاءِ سِلْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ حَاضِرَةٍ أَوْ غَائِبَةٍ فَيَبْتَاعَانِهَا بِدَيْنٍ فَيَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَا حَاضِرَيْنِ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ ضَمِنَ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ اهـ.
أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَكَا بِمَالٍ قَلِيلٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ، قَالَ فِيمَا يَأْتِي وَأَكْرَهُ أَنْ يُخْرِجَا مَالًا عَلَى أَنْ يَتَّجِرَا بِهِ وَبِالدَّيْنِ مُفَاوَضَةً، فَإِنْ فَعَلَا فَمَا اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَبَيْنَهُمَا وَإِنْ جَاوَزَ رَأْسَ مَالَيْهِمَا. اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ الْمَنْعُ قَالَ فِيهَا فَإِذَا وَقَعَ بِالذِّمَمِ فَمَا اشْتَرَيَا فَبَيْنَهُمَا عَلَى مَا عَقَدَا وَتُفْسَخُ الشَّرِكَةُ مِنْ الْآنِ. أَبُو الْحَسَنِ الْفَسْخُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ الْمَنْعُ، وَفِي سَمَاعِ عِيسَى فِي الرَّجُلِ قَالَ لِصَاحِبِهِ اُقْعُدْ فِي هَذَا الْحَانُوتِ تَبِيعُ فِيهِ،
وَكَبَيْعِ وَجِيهٍ مَالٍ خَامِلٍ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ
وَكَذِي رَحًى وَذِي بَيْتٍ، وَذِي دَابَّةٍ
ــ
[منح الجليل]
وَأَنَا آخُذُ الْمَتَاعَ بِوَجْهِي وَالضَّمَانُ عَلَيَّ وَعَلَيْك، قَالَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا تَعَامَلَا عَلَيْهِ وَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ أُجْرَةَ مَا يَفْضُلُهُ بِهِ فِي الْعَمَلِ.
ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ لِلضَّمَانِ إذَا عَمِلَا بِمَا تَدَايَنَا بِهِ كَمَا يَتْبَعُ الْمَالُ إذَا عَمِلَا بِمَا أَخْرَجَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْمَالِ. اهـ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ أَقْعَدْت صَانِعًا فِي حَانُوتٍ عَلَى أَنْ تَنْقُلَ إلَيْهِ الْمَتَاعُ وَيَعْمَلُ هُوَ فِيمَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ بَيْنَكُمَا نِصْفَيْنِ فَلَا يَجُوزُ. اهـ. وَفِي سَمَاعِ عِيسَى فِي رَجُلٍ قَالَ اُقْعُدْ فِي حَانُوتٍ وَأَنَا آخُذُ لَك مَتَاعًا تَبِيعُهُ وَلَك نِصْفُ رِبْحِهِ أَوْ ثُلُثُهُ، فَلَا يَصْلُحُ، فَإِنْ عَمِلَا عَلَيْهِ فَلِلَّذِي فِي الْحَانُوتِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلَّذِي أَجْلَسَهُ فِي الْحَانُوتِ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ لِلضَّمَانِ، فَإِنْ كَانَ ضَمَانُ السِّلَعِ مِنْ الَّذِي أَجْلَسَهُ وَجَبَ كَوْنُ جَمِيعِ الرِّبْحِ لَهُ وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ أَفَادَهُ الْحَطّ.
وَذَكَرُ الْمُصَنِّفُ تَفْسِيرًا ثَانِيًا لِشَرِكَةِ الْوُجُوهِ فَقَالَ (وَكَبَيْعِ) شَخْصٍ تَاجِرٍ (وَجِيهٍ) أَيْ مَرْغُوبٍ فِي الشِّرَاءِ مِنْهُ مَشْهُورٍ بَيْنَ النَّاسِ (مَالَ) أَيْ عَرْضَ تَاجِرٍ (خَامِلٍ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، أَيْ خَفِيٍّ بَيْنَ النَّاسِ لَا يَرْغَبُونَ فِي شِرَاءِ عُرُوضِهِ، وَصِلَةُ بَيْعٍ (بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ) أَيْ مَالِ الْخَامِلِ كَثُلُثِهِ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ بِأُجْرَةٍ مَجْهُولَةٍ، وَإِنْ نَزَلَ فَلِلْوَجِيهِ جَعْلُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَلِلْمُشْتَرِي رَدُّ السِّلْعَةِ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَإِنْ فَاتَتْ لَزِمَهُ الْأَقَلُّ مِنْ ثَمَنِهَا أَوْ قِيمَتِهَا لِأَنَّ الْوَجِيهَ غَشَّهُ. ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا تَصِحُّ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ، وَفُسِّرَتْ بِأَنَّ بَيْعَ الْوَجِيهِ مَالَ الْخَامِلِ بِبَعْضِ رِبْحِهِ. وَقِيلَ هِيَ شَرِكَةُ الذِّمَمِ يَشْتَرِيَانِ وَيَبِيعَانِ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ مَالٍ وَكِلْتَاهُمَا فَاسِدَةٌ وَتُفْسَخُ، وَمَا اشْتَرَيَاهُ فَبَيْنَهُمَا عَلَى الْأَشْهَرِ اهـ وَنَحْوُهُ لِابْنِ شَاسٍ، وَنُسِبَ الْأَوَّلُ لِبَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالثَّانِي لِعَبْدِ الْوَهَّابِ.
وَعَطَفَ عَلَى الْمُشَبَّهِ فِي الْفَسَادِ مُشَبَّهًا آخَرَ فِيهِ فَقَالَ (وَكَ) شَرِكَةِ (ذِي) أَيْ صَاحِبِ (رَحًى) أَيْ آلَةِ طَحْنِ الْحَبِّ (وَذِي بَيْتٍ) تُنْصَبُ الرَّحَى فِيهِ (وَذِي دَابَّةٍ) أَيْ بَعِيرٍ
لِيَعْمَلُوا إنْ لَمْ يَتَسَاوَ الْكِرَاءُ وَتَسَاوَوْا فِي الْغَلَّةِ، وَتَرَادُّوا الْأَكْرِيَةَ
ــ
[منح الجليل]
أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ بَقَرَةٍ تَدُورُ بِالرَّحَى (لِيَعْلَمُوا) أَيْ الثَّلَاثَةُ فِي طَحْنِ الْحُبُوبِ الَّتِي تَأْتِيهِمْ بِأَجْرٍ يَقْسِمُونَهَا بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهَا فَهِيَ شَرِكَةٌ فَاسِدَةٌ (إنْ لَمْ يَتَسَاوَ الْكِرَاءُ لِلرَّحَى وَالْبَيْتِ وَالدَّابَّةِ) بِأَنْ كَانَ كِرَاءُ الرَّحَى اثْنَيْنِ وَالْبَيْتُ وَاحِدًا وَالدَّابَّةُ ثَلَاثَةً، وَبَيَّنَ حُكْمَهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا فَقَالَ (وَتَسَاوَوْا فِي الْغَلَّةِ) النَّاشِئَةِ مِنْ عَمَلِهِمْ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِهِمْ عَمَلُ أَيْدِيهِمْ وَقَدْ تَكَافَئُوا فِيهِ (وَتَرَادُّوا) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَضَمِّ الدَّالِ مُشَدَّدَةً (الْأَكْرِيَةَ) لِلرَّحَى وَالْبَيْتِ وَالدَّابَّةِ، أَيْ يَتَسَاوَوْنَ فِيهَا بِأَنْ يَدْفَعَ مَنْ نَقَصَ كِرَاءُ شَيْئِهِ عَنْ شَيْءِ صَاحِبِهِ نِصْفَ الْفَضْلِ بَيْنَهُمَا فَيَدْفَعُ ذُو الْبَيْتِ وَاحِدًا لِذِي الدَّابَّةِ فِي الْمِثَالِ.
وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ اشْتَرَكَ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهُمْ بِرَحًى وَالْآخَرُ بِدَابَّةٍ وَالْآخَرُ بِبَيْتٍ عَلَى الْعَمَلِ بِأَيْدِيهِمْ وَالْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ، فَعَمِلُوا عَلَى ذَلِكَ، وَجَهِلُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَيُقْسَمُ مَا أَصَابُوهُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا إنْ كَانَ كِرَاءُ الْبَيْتِ وَالرَّحَى وَالدَّابَّةِ مُعْتَدِلًا، وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَكْرَى مَتَاعَهُ بِمَتَاعِ صَاحِبِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّحَى وَالْبَيْتَ وَالدَّابَّةَ لَوْ كَانَتْ لِأَحَدِهِمْ فَأَكْرَى ثُلُثَيْ ذَلِكَ مِنْ صَاحِبَيْهِ وَعَمِلُوا جَازَتْ الشَّرِكَةُ، وَإِنْ كَانَ مَا أَخْرَجُوهُ مُخْتَلِفًا قُسِمَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا لِأَنَّ رُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ إعْمَالُ أَيْدِيهِمْ وَقَدْ تَكَافَئُوا فِيهَا، وَرَجَعَ مَنْ لَهُ فَضْلُ كِرَاءٍ عَلَى صَاحِبِهِ فَيَتَرَادُّونَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا شَيْئًا لِأَنَّ مَا أَخْرَجُوهُ مِمَّا يُكْرَى قَدْ أُكْرِيَ كِرَاءً فَاسِدًا، وَلَا يَتَرَاجَعُونَ فِي إعْمَالِ أَيْدِيهِمْ لِتُسَاوِيهِمْ فِيهَا اهـ. وَظَاهِرُهَا أَنَّهَا لَا تَجُورُ ابْتِدَاءً حَتَّى يُكْرِيَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ، لَكِنَّهَا إنْ وَقَعَتْ صَحَّتْ إنْ تَسَاوَتْ الْأَكْرِيَةُ وَعَلَيْهِ حَمَلَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، وَتَأَوَّلَهَا سَحْنُونٌ عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا تَمْتَنِعُ إذَا كَانَ كِرَاءُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُخْتَلِفًا، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَكْرَى مَتَاعَهُ بِمَتَاعِ صَاحِبِهِ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ مَعْنَى تَصِحُّ أَنَّهَا تَئُولُ إلَى الصِّحَّةِ لَا أَنَّهَا تَجُوزُ ابْتِدَاءً، وَعَلَى تَأْوِيلِ سَحْنُونٍ مَشَى الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ أَعْنِي قَوْلَهُ إنْ لَمْ يَتَسَاوَ الْكِرَاءُ أَنَّهُ إذَا تَسَاوَى الْكِرَاءُ جَازَتْ، وَقَوْلُهُ وَتَسَاوَوْا فِي الْغَلَّةِ قَابِلٌ لَأَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِفَرْضِ الْمَسْأَلَةِ، وَلَأَنْ يَكُونَ تَقْرِيرًا لِحُكْمِهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا كَمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ، وَصِفَةُ التَّرَادِّ ذَكَرَهَا ابْنُ يُونُسَ عَنْ
وَإِنْ اُشْتُرِطَ عَمَلُ رَبِّ الدَّابَّةِ: فَالْغَلَّةُ لَهُ، وَعَلَيْهِ كِرَاؤُهُمَا
وَقُضِيَ عَلَى شَرِيكٍ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ أَنْ يُعَمِّرَ أَوْ يَبِيعَ:
ــ
[منح الجليل]
أَبِي زَيْدٍ، وَنَقَلَهَا أَبُو الْحَسَنِ وَالشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ قَالَهُ الْحَطّ.
تت وَكَيْفِيَّةُ الرُّجُوعِ أَنْ تُجْمَعَ الْأَكْرِيَةُ وَتُفْضِي عَلَى جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ وَيَسْقُطُ مَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيُرَدُّ مَنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِمُسْتَحِقِّهِ، فَإِنْ كَانَ كِرَاءُ الرَّحَى ثَلَاثَةً وَالْبَيْتُ اثْنَيْنِ وَالدَّابَّةُ وَاحِدًا مَثَلًا، فَالْمَجْمُوعُ سِتَّةٌ تُفَضُّ عَلَى الثَّلَاثَةِ بِالسَّوِيَّةِ، فَيَكُونُ عَلَى كُلٍّ اثْنَانِ فَلِصَاحِبِ الْبَيْتِ مِثْلُ مَا عَلَيْهِ فَلَا يَدْفَعُ شَيْئًا وَلَا يَأْخُذُ شَيْئًا، وَصَاحِبُ الرَّحَى عَلَيْهِ اثْنَانِ وَلَهُ ثَلَاثَةٌ فَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ بِوَاحِدٍ.
(وَإِنْ اُشْتُرِطَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ فِي عَقْدِ شَرِكَةِ ذِي الرَّحَى وَذِي الْبَيْتِ وَذِي الدَّابَّةِ، وَنَائِبُ فَاعِلِ اُشْتُرِطَ (عَمَلُ رَبِّ الدَّابَّةِ) وَحْدَهُ وَعَمِلَ وَحْدَهُ (فَالْغَلَّةُ) النَّاشِئَةُ مِنْ عَمَلِهِ (لَهُ) أَيْ رَبِّ الدَّابَّةِ وَحْدَهُ (وَعَلَيْهِ) أَيْ رَبِّ الدَّابَّةِ (كِرَاؤُهُمَا) أَيْ الرَّحَى وَالْبَيْتِ. الْحَطّ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِذِكْرِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ. وَقَدْ قَالَ اللَّخْمِيُّ وكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْعَامِلُ صَاحِبَ الرَّحَى، فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَكُونُ مَا أَصَابَ لَهُ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْآخَرَيْنِ، وَلَيْسَ هَذَا بِالْبَيِّنِ، وَأَرَى أَنْ يَكُونَ مَا أَصَابَ مَفْضُوضًا عَلَى قَدْرِ أُجْرَةِ الرَّحَى وَالدَّابَّةِ فَمَا نَابَ الرَّحَى مِنْ الْعَمَلِ رَجَعَ عَلَيْهِ الْعَامِلُ فِيهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ لِأَنَّ صَاحِبَ الرَّحَى لَمْ يَبِعْ مَنَافِعَهَا مِنْ الْعَامِلِ، وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ وَأَجِّرْهَا وَلَك بَعْدُ مَا تُؤَاجِرُهَا بِهِ، فَإِنَّمَا يُؤَاجِرُهَا عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا ثُمَّ يَغْرَمَانِ جَمِيعًا أُجْرَةَ الْبَيْتِ. اهـ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْعَامِلُ رَبَّ الْبَيْتِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، لَا الْغَلَّةُ تَابِعَةٌ لِلْعَمَلِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَقُضِيَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ، أَيْ حُكِمَ (عَلَى) شَخْصٍ (شَرِيكٍ) امْتَنَعَ مِنْ الْعِمَارَةِ (فِيمَا) أَيْ عَقَارٍ (لَا يَنْقَسِمُ) كَحَمَّامٍ وَبُرْجٍ احْتَاجَ لِلْعِمَارَةِ، وَصِلَةُ قُضِيَ ب (أَنْ يُعَمِّرَ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَكَسْرٍ مُثَقَّلًا مَعَ شَرِيكِهِ الدَّاعِي لِلْعِمَارَةِ (أَوْ) بِأَنْ (يَبِيعَ) نَصِيبَهُ مِنْهُ لِمَنْ يُعَمِّرُ.
عب وَالْمَعْنَى يَأْمُرُهُ الْقَاضِي بِالتَّعْمِيرِ بِلَا حُكْمٍ عَلَيْهِ بِهَا، فَإِنْ أَبَى حَكَمَ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ فَالْقَضَاءُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
إنَّمَا هُوَ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ الْبَيْعُ، فَاسْتَعْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَعْنَى الْأَمْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّعْمِيرِ، وَبِمَعْنَى الْحُكْمِ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَيْعِ، فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَلَا يَتَوَلَّى الْقَاضِي الْبَيْعَ. طفي ظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِأَحَدِهِمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ الْأَمْرُ، أَيْ يُؤْمَرُ بِأَحَدِهِمَا فَيَكُونُ كَقَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمُشْتَرَكُ مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ يَلْزَمُ أَنْ يُعَمِّرَ أَوْ يَبِيعَ وَإِلَّا بَاعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ مَا يُعَمِّرُ اهـ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُ شَرِيكَيْنِ مَا لَا يَنْقَسِمُ لِإِصْلَاحِهِ أُمِرَ الْآبِي بِهِ، فَإِنْ أَبَى فَفِي جَبْرِهِ عَلَى بَيْعِهِ لِمَنْ يُصْلِحُهُ أَوْ يَبِيعُ الْقَاضِي عَلَيْهِ مِنْ حَظِّهِ بِقَدْرِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْعَمَلِ فِيمَا يَبْقَى مِنْ حَقِّهِ بَعْدَمَا يُبَاعُ عَلَيْهِ مِنْهُ، ثَالِثُهَا إنْ كَانَ مَلِيًّا جُبِرَ عَلَى الْإِصْلَاحِ، وَإِلَّا فَالْأَوَّلُ لِابْنِ رُشْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَالِكٍ وَسَحْنُونٍ ثُمَّ ذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِبَيْعِ بَعْضِ حَظِّهِ إنَّمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مُرَتَّبًا عَلَى إبَايَتِهِ مِنْ الْإِصْلَاحِ فَقَطْ لَا عَلَيْهَا مَعَ إبَايَتِهِ عَنْ بَيْعِهِ مِمَّنْ يُصْلِحُ، وَهُوَ فِي نَقْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِمَا مَعًا، فَهُوَ إنْ صَحَّ قَوْلٌ رَابِعٌ اهـ.
الْبُنَانِيُّ وَالظَّاهِرُ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إذَا لَمْ يُصْلِحْ وَأَرَادَ الْبَيْعَ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ، لَكِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ فِي بَحْثِهِ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْحَطّ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ الْعَيْنُ وَالْبِئْرُ الْمُشْتَرَكَانِ، وَقَدْ قُسِمَتْ أَرْضُهُمَا وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا زَرْعٌ وَلَا شَجَرٌ مُثْمِرٌ يُخَافُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْآبِيَ مِنْ الْعَمَلِ لَا يُلْزَمُ بِهِ، وَيُقَالُ لِصَاحِبِهِ أَصْلِحْ وَلَك الْمَاءُ كُلُّهُ أَوْ مَا زَادَ بِعَمَلِك إلَى أَنْ يَأْتِيَك صَاحِبُك بِمَا عَلَيْهِ مِمَّا أَنْفَقْته، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ. وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ ظَاهِرُ كَلَامِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ أَوْ يَبِيعَ مِمَّنْ يَعْمَلُ وَإِنْ كَانَ مَقْسُومًا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَيْهَا شَجَرٌ أَوْ زَرْعٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ ذَلِكَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا شَيْءٌ. وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَالْمَخْزُومِيُّ إنَّ الشَّرِيكَ فِي الْعَيْنِ وَالْبِئْرِ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُعَمِّرَ مَعَهُ أَوْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ مِمَّنْ يُعَمِّرُ كَالْعُلْوِ لِرَجُلٍ وَالسُّفْلِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
لِآخَرَ فَيَنْهَدِمُ وَهُوَ نَظِيرٌ غَيْرُ صَحِيحٍ، إذْ لَا يَقْدِرُ صَاحِبُ الْعُلْوِ أَنْ يَبْنِيَ عُلْوَهُ حَتَّى يَبْنِيَ صَاحِبُ السُّفْلِ سُفْلَهُ، وَيَقْدِرُ الَّذِي يُرِيدُ السَّقْيَ مِنْ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا إذَا انْهَدَمَتْ أَنْ يَصِلَ إلَى مَا يُرِيدُ مِنْ السَّقْيِ بِأَنْ يُصْلِحَ الْبِئْرَ، وَيَكُونَ أَحَقَّ بِجَمِيعِ مَائِهَا إلَى أَنْ يَأْتِيَهُ صَاحِبُهُ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْ النَّفَقَةِ، فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ نَافِعٍ وَالْمَخْزُومِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فُرُوعٌ) : الْأَوَّلُ: إذَا كَانَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ غَائِبًا، فَإِنَّ الْقَاضِي يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ بِالْبَيْعِ إنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مِنْ مَالِهِ مَا يُعَمِّرُ بِهِ نَصِيبَهُ نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ.
الثَّانِي: إذَا كَانَ الْمُشْتَرَكُ لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ كَفُرْنٍ ثُمَّ خَرِبَ وَصَارَ أَرْضًا تُقْبَلُ الْقِسْمَةُ، فَإِنَّهُ يُقْسَمُ نَقَلَهُ الْبُرْزُلِيُّ عَنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ إسْكَنْدَرِيَّةَ.
الثَّالِثُ: فِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ سَحْنُونٌ فِي رَجُلَيْنِ لَهُمَا سَفِينَةٌ، فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَحْمِلَ فِي نَصِيبِهِ مِنْهَا مَتَاعًا وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ شَيْءٌ يَحْمِلُهُ فِي نَصِيبِهِ، فَقَالَ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ لَا أَدَعُكَ تَحْمِلُ فِيهَا شَيْئًا إلَّا بِكِرَاءٍ. وَقَالَ الْأَوَّلُ إنَّمَا أَحْمِلُ فِي نَصِيبِي، قَالَ فَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ فِي نَصِيبِهِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ بِكِرَاءٍ، فَأَمَّا أَنْ يَحْمِلَ فِي نَصِيبِهِ مِثْلَ مَا يَحْمِلُ صَاحِبُهُ مِنْ الشَّحْنِ وَالْمَتَاعِ، وَإِلَّا بِيعَ الْمَرْكَبُ عَلَيْهِمَا. اهـ. وَنَقَلَهُ اللَّخْمِيُّ، وَزَادَ وَلَوْ أَوْسَقَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَجِدْ الْآخَرُ مَا يُوسِقُ لَكَانَ لِهَذَا أَنْ يُسَفِّرَ الْمَرْكَبَ وَلَا مَقَالَ لِشَرِيكِهِ فِي كِرَاءٍ وَلَا بَيْعٍ، لِأَنَّهُ وَسَقَهُ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ، وَذَلِكَ إذْنٌ بِتَسْفِيرِهِ تِلْكَ الطَّرِيقَ وَلَوْ كَانَ غَائِبًا حِينَ أَوَسْقَ وَلَمَّا حَضَرَ أَنْكَرَ وَلَمْ يَجِدْ كِرَاءً لَكَانَ لَهُ أَنْ يَدْعُوهُ إلَى بَيْعِهِ، فَإِنْ صَارَ لِمَنْ أَوَسْقَهُ أَقَرَّ وَسْقَهُ، وَإِنْ صَارَ لِلْغَائِبِ أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ أَمَرَ أَنْ يَحُطَّ وَسْقَهُ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا عَلَى كِرَاءٍ فَيَتْرُكَ وَهَذَا إذَا كَانَ يُتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ حَالِ الْمَرْكَبِ تَحْتَ الْمَاءِ. اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.
وَأَجَابَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَجِدْ مَا يَحْمِلُهُ فِي نَصِيبِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَرِيكِهِ حِصَّتَهُ مِنْ الْكِرَاءِ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ حَتَّى يُعَامِلَهُ عَلَيْهِ أَوْ يَنْفَصِلَا بِبَيْعِهِ وَقِسْمَةِ ثَمَنِهِ. الْبُرْزُلِيُّ وَالدَّوَابُّ وَالْعَبِيدُ كَالْمَرْكَبِ. الْحَطّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ،
كَذِي سُفْلٍ، وَإِنْ وَهِيَ
ــ
[منح الجليل]
لِأَنَّ حَاصِلَ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ لَا يَقْضِي الشَّرِيكُ الَّذِي لَمْ يَجِدْ مَا يَحْمِلُهُ بِكِرَاءٍ عَلَى الْآخَرِ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ السَّفَرِ مُطْلَقًا، وَلَا يَقْضِي لِلْآخَرِ بِالسَّفَرِ بِهِ مُطْلَقًا، بَلْ إمَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَى كِرَاءٍ أَوْ عَلَى شَيْءٍ وَإِلَّا بِيعَ عَلَيْهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الرَّابِعُ: إذَا زَرَعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي بَعْضِ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، فَفِي سَمَاعِ عِيسَى إذَا كَانَ الشَّرِيكُ حَاضِرًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا تَرَكَهُ رَاضِيًا بِزَرْعِهِ، وَنَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ.
الْخَامِسُ: ابْنُ يُونُسَ فِي مَرْكَبٍ بَيْنَ شَخْصَيْنِ نِصْفَيْنِ خَرِبَ أَسْفَلُهُ حَتَّى صَارَ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فَأَصْلَحَهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ، قَالَ فَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ إمَّا أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ وَيَكُونَ الْمَرْكَبُ بَيْنَهُمَا أَوْ يَأْخُذَ مِنْ شَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ خَرِبًا إنْ شَاءَ شَرِيكُهُ ذَلِكَ، فَإِنْ أَبَيَا فَلِلَّذِي أَنْفَقَ بِقَدْرِ مَا زَادَتْ نَفَقَتُهُ مَعَ حِصَّتِهِ الْأُولَى، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ خَرِبًا مِائَةً وَمَصْلُوحًا مِائَتَيْنِ فَلِلَّذِي أَنْفَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ. ابْنُ يُونُسَ وَاَلَّذِي أَرَى أَنَّ شَرِيكَهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا أَنْفَقَ أَوْ نِصْفَ مَا زَادَ فِي الْمَرْكَبِ، وَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ بِقَدْرِ مَا زَادَ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْ الْآنَ وَخُذْ مَا زَادَ.
وَشَبَّهَ فِي الْأَمْرِ بِالتَّعْمِيرِ وَالْقَضَاءِ بِالْبَيْعِ إنْ أَبَى فَقَالَ (كَذِي) بِنَاءٍ (سُفْلٍ) أَيْ مُنْخَفِضٍ وَعَلَيْهِ بِنَاءٌ لِآخَرَ فَيُؤْمَرُ ذُو السُّفْلِ بِتَعْمِيرِهِ، فَإِنْ أَبَى قُضِيَ عَلَيْهِ بِبَيْعِهِ (إنْ وَهَى) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْهَاءِ أَيْ ضَعُفَ وَأَشْرَفَ عَلَى السُّقُوطِ وَخِيفَ سُقُوطُ الَّذِي عَلَيْهِ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَنْزِلِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا الْعُلْوُ وَلِلْآخَرِ السُّفْلُ فَيَنْكَسِرُ سَقْفُ الْبَيْتِ الْأَسْفَلِ، فَعَلَى صَاحِبِهِ إصْلَاحُهُ، وَكَذَا لَوْ انْهَدَمَ جِدَارُ الْأَسْفَلِ فَعَلَيْهِ بِنَاؤُهُ وَتَسْقِيفُهُ. ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ صَحِيحَةٌ مِثْلُ مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا اخْتِلَافَ أَعْلَمُهُ فِيهَا. وَدَلِيلُ
وَعَلَيْهِ التَّعْلِيقُ وَالسَّقْفُ
وَكَنْسُ مِرْحَاضٍ
ــ
[منح الجليل]
صِحَّتِهَا قَوْله تَعَالَى {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} [الزخرف: 33] فَلَمَّا أَضَافَ السَّقْفَ لِلْبَيْتِ وَجَبَ أَنْ يَحْكُمَ بِالسَّقْفِ لِحَاجِبِ الْبَيْتِ الْأَسْفَلِ إذَا اخْتَلَفَ فِيهِ مَعَ صَاحِب الْأَعْلَى فَادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِنَفْسِهِ وَأَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَهُ فَيَلْزَمُهُ بِنَاؤُهُ إنْ نَفَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ لِصَاحِبِهِ لِيُوجِبَ عَلَيْهِ بُنْيَانَهُ.
(فَرْعٌ) إذَا كَانَ سَبَبُ انْهِدَامِ السُّفْلِ وَهَاءَ الْعُلْوِ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ السُّفْلِ حَاضِرًا عَالِمًا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فَلَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْعُلْوِ. وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ غَائِبًا، فَإِنْ كَانَ وَهَاءُ الْعُلْوِ مِمَّا لَا يَخْفَى سُقُوطُهُ، فَهَلْ يَضْمَنُ أَوْ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ إلَيْهِ اللَّخْمِيُّ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ وَإِنْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ وَلَمْ يُصْلِحْ ضَمِنَ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ سَبَبُ انْهِدَامِ الْعُلْوِ وَهَاءَ السُّفْلِ اهـ مِنْ التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ. (وَعَلَيْهِ) أَيْ ذِي السُّفْلِ (التَّعْلِيقُ) لِلْأَعْلَى أَيْ حَمْلُهُ عَلَى خَشَبٍ وَنَحْوَهُ حَتَّى يَبْنِيَ (وَ) عَلَيْهِ (السَّقْفُ) السَّاتِرُ لِسُفْلِهِ، إذْ لَا يُسَمَّى السُّفْلُ بَيْتًا إلَّا بِهِ.
(تَتْمِيمٌ) سَمِعَ أَشْهَبُ بَابُ الدَّارِ عَلَى رَبِّ السُّفْلِ (وَ) عَلَيْهِ (كَنْسُ) فَضَلَاتِ (مِرْحَاضٍ) سَقَطَتْ فِيهِ مِنْ ذِي الْأَعْلَى وَذِي الْأَسْفَلِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ لِأَنَّهُ لِصَاحِبِ الْأَسْفَلِ كَالسَّقْفِ. وَقِيلَ عَلَيْهِمَا مَعًا فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ رَقَبَةٌ لِلْأَعْلَى أَمْ لَا. ابْنُ أَبِي زَيْدٍ أَخَذَ بَعْضُ مُتَوَلِّي الْحُكْمِ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا بِالْأَوَّلِ إنْ كَانَ فِي الدَّارِ رَقَبَةٌ وَبِالثَّانِي إنْ كَانَ فِي الْفِنَاءِ. ابْنُ عَرَفَةَ وَفِي كَوْنِ كَنْسِ مِرْحَاضٍ بِالسُّفْلِ يُلْقِي فِيهِ رَبُّ الْعُلْوِ فَضْلَتَهُ عَلَى رَبِّ السُّفْلِ أَوْ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ الْجَمَاجِمِ نَقْلًا ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ بَاعَ شَاةً مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ عَنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ لِأَشْهَبَ، وَقَوْلُ أَصْبَغَ مَعَ ابْنِ وَهْبٍ وَعَلَيْهِمَا الْخِلَافُ فِي كَنْسِ كَنِيفِ الدَّارِ الْمُكْتَرَاةِ. أَشْهَبُ عَلَى رَبِّهَا، وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَسَمِعَ أَبُو زَيْدِ بْنُ الْقَاسِمِ عَلَى الْمُكْتَرِي عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَصْبَغَ وَابْنِ وَهْبٍ وَفِيهَا دَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ.
لَا سُلَّمٌ
وَبِعَدَمِ زِيَادَةِ الْعُلْوِ، وَإِلَّا الْخَفِيفَ وَبِالسَّقْفِ لِلْأَسْفَلِ
وَبِالدَّابَّةِ لِلرَّاكِبِ
ــ
[منح الجليل]
قُلْت وَزَادَ الشَّيْخُ وَقَالَ لَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَتْ رَقَبَةُ الْبِئْرِ لِرَبِّ أَسْفَلَ فَالْكَنْسُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِرَبِّ الْعُلْوِ رَقَبَةٌ فَرَقَبَةُ الْبِئْرِ مِلْكٌ فَالْكَنْسُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ الْجَمَاجِمِ. الشَّيْخُ خَرَّجَ عَلَى قَوْلَيْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ كَانَ لِرَبِّ الْعُلْوِ مِلْكٌ فِي الْبِئْرِ فَعَلَيْهِ بِقَدْرِ مِلْكِهِ وَابْنُ وَهْبٍ لَا يَسْأَلُهُ عَنْ الرَّقَبَةِ الْكَنْسَ عَلَى كُلِّ مَنْ انْتَفَعَ وَأَخَذَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا مِمَّنْ وَلِيَ الْحُكْمَ فَقَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ إنْ كَانَتْ مَحْفُورَةً فِي الْفِنَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ مَحْفُورَةً فِي الدَّارِ فَالْكَنْسُ عَلَى مَنْ مَلَكَ رَقَبَةَ الْبِئْرِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الشَّيْخُ وَالْقَوْلُ فِي مِرْحَاضٍ بَيْنَ دَارَيْنِ كَالْقَوْلِ فِي الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ فِيمَنْ لَهُ رَقَبَةُ الْبِئْرِ أَوْ لَيْسَتْ لَهُ.
(لَا) يَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْأَسْفَلِ (سُلَّمٌ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ مُشَدَّدًا يَرْقَى عَلَيْهِ رَبُّ الْأَعْلَى فَهُوَ عَلَى رَبِّ الْأَعْلَى لِأَنَّهُ الْمُنْتَفِعُ بِهِ، وَكَذَا الْبَلَاطُ عَلَى السَّقْفِ. وَشَمِلَ كَلَامَهُ عَلْوَانَ عَلَى سُفْلٍ فَلَيْسَ عَلَى ذِي السُّفْلِ شَيْءٌ مِنْهُ، وَلَيْسَ عَلَى الْوَسَطِ سُلَّمٌ لِلْأَعْلَى مِنْهُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ سُلَّمٌ مِنْ الْأَسْفَلِ إلَى مَحِلِّهِ الْوَسَطِ كَمَا يُفِيدُهُ التَّوْضِيحُ لِتَوَقُّفِ انْتِفَاعِهِ بِالْوَسَطِ عَلَيْهِ وَإِنْ انْتَفَعَ بِهِ الْأَعْلَى أَيْضًا وَعَلَى ذِي الْأَعْلَى سُلَّمٌ مِنْ الْوَسَطِ إلَى أَعْلَاهُ.
(وَ) قُضِيَ عَلَى ذِي عُلْوٍ (بِعَدَمِ زِيَادَةِ) بِنَاءِ (الْعُلْوِ) الْمَدْخُولِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تَضُرُّ السُّفْلَ (إلَّا) الشَّيْءَ (الْخَفِيفَ) الَّذِي لَا يَضُرُّ السُّفْلَ حَالًا وَمَآلًا (وَ) قُضِيَ (بِالسَّقْفِ) الْحَامِلِ لِلْأَعْلَى الْمُتَنَازَعِ فِي أَخْذِ نَقْضِهِ بَعْدَ هَدْمِهِ (لِ) رَبِّ (الْأَسْفَلِ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَسْفَلَ لَا يُسَمَّى بَيْتًا إلَّا بِهِ، وَلِلْقَضَاءِ عَلَى ذِي الْأَسْفَلِ بِوَضْعِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِيهِ
(و) قُضِيَ (بِالدَّابَّةِ) الْمُتَنَازَعِ فِي مِلْكِهَا رَاكِبُهَا وَالْقَائِدُ لَهَا بِزِمَامِهَا أَوْ السَّائِقُ لَهَا (لِلرَّاكِبِ) عَلَيْهَا إلَّا لِعُرْفٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَأَوْلَى بَيِّنَةٍ، فَإِنْ تَنَازَعَ فِيهَا رَاكِبَانِ عَلَى ظَهْرِهَا قُضِيَ بِهَا لِلْمُقَدَّمِ، فَإِنْ رَكِبَاهَا بِجَنْبَيْهَا قُضِيَ بِهَا لَهُمَا، فَإِنْ سَاقَاهَا تَابِعَيْنِ لَهَا أَوْ سَاقَهَا أَحَدُهُمَا وَقَادَهَا الْآخَرُ فَهِيَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ رَكِبَهَا وَاحِدٌ عَلَى ظَهْرِهَا وَاثْنَانِ عَلَى جَنْبَيْهَا قُضِيَ بِهَا لِمَنْ عَلَى ظَهْرِهَا إلَّا
لَا مُتَعَلِّقٍ بِلِجَامٍ
وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمْ رَحًى إذْ أَبَيَا، فَالْغَلَّةُ لَهُمْ، وَيَسْتَوْفِي مِنْهَا: مَا أَنْفَقَ
ــ
[منح الجليل]
لِعُرْفٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَأَوْلَى بَيِّنَةٍ (لَا) يُقْضَى بِالدَّابَّةِ لِشَخْصٍ (مُتَعَلِّقٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ (بِلِجَامٍ) لِلدَّابَّةِ الْمُتَنَازَعِ فِي مِلْكِهَا إلَّا لِعُرْفٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَأَوْلَى بَيِّنَةٍ.
(وَإِنْ) اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي رَحًى وَخَرِبَتْ فَ (أَقَامَ) أَيْ أَصْلَحَ (أَحَدُهُمْ) أَيْ الشُّرَكَاءِ (رَحًى) مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ (إذْ) بِسُكُونِ الذَّالِ أَيْ حِينَ (أَبَيَا) أَيْ امْتَنَعَ شَرِيكَاهُ فِيهَا مِنْ إصْلَاحِهَا مَعَهُ (فَالْغَلَّةُ) لِلرَّحَى بَعْدَ إصْلَاحِهَا (لَهُمْ) أَيْ الشُّرَكَاءِ بِحَسَبِ أَنْصِبَائِهِمْ فِيهَا (وَيَسْتَوْفِي) مُقِيمُهَا (مِنْهَا) أَيْ الْغَلَّةِ (مَا) أَيْ الْمَالَ الَّذِي (أَنْفَقَ) هـ مُقِيمُهَا فِي إقَامَتِهَا أَوَّلًا، ثُمَّ تُقْسَمُ غَلَّتُهَا بَيْنَهُمْ. الْحَطّ هَذَا خِلَافُ مَا قَدَّمَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَنَصَّ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَإِذَا انْهَدَمَتْ الرَّحَى الْمُشْتَرَكَةُ فَأَقَامَهَا أَحَدُهُمْ إذْ أَبَى الْبَاقِي فَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْغَلَّةُ كُلُّهَا لِمُقِيمِهَا، وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ نَصِيبِهِمْ خَرَابًا، وَعَنْهُ أَيْضًا يَكُونُ شَرِيكًا فِي الْغَلَّةِ بِمَا زَادَ بِعِمَارَتِهِ؛ فَإِنْ كَانَ قِيمَتُهَا عَشَرَةً وَبَعْدَ عِمَارَتِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَهُ ثُلُثُ غَلَّتِهَا بِعِمَارَتِهِ وَبَاقِيهَا بَيْنَهُمْ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ يَدْفَعُ لَهُ مَا يَنُوبُهُ مِنْ قِيمَتِهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَقِيلَ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ وَيَسْتَوْفِي مِنْهَا مَا أَنْفَقَ اهـ. وَنَصَّ ابْنُ رُشْدٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ فَتَحَصَّلَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُحَاصِصُ بِالنَّفَقَةِ فِي الْغَلَّةِ انْهَدَمَتْ الرَّحَى أَوْ انْخَرَقَ سَدُّهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يُحَاصِصُ بِهَا فِيهَا فِي الْوَجْهَيْنِ. وَالثَّالِثُ: الْغَلَّةُ بَيْنَهُمَا وَكُلُّهَا مَرْوِيَّةٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَعَلَى أَنَّهُ لَا يُحَاصِصُ بِهَا فِيهَا فِي الْغَلَّةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، أَحَدُهَا: كُلُّهَا لِلْعَامِلِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ شَرِيكُهُ الدُّخُولَ مَعَهُ، وَيَأْتِيهِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ فِي حَظِّ شَرِيكِهِ مِنْ الرَّحَى فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ بِئْرٍ غَارَ مَاؤُهَا أَوْ انْهَدَمَتْ نَاحِيَةٌ مِنْهَا فَأَرَادَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْعَمَلَ وَأَبَى صَاحِبُهُ فَقِيلَ لِمَنْ أَبَى اعْمَلْ مَعَهُ أَوْ بِعْ مِمَّنْ يَعْمَلُ فَأَبَى وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَمَلِ وَحْدَهُ فَالْمَاءُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ حَتَّى يَدْفَعَ لَهُ نَصِيبَهُ مِنْ النَّفَقَةِ فَكَذَلِكَ الرَّحَى، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَوَجْهُ قَوْلِهِ لَا كِرَاءَ عَلَيْهِ لَحَظِّ شَرِيكِهِ مِنْ الرَّحَى أَنَّهَا لَا كِرَاءَ لَهَا مَا دَامَتْ مَهْدُومَةً، وَإِنَّمَا صَارَ لَهَا الْكِرَاءُ بِإِصْلَاحِهَا.
وَبِالْإِذْنِ فِي دُخُولِ جَارِهِ لِإِصْلَاحِ جِدَارٍ وَنَحْوِهِ
ــ
[منح الجليل]
وَالثَّانِي: أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْعَامِلِ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ الرَّحَى وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى، وَوَجْهُهُ أَنَّهَا تُكْرَى لِمَنْ يُعَمِّرُهَا وَقَدْ عَمَّرَهَا الْعَامِلُ وَانْتَفَعَ بِهَا فَوَجَبَ عَلَيْهِ حِصَّةُ شَرِيكِهِ مِنْ كِرَائِهَا، وَهُوَ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ قَوْلِ عِيسَى وَقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا فِيمَا ذَكَرَ مِنْ كِرَاءِ نَصِيبِ الْآبِي.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْغَلَّةَ بَيْنَهُمَا وَلِغَيْرِ الْعَامِلِ يُقَدَّرُ حَظُّهُ مِنْ الرَّحَى خَرِبَةً وَلِلْعَامِلِ بِقَدْرِ حَظِّهِ مِنْهَا أَيْضًا وَيُقَدَّرُ عَمَلُهُ إلَى أَنْ يُرِيدَ شَرِيكُهُ الدُّخُولَ مَعَهُ وَيَأْتِيهِ بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِيمَا عَمِلَ. اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَقَالَ بَعْدَهُ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ فَهِمَ هَذَا التَّحْصِيلَ إجْمَالُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ. الْحَطّ وَاعْتَمَدَ الْمُصَنِّفُ هُنَا عَلَى قَوْلِهِ فِي التَّوْضِيحِ نَاقِلًا عَنْ أَنَّ عَبْدَ السَّلَامِ أَثَرَ كَلَامَ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَبِالثَّانِي قَالَ ابْنُ دِينَارٍ. ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالثَّالِثُ أَقْوَاهَا عِنْدِي. وَفِي الثَّانِي إلْزَامُهُمْ الشِّرَاءَ مِنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ أَوْ انْفِرَادُهُ بِأَكْثَرَ الْغَلَّةِ عَنْهُمْ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ لِاسْتِلْزَامِهِ حَجْرُ مِلْكِهِمْ عَنْهُمْ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إلَّا أُجْرَةَ الْخَرَابِ. فَإِنْ قِيلَ الثَّالِثُ ضَعِيفٌ أَيْضًا لِأَنَّ مُتَوَلِّي النَّفَقَةَ أَخْرَجَ مِنْ يَدِهِ مَا أَنْفَقَ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَيَأْخُذُهُ مِنْ الْغَلَّةِ مُقَطَّعًا، قِيلَ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ اخْتِيَارًا، وَلَوْ شَاءَ لَرَفَعَهُمْ إلَى الْقَاضِي فَحَكَمَ عَلَيْهِمْ بِمَا قَالَهُ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ إمَّا أَنْ يُسَلِّمُوا أَوْ يَبِيعُوا مِمَّنْ يُصَلَّحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) قَضَى عَلَى جَارٍ (بِالْإِذْنِ فِي دُخُولِ جَارِهِ) دَارِهِ (لِإِصْلَاحِ جِدَارٍ وَنَحْوَهُ) أَيْ الْجِدَارِ كَخَشَبٍ وَنَحْوِهِ أَوْ الْإِصْلَاحِ كَإِخْرَاجِ ثَوْبِهِ الْوَاقِعِ فِي الدَّارِ إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ لَهُ، لَكِنْ هَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِالْجَارِ، بَلْ كُلُّ مَنْ وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ فِي دَارِ غَيْرِهِ حُكْمُهُ كَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ النَّوَادِرِ وَلَوْ قَلَعَ الرِّيحُ ثَوْبَ رَجُلٍ فَأَلْقَتْهُ فِي دَارِ آخَرَ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ دُخُولِهَا لِأَخْذِهِ إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ لَهُ اهـ. الْبِسَاطِيُّ مِثْلُهُ دُخُولُ دَابَّةٍ فِي دَارِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ إخْرَاجَهَا مِنْهَا إلَّا مَالِكُهَا. الْحَطّ وَهُوَ وَاضِحٌ، فَعَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْإِصْلَاحِ أَحْسَنُ لِشُمُولِهِ مَا ذَكَرَ أَيْضًا وَتَفَقُّدُ الْجِدَارِ مِنْ بَيْتِ الْجَارِ.
وَبِقِسْمَتِهِ، إنْ طُلِبَتْ
ــ
[منح الجليل]
ابْنُ عَرَفَةَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ عَنْ الْمُشَاوَرِ لِمَنْ لَهُ حَائِطٌ بِدَارِ رَجُلٍ بِالدُّخُولِ إلَيْهِ لِافْتِقَادِهِ كَمَنْ لَهُ شَجَرَةٌ فِي دَارِ رَجُلٍ. ابْنُ فَتُّوحٍ مَنْ ذَهَبَ إلَى طَرِّ حَائِطٍ مِنْ نَاحِيَةِ جَارِ دَارِهِ فَمَنَعَهُ مِنْهُ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ يَحْتَاجُ إلَى الطَّرِّ فَلَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلِجَارِهِ مَنْعُهُ. ابْنُ عَرَفَةَ هَذَا كَالْمُخَالِفِ لِقَوْلِ الْمُشَاوِرِ لَهُ الدُّخُولُ لِافْتِقَادِهِ. الْحَطّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَرِيبٌ مِنْ كَلَامِ ابْنِ فَتُّوحٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ كَلَامَ الْمُشَاوِرِ لِأَنَّهُ فِي الْجِدَارِ الَّذِي فِي دَارِ الرَّجُلِ وَلَا يُمْكِنُهُ النَّظَرُ إلَيْهِ إلَّا مِنْ دَارِ جَارِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ تَشْبِيهُهُ بِالشَّجَرَةِ وَكَلَامُ ابْنِ فَتُّوحٍ فِي الْجِدَارِ الْمُجَاوِرِ، وَهَذَا يُمْكِنُهُ نَظَرُهُ مِنْ دَارِ نَفْسِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ابْنُ عَرَفَةَ فِي النَّوَادِرِ لِابْنِ سَحْنُونٍ عَنْهُ فِي جَوَابِهِ حَبِيبًا مَنْ أَرَادَ أَنْ يُطِرَّ حَائِطَهُ مِنْ دَارِ جَارِهِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ دُخُولِهَا لِطَرِّهِ. ابْنُ حَارِثٍ لَيْسَ لَهُ الطَّرُّ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي هَوَاءِ جَارِهِ إلَّا أَنْ يَنْحِتَ مِنْ حَائِطٍ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّرُّ. اهـ. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَطُرَّ دَاخِلَ دَارِهِ وَلِجَارِهِ حَائِطٌ فِيهَا فَيَمْنَعُهُ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ وَلِأَنَّ فِيهِ نَفْعًا لَهُ وَلَا يَضُرُّ جَارَهُ. ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ سَحْنُونٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ الدُّخُولَ لِطَرِّ جِدَارِهِ، وَلَهُ مَنْعُهُ مِنْ إدْخَالِ الْجَصِّ وَالطِّينِ وَيَفْتَحُ فِي حَائِطِهِ كُوَّةً لِأَخْذِ ذَلِكَ. ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَبْصِرَتِهِ فَإِنْ أَرَادَ طَرَّ حَائِطِهِ فَذَهَبَ جَارُهُ إلَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الدُّخُولِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ الْبِنَاءِ وَالْأُجَرَاءِ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمْ، وَيُقَالُ لِصَاحِبِ الْحَائِطِ صِفْ لَهُمْ مَا تُرِيدُ وَأَمَّا أَنْتَ فَلَا تَدْخُلْ دَارِهِ لِكَرَاهَةِ جَارِك دُخُولَك فِيهَا، فَإِنْ مَنَعَ إدْخَالَ الطِّينِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْبَابِ أُمِرَ صَاحِبُ الْحَائِطِ بِفَتْحِ مَوْضِعٍ فِي حَائِطِهِ لِيُدْخِلَ مِنْهُ الطِّينَ وَالطُّوبَ وَالصَّخْرَ وَسَائِرَ مَا يَحْتَاجُ الْحَائِطُ إلَيْهِ وَيَعْجِنُ الطِّينَ فِي دَارِهِ وَيُدْخِلُهُ إلَى دَارِ جَارِهِ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي فَتَحَهُ، فَإِذَا أَتَمَّ الْعَمَلَ بَنَى ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَحَصَّنَهُ.
(وَ) إذَا كَانَ حَائِطٌ مُشْتَرَكًا وَطَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ قِسْمَتَهُ قُضِيَ (بِقِسْمَتِهِ) أَيْ الْحَائِطِ (إنْ طُلِبَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ قِسْمَتُهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِشَرْطِ عَدَمِ الضَّرَرِ قِيلَ لَهُ إنْ كَانَ لِكُلٍّ جُذُوعٌ عَلَيْهِ، قَالَ إنْ كَانَ جُذُوعُ هَذَا مِنْ هُنَا وَهَذَا مِنْ هُنَا فَلَا تُسْتَطَاعُ قِسْمَتُهُ وَيَتَقَاوَيَانِهِ كَمَا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ الْعَرْضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْعَقَارِ، وَصِفَةُ قَسْمِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ
لَا بِطُولِهِ عَرْضًا
ــ
[منح الجليل]
يُقْسَمَ (طُولًا) أَيْ بِاعْتِبَارِ امْتِدَادِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ لِجِهَةِ الْمَغْرِبِ أَوْ جِهَةِ الْجَنُوبِ إلَى جِهَةِ الشِّمَالِ لَا بِاعْتِبَارِ ارْتِفَاعِهِ مِنْ الْأَرْضِ إلَى جِهَةِ السَّمَاءِ، فَإِذَا كَانَ طُولُهُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهُ ذِرَاعٌ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ عَشَرَةً بِعَرْضِهَا بِالْقُرْعَةِ. و (لَا) يَصِحُّ قِسْمَةٌ (بِطُولِهِ) أَيْ امْتِدَادِ الْحَائِطِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَمِنْ جِهَةِ الشَّمَالِ إلَى جِهَةِ الْجَنُوبِ (عَرْضًا) أَيْ بِاعْتِبَارِ عَرْضِهِ بِأَنْ يَصِيرَ نِصْفُ عَرْضِهِ مِنْ أَوَّلِهِ لِآخِرِهِ لِأَحَدِهِمَا وَنِصْفُ الْآخَرِ لِلْآخَرِ بِالْقُرْعَةِ لِاحْتِمَالِ إخْرَاجِهَا قَسْمَ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي جِهَةٍ لِآخَرَ، فَيَتَعَذَّرُ الِانْتِفَاعُ بِمَا تُخْرِجُهُ لَهُ الْقُرْعَةُ " غ " أَيْ وَلَا بِقِسْمَةِ طُولِهِ عَرْضًا، فَإِذَا كَانَ الْجِدَارُ جَارِيًا مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ مَثَلًا عَلَى صُورَةِ سُورٍ لَهُ شُرُفَاتٌ وَمَمْشًى، فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِمَا بِقَسْمِهِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا جِهَةَ الشُّرَّافَاتِ وَالْآخَرُ جِهَةَ الْمَمْشَى، وَلَكِنْ يُقْسَمُ عَلَى أَخْذِ أَحَدِهِمَا الْجِهَةَ الشَّرْقِيَّةَ بِشُرُفَاتِهَا وَمَمْشَاهَا وَالْآخَرِ الْجِهَةَ الْغَرْبِيَّةَ كَذَلِكَ، فَلَفْظُ عَرْضًا عَلَى هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِالْمُضَافِ الْمُقَدَّرِ أَيْ قِسْمَةٍ وَيَجُوزُ تَعَلُّقُهُ بِلَفْظِ قِسْمَةِ الظَّاهِرِ.
وَفِي نُسْخَةٍ بِقِسْمَتِهِ إنْ طُلِبَتْ عَرْضًا لَا بِطُولِهِ وَيَرْجِعُ فِي الْمَعْنَى لِلْأَوَّلِ وَهُوَ يُحَرَّمُ عَلَى إثْبَاتِ الصِّفَةِ الَّتِي قَالَهَا اللَّخْمِيُّ وَابْنُ الْهِنْدِيِّ، وَحَكَاهَا ابْنُ الْعَطَّارِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَفْيُ الصِّفَةِ الَّتِي تَأَوَّلَهَا أَبُو إبْرَاهِيمَ الْفَاسِيُّ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ، وَحَكَاهَا ابْنُ الْعَطَّارِ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَيَتِمُّ هَذَا بِالْوُقُوفِ عَلَى نُصُوصِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيُقْسَمُ الْجِدَارُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ. أَبُو الْحَسَنِ يَعْنِي بِالْقُرْعَةِ. وَأَمَّا بِالتَّرَاضِي فَيَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ وَيَأْتِي الِاعْتِرَاضُ الَّذِي فِي قَسْمِ السَّاحَةِ بَعْدَ قَسْمِ الْبُيُوتِ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْجِهَةُ الَّتِي تَلِي الْآخَرَ إلَّا أَنْ يَقْتَسِمَا عَلَى أَنَّ مَنْ صَارَ لَهُ جِهَةُ الْآخَرِ يَكُونُ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ الْحَمْلُ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ صِفَةُ الْقَسْمِ فِيهِ إذَا كَانَ جَارِيًا مِنْ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ وَالْآخَرُ مِمَّا يَلِي الْجَوْفَ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِقِسْمَةٍ لِأَنَّ كُلَّ مَا يَضَعُهُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا مِنْ خَشَبٍ وَبِنَاءٍ فَثَقْلُهُ وَمَضَرَّتُهُ عَلَى جَمِيعِ الْحَائِطِ، وَلَا يَخْتَصُّ النَّوْلُ وَالضَّرَرُ بِمَا يَلِيهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَقْسِمَا الْأَعْلَى مِثْلَ كَوْنِ عَرْضِهِ شِبْرَيْنِ فَيَبْنِي كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى أَعْلَاهُ يَسِيرًا مِمَّا يَلِيهِ لِنَفْسِهِ، وَيَكُونُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
هَذَا انْضِمَامًا لِلْأَعْلَى وَجُمْلَةُ الْحَائِطِ عَلَى الشَّرِكَةِ الْأُولَى، فَإِذَا انْهَدَمَ اقْتَسَمَا أَرْضَهُ وَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَهُ مِمَّا يَلِيهِ.
ابْنُ عَرَفَةَ وَصِفَةُ قَسْمِهِ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ أَنْ يُقْسَمَ طُولًا لَا عَرْضًا. وَقَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ قِسْمَتُهُ عَرْضًا لِقَوْلِهِ وَكَانَ يَنْقَسِمُ، قَالَ وَأَمَّا طُولًا فَيَنْقَسِمُ وَإِنْ قَلَّ، وَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ سُنَّةُ قَسْمِ الْحَائِطِ أَنْ يُقْسَمَ بِخَيْطٍ مِنْ أَعْلَاهُ إلَى أَسْفَلِهِ فَيَقَعُ جَمِيعُ الشَّطْرِ لِوَاحِدٍ، وَجَمِيعُ الشَّطْرِ الْآخَرِ لِوَاحِدٍ آخَرَ إلَّا أَنْ يُتَّفَقَا عَلَى قِسْمَةِ عَرْضِهِ عَلَى طُولِهِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَرْضًا بِأَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهُ مِمَّا يَلِيهِ، فَإِنْ كَانَ عَرْضُهُ شِبْرَيْنِ أَخَذَ هَذَا شِبْرًا مِمَّا يَلِي دَارِهِ، وَهَذَا شِبْرًا مِمَّا يَلِي دَارِهِ وَلَا تَصْلُحُ الْقُرْعَةُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقِسْمَةِ.
ابْنُ الْعَطَّارِ وَابْنُ فَتُّوحٍ وَالْمُتَيْطِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ يُمَدُّ الْحَبْلُ بَيْنَهُمَا فِيهِ طُولًا ارْتِفَاعًا مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ، وَيُرْسَمُ مَوْقِفُ نِصْفِ الْحَبْلِ، وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَانِبُ الَّذِي تَقَعُ عَلَيْهِ قُرْعَتُهُ. زَادَ ابْنُ فَتُّوحٍ إلَى نَاحِيَةٍ بِعَيْنِهَا وَلَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الْقُرْعَةِ فِيهِ إلَّا هَكَذَا. اهـ. وَإِذَا طُوِيَ الْحَبْلُ الْمَذْكُورُ حَقَّقَ نِصْفَهُ. وَإِذَا عَرَفْت أَنَّ الطُّولَ وَالْعَرْضَ يُعْقَلَانِ نِسْبَةً وَإِضَافَةً أَمْكَنَك الْجَمْعَ بَيْنَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ ابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمَا، وَظَهَرَ لَك أَنَّ قَوْلَ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ الْهِنْدِيِّ رَاجِعٌ لِمَا حَكَاهُ ابْنُ الْعَطَّارِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْمُصَنِّفُ، وَأَنَّ تَأْوِيلَ أَبِي إبْرَاهِيمَ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ رَاجِعٌ لِمَا حَكَاهُ ابْنُ الْعَطَّارِ عَنْ عِيسَى وَهُوَ الَّذِي نَفَاهُ الْمُصَنِّفُ.
(تَكْمِيلٌ)
فِي الْمُدَوَّنَةِ إنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ جُذُوعٌ فَلَا يُقْسَمُ وَيَتَقَاوَيَاهُ. اللَّخْمِيُّ لَيْسَ هَذَا بِالْبَيِّنِ لِأَنَّ الْحَمْلَ الَّذِي عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ الْقَسْمَ كَمَا لَا يَمْنَعُ قَسْمَ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ وَحَمْلَ الْعُلْوِ عَلَى السُّفْلِ وَأَرَى أَنْ يُقْسَمَ طَائِفَتَيْنِ عَلَى أَنَّ مَنْ صَارَتْ لَهُ طَائِفَةٌ كَانَتْ لَهُ وَلِلْآخَرِ الْحَمْلُ عَلَيْهَا، فَإِذَا جَازَتْ الْمُقَاوَاةُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ جَازَتْ الْقِسْمَةُ بِالْأَوْلَى. ابْنُ عَرَفَةَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ يَتَقَاوَيَاهُ كَمَا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ عَرْضٍ وَحَيَوَانٍ أَنَّهُ لَا حَمْلَ فِيهِ عَلَى مَنْ صَارَ لَهُ. اهـ.
وَبِإِعَادَةِ السَّاتِرِ لِغَيْرِهِ، إنْ هَدَمَهُ ضَرَرًا، لَا لِإِصْلَاحٍ أَوْ هَدْمٍ
ــ
[منح الجليل]
كَلَامُ " غ ". الْحَطّ مَا ذَكَرَهُ " غ " فِي شَرْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَافٍ فِي بَيَانِهَا.
(وَ) إنْ هَدَمَ شَخْصٌ حَائِطَهُ السَّاتِرَ لِجَارِهِ قُضِيَ عَلَيْهِ (بِإِعَادَةِ) جِدَارِهِ (السَّاتِرِ لِغَيْرِهِ) عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ (إنْ هَدَمَهُ) أَيْ الْمَالِكُ الْجِدَارَ السَّاتِرَ لِجَارِهِ (ضَرَرًا) أَيْ لِقَصْدِ ضَرَرِ جَارِهِ بِانْكِشَافِهِ (لَا) يُقْضَى عَلَيْهِ بِإِعَادَتِهِ إنْ هَدَمَهُ (لِإِصْلَاحٍ) أَيْ لِمَصْلَحَةٍ، كَخَوْفِ سُقُوطِهِ أَوْ لِيُعِيدَهُ أَوْثَقَ أَوْ لِإِخْرَاجِ مَا تَحْتَهُ (أَوْ) أَيٍّ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِإِعَادَتِهِ لِ (هَدْمٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ، أَيْ انْهِدَامٍ لِلْجِدَارِ بِلَا فِعْلِ مَخْلُوقٍ.
الْحَطّ فُرُوعٌ أَوَّلُ: فِي الْمَسَائِلِ، الْمَلْقُوطَةِ إذَا كَانَ حَائِطٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَانْهَدَمَ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا إعَادَتَهُ مَعَ صَاحِبِهِ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ، فَعَنْ مَالِكٍ " رضي الله عنه " رِوَايَتَانِ فِيهِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْآبِي مِنْهُمَا عَلَى الْإِعَادَةِ، وَيُقَالُ لِطَالِبِهَا اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِك وَابْنِ إنْ شِئْت، وَلَهُ أَنْ يَقْسِمَ مَعَهُ عَرْضَ الْجِدَارِ وَيَبْنِي لِنَفْسِهِ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى إنَّهُ يُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ مَعَ شَرِيكِهِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَهَذَا أَحَبُّ إلَيْنَا اهـ.
الثَّانِي فِي عُمْدَةِ ابْنِ عَسَاكِرَ لَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ حَائِطًا بَيْنَ دَارَيْنِ وَلَا بَيِّنَةَ حُكِمَ بِهِ لِمَنْ إلَيْهِ وُجُوهُ الْآخَرِ وَاللَّبِنُ وَالطَّاقَاتُ وَمَعَاقِدُ الْقُمُطِ، فَإِنْ لَمْ تَدُلَّ إمَارَةٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ وَلَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ فَتْحِ بَابٍ أَوْ كُوَّةٍ وَنَحْوِهَا إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، فَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ سُتْرَةً بَيْنَهُمَا فَانْهَدَمَ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا إصْلَاحَهُ وَأَبَاهُ الْآخَرُ فَهَلْ يُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَيْهِ رِوَايَتَانِ، وَعَلَى عَدَمِ جَبْرِهِ تُقْسَمُ الْعَرْصَةُ لِيَبْنِيَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا فَلَوْ هَدَمَهُ أَحَدُهُمَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ لَزِمَهُ إعَادَتُهُ كَمَا كَانَ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ تَنْهَارُ اهـ.
الثَّالِثُ: ابْنُ عَرَفَةَ فِيهَا مَعَ غَيْرِهَا مَنْعُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي شَيْءٍ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ مِنْ تَصَرُّفِهِ فِيهِ دُونَ إذْنِ شَرِيكِهِ لِمَلْزُومِيَّتِهِ التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. إلَّا خِوَانٌ لَيْسَ لِأَحَدِ مَالِكَيْ جِدَارٍ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ مَا يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ حَمْلِ مِثْلِهِ عَلَيْهِ إنْ احْتَاجَ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُ صَاحِبَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ مِثْلَهُ كَحَمْلِ سَقْفِ بَيْتٍ أَوْ غَرْزِ خَشَبَةٍ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ.
وَبِهَدْمِ بِنَاءٍ بِطَرِيقٍ، وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ
ــ
[منح الجليل]
وَ) قُضِيَ (بِهَدْمِ بِنَاءٍ بِطَرِيقٍ) عَامٍّ لِلْمُسْلِمِينَ إنْ أَضَرَّ الْمَارِّينَ اتِّفَاقًا، بَلْ (وَلَوْ لَمْ يَضُرَّ) الْبِنَاءُ الْمَارِّينَ لِاتِّسَاعِ الطَّرِيقِ جِدًّا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَشَارَ بِوَلَوْ إلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ هَدْمِهِ إنْ لَمْ يَضُرَّ، وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْوُقُوعِ. وَأَمَّا ابْتِدَاءً فَلَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ. فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ سَمَاعِ زُونَانَ سَأَلَتْهُ عَنْ الرَّجُلِ يَتَزَيَّدُ فِي دَارِهِ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ذِرَاعًا أَوْ ذِرَاعَيْنِ فَيَبْنِي بِهِ جِدَارًا وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَيَجْعَلُهُ بَيْتًا فَيَقُومُ عَلَيْهِ جَارُهُ الَّذِي هُوَ مُقَابِلُهُ مِنْ جَانِبِ الطَّرِيقِ الْآخَرِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مَا تَزَيَّدَ وَرَفَعَهُ إلَى السُّلْطَانِ، وَأَرَادَ أَنْ يَهْدِمَ مَا تَزَيَّدَ مِنْ الطَّرِيقِ وَزَعَمَ أَنَّ سَعَةَ الطَّرِيقِ كَانَ رِفْقًا بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ فِنَاءً لَهُ وَمَرْبِطًا لِدَابَّتِهِ وَفِي بَقِيَّةِ الطَّرِيقِ مَمَرٌّ لِلنَّاسِ، وَكَانَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ سَعَةِ الطَّرِيقِ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ أَوْ تِسْعَةٌ فَهَلْ لِذَلِكَ الْقَائِمِ إلَى هَدْمِ بُنْيَانِ جَارِهِ سَبِيلٌ؟ أَوْ رَفَعَ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ كَانَ يَسْلُكُ تِلْكَ الطَّرِيقَ وَفِي بَقِيَّةِ سَعَتِهِ مَا قَدْ أَعْلَمْتُكَ؟ فَقَالَ يُهْدَمُ مَا بُنِيَ كَانَ فِي سَعَةِ الطَّرِيقِ ثَمَانِيَةُ أَذْرُعٍ أَوْ تِسْعَةٌ، إذْ لَا يَنْبَغِي التَّزَيُّدُ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ إلَى النَّاسِ وَيَسْتَنْهِي إلَيْهِمْ أَنْ لَا يُحْدِثَ أَحَدٌ بُنْيَانًا فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ.
وَذَكَرَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ الْحَكَمِ الْحِذَامِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّ حَدَّادًا ابْتَنَى كِيرًا فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ " رضي الله عنه " فَرَآهُ فَقَالَ لَقَدْ اسْتَنْقَصْتُمْ السُّوقَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَهَدَمَهُ. أَشْهَبُ يَأْمُرُ السُّلْطَانُ بِهَدْمِهِ رَفَعَ إلَيْهِ ذَلِكَ مَنْ يَسْلُكُهُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ جِيرَانِهِ، إذْ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ التَّزَيُّدُ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الطَّرِيقِ سَعَةٌ وَلَمْ يَكُنْ مُضِرًّا لَهُ مَا تَزَيَّدَ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى النَّاسِ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَتَزَيَّدَ أَحَدٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ.
ابْنُ رُشْدٍ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فِيمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَطِعَ أَحَدٌ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَيَزِيدُهُ فِي دَارِهِ وَيُدْخِلُهُ فِي بُنْيَانِهِ، وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا جِدًّا لَا يَضُرُّهُ مَا اقْتَطَعَ مِنْهُ، وَاخْتَلَفُوا إنْ تَزَيَّدَ فِي دَارِهِ مِنْ الطَّرِيقِ الْوَاسِعَةِ مَا لَا يَضُرُّ بِهَا وَلَا يُضَيِّقُهَا عَلَى الْمَارَّةِ فِيهَا فَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ يُهْدَمُ عَلَيْهِ مَا تَزَيَّدَ مِنْ الطَّرِيقِ، وَتُعَادُ إلَى حَالِهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ " رضي الله عنه " فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْأَبْرِحَةِ يَبْنِيهَا الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ مُلْصَقَةً بِجِدَارِهِ اخْتِيَارًا. ابْنُ حَبِيبٍ عَلَى ظَاهِرِ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ " رضي الله عنه " فِي الْكِيرِ الَّذِي اُبْتُنِيَ بِالسُّوقِ فَأَمَرَ بِهِ فَهُدِمَ، وَوَجْهُ هَذَا قَوْلُ أَنَّ الطَّرِيقَ حَقٌّ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ كَالْحَبْسِ، فَوَجَبَ أَنْ يُهْدَمَ عَلَى الرَّجُلِ مَا تَزَيَّدَهُ فِي دَارِهِ مِنْهَا كَمَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ بِمَا تَزَيَّدَ مِنْ أَرْضٍ مُحْبَسَةٍ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ مِلْكٍ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ. وَقِيلَ إنَّهُ لَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ مَا تَزَيَّدَ مِنْ الطَّرِيقِ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ بِهَا لِسَعَتِهَا لِمَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ فِيهِ، إذْ هُوَ فِنَاؤُهُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَكِرَاؤُهُ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ مِنْ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَضَى بِالْأَفْنِيَةِ لِأَرْبَابِ الدُّورِ وَأَفْنِيَتُهَا مَا أَحَاطَ بِهَا مِنْ جَمِيعِ نَوَاحِيهَا، فَلَمَّا كَانَ مُخْتَصًّا بِالِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا إلَّا إذَا اسْتَغْنَى هُوَ عَنْهُ وَجَبَ أَنْ لَا يُهْدَمَ عَلَيْهِ بُنْيَانُهُ فَيَذْهَبُ مَالُهُ هَدَرًا، وَهُوَ أَعْظَمُ النَّاسِ حَقًّا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، بَلْ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مَعَهُ فِيهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ، فَكَيْفَ إذَا لَمْ يُصَلْ إلَى أَخْذِهِ مِنْهُ مَعَ حَاجَتِهِ إلَيْهِ إلَّا بِهَدْمِ بُنْيَانِهِ وَتَلَفِ مَالِهِ، وَهَذَا بَيِّنٌ لَا سِيَّمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ أَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً.
فِي الْمَجْمُوعَةِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ عَمَّنْ أَدْرَكَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالُوا فِي الطَّرِيقِ أَرَادَ أَهْلُهَا بُنْيَانَ عَرْصَتِهَا أَنَّ الْأَقْرَبِينَ إلَيْهَا يَقْتَطِعُونَهَا عَلَى قَدْرِ مَا شُرِعَ فِيهَا مِنْ رُبَاعِهِمْ بِالْحِصَصِ، فَيُعْطَى صَاحِبُ الرُّبْعِ الْوَاسِعِ بِقَدْرِهِ، وَصَاحِبُ الصَّغِيرِ بِقَدْرِهِ، وَيَتْرُكُونَ لِطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ ثَمَانِيَةَ أَذْرُعٍ احْتِيَاطًا لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهَا السَّبْعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى زِيَادَةِ الذِّرَاعِ وَنُقْصَانِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَظْهَرُ، وَالْقَائِلُونَ بِهِ أَكْثَرُ، وَكُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَقَدْ نَزَلَتْ بِقُرْطُبَةَ قَدِيمًا فَأَفْتَى ابْنُ لُبَابَةَ وَأَبُو صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ وَلِيدٍ بِأَنَّهُ لَا يُهْدَمُ مَا تَزَيَّدَهُ مِنْ الطَّرِيقِ إذْ لَمْ يَضُرَّ بِهَا، وَأَفْتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأَحْمَدُ بْنُ مُطَيَّرٍ بِهَدْمِ مَا تَزَيَّدَ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَمَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُهْدَمُ مَا تَزَيَّدَ مِنْ الطَّرِيقِ إذَا كَانَ لَا يُضَرُّ بِهِ، أَفْتَى بِهِ أَيْضًا فِي نَوَازِلِهِ، وَرَجَّحَهُ فِي سُؤَالٍ كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ عِيَاضٌ عَمَّنْ بَنَى حَائِطًا فِي بَطْنِ
وَبِجُلُوسِ بَاعَةٍ بِأَفْنِيَةِ الدُّورِ لِلْبَيْعِ إنْ خَفَّ
ــ
[منح الجليل]
وَادٍ وَقَدْ كَانَ حَائِطٌ دُونَ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ إنْ كَانَ الْحَائِطُ الَّذِي بَنَاهُ يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ أَوْ بِجَارِهِ فَيُهْدَمُ وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ وَلَا بِجَارِهِ فَلَا يُهْدَمُ.
وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مَنْ تَزَيَّدَ مِنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِهِ مَا لَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ لَا يُهْدَمُ بُنْيَانُهُ، وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ عِنْدِي مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ بُنْيَانُهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالطَّرِيقِ لِمَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، لَا سِيَّمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ أَبَاحَ لَهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً. أَصْبَغُ وَسَأَلْت أَشْهَبَ عَنْ رَجُلٍ تَهَدَّمَ دَارُهُ وَلَهُ فِنَاءٌ وَاسِعٌ فَيَزِيدُ فِيهَا مِنْهُ يُدْخِلُهُ بُنْيَانَهُ ثُمَّ يُعْلَمُ ذَلِكَ فَقَالَ لَا يُعْرَضُ لَهُ إذَا كَانَ الْفِنَاءُ وَاسِعًا رَحْرَاحًا لَا يَضُرُّ الطَّرِيقَ، وَقَدْ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَنَا أَكْرَهُهُ وَلَا آمُرُهُ بِهِ وَلَا أَقْضِي عَلَيْهِ بِهَدْمِهِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا رَحْرَاحًا لَا يَضُرُّ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يُقَارِبُهُ الْمَشْيُ، ثُمَّ قَالَ الْحَطَّابُ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ يَحْصُلُ مِنْ هَذَا مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ ابْتِدَاءً أَنْ يَقْطَعَ مِنْ الطَّرِيقِ شَيْئًا وَيُدْخِلَهُ فِي بُنْيَانِهِ وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا جِدًّا لَا يَضُرُّهُ مَا اقْتَطَعَ مِنْهُ، فَإِنْ اقْتَطَعَ شَيْئًا مِنْهُ وَأَدْخَلَهُ فِي بُنْيَانِهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَضُرُّ بِهَا وَيُضَيِّقُهَا عَلَى الْمَارَّةِ فَيُهْدَمُ عَلَيْهِ مَا تَزَيَّدَ مِنْهَا وَتُعَادُ لِحَالِهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَضُرُّ بِهَا وَلَا يُضَيِّقُهَا عَلَى الْمَارَّةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ، الْأَوَّلُ: يُهْدَمُ مَا تَزَيَّدَ مِنْهَا وَتُعَادُ لِحَالِهَا وَهُوَ الَّذِي شَهَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالثَّانِي: لَا يُهْدَمُ، وَاسْتَظْهَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ، وَرَجَّحَهُ فِي نَوَازِلِهِ، وَأَشَارَ لَهُ الْمُصَنِّفُ بِوَلَوْ لَمْ يَضُرَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ أَبَاحَ ذَلِكَ لَهُ ابْتِدَاءً لَا يُنَافِي قَوْلَهُ اتَّفَقَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ أَرَادَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْخَارِجِينَ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) قُضِيَ (بِجُلُوسِ بَاعَةٍ) جَمْعِ بَائِعٍ كَحَاكَةٍ جَمْعِ حَائِكٍ وَصَاغَةٍ جَمْعِ صَائِغٍ (بِأَفْنِيَةٍ) جَمْعِ فِنَاءٍ كَأَبْنِيَةٍ جَمْعِ بِنَاءٍ، أَيْ فُسُحَاتِ (الدُّورِ) بِضَمِّ الدَّالِ جَمْعِ دَارٍ، وَصِلَةُ جُلُوسٍ (لِلْبَيْعِ) لَا لِلْحَدِيثِ أَوْ اللَّعِبِ (إنْ خَفَّ) الْجُلُوسُ لِلْبَيْعِ وَظَاهِرُهُ لِأَرْبَابِ الدُّورِ وَغَيْرِهِمْ وَقَرَّرَ بِهِ الشَّارِحُ، وَاَلَّذِي فِي ابْنِ الْحَاجِبِ قَضَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِأَرْبَابِ الدُّورِ، وَبِهِ قَرَّرَ الْبِسَاطِيُّ وَبَعْضُ مَشَايِخِي قَالَهُ تت.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: ابْنُ عَرَفَةَ فِنَاءُ الدَّارِ مَا بَيْنَ يَدَيْ بِنَائِهَا فَاضِلًا عَنْ مَمَرِّ الطَّرِيقِ الْمُعَدِّ لِلْمُرُورِ غَالِبًا كَانَ بَيْنَ يَدَيْ بَابِهَا أَوْ غَيْرِهِ، وَكَانَ بَعْضٌ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ مَا بَيْنَ يَدَيْ بَابِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِقَوْلِهَا وَإِنْ قَسَمَا دَارًا عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ طَائِفَةً، فَمَنْ صَارَتْ لَهُ الْأَجْنِحَةُ فِي حَظِّهِ فَهِيَ لَهُ وَلَا تُعَدُّ مِنْ الْفِنَاءِ وَإِنْ كَانَتْ فِي هَوَاءِ الْأَفْنِيَةِ وَفِنَاءُ الدَّارِ لَهُمْ أَجْمَعِينَ الِانْتِفَاعُ بِهِ.
الْحَطّ كَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي تَفْسِيرِ الْفِنَاءِ إلَّا مَا أَخَذَ عَنْ نَصِّهَا، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ بَطَّالٍ فِي مُقْنِعِهِ فَقَالَ الْأَفْنِيَةُ دُونَ الدُّورِ كُلِّهَا مُقْبِلِهَا وَمُدْبِرِهَا.
الثَّانِي: مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْأَفْنِيَةُ الَّتِي فِي الطَّرِيقِ يُكْرِيهَا أَهْلُهَا أَذَلِكَ لَهُمْ وَهُوَ طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَالَ أَمَّا كُلُّ فِنَاءٍ ضَيِّقٍ إذَا وُضِعَ فِيهِ شَيْءٌ أَضَرَّ بِالْمُسْلِمِينَ فِي طَرِيقِهِمْ فَلَا أَرَى أَنْ يُمَكَّنَ أَحَدٌ مِنْ الِانْتِقَاعِ بِهِ وَأَنْ يُمْنَعُوا وَأَمَّا كُلُّ فِنَاءٍ إنْ انْتَفَعَ بِهِ أَهْلُهُ فَلَا يُضَيِّقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي مُرُورِهِمْ لِسَعَتِهِ فَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ إنَّ لِأَرْبَابِ الْأَفْنِيَةِ أَنْ يَكْرُوهَا مِمَّنْ يَصْنَعُ بِهَا مَا لَا يُضَيِّقُ بِهِ الطَّرِيقَ عَلَى الْمَارَّةِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِهَا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ، وَكَانُوا أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ كَانَ لَهُمْ أَنْ يُكْرُوهَا لِأَنَّ مَا كَانَ لِلرَّجُلِ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَانَ لَهُ كِرَاؤُهُ، وَهَذَا مِمَّا لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا. ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْكُلِّيَّةُ غَيْرُ مُسَلَّمَةٌ، لِأَنَّ بَعْضَ مَا لِلرَّجُلِ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ كِرَاؤُهُ كَجِلْدِ أُضْحِيَّةٍ وَبَيْتٍ وَمَدْرَسَةٍ لِطَالِبٍ وَنَحْوِهِمَا.
الثَّالِثُ: سَمِعَ ابْنُ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَمَّنْ لَهُ دَارَانِ بَيْنَهُمَا رَحْبَةٌ، وَأَهْلُ الطَّرِيقِ رُبَّمَا ارْتَفَقُوا بِهِ إذَا ضَاقَ الطَّرِيقُ عَنْ الْأَحْمَالِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَدَخَلُوهُ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْهِ نِجَافًا وَبَابًا حَتَّى تَكُونَ الرَّحْبَةُ فِنَاءً لَهُ. وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا بَابٌ وَلَا نِجَافٌ فَقَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا كَمَا قَالَ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى الرَّحْبَةِ نِجَافًا وَلَا بَابًا لِيَخْتَصَّ بِمَنْفَعَتِهَا وَيَقْطَعُ حَقَّ النَّاسِ مِنْهَا فِي الِارْتِفَاقِ بِهَا لِأَنَّ الْأَفْنِيَةَ لَا تُحْجَرُ إنَّمَا
وَلِلسَّابِقِ
ــ
[منح الجليل]
لِأَرْبَابِهَا الِانْتِفَاعُ بِهَا وَكِرَاؤُهَا فِيمَا لَا يُضَيِّقُهَا عَلَى الْمَارَّةِ فِيهَا مِنْ النَّاسِ.
الرَّابِعُ: مَفْهُومُ إنْ خَفَّ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِجُلُوسِهِمْ لَمَّا كَثُرَ وَطَالَ. ابْنُ الْحَاجِبِ لَا يُمْنَعُ فِيمَا خَفَّ الْبَاعَةُ وَلَا غَيْرُهُمْ. التَّوْضِيحُ اُحْتُرِزَ بِمَا خَفَّ مِمَّا يُسْتَدَامُ. خَلِيلٌ وَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَى مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُفْرِزُونَ الْخَشَبَ فِي الشَّوَارِعِ عِنْدَنَا لِأَنَّهُمْ غُصَّابٌ لِلطَّرِيقِ، وَقَالَهُ سَيِّدِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
الْخَامِسُ: رَوَى ابْنُ وَهْبٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ اقْتَطَعَ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَفْنِيَتِهِمْ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ طَوَّقَهُ اللَّهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ» وَقَضَى عُمَرُ بِالْأَفْنِيَةِ لِأَرْبَابِ الدُّورِ. ابْنُ حَبِيبٍ أَيْ بِالِانْتِفَاعِ بِالْمَجَالِسِ وَالْمَرَابِطِ وَالْمَسَاطِبِ وَجُلُوسِ الْبَاعَةِ لِلْبَيْعِ الْخَفِيفِ. وَمَرَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِكِيرِ حَدَّادٍ فِي السُّوقِ فَأَمَرَ بِهِ فَهُدِمَ، وَقَالَ يُضَيِّقُونَ عَلَى النَّاسِ السُّوقَ اهـ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمَسَاطِبِ الدِّكَكُ الَّتِي تُبْنَى إلَى جَانِبِ الْأَبْوَابِ، وَأَمَامَ الْحَوَانِيتِ.
السَّادِسُ: ابْنُ رُشْدٍ أَفْنِيَةُ الدُّورِ الْمُتَّصِلَةُ بِالطَّرِيقِ لَيْسَتْ بِمِلْكٍ لِأَرْبَابِ الدُّورِ كَالْأَمْلَاكِ الْمَحُوزَةِ، فَإِذَا كَانَ لِقَوْمٍ فِنَاءٌ وَغَابُوا فَاتُّخِذَ مَقْبَرَةً، فَمِنْ حَقِّهِمْ أَنْ يَعُودُوا إلَى الِانْتِفَاعِ بِهَا لِلرَّمْيِ فِيهَا إذَا قَدِمُوا إلَّا أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ لَهُمْ دَرْسَهَا إذَا كَانَتْ جَدِيدَةً مُسَنَّمَةً لَمْ تَنْدَرِسْ وَلَمْ تَعْفُ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَأَنْ يَمْشِيَ أَحَدُكُمْ عَلَى الرَّضْفِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى قَبْرِ أَخِيهِ» ، وَقَوْلِهِ «الْمَيِّتُ يُؤْذِيهِ فِي قَبْرِهِ مَا يُؤْذِيهِ فِي بَيْتِهِ» ، فَلَوْ كَانَتْ مِنْ الْأَمْلَاكِ الْمَحُوزَةِ وَدُفِنَ فِيهَا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ كَانَ مِنْ حَقِّهِمْ نَبْشُهَا وَتَحْوِيلُهُمْ إلَى مَقْبَرَةِ الْمُسْلِمِينَ.
(وَ) قُضِيَ بِفِنَاءِ الدُّورِ (لِلسَّابِقِ) إلَيْهِ مِنْ الْبَاعَةِ لِلْبَيْعِ الْخَفِيفِ إنْ نَازَعَهُ لَا حَقَّ لَهُ، وَاخْتُلِفَ إذَا أَقَامَ مِنْهُ نَاوِيًا الْعُودَ إلَيْهِ فَسَبَقَهُ غَيْرُهُ إلَيْهِ فَقِيلَ الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَقْضِيَ غَرَضَهُ. وَقِيلَ هُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فَمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ. وَفِي الشَّامِلِ وَلِلْبَاعَةِ وَغَيْرِهِمْ الْجُلُوسُ فِيمَا خَفَّ، وَالسَّابِقُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ كَمَسْجِدٍ، وَيَسْقُطُ حَقُّهُ إنْ قَامَ لَا بِنِيَّةِ عَوْدِهِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَنَحْوُهُ فِي التَّوْضِيحِ وَذَكَرَ " غ " قَوْلَيْنِ فِيمَنْ قَامَ مِنْ الْبَاعَةِ مِنْ الْمَجْلِسِ نَاوِيًا
كَمَسْجِدٍ
ــ
[منح الجليل]
الرُّجُوعَ إلَيْهِ فِي غَدٍ فَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يُتِمَّ غَرَضَهُ. وَقِيلَ هُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ، فَلِمَنْ سَبَقَ فَهُوَ أَوْلَى بِهِ، وَهَذَا الَّذِي اخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِ حَيْثُ قَالَ وَقَضَى لِلسَّابِقِ
وَشَبَّهَ فِي الْقَضَاءِ لِلسَّابِقِ فَقَالَ (كَمَسْجِدٍ) فَيُقْضَى بِهِ لِمَنْ سَبَقَ بِالْجُلُوسِ بِهِ.
(فُرُوعٌ) الْأَوَّلُ: الْعَوْفِيُّ مَنْ وَضَعَ بِمَسْجِدٍ شَيْئًا لِحَجْرِهِ بِهِ كَفَرْوَةٍ حَتَّى يَأْتِيَ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ بِهِ، يَتَخَرَّجُ عَلَى أَنَّ التَّحْجِيرَ يُعَدُّ إحْيَاءً. الْحَطّ سَيَأْتِي فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْإِحْيَاءِ، وَنَصَّ فِي الْمَدْخَلِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ السَّابِقُ إلَى الْمَسْجِدِ بِإِرْسَالِ سَجَّادَتِهِ إلَيْهِ وَأَنَّهُ غَاصِبٌ لِذَلِكَ الْمَحِلِّ. قَالَ فِي فَصْلِ اللِّبَاسِ فِي ذَمِّ الطُّولِ وَالتَّوْسِيعِ فِيهِ أَنَّ أَحَدَهُمْ إذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ ضَمَّ ثَوْبَهُ وَقَعَ فِي النَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَضُمَّهُ أُفْرِشَ عَلَى الْأَرْض وَأَمْسَكَ بِهِ مَكَانًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا مَوْضِعُ قِيَامِهِ وَسُجُودِهِ وَجُلُوسِهِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا بَسَطَ شَيْئًا يُصَلِّي عَلَيْهِ احْتَاجَ أَنْ يَبْسُطَ شَيْئًا كَبِيرَ السَّعَةِ كَثَوْبِهِ فَيُمْسِكُ بِهِ مَوْضِعَ رَجُلَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنْ هَابَهُ النَّاسُ لِكِبَرِ كُمِّهِ وَثَوْبِهِ وَتَبَاعَدُوا مِنْهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْقُرْبِ مِنْهُ فَيُمْسِكُ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ بَعَثَ سَجَّادَتَهُ إلَى الْمَسْجِدِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَوْ قَبْلَهُ فَفُرِشَتْ فِيهِ وَتَأَخَّرَ إلَى أَنْ يَمْتَلِئَ الْمَسْجِدُ بِالنَّاسِ، ثُمَّ يَأْتِي يَتَخَطَّى رِقَابَهُمْ فَيَقَعُ فِي مَحْذُورَاتٍ جُمْلَةً مِنْهَا غَصْبُهُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي فُرِشَتْ بِهِ السَّجَّادَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَجْرُهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ إلَّا مَوْضِعَ صَلَاتِهِ، وَمَنْ سَبَقَ فَهُوَ أَوْلَى، وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا قَالَ إنَّ السَّبْقَ لِلسَّجَّادَاتِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِبَنِي آدَمَ فَوَقَعَ فِي الْغَصْبِ لِمَنْعِهِ السَّابِقَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَمِنْهَا تَخْطِي رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اتَّخَذَ جِسْرًا إلَى جَهَنَّمَ» ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ تَخَطَّى رَقَبَةَ أَخِيهِ جَعَلَهُ اللَّهُ جِسْرًا» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ السَّبَقَ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ إذَا أُمِرَ إنْسَانٌ أَنْ يُبَكِّرَ إلَى الْجَامِعِ فَيَأْخُذَ لَهُ مَكَانًا يَقْعُدَ فِيهِ، فَإِذَا جَاءَ الْآمِرُ يَقُومُ لَهُ مِنْهُ الْمَأْمُورُ وَيَقْعُدُ الْآمِرُ فِيهِ فَلَا يُكْرَهُ، لِمَا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
رُوِيَ أَنْ ابْنَ سِيرِينَ كَانَ يُرْسِلُ غُلَامَهُ إلَى مَجْلِسٍ لَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَجْلِسُ فِيهِ، فَإِذَا جَاءَ قَامَ لَهُ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا مَنْ أَرْسَلَ بِسَاطًا أَوْ سَجَّادَةً لِتُبْسَطَ لَهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَسْجِدِ. اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي تَارِيخِ الْمَدِينَةِ مُحْتَجًّا بِهِ. الْحَطّ وَتَخْرِيجُهُ إرْسَالَ سَجَّادَةٍ عَلَى إرْسَالِ الْغُلَامِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، فَالصَّوَابُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ مِنْ أَنَّ السَّبَقَ بِالْفُرُشِ لَا يُعْتَبَرُ.
الثَّانِي الْقُرْطُبِيُّ إذَا قَعَدَ إنْسَانٌ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يُقِيمَهُ وَيَجْلِسَ فِي مَكَانِهِ.
الثَّالِثُ: الْقُرْطُبِيُّ إذَا قَامَ الْقَاعِدُ فِي مَكَان مِنْ الْمَسْجِدِ لِيَجْلِسَ غَيْرُهُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي قَامَ إلَيْهِ مِثْلَ الْأَوَّلِ فِي الْفَضِيلَةِ لَمْ يُكْرَهْ قِيَامُهُ، وَإِلَّا كُرِهَ لِإِيثَارِهِ غَيْرَهُ فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ.
الرَّابِعُ: ابْنُ فَرْحُونٍ يُنْدَبُ لِلْقَاضِي وَالْعَالَمِ وَالْمُفْتِي اتِّخَاذُ مَوْضِعٍ مِنْ الْمَسْجِدِ لِلْجُلُوسِ فِيهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَيْهِمْ مَنْ أَرَادَهُمْ، وَفِي الْمَدَارِك أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ يَجْلِسُ فِيهِ مِنْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَكَانُ الْإِمَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي كَانَ يُوضَعُ فِيهِ فِرَاشُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا اعْتَكَفَ.
الْخَامِسُ: فِي إقْلِيدِ، التَّقْلِيدِ لِابْنِ أَبِي جَمْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ اتِّخَاذَ الْعُلَمَاءِ الْمَسَاطِبَ وَالْمَنَابِرَ فِي الْمَسْجِدِ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّذْكِيرِ جَائِزٌ، وَهُمْ أَحَقُّ بِهِ، وَإِقْرَارُ الْعُلَمَاءِ مَا فِي جَوَامِعِ مِصْرَ مِنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِهِ، وَأَمَّا الْمَوْضِعُ لِطَلَبِ الْأُجْرَةِ كَمُعَلِّمِي الْقُرْآنِ فَلَا حَقَّ، فَيَنْبَغِي إزَالَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
السَّادِسُ: إذَا جَلَسَ إنْسَانٌ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ قَامَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ أَوْ تَجْدِيدِ
وَبِسَدِّ كُوَّةٍ فُتِحَتْ أُرِيدَ سَدٌّ خَلْفَهَا
ــ
[منح الجليل]
وُضُوءٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» .
السَّابِعُ: إذَا عُرِفَ مَوْضِعٌ مِنْ الْمَسْجِدِ بِجُلُوسِ إنْسَانٍ فِيهِ لِتَعْلِيمِ عِلْمٍ أَوْ فُتْيَا وَسَبَقَهُ غَيْرُهُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ فَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ عُرِفَ بِالْمَوْضِعِ أَحَقُّ بِهِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ هُوَ أَحَقُّ بِهِ اسْتِحْسَانًا لَا وُجُوبًا، وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.
(وَ) قُضِيَ عَلَى جَارٍ (بِسَدِّ كُوَّةٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ فِي الْأَشْهَرِ وَضَمِّهَا وَشَدِّ الْوَاوِ، أَيْ طَاقَةٍ (فُتِحَتْ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ أَيْ أَحْدَثَ فَتْحَهَا وَيُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى جَارِهِ و (أُرِيدَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ (سَدٌّ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدِّ الدَّالِ كَذَلِكَ مُنَوَّنًا (خَلْفَهَا) أَيْ دَاخِلَهَا مِنْ نَاحِيَةِ مَنْ فَتَحَهَا وَإِبْقَاؤُهَا مَفْتُوحَةً مِنْ نَاحِيَةِ جَارِهِ وَلَمْ يَرْضَهُ، إذْ لَا يَكْفِي ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، إذْ ذَاكَ زَرِيعَةٌ إلَى ادِّعَاءِ فَاتِحِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَدِمَهَا وَاسْتِدْلَالِهِ عَلَيْهِ بِفَتْحِهَا مِنْ جِهَةِ جَارِهِ، وَمَفْهُومُ فُتِحَتْ أَنَّ الْقَدِيمَةَ لَا يُقْضَى بِسَدِّهَا وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَمَنْ فَتَحَ فِي جِدَارِهِ كُوَّةً أَوْ بَابًا يَضُرُّ بِجَارِهِ فِي الْإِشْرَافِ عَلَيْهِ مِنْهُ مُنِعَ، فَأَمَّا كُوَّةٌ قَدِيمَةٌ أَوْ بَابٌ قَدِيمٌ لَا مَنْفَعَةَ لَهُ فِيهِ، وَفِيهِ مَضَرَّةٌ عَلَى جَارِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ أَبُو الْحَسَنِ الْكُوَّةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الطَّاقِ.
ابْنُ يُونُسَ رَأَيْت بَعْضَ فُقَهَائِنَا يُفْتِي وَيَسْتَحْسِنُ أَنَّ لَهُ مَنْعَهُ عَنْ التَّكَشُّفِ وَإِنْ كَانَتْ قَدِيمَةً، وَإِنْ رَضِيَا بِذَلِكَ فَلَا يُتْرَكَا لِرِضَاهُمَا وَهُوَ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ، وَالصَّوَابُ جَبْرُ الْمُحْدِثِ عَلَى السَّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ أَيْ مُحْدِثِ الْبُنْيَانِ أَبُو الْحَسَنِ الْقِدَمُ طُولُ الْمُدَّةِ لَا إنَّهُ أَقْدَمُ مِنْ جَارِهِ، وَفِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ الْقِدَمَ إمَّا سُكُوتُ الثَّانِي مُدَّةَ حِيَازَةِ الضَّرَرِ أَوْ التَّقَدُّمُ عَلَى بِنَائِهِ، وَأَفْتَى ابْنُ عَرَفَةَ بِسَدِّ الْكُوَّةِ الْقَدِيمَةِ وَقَوَّى ابْنُ عَبْدِ النُّورِ فِي حَاوِيهِ سَدَّهَا، وَلَكِنْ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ عَدَمُ الْقَضَاءِ بِسَدِّهَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا ضَرَرٌ عَلَى الْجَارِ ابْنُ يُونُسَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ كُوَّةٌ قَدِيمَةٌ يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى جَارِهِ فَلَا قِيَامَ لِلْجَارِ فِيهَا وَيَجِبُ فِي التَّحَفُّظِ بِالدِّينِ التَّطَوُّعُ بِغَلْقِهَا مِنْ جِهَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَوْرَاتِ وَالتَّحَفُّظُ بِالدِّينِ أَوْكَدُ مِنْ حُكْمِ السُّلْطَانِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
(تَنْبِيهَاتٌ) : الْأَوَّلُ: أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْقَضَاءَ بِسَدِّهَا وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِقُرْبِهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ التَّطَلُّعُ مِنْهَا بِلَا تَكَلُّفٍ، فَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ رَفَعَ بِنَاءَهُ وَفَتَحَ كُوًى يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى جَارِهِ مُنِعَ وَكَتَبَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي هَذَا أَنْ يُوقَفُ عَلَى سَرِيرٍ، فَإِنْ نَظَرَ إلَى مَا فِي دَارِ جَارِهِ مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا يُمْنَعُ، وَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ ضَرَرٌ، وَأَمَّا لَا يَنَالُ النَّظَرُ مِنْهُ إلَّا بِتَكَلُّفٍ فَلَا يُمْنَعُ عِيَاضٌ الْمُرَادُ بِالسَّرِيرِ السَّرِيرُ الْمَعْلُومُ، وَمِثْلُهُ الْكُرْسِيُّ وَشَبَهَهُ لَا السُّلَّمُ لِأَنَّ فِي وَضْعِهِ إيذَاءٌ وَالصُّعُودُ عَلَيْهِ تَكَلُّفٌ لَا يُفْعَلُ إلَّا لِمُهِمٍّ وَلَا يَسْهُلُ صُعُودُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنْ نَظَرَ إلَخْ أَيْ اطَّلَعَ مِنْ الْكُوَّةِ وَاسْتَبَانَ مِنْهَا مِنْ دَارِ الْآخَرِ الْوُجُوهَ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ الْوُجُوهَ فَلَيْسَ ذَلِكَ ضَرَرًا أَبُو الْحَسَنِ قَوْلُ مَالِكٍ مَا فِيهِ ضَرَرٌ، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِسَرِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ.
الثَّانِي: ابْنُ نَاجِي ظَاهِرُ قَوْلِ الرِّسَالَةِ فَلَا يَفْعَلُ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ وَمَنْ فَتَحَ كُوَّةً قَرِيبَةً يَكْشِفُ جَارَهُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى بُسْتَانِ جَارِهِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ، وَهُوَ أَحَدُ نَقْلَيْ ابْنِ الْحَاجِّ فِي نَوَازِلِهِ. قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى الْمَزَارِعِ.
الثَّالِثُ: الْمُسْتَنَدُ إلَى مَا يُسَدُّ بِالْحُكْمِ تُزَالُ شَوَاهِدُهُ فَتُقْلَعُ عَتَبَةُ الْبَابِ لِأَنَّهَا إنْ تُرِكَتْ وَطَالَ الزَّمَانُ وَنُسِيَ الْأَمْرُ كَانَتْ حُجَّةً لِلْمُحْدِثِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا غَلَقَهُ لِيُعِيدَهُ مَتَى شَاءَ. وَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ فِي كَيْفِيَّةِ قَطْعِ ضَرَرِ الِاطِّلَاعِ قَوْلَيْنِ، أَحَدَهُمَا وُجُوبُ الْحُكْمِ بِسَدِّهِ وَإِزَالَةِ أَثَرِهِ خَوْفَ دَعْوَى قِدَمِهِ لِسَمَاعِ أَشْهَبَ. الثَّانِي عَدَمُ وُجُوبِ سَدِّهِ وَالِاكْتِفَاءُ بِجَعْلِ مَا يَسْتُرُهُ أَمَامَهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ الْمُتَيْطِيُّ إذَا حُكِمَ بِسَدِّ الْبَابِ أُزِيلَتْ أَعْتَابُهُ وَعَضَائِدُهُ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ أَثَرٌ قَالَهُ سَحْنُونٌ.
الرَّابِعُ: ابْنُ فَرْحُونٍ مَنْ أَحْدَثَ ضَرَرًا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ اطِّلَاعٍ أَوْ خُرُوجِ مَاءِ مِرْحَاضٍ قُرْبَ جِدَارِهِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْأَحْدَاثِ الْمُضِرَّةِ وَعَلِمَ بِذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ، وَلَمْ يُعَارِضْ فِيهِ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَنَحْوَهَا، بِلَا عُذْرٍ مَانِعٍ مِنْ الْقِيَامِ فَلَا قِيَامَ لَهُ بَعْدَهَا، وَهُوَ كَالِاسْتِحْقَاقِ، هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ أَصْبَغُ لَا يَنْقَطِعُ الْقِيَامُ فِي إحْدَاثِ الضَّرَرِ إلَّا بَعْدَ سُكُوتٍ عِشْرِينَ سَنَةً وَنَحْوَهَا وَبِالْأَوَّلِ الْقَضَاءُ. ابْنُ رُشْدٍ اُخْتُلِفَ فِي حِيَازَةِ الضَّرَرِ الْمُحْدَثِ فَقِيلَ
وَبِمَنْعِ دُخَانٍ: كَحَمَّامٍ، وَرَائِحَةٍ: كَدِبَاغٍ، وَأَنْدَرٍ قِبَلَ بَيْتٍ
ــ
[منح الجليل]
لَا يُحَازُ أَصْلًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَقِيلَ يُحَازُ بِمَا تُحَازُ بِهِ الْأَمْلَاكُ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ وَنَحْوَهَا، قَالَهُ أَصْبَغُ، وَقَالَ أَيْضًا لَا يُحَازُ إلَّا بِعِشْرِينَ سَنَةً وَنَحْوِهِمَا. وَكَانَ ابْنُ زَرْبٍ يَسْتَحْسِنُ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ يُحَازُ بِأَرْبَعِ سِنِينَ لِأَنَّ الْجَارَ قَدْ يَتَغَافَلُ عَنْ جَارِهِ فِي نَحْوِ السَّنَتَيْنِ. وَقِيلَ إنْ كَانَ ضَرَرُهُ بِحَدٍّ وَاحِدٍ فَهُوَ الَّذِي يُحَازُ بِالسُّكُوتِ، وَإِنْ كَانَ يَتَزَايَدُ كَالْمَطْمُورِ إلَى جَانِبِ الْحَائِطِ فَلَا يُحَازُ. وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
الْخَامِسُ: مَنْ أُحْدِثَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي مِلْكِهِ فَبَاعَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ فَهَلْ يَنْتَقِلُ لِلْمُشْتَرَى مَا كَانَ لِلْبَائِعِ أَمْ لَا، قَوْلَانِ وَقِيلَ يُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِ بَيْعِهِ بَعْدَ خِصَامِهِ فَلِلْمُشْتَرِي الْقِيَامُ وَكَوْنِهِ قَبْلَهُ فَلَا قِيَامَ لَهُ، وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ فِي الشَّامِلِ فَقَالَ وَحَلَّ مُبْتَاعٌ مَحَلَّ بَائِعٍ خَاصَمَ، وَبَاعَ قَبْلَ الْحُكْمِ لَا قَبْلَ قِيَامِهِ.
(وَ) قُضِيَ (بِمَنْعِ) إحْدَاثِ ذِي (دُخَانٍ كَحَمَّامِ) بِشَدِّ الْمِيمِ وَفُرْنٍ وَمَطْبَخٍ وَمُجَيِّرَةٍ وَمُجَيِّسَةٍ (وَ) قُضِيَ بِمَنْعِ إحْدَاثِ ذِي (رَائِحَةٍ) كَرِيهَةٍ (كَدِبَاغٍ) وَمَذْبَحٍ وَمَسْمَطٍ وَمِرْحَاضٍ الْبِسَاطِيُّ إنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّائِحَةِ وَالدُّخَانِ وَالْكُلُّ دُخَانٌ وَمَشْمُومٌ، قُلْت الْفَرْقُ أَنَّهُ عُنِيَ بِالدُّخَانِ الْمَحْسُوسِ بِالْبَصَرِ وَبِالرَّائِحَةِ الْمَحْسُوسِ بِالشَّمِّ، وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ دُخَانًا وَالدُّخَانُ يَضُرُّ غَيْرَ الشَّمِّ، كَتَسْوِيدِ الثِّيَابِ وَالْحِيطَانِ وَشَبَهِهَا (وَ) قُضِيَ بِمَنْعِ إحْدَاثِ (أَنْدَرُ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ أَيْ مَوْضِعُ لِدَرْسِ الزَّرْعِ وَتَذْرِيَتِهِ (قِبَلَ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مُقَابِلَ بَابِ (بَيْتٍ) الْحَطّ لَا مَفْهُومَ لِقِبَلِ، وَكَذَا إحْدَاثُهُ جَنْبَ بَيْتٍ مِنْ أَيْ جِهَةٍ، وَالْجِنَانُ كَالْبَيْتِ نَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَغَيْرُهُ.
(تَنْبِيهٌ) ابْنُ الْهِنْدِيِّ إنْ قَامَ رَجُلٌ عَلَى جَارِهِ فِي شَيْءٍ أَرَادَ إحْدَاثَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ يَضُرُّهُ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ يَضُرُّهُ بِاطِّلَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا يَمْنَعُ جَارُهُ مِنْ عَمَلِ مَا أَرَادَهُ، وَإِذَا تَمَّ عَمَلُهُ وَثَبَتَ
وَمُضِرٍّ بِجِدَارٍ
وَإِصْطَبْلٍ
أَوْ حَانُوتٍ قِبَالَةَ بَابٍ
ــ
[منح الجليل]
الضَّرَرُ قُضِيَ عَلَيْهِ بِهَدْمِهِ إذَا طَلَبَهُ جَارُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَدْفَعٌ.
(وَ) قَضَى بِمَنْعِ إحْدَاثِ كُلِّ شَيْءٍ (مُضِرٍّ بِجِدَارٍ) لِجَارِهِ خَوْفَ سُقُوطِهِ أَوْ وَهَنِهِ أَوْ تَسْخِيمِهِ كَطَاحُونٍ وَمِرْحَاضٍ وَمِدَقٍّ
(وَ) يُمْنَعُ إحْدَاثُ (إصْطَبْلٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الطَّاءِ كَذَلِكَ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَعْجَمِيٌّ مُعْرَبٌ، مَعْنَاهُ بَيْتُ الْخَيْلِ وَنَحْوِهَا صَاحِبُ الْمُفِيدِ تَابِعًا لِابْنِ فَتُّوحٍ يُمْنَعُ مِنْ إحْدَاثِ إصْطَبْلٍ عِنْدَ بَيْتِ جَارِهِ لِضَرَرِهِ بِبَوْلِ الدَّوَابِّ وَزِبْلِهَا وَحَرَكَتِهَا بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ الْمَانِعَةِ مِنْ النَّوْمِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ مُسْتَغْنَى عَنْهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَنَعَهُ لِلرَّائِحَةِ فَقَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ وَرَائِحَةٍ كَدِبَاغٍ وَإِنْ كَانَ لِإِضْرَارِهِ بِالْحِيطَانِ فَقَدْ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ وَمُضِرٍّ بِجِدَارٍ وَإِنْ كَانَ لِلتَّضَرُّرِ بِالصَّوْتِ فَسَيَأْتِي مَا يُغْنِي عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ وَصَوْتٍ كَكَمْدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ النَّصَّ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمُونَ.
(أَوْ) إحْدَاثُ (حَانُوتٍ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَضَمِّ النُّونِ آخِرَهُ مُثَنَّاةٌ فَوْقَ أَيْ مَحَلٍّ مُعَدٍّ لِإِدَامَةِ الْجُلُوسِ بِهِ لِبَيْعٍ أَوْ صَنْعَةٍ أَوْ شَهَادَةٍ (قِبَالَةَ) بِكَسْرِ الْقَافِ فَمُوَحَّدَةٍ أَيْ مُقَابِلَ (بَابٍ) لِدَارٍ " غ " كَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ مَعْطُوفًا بِأَوْ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي إحْدَاثِ إصْطَبْلٍ فِي قِبَالَةِ الْبَابِ. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَحَانُوتٍ بِالْوَاوِ مَعْطُوفًا عَلَى دُخَانٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَكَلَامُهُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى السِّكَّةِ غَيْرِ النَّافِذَةِ لِقَوْلِهِ فِي مُقَابِلِهِ وَبَابٌ بِسِكَّةٍ نَفَذَتْ عَلَى أَنَّ مَا هُنَا مُسْتَغْنَى عَنْهُ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ آخِرًا إلَّا بَابًا نَكَبَ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ النَّافِذَةِ، وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي آخَرِ كِتَابِ الْقَسْمِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ ابْنُ رُشْدٍ يَتَحَصَّلُ فِي فَتْحِ الرَّجُلِ بَابًا أَوْ حَانُوتًا فِي مُقَابَلَةِ بَابِ جَارِهِ فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا أَنَّ لَهُ ذَلِكَ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَشْهَبَ فِي الْعُتْبِيَّةِ.
ثَانِيًا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ جُمْلَةً إلَّا إنْ نَكَبَهُ قَالَهُ سَحْنُونٌ.
ثَالِثُهَا: لَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ السِّكَّةُ وَاسِعَةً، قَالَهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْوَاسِعَةُ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ. وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ رَجُلَيْنِ مُتَجَاوِرِينَ بَيْنَهُمَا زُقَاقٌ نَافِذٌ فَأَحْدَثَ أَحَدُهُمَا فِي دَارِهِ بَابًا وَحَانُوتَيْنِ يُقَابِلُ بَابَ دَارِ جَارِهِ وَلَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنْ دَارِهِ وَلَا يَدْخُلُ إلَّا عَلَى نَظَرٍ مِنْ الَّذِينَ يَجْلِسُونَ فِي الْحَانُوتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِعَمَلِ صِنَاعَتِهِمْ، وَذَلِكَ ضَرَرٌ بَيِّنٌ يُثْبِتُهُ صَاحِبُ
وَبِقَطْعِ مَا أَضَرَّ مِنْ شَجَرَةٍ بِجِدَارٍ، إنْ تَجَدَّدَتْ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ
لَا مَانِعَ: ضَوْءٍ، وَشَمْسٍ، وَرِيحٍ
ــ
[منح الجليل]
الدَّارِ وَكَشَقَّةٍ لِعِيَالِهِ فَأَجَابَ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْت فَيُؤْمَرُ أَنْ يَنْكُبَ بَابَهُ وَحَانُوتَيْهِ عَنْ مُقَابَلَةِ بَابِ جَارِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَلَا وَجَدَ إلَيْهِ سَبِيلًا تُرِكَ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِغَلْقِهَا. اهـ. وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.
الْحَطّ هَذَا اقْتَضَى التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْحَانُوتِ وَالْبَابِ، وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ السُّلْطَانِ، وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ. الْبُرْزُلِيُّ فِي الرِّوَايَةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْحَانُوتِ وَالْبَابِ وَأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِمَا وَاحِدٌ، حَكَاهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ السُّلْطَانِ، وَرَأَيْت فِي التَّعْلِيقَةِ الْمَنْسُوبَةِ لِلْمَازِرِيِّ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ عَنْ السُّيُورِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْقَرَوِيِّينَ أَنَّ الْحَانُوتَ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ الْبَابِ لِلَازِمَةِ الْجُلُوسِ فِيهِ، وَأَنَّهُ يَمْنَعُ بِكُلِّ حَالٍ وَوَقَعَتْ بِتُونُسَ، وَأَفْتَى ابْنُ عَرَفَةَ بِالتَّسْوِيَةِ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ.
(وَ) قَضَى (بِقَطْعِ مَا أَضَرَّ مِنْ) أَغْصَانِ (شَجَرَةٍ بِجِدَارٍ) لِجَارٍ (إنْ تَجَدَّدَتْ) أَيْ حَدَثَتْ الشَّجَرَةُ بَعْدَ الْجِدَارِ اتِّفَاقًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَتَجَدَّدْ بِأَنْ تَقَدَّمَتْ عَلَى بِنَاءِ الْجِدَارِ (فَ) فِي الْقَضَاءِ بِقَطْعِ أَغْصَانِهَا الَّتِي أَضَرَّتْ بِالْجِدَارِ الْحَادِثِ عَلَيْهَا وَعَدَمِهِ (قَوْلَانِ) مُطَرِّفٌ يَقْضِي بِهِ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْبَيَانِ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلَا يُقْضَى بِهِ لِأَنَّ بَانِي الْجِدَارِ دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ وَتَعَدَّى عَلَى حَرِيمِهَا، وَأَمَّا أَصْلُهَا فَقَالَ مُطَرِّفٌ إنْ كَانَ عَلَى حَالِ مَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ مِنْ انْبِسَاطِهِ فَلَا يُقْطَعُ قَالَهُ تت ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ رُشْدٍ إنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ قَدِيمَةً قَبْلَ الْجِدَارِ فَلَيْسَ لِلْجَارِ قَلْعُهَا وَلَوْ أَضَرَّتْ بِجِدَارِهِ، وَفِي قَطْعِهِ مَا أَضَرَّ بِهِ مِنْ أَغْصَانِهَا قَوْلَا أَصْبَغَ مَعَ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ هَذَا يَكُونُ مِنْ حَالِ الشَّجَرَةِ، فَقَدْ حَازَ ذَلِكَ مِنْ حَرِيمِهَا، الْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَبِيبٍ.
وَإِنْ أَحْدَثَ الْجَارُ مَا مَنَعَ الضَّوْءَ أَوْ الشَّمْسَ أَوْ الرِّيحَ عَنْ جَارِهِ فَ (لَا) يُقْضَى بِإِزَالَةِ شَيْءٍ (مَانِعِ ضَوْءٍ) عَنْ جَارٍ (وَ) لَا بِإِزَالَةِ مَانِعِ شُعَاعِ (شَمْسٍ) عَنْهُ (وَ) لَا مَانِعِ (رِيحٍ) عَنْهُ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ مَنَعَ الثَّلَاثَةَ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ الْمُدَوَّنَةِ وَمَنْ رَفَعَ بُنْيَانَهُ فَسَدَّ عَلَى دَارِ
إلَّا لِأَنْدَرِ
وَعُلُوِّ بِنَاءٍ وَصَوْتٍ كَكَمْدٍ
ــ
[منح الجليل]
جَارِهِ كُوَاهَا وَأَظْلَمَتْ عَلَيْهِ أَبْوَابُ غُرَفِهِ وَكُوَاهَا وَمَنَعَ الشَّمْسَ أَنْ تَقَعَ فِي حُجْرَتِهِ، وَمَنَعَ الْهَوَاءَ أَنْ يَدْخُلَ لَهُ فَلَا يُمْنَعُ، وَظَاهِرُهَا كَالْمُصَنِّفِ، وَإِنْ قَصَدَ ضَرَرَ جَارِهِ. وَقَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ يُمْنَعُ مِنْ رَفْعِهِ الْمُضِرِّ دُونَ مَنْفَعَةٍ يُحْتَمَلُ الْخِلَافُ وَالتَّقْيِيدُ قَالَهُ تت. طفي قَوْلُهُ ابْنُ نَافِعٍ لَعَلَّهُ ابْنُ كِنَانَةَ إذْ هُوَ الْمُفَصِّلُ، وَأَمَّا ابْنُ نَافِعٍ فَالْمَنْعُ عِنْدَهُ مُطْلَقًا، كَذَا فِي التَّوْضِيحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ. الْحَطّ هَذَا الْمَشْهُورُ، وَأَمَّا إحْدَاثُ مَا يُنْقِصُ الْغَلَّةَ فَلَا يُمْنَعُ اتِّفَاقًا كَإِحْدَاثِ فُرْنٍ قُرْبَ فُرْنٍ وَحَمَّامٍ قُرْبَ حَمَّامٍ قَالَهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَالتَّبْصِرَةِ
(إلَّا) مَانِعَ. شَمْسٍ وَرِيحٍ (لِأَنْدَرِ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَالدَّالِ أَيْ عَنْهُ فَيُقْضَى بِمَنْعِهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَنْ وَافَقَهُ.
الْبَاجِيَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ مُلَاصِقَةُ أَنْدَرِ غَيْرِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا مَا يَمْنَعُ الرِّيحَ عَنْ الْأَنْدَرِ وَيَقْطَعُ مَنْفَعَتَهُ، فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ لَا يُمْنَعُ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِمَّا يَضُرُّ بِجَارِهِ فِي قَطْعِ مَرَافِقِ الْأَنْدَرِ الَّذِي تَقَادَمَ ابْنُ يُونُسَ وَالْأَنَادِرُ كَالْأَفْنِيَةِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّضْيِيقُ فِيهَا وَلَا قَطْعُ مَنَافِعِهَا وَقَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ. الْعُتْبِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى مَوَّاقٌ.
وَعَطَفَ بِالْجَرِّ عَلَى مَانِعٍ فَقَالَ (وَ) لَا يُقْضَى بِمَنْعِ زِيَادَةِ (عُلُوِّ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ وَشَدِّ الْوَاوِ أَيْ رَفْعٍ وَإِطَالَةِ (بِنَاءٍ) عَلَى جَارِهِ وَإِنْ أَشْرَفَ عَلَيْهِ نَعَمْ يُمْنَعُ مِنْ التَّطَلُّعِ عَلَيْهِ وَالْإِضْرَارِ بِهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ ذُو الْعُلْوِ ذِمِّيًّا. ابْنُ عَرَفَةَ قَوْلُ الطُّرْطُوشِيِّ يُمْنَعُونَ مِنْ إعْلَاءِ بِنَائِهِمْ أَيْ الذِّمِّيِّينَ عَلَى بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي الْمُسَاوَاةِ قَوْلَانِ وَلَوْ اشْتَرَوْهَا عَالِيَةً أُقِرُّوا، إنَّمَا نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ كَالْمُصَوِّبِ لَهُ (وَ) لَا يُمْنَعُ مِنْ (صَوْتٍ كَكَمْدٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ. الْمِيمِ أَيْ دَقِّ الْقُمَاشِ لِيُحَسَّنَ، وَأَدْخَلْت الْكَافُ الْقَصْرَ وَالنَّدْفَ وَصُنْعَ الْحَدِيدِ وَنَجْرَ الْخَشَبِ وَتَجْرِبَةَ الْآلَاتِ الْمُبَاحَةِ وَتَعْلِيمَ الْأَنْغَامِ وَالصَّبِيَّانِ وَاِتِّخَاذِ السُّمَّانِ وَالْعَصَافِيرِ وَالْحَمَامِ الْهَدَّارِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ اشْتَدَّ وَدَامَ. وَفِي " ق " خِلَافُهُ قَالَهُ عب، وَنَصَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي ضَرَرِ صَوْتِ الْحَرَكَاتِ طُرِقَ فِي الْمَجْمُوعَةِ،
وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ مَنْ أَحْدَثَ رَحًى تَضُرُّ بِجَارِهِ مُنِعَ. الْبَاجِيَّ أَمَّا الرَّحَى فَإِنْ ثَبَتَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
أَنَّهَا تَضُرُّ بِجُدْرَانِ الْجَارِ مُنِعَ مِنْهَا، وَأَمَّا صَوْتُهَا فَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ فِي الْغَسَّالِ وَالضَّرَّابِ يُؤْذِي جَارَهُ وَقْعُ صَوْتِهِ إنَّهُ لَا يُمْنَعُ، وَتَحْتَمِلُ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْخِلَافَ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الضَّرَرِ الَّذِي يُمْنَعُ مِنْهُ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ إنَّمَا ذَاكَ فِي الصَّوْتِ الضَّعِيفِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ مَضَرَّةٍ أَوْ مَا لَا يُسْتَدَامُ. وَأَمَّا مَا كَانَ صَوْتًا شَدِيدًا مُسْتَدَامًا كَالْكَمَّادِينَ وَالْقَصَّارِينَ وَالرَّحَى ذَاتِ الصَّوْتِ الشَّدِيدِ، فَإِنَّهُ ضَرَرٌ يُمْنَعُ مِنْهُ كَالرَّائِحَةِ، وَلَمْ يَحْكِ الصِّقِلِّيُّ غَيْرَ نَقْلِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْأَخَوَيْنِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ. ابْنُ رُشْدٍ ضَرَرُ الْأَصْوَاتِ كَالْحَدَّادِ وَالْكَمَّادِ وَالنَّدَّافِ، حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ، وَرَوَاهُ مُطَرِّفٌ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى مَنْعِ ضَرَرِ الصَّوْتِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لِبُرْدٍ اُطْرُدْ هَذَا الْقَارِئَ عَنِّي فَقَدْ آذَانِي. ابْنُ عَرَفَةَ سَمِعَ أَشْهَبَ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَسَنَ الصَّوْتِ وَيَخْرُجُ فِي آخَرِ اللَّيْلِ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَقَرَأَ جَهْرًا فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لِبُرْدٍ اُطْرُدْ هَذَا الْقَارِئَ عَنِّي فَقَدْ آذَانِي، فَسَكَتَ بُرْدٌ، فَقَالَ سَعِيدٌ وَيْحَك. يَا بُرْدُ اُطْرُدْ هَذَا الْقَارِئَ عَنِّي فَقَدْ آذَانِي، فَقَالَ لَهُ إنَّ الْمَسْجِدَ لَيْسَ لَنَا خَاصَّةً، إنَّمَا هُوَ لِلنَّاسِ، فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ وَتَنَحَّى ابْنُ رُشْدٍ أَمْرُ سَعِيدٍ بِطَرْدِ الْقَارِئِ عَنْهُ يُرِيدُ بِهِ مِنْ جِوَارِهِ لَا مِنْ الْمَسْجِدِ جُمْلَةً، وَلَمْ يَنْتَهِ لِمَكَانِهِ مِنْ الْخِلَافَةِ لِجَزَالَتِهِ وَقُوَّتِهِ فِي الْحَقِّ وَقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِالْأَئِمَّةِ، وَلَمْ يَأْنَفْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ قَوْلِهِ لِفَضْلِهِ وَانْقِيَادِهِ لِلْحَقِّ.
ابْنُ عَرَفَةَ اُنْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِ مَالِكٍ كَانَ النَّاسُ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ يَتَوَاعَدُونَ لِقِيَامِهِمْ لِأَسْفَارِهِمْ بِقِيَامِ الْقُرَّاءِ بِالْمَسْجِدِ بِالْأَسْحَارِ تُسْمَعُ أَصْوَاتُهُمْ مِنْ كُلِّ مَنْزِلٍ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ ابْنُ عَاتٍ عَلَى جَوَازِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ فِي الْمَسَاجِدِ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِهَذِهِ الْحِكَايَةِ عَلَى أَنَّ الْأَصْوَاتَ مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي يَجِبُ الْحُكْمُ بِإِزَالَتِهِ عَلَى الْجَارِ بِقَطْعِهِ عَنْ جَارِهِ كَالْحَدَّادِينَ وَالْكَمَّادِينَ وَالنَّدَّافِينَ، وَشِبْهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِدَلِيلٍ بَيِّنٍ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ فِي دَارِهِ مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ جَارُهُ بِخِلَافِهِ مَا يَفْعَلُهُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ رَفْعِ صَوْتِهِ لِتَسَاوِي النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ رَفَعَ رَجُلٌ فِي دَارِهِ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ لَمَا وَجَبَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ، وَالرِّوَايَةُ مَنْصُوصَةٌ فِي أَنَّهُ
وَبَابٍ بِسِكَّةٍ نَافِذَةٍ
ــ
[منح الجليل]
لَيْسَ لِلرَّجُلِ مَنْعُ جَارِهِ الْحَدَّادِ مِنْ ضَرْبِ الْحَدِيدِ فِي دَارِهِ وَإِنْ أَضَرَّ بِهِ.
قُلْت وَقَالَ فِي رَسْمِ الْمُكَاتَبِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى رَأَيْت لِابْنِ دَحُونٍ لَمْ يَخْتَلِفْ فِي الْكَمَّادِ وَالطَّحَّانِ أَنَّهُمَا لَا يُمْنَعَانِ وَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا يَضُرُّ بِأَسْمَاعِ الْجِيرَانِ، فَإِنْ أَضَرَّ بِالْبِنَاءِ مَنَعَ الْمُتَيْطِيُّ فِي ثَمَانِيَةٍ. أَبِي زَيْدٍ عَنْ مُطَرِّفٍ سَأَلَتْ مَالِكًا " رضي الله عنه " الْحَدَّادُ جَارُ الرَّجُلِ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا إلَّا حَائِطٌ يَضْرِبُ الْحَدِيدَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فَيُؤْذِي جَارَهُ فَيَقُولُ لَا أَقْدِرُ أَنْ أَنَامَ فَهَلْ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ لَا، هَذَا رَجُلٌ يَعْمَلُ لِمَعَاشِهِ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ الضَّرَرَ. ابْنُ عَتَّابٍ تَنَازَعَ شُيُوخُنَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِيمَنْ يَجْعَلُ بِدَارِهِ رَحًى وَشَبَهَهُ مِمَّا لَهُ دَوِيٌّ أَوْ صَوْتٌ يَضُرُّ بِهِ جَارَهُ كَالْحَدَّادِ وَشَبَهِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُمْنَعُ إذَا عَمِلَهُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. وَقَالَ طَائِفَةٌ لَا يُمْنَعُ. وَقَالَ أَصْبَغُ اتَّفَقَ شُيُوخُنَا عَلَى مَنْعِهِ اللَّيْلَ لِمَنْ أَضَرَّ بِجَارِهِ وَلَا يُمْنَعُ بِالنَّهَارِ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ رَبِّهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنْ اجْتَمَعَ ضَرَرَانِ أُسْقِطَ الْأَكْثَرُ وَمُنِعَ الرَّجُلُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمَالِهِ. وَصَنْعَتُهُ أَشَدُّ ضَرَرًا مِنْ التَّأَذِّي بِدَوِيِّ مَا يُمْنَعُ. ابْنُ عَتَّابٍ الَّذِي أَقُولُهُ وَأَتَقَلَّدُهُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ " رضي الله عنه " أَنَّ جَمِيعَ مَا يَضُرُّ الْجَارَ يَجِبُ قَطْعُهُ إلَّا رَفْعَ الْبِنَاءِ الْمَانِعِ مِنْ الرِّيحِ وَضَوْءَ الشَّمْسِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا، فَلَا يُقْطَعُ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ يُثْبِتَ قَصْدَ مُحْدِثِهِ ضَرَرَ جَارِهِ، وَكَذَا كُلُّ ضَرَرٍ يَئُولُ لِلْفَسَادِ كَالْكَمَّادِ وَالنَّدَّافِ، ثُمَّ قَالَ وَفِي الْمَجَالِسِ قَضَى شُيُوخُ الْفُتْيَا بِطُلَيْطُلَةَ بِمَنْعِ الْكَمَّادِينَ إذَا اسْتَضَرَّ بِهِمْ الْجِيرَانُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت فَفِي لَغْوِ إحْدَاثِ صَوْتِ الْحَرَكَةِ وَمَنْعِهِ مُطْلَقًا، ثَالِثُهَا إنْ عَمِلَ نَهَارًا لَا لَيْلًا، وَرَابِعُهَا إنْ خَفَّ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ كَبِيرُ مَضَرَّةٍ.
(وَ) لَا يُمْنَعُ الْجَارُ مِنْ إحْدَاثِ (بَابٍ) لِدَارِهِ (بِسِكَّةٍ) بِكَسْرِ السِّينِ وَشَدِّ الْكَافِ، أَيْ طَرِيقٍ (نَافِذَةٍ) أَيْ يَخْرُجُ مِنْهَا إلَى جِهَةٍ أُخْرَى، ظَاهِرُهُ وَاسِعَةً كَانَتْ أَوْ ضَيِّقَةً وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِسَحْنُونٍ. وَمَفْهُومُ نَافِذَةٍ إنْ أَحْدَثَ بَابًا بِسِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ لِجَارٍ مَنْعُهُ مِنْهُ إنْ قَابَلَ بَابَهُ لَا إنْ لَمْ يُقَابِلْهُ، وَسَيُصَرِّحُ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا فِيهَا. وَأَمَّا فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ فَلَكَ أَنْ تَفْتَحَ مَا شِئْت أَوْ تُحَوِّلَ بَابَك حَيْثُ شِئْت مِنْهَا. اهـ. وَكَذَا فِي الْعُتْبِيَّةِ.
وَرَوْشَنٍ
وَسَابَاطٍ لِمَنْ لَهُ الْجَانِبَانِ، بِسِكَّةٍ نَفَذَتْ، وَإِلَّا، فَكَالْمِلْكِ لِجَمِيعِهِمْ
إلَّا بَابًا، إنْ نُكِّبَ
ــ
[منح الجليل]
(وَ) لَا يُمْنَعُ مَنْ لَهُ جَانِبٌ وَاحِدٌ عَلَى سِكَّةٍ نَافِذَةٍ مِنْ إحْدَاثِ (رَوْشَنٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ آخِرَهُ نُونٌ، أَيْ جَنَاحٌ فِي أَعْلَى الْحَائِطِ لِتَوْسِعَةِ الدَّارِ وَالتَّطَلُّعِ عَلَى السِّكَّةِ بِشَرْطِ رَفْعِهِ عَنْ رُءُوسِ الْمَارِّينَ رَفْعًا بَيِّنًا الْجَوْهَرِيِّ الرَّوْشَنُ الْكُوَّةُ الْمُحْكَمُ، الرَّوْشَنُ الرَّفُّ. الْبَاجِيَّ مَا خَرَجَ مِنْ الْعَسَاكِرِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ. رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ " رضي الله عنه " لَا بَأْسَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَنَاحُ بِأَسْفَلِ الْجِدَارِ حَيْثُ يَضُرُّ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ فَيُمْنَعُ.
(وَ) لَا يُمْنَعُ (مِنْ سَابَاطٍ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ سَقْفٍ عَلَى حَائِطَيْنِ مُتَقَابِلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا سِكَّةٌ بِالنِّسْبَةِ (لِمَنْ لَهُ الْجَانِبَانِ) لِلسِّكَّةِ الْمُتَقَابِلَانِ الْأَيْمَنُ وَالْأَيْسَرُ مِنْ دَارَيْنِ مَثَلًا وَمِنْ الْمَجْمُوعَةِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ الْعَسَاكِرِ وَالْأَجْنِحَةِ عَلَى الْحِيطَانِ إلَى طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَهِيَ بِالْمَدِينَةِ فَلَا يُنْكِرُونَهَا، وَاشْتَرَى مَالِكٌ دَارًا لَهَا عَسْكَرٌ. اهـ. نَقَلَهُ فِي النَّوَادِرِ وَالْجَوَاهِرِ وَسَمِعَ أَصْبَغُ ابْنُ الْقَاسِمِ لِمَنْ لَهُ دَارَانِ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى جِدَارَيْهِمَا غُرْفَةً فَوْقَ الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ الْإِضْرَارِ بِتَضْيِيقِ الطَّرِيقِ. ابْنُ رُشْدٍ هَذَا إنْ رَفَعَ بِنَاءً رَفْعًا يُجَاوِزُ رَأْسَ الْمَارِّ رَاكِبًا وَنَحْوِهِ فِي الزَّاهِي وَكَذَا الْأَجْنِحَةُ اهـ. مَوَّاقٌ إنْ كَانَ الرَّوْشَنُ وَالسَّابَاطُ مُحْدَثَيْنِ (بِسِكَّةٍ نَفَذَتْ) إلَى جِهَةٍ أُخْرَى (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ السِّكَّةُ الَّتِي أُحْدِثَ فِيهَا الْبَابُ أَوْ الرَّوْشَنُ أَوْ السَّابَاطُ نَافِذَةً بِأَنْ سُدَّ آخِرُهَا (فَ) السِّكَّةُ (كَالْمِلْكِ لِجَمِيعِهِمْ) أَيْ الْجِيرَانِ، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ إحْدَاثُ رَوْشَنٍ أَوْ سَابَاطٍ بِهَا إلَّا بِإِذْنِ بَاقِيهِمْ وَقَالَ كَالْمِلْكِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكًا لَهُمْ، وَإِلَّا لَكَانَ لَهُمْ تَحْجِيرُهَا بِغَلْقٍ وَنَحْوِهِ.
(فَائِدَةٌ)
فِي الذَّخِيرَةِ هَوَاءُ الْوَقْفِ وَقْفٌ وَهَوَاءُ الْمَوَاتِ مَوَاتٌ وَهَوَاءُ الْمَمْلُوكِ مَمْلُوكٌ.
(إلَّا بَابًا) أُحْدِثَ بِسِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ فَلَيْسَ لِلْجَارِ مَنْعُهُ إنْ (نُكِّبَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
الْكَافِ مُشَدَّدَةً، أَيْ أُمِيلَ عَنْ مُقَابَلَةِ بَابِ الْجَارِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَإِنْ فَتَحَ مُقَابِلًا لَهُ فَلَهُ مَنْعُهُ. ابْنُ عَاتٍ حَصَلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي فَتْحِ الرَّجُلِ بَابًا أَوْ تَحْوِيلِهِ عَنْ مَوْضِعِهِ فِي زُقَاقٍ غَيْرِ نَافِذٍ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ، أَحَدِهَا: إنَّهُ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ إلَّا بِإِذْنِ بَاقِيهِمْ، ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ زَرْبٍ وَأَقَامَهُ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ بِقُرْطُبَةَ.
ثَانِيهَا: إنَّ لَهُ ذَلِكَ إلَّا مَا يُقَابِلُ بَابَ جَارِهِ أَوْ يَقْرُبُ مِنْهُ بِحَيْثُ يَقْطَعُ مِرْفَقًا عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ وَهْبٍ.
ثَالِثُهَا: لَهُ تَحْوِيلُ بَابِهِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ إذَا سَدَّ الْبَابَ الْأَوَّلَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ فِيهَا بَابًا لَمْ يَكُنْ قَبْلُ بِحَالٍ، وَهَذَا دَلِيلُ قَوْلِ أَشْهَبَ فِي سَمَاعِ زُونَانَ. وَيَتَحَصَّلُ فِي فَتْحِ الرَّجُلِ بَابًا أَوْ حَانُوتًا فِي مُقَابَلَةِ بَاب جَارِهِ فِي زُقَاقٍ نَافِذٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، أَحَدِهَا: أَنَّ ذَلِكَ لَهُ جُمْلَةً مِنْ غَيْر تَفْصِيلٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَأَشْهَبَ هَاهُنَا.
وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ جُمْلَةً مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ إلَّا أَنْ يَنْكُبَهُ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ.
وَالثَّالِثِ: إنَّ ذَلِكَ لَهُ إذَا كَانَتْ السِّكَّةُ وَاسِعَةً، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ هَاهُنَا، وَالسِّكَّةُ الْوَاسِعَةُ مَا فِيهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الطَّرِيقُ الْمِيتَاءِ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ» ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، فِيهَا لَيْسَ لَك أَنْ تَفْتَحَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ بَابًا يُقَابِلُ بَابَ جَارِك أَوْ يُسَاوِيهِ وَلَا تُحَوِّلُ بَابًا هُنَاكَ إذَا مَنَعَك لِأَنَّهُ يَقُولُ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُرِيدُ أَنْ تَفْتَحَ فِيهِ بَابَك لِي فِيهِ مِرْفَقٌ أَفْتَحُ فِيهِ بَابِي فِي سُتْرَةٍ وَلَا أَدَعُكَ أَنْ تَفْتَحَ قُبَالَةَ بَابِي أَوْ قُرْبَهُ فَتَتَّخِذَ عَلَيَّ، فِيهِ الْمَجَالِسَ وَشِبْهَ هَذَا مِنْ الضَّرَرِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ عَلَى جَارِهِ مَا يَضُرُّ بِهِ.
وَأَمَّا فِي السِّكَّةِ النَّافِذَةِ فَلَكَ أَنْ تَفْتَحَ مَا شِئْت أَوْ تُحَوِّلَ بَابَك حَيْثُمَا شِئْت وَفِي الْمَجْمُوعَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ أَنَّهُ يُمْنَعُ فِي غَيْرِ النَّافِذَةِ مِنْ أَنْ يَضُرَّ بِجَارِهِ فِي أَنْ يَفْتَحَ قُبَالَتَهُ أَوْ بِقُرْبٍ مِنْ بَابِهِ وَلَا يُمْنَعُ مَا لَا يَضُرُّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا النَّافِذَةُ فَلَهُ أَنْ يَفْتَحَ فِيهَا مَا شَاءَ مِنْ الْأَبْوَابِ أَوْ يُقَدِّمَهَا ابْنُ عَرَفَةَ لَمَّا ذَكَرَ الْمُتَيْطِيُّ الْحَدِيثَ السَّابِقَ فِي تَحْدِيدِ الطَّرِيقِ قَالَ الْمِيتَاءُ الْوَاسِعَةُ اهـ.
وَصُعُودِ نَخْلَةٍ، وَأَنْذَرَ، بِطُلُوعِهِ
ــ
[منح الجليل]
الْحَطّ لَمْ أَقِفْ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُتَيْطِيَّةِ بَلْ ذُكِرَتْ فِي هَامِشِ نُسْخَةٍ مِنْهَا تَأَمَّلْ الْمِيتَاءُ مَا هِيَ، وَتَفْسِيرُ الْمِيتَاءِ الْوَاسِعَةُ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي فَصْلِ الْهَمْزَةِ مِنْ بَاب الْمُعْتَلِّ وَالْمِيتَاءُ الطَّرِيقُ الْعَامِرَةُ وَمُجْتَمَعُ الطَّرِيقِ أَيْضًا مِيتَاءٌ وَمِبْدَادٌ انْتَهَى. وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ فِي الْمُغْرِبِ وَطَرِيقٌ مِيتَاءٌ تَأْتِيهِ النَّاسُ كَثِيرًا، وَهُوَ مِفْعَالٌ مِنْ الْإِتْيَانِ، وَنَظِيرُهُ دَارٌ مِحْلَالٌ لِلَّتِي تُحَلُّ كَثِيرًا. وَفِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ الْمِيمِ مَعَ الْيَاءِ، وَفِي حَدِيثِ اللُّقَطَةِ مَا وَجَدْتَ فِي طَرِيقٍ مِيتَاءٍ فَعَرِّفْهُ سَنَةً أَيْ طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ وَهُوَ مِفْعَالٌ مِنْ الْإِتْيَانِ، وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، وَبَابُهُ الْهَمْزَةُ انْتَهَى، يَعْنِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمِيمِ تَسْهِيلًا عَلَى الطَّالِبِ عَلَى عَادَتِهِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ فِي بَابِ الْمِيمِ وَفِي الْحَدِيثِ طَرِيقٍ مِيتَاءٍ بِكَسْرِ الْمِيم وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَالْمَدُّ وَتَسَهُّلٌ فَيُقَالُ مِيتَاءٌ بِيَاءٍ سَاكِنَةٍ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ مَعْنَاهُ كَثِيرُ السُّلُوكِ عَلَيْهِ مِفْعَالٌ مِنْ الْإِتْيَانِ اهـ. وَفِي فَتْحِ الْبَارِي الْمِيتَاءُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْمَدِّ بِوَزْنِ مِفْعَالٍ مِنْ الْإِتْيَانِ وَالْمِيمُ زَائِدَةٌ. أَبُو عُمَرَ وَالشَّيْبَانِيُّ الْمِيتَاءُ أَعْظَمُ الطُّرُقِ، وَهِيَ الَّتِي يَكْثُرُ مُرُورُ النَّاسِ بِهَا. وَقَالَ غَيْرُهُ هِيَ الطَّرِيقُ الْوَاسِعَةُ وَقِيلَ الْعَامِرَةُ. اهـ. وَرَأَيْت فِي الْبَيَانِ وَالْمُتَيْطِيَّةِ وَمُخْتَصَرِ ابْنِ عَرَفَةَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فَفِي الصِّحَاحِ الْمِيْتَاءُ الْأَرْضُ السَّهْلَةُ، وَالْجَمْعُ مِيَتٌ مِثْلُ هَيْفَاءَ وَهِيفٌ وَنَحْوِهِ فِي الْقَامُوسِ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُرَادٍ هُنَا.
(وَ) إلَّا (صُعُودِ) بِضَمِّ الصَّادِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَيْنِ أَيْ رُقِيِّ (نَخْلَةٍ) أَوْ شَجَرَةٍ غَيْرِهَا فِي دَارِهِ يُشْرِفُ الصَّاعِدُ عَلَيْهَا عَلَى دُورِ الْجِيرَانِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ إذَا كَانَ لِإِصْلَاحِهَا أَوْ جَنْيِ ثَمَرِهَا وَيُحْتَمَلُ جَرُّهُ عَطْفًا عَلَى مَانِعٍ (وَأَنْذَرَ) أَيْ أَعْلَمَ الصَّاعِدُ عَلَى النَّخْلَةِ الْمُشْرِفَةِ الْجِيرَانَ (بِطُلُوعِهِ) عَلَيْهَا وُجُوبًا لِيَسْتُرُوا مَا يَكْرَهُونَ اطِّلَاعَ صَاعِدِهَا عَلَيْهِ. ابْنُ يُونُسَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمَنْ صَعِدَ إلَى شَجَرَةٍ لِيَجْنِيَهَا فَيَرَى مِنْهَا مَا فِي دَارِ جَارِهِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَلَكِنْ يُؤْذَنُ جَارُهُ وَنَحْوُهُ لِابْنِ وَهْبٍ نَقَلَهُ الْمَوَّاقُ.
وَنُدِبَ: إعَارَةُ جِدَارِهِ لِغَرْزِ خَشَبَةٍ
ــ
[منح الجليل]
الْحَطّ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ عَنْ مُطَرِّفٍ أُحِبُّ أَنْ يُعْلِمَهُمْ لِمَوْضِعِ حَقِّ الْجِوَارِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ فَتَاوَى ابْنِ زَرْبٍ. " غ " فِي أَجْوِبَةِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ عِيَاضًا سَأَلَهُ عَنْ صَوْمَعَةٍ أُحْدِثَتْ فِي مَسْجِدٍ فَشَكَا مِنْهَا بَعْضُ الْجِيرَانِ الْكَشْفَ عَلَيْهِ فَهَلْ لَهُ فِيهَا مَقَالٌ وَقَدْ أَبَاحَ أَئِمَّتُنَا لِمَنْ فِي دَارِهِ شَجَرَةٌ صُعُودُهَا لِجَمْعِ ثَمَرَتِهَا مَعَ الْإِنْذَارِ بِطُلُوعِهِ وَأَوْقَاتُ الطُّلُوعِ لِلْأَذَانِ مَعْلُومَةٌ وَفِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، وَإِنَّمَا يَتَوَلَّاهَا غَالِبًا أَهْلُ الصَّلَاحِ وَمَنْ لَا يَقْصِدُ مُضِرَّةً؟ فَأَجَابَ لَيْسَتْ الصَّوْمَعَةُ فِي الْمَسْجِدِ كَالشَّجَرَةِ فِي دَارِ الرَّجُلِ لِأَنَّ الطُّلُوعَ لِجَنْيِ الثَّمَرَةِ نَادِرٌ، وَالصُّعُودَ فِي الصَّوْمَعَةِ لِلْأَذَانِ يَتَكَرَّرُ مِرَارًا فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَالرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بِالْمَنْعِ مِنْ الصُّعُودِ فِيهَا وَالرُّقِيِّ عَلَيْهَا مَنْصُوصَةٌ عَلَى عِلْمِك، وَالْمَعْنَى فِيهَا صَحِيحٌ فِيمَا أَقُولُ، وَإِنْ كَانَ يَطَّلِعُ مِنْهَا عَلَى الدُّورِ مِنْ بَعْضِ نَوَاحِيهَا دُونَ بَعْضٍ فَيُمْنَعُ مِنْ الْوُصُولِ مِنْهَا إلَى الْجِهَةِ إلَتِي يَطْلُعُ مِنْهَا إلَّا بِحَاجِزٍ يُبْنَى بَيْنَ تِلْكَ الْجِهَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْجِهَاتِ اهـ.
وَالرِّوَايَةُ عَنْ سَحْنُونٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ يُمْنَعُ الصُّعُودُ فِيهَا ابْنُ رُشْدٍ هَذَا صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي أَنَّ الِاطِّلَاعَ مِنْ الضَّرَرِ الْبَيِّنِ الَّذِي يَجِبُ الْقَضَاءُ بِقَطْعِهِ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عِنْدَ مَنْ رَأَى مِنْ أَصْحَابِهِ إنْ أَحْدَثَ فِي مِلْكِهِ اطِّلَاعًا عَلَى جَارِهِ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِسَدِّهِ، وَيُقَالُ لِجَارِهِ اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِك فِي مِلْكِك، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ أَنَّ الْمَنَارَ لَيْسَ مِلْكًا لِلْوَزْنِ، وَإِنَّمَا يُصْعَدُ فِيهِ ابْتِغَاءَ الْخَيْرِ وَالثَّوَابِ وَاطِّلَاعُهُ عَلَى حَرَمِ النَّاسِ مَحْظُورٌ، وَلَا يَحِلُّ الدُّخُولُ فِي نَافِلَةٍ مِنْ الْخَيْرِ بِمَعْصِيَةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الدُّورُ عَلَى الْقُرْبِ أَوْ الْبُعْدِ إلَّا لِبُعْدٍ كَثِيرٍ لَا تَبِينُ مَعَهُ الْأَشْخَاصُ وَلَا الْهَيْئَاتُ وَلَا الذُّكُورُ مِنْ الْإِنَاثِ فَلَا يُعْتَبَرُ الِاطِّلَاعُ مَعَهُ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يَسْتَدِلُّ عَلَى هَذَا بِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - إنْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ الصُّبْحَ بِغَلَسٍ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ لَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ» وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَنُدِبَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ لِلْجَارِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَنَائِبُ فَاعِلِ نُدِبَ (إعَارَةُ جِدَارِهِ) أَيْ الْجَارِ لِجَارِهِ (لِ) أَجْلِ (غَرْزِ) أَيْ إدْخَالِ
وَإِرْفَاقٌ بِمَاءٍ وَفَتْحُ بَابٍ.
ــ
[منح الجليل]
خَشَبَةٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالسِّينِ الْمُعْجَمَيْنِ وَبِالتَّاءِ مُفْرَدًا أَوْ بِضَمِّهَا، وَالْإِضَافَةُ لِلْهَاءِ جَمْعًا فِي الْجِدَارِ الْمُعَارِ لِاسْتِنَادٍ إلَيْهِ أَوْ جَعْلِ سَقْفٍ عَلَيْهِ لِخَبَرِ الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ» ، رُوِيَ بِالْإِفْرَادِ وَالْجَمْعِ. أَبُو هُرَيْرَةَ لَمَّا نَكَّسُوا رُءُوسَهُمْ عِنْدَ رِوَايَتِهِ مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ، وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ، رُوِيَ بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقَ جَمْعُ كَتِفٍ بِكَسْرِهَا، وَبِالنُّونِ جَمْعُ كَنَفٍ بِفَتْحِهَا حَمَلَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى النَّدْبِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَأَبُو ثَوْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مَعْنَى الْحَدِيثِ الْوُجُوبُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ لِصَاحِبِ الْجِدَارِ مُحْتَجِّينَ بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا رُوِيَ، وَمَا كَانَ يُوجِبُ عَلَيْهِمْ غَيْرَ وَاجِبٍ وَبِأَنَّهُ قَضَاءٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْأَرْفَاقِ، وَقَوْلُهُ لَا يَحِلُّ مَالُ إلَخْ فِي التَّمَلُّكِ وَالِاسْتِهْلَاكِ لَا فِي الْإِرْفَاقِ وَبِقَضَاءِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِهِ، وَقَوْلُهُ لِابْنِ مَسْلَمَةَ وَاَللَّهِ لَيَرْمُنَّ بِهِ وَلَوْ عَلَى بَطْنِك، وَلَمْ تَمْنَعْ أَخَاك مَا يَنْفَعُهُ وَلَا يَضُرُّك وَبِقَضَاءِ عُمَرَ بِهِ لِابْنِ عَوْفٍ عَلَى ابْنِ زَيْدٍ أَيْضًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَنْبَغِي لَهُ مَنْعُهُ وَإِنْ مَنَعَهُ فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ أَفَادَهُ الْمَوَّاقُ. الْحَطّ فِي التَّوْضِيحِ هَلْ لِجَارِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ لِلشُّيُوخِ قَوْلَانِ. ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ سَهْلٍ أَفْتَى ابْنُ عَتَّابٍ بِجَوَازِ التَّعْلِيقِ لِلْمَسَاجِدِ الْمُتَّصِلَةِ بِالدُّورِ وَلَمْ يَضُرَّهَا، وَجَوَازُ غَرْزِ جَارِهَا خَشَبَةً بِحَائِطِهَا وَنَقَلَهُ عَنْ الشُّيُوخِ، قَالَ وَلَمْ يَتَكَلَّمُوا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهِ لِعَدَمِ اتِّصَالِ الدُّورِ بِهِ وَلَوْ اتَّصَلَتْ بِهِ جَازَ عِنْدِي، وَافَتَى ابْنُ الْقَطَّانِ بِمَنْعِ الْغَرْزِ وَابْنُ مَالِكٍ بِمَنْعِهِ وَمَنْعِ التَّعْلِيقِ ابْنُ عَرَفَةَ وَهُوَ الصَّوَابُ الْجَارِي عَلَى حَمْلِهِ عَلَى النَّدْبِ، وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ يُمْنَعُ فَتْحُ بَابٍ فِي الْمَسْجِدِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَ) نُدِبَ لِلْجَارِ (إرْفَاقٌ) أَيْ إعَانَةٌ وَمُسَاعَدَةٌ لِجَارِهِ (بِ) دَفْعِ (مَاءٍ) بِالْمَدِّ حُلْوٍ أَوْ مِلْحٍ (وَ) بِ (فَتْحِ بَابٍ) لِلْمُرُورِ مِنْهُ فِي ذَاتِ الْبَابَيْنِ. الْبَاجِيَّ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ كُلُّ مَا يَطْلُبُهُ جَارُهُ مِنْ فَتْحِ بَابٍ أَوْ إرْفَاقٍ بِمَاءٍ أَوْ طَرِيقٍ وَشَبَهِهِ فَهُوَ مِثْلُهُ، أَيْ غَرْزُ
وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ، وَفِيهَا: إنْ دَفَعَ مَا أَنْفَقَ أَوْ قِيمَتَهُ، وَفِي مُوَافَقَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ: تَرَدُّدٌ.
ــ
[منح الجليل]
الْخَشَبِ فِي الْجِدَارِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْنَعَهُ مِمَّا لَا يَضُرُّهُ وَلَا يَنْفَعُهُ مَنْعُهُ وَلَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِهِ
(وَ) إنْ أَعَارَ جَارٌ أَرْضًا لِجَارِهِ فَبَنَى أَوْ غَرَسَ فِيهَا فَ (لَهُ) أَيْ الْمُعِيرِ (أَنْ يَرْجِعَ) فِيمَا أَعَارَهُ (إنْ دَفَعَ) الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ (مَا) أَيْ مِثْلَ الْمَالِ الَّذِي (أَنْفَقَهُ) الْمُسْتَعِيرُ فِي الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ وَفِيهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ (أَوْ قِيمَتَهُ) أَيْ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ قَائِمًا.
(وَفِي مُوَافَقَتِهِ) أَيْ الْمَوْضِعِ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ بِحَمْلِ مَا أَنْفَقَ عَلَى شِرَائِهِ مَا عَمَّرَ بِهِ وَقِيمَتُهُ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ عِنْدِهِ، أَوْ حُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى رُجُوعِهِ بِالْقُرْبِ وَالثَّانِي عَلَى رُجُوعِهِ بَعْدَ طُولٍ أَوْ الْأَوَّلُ إذَا لَمْ يَكُنْ غَبْنٌ فِي شِرَاءِ مَا عَمَّرَ بِهِ، وَالثَّانِي عَلَى مَا فِيهِ غَبْنٌ (وَمُخَالَفَتِهِ) أَيْ الثَّانِي الْأَوَّلَ (تَرَدُّدٌ) حَكَاهُ صَاحِبُ النُّكَتِ وَالْمُنَاسِبُ لِاصْطِلَاحِ الْمُصَنِّفِ تَأْوِيلَاتٌ. " ق " فِيهَا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ أَذِنْت لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِي أَرْضِك أَوْ يَغْرِسَ فَلَمَّا فَعَلَ أَرَدْت إخْرَاجَهُ فَإِمَّا بِقُرْبِ إذْنِك لَهُ مِمَّا لَا يُشْبِهُ أَنْ تُعِيرَهُ إلَى مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ الْقَرِيبَةِ فَلَيْسَ لَك إخْرَاجُهُ إلَّا أَنْ تُعْطِيَهُ مَا أَنْفَقَ. وَقَالَ فِي بَابٍ بَعْدَ هَذَا قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ وَإِلَّا تَرَكْته إلَى مِثْلِ مَا يَرَى النَّاسُ أَنَّك أَعَرْته إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْأَمَدِ.
أَبُو عُمَرَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَنْ أَعَارَ جَارَهُ خَشَبَةً يَغْرِزُهَا فِي جِدَارِهِ ثُمَّ أَغْضَبَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَنْزِعَهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ لِأَمْرٍ نَزَلَ بِهِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَرَادَ بَيْعَ دَارِهِ فَقَالَ انْزَعْ خَشَبَك فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. الْبَاجِيَّ رَوَى مَرْوَانُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْزِعَهَا وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ وَاحْتَاجَ إلَى جِدَارِهِ مَاتَ أَوْ عَاشَ أَوْ بَاعَ. وَقَالَ أَصْبَغُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا أَتَى عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَانِ مَا يُعَارُ مِثْلُهُ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ فَلَهُ مَنْعُهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ بَعْضِهِمْ مَعْنَى قَوْلِهِ فِيهَا يُعْطِيهِ قِيمَتَهُ إذَا أَخْرَجَ مَنْ عِنْدِهِ آجُرًّا أَوْ جِيرًا وَخَشَبًا وَنَحْوَهَا، وَقَوْلُهُ مَا أَنْفَقَ إذَا أَخْرَجَ ثَمَنًا فَاشْتَرَى بِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لَا يَكُونُ اخْتِلَافًا مِنْ قَوْلِهِ وَقِيلَ رَأَى مَرَّةً أَنْ يُعْطِيَهُ مَا أَنْفَقَ إذَا لَمْ يَكُنْ تَغَابُنٌ أَوْ فِيهِ تَغَابُنٌ يَسِيرٌ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[منح الجليل]
وَمَرَّةً رَأَى أَنَّ الْقِيمَةَ أَعْدَلُ إذْ قَدْ يَتَسَامَحُ مَرَّةً فِيمَا يَشْتَرِيهِ، وَمَرَّةً يُغْبَنُ فِيهِ، فَإِذَا أَعْطَى قِيمَةَ ذَلِكَ يَوْمَ بِنَائِهِ لَمْ يَظْلِمْ. ابْنُ يُونُسَ فَلَا يَكُونُ عَلَى هَذَا اخْتِلَافًا مِنْ قَوْلِهِ وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الْحَقِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُوَضِّحِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ، وَحَمَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ تَأْوِيلَ وِفَاقٍ، وَنَصَّهُ ابْنُ رُشْدٍ. وَقِيلَ لَيْسَ اخْتِلَافًا فَلَهُ النَّفَقَةُ إذَا كَانَ لَمْ يُغْبَنْ فِيهَا وَقِيمَتُهَا إذَا كَانَ غَبْنٌ فَيَرْجِعُ إلَى أَنَّ لَهُ الْأَقَلَّ مِنْ النَّفَقَةِ أَوْ قِيمَتِهَا. اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ابْنُ يُونُسَ وَالتَّأْوِيلَانِ مُحْتَمَلَانِ، وَقِيلَ الثَّانِي خَطَأٌ. عب قَوْلُهُ وَلَهُ الرُّجُوعُ إلَخْ، إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ لَا فِيمَنْ أَعَارَ جِدَارًا لِغَرْزِ خَشَبَةٍ فِيهِ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّارِحِ وتت، إذْ لَا رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ الْإِذْنِ كَمَا تَبَيَّنَّ مِمَّا تَقَدَّمَ الْحَطّ قَوْلُهُ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ ظَاهِرُهُ مُطْلَقًا طَالَ الزَّمَانُ أَمْ لَا، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ فِي الْعَرْصَةِ الْمُعَارَةِ لِبِنَاءٍ، لَكِنْ جَمَعَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ زَرْقُونٍ مَسْأَلَةَ الْجِدَارِ وَمَسْأَلَةَ الْعَرْصَةِ، وَحَكَيَا الْخِلَافَ فِيهِمَا وَتَبَعَهُمَا الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ وَفِيهَا إنْ دَفَعَ مَا أَنْفَقَ أَوْ قِيمَتَهُ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا أَيْضًا.
فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَرْصَةِ الْمُعَارَةِ لِبِنَائِهَا، وَلَكِنْ جَمَعَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ زَرْقُونٍ مَسْأَلَتَيْ الْجِدَارِ وَالْعَرْصَةِ، وَحَكَيَا الْخِلَافَ فِيهِمَا جَمِيعًا، وَتَبَعَهُمَا الْمُصَنِّفُ اُنْظُرْ التَّوْضِيحَ هُنَا وَفِي الْعَارِيَّةِ الْبُنَانِيُّ لَكِنْ قَوْلُهُ فِيهَا إنْ دَفَعَ مَا أَنْفَقَ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ مَا قَصَدَ إلَّا مَسْأَلَةَ الْعَرْصَةِ لِأَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ إلَّا فِيهَا وَابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ زَرْقُونٍ لَمْ يَنْسُبَا الْخِلَافَ فِي الْجِدَارِ لِلْمُدَوَّنَةِ، فَاعْتِذَارُ الْحَطّ لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.