المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تمهيد تمهيد: يشتمل على تعريف موجز بعنوان الرسالة، وهو تعريف كل - منهج القرآن الكريم في دعوة المشركين إلى الإسلام - جـ ١

[حمود الرحيلي]

الفصل: ‌ ‌تمهيد تمهيد: يشتمل على تعريف موجز بعنوان الرسالة، وهو تعريف كل

‌تمهيد

تمهيد: يشتمل على تعريف موجز بعنوان الرسالة، وهو تعريف كل من: المنهج، القرآن، الدعوة، الإسلام.

وقد أجلت التعريف بالشرك إلى الفصل الثاني من الباب الأول.

1-

تعريف المنهج:

جاء في لسان العرب: "طريق نهج بين واضح، والجمع نهجات ونهج ونهوج، ونهج الطريق وضحه، والمنهاج كالمنهج"1.

وفي التنزيل: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} .

ونهجت الطريق أثبته وأوضحته، يقال: إعمل على ما نهجته لك، ونهجت الطريق سلكته، وفلان يستنهج سبل فلان، أي: يسلك مسلكة، والنهج الطريق المستقيم.

وفي معجم مقاييس اللغة: "النهج الطريق، ونهج لي الأمر: أوضحه، وهو مستقيم المنهاج والمنهج الطريق أيضاً، والجمع المناهج"2.

وجاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه: "فإذا

1 لسان العرب لابن منظور 2/383 دار صادر بيروت، وانظر: المفردات في غريب القرآن للأصفهاني ص: 506 دار المعرفة بيروت، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 5/134، المكتبة الإسلامية لصاحبها الحاج رياض الشيخ، والقاموس المحيط للفيروزأبادي 1/210 مؤسسة الحلبي وشركاه القاهرة.

2 معجم مقاييس اللغة لابن فارس 5/361 دار الكتب العلمية إيران.

ص: 33

جواد منهج على يميني" 1.

قال النووي:" والجوادّ جمع جادة، وهي: الطريق البينة المسلوكة والمشهور فيها جوادّ بتشديد الدال، وقد تخفف"2.

ومن هذا يتبين لنا أن المنهج أو المنهاج هو: الطريق الواضح المستقيم الذي يسير فيه السالك.

ونعني بالمنهج هنا الطرق والأساليب التي سلكها القرآن في دعوة المشركين إلى الإسلام.

2-

تعريف القرآن:

القرآن في الأصل مصدر قرأ قراءة وقرآناً، قال الله تعالى:{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} 3، أي: قراءته، فهو مصدر على وزن فعلان -بالضم- كالغفران والشكران4.

وقد خُصَّ القرآن بالكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، فصار له كالعلم الشخصي، وسمي قرآناً لكونه جمع ثمرات الكتب

1 صحيح مسلم 4/932، فضائل الصحابة رقم:150.

2 شرح النووي على مسلم 16/44 دار الفكر- بيروت ط 3.

3 سورة القيامة آية: 17-18.

4 اللسان 1/129، ومناهل العرفان 1/7 دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه -القاهرة.

ص: 34

السالفة المنزلة1.

ويطلق القرآن على مجموعة، وعلى كل آية من آياته من باب إطلاق الجزء على الكل، فإنك إذا سمعت من يتلو آية منه صح أن تقول أنه يقرأ القرآن، قال تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} 2.

وفي الاصطلاح هو: "كلام الله المنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، المعجز بلفظه ومعناه، المكتوب في المصاحف المنقول إلينا بالتواتر، المتعبد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاحتة، المختتم بسورة الناس"3.

فالكلام اسم جنس في التعريف يشمل كل كلام، وإضافته إلى الله

1 المفردات في غريب القرآن للأصفهاني ص: 402 دار المعرفة -بيروت، ولسان العرب 1/129، ومباحث في علوم القرآن لمناع القطان ص:20.

2 سورة الأعراف آية: 204.

انظر: مناهل العرفان 1/15-16، ومباحث في علوم القرآن ص:20.

3 مناهل العرفان للزرقاني 1/10-13، والنبأ العظيم لمحمد عبد الله دراز ص: 15 ط2 دار القلم - الكويت، والمدخل لدراسة القرآن الكريم لمحمد أبو شهبة ص: 6 ط2 دار الكتب - القاهرة، ومباحث في علوم القرآن لمناع القطان ص: 20-21 ط5 مؤسسة الرسالة - بيروت، ومباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح ص: 21 دار العلم للملايين - بيروت ط11.

ص: 35

تعالى يخرج كلام غيره من الإنس والجن والملائكة والمنزل على محمد صلى الله عليه وسلم يخرج ما أنزل على الأنبياء قبله كالتوارة والإنجيل قبل تحريفهما.

والمعجز بلفظه ومعناه: يخرج الأحاديث القدسية على القول بأن ألفاظها منزلة من عند الله، وأما على قول من يرى أن معانيها من عند الله، وألفاظها من عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد خرجت بالقول الأول، والمنقول إلينا بالتواتر: يخرج قراءت الآحاد، والمتعبد بتلاوته: يخرج الآيات التي نسخت تلاوتها1.

3-

تعريف الدعوة:

الدعوة لغة: المرة الواحدة من الدعاء، ومنه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:"فإن دعوتهم تحيط من ورائهم" 2، وتداعى القوم دعا بعضهم بعضاً حتى يجتمعوا، والدعاة قوم يدعون إلى بيعة هدى أو ضلالة، وأحدهم داع، ورجل داعية إذا كان يدعو الناس إلى بدعة أو دين، أدخلت الهاء فيه للمبالغة، والنبي صلى الله عليه وسلم داعي إلى

1 انظر المراجع السابقة.

2 الترمذي 5/34 كتاب العلم رقم: 2658، وأبو داود 4/68 كتاب العلم رقم: 3660، وابن ماجه 2/1016 كتاب المناسك رقم:3055.

ورواه أيضاً أحمد وهو حديث صحيح، انظر جامع الأصول لابن الأثير 8/18.

ص: 36

الله تعالى1.

وفي تهذيب اللغة: "المؤذن داعي الله، والنبي صلى الله عليه وسلم داعي الأمة إلى توحيد الله وطاعته، قال عز وجل مخبراً عن الجن الذين استمعوا القرآن وولوا إلى قومهم منذرين، قالوا: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} 2"3.

وفي معجم مقاييس اللغة: "

الدعوة إلى الطعام بالفتح، والدعوة في النسب بالكسر

ومنه داعية اللبن، وهو ما يترك في الضرع لدعوة ما بعده، ومنه تداعت الحيطان إذا أسقط واحد وآخر بعده، فكأن الأول دعا الثاني، ودواعي الدهر صروفه "4.

"ودعوة الحق شهادة أن لا إله إلا الله"5

وجاء في المصباح المنير: "دعوت الله دعاء، ابتهلت إليه بالسؤال

1 لسان العرب 14/258.

2 سورة الأحقاف آية: 31.

3 تهذيب اللغة لأبي منصور 3/120 الدار المصرية للتأليف والترجمة، وانظر: القاموس المحيط 4/328.

4 معجم مقاييس اللغة لابن فارس 2/279-280 مطبعة مصطفى الحلبي وأولاده -بمصر.

5 تاج العروس للزبيدي 10/128 دار مكتبة الحياة -بيروت.

ص: 37

ورغبت فيما عنده من الخير، ودعوت زيداً ناديته وطلبت إقباله، ودعا المؤذن الناس إلى الصلاة فهو داعي الله، والجمع دعاة، وداعون مثل: قاضي وقضاة وقاضون، والنبي داعي الخلق إلى التوحيد"1.

والدعاء إلى الشيء الحث على قصده، ومنه قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه السلام:{قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} 2.

وقول الله تعالى: {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ} 3.

ومن هذا يتبين لنا أن الدعوة في اللغة تستعمل في الخير والهدى، كما في قوله تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 4.

وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} 5.

1 المصباح المنير لأحمد الفيومي ص: 194 دار المعارف -مصر.

2 سورة يوسف آية: 33.

3 سورة يونس آية: 25.

4 سورة يوسف آية: 108.

5 سورة الأحزاب الآيتان: 45-46.

ص: 38

وقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} 1.

كما تستعمل عند الإطلاق في الشر والضلال، ولذلك لا بدّ من المعنى الاصطلاحي لتوضيحها وتمييزها.

الدعوة في الاصطلاح:

عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله: "الدعوة إلى الله هي: الدعوة إلى الإيمان به وبما جاءت به رسله، بتصديقهم فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا، وذلك يتضمن الدعوة إلى الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والدعوة إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره، والدعوة إلى أن يعبد العبد ربه كأنه يراه"2.

وهذا التعريف اشتمل على الدعوة إلى أركان الإسلام، وأركان الإيمان، وركن الإحسان.

وعرفها المتأخرون3 بتعاريف كثيرة متقاربة إلا أنها في نظري ليست

1 سورة فصلت آية: 33.

2 مجموعة الفتاوى 15/157-158 الطبعة السعودية تصوير عن الطبعة الأولى.

3 انظر مثلاً: تذكرة الدعاة للبهي الخولي ص: 35 ط6 مكتبة الفلاح -الكويت، والدعوة إلى الإسلام لأبي بكر ذكرى ص: 8 مكتبة العروبة -القاهرة، ومع الله للغزالي ص: 17 المكتبة الإسلامية، والدعوة الإسلامية لأحمد غلوش ص: 10 وما بعدها دار الكتاب المصري اللبناني، والدعوة إلى الله في سورة إبراهيم لمحمد الحبيب ص: 27 ط1.

ص: 39

دقيقة، ونستطيع القول:

بأن الدعوة هي: "قيام من له الأهلية بدعوة الناس جميعاً لاقتفاء أثر الرسول صلى الله عليه وسلم والتأسي به قولاً وعملاً واعتقاداً بالوسائل والأساليب المشروعة التي تتناسب مع أحوال المدعوين في كل زمان ومكان".

4-

تعريف الإسلام:

تعريف الإسلام لغة: جاء في لسان العرب: "الإسلام والإستسلام الإنقياد، والإسلام من الشريعة إظهار الخضوع وإظهار الشريعة، والتزام ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم، وبذلك يحقن الدم ويستدفع المكروه"1.

وفي المصباح: "أسلم لله فهو مسلم، وأسلم دخل في دين الإسلام، وأسلم دخل في السلم"2.

1 لسان العرب لابن منظور 12/293.

وانظر: تهذيب اللغة 12/451، وتاج العروس للزبيدي 8/340.

2 المصباح المنير ص: 287.

ص: 40

فالإسلام في اللغة إذاً هو الاستسلام والخضوع والانقياد لأمر الآمر ونهي الناهي، قال تعالى:{أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} 1.

تعريف الإسلام شرعاً:

جاء في حديث جبريل عليه السلام: "

قال يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال: صدقت

" 2 الحديث.

وهذا التعريف بالإسلام إنما هو تعبير بالجزء عن الكل لبيان أهمية هذا الجزء، ويدل على ذلك ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان"3.

1 سورة آل عمران آية: 83.

2 أخرجه: مسلم 1/37 كتاب الإيمان، حديث رقم:1.

والبخاري بنحوه 1/18 كتاب الإيمان، باب 37 سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان.

3 البخاري 1/8 كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس.

ومسلم 1/45 كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام حديث رقم: 20، 21، 22.

ص: 41

وبهذا يتبين أن بناء الإسلام يقوم على هذه الأركان الخمسة، وليس معنى ذلك أن هذه الأركان كل الإسلام، وإنما هي بمثابة الأساس الذي يقوم عليه البناء الكبير.

ويمكن أن يقال أن الإسلام: "هو مجموع ما أنزل الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من أحكام العقيدة والأخلاق والعبادات والمعاملات والإخبارات في القرآن الكريم والسنة المطهرة"1.

ونظراً للتلازم بين الدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك أود أن أتكلم عن التوحيد والشرك في حياة البشرية في الباب التالي:

1 انظر: أصول الدعوة لعبد الكريم زيدان ص: 10 ط3، وقد ذكر الدكتور عبد الكريم عدة تعريفات للإسلام في كتابه هذا فانظرها.

ص: 42