الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محاضرة آيَات الصِّفَات الَّتِي أَلْقَاهَا فَضِيلَة الشَّيْخ مُحَمَّد الْأمين بالجامعة الإسلامية 13 رَمَضَان سنة 1382
الْأَسْمَاء وَالصِّفَات نقلا وعقلا الْحَمد لله رب الْعَالمين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وعَلى آله وَأَصْحَابه وَمن تَبِعَهُمْ بِإِحْسَان إِلَى يَوْم الدّين أما بعد فَإنَّا نُرِيد أَن نوضح لكم مُعْتَقد السّلف وَالطَّرِيق الَّذِي هُوَ المنجي نَحْو آيَات الصِّفَات أَولا اعلموا أَن كَثْرَة
الْخَوْض والتعمق فِي الْبَحْث فِي آيَات الصِّفَات وَكَثْرَة الأسئلة فِي ذَلِك الْمَوْضُوع من الْبدع الَّتِي يكرهها السّلف اعلموا أَن مَبْحَث آيَات الصِّفَات دلّ الْقُرْآن الْعَظِيم أَنه يتركز على ثَلَاثَة أسس من جَاءَ بهَا كلهَا فقد وَافق الصَّوَاب وَكَانَ على الإعتقاد الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابه وَالسَّلَف الصَّالح وَمن أخل بِوَاحِد من تِلْكَ الأسس الثَّلَاثَة فقد ضل وكل هَذِه الأسس الثَّلَاثَة يدل عَلَيْهَا قُرْآن عَظِيم
أحد هَذِه الأسس الثَّلَاثَة هُوَ تَنْزِيه الله جلّ وَعلا على أَن يشبه بِشَيْء من صِفَاته شَيْئا من صِفَات المخلوقين وَهَذَا الأَصْل يدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء [الشورى 11] وَلم يكن لَهُ كفوا أحد [الْإِخْلَاص 4] فَلَا تضربوا لله الْأَمْثَال [النَّحْل 74] الثَّانِي من هَذِه الأسس هُوَ الْإِيمَان بِمَا وصف الله بِهِ نَفسه لِأَنَّهُ لَا يصف الله أعلم بِاللَّه من الله ءأنتم أعلم أم الله [الْبَقَرَة 14] وَالْإِيمَان بِمَا وَصفه بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الَّذِي قَالَ فِي حَقه وَمَا ينْطق عَن الْهوى إِن هُوَ إِلَّا وَحي يُوحى [النَّجْم 3 4] فَيلْزم كل مُكَلّف أَن يُؤمن بِمَا وصف الله بِهِ نَفسه أَو وَصفه بِهِ رَسُوله الله صلى الله عليه وسلم وينزه ربه جلّ وَعلا عَن أَن تشبه صفته صفة المخلوقين وَحَيْثُ أخل بِأحد هذَيْن الْأَصْلَيْنِ وَقع فِي هوة ضلال لِأَن من تنطع بَين يَدي رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وتجرأ على الله بِهَذِهِ الجرأة الْعَظِيمَة وَنفى عَن ربه وَصفا أثْبته لنَفسِهِ فَهَذَا مَجْنُون فَالله جلّ وَعلا يثبت لنَفسِهِ صِفَات كَمَال وجلال فَكيف يَلِيق بمسكين جَاهِل أَن يتَقَدَّم بَين يَدي رب السَّمَوَات وَالْأَرْض وَيَقُول هَذَا الَّذِي وصفت بِهِ نَفسك لَا يَلِيق بك وَيلْزمهُ من النَّقْص كَذَا فَإِنَّهُ أؤوله وألغيه وَآتِي بِبَدَلِهِ من تِلْقَاء
نَفسِي من غير استناد إِلَى كتاب وَسنة سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم وَمن ظن أَن صفة خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض تشبه شَيْئا من صِفَات الْخلق فَهَذَا مَجْنُون جَاهِل ملحد ضال وَمن آمن بِصِفَات ربه جلّ وَعلا منزها ربه عَن مشابهة صِفَاته لصفات الْخلق فَهُوَ مُؤمن منزه سَالم من ورطة التَّشْبِيه والتعطيل وَهَذَا التَّحْقِيق هُوَ مَضْمُون قَوْله لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير [الشورى 11] فَهَذِهِ الْآيَة فِيهَا تَعْلِيم عَظِيم يحل جَمِيع الإشكالات ويجيب عَن جَمِيع الأسئلة حول الْمَوْضُوع ذَلِك لِأَن الله قَالَ وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير بعد قَوْله لَيْسَ كمثله شَيْء وَمَعْلُوم أَن السّمع وَالْبَصَر من حَيْثُ هما سمع وبصر يَتَّصِف بهما جَمِيع الْحَيَوَانَات فَكَأَن الله يُشِير لِلْخلقِ أَلا ينفوا عَنهُ صفة سَمعه وبصره بادعاء أَن الْحَوَادِث تسمع وتبصر وَأَن ذَلِك تَشْبِيه بل عَلَيْهِم أَن يثبتوا لَهُ صفة سَمعه وبصره على أساس لَيْسَ كمثله شَيْء فَالله جلّ وَعلا لَهُ صِفَات لائقة بِكَمَالِهِ وجلاله والمخلوقات لَهُم صِفَات مُنَاسبَة لحالهم وكل هَذَا حق ثَابت لَا شكّ فِيهِ إِلَّا أَن صفة رب السَّمَوَات وَالْأَرْض أَعلَى وأكمل من أَن تشبه صِفَات المخلوقين فَمن نفى عَن الله وَصفا أثْبته لنَفسِهِ فقد جعل نَفسه أعلم بِاللَّه من الله سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم وَمن ظن أَن
صفة ربه تشبه شَيْئا من صفة الْخلق فَهَذَا مَجْنُون ضال ملحد لَا عقل لَهُ يدْخل فِي قَوْله تَعَالَى عَن الْمُشْركين تالله إِن كُنَّا لفي ضلال مُبين إِذْ نسويكم بِرَبّ الْعَالمين [الشُّعَرَاء 97 98] وَمن يُسَوِّي رب الْعَالمين بِغَيْرِهِ فَهُوَ مَجْنُون ثمَّ اعلموا أَن الْمُتَكَلِّمين الَّذين خَاضُوا فِي الْكَلَام وَجَاءُوا بأدلة يسمونها أَدِلَّة عقلية رَكبُوهَا فِي أقيسة منطقية قسموا صِفَات الله جلّ وَعلا إِلَى سِتَّة أَقسَام قَالُوا هُنَاكَ صفة نفسية وَصفَة معنى وَصفَة معنوية وَصفَة فعلية وَصفَة سلبية وَصفَة جَامِعَة أما الصِّفَات الإضافية فقد جعلوها أمورا اعتبارية لَا وجود لَهَا فِي الْخَارِج وسببوا بذلك إشكالات عَظِيمَة وضلالا مُبينًا ثمَّ إِنَّا نبين لكم على تَقْسِيم الْمُتَكَلِّمين مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن الْعَظِيم من وصف الْخَالِق جلّ وَعلا بِتِلْكَ الصِّفَات وَوصف المخلوقين بِتِلْكَ الصِّفَات وَبَيَان (1) الْقُرْآن الْعَظِيم لِأَن صفة خَالق السَّمَوَات وَالْأَرْض حق وَإِن صفة المخلوقين حق وَأَنه لَا مُنَاسبَة بَين صفة الْخَالِق وَبَين صفة الْمَخْلُوق فصفة الْخَالِق لائقة بِذَاتِهِ وَصفَة الْمَخْلُوق مُنَاسبَة لعَجزه وافتقاره وَبَين الصّفة وَالصّفة من الْمُخَالفَة كَمثل مَا بَين الذَّات والذات
أما هَذَا الْكَلَام الَّذِي يدرس فِي أقطار الدُّنْيَا الْيَوْم فِي الْمُسلمين فَإِن أغلب الَّذين يدرسونه إِنَّمَا يثبتون من الصِّفَات الَّتِي يسمونها صِفَات الْمعَانِي سبع صِفَات فَقَط وَيُنْكِرُونَ سواهَا من الْمعَانِي وَصفَة المعني عِنْدهم فِي الإصطلاح ضابطها هِيَ أَنَّهَا مَا دلّ على معنى وجودي قَائِم بِالذَّاتِ وَالَّذِي اعْتَرَفُوا بِهِ مِنْهَا سبع صِفَات هِيَ الْقُدْرَة والإرادة وَالْعلم والحياة والسمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام وَنَفَوْا غير هَذِه الصِّفَات من صِفَات الْمعَانِي الَّتِي سنبينها ونبين أدلتها من كتاب الله وَأنكر هَذِه الْمعَانِي السَّبْعَة الْمُعْتَزلَة وأثبتوا أَحْكَامهَا فَقَالُوا هُوَ قَادر بِذَاتِهِ سميع بِذَاتِهِ عليم بِذَاتِهِ حَيّ بِذَاتِهِ وَلم يثبتوا قدرَة وَلَا علما وَلَا حَيَاة وَلَا سمعا وَلَا بصرا فِرَارًا من تعدد الْقَدِيم وَهُوَ مَذْهَب كل الْعُقَلَاء يعْرفُونَ ضلاله وتناقضه وَأَنه إِذا لم يقم بِالذَّاتِ علم اسْتَحَالَ أَن تَقول هِيَ عَالِمَة بِلَا علم وَهُوَ تنَاقض وَاضح بأوائل الْعُقُول فَإِذا عَرَفْتُمْ هَذَا فسنتكلم على صِفَات الْمعَانِي الَّتِي أقرُّوا بهَا فَنَقُول 1 وصفوا الله تَعَالَى بِالْقُدْرَةِ وأثبتوا لَهُ الْقُدْرَة وَالله جلّ وَعلا يَقُول فِي كِتَابه إِن الله على كل شَيْء قدير [الْبَقَرَة 20] وَنحن نقطع أَنه تَعَالَى متصف بِصفة الْقُدْرَة على الْوَجْه اللَّائِق بِكَمَالِهِ وجلاله كَذَلِك وصف بعض المخلوقين بِالْقُدْرَةِ قَالَ إِلَّا الَّذين تَابُوا من قبل
أَن تقدروا عَلَيْهِم [الْمَائِدَة 34] فأسند الْقُدْرَة لبَعض الْحَوَادِث ونسبها إِلَيْهِم وَنحن نعلم أَن كل مَا فِي الْقُرْآن حق وَأَن للْمولى جلّ وَعلا قدرَة حَقِيقِيَّة تلِيق بِكَمَالِهِ وجلاله كَمَا أَن للمخلوقين قدرَة حَقِيقِيَّة مُنَاسبَة لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم وَبَين قدرَة الْخَالِق وقدرة الْمَخْلُوق من الْمُنَافَاة والمخالفة كَمثل مَا بَين ذَات الْخَالِق وَذَات الْمَخْلُوق وحسك بونا بذلك 2 3 وَوصف نَفسه بِالسَّمْعِ وَالْبَصَر فِي غير مَا آيَة من كِتَابه قَالَ إِن الله سميع بَصِير [المجادلة 1] لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير [الشورى 11] وَوصف بعض الْحَوَادِث بِالسَّمْعِ وَالْبَصَر قَالَ إِنَّا خلقنَا الْإِنْسَان من نُطْفَة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بَصيرًا [الْإِنْسَان 2] أسمع بهم وَأبْصر يَوْم يأتوننا [مَرْيَم 38] وَنحن لَا نشك أَن مَا فِي الْقُرْآن حق فَللَّه جلّ وَعلا سمع وبصر حقيقيان لائقان بجلاله وكماله كَمَا أَن للمخلوق سمعا وبصرا حقيقيين مناسبين لحاله من فقره وفنائه وعجزه وَبَين سمع وبصر الْخَالِق وَسمع وبصر الْمَخْلُوق من الْمُخَالفَة كَمثل مَا بَين ذَات الْخَالِق والمخلوق 4 وَوصف نَفسه بِالْحَيَاةِ فَقَالَ الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ القيوم [الْبَقَرَة 255] هُوَ الْحَيّ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ
[غَافِر 65] وتوكل على الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت [الْفرْقَان 58] وَوصف أَيْضا بعض المخلوقين بِالْحَيَاةِ قَالَ وَجَعَلنَا كل شَيْء حَيّ [الْأَنْبِيَاء 30] وَسَلام عَلَيْهِ يَوْم ولد وَيَوْم يَمُوت وَيَوْم يبْعَث حَيا [مَرْيَم 15] يخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَيخرج الْمَيِّت من الْحَيّ [الرّوم 19] وَنحن نقطع بِأَن لله جلّ وَعلا صفة حَيَاة حَقِيقِيَّة لائقة بِكَمَالِهِ وجلاله كَمَا أَن للمخلوقين حَيَاة مُنَاسبَة لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم وَبَين صفة الْخَالِق وَصفَة الْمَخْلُوق من الْمُخَالفَة كَمثل مَا بَين ذَات الْخَالِق وَذَات الْمَخْلُوق وَذَلِكَ بون شاسع بَين الْخَالِق وخلقه 5 وَوصف جلّ وَعلا نَفسه بالإرادة قَالَ فعال لما يُرِيد [البروج 16] إِنَّمَا أمره إِذا أَرَادَ شَيْئا أَن يَقُول لَهُ كن فَيكون [يس 82] وَوصف بعض المخلوقين بالإرادة قَالَ تُرِيدُونَ عرض الدُّنْيَا [الْأَنْفَال 67] إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا [الْأَحْزَاب 13] يُرِيدُونَ ليطفئوا نور الله [الصَّفّ 8] وَلَا شكّ أَن لله إِرَادَة حَقِيقِيَّة لائقة بِكَمَالِهِ وجلاله كَمَا أَن للمخلوقين إِرَادَة مُنَاسبَة لحالهم وعجزهم وفنائهم وافتقارهم وَبَين إِرَادَة الْخَالِق والمخلوق كَمثل مَا بَين ذَات الْخَالِق والمخلوق 6 وَوصف نَفسه جلّ وَعلا بِالْعلمِ قَالَ وَالله بِكُل شَيْء
عليم [التغابن 11] لَكِن الله يشْهد بِمَا أنزل إِلَيْك أنزلهُ بِعِلْمِهِ [النِّسَاء 166] فلنقصن عَلَيْهِم بِعلم وَمَا كُنَّا غائبين [الْأَعْرَاف 7] وَوصف بعض المخلوقين بِالْعلمِ قَالَ إِنَّا نبشرك بِغُلَام عليم [الْحجر 53] وَإنَّهُ لذُو علم لما علمناه [يُوسُف 68] وَلَا شكّ أَن للخالق جلّ وَعلا علما حَقِيقِيًّا لائقا بِكَمَالِهِ وجلاله محيطا بِكُل شَيْء كَمَا أَن للمخلوقين علما مناسبا لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم وَبَين علم الْخَالِق وَعلم الْمَخْلُوق من الْمُنَافَاة والمخالفة كَمثل مَا بَين ذَات الْخَالِق وَذَات الْمَخْلُوق 7 وَوصف نَفسه جلّ وَعلا بالْكلَام قَالَ وكلم الله مُوسَى تكليما [النِّسَاء 164] فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله [التَّوْبَة 6] وَوصف بعض المخلوقين بالْكلَام قَالَ فَلَمَّا كَلمه قَالَ إِنَّك الْيَوْم لدينا مكين أَمِين [يُوسُف 54] تكلمنا أَيْديهم [يس 65] وَلَا شكّ أَن للخالق تَعَالَى كلَاما حَقِيقِيًّا لائقا بِكَمَالِهِ وجلاله كَمَا أَن للمخلوقين كلَاما مناسبا لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم وَبَين كَلَام الْخَالِق وَكَلَام الْمَخْلُوق من الْمُنَافَاة والمخالفة كَمثل مَا بَين ذَات الْخَالِق وَذَات الْمَخْلُوق هَذِه صِفَات الْمعَانِي سَمِعْتُمْ مَا فِي الْقُرْآن من وصف الْخَالِق بهَا وَوصف الْمَخْلُوق بهَا وَلَا يخفى على عَاقل أَن صِفَات الْخَالِق