الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
17 -
] وَلَا شكّ أَن مَا وصف الله بِهِ نَفسه من ذَلِك لَائِق بجلاله وكماله كَمَا أَن للمخلوقين أولية وآخرية مُنَاسبَة لحالهم وفنائهم وعجزهم وافتقارهم وَوصف نَفسه بِأَنَّهُ وَاحِد قَالَ وإلهكم إِلَه وَالْحَد [الْبَقَرَة 163] وَوصف بعض المخلوقين بذلك قَالَ يسقى بِمَاء وَاحِد [الرَّعْد 4] وَوصف نَفسه بالغنى إِن الله لَغَنِيّ حميد [إِبْرَاهِيم 8] إِن تكفرُوا أَنْتُم وَمن فِي الأَرْض جَمِيعًا فَإِن الله لَغَنِيّ حميد [التغابن 6] وَوصف بعض المخلوقين بذلك قَالَ وَمن كَانَ غَنِيا فليستعفف [النِّسَاء 6] إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِم الله من فَضله [النُّور 32] فَهَذِهِ صِفَات السَّلب جَاءَ فِي الْقُرْآن وصف الْخَالِق وَوصف الْمَخْلُوق بهَا وَلَا شكّ أَن مَا وصف بِهِ الْخَالِق مِنْهَا لَا ئق بِكَمَالِهِ وجلاله وَمَا وصف بِهِ الْمَخْلُوق مُنَاسِب لحاله وعجزه وفنائه وافتقاره
الْكَلَام عَن الصِّفَات السَّبع ثمَّ نَذْهَب إِلَى الصِّفَات السَّبع الَّتِي يسمونها المعنوية وَالتَّحْقِيق أَن عدد الصِّفَات السَّبع المعنوية الَّتِي هِيَ كَونه تَعَالَى قَادِرًا ومريدا وعالما وَحيا وسميعا وبصيرا ومتكلما أَنَّهَا فِي الْحَقِيقَة
إِنَّمَا هِيَ كَيْفيَّة الاتصاف بالمعاني السَّبع الَّتِي ذكرنَا وَمن عدهَا من الْمُتَكَلِّمين عدهَا بِنَاء على ثُبُوت مَا يسمونه الْحَال المعنوية الَّتِي يَزْعمُونَ أَنَّهَا وَاسِطَة ثبوتية لَا مَعْدُومَة وَلَا مَوْجُودَة وَالتَّحْقِيق أَن هَذِه خرافة وخيال وَأَن الْعقل الصَّحِيح لَا يَجْعَل بَين الشَّيْء ونقيضه وَاسِطَة الْبَتَّةَ فَكل مَا لَيْسَ بموجود فَهُوَ مَعْدُوم قطعا وكل مَا لَيْسَ بمعدوم فَهُوَ مَوْجُود قطعا وَلَا وَاسِطَة الْبَتَّةَ كَمَا هُوَ مَعْرُوف عِنْد الْعُقَلَاء وَأذن فقد مثلنَا لكَونه قَادِرًا وَحيا ومريدا وسميعا وبصيرا ومتكلما وَلما جَاءَ فِي الْقُرْآن من وصف الْخَالِق بذلك وَمَا جَاءَ فِي الْقُرْآن من وصف الْمَخْلُوق بذلك وَبينا أَن صفة الْخَالِق لائقة بِكَمَالِهِ وجلاله وَأَن صفة الْمَخْلُوق مُنَاسبَة لحاله وفنائه وعجزه وافتقاره فَلَا دَاعِي لِأَن يَنْفِي وصف رب السَّمَوَات وَالْأَرْض عَنهُ وَلَا نُشبههُ بِصِفَات المخلوقين بل يلْزم أَن نقر بِوَصْف الله ونؤمن بِهِ فِي حَال كوننا منزهين لَهُ عَن مشابهة صفة الْمَخْلُوق وَهَذِه صِفَات الْأَفْعَال جَاءَ فِي الْقُرْآن بِكَثْرَة وصف الْخَالِق بهَا وَوصف الْمَخْلُوق وَلَا شكّ أَن مَا وصف بِهِ الْخَالِق مِنْهَا مُخَالف لما وصف بِهِ الْمَخْلُوق وَلَا شكّ أَن مَا وصف بِهِ الْخَالِق مِنْهَا مُخَالف لما وصف بِهِ الْمَخْلُوق كالمخالفة الَّتِي بَين ذَات الْخَالِق وَذَات الْمَخْلُوق وَمن ذَلِك أَنه وصف نَفسه جلّ وَعلا بِصفة الْفِعْل الَّتِي هِيَ أَنه يرْزق خلقه قَالَ جلّ وَعلا مَا أُرِيد مِنْهُم من رزق وَمَا أُرِيد أَن يطْعمُون إِن الله هُوَ الرَّزَّاق ذُو الْقُوَّة المتين
[الذاريات 57 58] وَمَا أنفقتم من شَيْء فَهُوَ يخلفه وَهُوَ خير الرازقين [سبأ 39] قل مَا عِنْد الله خير من اللَّهْو وَمن التِّجَارَة وَالله خير الرازقين [الْجُمُعَة 11] وَوصف بعض المخلوقين بِصفة الرزق قَالَ وَإِذا حضر الْقِسْمَة أولُوا الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين فارزقوهم مِنْهُ [النِّسَاء 8] وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم الَّتِي جعل الله لكم قيَاما وارزقوهم فِيهَا [النِّسَاء 5] وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن [الْبَقَرَة 233] وَلَا شكّ أَن مَا وصف الله بِهِ من هَذَا الْفِعْل مُخَالف لما وصف بِهِ مِنْهُ الْمَخْلُوق كمخالفة ذَات الله لذات الْمَخْلُوق وَوصف نَفسه جلّ وَعلا بِصفة الْفِعْل الَّذِي هُوَ الْعَمَل قَالَ أَو لم يرَوا أَنا خلقنَا لَهُم مِمَّا عملت أَيْدِينَا أنعاما فهم لَهَا مالكون [يس 71] وَوصف المخلوقين بِصفة الْفِعْل الَّتِي هِيَ الْعَمَل قَالَ إِنَّمَا تُجْزونَ مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ [الطّور 16] وَلَا شكّ أَن مَا وصف بِهِ الْمَخْلُوق مُخَالف لَهُ كمخالفة ذَات الْخَالِق لذات الْمَخْلُوق وصف نَفسه بِأَنَّهُ يعلم خلقه الرَّحْمَن علم الْقُرْآن خلق الْإِنْسَان علمه الْبَيَان [الرَّحْمَن 1 4] اقْرَأ وَرَبك الأكرم الَّذِي علم بالقلم علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم [العلق 3 5] وعلمك مَا لم تكن تعلم وَكَانَ فضل الله
عَلَيْك عَظِيما وَوصف بعض خلقه بِصفة الْفِعْل الَّتِي هِيَ التَّعْلِيم أَيْضا قَالَ هُوَ الَّذِي بعث فِي الْأُمِّيين رَسُولا مِنْهُم يَتْلُوا عَلَيْهِم آيَاته ويزكيهم وَيُعلمهُم الْكتاب وَالْحكمَة [الْجُمُعَة 2] وَجمع المثالين فِي قَوْله تعلمونهن مِمَّا علمكُم الله [الْمَائِدَة 4] وَوصف نَفسه جلّ وَعلا بِأَنَّهُ ينبىء وَوصف الْمَخْلُوق بِأَنَّهُ ينبىء وَجمع بَين الْفِعْل فِي الْأَمريْنِ فِي قَوْله جلّ وَعلا وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا فَلَمَّا نبأت بِهِ وأظهره الله عَلَيْهِ عرف بعضه وَأعْرض عَن بعض فَلَمَّا نبأها بِهِ قَالَت من أَنْبَأَك هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير [التَّحْرِيم 3] وَلَا شكّ أَن مَا وصف الله بِهِ من هَذَا الْفِعْل مُخَالف لما وصف بِهِ مِنْهُ العَبْد كمخالفة ذَات الْخَالِق لذات الْمَخْلُوق وَوصف نَفسه بِصفة الْفِعْل الَّذِي هُوَ الإيتاء قَالَ جلّ وَعلا يُؤْتِي الْحِكْمَة من يَشَاء [الْبَقَرَة 269] وَيُؤْت كل ذِي فضل فَضله [هود 3] وَوصف المخلوقين بِالْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الإيتاء قَالَ وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا [النِّسَاء 20] وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة [النِّسَاء 4] وَلَا شكّ أَن مَا وصف الله بِهِ من هَذَا الْفِعْل مُخَالف لما وصف لَهُ العَبْد من هَذَا الْفِعْل كمخالفة ذَاته لذاته