الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّمِيع الْبَصِير [الشورى 11]
القَوْل فِي الصِّفَات كالقول فِي الذَّات الثَّانِي أَن تعلمُوا أَن الصِّفَات والذات من بَاب وَاحِد فَكَمَا أننا نثبت ذَات الله جلّ وَعلا إِثْبَات وجود وإيمان لَا إِثْبَات كَيْفيَّة مكيفة محددة فَكَذَلِك نثبت لهَذِهِ الذَّات الْكَرِيمَة المقدسة صِفَات إِثْبَات وإيمان وَوُجُود لَا إِثْبَات كَيْفيَّة وتحديد
هَل آيَات الصِّفَات هِيَ من الْمُتَشَابه وَاعْلَمُوا أَن آيَات الصِّفَات كثير من النَّاس يُطلق عَلَيْهَا اسْم الْمُتَشَابه وَهَذَا من جِهَة غلط وَمن جِهَة قد يسوغ كَمَا بَينه الإِمَام مَالك بن أنس بقوله الاسْتوَاء غير مَجْهُول والكيف غير مَعْقُول وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب (5) كَذَلِك يُقَال فِي النُّزُول النُّزُول غير مَجْهُول والكيف غير مَعْقُول وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب واطرده فِي جَمِيع الصِّفَات لِأَن هَذِه الصِّفَات مَعْرُوفَة عِنْد الْعَرَب إِلَّا أَن مَا وصف بِهِ خَالق السَّمَوَات
وَالْأَرْض مِنْهَا أكمل وَأجل وَأعظم من أَن يشبه شَيْئا من صِفَات المخلوقين كَمَا أَن ذَات الْخَالِق جلّ وَعلا حق والمخلوقون لَهُم ذَوَات وَذَات الْخَالِق جلّ وَعلا أكمل وأنزه وَأجل من أَن تشبه شَيْئا من ذَوَات المخلوقين فعلى كل حَال الشَّرّ كل الشَّرّ فِي تَشْبِيه الْخَالِق بالمخلوق وتنجيس الْقلب بقذر التَّشْبِيه فالإنسان الْمُسلم إِذا سمع صفة وصف بهَا الله أول مَا يجب عَلَيْهِ أَن يعْتَقد أَن تِلْكَ الصّفة بَالِغَة من الْجلَال والكمال مَا يقطع علائق أَوْهَام المشابهة بَينه وَبَين صِفَات المخلوقين فَتكون أَرض قلبه طيبَة طَاهِرَة قَابِلَة للْإيمَان بِالصِّفَاتِ على أساس التَّنْزِيه على نَحْو لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير
لَيْسَ ظَاهر الصِّفَات التَّشْبِيه حَتَّى تحْتَاج إِلَى تَأْوِيل وَهنا سُؤال لَا بُد من تَحْقِيقه لطَالب الْعلم أَولا اعلموا أَن الْمُقَرّر فِي الْأُصُول أَن الْكَلَام إِن دلّ على معنى لَا يحْتَمل غَيره فَهُوَ الْمُسَمّى نصا كَقَوْلِه مثلا تِلْكَ عشرَة كَامِلَة [الْبَقَرَة 196] فَإِذا كَانَ يحْتَمل مَعْنيين أَو أَكثر فَلَا يَخْلُو من حالتين إِمَّا أَن يكون أظهر فِي أحد الِاحْتِمَالَيْنِ من الآخر وَأما أَن يتساوى بَينهمَا فَإِن كَانَ الِاحْتِمَال يتساوى بَينهمَا فَهَذَا الَّذِي يُسمى فِي الِاصْطِلَاح الْمُجْمل كَمَا لَو قلت عدا اللُّصُوص البارحة على عين زيد فَإِنَّهُ يحْتَمل أَن تكون عينه الباصرة عوروها أَو عينه
الْجَارِيَة غوروها أَو عينه ذهبه وفضته سرقوها فَهَذَا مُجمل وَحكم الْمُجْمل أَن يتَوَقَّف عَنهُ إِلَّا بِدَلِيل على الفصيل أما إِذا كَانَ نصا صَرِيحًا فالنص يعْمل بِهِ وَلَا يعدل عَنهُ إِلَّا بِثُبُوت النّسخ فَإِذا كَانَ أظهر فِي أحد الِاحْتِمَالَيْنِ فَهُوَ الْمُسَمّى ب الظَّاهِر وَمُقَابِله يُسمى مُحْتملا مرجوحا وَالظَّاهِر يجب الْحمل عَلَيْهِ إِلَّا لدَلِيل صَارف عَنهُ كَمَا لَو قلت رَأَيْت أسدا فَهَذَا مثلا ظَاهر فِي الْحَيَوَان المفترس مُحْتَمل للرجل الشجاع وَإِذا فَنَقُول فَالظَّاهِر الْمُتَبَادر من آيَات الصِّفَات من نَحْو قَوْله يَد الله فَوق أَيْديهم [الْفَتْح 10] وَمَا جرى مجْرى ذَلِك هَل نقُول الظَّاهِر الْمُتَبَادر من هَذِه الصّفة هُوَ مشابهة الْخلق حَتَّى يجب علينا أَن نؤول ونصرف اللَّفْظ عَن ظَاهره أَو ظَاهرهَا الْمُتَبَادر مِنْهَا تَنْزِيه رب السَّمَوَات وَالْأَرْض حَتَّى يجب علينا أَن نقره على الظَّاهِر من التَّنْزِيه الْجَواب أَن كل وصف أسْند إِلَى رب السَّمَوَات وَالْأَرْض فَظَاهره الْمُتَبَادر مِنْهُ عِنْد كل مُسلم هُوَ التَّنْزِيه الْكَامِل عَن مشابهة الْخلق فَإِقْرَاره على ظَاهره هُوَ الْحق وَهُوَ تَنْزِيه رب السَّمَوَات وَالْأَرْض عَن مشابهة الْخلق فِي شَيْء من صِفَاته فَهَل يُنكر عَاقل أَن الْمُتَبَادر للأذهان السليمة أَن الْخَالِق يُنَافِي الْمَخْلُوق فِي ذَاته وَسَائِر صِفَاته لَا وَالله لَا يُعَارض فِي هَذَا إِلَّا