الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مناقشة الْمُتَكَلِّمين وإلزامهم الْحق بِمُقْتَضى قواعدهم ثمَّ بعد هَذَا الْبَحْث الَّذِي ذكرنَا نحب أَن نذْكر كلمة قَصِيرَة لجَماعَة قرؤوا فِي الْمنطق وَالْكَلَام وظنوا نفي بعض الصِّفَات من أَدِلَّة كلامية كَالَّذي يَقُول مثلا لَو كَانَ مستويا على الْعَرْش لَكَانَ مشابها للحوادث لكنه غير مشابه للحوادث ينْتج
فَهُوَ غير مستو على الْعَرْش هَذِه النتيجة الْبَاطِلَة تضَاد سبع آيَات من الْمُحكم الْمنزل ولكننا الْآن نقُول فِي (6) مثل هَذَا على طَرِيق المناظرة والجدل الْمَعْرُوف عِنْد الْمُتَكَلِّمين نقُول هَذَا قِيَاس استثنائي مركب من شَرْطِيَّة مُتَّصِلَة لزومية واستثنائية اسْتثْنى فِيهِ نقيض التَّالِي فأنتج نقيض الْمُقدم حسب مَا يرَاهُ مُقيم هَذَا الدَّلِيل وَنحن نقُول أَنه تقرر عِنْد عَامَّة النظار أَن الْقيَاس الاستثنائي الْمركب من شَرْطِيَّة مُتَّصِلَة لزومية يتَوَجَّه عَلَيْهِ الْقدح من ثَلَاث جِهَات 1 يتَوَجَّه عَلَيْهِ من جِهَة استثنائيته 2 وَيتَوَجَّهُ عَلَيْهِ من جِهَة شرطيته إِذا كَانَ الرَّبْط بَين الْمُقدم والتالي لَيْسَ بِصَحِيح 3 وَيتَوَجَّهُ عَلَيْهِ من جِهَة شرطيته إِذا كَانَ الرَّبْط بَين الْمُقدم وَهَذِه الْقَضِيَّة كَاذِبَة الشّرطِيَّة فالربط بَين مقدمها وتاليها كَاذِب
كذبا بحتا وَلذَا جَاءَت نتيجتها مُخَالفَة لسبع آيَات إيضاحه أَن نقُول قَوْلكُم لَو كَانَ مستويا على الْعَرْش لَكَانَ مشابها للحوادث هَذَا الرَّبْط بَين لَو وَاللَّام كَاذِب كَاذِب كَاذِب بل هُوَ سمتو على عَرْشه كَمَا قَالَ من غير مشابهة للحوادث كَمَا أَن سَائِر صِفَاته وَاقعَة كَمَا قَالَ من غير مشابهة لِلْخلقِ وَلَا يلْزم استواءه على عَرْشه كَمَا قَالَ أَن يشبه شَيْئا من المخلوقين فِي صفاتهم الْبَتَّةَ بل استواؤه صفة من صِفَاته وَجَمِيع صِفَاته منزهة عَن مشابهة الْخلق كَمَا أَن ذَاته منزهة عَن مشابهة ذَوَات الْخلق ويطرد هَذَا فِي مثل هَذَا وعَلى كل حَال فَالْجَوَاب عَن شَيْء وَاحِد من هَذَا يطرد فِي الْجَمِيع وَآخر مَا نختتم بِهِ هَذِه الْمقَالة أَنا نوصيكم وأنفسنا بتقوى الله وَأَن تلتزموا بِثَلَاث جمل من كتاب الله الأولى لَيْسَ كمثله شَيْء [الشورى 11] فتنزهوا رب السَّمَوَات وَالْأَرْض عَن مشابهة الْخلق الثَّانِيَة وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير [الشورى 11] فتؤمنوا بِصِفَات الْجلَال والكمال الثَّابِتَة فِي الْكتاب وَالسّنة على أساس التَّنْزِيه كَمَا جَاءَ وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير بعد قَوْله لَيْسَ كمثله شَيْء
الثَّالِثَة أَن تقطعوا أطماعكم عَن إِدْرَاك حَقِيقَة الْكَيْفِيَّة لِأَن إِدْرَاك حَقِيقَة الْكَيْفِيَّة مُسْتَحِيل وَهَذَا نَص الله عَلَيْهِ فِي سُورَة طه حَيْثُ قَالَ يعلم مَا بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم وَلَا يحيطون بِهِ علما فَقَوله يحيطون بِهِ فعل مضارع وَالْفِعْل الصناعي الَّذِي يُسمى بِالْفِعْلِ الْمُضَارع وَفعل الْأَمر وَالْفِعْل الْمَاضِي ينْحل عِنْد النَّحْوِيين عَن مصدر وزمن كَمَا قَالَ ابْن مَالك فِي الْخُلَاصَة
…
الْمصدر اسْم مَا سوى الزَّمَان من
…
مدلولي الْفِعْل كأمن من أَمن
…
وَقد حرر عُلَمَاء البلاغة فِي مَبْحَث الِاسْتِعَارَة التّبعِيَّة أَنه ينْحل عَن (مصدر وزمن وَنسبَة) فالمصدر كامن فِي مَفْهُومه إِجْمَاعًا ف يحيطون تكمن فِي مفهومها (الْإِحَاطَة) فيتسلط النَّفْي على الْمصدر الكامن فِي الْفِعْل فَيكون مَعَه كالنكرة المبنية على الْفَتْح فَيصير الْمَعْنى لَا إحاطة للْعلم البشري بِرَبّ السَّمَوَات وَالْأَرْض فينفي جنس أَنْوَاع الْإِحَاطَة عَن كيفيتها فالإحالة المسندة للْعلم منفية عَن رب الْعَالمين فَلَا يشكل عَلَيْكُم بعد هَذَا صفة نزُول وَلَا مَجِيء وَلَا صفة يَد وَلَا أَصَابِع وَلَا عجب وَلَا ضحك لِأَن هَذِه الصِّفَات كلهَا من بَاب وَاحِد فَمَا وصف الله بِهِ نَفسه مِنْهَا فَهُوَ حق وَهُوَ لَائِق
بِكَمَالِهِ وجلاله لَا يشبه شَيْئا من صِفَات المخلوقين وَمَا وصف بِهِ الْمَخْلُوق مِنْهَا فَهُوَ حق مُنَاسِب لعجزهم وفنائهم وافتقارهم وَهَذَا الْكَلَام الْكثير أوضحه الله فِي كَلِمَتَيْنِ لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير لَيْسَ كمثله شَيْء تَنْزِيه بِلَا تَعْطِيل وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير إِيمَان بِلَا تَمْثِيل فَيجب من أول الْآيَة وَهُوَ لَيْسَ كمثله شَيْء التَّنْزِيه الْكَامِل الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَعْطِيل وَيلْزم من قَوْله وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير الْإِيمَان بِجَمِيعِ الصِّفَات الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَمْثِيل فَأول الْآيَة تَنْزِيه وَآخِرهَا إِثْبَات وَمن عمل بالتنزيه الَّذِي فِي لَيْسَ كمثله شَيْء وَالْإِيمَان الَّذِي فِي قَوْله وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير وَقطع النّظر عَن إِدْرَاك الكنه والحقيقة الْمَنْصُوص فِي قَوْله وَلَا يحيطون بِهِ علما [طه 110] خرج سالما وَقد ذكرت لكم مرَارًا أَنِّي أَقُول هَذِه الأسس الثَّلَاثَة الَّتِي ركزنا عَلَيْهَا الْبَحْث وَهِي 1 تَنْزِيه الله عَن مشابهة الْخلق 2 الْإِيمَان بِالصِّفَاتِ الثَّابِتَة بِالْكتاب وَالسّنة وَعدم التَّعَرُّض لنفيها وَعدم التهجم على الله بِنَفْي مَا أثْبته لنَفسِهِ 3 وَقطع الطمع عَن إِدْرَاك الْكَيْفِيَّة لَو (متم) يَا إخْوَانِي وَأَنْتُم على هَذَا المعتقد أَتَرَوْنَ الله يَوْم الْقِيَامَة يَقُول لكم لم نزهتموني عَن مشابهة الْخلق ويلوموكم على
ذَلِك لَا وكلا وَالله لَا يلومكم على ذَلِك أَتَرَوْنَ أَنه يلومكم على أَنكُمْ آمنتم بصفاته وصدقتموه فِيمَا أثنى بِهِ على نَفسه وَيَقُول لكم لم أثبتم لي مَا أثبت لنَفْسي أَو أثْبته لي رَسُولي لَا وَالله لَا يلومكم على ذَلِك وَلَا تَأْتيكُمْ عَاقِبَة سَيِّئَة من ذَلِك كَذَلِك لَا يلومكم على ذَلِك وَلَا تَأْتيكُمْ عَاقِبَة سَيِّئَة من ذَلِك كَذَلِك لَا يلومكم الله يَوْم الْقِيَامَة وَيَقُول لكم لم قطعْتُمْ الطمع عَن إِدْرَاك الْكَيْفِيَّة وَلم تحددوني بكيفية مدركة ثمَّ أَنا نقُول لَو تنطع متنطع وَقَالَ نَحن لَا ندرك كَيْفيَّة (نزُول) منزهة عَن نزُول الْخلق وَلَا ندرك كَيْفيَّة (يَد) منزهة عَن أَيدي الْخلق وَلَا ندرك كَيْفيَّة (اسْتِوَاء) منزهة عَن استواءات الْخلق فبينوا لنا كَيْفيَّة معقولة منزهة تدركها عقولنا فَنَقُول أَولا هَذَا السُّؤَال الَّذِي قَالَ فِيهِ مَالك بن أنس وَالسُّؤَال عَن هَذَا بِدعَة وَلَكِن نجيب نقُول أعرفت أَيهَا متنطع السَّائِل الضال كَيْفيَّة الذَّات المقدسة الْكَرِيمَة المتصفة بِصفة النُّزُول وَصفَة الْيَد وَصفَة الاسْتوَاء وَصفَة السّمع وَالْبَصَر وَالْقُدْرَة والإرادة وَالْعلم فَلَا بُد أَن يَقُول لَا فَنَقُول معرفَة كَيْفيَّة الصّفة متوقفة على معرفَة كَيْفيَّة الذَّات إِذْ الصِّفَات تخْتَلف باخْتلَاف موصوفاتها ونضرب مثلا وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى فَإِن الْأَمْثَال لَا تضرب لله وَلَكِن الأخرويات لَا مَانع مِنْهَا كَمَا جَاءَ بهَا الْقُرْآن فَنَقُول مثلا كَمَا قَالَ الْعَلامَة ابْن الْقيم رحمه الله لَفْظَة (رَأس) الرَّاء