الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: المشبهة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات
المبحث الأول: من عرف بالتشبيه وبيان أقوالهم
…
المبحث الأول: من عرف بالتشبيه وبيان أقوالهم
من المعلوم أن توحيد الأسماء والصفات له ضدان هما:
1-
التعطيل 2- التمثيل
ولذلك ذم السلف والأئمة، المعطلة النفاة للصفات، وذموا المشبهة أيضا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"إن السلف والأئمة كثر كلامهم في ذم الجهمية النفاة للصفات، وذموا المشبهة أيضا، وذلك في كلامهم أقل بكثير من ذم الجهمية، لأن مرض التعطيل أعظم من مرض التشبيه".
وتقوم عقيدة أهل التمثيل على دعواهم أن الله عز وجل لا يخاطبنا إلا بما نعقل، فإذا أخبرنا عن اليد فنحن لا نعقل إلا هذه اليد الجارحة، فشبهوا صفات الخالق بصفات المخلوقين، فقالوا له يد كيدي، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
لكن المشبهة لا يمثلون الخالق بالمخلوق من كل وجه وإنما قالوا بإثبات التماثل من وجه والاختلاف من وجه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "مع أن مقالة المشبهة الذين يقولون: يد كيدي، وقدم كقدمي، وبصر كبصري، مقالة معروفة، وقد ذكرها الأئمة كيزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهوية، وغيرهم وأنكروها وذموها، ونسبوها إلى مثل داود الجواربي البصري وأمثاله. ولكن مع هذا صاحب هذه المقالة لا يمثله بكل شيء من الأجسام، بل ببعضها ولابد مع ذلك أن يثبتوا التماثل من وجه، لكن إذا أثبتوا من التماثل ما يختص بالمخلوقات كانوا مبطلين على كل حال"1.
وأكثر من عرف بمقالة التشبيه:
1 درء تعارض العقل والنقل (4/ 145) .
أولا: قدماء الرافضة
فأول. من تكلم في التشبيه هم طوائف من الشيعة1 وإن التشبيه والتجسيم الخالف للعقل والنقل لا يعرف في أحد من طوائف الأمة أكثر منهم في طوائف الشيعة.
وهذه كتب المقالات كلها تخبر عن أئمة الشيعة المتقدمين من المقالات الخالفة للعقل والنقل في التشبيه والتجسيم بما لا يعرف نطره عن أحد من سائر الطوائف.
وقدماء الإمامية ومتأخروهم متناقضون في هذا الباب، فقدماؤهم غلو في التشبيه، التجسيم، ومتأخروهم غلو في النفي والتعطيل"2.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فهذه المقالات التي نقلت في التشبيه والتجسيم لم نر الناس نقلوها عن طائفة من المسلمين أعظم مما نقلوها عن قدماء الرافضة. ثم الرافضة حرموا الصواب في هذا الباب كما حرموه في غبره، فقدماؤهم يقولون بالتجسيم الذي هو قول غلاة المجسمة، ومتأخروهم يقولون بتعطل الصفات موافقة لغلاة المعطلة من المعتزلة ونحوهم، فأقوال أئمتهم دائرة بين التعطيل والتمثيل، لم تعرف لهم مقالة متوسطة بين هذا وهذا"3.
وأما قدماؤهم فهم:
1 نقض تأسيس الجهمية (1/ 54) ، ومنهاج السنة (2/ 217) .
2 منهاج السنة (2/103)
3 نقض تأسيس الجهمية (1/54) ومنهاج السنة (2/217)
1-
البيانية: من غلاة الشيعة وهم أتباع بيان بن سمعان التيمي الذي كان يقول: إن الله على صورة الإنسان وإنه يهلك كله إلا وجهه، وادعى بيان أن يدعو الزهرة فتجيبه، وأنه يفعل ذلك بالاسم الأعظم، فقتله خالد بن عبد الله القسري1
2-
المغيرية: وهم أصحاب المغيرة بن سعيد، ويزعمون أنه كان يقول إنه نبي وإنه اسم الله الأكبر وإن معبودهم رجل من نور على رأسه تاج، وله من الأعضاء والخلق مثل ما للرجل، وله جوف وقلب تنبع منه الحكمة، وإن حروف (أبي جاد) على عدد أعضائه، قالوا: والألف موضع قدمه لاعوجاجها، وذكر الهاء فقال: لو رأيتم موضعها منه لرأيتم أمرا عظيما يعرض لهم بالعورة وبأنه قد رآه، لعنه الله وأخزاه2
3-
الهشامية: ويسمون بالهشامية نسبة إلى هشام بن الحكم الرافضي وأحيانا تنسب إلى هشام بن سالم الجواليقي وكلاهما من الإمامية المشبهة والجدير بالذكر أن الرافضة الإمامية كان ينتشر فيهم التشبيه وهذا في أوائلهم3.
4-
الجواريية: أتباع داود الجواربي الذي وصف معبوده بأن له جميع أعضاء الإنسان إلا الفرج واللحية4.
1 مقالات الإسلاميين (ص 5) ، منهاج السنة (2/ 502) .
2 مقالات الإسلامين (ص7) منهاج السنة (2/503-504)
3 شرح الأصفهانية (ص 65) .
4 الفرق يين الفرق (ص 228) ، مقالات الإسلاميين (1/ 183) ، ودرء تعارض العقل والنقل (145/4) .
وقال: "اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك"1. تعالى الله عما يقوله علوا كبيرا.
وقال الأشعري في المقالات: "وقال داود الجواربي: إن الله جسم، وإن له جثة وإنه على صورة الإنسان له لحم ودم وشعر وعظم، له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان ورأس وعينين، وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه غيره"2. وحكي عن داود الجواربي أنه كان يقول: إنه أجوف من فيه إلى صدره مصمت ما سوى ذلك3.
قال أبو الحسن الأشعري في كتاب " مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ":
"اختلف الروافض وأصحاب الإمامة في التجسيم وهم ست فرق: فالفرقة الأولى: (الهشامية) ، أصحاب هشام بن الحكم الرافضي. يزعمون أن معبودهم جسم، وله نهاية وخد، طويل، عريض، عميق طوله مثل عرضه، وعرضه مثل عمقه، لايوفي بعضه على بعض، وزعموا أنه نور ساطع، له قدر من الأقدار، في مكان دون مكان، كالسبيكة الصافية يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها، ذو لون وطعم، ورائحة ومجسمة، لونه هو طعمه، وطعمه هو رائحته" وذكر كلاما طويلا. وذكر عن هشام أنه قال في ربه في عام واحد خمسة أقاويل، زعم مرة أنه كالبلورة، وزعم مرة أنه كالسبيكة، وزعم مرة أنه غير صورة، وزعم مرة أنه بشبر نفسه سبعة أشبار ثم رجع عن ذلك وقال: هو جسم لا كالأجسام.
1 الملل والنحل للشهرستاني (1/ 105) .
2 المقالات (1/ 209) .
3 منهاج السنة (2/ 618) .
الفرقة الثانية: من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بصورة ولا كالأجسام، وإنما يذهبون في قولهم: إنه جسم، إلى أنه موجود، ولا يثبتون الباري ذا أجزاء مؤتلفة وأبعاض متلاصقة ويزعمون أن الله على العرش مستو بلا مماسة ولا كيف.
الفرقة الثالثة: من الرافضة يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان، ويمنعون أن يكون جسما.
الفرقة الرابعة: من الرافضة (الهشامية) أصحاب هشام بن سالم الجواليقي يزعمون أن ربهم على صورة الإنسان وينكرون أن يكون لحما ودما ويقولون هو نور ساطع يتلألأ بياضا، وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان، له يد ورجل، وأنف، وأذن، وعين، وفم، وأنه يسمع بغير ما ييصر به وكذلك سائر حواسه متغايرة عنده، وحكى أبو عيسى الوراق أن هشام بن سالم كان يزعم أن لربه وفرة1 سوداء وأن ذلك نور أسود.
الفرقة الخامسة: يزعمون أن لرب العالمين ضياء خالصا، ونورا بحتا، وهو كالمصباح الذي من حيث جئته يلقاك بأمر واحد، وليس بذي صورة ولا أعضاء، ولا اختلاف في الأجزاء، وأنكروا أن يكون على صورة الإنسان أو على صورة شيء من الحيوان.
الفرقة السادس: من الرافضة يزعمون أن ربهم ليس بجسم ولا بصورة ولا يشبه الأشياء ولا يتحرك ولا يسكن ولا يماس، وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة
1 الوفرة، الشعر المجتمع على الرأس، أو ما سال على الأذنين، أو ما جاوز شحمة الأذن. المصباح المنير ص 667 مادة: وفر.
والخوارج، وهؤلاء قوم من متأخريهم، فأما أوائلهم فإنهم كانوا يقولون ما حكينا عنهم من التشبيه.
قال شيخ الإسلام: "وأما متأخروهم من عهد بني بويه ونحوهم من أوائل المائة الرابعة ونحو ذلك فإنهم صار فيهم من يوافق المعتزلة في توحيدهم وعدلهم"1.
وقال أيضا: "وكتب الشيعة مملوءة بالاعتماد في ذلك- يعني مسائل الصفات والقدر- على طرق المعتزلة وهذا كان في أواخر المائة الثالثة، وكثر في المائة الرابعة لما صنف لهم المفيد وأتباعه كالموسوي والطوسي. وأما قدماء الشيعة فالغالب عليهم ضد هذا القول، كما هو قول الهشامية وأمثالهما.
فالرافضة الإمامية وكذلك الزيدية على عقيدة المعتزلة في مسائل الصفات إلى يومنا هذا.
ثانيا: غلاة المتصوفة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قال الأشعري: وفي الأمة قوم ينتحلون النسك، يزعمون أنه جائز على الله تعالى الحلول في الأجسام، وإذا رأوا شيئا يستحسنونه قالوا: لا ندري، لعله ربنا.
ومنهم من يقول: إنه يرى الله في الدنيا على قدر الأعمال، فمن كان عمله أحسن رأى معبوده أحسن.
ومنهم من يجوز على الله تعالى المعانقة والملامسة والمجالسة في الدنيا، ومنهم
1 نقض تأسيس الجهمية (1/ 54) .
من يزعم أن الله تعالى ذو أعضاء وجوارح وأبعاض: لحم ودم على صورة الإنسان له ما للإنسان من الجوارح.
وكان من الصوفية رجل يعرف بأبي شعيب يزعم أن الله يسر ويفرح بطاعة أوليائه، ويغتم ويحزن إذا عصوه.
وفي النساك قوم يزعمون أن العبادة تبلغ بهم إلى منزلة تزول عنهم فيها العبادات وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم- من الزنا وغيره- مباحات لهم. وفيهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يروا الله، ويأكلوا من ثمار الجنة، ويعانقوا الحور العين في الدنيا ويحاربوا الشياطين.
ومنهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضل من النبيين والملائكة المقربين1.
قلت: هذه المقالات التي حكاها الأشعري- وذكروا أعظم منها- موجودة في الناس قبل هذا الزمان. وفي هذا الزمان منهم من يقول بحلوله في الصور الجميلة، ويقول إنه بمشاهدة الأمرد يشاهد معبوده أو صفات معبوده أو مظاهر جماله، ومن هؤلاء من يسجد للأمرد. ثم من هؤلاء من يقول بالحلول والاتحاد العام، لكنه يتعبد بمظاهر الجمال، لما في ذلك من اللذة له، فيتخذ إلهه هواه، وهذا موجود في كثير من المنتسبين إلى الفقر والتصوف. ومنهم من يقول إنه يرى الله مطلقا ولا يعين الصورة الجميلة، بل يقولون إنهم يرونه في صور مختلفة. ومنهم من يقول إن المواضع الخضرة خطا عليها، وإنما اخضرت من وطئه عليها، وفي ذلك حكايات متعددة يطول وصفها. وأما القول بالإباحة وحل المحرمات- أو بعضها- للكاملين في العلم والعبادة فهذا
1 مقالات الإسلاميين ص 288- 289)
أكثر من الأول، فإن هذا قول أئمة الباطنية القرامطة الإسماعيلية وغير الإسماعيلية وكثير من الفلاسفة، ولهذا يضرب بهم المثل فيقال: فلان يستحل دمي كاستحلال الفلاسفة محظورات الشرائع، وقول كثير ممن ينتسب إلى التصوف والكلام، وكذلك من يفضل نفسه أو متبوعه على الأنبياء، موجود كثير في الباطنية والفلاسفة وغلاة المتصوفة وغيرهم، وبسط الكلام على هذا له موضع آخر.
ففي الجملة هذه مقالات منكرة باتفاق علماء السنة والجماعة، وهي- وأشنع منها- موجودة في الشيعة.
وكثير من النساك يظنون أنهم يرون الله في الدنيا بأعينهم، وسبب ذلك أنه يحصل لأحدهم في قلبه بسبب ذكر الله تعالى وعبادته من الأنوار ما يغيب به عن حسه الظاهر، حتى يظن أن ذلك شيء يراه بعينه الظاهرة، وإنما هو موجود في قلبه.
ومن هؤلاء من تخاطبه تلك الصورة التي يراها خطاب الربوبية ويخاطبها أيضا بذلك، ويظن أن ذلك كله موجود في الخارج عنه، وإنما هو موجود في نفسه، كما يحصل للنائم إذا رأى ربه في صورة بحسب حاله. فهذه الأمور تقع كثيرا في زماننا وقبله، ويقع الغلط منهم حيث يظنون أن ذلك موجود في الخارج. وكثير من هؤلاء يتمثل له الشيطان، ويرى نورا أو عرشا أو نورا على العرش، ويقول أنا ربك. ومنهم من يقول: أنا نبيك، وهذا قد وقع لغير واحد. ومن هؤلاء من تخاطبه الهواتف بخطاب على لسان الإلهية أو غير ذلك، ويكون الخاطب له جنيا، كما قد وقع لغير واحد. لكن بسط الكلام على ما يرى ويسمع وما هو في النفس والخارج، وتمييز حقه من باطله ليس هذا
موضعه، وقد تكلمنا عليه في غير هذا الموضع.
وكثير من الجهال أهل الحال وغيرهم يقولون: إنهم يرون الله عيانا في الدنيا وأنه يخطو خطوات"1.
"فأدخلوا في ذلك من الأمور ما نفاه الله ورسوله، حتى قالوا: إنه يرى في الدنيا بالأبصار، ويصافح، ويعانق، وينزل إلى الأرض، وينزل عشية عرفة راكبا على جمل أورق يعانق المشاة ويصافح الركبان، وقال بعضهم: إنه يندم ويبكى ويحزن، وعن بعضهم أنه لحم ودم، ونحو ذلك من المقالات التي تتضمن وصف الخالق جل جلاله بخصائص المخلوقين.
والله سبحانه منزه عن أن يوصف بشيء من الصفات المختصة بالمخلوقين، وكل ما اختص بالمخلوق فهو صفة نقص، والله تعالى منزه عن كل نقص ومستحق لغاية الكمال، وليس له مثل في شيء من صفات الكمال، فهو منزه عن النقص مطلقا، ومنزه في الكمال أن يكون له مثل، كما قال تعالى:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} الإخلاص: (1-4) فبين أنه أحد صمد، واسمه الأحد يتضمن نفي المثل، واسمه الصمد يتضمن جميع صفات الكمال، كما قد بينا ذلك في الكتاب المصنف في تفسير قل هو الله أحد"2.
وهذه النقول توضح بجلاء تخبط بعض المتصوفة في هذا الباب، وهذا الشر إنما دخل على أكثرهم بسبب المنهج الباطني الذي تقوم عليه المبادئ الصوفية والتي يهمل فيها الجانب العلمي المعتمد على النصوص الشرعية، فالتصوف
1 منهاج السنة (2/ 622- 625)
2 منهاج السنة (2/ 528- 530) .
في مبادئه يفوق على الجانب العملي المنحرف عن نصوص الوحي، والمعتمد على بعض الرياضات النفسية والجسمية التي أحدثها أرباب هذا المنهج، والتي يتولد عنها الكثير من الأمور الفاسدة، كزعمهم رؤية الله عيانا وسقوط الشرائع والأحكام عنهم وغير ذلك مما تقدم ذكر،. وذلك في حقيقته إنما هو من استدراج الشيطان فهو الذي يخيل لهم مثل تلك. الأمور، ولو كان هؤلاء فقه في دين الله ومعرفة للنصوص لعلموا أن ذلك، لا صحة له.