المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: من نسب إلى التشبيه - مواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات

[محمد بن خليفة التميمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: أهل السنة والجماعة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة

- ‌المطلب الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة

- ‌المطلب الثاني: بيان وسطيتهم

- ‌المبحث الثاني: موقفهم من توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب الأول: موقفهم من توحيد الأسماء والصفات عموما

- ‌المطلب الثاني: موقفهم من باب الأسماء

- ‌المطلب الثالث: موقفهم من باب الصفات

- ‌الفصل الثاني: طوائف المعطلة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: الفلاسفة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب الأول: التعريف بهم

- ‌المطلب الثانى: قولهم في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثاني: أهل الكلام وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب الأول: التعريف بهم

- ‌المطلب الثاني: مواقفهم من توحيد الأسماء والصفات

- ‌الفصل الثالث: المشبهة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: من عرف بالتشبيه وبيان أقوالهم

- ‌المبحث الثاني: من نسب إلى التشبيه

- ‌المطلب الأول: الفرق بين التشبيه والتجسيم

- ‌المطلب الثاني: من نسب إلى التشبيه

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: من نسب إلى التشبيه

‌المطلب الثاني: من نسب إلى التشبيه

أ- الكرامية1 هم أتباع محمد بن كرام بن عراق بن حزبة السجستاني المتوفى سنة (255هـ) .

وهم في باب الصفات يثبتونها ولكنهم خالفوا أهل السنة في مسألتين:

المسألة الأولى: أنهم يبالغون في الإثبات ويخوضون في شأن الكيفية، ودخل عليهم ذلك، من جهة إطلاقهم لألفاظ مبتدعة كلفظ (الجسم)، و (المماسة) . ومن بدع الكرامية أنهم يقولون في المعبود إنه جسم لا كالأجسام2. ومن بدعهم قولهم: إن الأزلي الخالق جسم لم يزل ساكنا3.

ويقولون: إن الله جسم قديم أزلي، وإنه لم يزل ساكنا ثم تحرك لما خلق

1 يبلغ عدد طوائف الكرامية اثنتي عشرة فرقة وأصولها ستة هي:

1-

العابدية، 2- النونية، 3- الزرينية، 4- الإسحاقية، 5- الواحدية، 6- الهيصمية. (وهم في باب الإيمان مرجئة يقولون: إن الإيمان هر القول فقط فمن تكلم به فهو مؤمن كامل الإيمان، لكن إن كان مقرا بقلبه كان من أهل الجنة، وإن كان مكذبا بقلبه كان منافقا مؤمنا من أهل النار، وبعض الناس يحكي عنهم أنه من تكلم به بلسانه دون قلبه فهو من أهل الجنة وهو غلط عليهم، بل يقولون إنه مؤمن كامل الإيمان وانه من أهل النار) . انظر مجموع الفتاوى (13/ 56) . وانظر الكلام عن الكرامية في الفصل لابن حزم (4/45،204،205) ، لسان الميزان (5/ 353-356) ، والفرق بين الفرق (ص 3 1- 137) ، والملل والنحل (1/180-193) .

2 لسان الميزان (5/ 354) .

3 درء تعارض العقل والنقل (3/ 6) .

ص: 132

العالم، ويحتجون على حدوث الأجسام المخلوقة بأنها مركبة من الجواهر المفردة، فهي تقبل الاجتماع والافتراق، ولا تخلو من اجتماع وافتراق، وهي أعراض حادثة لا تخلو منها، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث.

وأما الرب فهو عندهم واحد لا يقبل الاجتماع والافتراق، ولكنه لم يزل ساكنا. والسكون عندهم أمر عدمي، وهو عدم الحركة عما من شأنه أن يتحرك، كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة. وهؤلاء يقولون: إن الباري لم يزل خاليا من الحوادث حتى قاما به، بخلاف الأجسام المركبة من الجواهر المفردة، فإنها لا تخلو من الاجتماع والافتراق1.

ويقولون: إن الصفات والأفعال لا تقوم إلا بجسم، ويجوزون وجود جسم ينفك من قيام الحوادث به ثم يحدث فتقوم به بعد ذلك2.

ويقول ابن كرام: إن الله مماس للعرش من الصفحة العليا3.

ويقول كذلك: له حد من الجانب الذي ينتهي إلى العرش ولا نهاية له4. وقد غالى أتباع ابن كرام في شأن الكيفية فزعم بعضهم أنه تعالى على بعض أجزاء العرش. وادعى بعضهم أن العرش امتلأ به بحيث لا يزيد على عرشه من جهة المماسة، ولا يفضل منه شيء على العرش5.

1 درء تعارض العقل والنقل (7/ 227) .

2 المصدر السابق (5/ 246) .

3 الفرق بين الفرق (ص 98 1) ، والملل والنحل (1/108-109)

4 الملل والنحلل (1/109)

ص: 133

المسألة الثانية: إن الكرامية يثبتون الصفات بما فيها أن الله تعالى تقوم به الأمور التي تتعلق بمشيئته وقدرته، ولكن ذلك عندهم حادث بعد أن لم يكن، أنه يصير موصوفا بما يحدث بقدرته ومشيئته بعد أن لم يكن كذلك، وقالوا: لا يجوز أن تتعاقب عليه الحوادث، ففرقوا في الحوادث بين تجددها ولزومها، فقالوا بنفي لزومها دون حدوثها.

فعندهم أن الله يتكلم بأصوات تتعلق بمشيئته وقدرته، وأنه تقوم به الحوادث المتعلقة بمشيئته وقدرته، لكن ذلك حادث بعد أن لم يكن، وأن الله في الأزل لم يكن متكلما إلا بمعنى القدرة على الكلام، وأنه يصير موصوفا بما يحدث بقدرته ومشيئته بعد أن لم يكن كذلك1

ومعلوم أن عقيدة السلف تقوم على إثبات جميع الصفات الذاتية منها والفعلية، وأثبتوا أن الله متصف بذلك أزلا، وأن الصفات الناشئة عن الأفعال موصوف بها في القدم، وإن كانت المفعولات محدثة2.

2-

مقاتل بن سليمان3.

1 انظر مجموع الفتاوى (6/524-525) ، ودرء تعارض العقل والنقل (2/76)

2انظر مجموع الفتاوى (6/149 520-525)

3 هو أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير، الأزدي بالولاء، البلخي، الخراساني، المروزي، أصله من بلخ وانتقل إلى البصرة ودخل بغداد وحدث بها. ذكره الذهبي في آخر ترجمة ابن حيان (تذكرة الحفاظ 1/ 174) وقال:(فأما مقاتل بن سليمان المفسر فكان في هذا الوقت، وهو متروك الحديث، وقد لطخ بالتجسيم مع أنه كان من أوعية العلم بحرا في التفسير) . وقد توفي بالبصرة سنة (150هـ) وانظر ترجمته في تهذيب التهذيب (10/ 279- 285) ، ميزان الاعتدال (3/ 196-197) ، تاريخ بغداد (13/160-169) وفيات الأعيان (4/ 341- 343) .

ص: 134

نسب إلى مقاتل بن سليمان المفسر أنه من المشبهة وذكروا أنه هو الذي قال فيه الإمام أبو حنيفة: أتانا من المشرق رأيان خبيثان؟ جهم معطل، ومقاتل مشبه"1 وقال ابن حبان:"كان يأخذ من اليهود والنصارى من علم القرآن الذي وافق كتبهم، وكان يشبه الرب بالمخلوقات وكان يكذب في الحديث"2. وقال أبو الحسن الأشعري في "المقالات": "وقال داود الجواربي ومقاتل بن سليمان: إن الله جسم وإنه جثة على صورة الإنسان لحم ودم وشعر وعظم له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان وعينين وهو مع هذا لا يشبه غيره ولا يشبهه غيره"3.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما مقاتل فالله أعلم بحقيقة حاله. والأشعري ينقل هذه المقالات من كتب المعتزلة، وفيهم انحراف على مقاتل ابن سليمان، فلعلهم زادوا في النقل عنه، أو من نقلوا عنه، أو نقلوا عن غير ثقة، وإلا فما أظنه يصل إلى هذا الحد. وقد قال الشافعي: من أراد التفسير فهو عيال على مقاتل4، ومن أراد الفقه فهو عيال على أبي حنيفة. ومقاتل بن سليمان وان لم يكن ممن يحتج به في الحديث- بخلاف مقاتل بن حيان فإنه ثقة- لكن لا ريب في علمه في التفسير وغيره وإطلاعه، كما أن أبا حنيفة

1 لسان الميزان (10/ 281) .

2 ميزان الاعتدال (4/175)

3 المقالات (ص 209) .

4 وجاء في "وفيات الأعيان" في ترجمة مقاتل بن سليمان: "حكي عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال: الناس كلهم عيال على ثلاثة، على مقاتل بن سليمان في التفسير، وعلى زهير بن أبي سلمى في الشعر، وعلى أبي حنيفة في الكلام"وفيات الأعيان (34114) .

ص: 135

الخاتمة

دين الله وسط يين الغالي فيه والجافي عنه، وقد عرف عن أهل السنة وسطتهم في جميع أمور الدين بما في ذلك مسائل العقيدة، والتي من بين أهم مسائلها مسألة الإيمان بأسماء الله وصفاته.

وقد تبين من خلال ما تقدم عرضه في ثنايا البحث وسطية أهل السنة في هذا الباب بين الغلاة من المشبهة، والجفاة من المعطلة. الأمر الذي يشهد لمنهج أهل السنة والجماعة بأنه المنهج الأسلم والأعلم والأحكم، وذلك لموافقته لنصوص الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح من هذه الأمة.

وبحمد الله كان متمسك أهل السنة في هذا الباب وغيره من مسائل الدين بهذه الأصول الثابتة التي بها يفصل النزاع يين الناس، فالناس لا يفصل بينهم النزاع إلا الشرع المنزل، فلا يمكن الفصل بينهم بالرد إلى عقولهم وأهوائهم إذ لكل واحد منهم عقله وهواه، ولو تركوا لعقولهم لزعم كل واحد منهم أن عقله أداه إلى ما ينازعه فيه الآخر.

ومن المعلوم أن العقل المجرد لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله تعالى من الأسماء والصفات على وجه التفصيل، فوجب الرجوع في علم ذلك على النصوص القرآن والسنة.

فمن فضل الله ونعمته أن تعرف لعباده عن طريق ما أخبر به من أسمائه وصفاته الواردة في القرآن والسنة، فهما مليئان بالنصوص الصريحة الدالة على أسمائه وصفاته، وتلك النصوص هي من الوضوح والكثرة بمكان بحيث يستحيل إنكارها وتأويلها والتلاعب بنصوصها.

وكلما ازداد المسلم إطلاعا ومعرفة بتلك النصوص وما دلت عليه، لم يزده إنكار أهل الباطل لها إلا احتقارا لهم ويقيئا بفساد معتقدهم وبطلانه.

ص: 139

ولقد- جاءت رسالة النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم بإثبات الأسماء والصفات إثباتا مفصلا على وجه أزال الشبهة وكشف الغطاء، وحصل العلم اليقيني، ورفع الشك والريب فثلجت له الصدور، واطمأنت به القلوب، واستقر الإيمان في نصابه ففصلت الأسماء والصفات والنعوت والأفعال أعظم من تفصيل الأمر والنهي وقررت إثباتها أكمل تقرير في أبلغ لفظ.

وهذه الأصول الكلية هي التي ميزت عقيدة أهل السنة عن عقائد خصومهم فضمنت لهم بحمد الله صحة المعتقد وسلامة المنهج. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لابد أن يكون مع الإنسان أصول كلية يرد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعداد، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات وجهل وظلم في الكليات فيتولد فساد عظيم"1.

وما ضل من ضل في هذا الباب وغيره إلا بتركه لتلك الأصول الكلية التي يجب الرجوع إليها في جميع مسائل الدين كبيرها وصغيرها، فالسعيد من لزم السنة وتمسك بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وفهم السلف الصالح. قال الإمام أحمد: "اعلم رحمك الله أن الخصومة في الدين ليست من طريق أهل السنة، وأن تأويل من تأول القرآن بلا سنة تدل على معنى ما أراد الله منه، أو أثر عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعرف ذلك بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه، فهم شاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم، وشهدوا تنزيله، وما قصه الله له في القرآن، وما عنى به، وما أراد به أخاص هو أم هو عام.

فأما من تأوله على ظاهره بلا دلالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة

1 منهاج السنة 5/ 83.

ص: 140

فهذا تأويل أهل البدع؟ لأن الآية قد تكون خاصة ويكون حكمها حكما عاما ويكون ظاهرها على العموم، وإنما قصدت لشيء بعينه، ورسول الله صلى اله عليه وسلم هو المعبر عن كتاب الله وما أراد، وأصحابه أعلم بذلك منا، لمشاهدتهم الأمر وما أريد بذلك"1

فهذه العبارة وما حوته من قواعد رسمت منهج أهل السنة والجماعة، ذلك المنهج الذي لم يتغير باختلاف المسائل ومرور العصور وتعدد الأجيال. فالحمد لله الذي هدانا لهذا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

1 كتاب الإيمان لابن تيمية ص (373- 374) .

ص: 141