الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: موقفهم من توحيد الأسماء والصفات
المطلب الأول: موقفهم من توحيد الأسماء والصفات عموما
…
المطلب الأول: موقفهم من توحيد الأسماء والصفات عموما.
معتقد أهل السنة في أسماء الله وصفاته، يقوم على أساس الإيمان بكل ما وردت به نصوص القرآن والسنة الصحيحة إثباتا ونفيا، فهم بذلك:
أ- يسمون الله بما سمى به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يزيدون على ذلك ولا ينقصون منه.
2-
ويثبتون لله عز وجل ويصفونه بما وصف به نفسه في كتابه، أوعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف1، ولا تعطيل2، ومن غير تكييف3 ولا تمثيل4.
3-
وينفون عن الله ما نفاه عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، مع اعتقاد أن الله موصوف بكمال ضد ذلك الأمر المنفي.
1 التحريف لغة: التغير والتبديل. والتحريف في باب الأسماء والصفات هو: تغيير ألفاظ نصوص الأسماء والصفات أو معانيها عن مراد الله بها.
2 التعطيل لغة: مأخوذ من العطل الذي هو الخلو والفراغ والترك، والتعطيل في باب الأسماء والصفات هو: نفي أسماء الله وصفاته أو بعضها.
3 التكييف لغة: جعل الشيء على هيئة معينة معلومة، والتكييف في صفات الله هو: الخوض في كنه وهيئة الصفات التي أثبتها الله لنفسه.
4 التمثيل لغة: من المثيل وهو الند والنظير، والتمثيل في باب الأسماء والصفات هو: الاعتقاد فى صفات الخالق أنها مثل صفات الخلوق.
راجع في معاني هذه الألفاظ كتاب "معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات"(ص 70-81) .
فأهل السنة سلكوا في هذا الباب منهج القرآن والسنة الصحيحة، فكل اسم أو صفة لله سبحانه وتعالى وردت في الكتاب والسنة الصحيحة فهي من قبيل الإثبات فيجب بذلك إثباتها.
وأما النفي فهو أن ينفى عن الله عز وجل كل ما يضاد كماله من أنواع العيوب والنقائص مع وجوب اعتقاد ثبوت كمال ضد ذلك المنفي.
قال الإمام أحمد: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا نتجاوز القرآن والسنة"1.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وطريقة سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف، ولا تعطيل ولا تكييف، ولا تمثيل، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، إثبات الصفات ونفي ممثالة المخلوقات قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ،، فهذا رد على الممثلة {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] ، رد على المعطلة.
وقولهم في الصفات مبني على أصلين:
أحدهما: أن الله سبحانه وتعالى منزه عن صفات النقص مطلقا كالسنة والنوم، والعجز، والجهل، وغير ذلك.
والثاني: أنه متصف بصفات الكمال التي لا نقص فيها، على وجه الاختصاص بما له من الصفات، فلا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من الصفات"2.
وقد ارتكز معتقد أهل السنة والجماعة في باب أسماء الله وصفاته على ثلاثة
1 لمعة الاعتقاد ص 9.
2 منهاج السنة 2/ 523.
أسس رئيسة هي1:
الأساس الأول: الإيمان بما وردت به نصوص القرآن والسنة الصحيحة من أسماء الله وصفاته إثباتا ونفيا.
الأساس الثاني: تنزيه الله جل وعلا عن أن يشبه شيء من صفاته شيئا من صفات المخلوقين.
الأساس الثالث: قطع الطمع عن إدراك كيفية اتصاف الله بتلك الصفات.
وهذه الأسس الثلاثة هي التي تفصل وتميز عقيدة أهل السنة في هذا الباب عن عقيدة أهل التعطيل من الفلاسفة وأهل الكلام من جهة، وعن عقيدة أهل التمثيل من الكرامية والهشامية وغيرهم من جهة أخرى.
فالأساس الأول: فيه تمييز لعقيدة أهل السنة عن عقيدة المعطلة، فأهل السنة يجعلون الأصل في إثبات الأسماء والصفات أو نفيها عن الله تعالى هو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولا يتجاوزونهما، فما ورد إثباته من الأسماء والصفات في القرآن والسنة الصحيحة فيجب إثباته، وما ورد نفيه فيهما فيجب نفيه.
"وأما ما لم يرد إثباته ونفيه فلا يصح استعماله في باب الأسماء وباب الصفات إطلاقا، وأما في باب الإخبار فمن السلف من يمنع ذلك، ومنهم من يجيزه بشرط أن يستفصل عن مراد المتكلم فيه، فإن أراد به حقا يليق بالله تعالى فهو مقبول، وإن أراد به معنى لا يليق بالله عز وجل وجب رده"2.
ومجمل القول أن في الأمر ثلاثة أبواب:
أ- باب الأسماء: وهذا يجب الاعتماد فيه على الكتاب والسنة فقط.
1 منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات ص 25.
2 رسالة في العقل والروح لابن تيمية 2/ 46- 47 (ضمن مجموعة الرسائل المنيرية) .
2-
باب الصفات: وهذا كذلك يجب الاعتماد فيه على الكتاب والسنة فقط.
3-
باب الإخبار: وهذا لا يشترط فيه النص الشرعي، ولكن يشترط أن يكون معنى اللفظ المستعمل ليس بسيء.
أما أهل التعطيل: فقد جعلوا "العقل" وحده هو أصل علمهم، فالشبه العقلية هي الأصول الكلية الأولية عندهم، وهي التي تثبت وتنفي، ثم يعرضون الكتاب والسنة على تلك الشبه العقلية، فإن وافقتها قبلت اعتضادا لا اعتمادا، وإن عارضتها ردت تلك النصوص الشرعية وطرحت، وفي هذا يقول قائلهم: "كل ما ورد السمع به ينظر فإن كان العقل مجوزا له وجب التصديق به
…
وأما ما قضى العقل باستحالته فيجب فيه تأويل ما ورد السمع به، ولا يتصور أن يشمل السمع على قاطع مخالف للمعقول. وظواهر أحاديث التشبيه - يعني بها أحاديث الصفات- أكثرها غير صحيح والصحيم منها ليس بقاطع، بل هو قابل للتأويل"1.
فهذا النقل يبين لك مدى تقديم هؤلاء لشبههم العقلية وتعصبهم لها وكيف أنهم يجعلونها هي الأصول والسمع معروضا عليها، فما أجازته عقولهم قبلوه، وما لم تجزه عقولهم شككوا فيه وانتقصوه، ومن ثم سعوا في تأويله وتحريفه، ومن يلقي نظرة على كتب الأشاعرة مثلا يجد أن القوم يقسمون أبواب العقيدة إلى إلهيات- ونبوات- وسمعيات، وهم في باب
1 الاقتصاد في الاعتقاد لأبي حامد الغزالي ص 32 1- 33 1، وقال في كتابه "المستصفى" 2/ 137- 138:"كل ما دل العقل فيه على أحد الجانبين فليس للتعارض فيه مجال، إذ الأدلة العقلية يستحيل نسخها وتكذيبها، فإن ورد دليل سمعي على خلاف العقل، فإما أن لا يكون متواترا فيعلم أنه غير صحيح، وإما أن يكون متواترا فيكون مؤولا ولا يكون متعارضا".
الإلهيات والنبوات لا يعتمدون نصوص الكتاب والسنة، ولذلك لن تجد في هذين البايين إلا الشبه العقلية المركبة وفق القواعد المنطقية، ويا عجبا أنأخذ ديننا من ملاحدة اليونان وتلامذتهم أم من كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟!
وأما باب السمعيات- أي البعث والحشر والجنة والنار والوعد والوعيد- فهم يقبلون النصوص الشرعية، وبالتالي سموا هذا الباب بالسمعيات في مقابل باب الإلهيات والنبوات؟ إذ إنهم يعتمدون فيهما على العقليات، وهؤلاء شابهوا حال من قال الله تعالى فيهم:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَاّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 85] .
وأما الأساس الثاني: وهو تنزيه الله عن مشابهة المخلوقين، ففيه تمييز لعقيدة أهل السنة عن عقيدة المعطلة من جهة، وعن عقيدة المشبهة من جهة أخرى. فأهل السنة: يعتقدون أن ما اتصف الله به من الصفات لا يماثله فيها أحد من خلقه، فالله عز وجل قد أخبرنا بذلك بنص كتابه العزيز حيث قال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] ، فإذا ورد النص بصفة من صفات الله تعالى في الكتاب أو السنة فيجب الإيمان به والاعتقاد الجازم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والشرف والعلو مما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فالشر كل الشر في عدم تعظيم الله وأن يسبق في ذهن الإنسان أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق، فعلى القلب المؤمن المصدق بصفات الله التي تمدح بها أو أثنى عليه بها نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يكون معظما لله عز وجل غير متنجس بأقذار التشبيه، لتكون أرض قلبه طيبة طاهرة قابلة للإيمان بالصفات على أساس التنزيه أخذا بقوله تعالى: {لَيْسَ
كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]1.
أما أهل التعطيل: فإنهم لم يفهموا من أسماء الله وصفاته إلا ما هو اللائق بالمخلوق، ثم شرعوا في نفي تلك المفهومات التي لا وجود لها إلا في أفهامهم الفاسدة، فعقيدة هؤلاء المعطلة جمعت بين التمثيل والتعطيل، وهذا الشر إنما جاء من تنجس قلوبهم وتدنسها بأقذار التشبيه، فإذا سمعوا صفة من صفات الكمال التي أثنى الله بها على نفسه كاستوائه على عرشه ومجيئه يوم القيامة وغير ذلك من صفات الجلال والكمال، فإن أول ما يخطر في أذهانهم أن هذه الصفة تشبه صفات الخلق، فلتلطخ القلب بأقذار التشبيه لم يقدر الله حق قدره ولم يعظم الله حق عظمته حيث سبق إلى ذهنه أن صفة الخالق تشبه صفة المخلوق، فيكون أولا نجس القلب بأقذار التشبيه ثم دعاه ذلك إلى أن ينفي صفة الخالق جل وعلا عنه بادعاء أنها تشبه صفات المخلوق، فيكون فيها أولا مشبها، وثانيا معطلا ضالا ابتداء وانتهاء متهجما على رب العالمين ينفي صفاته عنه بادعاء أن تلك الصفة لا تليق2.
وأما عقيدة أهل التمثيل: فهي تقوم على دعواهم أن الله عز وجل لا يخاطبنا إلا بما نعقل، فإذا أخبرنا عن اليد فنحن لا نعقل إلا هذه اليد الجارحة، فشبهوا صفات الخالق بصفات المخلوقين، فقالوا: له يد كأيدينا ونحو ذلك، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وأما العارفون به، المصدقون لرسله، المقرون بكماله فهم يثبتون لله جميع صفاته، وينفون عنه مشابهة المخلوقات، فيجمعون يين الإثبات ونفي التشبيه
1 انظر "منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات" ص 21- 22.
2 انظر "منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات" ص 19- 20.
وبين التنزيه وعدم التعطيل، فمذهبهم حسنة يين سيئتين، وهدى بين ضلالتين.
وأما الأساس الثالث: ففيه تمييز لعقيدة أهل السنة عن عقيدة المشبهة، فأهل السنة يفوضون علم كيفية اتصاف الباري عز وجل بتلك الصفات إلى الله عز وجل، فلا علم للبشر بكيفية ذات الله تبارك وتعالى ولا تفسير كنه شيء من صفات ربنا تعالى كأن يقال استوى على هيئة كذا، فكل من تجرأ على شيء من ذلك فقوله من الغلو في الدين والافتراء على الله عز وجل، واعتقاد مما لم يأذن به الله ولا يليق بجلاله وعظمته ولم ينطق به كتاب ولا سنة، ولو كان ذلك مطلوبا من العباد في الشريعة لبينه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو لم يدع ما بالمسلمين إليه حاجة إلا بينه ووضحه، والعباد لا يعلمون عن الله تعالى إلا ما علمهم كما قال تعالى:{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَاّ بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255] ، فليؤمن العبد بما علمه الله تعالى وليقف معه، وليمسك عما جهله وليكل معناه إلى عالمه1.
وأما المشبهة فقد تعمقوا في شأن كيفيات صفات الله وتقولوا على الله بغير علم، حيث يقول أحدهم: له بصر كبصري، ويد كيدي، وقدم كقدمي تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
1 انظر "معارج القبول" 1/ 326- 327.