المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: موقفهم من باب الأسماء - مواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات

[محمد بن خليفة التميمي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: أهل السنة والجماعة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة

- ‌المطلب الأول: التعريف بأهل السنة والجماعة

- ‌المطلب الثاني: بيان وسطيتهم

- ‌المبحث الثاني: موقفهم من توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب الأول: موقفهم من توحيد الأسماء والصفات عموما

- ‌المطلب الثاني: موقفهم من باب الأسماء

- ‌المطلب الثالث: موقفهم من باب الصفات

- ‌الفصل الثاني: طوائف المعطلة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: الفلاسفة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب الأول: التعريف بهم

- ‌المطلب الثانى: قولهم في توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثاني: أهل الكلام وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات

- ‌المطلب الأول: التعريف بهم

- ‌المطلب الثاني: مواقفهم من توحيد الأسماء والصفات

- ‌الفصل الثالث: المشبهة وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول: من عرف بالتشبيه وبيان أقوالهم

- ‌المبحث الثاني: من نسب إلى التشبيه

- ‌المطلب الأول: الفرق بين التشبيه والتجسيم

- ‌المطلب الثاني: من نسب إلى التشبيه

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: موقفهم من باب الأسماء

‌المطلب الثاني: موقفهم من باب الأسماء

يمكن إجمال معتقد أهل السنة في أسماء الله في النقاط التالية:

أولا: الإيمان بثبوت الأسماء الحسنى الواردة في القرآن والسنة، من غير زيادة ولا نقصان.

فمن الأمور المتقررة في عقيدة أهل السنة في باب أسماء الله الحسنى أن من ضابط أسماء الله الحسنى ورود النص بذلك الاسم فلا يسمى الله إلا بما سمى به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

ولذلك يرى السلف أن من أحكام باب الأسماء ما يلي:

أ- إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء الحسنى الواردة في نصوص القرآن والسنة الصحيحة.

2-

ألا ننفي عن الله ما سمى به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

3-

ألا نسمي الله بما لم يسم به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

وذلك لأنه لا طريق إلى معرفة أسماء الله تبارك وتعالى إلا من طريق واحد هو طريق الخبر (أي الكتاب والسنة) .

ومن أقوال أهل العلم في تقرير هذه المسألة ما يلي:

قال ابن القيم رحمه الله: "أسماء الله تعالى هي أحسن الأسماء وأكملها فليس في الأسماء أحسن منها ولا يقوم غيرها مقامها ولا يؤدي معناها وتفسير الاسم منها بغيره ليس تفسيرا بمرادف محض، بل هو على سبيل

ص: 28

التقريب والتفهيم.

فإذا عرفت هذا فله من كل صفة كمال أحسن اسم وأكمله وأتمه معنى، وأبعده عن شائبة عيب أو نقص.

فله من صفة الإدراكات:

العليم الخبير دون العاقل الفقيه.

والسميع البصير دون السامع والباصر والناظر.

ومن صفات الإحسان:

البر الرحيم الودود دون الشفوق.

وكذلك العلي العظيم دون الرفيع الشريف.

وكذلك الكريم دون السخي.

وكذلك الخالق البارئ المصور دون الفاعل الصانع المشكل.

وكذلك سائر أسمائه تعالى يجري على نفسه منها أكملها وأحسنها وما لا يقوم غيره مقامه فتأمل ذلك، فأسماؤه أحسن الأسماء كما أن صفاته أكمل الصفات، فلا تعدل عما سمى به نفسه إلى غيره، كما لا تتجاوز ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم إلى ما وصفه به المبطلون والمعطلون"1.

وقال أبو سليمان الخطابي: "ومن علم هذا الباب- أعني الأسماء والصفات- ومما يدخل في أحكامه ويتعلق به من شرائط، أنه لا يتجاوز فيها التوقيف، ولا يستعمل فيها القياس فيلحق بالشيء نظيره في ظاهر وضع اللغة ومتعارض الكلام:

"فالجواد" لا يجوز أن يقاس عليه السخي وإن كانا متقاريين في ظاهر

1 بدائع الفوائد 1/ 168.

ص: 29

الكلام، وذلك أن السخي لم يرد به التوقيف كما ورد بالجواد.

و"القوي" لا يقاس عليه الجلد، وإن كانا يتقاربان في نعوت الآدميين لأن باب التجلد يدخله التكلفة والاجتهاد.

ولا يقاس على "القادر" المطيق ولا المستطيع.

وفي أسمائه "العليم" ومن صفته العلم، فلا يجوز قياسا عليه أن يسمى عارفا لما تقتضيه المعرفة من تقديم الأسباب التي بها يتوصل إلى علم الشيء وكذلك لا يوصف بالعاقل.

وهذا الباب يجب أن يراعى ولا يغفل، فإن عائدته عظيمة والجهل به ضار وبالله التوفيق"1.

وقال السفاريني في منظومته:

لكنها في الحق توقيفية

لنا بذا أدلة وفية

لنا بذا أدلة وفية

ثم قال في شرحه: "لكنها- أي أسماء الله - في القول الحق المعتمد عند أهل الحق توقيفية بنص الشرع وورود السمع بها، ومما يجب أن يعلم أن علماء السنة اتفقوا على جواز إطلاق الأسماء الحسنى والصفات على البارئ جل وعلا إذا ورد بها الإذن من الشارع، وعلى امتناعه على ما ورد المنع عنه"2.

من خلال ما تقدم من نقول يتضح لك مدى تمسك علماء أهل السنة بالتوقيف في باب الأسماء الحسنى، ومنعهم لاستخدام القياس اللغوي والعقلي في هذا الباب.

وهذا هو القول الحق الذي تدل عليه النصوص الشرعية ومنها ما يلي:

1 شأن الدعاء 111 -113.

2 لوامع الأنوار البهية 1/ 124.

ص: 30

أولا: قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف: 185] .

فهذه الآية تدل على أن الأسماء توقيفية من وجهين:

أ- قوله: {الأَسْمَاءُ} فهي هنا جاءت (بأل) وهي هنا للعهد، فالأسماء بذلك لا تكون إلا معهودة، ولا معروف في ذلك إلا ما نص عليه في الكتاب أو السنة1.

2-

قوله: {الْحُسْنَى} فهذا الوصف يدل على أنه ليس في الأسماء الأخرى أحسن منها، وأن غيرها لا يقوم مقامها ولا يؤدي معناها2 فلا يجوز بحال أن يدخل في أسماء الله ما ليس منها، فهذا الوصف يؤكد كونها توقيفية.

ثانيا: قوله تعالى: {وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 1185] .

قال الإمام البغوي: "قال أهل المعاني: الإلحاد في أسماء الله تسميته بما لم يتسم به ولم ينطق به كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم"3.

وقال ابن حجر: " قال أهل التفسير: من الإلحاد في أسمائه تسميته بما لم يرد في الكتاب أو السنة الصحيحة"4.

قال ابن حزم: "منع تعالى أن يسمى إلا بأسمائه الحسنى وأخبر أن من سماه بغيرها فقد ألحد"5.

1 المحلى 29/1.

2 بدائع الفوائد 1/ 168.

3 معالم التنزيل 3/ 357.

4 فتح الباري 11/ 221.

5 المحلى 29/1.

ص: 31

وبهذا يتبين أن هذه الآية دليل على أن أسماء الله توقيفية، وأن مخالفة ذلك وتسميته تعالى بما لم يسم به نفسه ميل بها عما يجب فيها، فالإقدام على فعل شيء من ذلك هو نوع من الإلحاد في أسماء الله.

ثالثا: قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1] .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن جعله تسبيحا للاسم يقول المعنى: أنك لا تسم به غير الله، ولا تلحد في أسمائه فهذا ما استحقه اسم الله"1. فإذا فسرت الآية بهذا الوجه ففيها دليل على ما سبق في الآية التي قبلها من اعتبار تسميته بما لم يسم به نفسه من أنواع الإلحاد في أسمائه.

رابعا: قوله تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَاّ بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255]

وقوله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 136] .

وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] .

فإذا كانت هذه الآيات تحرم وتحذر من الخوض في الأمور المغيبة عند فقد الدليل الشرعي، فإن ذلك التحريم والتحذير يدخل فيه باب أسماء الله باعتباره من الأمور المغيبة التي لا تعرف إلا من طريق النص الشرعي.

ولذلك من الواجب هنا الاقتصار على الأسماء الواردة في النصوص وترك ما سواها.

خامسا: حديث "ما أصاب عبدا قط هم ولا غم ولا حزن فقال: اللهم

1 مجموع الفتاوى 6/ 199.

ص: 32

إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك

" الحديث1.

والشاهد من الحديث قوله: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك". قال ابن القيم: "فالحديث صريح في أن أسماءه ليست من فعل الآدميين وتسمياتهم"2.

و"أو" في قوله: "سميت به نفسك أو أنزلته فى كتابك" حرف عطف والمعطوف بها أخص مما قبله فيكون من باب عطف الخاص على العام فإن ما سمى به نفسه يتناول جميع الأنواع المذكورة بعده، فيكون عطف كل جملة منها من باب عطف الخاص على العام، فوجه الكلام أن يقال:"سميت به نفسك فأنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك"3.

ثانيا: الإيمان بأن الله هو الذي يسمي نفسه، ولا يسميه أحد من خلقه فالله عز وجل هو الذي تكلم بهذه الأسماء، وأسماؤه منه، وليست محدثة مخلوقة كما يزعم الجهمية، والمعتزلة، والكلابية، والأشاعرة، والماتريدية.

فمن معتقد أهل السنة والجماعة في هذه المسألة أنهم يؤمنون بأن الله الذي

1 أخرجه الإمام أحمد في المسند 1/ 391، 452، وابن حبان، انظر: موارد الظمآن ح 2472، والحاكم في المستدرك 1/ 509، والطبراني في الكبير ح 10352.

2 شفاء العليل ص 277.

3 المصدر السابق ص 276 (بتصرف) .

ص: 33

سمى نفسه بأسمائه الحسنى وتكلم بها حقيقة، وهي غير مخلوقة وليست من وضع البشر، يستدلون لقولهم بما يلي:

أ- حديث: "ما أصاب عبدا قط هم ولا غم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك ناصيتي ييدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك

" الحديث1.

والشاهد من الحديث قوله: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك". فقد دل الحديث على أن أسماء الله غير مخلوقة بل هو الذي تكلم بها وسمى بها نفسه، ولهذا لم يقل بكل اسم خلقته لنفسك ولا قال سماك به خلقك؟ فالحديث صريح في أن أسماءه ليست من فعل الآدميين وتسمياتهم وأن الله سبحانه تكلم بتلك الأسماء وسمى بها نفسه 2.

2-

أن أسماء الله من كلامه، وكلامه تعالى غير مخلوق، فأسماؤه غير مخلوقة، فهو المسمي لنفسه بتلك الأسماء3.

3-

أن الله عز وجل يسأل بهذه الأسماء، ولو كانت مخلوقة لم تجز أن يسأل بها. فإن الله لا يقسم عليه بشيء من خلقه4، فالسائل لله بغيرالله:

1 أخرجه الامام أحمد في المسند 1/ 391، 452، وافي حبان، انظر: موارد الظمآن ح 2472، والحاكم في المستدرك 1/ 509، والطبراني في الكبير ح 10352.

2 شفاء العليل ص 277 (بتصرف) .

3 مجموع الفتاوى 6/ 186.

4 شفاء العليل ص 277.

ص: 34

أ- إما أن يكون مقسما عليه.

ب- وإما أن يكون طالبا بذلك السبب، كما توسل الثلاثة في الغار بأعمالهم.

فإن كان إقساما على الله بغيره فهذا لا يجوز، وإن كان سؤالا بسبب يقتضي المطلوب، كالسؤال بالأعمال التي فيها طاعة الله ورسوله مثل السؤال بالإيمان بالرسول ومحبته وموالاته ونحو ذلك فهذا جائز1.

4-

أن اليمين بهذه الأسماء منعقدة، فمن حلف باسم من أسماء الله فهو حالف بالله، ولو كانت الأسماء مخلوقة لما جاز الحلف بها، لأن الحلف بغير الله شرك بالله، والله لا يقسم عليه بشيء من خلقه2.

قال الإمام الشافعي: "من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة؟ لأن اسم الله غير مخلوق، ومن حلف بالكعبة أو بالصفا أو بالمروة فليس عليه كفارة لأنه مخلوق وذلك غير مخلوق"3 يعني أسماء الله.

5-

أن أسماء الله مشتقة من صفاته، وصفاته قديمة به، فأسماؤه غير مخلوقة4.

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لما سئل عن قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء: 158] ،، {غَفُوراً رَحِيماً} [النساء: 96] ، قال:"هو سمى نفسه بذاك، وهو لم يزل كذلك".

1 قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 274.

2 قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص 277.

3 شرح أصول اعتقاد أهل السنة 2/ 211.

4 شفاء العليل ص 277.

ص: 35

فأثبت قدم معاني أسمائه الحسنى، وأنه هو الذي سمى نفسه بها1. والرب تعالى يشتق من أوصافه وأفعاله أسماء2، ولا يشتق من مخلوقاته وكل اسم من أسمائه فهو مشتق من صفة من صفاته، أو فعل قائم به، فلو كان يشتق له اسم باعتبار المخلوق المنفصل لسمي متكونا أو متحركا، وساكنا وطويلا، وأبيض وغير ذلك، لأنه خالق هذه الصفات، فلما لم يطلق عليه اسم من ذلك مع أنه خالقه علم أنما تشتق أسماؤه من أفعاله وأوصافه القائمة به وهو سبحانه لا يتصف بما هو مخلوق منفصل عنه، ولا يتسمى باسمه3.

ثالثا: الإيمان بأن هذه الأسماء دالة على معان في غاية الكمال، فهي أعلام وأوصاف، وليست كالأعلام الجامدة التي لم توضع باعتبار معانيها، كما يزعم المعتزلة.

فمن الأمور المتقررة في عقيدة أهل السنة والجماعة أن أسماء الله الحسنى متضمنة للصفات، فكل اسم يدل على معنى من صفاته ليس هو المعنى الذي يدل عليه الاسم الآخر، فالعزيز متضمن. لصفة العزة وهو مشتق منها، والخالق متضمن لصفة الخلق وهو مشتق منها، فأسماء الله مشتقة من صفاته وليست جامدة كما يزعم المعتزلة ومن وافقهم الذين ادعوا أنها أعلام لا معاني لها فقالوا سميع بلا سمع بصير بلا بصر وعزيز بلا عزة، فسلبوا بذلك عن أسماء الله معانيها.

1 مجموع الفتاوى 205/6.

2 قال ابن القيم: "أسماء الله الحسنى هي أعلام وأوصاف، والوصف بها لا ينافي العلمية، بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي علميتهم، لأن أوصافهم مشتركة فنافتها العلمية المختصة، بخلاف أوصافه تعالى" بدائع الفوائد 1/ 162.

3 شفاء العليل ص 271.

ص: 36

فالرب تعالى يشتق له من أوصافه وأفعاله أسماء ولا يشتق له من مخلوقاته وكل اسم من أسمائه فهو مشتق من صفة من صفاته أو فعل قائم به. ولمزيد من الإيضاح وإلقاء الضوء على هذه المسألة وبيان عقيدة أهل السنة أود طرح ذلك في النقاط التالية:

النقطة الأولى: أن أسماء الله الحسنى لها اعتباران:

أسماء الله الحسنى كلها متفقة في الدلالة على نفسه المقدسة، ثم كل اسم يدل على معنى من صفاته ليس هو المعنى الذي دل عليه الاسم الآخر1. وذلك لأن أسماءه الحسنى لها اعتباران:

اعتبار من حيث الذات.

واعتبار من حيث الصفات.

فهي أعلام باعتبار دلالتها على الذات.

وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني.

وهي بالاعتبار الأول: مترادفة لدلالتها على مسمى واحد هو الله عز وجل "الحي، العليم، القدير، السميع، البصير، الرحمن، الرحيم، العزيز الحكيم" كلها أسماء لمسمى واحد وهو الله سبحانه وتعالى.

قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 11] .

فأسماء الله تعالى تدل كلها على مسمى واحد، وليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى يضاد دعاؤه باسم آخر، بل كل اسم يدل على ذاته.

وهي بالاعتبار الثاني: متباينة لدلالة كل واحد منها على معناه الخاص فمعنى

1 الإيمان لابن تيمية ص 175.

ص: 37

الحي غير معنى العليم غير معنى القدير وهكذا1.

النقطة الثانية: الوصف بها لا ينافي العلمية:

قال ابن القيم: "أسماء الله الحسنى هي أعلام وأوصاف، والوصف بها لا ينافي العلمية؟ بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي علميتهم لأن أوصافهم مشتركة فنافتها العلمية المختصة، بخلاف أوصافه تعالى"2.

وقال رحمه الله: "أسماء الرب تعالى وأسماء كتبه، وأسماء نبيه صلى الله عليه وسلم هي أعلام دالة على معان هي بها أوصاف، فلا تضاد فيها العلمية الوصف بخلاف غيرها من أسماء المخلوقين فهو الله الخالق البارئ المصور القاهر فهذه أسماء له دالة على معان هي صفاته

"3.

قال الدارمي: "لا تقاس أسماء الله بأسماء الخلق؟ لأن أسماء الخلق مخلوقة مستعارة وليست أسماؤهم نفس صفاتهم، بل مخلوقة لصفاتهم، وأسماء الله وصفاته ليس شيء منها مخالفا لصفاته ولا شيء من صفاته مخالفا لأسمائه. فمن ادعى أن صفة من صفات الله مخلوقة أو مستعارة فقد كفر وفجر لأنك إذا قلت (الله) فهو (الله) وإذا قلت (الرحمن) فهو (الرحمن) وهو (الله) فإذا قلت (الرحيم) فهو كذلك، وإذا قلت (حكيم- عليم- حميد- مجيد- جبار- متكبر- قاهر- قادر) فهو كذلك هو (الله) سواء، لا يخالف اسم له صفته ولا صفته اسما.

وقد يسمى الرجل حكيما وهو جاهل، وحكما وهو ظالم، وعزيزا وهو

1 بدائع الفوائد 1/ 62 1، جلاء الأفهام ص 138، القواعد المثلى ص 8.

2 بدائع الفوائد 16211.

3 جلاء الأفهام ص 133، 134.

ص: 38

حقير، وكريما وهو لئيم، وصالحا وهو صالح، وسعيدا وهو شقي، ومحمودا وهو مذموم، وحبيبا وهو بغيض، وأسدا وحمارا، وكلبا وجديا، وكليبا وهرا وحنظلة، وعلقمة وليس كذلك.

والله تعالى تقدس اسمه كل أسمائه سواء، ولم يزل كذلك ولا يزال. لم تحدث له صفة ولا اسم لم يكن كذلك، كان خالقا قبل المخلوقين، ورازقا قبل المرزوقين، وعالما قبل المعلومين، وسميعا قبل أن يسمع أصوات المخلوقين وبصيرا قبل أن يرى أعيانهم مخلوقة"1.

رابعا: احترام معاني تلك الأسماء، وحفظ ما لها من حرمة في هذا الجانب وعدم التعرض لتلك المعاني بالتحريف والتعطيل كما هو شأن أهل الكلام.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومذهب السلف أنهم يصفون الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل. ونعلم أن ما وصف الله به من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي، بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه لاسيما إذا كان المتكلم أعلم الخلق بما يقول، وأفصح الخلق في بيان العلم، وأفصح الخلق في البيان والتعريف، والدلالة والإرشاد"2.

فمن المعلوم أن نصوص الصفات ألفاظ شرعية يجب أن تحفظ لها حرمتها وذلك بأن نفهمها وفق مراد الشارع، فلا نتلاعب بمعانيها لنصرفها عن مراد الشارع.

فمن الأصول الكلية أن يعلم أن الألفاظ نوعان:

1 الرد على المريسي ص 365.

2 مجموع الفتاوى 5/ 26.

ص: 39

النوع الأول: نوع جاء به الكتاب والسنة.

فيجب على كل مؤمن أن يقر بموجب ذلك، فيثبت ما أثبته الله ورسوله وينفي ما نفاه الله ورسوله.

فاللفظ الذي أثبته الله أو نفاه حق، فإن الله يقول الحق وهو يهدي السبيل. والألفاظ الشرعية لها حرمة، ومن تمام العلم أن يبحث عن مراد رسوله بها ليثبت ما أثبته وينفي ما نفاه بالمعاني.

فإنه يجب علينا أن نصدقه في كل ما أخبر. ونطيعه في كل ما أوجب وما أمر.

ثم إذا عرفنا تفصيل ذلك كان ذلك من زيادة العلم والإيمان. وقد قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] .

النوع الثاني: الألفاظ التي ليست في الكتاب والسنة ولا اتفق السلف على نفيها أو إثباتها.

فهذه ليس على أحد أن يوافق من نفاها أو أثبتها حتى يستفسر عن مراده. فإن أراد بها معنى يوافق خبر الرسول أقر به.

وإن أراد بها معنى يخالف خبر الرسول أنكره1.

خامسا: الإيمان بما تقتضيه تلك الأسماء من الآثار وما ترتب عليها من الأحكام2.

قال ابن القيم رحمه الله: "وكل اسم من أسمائه سبحانه له صفة خاصة. فإن أسماءه أوصاف مدح وكمال. وكل صفة لها مقتض وفعل: إما لازم،

1 مجموع الفتاوى 12/ 113، 114.

2 انظر تفاصيل هذه المسألة في كتاب "معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى".

ص: 40

وإما متعد. ولذلك الفعل تعلق بمفعول هو من لوازمه. وهذا في خلقه وأمره وثوابه وعقابه. كل ذلك آثار الأسماء الحسنى وموجباتها.

ومن المحال تعطيل أسمائه عن أوصافه ومعانيها، وتعطيل الأوصاف عما تقتضيه وتستدعيه من الأفعال، وتعطيل الأفعال عن المفعولات، كما أنه يستحيل تعطيل مفعولاته عن أفعاله وأفعاله عن صفاته، وصفاته عن أسمائه وتعطيل أسمائه وأوصافه عن ذاته.

وإذا كانت أوصافه صفات كمال، وأفعاله حكما ومصالح، وأسماؤه حسنى ففرض تعطيلها عن موجباتها مستحيل في حقه؟ ولهذا ينكر سبحانه على من عطله عن أمره ونهيه، وثوابه وعقابه، وأنه بذلك نسبه إلى ما لا يليق به وإلى ما يتنزه عنه وأن ذلك حكم سيء ممن حكم به عليه، وأن من نسبه إلى ذلك فما قدره حق قدره، ولا عظمه حق تعظيمه، كما قال تعالى:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 91] . وقال تعالى في حق منكري المعاد والثواب والعقاب: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] . وقال في حق من جوز عليه التسوية بين المخلوقين، كالأبرار والفجار والمؤمنين والكفار:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21] ، فأخبر أن هذا حكم سيء لا يليق به تأباه أسماؤه وصفاته.

وقال سبحانه: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 115- 116] ، عن هذا الظن والحسبان، الذي تأباه أسماؤه وصفاته.

ص: 41

ونظائر هذا في القرآن كثيرة ينفي فيها عن نفسه خلاف موجب أسمائه وصفاته إذ ذلك تعطيلها عن كمالها ومقتضياتها.

فاسمه "الحميد، المجيد" يمنع ترك الإنسان سدى مهملا معطلا، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يعاقب، وكذلك اسمه "الحكيم" يأبى ذلك. وكذلك اسمه "الملك" واسمه "الحي" يمنع أن يكون معطلا من الفعل؟ بل حقيقة "الحياة" الفعل. فكل حي فعال. وكونه سبحانه "خالقا قيوما" من موجبات حياته ومقتضياتها.

واسمه "السميع البصير" يوجب مسموعا ومرئيا.

واسمه "الخالق" يقتضي مخلوقا. وكذلك "الرزاق".

واسمه "الملك" يقتضي مملكة وتصرفا وتدبيرا، وإعطاء ومنعا، وإحسانا وعدلا، وثوابا وعقابا.

واسمه "البر، المحسن، المعطي، المنان" ونحوها تقتضي آثارها وموجباتها إذا عرف هذا. فمن أسمائه سبحانه "الغفار، التواب، العفو" فلابد لهذه الأسماء من متعلقات. ولابد من جناية تغتفر، وتوبة تقبل، وجرائم يعفى عنها.

ولابد لاسمه "الحكيم" من متعلق يظهر فيه حكمه. إذ اقتضاء هذه الأسماء لآثارها كاقتضاء اسم "الخالق، الرازق، المعطي، المانع" للمخلوق والمرزوق والمعطى والممنوع. هذه الأسماء كلها حسنى.

والرب تعالى يحب ذاته وأوصافه وأسماءه. فهو عفو يحب العفو، ويحب المغفرة، ويحب التوبة ويفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه أعظم فرح يخطر بالبال.

ص: 42

وكان تقدير ما يغفره ويعفو عن فاعله، ويحلم عنه، ويتوب عليه ويسامحه، من موجب أسمائه وصفاته. وحصول ما يحبه ويرضاه من ذلك.

وما يحمد به نفسه ويحمده به أهل سمواته وأهل أرضه، ما هو من موجبات كماله ومقتضى حمده. وهو سبحانه الحميد المجيد، وحمده ومجده يقتضيان آثارهما.

ومن آثارهما: مغفرة الزلات، وإقالة العثرات، والعفو عن السيئات والمسامحة على الجنايات: مع كمال القدرة على استيفاء الحق. والعلم منه سبحانه بالجناية ومقدار عقوبتها. فحلمه بعد علمه، وعفوه بعد قدرته ومغفرته عن كمال عزته وحكمته، كما قال المسيح عليه السلام:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118] ، أي فمغفرتك عن كمال قدرتك وحكمتك. لست كمن يغفر عجزا ويسامح جهلا بقدر الحق، بل أنت عليم بحقك. قادر على استيفائه حكيم في الأخذ به.

فمن تأمل سريان آثار الأسماء والصفات في العالم، وفي الأمر، تبين له أن مصدر قضاء هذه الجنايات من العبيد، وتقديرها: هو من كمال الأسماء والصفات والأفعال.

وغاياتها أيضا: مقتضى حمده ومجده، كما هو مقتضى ربوبيته وإلهيته فله في كل ما قضاه وقدره الحكمة البالغة، والآيات الباهرة، والتعرفات إلى عباده بأسمائه وصفاته، واستدعاء محبتهم له، وذكرهم له، وشكرهم له وتعبدهم له بأسمائه الحسنى. إذ كل اسم له تعبد مختص به، علما ومعرفة وحالا.

ص: 43

وأكمل الناس عبودية: المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر. فلاتحجبه عبودية اسم عن عبودية اسم آخر، كمن يحجبه التعبد باسمه "القدير" عن التعبد باسمه "الحليم الرحيم". أو يحجبه عبودية اسمه "المعطي" عن عبودية اسمه "المانع" أو عبودية اسمه "الرحيم العفو الغفور" عن اسمه "المنتقم" أو التعبد بأسماء "التودد، والبر، واللطف، والإحسان" عن أسماء "العدل، والجبروت، والعظمة، والكبرياء " ونحو ذلك. وهذه طريقة الكمل من السائرين إلى الله، وهي طريقة مشتقة من قلب القرآن، قال الله تعالى:{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180] ، والدعاء بها يتناول دعاء المسألة، ودعاء الثناء، ودعاء التعبد. وهو سبحانه يدعو عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته، ويثنوا عليه بها. ويأخذوا بحظهم من عبوديتها.

وهو سبحانه يحب موجب أسمائه وصفاته.

فهو"عليم" يحب كل عليم، "جواد" يحب كل جود، "وتر" يحب الوتر، "جميل" يحب الجمال، "عفو" يحب العفو وأهله، "حيي " يحب الحياء وأهله، "بر " يحب الأبرار، " شكور" يحب الشاكرين، "صبور" يحب الصابرين، "حليم" يحب أهل الحلم.

فلمحبته سبحانه للتوبة والمغفرة والعفو والصفح: خلق من يغفر له ويتوب عليه ويعفو عنه. وقدر عليه ما يقتضى وقوع المكروه والمبغوض له. ليترتب عليه المحبوب له والمرضي له 000"1.

1 مدارج السالكين 1/ 417.

ص: 44