الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الحسين بن على (ثورة)
لم يقم الشيعة بأى ثورة ضد «معاوية بن أبى سفيان» ، طوال
مدة خلافته (41 - 60هـ)، وإنما اندلعت أولى ثوراتهم بقيادة
«الحسين بن على» فى خلافة «يزيد بن معاوية» ، بعد أن رفض
«الحسين» بيعة «يزيد» ، وكان قد رفض من قبل تعيينه وليا
للعهد فى زمن أبيه. اعتصم «الحسين» بمكة المكرمة، وهناك
توالت عليه رسائل أهل «الكوفة» يطلبون منه الحضور إليهم؛
ليبايعوه بالخلافة، فاستجاب لهم على الرغم من تحذير «ابن
عباس» - وهو من أقرب الناس إليه - من الذهاب إلى «العراق» ،
لأنها دعوة من لا أمان أو عهد لهم، وقد خذل أهل العراق أباه
من قبل، لكنه أصر على الذهاب، وأرسل - قبل أن يتحرك- ابن
عمه «مسلم بن عقيل بن أبى طالب» إلى «الكوفة» ، ليستطلع
الأمر، ويكتب له بحقيقة الموقف هناك. وصل «مسلم بن عقيل»
إلى «الكوفة» ، فاستقبله الناس بحماس شديد وبحفاوة بالغة،
وبايعه منهم نحو ثمانية عشر ألفًا، فانخدع بهم بعد أن تغافل
«النعمان بن بشير» والى «الكوفة» عنه، فكتب إلى «الحسين»
يطمئنه، ويطلب منه الحضور إلى «الكوفة» . ولما علم «يزيد» بما
فعله «مسلم» فى «الكوفة» ، اضطر إلى عزل «النعمان بن
بشير» عن ولايتها لتغاضيه عما يقوم به «مسلم» ، وولَّى مكانه
«عبيدالله بن زياد» ، فحضر على الفور، وقبض على «مسلم»
وقتله بعد أن انفضت عنه الآلاف التى تجمعت حوله من أهل
«الكوفة» ، وتركوه يلقى مصرعه وحده. وفى أثناء هذه
الأحداث المتلاحقة كان «الحسين» فى طريقه إلى «الكوفة» ،
فلما وصلته أخبار «مسلم» ، وتخاذُل الكوفيين عنه، قرر العودة
إلى «مكة» ، لكن إخوة «مسلم» أصروا على مواصلة السير، طلبًا
لثأر أخيهم، فلم يجد «الحسين» بُدا من مطاوعتهم، وكان هذا من
الأخطاء الكبيرة، فالذى قتل «مسلم» دولة لا فرد، وليس فى
استطاعتهم - وهم قلة فى عددهم - التصدِّى للدولة، فقد كانوا
نحو سبعين رجلا. واصل «الحسين» سيره حتى بلغ «كربلاء»
بالقرب من «الكوفة» ، فوجد جيشًا كبيرًا فى انتظاره بقيادة
«عمر بن سعد بن أبى وقَّاص» يزيد عددُه عمَّا معه من أفراد
بنحو خمسين مرة، وعسكرت القوتان دون تكافؤ بينهما فى
القوة، فعرضَ «الحسين» على «عمر بن سعد» ثلاثة حلول
للخروج من هذا المأزق، إمَّا أن يتركه يعود إلى «مكة» ، وإما أن
يتركه يذهب إلى ثغر من ثغور الإسلام فيجاهد فى سبيل الله،
وإما أن يدعه يذهب إلى «دمشق» لمقابلة الخليفة «يزيد بن
معاوية» ويضع يده فى يده. وكانت هذه الخطوة من «الحسين»
- رضى الله عنه - طيبة؛ لأن ذلك معناه أنه أنهى ثورته وجنح
إلى السلام، كما سُرَّ بهذه الخطوة «عمر بن سعد» ، لأنه لم يكن
راغبًا فى مواجهة «الحسين» ، ولكن عليه أن يستشير «عبيد الله
بن زياد»، فهو الوالى وصاحب القرار، فرحب بالفكرة لأول
وهلة، لأن فيها حقن الدماء، وبخاصة دم «الحسين» حفيد رسول
الله صلى الله عليه وسلم، غير أن شيطانًا من شياطين الإنس
يُدعى «شمر بن ذى الجوش» أشار على «ابن زياد» ألا يقبل من
«الحسين» إلا أن يسلِّم نفسه باعتباره أسير حرب، وأن يرسله
بهذه الصفة إلى الخليفة «يزيد بن معاوية» فى «دمشق» . وكان
من الطبيعى أن يرفض «الحسين بن على» هذا الطلب، فالموت
عنده أهون عليه من هذا كما قال هو نفسه، ولو أن مشركًا أو
ذميا كان فى مكان «الحسين» ، وعرض عليهم هذه الحلول
السلمية لكان عليهم قبولها، لكن «ابن زياد» خضع لهذه الفكرة
الشيطانية، ورفض «الحسين» تسليم نفسه أسير حرب، فدارت
معركة غير متكافئة بين الفريقين فى «كربلاء» فى العاشر من
المحرم سنة (61هـ)، استُشْهِد فيها «الحسين» ، رضى الله عنه،
وقتل من كان معه من أهل بيته، ولم ينجُ من القتل إلا ابنه
«على» الملقب بزين العابدين.