المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعريف الكفر والردة - التكفير وضوابطه - السقار

[منقذ السقار]

الفصل: ‌تعريف الكفر والردة

‌تعريف الكفر والردة

يلج العبد إلى الإسلام بنطقه للشهادتين أعلى شعب الإيمان، ويطمئن قلبه بالإيمان، تشهد له جوارحه بذلك، وهو يركع لله ويسجد، فيُحكم له بالإسلام يقيناً، ويحظى - في الدنيا - بما تستتبعه هذه الكلمة العظيمة من حقوق الولاء وحرمة الدم والعرض والمال، وأما الآخرة فهي دار كرامة الله للمؤمن، فالمؤمن ينجو فيها بإيمانه ((فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي وجه الله)) (1).

والعاصي - وكلنا عاص - يخلص بإسلامه ونطقه لتلك الكلمة الطيبة، فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله. وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله. وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله. وفي قلبه وزن ذرة من خير)). (2)

ومثل هذه الشهادات الموثقة للمسلم لا تُنقض إلا بارتكابه جرماً عظيماً ينقض عروة الإيمان وأصله، فتطيش صحائفه ويبور عمله {إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً} (النساء: 137).

والذي يهدم أصل الإيمان هو الردة عن الدين والكفر بالله، سواء كان ذلك باللسان أم القلب أم العمل، أم بهن جميعاً.

والكفر في اللغة بمعنى الستر والتغطية ، يقال للمزارع:" كافراً " لأنه يغطي البذر بالتراب ، ومنه سمي الكفر الذي هو ضد الإيمان " كفراً "، لأن في كفره تغطية للحق بجحد أو غيره ، وقيل: سمي الكافر "كافراً " لأنه قد غطى قلبه بالكفر. (3)

وقد عرف أهل الاصطلاح الكفر والردة بمعان تدور حول جحود العبد،

(1) رواه مسلم ح (33).

(2)

رواه البخاري ح (44).

(3)

انظر لسان العرب (5/ 146 - 147)، ومفردات القرآن (484).

ص: 9

أو تكذيبه لأصول الإسلام، أو ارتكابه لما هو ناقض من نواقض الإيمان والإسلام.

يقول ابن حزم معرِّفاً الكفر: " وهو في الدين: صفة من جحد شيئاً مما افترض الله تعالى الإيمان به، بعد قيام الحجة عليه ببلوغ الحق إليه بقلبه دون لسانه، أو بلسانه دون قلبه، أو بهما معاً، أو عمل عملاً جاء النص بأنه مخرج له بذلك عن اسم الإيمان". (1)

وأما الغزالي فيرى أن الكفر: " هو تكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام، في شيء مما جاء به ". (2)

ويقول السبكي: " التكفير حكم شرعي، سببه جحد الربوبية والرسالة، أو قول أو فعل حكم الشارع بأنه كفر، وإن لم يكن جحداً". (3)

ويقول ابن تيمية: " الكفر يكون بتكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به، أو الامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه، مثل كفر فرعون واليهود ونحوهم". (4)

ويقول: "والكفر إنما يكون بإنكار ما علم من الدين ضرورة أو بإنكار الأحكام المتواترة والمجمع عليها". (5)

وأما الباقلاني فيضيف إلى خصال الكفر الجهل بالله تعالى "الكفر: هو ضد الإيمان، وهو الجهل بالله عز وجل، والتكذيب له الساتر لقلب الإنسان عن العلم به، فهو كالمغطي للقلب من معرفة الحق". (6)

وهو غير معارض في هذا لما ذكره العلماء من تعريف الجحود بأنه: الإنكار مع العلم، أو كما عرفه الراغب الأصفهاني: نفي ما في القلب إثباته، وإثبات ما في القلب نفيه، كما قال تعالى:{فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} (الأنعام: 33). (7)

(1) الإحكام في أصول الأحكام (1/ 49).

(2)

فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة (128).

(3)

فتاوى السبكي (2/ 586).

(4)

درء تعارض العقل والنقل (1/ 242).

(5)

مجموع الفتاوى (1/ 106).

(6)

تمهيد الأوائل (394).

(7)

انظر: مفردات الأصفهاني (100) ولسان العرب (3/ 106).

ص: 10

إذ الجحود عند بعض الفقهاء يطلق، ويراد به التكذيب بالإيجاب، المنافي للتصديق، كما يراد به أيضاً الامتناع عن الإقرار والامتناع عن الالتزام، وهو ما ينافي الانقياد. (1) وأي جهل بالله أعظم من أن ينكر العبد ربه وقد استيقنه بقلبه.

لكن الذي نتناوله في بحثنا هو حالة معينة من حالات الكفر، وهو الكفر بعد الإيمان والدخول في الإسلام، لا الكفر الأصلي، ولا النفاق الاعتقادي الذي يسره المنافق في قلبه، ويظهر لنا خلافه.

وهذا الذي يسميه العلماء بالردة، فالمرتد لغة: هو الراجع. ومنه قوله تعالى: {ولا ترتدّوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين} (المائدة: 21).

قال الأصفهاني: "الردة: الرجوع في الطريق الذي جاء منه". (2)

ويقول البهوتي معرفاً الردة عند أهل الاصطلاح: " الذي يكفر بعد إسلامه نطقاً، أو اعتقاداً، أو شكاً، أو فعلاً ". (3)

وأما الكاساني فيقول في بيان ركن الردة: "فهو إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد وجود الإيمان، إذ الردة عبارة عن الرجوع عن الإيمان". (4)

ويقول خليل في مختصره: "الردة كفر المسلم بصريح لفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه". (5)

ويقول النووي: " الردة هي قطع الإسلام بنيِّة، أو قول كفر، أو فعله، سواء قاله استهزاءً، أو عناداً، أو اعتقاداً". (6)

وهكذا فالردة هي الرجوع عن الإسلام بارتكاب ناقض من نواقضه القولية أو القلبية أو العملية، والردة صورة من صور الكفر التي تدور بمجموعها حول التكذيب والجحود.

(1) انظر: مجموع الفتاوى (20/ 98).

(2)

مفردات القرآن (217).

(3)

كشاف القناع (6/ 167 - 177).

(4)

بدائع الصنائع (7/ 134). وانظر البحر الرائق (5/ 129).

(5)

مختصر خليل (1/ 281).

(6)

منهاج الطالبين (1/ 131).

ص: 11