المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الخاتمة وبعد، فإن خطورة هذه الظاهرة وما تستتبعه من قتل وخروج - التكفير وضوابطه - السقار

[منقذ السقار]

الفصل: ‌ ‌الخاتمة وبعد، فإن خطورة هذه الظاهرة وما تستتبعه من قتل وخروج

‌الخاتمة

وبعد، فإن خطورة هذه الظاهرة وما تستتبعه من قتل وخروج على ولاة الأمر وتمزيق لصف المسلمين، برمي مخطئهم الجاهل والمقلد بالكفر، كل ذلك يدعو إلى وقفة جادة للبحث عن مخرج من هذا المرض قبل اسستفحاله.

وإن علاج ظاهرة التكفير يبدأ بإدراكنا لخطورتها ووقوفنا على أسبابها، والتي يكفل لنا تجفيفها القضاء على هذه الظاهرة الشاذة التي عادت تتسرب من جديد.

وأهم علاج وأنجعه هو صنيع النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام، وهو نشر العلم الصحيح الموروث عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة، وفهمهما على هدي وفهم السلف الصالح من أصحاب القرون المفضلة.

وقد أمر الله تعالى المؤمنين حال تنازعهم بالعود إلى كتاب الله وسنة نبيه، ولأن أفهامهم مختلفة أرشدهم إلى سؤال العالمين الذين يستبطونه منهم {ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} (النساء: 83).

وأمر الله المؤمنين بسؤال العلماء والصدور عن قولهم، فقال تعالى:{وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (الأنبياء: 7).

قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسيره: "وهذه الآية وإن كان سببها خاصاً بالسؤال عن حالة الرسل المتقدمين من أهل الذكر، وهم: أهل العلم، فإنها عامة في كل مسألة من مسائل الدين أصوله وفروعه، إذا لم يكن عند الإنسان علم منها، أن يسأل من يعلمها، ففيه الأمر بالتعلم والسؤال لأهل العلم

وفي تخصيص السؤال بأهل الذكر والعلم نهيٌ عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم، ونهي له أن يتصدى لذلك .. " (1)

ولله در ابن مسعود فقيه الصحابة إذ يقول: "وستجدون أقواماً يزعمون أنهم يدعون إلى كتاب الله، وقد نبذوه وراء ظهورهم، عليكم بالعلم، وإياكم والبدع والتعمق، عليكم بالعتيق". (2)

(1) تيسير الكريم الرحمن (5/ 213 - 214).

(2)

الاعتصام (2/ 418).

ص: 111

كما ندعو إلى المزيد من اللجوء إلى الحوار بالتي هي أحسن، واعتماد اللين والحكمة وحسن البيان طريقاً في معالجة النشوز الفكري للشباب الذي تعاور عليه الجهل والتسرع.

فإن الشبهة والفهم المغلوط إذا غلبا على المؤمن التقي لا علاج لهما إلا بالحجة والدليل والبرهان، إذ بهما تزول الشبهة، وتقام الحجة، فتستبين المحجة، ويظهر الحق لمن أراده فأخطأه.

وعن طريق الحوار استطاع علي رضي الله عنه إضعاف فتنة الخوارج، حين بعث إليهم حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه وعن أبيه، فناظرهم فرجع معه جمع غفير منهم، ليثبت أن الحوار خير وسيلة للقضاء على هذه الفتنة.

وهكذا تبين لنا أن التكفير مسألة خطيرة لا يجوز أن يصدر فيه المسلم عن رأي أو هوى، ولا يجوز شهره سيفاً على المخالفين واتخاذه وسيلة للانتقام منهم والتشفي بهم، إذ هو حكم شرعي، بل لعله أخطر الأحكام الشرعية، إذ هو حكم بالردة والخلود في النار على مسلم، كما يستتبع التكفير عدداً من الأحكام الدنيوية كمنع التوارث والتفريق بين الزوجين، وأهم من ذلك استباحة الدماء والأعراض.

لذا تكاثرت النصوص الشرعية تحذر المسلمين من الوقوع في ظلامته، ومن بعدها أطبق علماء الإسلام على أبلغ التحذير من هذه القاصمة، وبينوا أسبابها، وحذروا من دركاتها.

لقد أبانوا بما آتاهم الله من نور العلم والفقه في الدين الموانع التي تدفع عن المسلم معرة التكفير، إذ الأصل فيه الإسلام، وقد ثبت له بيقين، فلا يرفع إلا بمثله، ولا اعتبار للحدس والتخمين في هذا الباب، فقد أمرنا الله بتصديق المسلم وقبول علانيته، دون التقحم في السرائر التي لا يطلع عليها إلا الله، ولا يحكم عليها إلا هو.

وتلمس العلماء بهدي النبوة ما يعتذر فيه للمسلم ويتقى به عرضه، فاعتبروا الجهل والخطأ والإكراه والتأويل أعذاراً معتبرة يفيء إليها المسلم

ص: 112

الحريص على دينه إيثاراً للسلامة وصوناً لعرض إخوانه.

كما جلّى أهل العلم الحق الصراح في مشكل المسائل ومتشابه النصوص التي اندفع المتسرعون في فهمها إلى تكفير المسلمين، دون فقه أو فهم لدلالات النصوص الشرعية.

وأبان العلماء أيضاً غلط من عذر بالجهل أو الخطأ في مسائل الأحكام، ومنع ذلك في مسائل الاعتقاد، فالتفريق بين النوعين اصطلاحي علمي، لا أثر له في الأحكام الشرعية.

واللهَ نسأل أن يجنبنا الزلل والشطط، وأن يرزقنا الإخلاص والقصد، إنه ولي ذلك، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 113