الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم بغير ما أنزل الله
لعل قضية الحكم بغير ما أنزل الله من أهم القضايا التي زلت بها الأقدام في مسألة التكفير، إذ أدت بالبعض إلى تكفير كل حاكم بغير ما أنزل الله من غير تفريق بين صنوفه المختلفة، واستجرهم ذلك إلى تكفير ولاتهم ووزرائهم ثم شرطتهم، ثم سائر أفراد المجتمع الذين رضوا بحكمهم ولم يثوروا عليهم.
وفي البدء نؤكد أن الحكم بما أنزل الله حق لله تعالى، وأنه من أخص خصائص الألوهية التي هي حق لله بموجب ربوبيته {ألا له الخلق والأمر} (الأعراف: 54).
يقول ابن تيمية: " ومعلوم باتفاق المسلمين أنه يجب تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما شجر بين الناس في أمر دينهم ودنياهم في أصول دينهم وفروعه، وعليهم كلهم إذا حكم بشيء أن لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما حكم ويسلموا تسليماً". (1)
وقوله مصداق لقول الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} (النساء: 65).
أما النكول عن تحكيم شرع الله، إلى شرع غيره، فهو عبادة للطاغوت، وصورة من صور الشرك بالله العظيم {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً} (النساء: 60).
وجعل الله التحاكم إلى شرعه والانقياد لأمره ميزاناً يستبين فيه الإيمان من النفاق، فحال المنافقين كما قال الله تعالى: {ويقولون آمنّا بالله وبالرّسول وأطعنا ثمّ يتولّى فريق مّنهم مّن بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين - وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق مّنهم مّعرضون - وإن يكن لّهم الحقّ يأتوا إليه مذعنين - أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل
(1) مجموع الفتاوى (7/ 37 - 38).
أولئك هم الظّالمون} (النور: 47 - 50).
وأما المؤمنون فإن حالهم مختلف {إنّما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} (النور:51).
يقول شيخ الإسلام: "ذم [الله عز وجل] المدعين الإيمان بالكتب كلها، وهم يتركون التحاكم إلى الكتاب والسنة، ويتحاكمون إلى بعض الطواغيت المعظمة من دون الله، كما يصيب ذلك كثيراً ممن يدعي الإسلام وينتحله في تحاكمهم إلى مقالات الصابئة الفلاسفة أو غيرهم، أو إلى سياسة بعض الملوك الخارجين عن شريعة الإسلام من ملوك الترك وغيرهم ". (1)
قال ابن كثير: "فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا [قانون التتار] وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كَفَر بإجماع المسلمين". (2)
وإذا كان الحكم بشريعة الله من مقتضيات الإيمان ومن أَولى حقوق الرحمن، فإن من نازع الله هذا الحق، فقد جعل نفسه شريكاً لله في ربوبيته وألوهيته على خلقه {أم لهم شركاء شرعوا لهم مّن الدّين ما لم يأذن به الله} (الشورى: 21).
فقد عرّف محمد رشيد رضا الشرك ببعض مظاهره وصوره، فقال:"إسناد الخلق والتدبير إلى غير الله تعالى معه، أو أن تؤخذ أحكام الدين في عبادة الله تعالى والتحليل والتحريم عن غيره، أي غير كتابه ووحيه الذي بلغه عنه رسله". (3)
والذي يشرع يجعل من نفسه إلهاً مع الله، وهذا كافر باتفاق المسلمين، يقول ابن تيمية:" والإنسان متى حلّل الحرام المجمع عليه، أو حرّم الحلال المجمع عليه، أو بدّل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء". (4)
(1) مجموع الفتاوى (12/ 339 - 340).
(2)
البداية والنهاية (13/ 119).
(3)
تفسير المنار (2/ 55)، وهذا التعريف وإن كان يبين بعض صور الشرك، فإنه لا يشمل صوراً أخرى تتعلق بعبادة غير الله مع الله أو دونه.
(4)
مجموع الفتاوى (3/ 267).
وتقييده رحمه الله بالمجمع عليه يخرج من أخطأ في الاجتهاد، بينما الذي يكفر هو المكذب لله ولرسوله الجاحد لحكمهما، لا المخطئ الحريص على متابعتهما.
ويقول القاضي أبو يعلى مؤكداً ذات المعنى: " ومن اعتقد تحليل ما حرم الله ورسوله بالنص الصريح، أو أجمع المسلمون على تحريمه فهو كافر، كمن أباح شرب الخمر ومنع الصلاة والصيام والزكاة، وكذلك من اعتقد تحريم شيء حلله الله وأباحه بالنص الصريح، أو أباحه رسوله أو المسلمون مع العلم بذلك، فهو كافر كمن حرم النكاح والبيع والشراء على الوجه الذي أباحه الله عز وجل، والوجه فيه أن في ذلك تكذيباً لله تعالى ولرسوله في خبره، وتكذيباً للمسلمين في خبرهم، ومن فعل ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين". (1)
والتشريع كفر أيضاً من جهة أنه تقديم لرأي من شرعه على شرع الله وحكمه، وهذا ولا ريب من الكفر البيِّن، الذي يحكم بالكفر على قائله، ولو أذعن لحكم الله وانقاد له، يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ضمن تعداده لنواقض الإسلام:" من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر". (2)
يقول شيخ الإسلام: " ثم إن هذا الامتناع والإباء [أي عن الإذعان والانقياد للشرع]، إما لخلل في اعتقاد حكمة الآمر وقدرته، فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمرداً أو اتباعاً لغرض النفس، وحقيقته كفر، هذا لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون، لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه لعدم موافقته لمراده ومشتهاه، ويقول: أنا لا أقر بذلك، ولا ألتزمه، وأبغض هذا الحق، وأنفر منه، فهذا نوع غير النوع الأول، وتكفير هذا معلوم
(1) المعتمد في أصول الدين (271 - 272).
(2)
مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب - قسم العقيدة (386).
بالاضطرار من دين الإسلام، والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع". (1)
فهذا الممتنع إباء، والمتشكك في حكمة الخالق مكذب لصفات الله العليم الحكيم، وهو مستهين بالله وشرعه، فهو كافر بذلك، يقول ابن أبي العز شارح الطحاوية:"إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب، وأنه مخير فيه، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله، فهذا كفر أكبر". (2)
ويمتد الكفر في مسألة الحاكمية ليشمل كل من وافق الحكام بما استحلوه من استحلال الحرام، فهو يكفر أيضاً، وفعله من جنس فعل النصارى الذين اتبعوا أحبارهم ورهبانهم، فكانوا لهم عابدين:{اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله} (التوبة: 31). قال عدي رضي الله عنه: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقرؤها، فقال:((أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه)). (3)
قال ابن تيمية مبيناً وجه كفر هؤلاء الأتباع: " أن يعلموا أنههم بدلوا دين الله، فيتبعونهم على التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله، اتباعاً لرؤسائهم، مع علمهم أنه خالفوا دين الرسول، فهذا كفر. وقد جعله الله ورسوله شركاً، وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم. فكان من اتبع غيره في خلاف الدين، مع علمه أنه خلاف الدين واعتقد ما قاله ذلك، دون ما قاله الله ورسوله مشركاً مثل هؤلاء". (4)
ومما يدل أيضاً على كفر الأتباع حيث رضوا بحكم الطاغوت واتبعوه قول الله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنّه لفسق وإنّ الشياطين ليوحون إلى أوليآئهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون} (الأنعام:121). يقول ابن كثير موضحاً صورة الشرك في أكل ما لم يذكر عليه اسم الله: "أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره، فقدمتم ذلك، فهذا هو الشرك". (5)
قال القرطبي: "وإن أطعتموهم أي في تحليل الميتة إنكم لمشركون، فدلت
(1) الصارم المسلول (3/ 969 - 971).
(2)
شرح العقيدة الطحاوية (323 - 324).
(3)
رواه الترمذي ح (3095)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ح (2471).
(4)
مجموع الفتاوى (7/ 70).
(5)
تفسير القرآن العظيم (2/ 172).
الآية على أن من استحل شيئاً مما حرم الله تعالى صار به مشركاً، وقد حرم الله سبحانه الميتة نصاً، فإذا قبِل تحليلها من غيره فقد أشرك". (1)
ومن المعلوم أنه ليس كل من أكل ما لم يذكر اسم الله عليه يكون مشركاً. إنما المشرك من أكل المحرم مستحلاً ومتابعاً في ذلك لمن بدل حكم الله وأحله، بل هو يكفر بالإقرار دون الفعل.
أما من أطاع الحاكم بفعل المعصية من غير اعتقاد استحلالها ولا موافقة الحاكم على إسقاط حكم الله فيها، كمن زنى في بلد يبيح قانونه الزنا، فهذا وقع في معصية لا يكفر بها، لأنه معتقد حرمتها، فحاله كحال سائر الذنوب التي يقع فيها المسلم ولا يستحلها، يقول شيخ الإسلام:"أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتاً، لكنهم أطاعوهم في معصية الله، كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب". (2)
قال ابن العربي: "إنما يكون المؤمن بطاعة المشرك مشركاً، إذا أطاعه في اعتقاده الذي هو محل الكفر والإيمان، فإذا أطاعه في الفعل، وعقده سليم مستمر على التوحيد والتصديق فهو عاص، فافهموه". (3)
قال النسفي في تفسيره لقول الله تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلّ ضلالاً مّبينًا} (الأحزاب:36): " فإن كان العصيان عصيان رد وامتناع عن القبول فهو ضلال كفر، وإن كان عصيان فعل مع قبول الأمر واعتقاد الوجوب فهو ضلال خطأ وفسق". (4)
ويكفي في تبيان هذا المعنى فهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم،
(1) الجامع لأحكام القرآن (7/ 77).
(2)
مجموع الفتاوى (7/ 70).
(3)
الجامع لأحكام القرآن (7/ 78).
(4)
مدارك التنزيل وحقائق التأويل (2/ 345 - 346).
ولكن من رضي وتابع)). (1)
قال النووي: " معناه: ولكن الإثم والعقوبة على من رضي وتابع، وفيه دليل على أن من عجز عن إزالة المنكر لا يأثم بمجرد السكوت، بل إنما يأثم بالرضا به أو بأن لا يكرهه بقلبه أو بالمتابعة عليه ". (2)
إذاً الحكم بما أنزل الله شرعة لازمة لا انفكاك للمجتمع المسلم عنها، والتولي عن شرع الله وتبديل أحكامه كفر مخرج من الملة، واتباع للهوى وعبادة للطاغوت من دون الله.
الكفر الأصغر
لكن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون من الكفر الأصغر، بل قد لا يكون معصية أصلاً.
وقد عدد العلماء الحالات التي لا يخرج فيها الحاكم بغير شريعة الله من الإسلام.
وأولها: أن يترك الحكم بما أنزل الله في بعض مسائله لهوى في نفسه، مع اعتقاده أن شرع الله هو الخير المطلق الذي لا يعدله هدي غيره ولا يدانيه.
يقول القرطبي: " إن حكم به [بغير ما أنزل الله] هوى ومعصية، فهو ذنب تدركه المغفرة على أصل أهل السنة في الغفران للمذنبين ". (3)
ويقول ابن تيمية: " أما من كان ملتزماً لحكم الله ورسوله باطناً وظاهراً، لكن عصى واتبع هواه، فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة". (4)
يقول ابن القيم: " إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصياناً، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا كفر أصغر". (5)
يقول الطحاوي: " الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً ينقل عن الملة،
(1) رواه مسلم ح (1854).
(2)
شرح النووي على صحيح مسلم (12/ 143).
(3)
الجامع لأحكام القرآن (6/ 197).
(4)
منهاج السنة (5/ 131).
(5)
مدارج السالكين (1/ 336).
وقد يكون معصية كبيرة أو صغيرة، ويكون كفراً إما مجازياً وإما كفراً أصغر .. وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، وعلمه في هذه الواقعة وعدل عنه، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا عاص، ويسمى كافراً كفرا مجازياً أو كفراً أصغر". (1)
وهذه الصورة هي التي عناها ابن عباس والتابعون من بعده، حين وصفوا الحكم بغير شرع الله أنه كفر دون الكفر الأكبر، قال ابن عباس:"إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفراً ينقل عن الملة {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} (المائدة: 44) كفر دون كفر". (2)
وقال عطاء: "كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم". (3)
وقال طاووس: " ليس بكفر ينقل عن الملة". (4)
وثانيها: أن يكون عاجزاً عن تطبيق الشريعة، فهذا لا يكفر، لأن الأوامر الشرعية مقرونة بالاستطاعة {فاتقوا الله ما استطعتم} (التغابن: 16).
وقد ضرب العلماء أمثلة لذلك، أوضحها النجاشي رحمه الله، فقد كان ملكاً على قومه، فأسلم دونهم، وما قدر على تعلم الشريعة فضلاً عن تطبيقها، ومع ذلك فإن أحداً لا يشك في صحة إسلامه رحمه الله.
يقول شيخ الإسلام: " النجاشي، هو وإن كان ملك النصارى، فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام، بل إنما دخل معه نفر منهم، ولهذا لما مات لم يكن هناك من يصلي عليه، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، خرج بالمسلمين إلى المصلى، فصفهم صفوفاً، وصلى عليه، وأخبرهم بموته يوم مات وقال:((إن أخاً لكم صالحاً من أهل الحبشة مات)). (5)
وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها، لعجزه عن ذلك، فلم يهاجر ولم يجاهد، ولا حج البيت، بل قد روي أنه لم يكن يصلي
(1) شرح العقيدة الطحاوية (263).
(2)
أخرجه الحاكم في المستدرك (3219) قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصحح إسناده الألباني في تخريجه لكتاب الإيمان لابن تيمية (309).
(3)
رواه ابن جرير في تفسيره (6/ 256)، وذكره الترمذي معلقاً ح (2635).
(4)
رواه ابن جرير في تفسيره (6/ 256)، وذكر الترمذي نحوه معلقاً ح (2635) ..
(5)
روى البخاري نحوه ح (1320)، ومسلم ح (953).
الصلوات الخمس، ولا يصوم شهر رمضان، ولا يؤدي الزكاة الشرعية، لأن ذلك كان يظهر عند قومه، فينكرونه عليه، وهو لا يمكنه مخالفتهم، ونحن نعلم قطعاً أنه لم يكن يمكنه، أن يحكم بينهم بحكم القرآن .. فإن قومه لا يقرونه على ذلك .. النجاشيُّ وأمثاله سعداء في الجنة، وإن كانوا لم يلتزموا مع شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه، بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكنهم الحكم بها، ولهذا جعل الله هؤلاء من أهل الكتاب". (1)
كما مثّل رحمه الله بالقضاة الذين ولوا القضاء زمن التتار، فحكموا بغير الشريعة، وما كانوا يقدرون على غير ذلك، يقول:"وكثيراً ما يتولى الرجل بين المسلمين والتتار قاضياً، بل وإماماً، وفي نفسه أمور من العدل يريد أن يعمل بها، فلا يمكنه ذلك، بل هناك من يمنعه ذلك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها". (2)
وبهذا تستبين هذه المسألة التي زلّت عندها الأقدام، ويستبين الحق، فما كل تارك لحكم الله كافر، بل الأمر - كما رأيتَ - فيه تفصيل، وفي الوقوف عند كلام العلماء وتحقيقهم للمناط فيها مندوحة عن الكثير من موارد الغلو والزلل والشطط.
(1) منهاج السنة (5/ 112 - 115).
(2)
منهاج السنة (5/ 113).