المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌موقف السلف من المبتدعة: - موسوعة مواقف السلف في العقيدة والمنهج والتربية - مقدمة

[المغراوي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الأسباب البواعث على التأليف

- ‌السبب الأول: النصح لله ورسوله والمسلمين:

- ‌السبب الثاني: طعن الملاحدة وأعداء الإسلام في السلفية:

- ‌السبب الثالث: تقريب مواقف السلف للأمة:

- ‌السبب الرابع: التعريف بالسلف وإبراز مواقفهم:

- ‌السبب الخامس: شد أزر السلفين وتثبيت قلوبهم:

- ‌السبب السادس: إبراز معالم المنهج السلفي:

- ‌أ- وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة وفهم السلف:

- ‌ب- الرد على المخالف:

- ‌ج- تحقيق الولاء والبراء:

- ‌السبب السابع: كشف عوار أهل البدع وبيان بطلان مذاهبهم:

- ‌السبب الثامن: إبراز أن السلف هم المجددون حقا:

- ‌السبب التاسع: إبطال دعوى التقريب بين الملل والنحل:

- ‌منهج الكتاب

- ‌شرطنا في الأعلام:

- ‌منهجنا في إيراد المواقف:

- ‌ترتيب المواقف:

- ‌موقف السلف من المبتدعة:

- ‌تخريج الأحاديث:

- ‌ثبت المصادر المعتمدة

- ‌الكتب المستقرأة بكاملها

- ‌الكتب التي استعين بها

- ‌كتب خاصة

- ‌كتب تراجم الأعلام

- ‌كتب مفردة في تراجم خاصة

- ‌مجلات

- ‌ثمرات هذه الدراسة:

- ‌1 - تصدي أهل كل عصر للبدع التي فيه:

- ‌2 - التأريخ للبدع وزمن ظهورها:

- ‌3 - وحدة مواقف السلف من الفرق المخالفة عبر التاريخ:

- ‌4 - تميز الأئمة الأعلام بشمولية مواقفهم من كل الفرق:

- ‌5 - إن القرون: التاسع والعاشر والحادي عشر؛ كانت حقبة مظلمة في التاريخ الإسلامي:

- ‌6 - انتعاش الدعوة السلفية مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب:

- ‌7 - إبراز مواقف أعلام المذاهب المعروفة في إبطال البدع:

- ‌8 - رد زعم القائل أن السلفية بالمغرب حادثة مع الشيخ تقي الدين الهلالي:

الفصل: ‌موقف السلف من المبتدعة:

يُعرجون بسببها على أهل ولا مال.

والأمثلة في هذا كثيرة خصوصاً في شطر من المجلد الأول، فليتنبه القارئ الكريم لهذا.

‌ترتيب المواقف:

وقد صنفنا هذه المواقف بحسب الفرق التي وجه سهم النقد إليها، -حسب الشرط الذي قدمناه- نظرنا لخطرها وضررها على الإسلام والمسلمين.

وهذه الفرق على التوالي هي: المبتدعة، ثم المشركون، ثم الرافضة، ثم الصوفية، ثم الجهمية، ثم القدرية، ثم الخوارج، ثم المرجئة.

وقد أفردت كتاباً ضخماً في أربع مجلدات، والموسوم بـ "أهل الأهواء والبدع والفتن والاختلاف". عرفت فيه بهذه الفرق وكشفت فساد مذاهبها، وألحقت بهم المقلدة مع بيان حالهم. وتفصيلُ ذلك كله سيجده القراء الكرام في هذا الكتاب قريباً إن شاء الله تعالى.

وموسوعتنا هذه التي زادت مواقف السلف فيها بمنِّ الله وكرمه على التسعة آلآف موقف، بدأت فيها بـ:

‌موقف السلف من المبتدعة:

والنكتة في ذلك أن سائر الفرق واقعة في البدعة لا محالة، وذلك أن البدع التي حدثت في الأمة منها ما يناقض التوحيد ويثلم الاعتقاد؛ وهي الأعمال

ص: 28

الشركية، ومنها ما يؤثر في الأفعال والأحكام والسلوك.

لذلك حسن البدء بها؛ لأنها تشمل كل النحل ولا تستثنى منها واحدة؛ إذ كل الفرق مخالفة في مناهجها ومذاهبها لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

وقد أوردنا في مواقف السلف من المبتدعة كل ما وقفنا عليه من أقوالهم وأفعالهم في ذم البدع عموماً، والحث على التمسك بالسنة وبفهم سلف الأمة خصوصاً.

ثم ثنينا بـ "موقف السلف من المشركين":

وقد أوردت فيه مواقف السلف الصالح من المشركين والزنادقة، طيلة تاريخ هذه الأمة المجيدة، وذلك بإبراز مواقف العلماء من الشرك والأعمال الشركية التي وقع فيها رجال من هذه الأمة، من الطواف بالأضرحة وسؤال المقبور، والاستعانة بهم دون الله تعالى، والتمسح بالأحجار والأشجار، والكهانة والسحر، وغيرها من الأعمال الشركية التي رُفعت أعلامها، وقامت مواسمها في بقاع عديدة من بلاد الإسلام.

وقد قام هؤلاء السلف الكرام مقام نبيهم عليه الصلاة والسلام -وهم ورثته بحق- في تقرير التوحيد ونبذ الشرك، وطمس معالمه، وبذلوا في تحقيق ذلك كل غال ونفيس، واسترخصوا المهج والأموال والأولاد جهاداً في سبيل الله.

وفي مقدم هذه الكتيبة المباركة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، ومن

ص: 29

جاء بعدهم من الأئمة والعلماء الأعلام، ومن سلك سبيلهم من الخلفاء والولاة والقضاة والملوك والحكام، في نماذج ساطعة في أفق هذه الأمة التي ستظل رايتها خفاقة بنصرة الله ودينه، والاستمساك بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.

ثم أتبعتها بـ: "مواقف السلف من الرافضة":

هذه النحلة الدخيلة على الإسلام، اليهودية المنشأ، والفارسية المشرب، التي تبنت نشر الشرك والزندقة منذ تأسيسها، وطيلة تاريخها المشؤوم؛ هي التي شيدت المشاهد والأضرحة، وكانت أول من أحيا هذه الوثنية التي قضى عليها الرسول صلى الله عليه وسلم في الجزيرة العربية، ثم صحابته في خارجها وكل الفاتحين من السلف الصالح رضوان الله عليهم.

ولذلك تسلطوا على الصحابة بذمهم وسبهم وتكفيرهم، بدعوى أن الصحابة حرفوا كتاب الله، وأنكروا ولاية علي رضي الله عنه. فتدثروا بولاية أهل البيت والنصرة لهم زعماً، في دعوى باهتة سيجد القارئ الكريم تفصيلها إن شاء الله في كتابنا:"أهل الأهواء والبدع والفتن والاختلاف".

ثم أتبعتها بـ: "مواقف السلف من الصوفية":

وذلك أن الصوفية هي امتداد طبيعي للرافضة في معظم أصولهم وطقوسهم، لا يخرجون عنها ولا يحيدون، وإنما يفارقونهم في المسميات فقط،

ص: 30

كما بينت ذلك بالبرهان القاطع والدليل الواضح، في كتابنا:"الأسباب الحقيقية لحرق إحياء علوم الدين". وكذلك كتابنا: "أهل الأهواء والبدع والفتن والاختلاف".

فلذلك أتبعت مواقف السلف من الرافضة مواقفهم من الصوفية للصلة الوثيقة بين الفرقتين، والتداخل بين النحلتين.

ثم أتبعتها بـ: "مواقف السلف من الجهمية"

والمراد بالجهمية ها هنا جنس المتكلمين على اختلاف مشاربهم وتعدد فرقهم، معتزلة كانوا أو جهمية أو أفراخهما من الأشاعرة، والماتريدية، والكلابية، وغيرهم من الآرائيين الخائضين في ذات الله تعالى وأسمائه وصفاته بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.

وقد سلط هؤلاء معول التحريف والتعطيل والتأويل على النصوص وانتهكوا حرماتها، والحال كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله: "فلو رأيتها وهم يلوكونها بأفواههم، وقد حلت بها المثلات، وتلاعبت بها أمواج التأويلات، وتقاذفت بها رياح الآراء، واحتوشتها رماح الأهواء، ونادى عليها أهل التأويل في سوق من يزيد، فبذل كل واحد في ثمنها من التأويلات ما يريد، فلو شاهدتها بينهم وقد تخطفتها أيدي الاحتمالات، ثم قيدت بعدما كانت مطلقة بأنواع الإشكالات، وعزلت عن سلطنة اليقين وجعلت تحت

ص: 31

حكم تأويل الجاهلين، هذا وطالما نصبت لها حبائل الإلحاد، وبقيت عرضة للمطاعن والإفساد، وقعد النفاة على صراطها المستقيم بالدفع في صدورها والأعجاز، وقالوا: لا طريق لك علينا؛ وإن كان لا بد فعلى سبيل المجاز، فنحن أهل المعقولات وأصحاب البراهين، وأنت أدلة لفظية وظواهر سمعية لا تفيد العلم ولا اليقين، فسندك آحاد وهو عرضة للطعن في الناقلين، وإن صح وتواتر ففهم مراد المتكلم منه موقوف على انتفاء عشرة أشياء لا سبيل إلى العلم بانتفائها عند الناظرين والباحثين.

فلا إله إلا الله والله أكبر، كم هدمت بهذه المعاول من معاقل الإيمان، وثلمت بها حصون حقائق السنة والقرآن، وكم أطلقت في نصوص الوحي من لسان كل جاهل أخرق، ومنافق أرعن، وطرقت لأعداء الدين الطريق، وفتحت الباب لكل مبتدع وزنديق.

ومن نظر في التأويلات المخالفة لحقائق النصوص؛ رأى من ذلك ما يُضْحِك عجباً، ويُبْكِي حزناً، ويثير حمية للنصوص وغضباً". اهـ (1)

هؤلاء القوم هم الذين أفسدوا على الناس أهم مطلوب لهم في معرفة خالقهم، والتعرف على بارئهم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، وأوقعوهم في متاهة الاحتمال والجدال، والمقاييس الفاسدة.

(1) الصواعق (1/ 296 - 299).

ص: 32

لهذا أوردنا في الموقف منهم أفراداً وجماعات أقوال أئمة السلف المبطلة لمذاهبهم، والمفندة لآرائهم، وما فيه تقريع لهم، وتقرير لمذهب السلف في هذا الباب. والله الموفق.

ثم أتبعتها بـ: "مواقف السلف من الخوارج"

هذه النابتة المارقة التي خرجت على الأمة بالسيف، فكفرت وقتلت ونهبت، وفعلت بالمسلمين ما يعجز القلم عن تسطيره، واللسان عن اللفظ به.

وقد حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من أحاديثه التي استقصينا صحيحها في الحديث عنهم وكشف حالهم وبيان بطلان مذهبهم في كتابنا: "أهل الأهواء والبدع والفتن والاختلاف".

وقد أوردنا ضمن المواقف من الخوارج نقولاً عن كثير من السلف، وفي مقدمهم الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين وبقية العلماء المعتبرين، الذين قاموا في وجوههم، وقاوموهم وجاهدوهم بالسيف واللسان، وأبطلوا مذهبهم بالحجة والبرهان، نصحاً للمسلمين، وتذكرة للغافلين وتنبيهاً لهم عن الانغماس في مسلك هؤلاء المارقين.

ثم أتبعتها بـ: "مواقف السلف من المرجئة"

والمرجئة عكس الخوارج ونقيضهم في كل شيء، أولئك كفروا الناس

ص: 33

بالكبائر، وهؤلاء جرؤوهم على الموبقات بله الصغائر، وأقعدوهم عن الفرائض والواجبات، ولم يبق لنصوص الوعيد عندهم حرمة، ولا للأحكام مكرمة.

وقد أبطل السلف مذهبهم، وقاموا على أهله بالنكير، وصاحوا على دعاته بالتحذير والتنفير والتشهير، حمية لدين الله من التضييع والتمييع الذي انتحلوه وأشربوه، وبثوه بين المسلمين.

ثم ختمت بـ: "مواقف السلف من القدرية"

هذه الفرقة المتقدمة الظهور التي أفسدت على الأمة عقيدتها، فأحيت مذاهب الباطل من الأعذار الإبليسية اللعينة، وعقائد المجوس والمشركين، المذمومة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وخطرهم على الأمة عظيم حيث منعت طائفة منهم تدخل قدرة الله ومشيئته في أفعال العباد، وأخرى جردت العبد من إرادته ومشيئته وجعلته مجبراً على أفعاله.

لهذا قام العلماء بالرد عليهم ودحض شبههم، والتحذير والتبرأ منهم، وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من صدع بذلك وأعلنه، ثم تواردت أقوال السلف ممن بعدهم في ذمهم، وإبطال معتقدهم.

تنبيه: ومما ينبغي أن نلفت له نظر القارئ اللبيب الذي يعرف واقعه؛ أن هذه الفرق كلها موجودة علماً وعملاً، لها أتباع استهواهم مذهبها، وسلبهم

ص: 34

منهجها، وآخرون غُرِّرَ بهم فركبوا فلكها، وخاضوا بحرها، ورفعوا جهلاً أشرعتها.

فكم من المعالم الشركية المنتشرة اليوم بين المسلمين، والمنظمات التنصيرية والتهويدية الساعية بينهم؟! وكم من الصحفيين العلمانين والكتاب المتجهمين، والمنابر الصوفية، والمؤسسات الرافضية، والجماعات التكفيرية الخارجية العاملة في ساحتهم؟!

أما القدر فقد زلت فيه أقدام فئام من البشر، وأما الإرجاء فكاد أن يعم البلاد والعباد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فهذه الفرق كلها لا تزال شاخصة في الوجود، وأفكارها ومبادئها ماثلة في كتب التفسير وشروح الحديث والعقيدة، وفي كتب الفرق، حتى في الصحف والجرائد، ودعاتها على الشاشات والقنوات، وفي المدارس والكليات، والمنتديات والندوات.

ومما يدل على ذلك: تصدي العلماء السلفيين خلال هذا القرن والذي سبقه لهذه الفرق كلها، وردهم على دعاتها بأعيانهم وأسمائهم. وكما قيل:

وليس يصح في الأذهان شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل

* وقد قسمت الكتاب -في هذه الطبعة- إلى عشرة مجلدات؛ حرصت على تناسبها بأن صدرت كل واحد منها بإمام عرف بمواقفه وجهاده ودعوته للسنة

ص: 35

والكتاب، حتى يكون قائداً وقدوة لمن جاء بعده، وقدوة الجميع إمام المتقين وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم.

فالمجلد الأول: مستهل بحمزة بن عبد المطلب المتوفى سنة (3 هـ).

والثاني بـ: عمر بن عبد العزيز المتوفى سنة (101 هـ).

والثالث بـ: مالك بن أنس المتوفى سنة (179 هـ).

والرابع بـ: أحمد بن حنبل المتوفى سنة (241 هـ).

والخامس بـ: محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة (310 هـ).

والسادس بـ: محمد بن إسحاق بن مَنْدَه المتوفى سنة (395 هـ).

والسابع بـ: أبي محمد الحسين بن مسعود البَغَوِي توفي سنة (516 هـ).

والثامن بـ: شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى سنة (728 هـ).

والتاسع بـ: محمد بن عبد الوهاب المتوفى سنة (1206 هـ).

والعاشر بـ: محمد الأمين الشنقيطي المتوفى سنة (1393 هـ).

وقد لاحظت في اختيار هؤلاء الأعلام نصرة الدين بالقول والعمل.

فأما حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه فأول من انتصر لابن أخيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، لما أساء له الخبيث أبو جهل، فضرب حمزة رضي الله عنه بقوسه فشجه بها شجة منكرة، فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه. فكفوا عن بعض ما كانوا يتناولون منه. وقد كتب الله

ص: 36

له الشهادة في أحد، ونال شرف "سيد الشهداء"(1) بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك.

وأما عمر بن عبد العزيز رحمه الله فهو الإمام الحبر الذي جمع بين العلم والعمل، والولاية العامة، ورغم قصر مدة ولايته رضي الله عنه فقد سار في الأمة بسير جده لأمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد كان هذا الإمام السيف البتار على كل مبتدع يرفع رأسه في زمانه، ومن حسناته العظيمة أمره محمد بن شهاب الزهري بجمع السنة النبوية حفظاً لها من الضياع والتضييع.

وأما الإمام مالك إمام دار الهجرة رحمه الله، فمن أوائل من وضع لبنة التأليف لإحياء السنة النبوية، وكتابه الموطأ هو أقدم وثيقة بين يدي المسلمين في جمع السنة.

ومن تتبع سيرة هذا الإمام ومواقفه العقدية -التي أثبتها في مؤلف خاص وفي هذه الموسوعة- يجده بحق من أعظم ناصري التوحيد والسنة، ومن المجددين المعتبرين في هذه الأمة، وفهمه الذي يظهر في كل النصوص التي يعلق عليها في كتابه الثمين الموطأ زيادة على فتاواه وأجوبته العظيمة في الكتاب المسمى بالمدونة.

وأما الإمام أحمد رحمه الله فهو إمام أهل السنة في زمانه، إذا ذكر إمام

(1) أخرجه الحاكم (2/ 119 - 120) و (3/ 195) والطبراني في الأوسط (1/ 501 - 502/ 922) والخطيب في تاريخه (6/ 377) من طرق عن جابر رضي الله عنه. وقد صححه الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة (374).

ص: 37

السنة فلا ينصرف هذا الوصف في عصره وبعده إلا له، كان أمة لوحده، ناهض التجهم ورجالاته، ولاقى بسبب ذلك محناً شديدة، ثبت فيها وثبت الناس بثباته على اعتقاد أهل السنة والجماعة الذي سعت الجهمية لمحوه، فجدد للأمة أمر دينها، فجازاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً، ورحمه الله وإخوانه السلفيين الذين ساروا على منواله.

وأما الإمام محمد بن جرير الطبري رحمه الله، فهو إمام المفسرين بلا منازع، وكل قائل في كتاب الله من بعده عالة عليه، جمع فيه الفنون كلها، الحديث والفقه والقراءات واللغة والمعرفة بالتاريخ. ودفاعه عن عقيدة السلف ونصرته لها، أمر لا نظير له ولا مثيل.

وأما الإمام محمد بن منده رحمه الله فدفاعه عن السنة بأقواله وأفعاله أمر بارز لا خفاء فيه، وكتابه الإيمان معلمة في بابه، وكذا كتاب التوحيد فهو أكبر من ذلك وأجل، ذكر فيه من آي الكتاب والأحاديث المسندة -وعامتها في الصحيحين أو أحدهما-، الدالة على صحيح المعتقد في الربوبية الدالة على أفعاله سبحانه، وفي الأسماء والصفات.

وأما الإمام البغوي رحمه الله فهو المفسر والمحدث، وكتابه شرح السنة مفخرة كبرى من مفاخر أهل السنة، نشر به السنة، وذب فيه عن المعتقد أحسن ذب، وكتابه التفسير فيه مميزات كثيرة يمتاز بها وإن كان له فيهما هنات في

ص: 38

التأويل، وقد بينتها في كتابي "المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات"، مع حمله للواء السنة ودفاعه عنها.

وأما الإمام ابن تيمية رحمه الله فشيخ الإسلام الذي لا ينصرف هذا الإطلاق إلا إليه، الإمام المجدد المدرسة التي ارتوى منها كبار المحدثين والأئمة في زمانه ومن بعده.

فما من كتاب من كتبه إلا وهو في إحياء السنة والذب عن السلفية، ولو اجتمعت الآن المراكز العلمية لم تستطع أن تنتج مثل منهاج السنة، فكيف ببقية إرثه العظيم الذي أتحف الأمة به؟! وكل أعلام الأمة من بعده عالة عليه، وامتداد لمدرسته رحمه الله.

وأما محمد بن عبد الوهاب شيخ الإسلام المجدد للسنة باعتقادها الصحيح السليم بحق، بعد حقبة مظلمة اندرست فيها معالم السنة وطغت فيها البدعة والمبتدعة، وسيأتي الحديث عنها قريباً.

وهو مدرسة قائمة على نشر السنة وصحيح المعتقد، ودعوته اليوم بحمد الله تعالى وسعت العالم بأسره، فرحمة الله على هذا الإمام وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيراً.

وأما الشيخ محمد الأمين الشنقيطي فعلامة المغرب الإسلامي، وإمام المفسرين الذي أهدى للأمة "أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن" هذا

ص: 39

التفسير غير المسبوق إليه، زينه بالمباحث العقدية النافعة، ونفذ من خلاله سالا سيفه البتار على كل مبتدع وضال، فرحمه الله رحمة واسعة.

هذا؛ وكل إمام من هؤلاء الأئمة ذكرت معهم أمثالهم ومن على منوالهم في هذه الموسوعة المباركة ويتفاوتون في ذلك بحسب ما منّ الله به عليهم، والله نسأل أن يرحمنا وإياهم، وأن يختم لنا بالحسنى. آمين.

* ورتبت ذلك على سنة الوفاة؛ لأنها أضبط في الترتيب، ومن لم أقف له على سنة وفاة أثبته ضمن طبقته إن كان من المتقدمين، أو ألحقته بمن عاش في عصره أو قريب منه.

وقد اجتهدت قدر الإمكان في الوقوف على الأعلام في كل الأقطار والأمصار، وأعلم علم اليقين أنه قد فاتني العدد الكثير؛ لأن الإحاطة بكل السلفيين أمر مستحيل في حقي وفي حق غيري؛ فإن هذا ليس إلا لللطيف الخبير، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.

وحسبي أنني قد ذكرت أنموذجاً لمن شاء أن يقتدي أو يأتسي، وكل واحد من هؤلاء الأعلام يحتاج إلى بسط كبير، وذلك يؤدي إلى مجلدات كثيرة

ص: 40