الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأذيالهم. من القرن الثالث إلى الخامس. ثم خمد وهجها إلى أن نفخ الخميني في رمادها وأضرم نارها واشتد لهيبها أوائل هذا القرن، ولا تزال تلفح وجوه أهل السنة بأرض فارس والعراق.
وأما القدرية: فأول موقف مأثور عن السلف في رد بدعتهم هو موقف عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما المسطور في حديث جبريل في صحيح مسلم. وقد بردت نارهم مع أواسط القرن الثاني.
وأما المرجئة فأرخ ظهورهم بفتنة ابن الأشعث أواخر القرن الأول، واستقرار أمرها بالكوفة أدى لانحصارها في الأحناف غالباً.
وأما الجهمية وأهل الكلام فلم يمكّن لهم إلا أواخر القرن الثاني الذي استطار أمرهم ومكن لهم.
وأما الصوفية فأُثر ذمهم في القرن الثالث الهجري وامتد أمرهم إلى اليوم حيث تظافرت أقوال الأئمة في الرد عليهم وكشف مخالفاتهم.
3 - وحدة مواقف السلف من الفرق المخالفة عبر التاريخ:
إن الناظر المتمعن والقارئ المتفهم فيما ذكرناه في هذه المسيرة المباركة الطيبة من أئمة وأعلام على اختلاف أزمنتهم، وتنوع أقطارهم، وتباين مذاهبهم الفقهية، يجد أن كلمتهم واحدة، ومواقفهم متطابقة من هذه الفرق
المخالفة للسنة، وكأن القوم اجتمعوا في صعيد واحد، وأصدروا بياناً واحداً، على لسان رجل واحد، يقررون فيه وجوب الأخذ بالكتاب والسنة، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأحكام والعقائد، تأسياً بالصحب الكرام الذي حازوا رضا الرب سبحانه بكمال التسليم لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو المظفر السمعاني: "ومما يدل على أن أهل الحديث هم على الحق أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم، قديمهم وحديثهم مع اختلاف بلدانهم وزمانهم وتباعد ما بينهم في الديار، وسكون كل واحد منهم قطراً من الأقطار؛ وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة ونمط واحد، يجرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها ولا يميلون فيها، قولهم في ذلك واحد وفعلهم واحد لا ترى بينهم اختلافاً ولا تفرقاً في شيء ما وإن قل، بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم، وجدته كأنه جاء من قلب واحد، وجرى على لسان واحد، وهل على الحق دليل أبين من هذا؟ قال الله تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} (1)، وقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
(1) النساء الآية (82).
فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (1).
وأما إذا نظرت إلى أهل الأهواء والبدع رأيتهم متفرقين مختلفين وشيعاً وأحزاباً، لا تكاد تجد اثنين منهم على طريقة واحدة في الاعتقاد، يبدع بعضهم بعضاً، بل يترقون إلى التكفير، يكفر الابن أباه، والرجل أخاه، والجار جاره.
تراهم أبداً في تنازع وتباغض واختلاف، تنقضي أعمارهم ولما تتفق كلماتهم، {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)} (2).
أو ما سمعت أن المعتزلة مع اجتماعهم في هذا اللقب يكفر البغداديون منهم البصريين، والبصريون منهم البغداديين، ويكفر أصحاب أبي علي الجبائي ابنه أبا هاشم، وأصحاب أبي هاشم يكفرون أباه أبا علي.
وكذلك سائر رؤوسهم وأرباب المقالات منهم، إذا تدبرت أقوالهم رأيتهم متفرقين يكفر بعضهم بعضاً، ويتبرأ بعضهم من بعض. وكذلك الخوارج والروافض فيما بينهم وسائر المبتدعة بمثابتهم، وهل على الباطل دليل أظهر من هذا؟ قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ} (3).
(1) آل عمران الآية (103).
(2)
الحشر الآية (14).
(3)
الأنعام الآية (159).