الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صح عنه قائلون، وأن كل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم.
فأين أدعياء اتباع الأئمة أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله حيث يلزمون الناس ويوجبون عليهم الاقتداء بهم، ويمنعون الخروج عن مذاهبهم، ثم هم سوغوا لأنفسهم الخروج عن هؤلاء الأئمة في المعتقد والسلوك، فاعتنقوا خلاف معتقد أئمتهم الذي هو معتقد السلف الأخيار، وتفرقت سبلهم، وتنوعت مشاربهم بين جهمي جلد، أو ماتريدي وأشعري متردد، متذبذب بين اعتقاد السلف والاعتزال لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، واصطفوا لأنفسهم -دون أئمتهم- سلوك الجنيد وحلول ابن عربي. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
8 - رد زعم القائل أن السلفية بالمغرب حادثة مع الشيخ تقي الدين الهلالي:
هذه الدعوى المغرضة في عرضها، توغر صدر السلطان نحو الدعوة السلفية ودعاتها وأبنائها، بهذا البلد الحبيب؛ لأن الحقائق التاريخية، والآثار الخطية التي دونت بمداد العز والشرف مواقف لملوك وعلماء سلفيين ببلدنا الكريم، وأقوالهم وكتبهم تشهد ببطلان وزيف هذا الزعم المدعى، والكذب البراق المفترى.
لقد ظل أهل المغرب على اعتقاد السلف منذ دخولهم في الإسلام إلى أن
حُرِّف اعتقادهم تحت وطأة التهديد والقتل من ابن تومرت الذي فرض الأشعرية بلبوس الرفض في ادعاء المهدوية، وقد نص على هذا غير واحد من المؤرخين وعلماء المغرب المعتبرين:
قال الشيخ عبد الحفيظ الفاسي: "ذكر أهل التاريخ أن أهل المغرب كانوا في الأصول والمعتقدات بعد أن طهرهم الله تعالى من نزغة الخارجية أولاً والرافضية ثانياً على مذهب أهل السنة، مقلدين للصحابة ومن اقتفى أثرهم من السلف الصالح وأهل القرون الثلاثة الفاضلة، في الإيمان بالمتشابه وعدم التعرض له بالتأويل، مع اعتقاد التنزيه، كما جرى عليه الإمام ابن أبي زيد القيرواني في عقيدته، واستمر الحال على ذلك إلى أن ظهر محمد بن تومرت الملقب نفسه بالإمام المعصوم أو مهدي الموحدين، وذلك في صدر المائة السادسة، فرحل إلى المشرق، وأخذ عن علمائه مذهب المتأخرين من أصحاب الإمام أبي الحسن الأشعري من الجزم بعقيدة السلف مع تأويل المتشابه من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وتخريجه على ما عرف في كلام العرب من فنون مجازاتها وضروب بلاغتها، ومزج ذلك بما كان ينتحله من عقائد الخوارج والشيعة والفلاسفة، حسبما يُعلم ذلك أولاً بمعرفة كتب الإمام أبي الحسن الأشعري كالإبانة في أصول الديانة وغيرها التي ينصر فيها مذهب السلف، وبمعرفة كتب الجهابذة من أتباعه الذين اقتدوا به في ذلك كإمام الحرمين، وثانياً
بإمعان النظر في أقوال وأفعال وأحوال ابن تومرت وخلفائه من بعده، ثم عاد ابن تومرت إلى المغرب بهذه العقيدة المختلطة المدلسة الفاسدة، وألف فيها التآليف العديدة هو وأتباعه، ودعا الناس إلى سلوكها، وجزم بتضليل من خالفها، بل وتكفيره. وسمى أصحابه بالموحدين تعريضاً بأن من خالف عقيدته ليس بموحد؛ بل مجسم مشرك، وجعل ذلك ذريعة إلى الانتزاء على مُلك المغرب حسبما هو معلوم، فقاتل على عقيدته، واستباح هو وخلفاؤه لأجلها دماء مئات الآلاف من الناس وأموالهم حتى تمكنت من عقول الناس بالسيف، ونبذوا ما كان عليه سلفهم الأول، وأقبلوا كافة على تعاطي هذا المذهب، وقام العلماء بتقريره وتحريره درساً وتأليفاً، والناس على دين ملوكهم". (1)
وقال الشيخ عبد الرحمن النتيفي المغربي عن فتنة العبيدين وبدعتهم: "ثم انجلت ظلمتها واستضاء المسلمون بنور السنة ومذهب السلف، حتى ظهر فيهم في أوائل القرن السادس محمد بن تومرت المهدي، تلميذ أبي حامد الغزالي، فملأ أرضهم بمعارضة العقل للوحي، واشتهر مذهب شيخه الغزالي في هذه البقاع، وسمى من خالفه من علماء المغرب وملوكهم وجمهورهم مجسمة، وقاتلهم على ذلك، وسمى أتباعه الموحدين، وفي ذلك يقول الحفيد ابن رشد: ولما ظهر أبو حامد طم الوادي على القرى، ثم لم يزل أهل المغرب في
(1) الآيات البينات (ص. 24 - 25).
دولة الموحدين وبني مرين بعدهم وغيرهم آخذين بمذهبه. وآخذ بمذهب السلف وهم القليل، حتى كانت دولة سيدي محمد بن عبد الله العلوي، فعانق مذهب السلف هو وخواصه، وأظهره للجمهور، وهكذا ابنه أبو الربيع المولى سليمان كما تقدم.
وأما أهل المشرق فبعث الله عليهم في خلال هذه الدعوة عبادًا له أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار، وهم التتار، ثم تيمور، ثم نيضت نابغة أيضاً تدعوا إلى معارضة النقل بالعقل، فقيض الله لهم شيخ الإسلام الحراني وأصحابه، فكانوا يناضلون بسيف الحجة عن مذهب أهل السنة، ثم اختلط الأمر بعد ذلك ومرج، فمن آخذ بمذهب هؤلاء، ومن آخذ بمذهب هؤلاء.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله"(1)." اهـ (2)
وهذا الذي قرره الشيخ النتيفي رحمه الله وغيره من العلماء ثابت موثق بمصادره والقائلين به خلافاً للدعوى العرية التي نحن بصدد إبطالها. ونقدم للقراء الكرام مثالاً واحداً من ملوك المغرب وهو السلطان محمد بن عبد الله العلوي المتوفى (1204 هـ) وكان مالكي المذهب، حنبلي الاعتقاد، مقتفياً نهج
(1) أخرجه: أحمد (4/ 244) والبخاري (13/ 542/7459) ومسلم (3/ 1523/1921) من حديث المغيرة بن شعبة. وفي الباب عن غيره من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
(2)
نظر الأكياس (96 - 70) مخطوط يعمل على تحقيقة بعض طلبتنا.
السلف أصحاب الحديث:
جاء في الفكر السامي: "إنه أول من أدخل المسانيد الأربعة للمغرب من الحرم الشريف يعني ما عدا الموطأ، وافتتحه -أي كتاب "الفتوحات الإلهية في أحاديث خير البرية"- بعقيدة رسالة ابن أبي زيد
…
وقد كان سلفي العقيدة على مذهب الحنابلة كما صرح بذلك في تآليفه
…
ومن مآثره أنه كان يحض على قراءة كتب المتقدمين وينهى عن المختصرات، ويرى الرجوع للكتاب والسنة؛ ولو عملوا برأيه لارتقى علم الدين إلى أوج الكمال. (1)
وفي الاستقصا: "وكان السلطان سيدي محمد بن عبد الله رحمه الله ينهى عن قراءة كتب التوحيد المؤسسة على القواعد الكلامية المحررة على مذهب الأشعرية رضي الله عنهم، وكان يحض الناس على مذهب السلف من الاكتفاء بالاعتقاد المأخوذ من ظاهر الكتاب والسنة بلا تأويل، وكان يقول عن نفسه حسبما صرح به في آخر كتابه الموضوع في الأحاديث المخرجة من الأئمة الأربعة: إنه مالكي مذهباً حنبلي اعتقاداً، يعني أنه لا يرى الخوض في علم الكلام على طريقة المتأخرين، وله في ذلك أخبار". (2)
- وفيه: "ومن عجيب سيرته رحمه الله أنه كان يرى اشتغال طلبة العلم
(1)(2/ 293 - 294).
(2)
(8/ 68).
بقراءة المختصرات في فن الفقه وغيره وإعراضهم عن الأمهات المبسوطة الواضحة تضييع للأعمار في غير طائل، وكان ينهى عن ذلك غاية. ولا يترك من يقرأ مختصر خليل ومختصر ابن عرفة وأمثالهما. ويبالغ في التشنيع على من اشتغل بشيء من ذلك، حتى كاد الناس يتركون قراءة مختصر خليل، وإنما كان يحض على كتاب الرسالة والتهذيب وأمثالهما، حتى وضع في ذلك كتاباً مبسوطاً أعانه عليه أبو عبد الله الغربي وأبو عبد الله المير وغيرهما من أهل مجلسه.
ولما أفضى الأمر إلى السلطان العادل المولى سليمان رحمه الله صار يحض الناس على التمسك بالمختصر، ويبذل على حفظه وتعاطيه الأموال الطائلة، والكل مأجور على نيته وقصده. (1)
قال صاحب الاستقصا: "إنا نقول: الرأي ما رأى السلطان سيدي محمد رحمه الله، وقد نص جماعة من أكابر الأعلام النقاد مثل الإمام الحافظ أبي بكر ابن العربي، والشيخ النظار أبي إسحاق الشاطبي، والعلامة الواعية أبي زيد عبد الرحمن بن خلدون وغيرهم، أن سبب نضوب ماء العلم في الإسلام ونقصان ملكة أهله فيه إكباب الناس على تعاطي المختصرات الصعبة الفهم، وإعراضهم عن كتب الأقدمين المبسوطة المعاني، الواضحة الأدلة، التي تحصل لمطالعها الملكة في أقرب
(1)(8/ 67).
مدة، ولعمري لا يعلم هذا يقيناً إلا من جربه وذاقه. اهـ (1)
وجاء في "النبوغ المغربي" لعبد الله كنون: "أصدر مرسوماً ملكياً سنة ثلاث ومائتين وألف للهجرة في إصلاح المنهج التعليمي بالمغرب، وألزم العلماء والوعاظ به، وتوعد بالعقوبة كل من خالفه، ومما قال فيه: "ومن أراد علم الكلام فعقيدة ابن أبي زيد رضي الله عنه كافية شافية يستغني بها جميع المسلمين". ثم قال: "ومن أراد أن يخوض في علم الكلام والمنطق وعلوم الفلاسفة وكتب غلاة الصوفية وكتب القصص؛ فليتعاط ذلك في داره مع أصحابه الذين لا يدرون بأنهم لا يدرون، ومن تعاطى ما ذكرنا في المساجد ونالته عقوبة فلا يلومن إلا نفسه، وهؤلاء الطلبة الذين يتعاطون العلوم التي نهينا عن قراءتها، ما مرادهم بتعاطيها إلا الظهور والرياء والسمعة، وأن يُضلوا طلبة البادية؛ فإنهم يأتون من بلدهم بنية خالصة في التفقه في الدين وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحين يسمعونهم يدرسون هذه العلوم التي نهينا عنها؛ يظنون أنهم يحصلون على فائدة بها، فيتركون مجالس التفقه في الدين واستماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإصلاح ألسنتهم بالعربية، فيكون ذلك سبباً في ضلالهم". (2)
فمن أعلام السلفية بالمغرب قبل الشيخ تقي الدين الهلالي أو من عاصره:
(1) الاستقصا (8/ 67).
(2)
ص (277).
- السلطان سليمان بن محمد بن عبد الله العلوي، أبو الربيع (1238 هـ).
- عبد الله بن إدريس بن محمد بن أحمد السنوسي، أبو سالم (1350 هـ).
- عبد السلام السرغيني (1354 هـ).
- السلطان عبد الحفيظ بن الحسن العلوي أبو المواهب (1356 هـ).
- أبو شعيب الدكّاليّ (1356 هـ) وكان وزيراً للعدل.
- عبد الحفيظ بن محمد الطاهر بن عبد الكبير الفاسي الفهري (1383 هـ).
- ابن المؤقت محمد بن محمد بن عبد الله المؤقت المراكشي (1368 هـ).
- محمد بن العربي العلوي (1384 هـ) وكان وزيراً للعدل أيضاً.
- عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم النتيفي (1385 هـ).
- محمد بن اليمني الناصري (1391 هـ).
- محمد الجزولي (1393 هـ).
- صهيب بن محمد الزمزمي بن الصديق الغماري (بعد 1397 هـ).
- محمد بن محمد بن العربي كنوني المذكوري (1398 هـ) وكان رحمه الله عضواً بارزاً في الأمانة العامّة لرابطة علماء المغرب.
- أحمد الخريصي (بعد 1403 هـ).
- عبد الله كنون رئيس رابطة علماء المغرب وأمينها العام. (1409 هـ).
- أحمد بن محمد بن عمر ابن تاويت التطواني (1414 هـ).
وهؤلاء ممن تيسر الوقوف على مواقفهم التي ضمناها موسوعتنا هذه وعامتها في المجلدين التاسع والعاشر.
وختاماً: هذا ما تيسر بسطه في هذه المقدمة للتعريف بهذه الموسوعة المباركة، التي سنعمل إن شاء الله تعالى على وضع تتمات وزوائد ومستدركات عليه، إن كتب الله في العمر فسحة.
والله أسأل أن ينفع بها، وأن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه، وأن يجزي أبوي وأم سهل رفيقة العمر -والتي كانت خير سند لنا في المسيرة الدعوية والعلمية- وأبناءنا وتلامذتنا خيراً؛ فإن لهم اليد البيضاء في هذا البحث وفي غيره من الأعمال الدعوية والعلمية ونشر الكتاب والسنة، جعلهم الله خير خلف لخير سلف، وجعل منهم العلماء والدعاة والمجاهدين في الله حق جهاده، ومن نسلهم ودعوتهم إنه سميع مجيب.
كما لا ننسى الشكر والدعاء لكل من له يد خير في التوجيه والنصح للجمعية التي نقوم عليها، وخدمتها بعلمه أو عمله، أو ماله أو قلمه. فنسأله سبحانه أن يجزل لهم المثوبة ويعظم لهم الأجر.
وكتب محمد بن عبد الرحمن المغراوي
مراكش