الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما هي حالات إخلاف الوعد
؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نعلم أن إخلاف الوعد من صفات المنافقين، لكن إذا لم يتمكن المسلم من الوفاء بوعده لسبب خارج عن إرادته، فهل يعتبر فعل أمراً محرماً واتصف من صفات المنافقين، أو يكون معذوراً..]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا شك أن الوفاء بالوعد والعهد من صفات المؤمنين، وأن إخلافهما من صفات المنافقين، كما جاء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أربع مَن كنَّ فيه كان منافقاً، ومن كانت فيه خصلة من أربعة: كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلفَ، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر – رواه البخاري (2327) ومسلم (58) -.
والمؤمن الذي يواعد الناس ويخلف وعده إما أن يكون معذوراً أو لا يكون كذلك، فإن كان معذوراً فلا إثم عليه، وإن لم يكن معذوراً: كان آثماً.
ولم يأتِ نصٌّ – فيما نعلم – يجمع ما استثني من تحريم إخلاف الوفاء بالوعد والعهد، لكن يمكن أن يكون إخلاف الوعد أو العهد في حالات يُعذر فيها المؤمن، منها:
أ. النسيان.
وقد عفا الله تعالى عن النسيان في ترك واجب أو فعل محرَّم، كما قال الله تعالى:{ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} قال الله تعالى: " نعم " – رواه مسلم (125) من حديث أبي هريرة -، وفي رواية:" قد فعلت " – رواه مسلم (126) من حديث ابن عباس -.
فمن واعد شخصاً ثم نسي الوعد أو نسي وقته: فلا حرج عليه.
ب. الإكراه على إخلاف الوعد.
والإكراه: أحد الموانع التي تجيز للمسلم التخلف عن الموعد، كمن حُبس أو مُنع من الوفاء بالوعد أو هُدّد بعقوبة تؤلمه.
فعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ".
رواه ابن ماجه (2045) ، وللحديث شواهد كثيرة، وقد صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع "(1836) .
ج. الوعد على فعل محرَّم أو ترك واجب.
فمن وعد شخصاً على أن يفعل له محرماً، أو يترك واجباً فإنه لا يجوز الوفاء به.
ويمكن الاستدلال بحديث عائشة – ويُسمَّى حديث بريرة – وهو في الصحيحين - وقد وعدت عائشة – رضي الله عنها – أهل بريرة على أن يكون ولاء بريرة لهم على حسب طلبهم مع أن عائشة – رضي الله عنها – هي التي ستعتقها، ولم تفِ بهذا الوعد؛ لأنهم خالفوا الشرع وهم يعلمون أن " الولاء لمن أعتق "، فكيف تعتقها عائشة ويكون ولاء بريرة لهم؟ .
قال الشافعي:
…
فلما بلغهم هذا: كان مَن اشترط خلاف ما قضى الله ورسوله عاصياً، وكانت في المعاصي حدود وآداب، وكان من آداب العاصين: أن تعطل عليهم شروطهم لينكلوا عن مثلها، وينكل بها غيرهم، وكان هذا من أحسن الأدب.
" اختلاف الحديث "(ص 165) .
د. حصول طارئ مع صاحب الموعد من مرض أو وفاة قريب أو تعطل وسيلة النقل
…
الخ.
وهي أعذار كثيرة، تدخل في قوله تعالى {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
ما معنى قولهم: سيئة هذا الرجل تغوص في بحر حسناته؟
[السُّؤَالُ]
ـ[ما معنى هذه العبارة: (سيئة هذا الرجل تغوص في بحر حسناته) ؟ وهل هي عبارة إرجاء، وادعاء لعلم الغيب أن حسنات هذا الرجل قد قبلت؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
تطلق هذه العبارة وما في معناها على رجل صالح أو عالم زل في مسألة، أو وقع منه ما لم يحمد عليه، أو كانت له هفوة حفظت عنه، فيراد بهذه العبارة الدفاع عنه، وعدم النيل منه للهفوة أو الزلة؛ لأنه معروف بالستر والصلاح، أو بالعلم، ومحامده المحفوظة أكثر بكثير من مذامه أو أخطائه.
فإنه قد يأتي من يتتبع زلات العلماء، ويتنقصهم بها، فيقال له: إن سيئة هذا العالم مغمورة في بحر حسناته.
وهذا كما قال الذهبي رحمه الله في ترجمة شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" وقد انفرد بفتاوى نيل من عرضه لأجلها، وهي مغمورة في بحر علمه، فالله تعالى يسامحه ويرضى عنه، فما رأيت مثله، وكل أحد من الأمة فيؤخذ من قوله ويترك فكان ماذا؟ " انتهى.
"تذكرة الحفاظ"(4/192) .
كما قال عكس ذلك في ترجمة الحجاج الثقفي:
"وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله" انتهى.
"سير أعلام النبلاء"(4/ 343) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
"الحسنات لما غلبت السيئات ضعف تأثير المغلوب المرجوح، وصار الحكم للغالب دونه لاستهلاكه في جنبه كما يستهلك يسير النجاسة في الماء الكثير، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث" انتهى.
"طريق الهجرتين"(ص 563) .
وقال أيضا:
"المصائب لا تستقل بمغفرة الذنوب، ولا تغفر الذنوب جميعها إلا بالتوبة أو بحسنات تتضاءل وتتلاشى فيها الذنوب، فهي كالبحر لا يتغير بالجيف" انتهى.
"مدارج السالكين"(1/312) .
وقال أيضا:
"من قواعد الشرع والحكمة أيضا: أن من كثرت حسناته وعظمت وكان له في الإسلام تأثير ظاهر فإنه يحتمل له مالا يحتمل لغيره، ويعفى عنه ما لا يعفى عن غيره؛ فإن المعصية خبث، والماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث، بخلاف الماء القليل فإنه يحمل أدنى خبث، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر:(وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم) وهذا هو المانع له صلى الله عليه وسلم من قتل من حس عليه وعلى المسلمين [يعني: تجسس، ونقل أخباره إلى الأعداء] وارتكب مثل ذلك الذنب العظيم، فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه شهد بدرا، فدل على أن مقتضى عقوبته قائم، لكن منع من ترتب أثره عليه ما له من المشهد العظيم، فوقعت تلك السقطة العظيمة مغتفرة في جنب ما له من الحسنات.
وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في فطرهم: أن من له ألوف من الحسنات فإنه يسامح بالسيئة والسيئتين ونحوها
…
كما قيل:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع
وقال آخر:
فإن يكن الفعل الذي ساء واحدا فأفعاله اللاتي سررن كثير" انتهى.
"مفتاح دار السعادة"(1/176-177) .
وليست هذه العبارة وأمثالها من الإرجاء في شيء؛ فإن أصل بدعة الإرجاء في قولهم: إن الإيمان تصديق بالقلب فقط، وبعضهم يزيد على ذلك الإقرار باللسان، ولا يشترط له العمل الصالح، ولا تضره المعصية مهما كانت.
كما أن هذه العبارة وأشباهها ليست من ادعاء الغيب؛ فإن الناس يشهدون على الرجل بصلاحه أو فساده بما يظهر لهم من فعله، وليس هذا من ادعاء علم الغيب، إنما الغيب فيما له عند الله، وهل قبلت عماله أو ردت عليه؟ وهل هو من أهل الجنة أو من أهل النار؟ ونحو ذلك.
والمقصود من هذه العبارة أن حسنات الرجل الظاهرة كثيرة، تستهلك فيها هفوته أو هفواته اليسيرة، كما تستهلك النجاسة اليسيرة في الماء الكثير، وليس معناها أن حسناته قد قبلت منه؛ فإن هذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب