الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما هي " اللمم "؟ وما حكم تكرر وقوعها من المسلم العاصي
؟
[السُّؤَالُ]
ـ[قال الله تعالى: (الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم) .
عرفت أن اللمم هو صغائر الذنوب، مثل النظرة والقبلة واللمسة، وهذه الذنوب يغفرها الله ما اجتنبت الكبائر.
وسؤالي هو: هل معنى ذلك أنه لا يعاقَب العبد على فعل هذه الذنوب حتى في الدنيا إذا تاب منها ثم رجع لها مرة أخرى وهكذا يتوب ويرجع لا يجد العبد أي عقاب من الله على فعل هذه الذنوب؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
سبق في جواب السؤال (22422) بيان اختلاف العلماء في معنى اللمم في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) النجم/32، وأن جمهور العلماء على أن (اللمم) هو صغائر الذنوب.
وليس معنى ذلك أن يتساهل الإنسان في ارتكاب الصغائر، بل الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، فتخرج بذلك عن كونها من اللمم.
قال النووي رحمه لله "في شرح مسلم":
قَالَ الْعُلَمَاء رحمهم الله: وَالإِصْرَار عَلَى الصَّغِيرَة يَجْعَلهَا كَبِيرَة. وَرُوِيَ عَنْ عُمَر وَابْن عَبَّاس وَغَيْرهمَا رضي الله عنهم: لا كَبِيرَة مَعَ اِسْتِغْفَارٍ، وَلا صَغِيرَة مَعَ إِصْرَار.
مَعْنَاهُ: أَنَّ الْكَبِيرَة تُمْحَى بِالاسْتِغْفَارِ ، وَالصَّغِيرَة تَصِير كَبِيرَة بِالإِصْرَارِ اهـ.
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى"(15/293) :
" فَإِنَّ الزِّنَا مِنْ الْكَبَائِرِ، وَأَمَّا النَّظَرُ وَالْمُبَاشَرَةُ فَاللَّمَمُ مِنْهَا مَغْفُورٌ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى النَّظَرِ أَوْ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ صَارَ كَبِيرَةً، وَقَدْ يَكُونُ الإِصْرَارُ عَلَى ذَلِكَ أَعْظَمَ مِنْ قَلِيلِ الْفَوَاحِشِ، فَإِنَّ دَوَامَ النَّظَرِ بِالشَّهْوَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنْ الْعِشْقِ وَالْمُعَاشَرَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ قَدْ يَكُونُ أَعْظَمَ بِكَثِيرِ مِنْ فَسَادِ زِنَا لا إصْرَارَ عَلَيْهِ ; وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ فِي الشَّاهِدِ الْعَدْلِ: أَنْ لا يَأْتِيَ كَبِيرَةً وَلا يُصِرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ. . . بَلْ قَدْ يَنْتَهِي النَّظَرُ وَالْمُبَاشَرَةُ بِالرَّجُلِ إلَى الشِّرْكِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه ِ) البقرة/165. . . وَالْعَاشِقُ الْمُتَيَّمُ يَصِيرُ عَبْدًا لِمَعْشُوقِهِ مُنْقَادًا لَهُ أَسِيرَ الْقَلْبِ لَهُ اهـ باختصار.
وقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من التهاون في صغائر الذنوب، فقال:
(إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْه) . رواه أحمد (22302) من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه. وقال الحافظ: إسناده حسن اهـ.
(وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ) هي الصغائر.
وروى أحمد (3803) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلا: كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلاةٍ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا، فَأَجَّجُوا نَارًا، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا) . حسنه الألباني في صحيح الجامع (2687) .
وروى ابن ماجه (4243) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يَا عَائِشَةُ، إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الأَعْمَالِ، فَإِنَّ لَهَا مِنْ اللَّهِ طَالِبًا) . صححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
قال الغزالي:
تواتر الصغائر عظيم التأثير في سواد القلب، وهو كتواتر قطرات الماء على الحجر، فإنه يحدث فيه حفرة لا محالة، مع لين الماء وصلابة الحجر اهـ.
ولقد أحسن من قال:
لا تحقرنَّ صغيرةً إنَّ الجبالَ من الحصى.
ثانياً:
إذا تاب العبد من ذنوبه، فإنها تغفر له، ولا يعاقب عليها، لا في الدنيا ولا في الآخرة. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:(التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ) رواه ابن ماجه (4250) . قال الحافظ: سنده حسن. وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
قال النووي:
أَجْمَع الْعُلَمَاء رضي الله عنهم عَلَى قَبُول التَّوْبَة مَا لَمْ يُغَرْغِر ، كَمَا جَاَ فِي الْحَدِيث. وَلِلتَّوْبَةِ ثَلاثَة أَرْكَان: أَنْ يُقْلِع عَنْ الْمَعْصِيَة، وَيَنْدَم عَلَى فِعْلهَا، وَيَعْزِم أَنْ لا يَعُود إِلَيْهَا.
فَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ لَمْ تَبْطُل تَوْبَته، وَإِنْ تَابَ مِنْ ذَنْب وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِآخَر صَحَّتْ تَوْبَته. هَذَا مَذْهَب أَهْل الْحَقّ اهـ.
وقال أيضاً:
لَوْ تَكَرَّرَ الذَّنْب مِائَة مَرَّة أَوْ أَلْف مَرَّة أَوْ أَكْثَر ، وَتَابَ فِي كُلّ مَرَّة ، قُبِلَتْ تَوْبَته ، وَسَقَطَتْ ذُنُوبه ، وَلَوْ تَابَ عَنْ الْجَمِيع تَوْبَة وَاحِدَة بَعْد جَمِيعهَا صَحَّتْ تَوْبَته اهـ.
وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عز وجل قَالَ: أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تبارك وتعالى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ، اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ.
وفي رواية: (قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ) .
قال النووي رحمه الله:
قَوْله عز وجل لِلَّذِي تَكَرَّرَ ذَنْبه: (اِعْمَلْ مَا شِئْت فَقَدْ غَفَرْت لَك) مَعْنَاهُ: مَا دُمْت تُذْنِب ثُمَّ تَتُوب غَفَرْت لَك اهـ.
وعلى كل حال: فرحمة الله واسعة وفضله عظيم، ومن تاب: تاب الله عليه، ولا ينبغي للمسلم أن يتجرأ على المعصية فقد لا يوفق للتوبة، وما ذُكر في الحديث فهو لبيان سعة رحمة الله تعالى وعظيم فضله على عباده لا ليتجرأ الناس على ارتكاب المعاصي.
وانظر – للفائدة – جواب السؤال رقم: (9231) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب