الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمهيد
إن الصراع بين الحق والباطل، قائم منذ الأزل، وما ذاك إلا أنه سنة من سنن الله عز وجل ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
ولقد تكالب أعداء الإسلام على الدين الحق من كل حدب وصوب، بقيادة اليهود والنصارى حيث لم يعلموا وسيلة إلا استخدموها، ولا طريقة إلا سلكوها، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}
(1)
.
وكانت من وسائلهم للنيل من هذا الدين؛ الحروب الصليبية، والتنصير، ثم الاستشراق.
وهو - أي الاستشراق- من أخطر الوسائل، وذلك لزعمهم أنه فكر نير ملتزم بالموضوعية، والأمانة العلمية في البحث، والدراسات الإسلامية.
وقد اهتم المستشرقون بالمعتزلة اهتماماً بالغاً، ظهر في تمجيدهم لرجال هذه الفرقة، ونشر مؤلفاتهم، والمبالغة في الثناء عليهم وعلى أفكارهم، وبيان أنهم أكثر المنتسبين إلى الإسلام فهماً للإسلام.
كما وصفهم المستشرق (شتيز) بأنهم المفكّرون الأحرار في الإسلام، وألّف كتاباً بهذا الاسم.
وكتب المستشرق (هاملتون جب) عدداً من الكتب منها؛ وجهة الإسلام (إلى أين يتجه الإسلام) و (الاتجاهات الحديثة في الإسلام) مجَّد فيه مسلك المعتزلة ومن تأثر بهم في هذا العصر، ودعا إلى إسقاط مذهب أهل السنة، وقبول مفهوم التطور.
وقامت المستشرقة (سوسنه ديفلد) بتحقيق كتاب (طبقات المعتزلة) لأحمد بن يحيى المرتضى، صدَّرته بمقدمة أشادت فيها بالمعتزلة وأنها خدمت دين الإسلام خدمة عظيمة من خلال مجادلتها للثنوية وردها لمقالاتهم. وذكرت بأنها - أي المعتزلة - وطَّأت لأهل السنة الطريق لإثبات عقيدتهم.
كما أثاروا في نفوس الباحثين أن تاريخ المعتزلة وعقائدهم وثروتهم العلمية قد ذهبت، فأصبح الاعتماد على نقول خصومهم عنهم؛ مما يحتم ضرورة إنشاء بعثة علمية لأخذ الصورة الحقيقية من مخلفاتهم الخطية المبعثرة في بلاد اليمن وغيرها والقيام بنشرها. وقد كانت هذه دعوة المستشرق (الفرد جيوم) أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة لندن، حيث قال:"إن ما انتهى إلينا من كتابات رجال الاعتزال قليل جداً إلى حد أننا مضطرون إلى أن نعتمد على ما يقوله مخالفوهم عنهم، وقد كانوا يحملون لهم ذكريات مريرة لما قام به المعتزلة من أعمال تعسفية لذلك، فإن أملنا لكبير، إذا كنت مكتبات الشيعة في اليمن أو في غير اليمن تحوي مخطوطات من أصل معتزلي أن نقوم بنشرها. هذا وإن أولئك الذين يرغبون في الوقوف على نتاج العقل العربي في عصور الخلافة الذهبية، يحسنون صنعاً إذا أقدموا على درس هذه الرسالة اللمّاعة في تأريخ حركة عظيمة في حركات الفكر العربي"
(2)
.
(1)
الأنعام: 112.
(2)
من مقدمة كتاب المعتزلة، تأليف زهدي حسن جار الله، قدّم له آلفرد جيوم.
وكان من منهج المستشرقين في دراستهم للمعتزلة أنهم عندما تعرضوا لدراسة الإسلام بشكل عام، لم يدرسوه بموضوعية ونزاهة، بل درسوه وقد ترسخ في أذهانهم فكرة أساسية وهي لابد من هدم الإسلام والقضاء عليه
(1)
.
ونقل الدكتور (موريس بوكاي) عن المستشرق (هانونو) قوله: وأفضل الطرق لتثبيت ولاية المستعمر الأوربي على البلاد الإسلامية، هو تشويه الدين الإسلام وتصوره في نفوس معتقديه، بإبراز الخلافات المذهبية .. مع شرح مبادئ الإسلام شرحاً يشوّهها وينحرف بها عن قيمها الأصلية
(2)
.
فكان تركيزهم في البحث عن المسائل الخلافية الشائكة التي أثارتها تلك الفرق، وأثرت على تفكير المسلمين وأشغلتهم، فيبرزون تلك المسائل ويظهرونها على أنها هي الحق والصواب، من غير أن يتبعوا منهجاً علمياً يقوم على البحث والتمحيص، واتباع الدليل والبرهان في الوصول للنتيجة.
فقد تبنوا فكرة أن العقل هو مصدر المعارف الدينية، والمعيار الذي توزن به الحقيقة الدينية
(3)
، ونسبوا ذلك للدين الإسلامي، موافقة للمعتزلة دون نظر للردود عليهم، أو حتى مناقشة تلك الردود أو على الأقل عرضها بنفس الطريقة التي أبرزوا بها الطريقة العقلانية التي سار عليها المعتزلة.
ومن منهجهم تبني الأفكار الخطيرة وكأنها من المسلمات، ويناقشونها من باب إثبات أصلها وأن المسلمين قد استفادوها من ذلك الأصل ونسبوها لأنفسهم.
ومن منهجهم التلميع والثناء المبالغ فيه لأعلام المعتزلة، ووصفهم بأنهم حماة الدين، ومفكروه، والذَّابون عنه، فمن ذلك قولهم عن أبي الهذيل العلاف: إنه المدافع عن الإسلام ضد الأديان الأخرى، وضد التيارات الفكرية للعصر السابق، وأنه قد اشتهر بحسن الجدل والمناظرة
(4)
، ووصف الجاحظ بأنه خبير بالنفوس.
ومن منهجهم أنهم يعتمدون الكذب أو التدليس والتشكيك، في أمور يُقطع بثبوتها؛ حيث نجد أنهم عند وقوفهم على معضلة وكبيرة من كبائر الفرق - لا يستطيعون عنها محيداً- فليس أمامهم إلا إثباتها وبالتالي ظهور عوار هذه الفرقة الضالة، أو إنكارها وهو ما لا يستطيعونه أمام البحث العلمي نجد أنهم يبادرون القول بأن هذه الأقوال مكذوبة عليهم، أو أن المذهب قد اعتراه بعض الدس والحشو، والتقوُّل عليه، أو الزعم بأنه لم تصل كل مصنفات ذلك العالم حتى يمكن فهم مقصده تماماً، وبيان حجته التي قال على ضوئها ذلك القول.
ومن منهجهم تعمد الإساءة للإسلام، وعدم قدرتهم على إثبات دعواهم، بل تهربهم من ذلك، وكأن قولهم حجة لا تحتاج إلى دليل، فهذا المستشرق (جولد زيهر) عندما زعم بأن القرآن الكريم إنما استمد موضوعاته من العهد القديم
(5)
، لم يستطع أن يقدم دليلاً واحداً على ذلك، بل اكتفى برمي الشبهة أو الفرية فقط.
?
(1)
انظر: احذروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام، سعد الدين السيد صالح:93.
(2)
انظر: الله أو الدمار، لطفي جمعة: 65، احذروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام:93.
(3)
انظر: مذاهب التفسير، جولد زيهر:159.
(4)
انظر: دائرة المعارف الإسلامية 2/ 421، 30/ 9388.
(5)
انظر: العقيدة والشريعة: 14 - 15.