الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: العقل
موقف المعتزلة من العقل:
العقل عند المعتزلة هو تلك الحاسة اللطيفة الجوهر التي تميز الإنسان من الحيوان، وهو: عبارة عن جملة من العلوم المخصوصة - يقصد بها العلوم الضرورية - متى حصلت في المكلف صح منه النظر والاستدلال والقيام بما كلف به، ولابد من اجتماع هذه العلوم حتى يسمى عقلاً أما إذا تفرقت عن بعضها فهي ليست كذلك
(1)
.
لذا فقد أقبل المعتزلة على فلسفة اليونان يستلهمونها، وأعلام اليونان يترسمون خطاهم وينسجون على منوالهم، وعلى كتب اليونان يتفهمونها ويعضمونها
(2)
، فسلكوا المنهج العقلي، بل عولوا على العقل أكثر مما عولوا على القرآن والسنة
(3)
.
بل جعلوا الأدلة العقلية مقدمة على الأدلة الشرعية فكذبوا ما لا يوافق العقل من الحديث وإن صح
(4)
، وأولوا ما لا يوافقه من الآيات وإن صحت
(5)
.
وقالوا بسلطة العقل وقدرته على معرفة الحسن والقبيح ولو لم يرد بهما شرع، والحسن والقبح صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح
(6)
.
موقف المستشرق من العقل:
ينظر المستشرق (هاملتون جب) للعقل على أنه أساس التطور لعلم الكلام السني - حسب زعمه-، وسبب اعتدال ميزان الخيال الحدسي وانضباطه بالفهم العقلي للكون بالشكل الذي أدى إلى تصالح الإسلام مع المنهج العلمي والأساليب العلمية في التفكير، مما صبغ الفكر في شؤون الدين بصبغة عقلية
(7)
، ويرى المستشرقان (لويس غاردية) و (جورج قنواتي) بأن العقل ما زال مقياس العلم الديني ومحكه
(8)
، ويؤكد (جولد زيهر) بأنه مبدأ أساس من مبادئ مذهب الاعتزال الديني، من حيث كونه مصدر المعارف الدينية والمعيار الذي توزن به الحقيقة الدينية، وقد أدخلته المعتزلة أول الأمر للنظر الديني الإسلامي، ومن ثم اضطر لمراعاته أهل التوفيق من الأشاعرة
(9)
.
?
(1)
انظر: نظرية التكليف، د. عبدالكريم عثمان:74.
(2)
انظر: الفكر الإسلامي بين الأمس واليوم: 121 - 122.
(3)
انظر: تاريخ الفلسفة في الإسلام (دي بوار): 105، النزعة العقلية في تفكير المعتزلة، د. علي خشيم: 50، منهج المدرسة العقلية الحديثة في التفسير:53.
(4)
انظر: التفسير والمفسرون 1/ 372.
(5)
المرجع السابق 1/ 373.
(6)
انظر: الملل والنحل 1/ 42.
(7)
انظر: دراسات في حضارة الإسلام (هاملتون جب): 269.
(8)
انظر: فلسفة الفكر الديني 3/ 189.
(9)
انظر: مذاهب التفسير الإسلامي: 159.
ويرى أيضا، بأن المعتزلة قد انقادوا في أنظارهم إلى مجرد العقل، حتى أنهم جعلوا الأنبياء أنفسهم يقيمون الحجة على صدق رسالتهم الإلهية، بأنهم أرسلوا من الله للنظر في أدلة العقل والاستدلال
(1)
.
وأثنى عليهم فقال: إن للمعتزلة فضلاً غير منقوص، حيث كانوا من الأوائل الذين وسعوا معين المعرفة الدينية، بأن أدخلوا فيها عنصراً آخر وهو العقل
(2)
.
وقال: إن أشرف انتفاع يستفيده المعتزلة من اشتراطهم فيما يتصل بتفسير الكتاب مطابقة العقل في الحقائق الدينية: هو محاربتهم للتصورات الخرافية المناقضة للطبيعة التي رسخت قدمها في الدين
(3)
.
ويذهب المستشرق (لويس غاردية) إلى أنه مع الاختلافات العقائدية الطفيفة - والتي لها وجاهتها في بعض الأحيان، حسب نظرتهم - فقد فُرقت المعتزلة، إلا أنهم قد كانوا جميعاً ينهلون من ذات معين الإلهام الواحد وهو (احترام العقل) في مجال الدفاع عن العقائد الدينية، والاهتمام بتنزيه الذات الإلهية عن كل صور التعددية والتجسيد والرغبة في التأكيد على الكمال المطلق للذات الإلهية
(4)
، حيث يذهبون مذهباً ديناً أراد أن ينفي عن الصورة التي حملها المؤمن في قرارة نفسه للألوهية، وحقيقتها وتدبيرها كل ما يتجافى عن العقل ويتنزل على نحو لا يليق إلى دائرة الماديات وكذلك كل اختيار يتنافى مع مقتضيات الحكمة والعدل
(5)
، مما جعلهم يعتمدون على العقل مرجعاً وحيداً، ويتأولون آيات القرآن الكريم بما يتفق مع منهجهم العقلي الذي قام على الأسس التالية:
1 -
القرآن مخلوق.
2 -
الإنسان حر الإرادة والفعل، والشر من صنعه وحده
(6)
.
وفيما يتعلق بأمور الآخرة فإن بعضها تُفلت من التعليلات العقلية، ولكن المعتزلة حاولوا جهد المستطاع أن يجعلوها عقلية
(7)
.
?
(1)
المرجع السابق: 159.
(2)
المرجع السابق: 102، 159.
(3)
المرجع السابق: 160.
(4)
انظر: دائرة المعارف الإسلامية 24/ 7374.
(5)
انظر: مذاهب التفسير الإسلامي: 121.
(6)
انظر: الإسلام كبديل (هوفمان): 49.
(7)
انظر: فلسفة الفكر الديني 3/ 90.