الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقف المستشرقين من مفهوم العدل عند المعتزلة:
الحرية الإنسانية وخلق الأفعال:
يذهب المستشرقان (جولد زيهر) و (نيبرج) إلى القول بأن المعتزلة قد قاموا بعمل تنقية للدين الإسلامي، موجهة إلى مسألتين هما العدل والتوحيد. وقد كانت المسائل الخاصة بالعدل هي الأولى، وهي تتصل مباشرة بنظريات القدر، وأن الإنسان له حرية غير محدودة في اختيار جميع أفعاله، وأنه وحده خالق هذه الأفعال، وإلا كان الله غير عادل يجعل العبد مسؤولاً عما يفعل وهو مجبر غير حر فيما يفعل
(1)
.
ويعرف المستشرق (لويس غاردية) العدل بأنه: هو أن الله يؤتي أفعاله عن قصد، والأشياء بطبيعتها تتضمن الخير والشر، لكن الله لا يشاء إلا الخير، وهو قد تكفل بإيتاء الأصلح، من ثم فهو لا يشاء الشر ولا يأمر به، أما الإنسان فهو مالك تصرفاته بما أودعه فيه الله من قدرة ومسؤولية عما يفعل، والله تكفل بمثوبته أو عقابه بناء على ذلك
(2)
.
وذهب المستشرق (هنري كوربان) إلى القول بأن العدل عند المعتزلة يتعرض للمسؤولية وحرية الاختيار عند الإنسان، وأن مبدأ العدل الإلهي يوجب القول بحرية الإنسان ومسؤوليته عن أفعاله، أوبعبارة أخرى أن حرية الإنسان ومسؤوليته تنجمان عن مبدأ العدل الإلهي نفسه، وإلا فإن فكرة العقاب والثواب في الآخرة تصبح مجردة من كل معنى، إضافة إلى انعدام الثقة بالعدل الإلهي
(3)
.
ويقول (هنري كوربان) إن المعتزلة على الرغم من تأكيدهم على حرية الإنسان فإنهم ينادون بأن ذلك لا ينجم عما لديهم من فكرة عن العدل الإلهي فحسب بل هو يتفق تمام الاتفاق مع ما جاء في القرآن الكريم نفسه، حيث أكد القرآن الكريم حرفياً بأن كل نفس مسؤولة عما تأتيه من أفعال {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}
(4)
.
?
(1)
انظر: العقيدة والشريعة: 104، مقدمة المستشرق (نيبرج) لتحقيق كتاب الانتصار للخياط: 53، 54، 58.
(2)
انظر: دائرة المعارف الإسلامية 24/ 7275.
(3)
انظر: تاريخ الفلسفة الإسلامية: 188 - 189.
(4)
فصلت: 46.
ويتضح في موقف المستشرقين من مبدأ العدل عند المعتزلة أنهم يذهبون إلى القول بالحرية الإنسانية، وأن الإنسان له حرية مطلقة في اختيار جميع أفعاله، وأنه هو وحده خالق أفعاله، والمسؤول عنها، لأن مبدأ العدل الإلهي يوجب القول بحرية الإنسان ومسؤوليته عن أفعاله وإلا تجردت فكرة الثواب والعقاب من كل معنى، وأصبح الخالق سبحانه وتعالى غير عادل، لأنه قدرته محدودة ومقيدة بالتنزه عن الشر، إضافة لارتباطه تعالى بنفس القواعد التي يرتبط بها الناس، فما دل عليه العقل بأنه شرك كان كذلك بالنسبة للخالق.
والخلاصة من أقوالهم هي القول بأن الله لا يخلق الشر، ولا يعاقب إلا الفاعل، والفعل لا يصدر إلا من فاعله، وعليه فإن العدل على الله واجب، ولتحقيق ذلك لابد من القول بأن الإنسان يخلق فعل نفسه، لأن الله لا يصدر عنه الشر، وأن معنى الثواب والعقاب لا يتحقق إلا بالقول بأن الإنسان يخلق فعل نفسه، وأنه ليس هناك تنافي بين علم الله سبحانه وتعالى وبين الحرية الإنسانية لأن متعلق علم الله هو الكائن وليس بالفعل، كما هو الحال بالنسبة للإرادة والأمر.