الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: التوحيد
يرتكز الاعتزال على أصول خمسة هي - بحسب أهميتها في الترتيب-: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبـ"التوحيد": يتحدد موقف المعتزلة من الله والعالم، وبـ"العدل": يتحدد موقفهم من الإنسان وحريته، ويمثل التوحيد والعدل الركنين الأساسين اللذين تتفرع عنهما بقية الأصول، إذ ينطوي "الوعد والوعيد"، على موقف المعتزلة من مصير الإنسان في الأخرة، ويتحدد في "المنزلة بين المنزلتين"، موقف المعتزلة من الإنسان العاصي في الدنيا، في حين يحدد "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" موقفهم من القضية السياسية والتعامل مع الأئمة وولاة الأمور
(1)
.
وقد أجمعت فرق المعتزلة على أن هذه الأصول الخمسة، وعدَّت من خالفهم فيها ليس منهم، ومن وافقهم فهو منهم، وأكدت بأنه لا يستحق أحد اسم الاعتزال حتى يجمع القول بهذه الأصول الخمسة
(2)
التي تدو حول عقائدهم وقضاياهم.
التوحيد عند المعتزلة:
يعتبر التوحيد الأصل الأول من أصول المعتزلة الخمسة، ويقصدون به نفي صفات الله تعالى وأفعاله من خلال استدلالهم العقلي على وجود الله سبحانه وتعالى، وأداهم ذلك إلى إثبات خلق القرآن، وإلى عدم رؤية المؤمنين لله سبحانه يوم القيامة، وإلى نفي استواء الله على عرشه من فوق سماواته كما أخبر في كتابه الكريم
(3)
.
موقف المستشرقين من التوحيد عند المعتزلة:
يرى المستشرق (مكدونالد) بأن علم التوحيد والصفات مرادف لعلم الكلام وأنه أساس عقائد الإسلام، وقد أخرج منه المعتزلة الصفات، وجعلوا الأساس هو التوحيد فقط
(4)
فصدَّروا مذهبهم بالقول بالتوحيد
(5)
.
?
(1)
انظر: الخطاب النقدي عند المعتزلة: 2.
(2)
انظر: الانتصار: 126، الفصل في الملل والأهواء والنحل 2/ 89.
(3)
انظر: المعتزلة بين القديم والحديث: 48.
(4)
انظر: دائرة المعارف الإسلامية 8/ 2388.
(5)
انظر: تاريخ الفلسفة في الإسلام: 100.
وجاء في دائرة المعارف أن رأي المعتزلة في مسألة التوحيد يقوم على الاستمساك بآيات التنزيه وتأويل الآيات المتشابهة تأويلاً يتفق والتنزيه والتوحيد الذين جاء بهما الإسلام
(1)
، وخير ما يمثل شرح المعتزلة للتوحيد هو ما حكاه عنهم الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين
(2)
وأن سبب مغالات المعتزلة في فهم تنزيه الله عن سمات المخلوقين حذراً من تعدد القديم
(3)
.
وهم في تقريرهم للتوحيد عند المعتزلة يعتمدون على ما ذكره الأشعري في مقالاته عن المعتزلة حيث قال: "أجمعت المعتزلة على أن الله واحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وليس بجسم، ولا شبح، ولا جثة، ولا صورة، ولا لحم، ولا دم، ولا شخص ولا جوهر، ولا عرض، ولا بذي لون ولا طعم ولا رائحة ولا مجسّة، ولا بذي حرارة ولا رطوبة ولا يبوسة، ولا طول ولا عرض ولا عمق، ولا اجتماع ولا افتراق .. إلى آخر ما ذكره عنهم
(4)
. وجميع ذلك صفات سلبية يرون أنه بها يسلم للمعتزلة أصلهم الأول الذي هو التوحيد
(5)
، وهذا خلاف منهج السلف الصالح في إثبات الصفات لله سبحانه وتعالى على الوجه اللائق به سبحانه.
وفي هذا يوافق المستشرقون المعتزلة تماماً على منهجهم في طريقة إثبات الصفات، ويرون أن من خلاله يسلم لهم التوحيد.
وقد أغفل المستشرقون قول الأشعري في نهاية كلامه عن المعتزلة، حيث قال: وإن كانوا للجملة التي يظهرونها ناقضين ولها تاركين
(6)
، وفي هذا خلل منهجي، فقد أشعروا القارئ بأن أبا الحسن الأشعري يوافق المعتزلة رأيهم في التوحيد، وأنه خير من شرح التوحيد عند المعتزلة، بينما ختم قوله بأن المعتزلة لم يقيدوا بما أظهروه من جمل عن حقيقة التوحيد عندهم.
ويرى المستشرق (هنري كوريان) أن التوحيد عند المعتزلة: هو المبدأ الأساسي في الإسلام، وأنه ليس من عنديات المعتزلة ولا من استنباطاتهم، ولكنهم تميزوا به دون غيرهم بالتفسيرات التي أعطوها بشأنه وبما طبقوه من هذه التفسيرات على ميادين أخرى من ميادين الإلهيات
(7)
.
وبهذا يكون موقف المستشرقين من التوحيد عند المعتزلة هو نفس موقف المعتزلة تماماً.
(1)
انظر: موجز دائرة المعارف الإسلامية 8/ 2399.
(2)
المرجع السابق 8/ 2399.
(3)
المرجع السابق 8/ 2399.
(4)
انظر: مقالات الإسلاميين 1/ 235 - 236، دائرة المعارف الإسلامية 8/ 2399.
(5)
انظر: دائرة المعارف الإسلامية 8/ 2399.
(6)
انظر: مقالات الإسلاميين 1/ 236.
(7)
انظر: تاريخ الفلسفة الإسلامية: 187.