المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شهر إنزال القرآن الكريم: - نزول القرآن الكريم والعناية به في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

[محمد بن عبد الرحمن الشايع]

الفصل: ‌شهر إنزال القرآن الكريم:

‌شهر إنزال القرآن الكريم:

اختلف في شهر إنزال القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم على أقوال:

الأول: أنه شهر رجب، في السابع عشر منه. وهو قول غير مشهور لكنه مذكور.1

الثاني: أنه في شهر ربيع الأول. قيل في أوله، والمشهور في ثامنه سنة إحدى وأربعين من عام الفيل. وقد جعله ابن القيم قول الأكثرين.2

وقيل في الثاني عشر من ربيع الأول يوم الاثنين كما روي عن جابر وابن عباس أنهما قالا: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، وفيه بعث، وفيه عرج به إلى السماء، وفيه هاجر، وفيه مات.3

وعن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين في ربيع الأول، وأنزلت عليه النبوة يوم الإثنين في أول شهر بيع الأول وأنزلت عليه البقرة في ربيع الأول.4

الثالث: أنه في شهر رمضان، قال الواحدي: وأول شهر أنزل فيه القرآن شهر رمضان،5 قال الله تعالى:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (البقرة: 185) .

1 انظر: فتح الباري - كتاب التعبير (12/357) . وزاد المعاد لابن القيم (1/18) . والزيادة والإحسان لابن عقيلة المكي (1/250) .

2 انظر المصادر السابقة.

3 انظر السيرة النبوية لابن كثير (1/199)، و (1/392) . وقال: رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن عفان عن سعيد بن ميناء عنهما.

4 ذكره ابن كثير في السيرة النبوية (1/200) بسنده وقال عنه: وهذا غريب جداً، رواه ابن عساكر.

5 أسباب النزول للواحدي (14) .

ص: 47

وجعله ابن كثير: المشهور. فقال: والمشهور أنه بعث عليه الصلاة والسلام في شهر رمضان كما نص على ذلك عبيد بن عمير، ومحمد بن إسحاق وغيرهما.1

قال ابن القيم: وإليه ذهب جماعة منهم يحيى الصرصري حيث يقول في نونيته:

وأتت عليه أربعون فأشرقت

شمس النبوة منه في رمضان2

وقال ابن إسحاق: ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنزيل في رمضان - ثم استدل له فقال- قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (البقرة: 185) وقال سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر: 1) وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} 3.

واختلف في أي الأوقات من رمضان: فقيل في سابعه،4 وقيل في الرابع عشر.5 وقيل في السابع عشر منه. فقد أخرج ابن سعد عن الواقدي عن أبي جعفر الباقر، قال نزل الملك على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء يوم الإثنين لسبع عشرة خلت من شهر رمضان. ورسول الله يوميئذ ابن أربعين سنة. وجبريل الذي كان ينزل عليه بالوحي.6

1 انظر السيرة النبوية (1/392) .

2 زاد المعاد (1/18) .

3 سورة الدخان/3. انظر: مختصر السيرة لابن هشام (39) والسيرة النبوية للذهبي (75) .

4 انظر فتح الباري (12/356) .

5 المصدر السابق.

6 أخرجه ابن سعد في الطبقات بسنده (1/194) . وانظر: السيرة النبوية لابن كثير (1/392) والزيادة والإحسان في علوم القرآن لابن عقيلة المكي (1/250-251) . وانظر: تاريخ التشريع للخضري (6،7) . فقد ذكر هذا التاريخ لكن جعله يوم الجمعة. وراجع (ص47) .

ص: 48

وقيل في الرابع والعشرين من رمضان، قال أبو عبد الله الحليمي:"يريد ليلة خمس وعشرين"1 وقال ابن كثير: "ولهذا ذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن ليلة القدر ليلة أربع وعشرين"2 واستدل لهذا بحديث واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنزلت صحف إبراهيم عليه السلام في أول ليلة من رمضان وأنزلت التوراة لست مضت من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان".3

وجعله السخاوي في النزول المباشر على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال بعد أن ساقه بنحوه: "فهذا الإنزال يريد به صلى الله عليه وسلم أول نزول القرآن عليه- ثم قال: وقوله عز وجل: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} يشمل الإنزالين"4

1 المرشد الوجيز لأبي شامة (13) .

2 السيرة النبوية لابن كثير (1/392) .

3 أخرجه أحمد في المسند 4 (/107) وأبو عبيد في فضائل القرآن (368) وأخرجه ابن الضريس بسنده عن أبي الخلد (74) بزيادة في آخره. وابن جرير في تفسيره (2/145) . والواحدي في أسباب النزول (14) . والطبراني في المعجم الكبير (22/75) حديث (185) . غير أنه وقع في النسخة: "وأنزل القرآن لأربع عشرة" بدلاً من أربع وعشرين. فلعله خطأ. وذكره الألباني في الصحيح رقم (1575) وقال عنه: "هذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي القطان كلام يسير، وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعاً نحوه، وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (1،367) ، وقال عنه: خالفه عبيد الله بن أبي حميد وليس بالقوي فرواه عن أبي المليح عن جابر بن عبد الله من قوله. ورواه إبراهيم بن طهمان عن قتادة من قوله لم يجاوز به إلا أنه قال: لاثنتي عشرة "وكذلك وجده جرير بن حازم في كتاب أبي قلابة دون ذكر صحف إبراهيم. وانظر السيرة النبوية لابن كثير (1/393) . وتفسير الماوردي بتحقيق الباحث (2/569) والمرشد الوجيز (12) والزيادة والإحسان لابن عقيلة المكي (1/252) .

4 جمال القراء (1/22-) .

ص: 49

أما البيهقي فقد حمل حديث واثلة بن الأسقع على أن المراد به الإنزال جملة فقال: "قلت: وإنما أراد - والله أعلم - نزول الملك بالقرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا".1

ويشهد لهذا المعنى ما رواه ابن أبي شيبة عن أبي قلابة قال: "..أنزلت الكتب كاملة ليلة أربع وعشرين من رمضان.."2

وقد ذهب صفي الرحمن المباركفوري في كتابه الرحيق المختوم إلى تحديد دقيق، ورأي جديد وهو أن يوم نزول القرآن وشهره كان يوم الإثنين لإحدى وعشرين مضت من رمضان ليلاً. الموافق عشرة أغسطس سنة 610م، وكان عمره صلى الله عليه وسلم إذ ذاك أربعون سنة قمرية وستة أشهر و12 يوماً، وذلك نحو 39 سنة شمسية وثلاثة أشهر و22 يوماً. وهو قول لم يقل به أحد قبله وقد بناه على مايلي:

1 -

كونه يوم الإثنين بناء على ما صح من حديث أبي قتادة الأنصاري وفيه ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت أو أنزل عليّ فيه، وهو ما اتفق عليه أهل السير.

2 -

وكونه شهر رمضان عملاً بالآيات الثلاث في سور: البقرة، الدخان، والقدر. وكونه شهر الجوار والتحنث بحراء.

3 -

وكونه لإحدى وعشرين مضت من رمضان. بناء على أن حساب التقويم العلمي لذلك الشهر في تلك السنة لا يوافق يوم الإثنين إلا يوم السابع، والرابع عشر، والحادي والعشرين، والثامن والعشرين. ولأن ليلة القدر إنما تقع

1 الأسماء والصفات للبيهقي (1/367) ، والمرشد الوجيز (14) .

2 المرشد الوجيز (13) .

ص: 50

في الوتر من ليالي العشر من شهر رمضان، تعين كون ذلك يوم واحد وعشرين.1

وهذا جهد طيب ومنهج جيد في التحديد إلا أنه يرد عليه ما يلي:

1 -

أن كون ذلك يوم الإثنين لإحدى وعشرين مضت من شهر رمضان ليلاً. يجعل تلك الليلة هي ليلة الثلاثاء اثنتين وعشرين فلا تصير بذلك من ليالي الوتر التي تتحرى بها ليلة القدر.2

2 -

أن الاستدلال بالآيات الثلاث في سور: البقرة، والدخان، والقدر. على ابتداء النزول ليس صريحاً، وقد فسرت بأن المراد بها النزول جملة إلى السماء الدنيا. وهو ما يتفق مع الروايات الأخرى الواردة عن ابن عباس وغيره في ذلك.

3 -

أن حمله تلك الآيات على ابتداء النزول يعني أن ليلة القدر صارت معروفة على وجه اليقين لأن معرفة ابتداء نزول القرآن ميسور للصحابة رضي الله عنهم لو تعلق به أمر تعيين ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر. ومعلوم أنها قد أخفيت عينها. فاختلف في تحديدها. وإذا سلم هذا الإيراد كان دليلاً على نزول القرآن في غير شهر رمضان. وكان ترجيحاً للقول بنزوله في شهر ربيع الأول إلا أن تكون ليلة تسع وعشرين على ما ذكر من الحساب.

وقد رجح ابن حجر كون ابتداء النزول في رمضان فقال: "قلت: ورمضان هو الراجح لما تقدم من أنه الشهر الذي جاء فيه الرسول صلى الله

1 انظر: الرحيق المختوم (ص66) وحاشيته (2) .

2 يصدق تعليله على ما ذكره من موافقة يوم الإثنين لثمان وعشرين من رمضان حيث تكون ليلة تسع وعشرين. وهي من ليالي الوتر، ولكنه لم يذكره ولم يختره.

ص: 51

عليه وسلم حراء فجاءه الملك وعلى هذا يكون سنه حينئذٍ أربعين سنة وستة أشهر".1

كما رجح في موضع آخر أنه في آخر شهر رمضان ولم يحدده بتاريخ فقال: "فيستفاد من ذلك أن يكون آخر شهر رمضان، وهو قول آخر يضاف لما تقدم ولعله أرجحها".2 وجعل ابن حجر شهر رمضان زماناً لنزول القرآن جملة، ونزوله مفرقاً أيضاً، فقال عن حديث مدارسة جبريل عليه السلام للرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن "وفيه إشارة إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان لأن نزوله إلى السماء الدنيا جملة واحدة كان في رمضان كما ثبت من حديث ابن عباس.."3.

وذكر ابن عرفة في تفسيره مثل هذا التوجيه بعد أن ساق بعض الأقوال في معنى قوله تعالى: {أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} قال: "قال الضحاك: أنزل القرآن في فرضه وتعظيمه، والحض عليه. وقيل: الذي أنزل القرآن فيه. قال ابن عرفة: ولا يبعد أن يراد الأمران فيكون أنزل القرآن فيه تعظيماً له وتشريفاً. وقيل: أنزل فيه القرآن جملة إلى سماء الدنيا. قال ابن عرفة فالقرآن على هذا الاسم للكل، وعلى القول الثاني: بأنه أنزل فيه بعضه يكون القرآن اسم جنس يصدق على القليل والكثير"4.

وإلى مثل ذلك ذهب أبو شامة في تعليقه على ما نسب للشعبي من أن الله عز وجل ابتدأ إنزال القرآن في ليلة القدر فقال: "هو إشارة إلى ابتداء إنزال

1 فتح الباري، كتاب التعبير (12/356) .

2 فتح الباري كتاب التعبير (12/357) .

3 فتح الباري، كتاب بدء الوحي (1/31) .

4 تفسير ابن عرفة برواية تلميذه الأبي (2/539) .

ص: 52

القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم فإن ذلك كان وهو متحنث بحراء في شهر رمضان - ثم قال - وقد بينت ذلك في شرح حديث المبعث وغيره.1

وهذا وإن كان الأمر فيه كذلك إلا أن تفسير الآية به بعيد مع ما قد صح من الآثار عن ابن عباس: أنه نزل جملة إلى السماء الدنيا"2 ففرق أبو شامة بهذا بين جعل رمضان شهر نزول القرآن والاستدلال له بالآيات. وقال في موضع آخر مبيناً صلة شهر رمضان بالقرآن: "ويجوز أن يكون قوله: {أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} إشارة إلى كل ذلك، وهو كونه أنزل جملة إلى السماء الدنيا، وأول نزوله إلى الأرض، وعرضه وإحكامه في شهر رمضان. فقويت ملابسة شهر رمضان للقرآن: إنزالاً جملة وتفصيلاً وعرضاً وإحكاماً فلم يكن شيء من الأزمان تحقق له من الظرفية للقرآن ما تحقق لشهر رمضان فلمجموع هذه المعاني قيل: {أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} "3

1 كتاب للمؤلف سماه في كتابه الذيل على الروضتين: شرح الحديث المقتفى في مبعث النبي المصطفى. انظر المرشد الوجيز (20) حاشية (2) .

2 المرشد الوجيز لأبي شامة المقدسي (20) .

3 المصدر السابق (24) .

ص: 53