المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تنزلات القرآن الكريم: ‌ ‌القول الأول: أن للقرآن الكريم تنزلان نزول جملة من - نزول القرآن الكريم والعناية به في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

[محمد بن عبد الرحمن الشايع]

الفصل: ‌ ‌تنزلات القرآن الكريم: ‌ ‌القول الأول: أن للقرآن الكريم تنزلان نزول جملة من

‌تنزلات القرآن الكريم:

‌القول الأول:

أن للقرآن الكريم تنزلان نزول جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا في ليلة القدر المباركة من شهر رمضان الكريم، ونزول منجم على الرسول في نحو ثلاث وعشرين سنة حسب الوقائع والأحداث من بعثته إلى وفاته عليه الصلاة والسلام. 1

القائلون به:

قاله ابن عباس وجماعة وقال عنه الزركشي في البرهان: 2 إنه أشهر وأصح وإليه ذهب الأكثرون ووصفه ابن حجر بأنه: الصحيح المعتمد3 وقال ذلك عنه -أيضاً- القسطلاني في لطائف الإشارات. 4 وذكر السيوطي أن القرطبي حكى الإجماع على أنه نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا. 5

وحكاية الإجماع في ذلك لا تصح لوجود المخالف في ذلك وتعدد المذاهب فيه.6

1 انظر: البرهان للزركشي (1/228) ، والاتقان للسيوطي (1/146-) .

2 البرهان (1/228) .

3 فتح الباري (9/4) .

4 لطائف الإشارات للقسطلاني (22) .

5 الإتقان (1/148) ، ومناهل العرفان (1/39) ، تفسير القرطبي (2/297) .

6 وقد حكى ابن حجر عن شيخه البلقين معنى غريباً في نزول القرآن جملة لم يتابَع عليه وذلك عند بيان معنى قول جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم في بدء الوحي: اقرأ. فقيل: "أي القدر الذي أقرأه إياه وهي الآيات الأولى من {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ويحتمل أن يكون جملة القرآن، وعلى هذا يكون القرآن نزل جملة واحدة باعتبار ونزل منجماً باعتبار آخر. قال: وفي إحضاره له جملة واحدة إشارة إلى أن آخره يكمل باعتبار الجملة ثم تكمل باعتبار التفصيل) ، فتح الباري 12/357) .

ص: 13

أدلته:

1 -

قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر:1) وقوله سبحانه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} (الدخان: 3) وقوله جل وعلا: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (البقرة: 185) .

فقد دل ظاهر هذه الآيات الثلاث أن القرآن الكريم أنزل جملة في ليلة واحدة توصف بأنها مباركة من شهر رمضان. وهذا وصف مغاير لصفة نزول القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم حيث إنه من المعلوم المقطوع به أن القرآن نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم منجماً مفرقاً في نحو ثلاث وعشرين سنة حسب الوقائع والأحداث.

فتعين أن يكون هذا النزول الذي دل عليه ظاهر الآيات نزولاً آخر غير النزول المباشر على النبي صلى الله عليه وسلم. جاءت الأخبار الصحيحة بتبيين مكانه وتوصيف نزوله وأنه جملة إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وهذه الأخبار هي:

1-

قال أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي: حدثنا يزيد (يعني ابن هارون) عن داود بن أبي هند، عن عكرمة عن ابن عباس: قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة. وقرأ:{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} (الإسراء: 106)

1 أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (368) وانظر طبعة المغرب بتحقيق أحمد الخياطي (2/202) وأخرجه الحاكم في المستدرك (2/222) و (2/368) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (1/368) وشعب الإيمان (2/415) رقم 2249، والنسائي في التفسير (2/131) رقم 392 وقال المحقق صحيح. وأخرجه ابن جرير في تفسيره (15/178) و (30/258) . وانظر: فضائل القرآن للنسائي (59)، وابن الضريس (72) . والمرشد الوجيز (14-) وذكره ابن كثير في فضائل القرآن 6) عن أبي عبيد ثم قال: هذا إسناد صحيح.

ص: 14

قال أبو عبيد: ولا أدري كيف قرأ يزيد في حديثه "فرقناه" مشددة أم لا؟ إلا أنه لا ينبغي أن تكون على هذا التفسير إلا بالتشديد "فرَّقناه".1

2 -

عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أنزل القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر فكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئاً أوحاه أو أن يحدث منه شيئاً أحدثه.2

3 -

عن منصور بن المعتمر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى السماء الدنيا وكان بمواقع النجوم وكان الله ينزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه في إثر بعض قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} (الفرقان: 32)

1 قراءة الجمهور بالتخفيف، وقرأ بالتشديد أبي، وعبد الله بن مسعود وعلي وابن عباس، وأبو رجاء وغيرهم. انظر تفسير ابن جرير (15/178) ، والبحر المحيط (6/87) . ومعجم القراءات القرآنية (3/342) .

2 أخرجه النسائي في فضائل القرآن (59)، والبيهقي في الأسماء والصفات (1/368) . والحاكم في المستدرك (2/222) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي وأخرجه ابن الضريس بنحوه في فضائل القرآن (71-) .

3 أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (1/367) وفي شعب الإيمان (3/320) رقم (3659)، والحاكم في المستدرك (2/222) وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. وابن الضريس في فضائل القرآن 72) . وذكره أبو شامة في المرشد الوجيز (17) وذكر السيوطي – نحوه - في الدر المنثور وزاد نسبته لابن جرير وابن مردويه ومحمد بن نصر والطبراني وأخرجه النسائي في تفسيره (2/539) رقم (709) وقال المحقق: صحيح.

ص: 15

4 -

عن حسان بن حريث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا فجعل جبريل عليه السلام ينزله على النبي صلى الله عليه وسلم ويرتله ترتيلاً.1

5 -

وعن سعيد بن جبير قال: نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان فجعل في بيت العزة.2

6 -

وعن سعيد بن جبير قال: نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان فجعل في بيت العزة، ثم أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة جواب كلام الناس.3

7 -

عن الربيع بن أنس في قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} قال: أنزل الله القرآن جملة في ليلة القدر كله.4

1 أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (1/368) ، والطبراني في الكبير (12/26) رقم 12381، والحاكم في المستدرك (2/223) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وأخرجه النسائي في فضائل القرآن (59-60) وزاد في آخره: قال سفيان: خمس آيات، ونحوها. وانظر المرشد الوجيز لأبي شامة (20) . وذكره السيوطي في الدر المنثور بنحوه (1/457) وزاد نسبته للفريابي وابن جرير ومحمد بن نصر وابن مردويه والضياء المقدسي في المختارة. وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (7/157) وقال: رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف.

2 أخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن (72) .

3 أخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن (72) . وذكره السيوطي في الدر المنثور (1/457) ولم ينسبه لغير ابن الضريس.

4 أخرجه عبد بن حميد كما ذكر السيوطي في الدر المنثور (8/567) .

ص: 16

8 -

وعن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة، في ليلة واحدة، في ليلة القدر إلى السماء الدنيا حتى رفع في بيت العزة.1

9 -

عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سأله عطيه بن الأسود فقال: إنه وقع في قلبي الشك في قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} (البقرة: 185) وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر: 1) وقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} (الدخان:3) وقد أنزل في شوال، وذي القعدة، وذي الحجة، والمحرم، وشهر ربيع الأول؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه أنزل في رمضان، وفي ليلة القدر، وفي ليلة مباركة؛ جملة واحدة، ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلاً2 في الشهور والأيام.3

10 -

وعن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا جملة ثم أنزل نجوماً.4

1 أخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن (73) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور ونسبه للطبراني والبزار.

2 رسلاً: قطعة قطعة وفرقة فرقة. انظر: حاشية تفسير الطبري (3/446) .

3 أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (1/369-) وأخرجه الطبري في تفسيره بسنده (3/448) ولم يسم فيه السائل. وأخرجه الطبراني في الكبير (11/309) رقم (12095) والهيثمي في مجمع الزوائد (6/316) وقال عنه: وفيه سعد بن طريف وهو متروك.

وذكره السيوطي في الدر المنثور (1/456) وزاد نسبته لابن أبي حاتم، وابن مردويه، ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة.

4 أخرجه الطبراني في الكبير (11/247) رقم (11839) والهيثمي في مجمع الزوائد (7/140) وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير وفيه عمران القطان وثقه ابن حبان وغيره، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات.

ص: 17

11-

وعن ابن عباس في قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} قال أنزل القرآن جملة واحدة حتى وضع في بيت العزة في السماء الدنيا ونزله جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم بجواب كلام العباد وأعمالهم.1

12-

عن حكيم بن جبير الأسدي عن سعيد بن جبير قال: نزل القرآن جملة من السماء العليا إلى السماء الدنيا ليلة القدر، ثم نزل مفصلاً.2

13 -

وعن إبراهيم النخعي في قوله عز وجل: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} قال: أنزل جملة على جبريل عليه السلام، وكان جبريل يجيء بعد إلى محمد صلى الله عليه وسلم.3

ووجه الاستدلال بهذه الأحاديث والآثار التي أخرجها الأئمة وصححوا بعضها، والتي يعضد بعضها بعضاً أنها وإن كانت موقوفة في جملتها على ابن عباس رضي الله عنهما فإن لها حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأن قول الصحابي الذي لا يأخذ عن الإسرائيليات، فيما لا مجال للرأي فيه له حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس لن يقول ما قال من هذا التفصيل والتحديد بمحض رأيه ومن عند نفسه فهو إذاً محمول على سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو ممن سمعه منه من الصحابة والصحابة كلهم عدول.

1 أخرجه الطبراني في الكبير (12/26) رقم (12382)، والهيثمي في مجمع الزوائد (7/140) وقال عنه: رواه الطبراني والبزار باختصار ورجال البزار رجال الصحيح، وفي إسناد الطبراني عمرو بن عبد الغفار وهو ضعيف. وذكره السيوطي في الدر المنثور (8/567) وزاد نسبته لابن الضريس وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل.

2 أخرجه سعيد بن منصور في سننه بسنده (2/294) رقم (79) وفيه حكيم بن جبير ضعيف. وذكره السيوطي في الدر المنثور (7/399) ولم ينسبه لغير سعيد بن منصور.

3 أخرجه سعيد بن منصور في سننه بسنده (2/292) رقم (78) وذكره السيوطي في الدر المنثور (7/399) ولم ينسبه لغير سعيد بن منصور.

ص: 18