الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول الرابع:
أن القرآن نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ وأن الحفظة نجمته على جبريل في عشرين ليلة. وأن جبريل نجمه على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة.
وهذا القول هو ما ورد في تفسير الماوردي، وقد ذكره عن ابن عباس فهو رواية عن ابن عباس، وليس قولاً للماوردي، وعبارته في تفسيره:"قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} فيه وجهان: أحدهما: يعني جبريل، أنزله الله في ليلة القدر بما نزل به من الوحي. الثاني: يعني القرآن، وفيه قولان: أحدهما ما روي عن ابن عباس قال: نزل القرآن في رمضان وفي ليلة القدر في ليلة مباركة جملة واحدة من عند الله تعالى في اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا فنجمته السفرة على جبريل في عشرين ليلة ونجمه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة. وكان ينزل على مواقع النجوم إرسالاً في الشهور والأيام1 - ثم قال- القول الثاني: أن الله تعالى ابتدأ بإنزاله في ليلة القدر. قال الشعبي"2 وبهذا النص يتبين أنه قول مغاير لما قبله، وأنه رواية عن ابن عباس وليس قولاً للماوردي إلا أن يكون نسب إليه لأنه ذكره ولم يتعقبه. ولا يكفي هذا في جعله قولاً له ولذا كانت عبارة ابن حجر أدق وأصوب حين قال: "وحكى الماوردي في تفسير ليلة
1 أخرجه - بنحوه - ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس. وانظر الزيادة والإحسان (1/172،218) .
2 تفسير الماوردي: النكت والعيون (6/311-) بتحقيق السيد بن عبد المقصود بن عبد الرحيم.
القدر، ثم ذكره وأعقبه بقوله عنه "وهذا -أيضاً- غريب"1 ومثل ذلك عبارة أبي شامة حيث قال:"وذكر أبو الحسن الماوردي في تفسيره"2 ثم أورده. وهو قول مردود لأنه ليس بين الله وجبريل واسطة في تلقي القرآن الكريم.
يقول ابن العربي متعقباً هذا القول: "ومن جهلة المفسرين أنهم قالوا: إن السفرة ألقته إلى جبريل في عشرين ليلة وألقاه جبريل إلى محمد عليهما السلام في عشرين سنة وهذا باطل، ليس بين جبريل وبين الله واسطة، ولا بين جبريل ومحمد صلى الله عليهما واسطة".3
وقد نقل أبو شامة في المرشد الوجيز عن تفسير علي بن سهل النيسابوري عن جماعة من العلماء أن جبريل هو من أملاه على السفرة. قال: "قال جماعة من العلماء: تنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت يقال له بيت العزة، فحفظه جبريل عليه السلام، وغشى على أهل السماوات من هيبة كلام الله فمر بهم جبريل وقد أفاقوا فقالوا:{مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} (سبأ: 23) يعني القرآن وهو معنى قوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} (سبأ: 23) فأتى به جبريل إلى بيت العزة فأملاه جبريل على السفرة الكتبة. يعني الملائكة وهو قوله تعالى: {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ} (عبس: 15-16)4.
وذهب إلى هذا المعنى من إملاء جبريل القرآن على السفرة علم الدين السخاوي في جمال القرآن في معرض حديثه عن حكمة إنزاله جملة فقال: "..وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبريل عليه السلام بإملائه على السفرة
1 انظر فتح الباري لابن حجر (9/4-) ، ونقل القسطلاني كلام ابن حجر في كتابه لطائف الإشارات (1/22) .
2 المرشد الوجيز لأبي شامة (19) .
3 أحكام القرآن لابن العربي (4/1961-) وانظر تفسير القرطبي (20/130) .
4 المرشد الوجيز (23) ، وانظر تفسير القرطبي (20/130) .
الكرام البررة عليهم السلام وإنساخهم إياه، وتلاوتهم له"1 فيكون قولاً خامساً.
وقد حاول ابن عقيلة المكي الإجابة عما تضمنه ذلك الخبر من عدم أخذ جبريل للقرآن من الله. فقال بعد أن ساق الخبر:
"فهذا يقضي أن جبريل ما أخذه إلا عن السفرة. قلت: لا تنافي، لاحتمال أن جبريل عليه السلام سمعه من الله سبحانه وتعالى كما تقدم بصفة التجلي فعلمه جميعه ثم أمره الله أن يأخذه من اللوح المحفوظ فيضعه في بيت العزة عند السفرة، ثم أمر الله سبحانه وتعالى السفرة أن تنجمه على جبريل عليه السلام في عشرين ليلة لكل سنة ليلة وإنما كان التنجيم من السفرة على جبريل لما ذكره الحكيم الترمذي: إن سر وضع القرآن في السماء الدنيا ليدخل في حدها لأنه رحمة لأهلها. فأخذ جبريل عن السفرة إشارة إلى أنه صار مخصوصاً بهم فلا يؤخذ إلا عنهم". 2
وفي كون جبريل عليه السلام يأخذ القرآن إلى السفرة ثم يأخذه منهم؛ نظر. أي نظر في الصفة لا في الصلة. فإن صلة السفرة بالقرآن ظاهرة من قوله تعالى: {فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ} (عبس: 13-16) .
1 جمال القراء وكمال الإقراء للسخاوي (1/20) .
2 الزيادة والإحسان لابن عقيلة (1/172) بتحقيق: د. محمد صفاء حقي.