المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مقدار التنزيل: ثبت نزول الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم - نزول القرآن الكريم والعناية به في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

[محمد بن عبد الرحمن الشايع]

الفصل: ‌ ‌مقدار التنزيل: ثبت نزول الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم

‌مقدار التنزيل:

ثبت نزول الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم منجماً مفرقاً ابتداء أو حسب الحاجة والوقائع. وغالب القرآن الكريم نزل آيات مفرقات وبعضه نزل سوراً كاملة، ونزلت سورتان من قصار السور معاً هما المعوذتان.

فأول ما نزل من القرآن الكريم الآيات الخمس الأولى من سورة العلق. وهي قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} ثم نزل باقيها بعد نزول سورة المدثر.

كما نزلت الخمس الآيات الأولى من سورة الضحى إلى قوله: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} وصح نزول عشر آيات من قصة الإفك جملة واحدة من سورة النور. وصح كذلك نزول عشر آيات جملة من أول سورة المؤمنون. ونزلت آية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة: 3) في عرفة في يوم جمعة.

وصح نزول قوله {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} وحدها، وهي بعض آية. فقد أخرج البخاري من حديث البراء بن عازب قال: لما نزلت: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:95) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً فكتبها فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته: فأنزل الله: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} 1

1 أخرجه البخاري. كتاب التفسير، باب 18 لا يتسوي القاعدون من المؤمنين.. (5/182-) وانظر: سنن أبي داود (3/17) والمرشد الوجيز (34-) وأسباب النزول للواحدي (168-) وانظر الإتقان (1/155) .

ص: 54

وكذا قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (التوبة: 28) ?نزلت بعد نزول أول الآية، فهي بعض آية.1

وقد تنزل السورة كاملة ومن ذلك سورة الفاتحة، والإخلاص، والكوثر، والمسد، والنصر، والمرسلات، والصف.. وغيرها.2

وأما ما ورد من نزول سورة الأنعام جملة يشيعها سبعون ألف ملك. فلم يخل من خلاف. فقد قال ابن الصلاح في فتاويه: "الحديث الوارد في أنها نزلت جملة رويناه من طريق أبيّ بن كعب وفي إسناده ضعف، ولم نرَ له إسناداً صحيحاً. وقد روي ما يخالفه فروي أنها لم تنزل جملة واحدة بل نزلت آيات منها بالمدينة اختلفوا في عددها، فقيل ثلاث، وقيل: ست، وقيل غير ذلك.3

وقد قال ابن عقيلة المكي في توجيه هذا الاعتراض. بأن نزول غالبها في حكم نزولها كلها. قال: "أقول: من قال: إن السورة نزلت كلها فإنما يعني - والله أعلم- الغالب، ولا يضر أن ينزل بعضها بعد ذلك وتمامها، فإن القرآن غالبه إنما ينزل مفرقاً آيات. ومثل هذه السورة العظيمة إذا نزل غالبها فيحكم لها بالكل، فإنه نادر الوقوع"4

1 انظر تفسير الطبري (14/194) . والتبيان للشيخ طاهر الجزائري (59) .

2 انظر: الإتقان (1/136) . والزيادة والإحسان (1/399) .

3 فتاوى ابن الصلاح (1/248) ، والبرهان (1/199) ، والإتقان (1/137) .

4 الزيادة والإحسان (1/401) .

ص: 55

وقد نزلت سورتا المعوذتين معاً بسبب سحر لبيد بن الأعصم اليهودي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله جل شأنه المعوذتين فقرأهما وتعوذ بهما فانحل السحر.1

فتبين مما سبق أن القرآن نزل مفرقاً: الآية، والآيتان، والخمس، والعشر، وأقل وأكثر. كما نزل جزء الآية. ونزلت سورة كاملة، ونزلت سورتا المعوذتين معاً.

ولا شك أن هذه المتابعة الدقيقة من قبل العلماء لجزئيات نزول القرآن الكريم في وقته، وصفته، ومقداره، ويوم إنزاله، وشهره، وكون ذلك ليلاً ونهاراً، حضراً وسفراً؛ دليل عناية الأمة البالغة بالقرآن الكريم التي ميز الله بها كتابه فصارت من خصائصه التي تفرد بها، وجعلها الله وسيلة حفظ كتابه الذي تكفل به في قوله سبحانه:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر:9) .

كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقى القرآن من جبريل فيحفظه ولا ينساه {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} فيبلغه أصحابه، ويحفِّظهم إياه، ويأمرهم بكتابته. فتوفر للقرآن الكريم بالغ العناية به، وكامل وسائل حفظه، والمحافظة عليه. وتلك نعمة ومنّة من الله تعالى على الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ولا يشكرون.

1 انظر: أسباب النزول للواحدي. (515) والجامع لأحكام القرآن (20/254) ، والزيادة والإحسان (1/405) .

ص: 56