الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرق بين الإنزال والتنزيل:
ذهب إلى القول بالفرق بين اللفظتين جمع من اللغويين والمفسرين فهو قول الواحدي، والزمخشري، والراغب الأصفهاني، والسمين الحلبي، وابن الزبير الغرناطي، وغيرهم.1
وذلك استدلالاً بالآيات التي فرقت بين اللفظتين حين ذكرت نزول الكتب السماوية وجمعت بينها، كقوله تعالى في سورة آل عمران:{آلم. اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} (آل عمران: 1-4) .
ومثل هذه الآية قوله تعالى في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيداً} (النساء: 136) .
يقول الواحدي عند تفسيره لقوله تعالى في سورة آل عمران: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} إنما قال "نزّل" وقال: {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ} لأن التنزيل للتكثير، والقرآن نزل نجوماً، شيئاً بعد شيء، والتوراة والإنجيل نزلتا دفعة واحدة.2
1 كالقرطبي في تفسيره (4/5) ، وابن الجوزي (1/349) ، وأبي السعود (2/4) ، وبيان الحق النيسابوري في كتابه وضح البرهان في مشكلات القرآن (1/233) .
2 البسيط للواحدي، (152)، رسالة دكتوراه للباحث: أحمد محمد صالح الحمادي، كلية أصول الدين، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض.
وقال الجرجاني في كتابه التعريفات مفرقاً بين اللفظتين: "الفرق بين الإنزال والتنزيل: الإنزال يستعمل في الدفعة، والتنزيل يستعمل في التدريج".1
وقال الزمخشري عند تفسيره لقوله تعالى من سورة آل عمران: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ} : "فإن قلت: لم قيل: نزل الكتاب وأنزل التوراة والإنجيل؟ قلت: لأن القرآن نزل منجماً ونزل الكتابان جملة".2
وقال الراغب الأصفهاني في مفرداته: "والفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة أن التنزيل يختص بالموضع الذي يشير إليه إنزاله مفرقاً ومرة بعد أخرى والإنزال عام". فمما ذكر فيه التنزيل قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} (الإسراء: 106) وقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} (الحجر: 9) .
وأما الإنزال فكقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (القدر:1) ?وإنما خص لفظ الإنزال دون التنزيل لما روي أن القرآن نزل دفعة واحدة إلى سماء الدنيا ثم نزل نجماً فنجماً".3
وقال ابن الزبير الغرناطي في معرض حديثه عن آية سورة آل عمران السابقة: "إن لفظ نزّل يقتضي التكرار لأجل التضعيف.. فقوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} مشير إلى تفصيل المنزل وتنجيمه بحسب الدعاوى وأنه لم ينزل دفعة واحدة، أما لفظ أنزل فلا يعطي ذلك إعطاء نزّل وإن كان محتملاً.." 4
1 التعريفات للجرجاني (73) .
2 الكشاف (1/411) .
3 مفردات الراغب، مادة نزل (744) - بتصرف - وبصائر ذوي التمييز للفيروزأبادي (5/40) .
4 ملاك التأويل لأحمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي (1/286) تحقيق: د. سعيد الفلاح.
ومن هنا قيل: بأن بين اللفظتين فرقاً وأن التعبير القرآني عما نزل دفعة واحدة يأتي بلفظ "أنزل"، وما نزل مفرقاً منجماً يأتي بلفظ "نزّل" فاختلاف التعبير دال على اختلاف صفة التنزيل ولذلك لما جمع الله بين القرآن والتوراة والإنجيل في آية سورة آل عمران جاء مع القرآن لفظ نزَّل، ومع التوراة والإنجيل لفظ أنزل للدلالة على ذلك المعنى.
وقد رد أبو حيان القول بالتفريق بين نزّل وأنزل المبني على أن التضعيف في نزّل دليل على التكثير والتنجيم؛ من وجوه:
1 -
أن التضعيف في نَزَّل مفيد لنقل الفعل من اللازم إلى المتعدي وليس للتكثير.
2 -
أنه لو كان التضعيف في "نزّل" لإفادة التكثير والتنجيم لما جاء قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} (الفرقان: 32) جامعاً بين التضعيف وقوله: {جُمْلَةً وَاحِدَةً} وهما متنافيان في الدلالة.1
3 -
إن من أدلة عدم الفرق بين اللفظتين وأنهما بمعنى واحد؛ القراءة بالوجهين في كثير مما جاء كذلك. يقول أبو حيان: "ويدل على أنهما بمعنى واحد قراءة من قرأ ما كان من "ينزِّل" مشدداً؛ بالتخفيف - إلا ما استثني - فلو كان أحدهما يدل على التنجيم والآخر على النزول دفعة واحدة لتناقض الإخبار وهو محال".2
1 انظر: البحر المحيط (1/103) والتحرير والتنوير (3/148) وفتح الرحمن بكشف ما يلبس من القرآن لزكريا الأنصاري (197) .
2 البحر المحيط (2/378) ، والدر المصون (3/21) .
ويؤيد هذا قراءة قوله تعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ} بالتشديد {فَرَقْنَاهُ} والتخفيف {فَرَقْنَاهُ} 1 كما أنه قد جاء مع القرآن أنزل، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ} (النحل: 44) يقول سيبويه: "فعّل وأفعل يتعاقبان".
4 -
مجيء "نزّل" المضعف في آيات كثيرة بحيث لا يراد منها إفادة التكثير والتنجيم إلا على تأويل متكلف وبعيد جداً كقوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} (الأنعام: 37) وقوله: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولاً} (الإسراء: 95) ?فالمراد هنا مطلق الإنزال لا تكثير المنزل.2
ومن أجل هذا ذهب بعضهم إلى جعل هذا التفريق غالباً في استعمال القرآن لا قاعدة مطردة محاولة للجمع بين القولين.3
1 راجع توثيق القراءة. ص13، حاشية 3) .
2 انظر: البحر المحيط (2/378) والدر المصون (3/21) .
3 انظر: المدخل لدراسة القرآن للشيخ محمد محمد أبو (شهبة 49) .