المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بحث في خطبة العيد، هل هي واحدة أو اثنتان - نفح العبير - جـ ٣

[عبد الله بن مانع الروقي]

الفصل: ‌بحث في خطبة العيد، هل هي واحدة أو اثنتان

‌بحث في خطبة العيد، هل هي واحدة أو اثنتان

؟

1 -

قال الشافعي في «الأم» : أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: حدثني عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله عن إبراهيم بن عبد الله عن عبد الله بن عبيد الله بن عتبة قال: السنة أن يخطب الإمام في العيدين؛ يفصل بينهما بجلوس. وأخرجه البيهقي من طريق الشافعي؛ وفيه علتان شيخ الشافعي هو الأسلمي متروك، وكذلك هو مرسل فإن عبيد الله بن عبد الله تابعي.

2 -

ولهذا الأثر متابع؛ فقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن محمد بن عبد الله ابن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري عن عبيد الله، ولفظه: يكبر الإمام يوم الفطر قبل أن يخطب تسعًا حين يريد القيام، وسبعًا في (1) عالجته على أن يفسر لي أحسن من هذا فلم يستطع، فظننت أن قوله: حين يريد القيام في الخطبة الآخرة.

3 -

ورواه البيهقي (2) من طريق الدراوردي، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القارى أن إبراهيم بن عبد الله حدثه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أنه قال: من السنة تكبير الإمام يوم الفطر ويوم الأضحى حين يجلس على المنبر قبل الخطبة تسع تكبيرات، وسبعًا حين يقوم ثم يدعو ويكبر بعدُ ما بدا له.

قال البيهقي: ورواه غيره عن إبراهيم عن عبيد الله تسعًا تترى إذا قام في الأولى، وسبعًا تترى إذا قام في الخطبة الثانية.

ثم أسنده البيهقي عن الشافعي عن الأسلمي كما تقدم.

4 -

ورواه عبد الرزاق (3) عن ابن أبي يحيى (وهو الأسلمي)، عن عبد الرحمن بن

(1) هكذا في المطبوع بتحقيق الأعظمي. ولعل فيه سقطًا.

(2)

في «السنن» (3/ 299).

(3)

في «المصنف» (3/ 290).

ص: 7

محمد عن عبيد الله به ولم يذكر إبراهيم بن عبد الله.

5 -

ورواه أيضًا عن ابن جريج عن إبراهيم عن عبيد الله نحوه، وعبد الرحمن بن محمد بن عبد الله هذا قال عنه في «التعجيل»: مجهول؛ ظنه الحافظ الذي ذكره ابن حبان في «الثقات» (1)، وأنه عبد الرحمن بن أبي عتيق

إلخ، والصواب: أنه عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبدٍ القاري ترجم له البخاري في «التاريخ» (2)، وذكر أنه روى عن إبراهيم بن عبد الله، ونقل في «الجرح والتعديل» (3) توثيقه عن ابن معين ونسب أباه إلى جده قال ابن أبي حاتم: ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال: عبد الرحمن بن محمد عبدٍ القاري ثقة. اهـ. والذي يظهر لي أيضًا أن شيخه في «الإسناد» هو أخوه ينسب إلى جده، فهو إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عبدٍ القاري قال في «الجرح» (4): روى عنه أخوه عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبدٍ القاري، وذكره البخاري في «تاريخه» (5)، والظاهر أنه مجهول. هذا ما تبين لي في هذا الإسناد المشكل.

وبكل حال كل طرق هذا الأثر المرسل معلولة فالأول تقدم الكلام عليه، والثاني به محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري وهو لين، وفي سماعه من عبيد الله نظر، والثالث به إبراهيم وهو مجهول، والرابع به الأسلمي وحاله معروفة، والخامس به إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عبدٍ القاري، وابن جريج لم يذكر سماعًا.

(1)«ثقات ابن حبان» (7/ 65).

(2)

(5/ 346).

(3)

(5/ 281).

(4)

(2/ 123).

(5)

(1/ 300).

ص: 8

حديث آخر قال ابن ماجه (1): حدثنا يحيى بن حكيم ثنا أبو بحر بثنا عبيد الله ابن عمرو الرقي ثنا إسماعيل بن مسلم الخولاني ثنا أبو الزبير عن جابر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى، فخطب قائمًا ثم قعد قعدةً ثم قام. وهذا الحديث ومع عدم صراحته فإسماعيل بن مسلم هو المكي ضعيف، وكذلك أبو بحر وهو عبد الرحمن ابن عثمان بن أمية الثقفي.

وقد روى هذا الحديث ابن خزيمة (3/ 143)، والبيهقي (3/ 198) من طريق الباقر محمد بن علي بن الحسين عن جابر، ولفظه:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة خطبتين يجلس بينهما ويخطب وهو قائم).

ورواه عبد الرزاق [5254] من طريق أبي الزبير عن جابر بسياق مختلف يدل على أن الخطبة كانت في المسجد فذكر العيدين ليس بمحفوظ في حديث جابر هذا.

حديث آخر: قال البزار في «البحر الزخار» (3/ 321): حدثنا عبد الله بن شبيب، حدثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز، قال: وجدت في كتاب أبي حدثنا مهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد بغير أذان ولا إقامة، وكان يخطب خطبتين قائمًا فيفصل بينهما بجلسة. وهذا سند واهٍ عبد الله بن شبيب ضعيف جدًا. وقال الهيثمي (2/ 203): الحديث رواه البزار وجادة وفي إسناده من لم أعرفه.

حديث آخر: روى البيهقي (3/ 299) من طريق هشام بن عمار حدثنا حاتم يعني ابن إسماعيل ثنا محمد بن عجلان عن حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقعد يوم الجمعة والفطر والأضحى على المنبر فإذا

(1) في «سننه» (1/ 409).

ص: 9

سكت المؤذن يوم الجمعة قام فخطب ثم جلس ثم يقوم فيخطب ثم ينزل فيصلي. فجمع إن كان محفوظًا بين الجمعة العيدين في القعدة ثم رجع بالخبر إلى حكاية الجمعة. اهـ كلام البيهقي.

وهذا إسناد ضعيف؛ حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي ضعفه أحمد وأبو حاتم وقال النسائي: متروك، وقال أحمد له أشياء منكرة، وقال العقيلي: له غير حديث لا يتابع عليه، والحديث راجع إلى الجمعة لا العيدين كما قال البيهقي.

حديث آخر: قال ابن خزيمة: باب عدد الخطب في العيدين والفصل بين الخطبتين بجلوس.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ثنا بشر بن المفضل ثنا عبيد الله عن نافع عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب وهو قائم، وكان يفصل بينهما بجلوس، وأخرجه النسائي (1) من طريق بشر بن المفضل تحت باب (الفصل بين الخطبتين بالجلوس)؛ لكن في أبواب الجمعة وفي خطبتها، وأخرجه البخاري تحت باب القعدة بين الخطبتين يوم الجمعة من طريق بشر، وكذا أخرجه مسلم في أحاديث الجمعة؛ فالحديث في خطبتي الجمعة لا العيدين. وابن خزيمة يريد أن يبين أن العيد له خطبتان.

فصل

قال أبو محمد في «المغني» (3/ 276): بعد قول صاحب المتن ما نصه: (مسألة: فإذا سلم خطب بهم خطبتين يجلس بينهما فإن كان فطرًا حضهم على الصدقة، وبيَّن

(1) في «المجتبى» (3/ 109).

ص: 10

لهم ما يخرجون، وإن كان أضحى يرغبهم في الأضحية، ويُبيِّن لهم ما يُضحي به) وجملته: أن خطبتي العيدين بعد الصلاة لا نعلم فيه خلافًا بين المسلمين: ثم قال: فصل: الخطبتان سنة؛ لا يجب حضورهما ولا استماعهما

إلخ.

وقال في «المجموع» (5/ 28) للنووي: (أما الأحكام) فيُسن بعد صلاة العيد خطبتان على منبر

إلخ.

وقال الزركشي (2/ 227): والسنة أن يخطب خطبتين؛ يجلس بينهما.

وقال النووي في الخلاصة على المسألة (2/ 838): ولك يثبت في تكرير الخطبة شيء والمعتمد فيه القياس على الجمعة.

وقال في «تحفة المحتاج» (3/ 45): ويسن خطبتان قياسًا على تكرارهما في الجمعة.

وقال الخرشي في شرحه (2/ 104): وندب خطبتان كالجمعة.

وقال ابن القيم في «الهدي» (1/ 447): وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله، ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير، وإنما روى ابن ماجه في سننه عن سعد القَرَظ مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر التكبير بين أضعاف الخطبة، ويكثر التكبير في خطبتي العيد

إلخ والنقول عن كتب الفقه كثيرة.

قلت: وقال شيخنا ابن باز رحمه الله في تعليقه على «سنن ابن ماجه» سنة 1409هـ في شهر جمادى الأولى، ما نصه:(العلماء ألحقوا العيد بالجمعة في الخطبتين فلا ينبغي العدول عن هذا) اهـ. بحروفه.

ص: 11

وقال شيخنا أيضًا في «شرح المنتقى» سنة 1412هـ، وذلك يوم الاثنين في التاسع والعشرين من شهر ربيع الأول من السنة المذكورة ما نصه: خطبة العيد خطبتان وأثر عبيد الله مرسل فهو ضعيف لكن يتأيد عند الجمهور بأنه مثل الجمعة فألحقوها بها، وتتابع العلماء على ذلك. اه بحروفه.

قلت: فحاصل الأدلة: الأثر المرسل والمرفوع الضعيف والقياس على الجمعة، وأيضًا القائل به جمهور الأمة إن لم يكن إجماعًا، بل حتى ابن حزم رحمه الله في «المحلى» (5/ 82): قال: (فإذا سلم الإمام قام فخطب الناس خطبتين يجلس بينهما جلسة

) إلخ.

ونقل ابن المنذر في «الأوسط» (4/ 287) عن مالك ما يدل على الخطبتين.

فهذا من العمل المتوارث بين المسلمين، ينقله العلماء الأوائل مقرين له ويذكرونه في التراجم وفي كتب الفقه على اختلاف العصور، والبلدان، والمذاهب.

قال ابن رجب في «فتح الباري» ما نصه: (وهذا مما يدل على أن بعض ما أجمعت الأمة عليه لم ينقل إلينا فيه نص صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم بل يكتفى بالعمل به قاله رحمه الله في التكبير المقيد عقيب الصلوات.

هذا ما تيسر إيراده وفيه الكفاية لكل ذي لب، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، والحمد لله رب العالمين.

ص: 12