المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجمع بين الصلاتين بعذر المطر - نفح العبير - جـ ٣

[عبد الله بن مانع الروقي]

الفصل: ‌الجمع بين الصلاتين بعذر المطر

‌الجمع بين الصلاتين بعذر المطر

"أحكام وفوائد"

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله،

أما بعد:

فقد اشتدت الحاجة إلى إبراز كلام أهل العلم في مسألة الجمع في الحضر لأجل المطر، وما ذلك إلا لكثرة الكلام في هذه المسألة وعدم معرفة السبيل السوي لدى كثير من الناس، والواجب على العلماء وطلاب العلم إظهار العلم للناس، إبراءً للذمة، وقيامًا بما أوجب الله من تبليغ دينه إلى الناس كافة.

وقد جمعت كلامًا نفيسًا أغلبه لشيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة وما تعلق بها، أسأل الله أن ينفع به كل من رآه وأصل هذا الكلام هو حديث ابن عباس المخرج في الصحيحين وغيرهما ولفظه: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعًا والمغرب والعشاء جميعًا من غير خوف ولا سفر. وفي لفظ: ولا مطر، وفي لفظ: صلى بالمدينة سبعًا وثمانيًا الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

قال شيخ الإسلام رحمه الله (24/ 76): وبهذا استدل أحمد رحمه الله على الجمع لهذه الأمور بطريق الأولى فإن هذا الكلام يدل على أن الجمع لهذه الأمور أولى وهذا من باب التنبيه بالفعل، فإنه إذا جمع ليدفع الحرج الحاصل بدون الخوف والسفر والمطر فالحرج الحاصل بهذه أولى أن يرفع، والجمع لها أولى من الجمع لغيرها.

ص: 47

وقال رحمه الله (24/ 84): فقول ابن عباس: جمع من غير كذا ولا كذا، ليس نفيًا منه للجمع بتلك الأسباب؛ بل إثبات منه لإنه جمع بدونها، وإن كان قد جمع بها أيضًا، ولو لم ينقل أنه جمع بها فجمعه بما هو دونها دليل على الجمع بها بطريق الأولى فيدل ذلك على الجمع للخوف والمطر وقد جمع بعرفة ومزدلفة من غير خوف ولا مطر.

وقال أيضًا (24/ 76): ومما يبين أن ابن عباس لم يرد الجمع للمطر - وإن كان الجمع للمطر أولى بالجواز - ما رواه مسلم من حديث حماد بن زيد عن الزبير بن الخريت عن عبد الله بن شقيق قال: خطبنا ابن عباس يومًا بعد العصر حتى غربت الشمس، وبدت النجوم، فجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة، فجاء رجل من بني تميم لا يفتر الصلاة الصلاة، فقال: أتعلمني السنة أمَّ لك؟ ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته، ورواه مسلم من حديث عمران بن حُدير عن ابن شقيق قال: قال رجل لابن عباس: الصلاة، فسكت. ثم قال: الصلاة فسكت، ثم قال: لا أمَّ لك أتعلمنا الصلاة وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!.

فهذا ابن عباس لم يكن في سفر ولا في مطر، وقد استدل بما رواه على ما فعله، فعلم أن الجمع الذي رواه لم يكن في مطر، ولكن كان ابن عباس في أمر مهم من أمور المسلمين يخطبهم فيما يحتاجون إلى معرفته ورأى أنه إن قطعه ونزل فاتت المصلحة، فكان ذلك عنده من الحاجات التي يجوز فيها الجمع، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بالمدينة لغير خوف ولا مطر، بل للحاجة تعرض كما قال:«أراد ألا يحرج أمته» ، ومعلوم أن جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ومزدلفة لم يكن لخوف ولا مطر

ص: 48

ولا سفر أيضًا، فإنه لو كان جمعه لسفر لجمع في الطريق، ولجمع بمكة كما كان يقصر بها، ولجمع لما خرج من مكة إلى منى وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ولم يجمع بمنى قبل التعريف ولا جمع بها بعد التعريف أيام منى، بل يصلي كل صلاة ركعتين غير المغرب، ويصليها في وقتها، ولا جمعه أيضًا كان للنُسُك، فإنه لو كان كذلك لجمع من حين أحرم، فإنه من حينئذٍ صار محرمًا، فعلم أن جمعه المتواتر بعرفة ومزدلفة لم يكن لمطر ولا خوف ولا لخصوص النسك ولا لمجرد السفر، فهكذا جمعه في المدينة الذي رواه ابن عباس، وإنما كان الجمع لرفع الحرج عن أمته، فإذا احتاجوا إلى الجمع جمعوا.

وقال رحمه الله يرد على من زعم أن جمعه بالمدينة، كان صوريًا، قال (24/ 54): ومراعاة هذا من أصعب الأشياء وأشقها، فإنه يريد أن يبتدئ فيها إذا بقي من الوقت مقدار أربع ركعات أو ثلاث من المغرب، ويريد مع ذلك ألا يطيلها، وإن كان بنية الإطالة تشرع في الوقت الذي يحتمل ذلك، وإذا دخل في الصلاة ثم بدا له أن يطيلها أو ينتظر أحدًا ليحصل الركوع والجماعة لم يشرع ذلك ويجتهد في أن يسلم قبل خروج الوقت، ومعلوم أن مراعاة هذا من أصعب الأشياء علمًا وعملًا، وهو يشغل قلب المصلي عن مقصود الصلاة والجمع شرع رخصة ودفعًا للحرج عن الأمة، فكيف لا يشرع إلا مع حرج شديد ومع ما ينقض مقصود الصلاة، فعلم أنه كان صلى الله عليه وسلم إذا أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء، يفعل ذلك على الوجه الذي يحصل به التيسير ورفع الحرج له ولأمته ولا يلتزم أنه لا يسلم من الأولى إلا قبل خروج وقتها الخاص، وكيف يعلم ذلك المصلي في الصلاة وأخر وقت الظهر وأول وقت العصر إنما يعرف على سبيل التحديد بالظل، والمصلي في الصلاة لا يمكنه معرفة الظل! ولم

ص: 49

يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم آلات حسابية يعرف بها الوقت، ولا موقت يعرف ذلك بالآلات الحسابية والمغرب إنما يعرف آخر وقتها بمغيب الشفق فيحتاج أن ينظر إلى جهة الغرب هل غرب الشفق الأحمر أو الأبيض والمصلي في الصلاة منهي عن مثل ذلك، وإذا كان يصلي في بيت أو فسطاط أو نحو ذلك مما يستره عن الغرب ويتعذر عليه في الصلاة النظر إلى المغرب، فلا يمكنه في هذه الحال أن يتحرى السلام في آخر وقت المغرب، بل لابد أن يسلم قبل خروج الوقت بزمن يعلم معه أنه سلم قبل خروج الوقت، ثم الثانية لا يمكنه على قولهم أن يشرع فيها حتى يعلم دخول الوقت، وذلك يحتاج إلى عمل وكلفة مما لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يراعيه بل ولا أصحابه، فهؤلاء لا يمكن الجمع عندهم على قولهم في غالب الأوقات لغالب

الناس إلا مع تفريق الفعل وأولئك لا يكون الجمع عندهم إلا مع اقتران الفعل وهؤلاء فهموا من الجمع اقتران الفعلين في وقت واحد أو وقتين وأولئك قالوا لا يكون الجمع إلا في وقتين، وذلك يحتاج إلى تفريق الفعل، وكلا القولين ضعيف.

والسنة جاءت بأوسع من هذا وهذا ولم تكلف الناس لا هذا ولا هذا، والجمع جائز في الوقت المشترك فتارة يجمع في أول الوقت كما جمع بعرفة، وتارة يجمع في وقت الثانية كما جمع في مزدلفة، وفي بعض أسفاره، وتارة يجمع فيما بينهما في وسط الوقتين، وقد تقعان معًا في آخر وقت الأولى وقد يقعان معًا في أول وقت الثانية وقد تقع هذه في هذا وهذه في هذا، كل هذا جائز؛ لأن أصل المسألة أن الوقت عند الحاجة مشترك والتقديم والتوسط بحسب الحاجة والمصلحة، ففي عرفة ونحوها يكون جمع التقديم هو السنة، وكذلك جمع المطر السنة أن يجمع للمطر في وقت المغرب حتى اختلف مذهب أحمد،

ص: 50

هل يجوز أن يجمع للمطر في وقت الثانية؟ على وجهين.

وقال الحبر البحر الحراني (24/ 80): وكيف يليق بابن عباس أن يقول فعل ذلك كي لا يحرج أمته والوقت المشهور هو أوسع وأرفع للحرج من هذا الجمع الذي ذكروه، وكيف يحتج على من أنكر عليه التأخير لو كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما صلى في الوقت المختص بهذا الفعل (1)، وكان له في تأخيره المغرب حين صلاها قبل مغيب الشفق وحدها، وتأخير العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه ما يغنيه عن هذا.

وإنما قصد ابن عباس جواز تأخير المغرب إلى وقت العشاء ليبين أن الأمر في حال الجمع أوسع منه في غيره، وبذلك يرتفع الحرج عن الأمة، ثم ابن عباس قد ثبت عنه في الصحيح أنه ذكر الجمع في السفر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر في السفر إذا كان على ظهر سيره

فعلم أن لفظ الجمع في عُرْفهِ وعادته إنما الجمع في وقت إحداهما، أما الجمع في الوقتين فلم يعلم أنه تكلم به، فكيف يعدل عن عادته التي يتكلم بها إلى ما ليس كذلك؟

وأيضًا فابن شقيق يقول: حاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته، أتراه حاك في صدره أن الظهر لا يجوز تأخيرها إلى آخر الوقت؟ وأن العصر لا يجوز تقديمها إلى أول الوقت؟ وهل هذا مما يخفى على أقل الناس علمًا حتى يحيك في صدره منه؟ وهل هذا مما يحتاج أن ينقله إلى أبي هريرة أو غيره حتى يسأل عنه إن هذا مما تواتر عند المسلمين وعلموا جوازه وإنما

(1) أما ما وقع في رواية النسائي: أخر الظهر وعجل العصر

إلخ، فهذا مدرج من كلام جابر أبي الشعثاء ومن تحته كما بينت رواية البخاري برقم [1174]، ومسلم برقم [705] ذلك، وممن جزم بالإدراج المنذري انظر:«تهذيب السنن» (2/ 56)، وابن عبد البر في «التمهيد» (12/ 219).

ص: 51

وقعت الشبهة لبعضهم في المغرب خاصة وهؤلاء يجوزون تأخيرها إلى آخر وقتها، فالحديث حجة عليهم كيفما كان.

وجواز تأخيرها ليس معلقًا بالجمع، بل يجوز تأخيرها مطلقًا إلى آخر الوقت، حتى يؤخر العشاء أيضًا، وهكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين بيَّن أحاديث المواقيت، وهكذا في الحديث الصحيح:«وقت المغرب ما لم يغب نور الشفق، ووقت العشاء إلى نصف الليل كما قال: وقت الظهر ما لم يصر ظل كل شيء مثله، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس» ، فهذا الوقت المختص الذي بيَّنه بقوله وفعله، وقال «الوقت ما بين هذين» ، ليس له اختصاص بالجمع ولا تعلق به، ولو قال قائل: جمع بينهما بالمدينة من غير خوف ولا سفر، المراد به الجمع في الوقتين كما يقول ذلك من يقوله من الكوفيين، لم يكن بينه وبينهم فرق، فلماذا يكون الإنسان من المطففين لا يحتج لغيره كما يحتج لنفسه؟ ولا يقبل لنفسه ما يقبله لغيره؟ وأيضًا فقد ثبت هذا من غير طريق ابن عباس رواه الطحاوي (1). حدثنا ابن خزيمة وإبراهيم بن أبي داود وعمران بن موسى أنبأنا الربيع ابن يحيى الأشناني حدثنا سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة للرخصة من غير خوف ولا علة، لكن ينظر في حال الأشناني (2).

وجمع المطر عن الصحابة، فما ذكره مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان

(1) رواه الطحاوي في «شرح المعاني» 1 (/161)، وتمام في فوائده «الروض البسام» (2/ 43)، والحديث قال فيه أبو حاتم: باطل عن الثوري. اه. وأصله ثابت عن ابن عباس والكلام على حديث جابر يطول دون كثير فائدة وخلاصة الكلام أنه بهذا السند لا شيء، وكذا قال الدارقطني.

(2)

هو ثقة رحمه الله لكن الحديث فيه علة.

ص: 52

إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء ليلة المطر جمع معهم في ليلة المطر، قال البيهقي: رواه العمري عن نافع فقال: قبل الشفق وروى الشافعي في القديم: أنبأنا بعض أصحابنا عن أسامة بن زيد عن معاذ بن عبد الله بن حبيب أن ابن عباس جمع بينهما في المطر قبل الشفق وذكر ما رواه أبو الشيخ الأصبهاني بالإسناد الثابت عن هشام بن عروة وسعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام كانوا يجمعون بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة إذا جمعوا بين الصلاتين، ولا ينكر ذلك وبإسناده عن موسى بن عقبة أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة إذا كان المطر، وإن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبا بكر بن عبد الرحمن ومشيخة ذلك الزمان كانوا يصلون معهم ولا ينكرون ذلك.

فهذه الآثار تدل على أن الجمع للمطر من الأمر القديم المعمول به بالمدينة زمن الصحابة والتابعين، مع أنه لم ينقل أن أحدًا من الصحابة والتابعين أنكر ذلك، فعلم أنه منقول عندهم بالتواتر جواز ذلك، لكن لا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع إلا للمطر، بل إذا جمع لسبب هو دون المطر مع جمعه أيضًا للمطر، كان قد جمع من غير خوف ولا مطر، كما إنه إذا جمع في السفر وجمع في المدينة كان قد جمع في المدينة من غير خوف ولا سفر فقول ابن عباس جمع من غير كذا ولا كذا ليس نفيًا منه للجمع بتلك الأسباب، بل إثبات منه؛ لأنه جمع بدونها، وإن كان قد جمع بها أيضًا، ولو لم ينقل أنه جمع بها فجمعه بما هو دونها دليل على الجمع بطريق الأولى، فيدل ذلك على الجمع للخوف والمطر وقد جمع بعرفة ومزدلفة من غير خوف ولا مطر، فالأحاديث كلها تدل على أنه جمع في الوقت الواحد لرفع الحرج عن أمته، فيباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه

ص: 53

الله عن الأمة وذلك يدل على الجمع للمرض الذي يحرج صاحبه بتفريق الصلاة بطريق الأولى والأحرى، ويجمع من لا يمكنه إكمال الطهارة في الوقتين إلا بحرج كالمستحاضة وأمثال ذلك من الصور.

وقال تقي الدين حفيد المجد في موضع آخر (25/ 229): وكذلك يجمع بين الظهر والعصر على أظهر القولين وهو إحدى الروايتين عن أحمد، ويجمع بينهما للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة ونحو ذلك في أظهر قولي العلماء وهو قول مالك وأظهر القولين في مذهب أحمد.

وقال أيضًا ص [230] من الجزء نفسه: ولهذا كان الجمع المشروع للمطر هو جمع التقديم في وقت المغرب ولا يستحب أن يؤخر بالناس المغرب إلى مغيب الشفق، بل هذا حرج عظيم على الناس، وإنما شرع الجمع لئلا يحرج المسلمون.

وقال أيضًا: وكذلك جواز الجمع لا يشترط له الموالاة في أصح القولين، كما قد ذكرناه في غير هذا الموضع.

وقال تقي الدين (24/ 28): فأوسع المذاهب في الجمع بين الصلاتين مذهب الإمام أحمد فإن نص على أنه يجوز الجمع للحرج والشغل لحديث روي في ذلك (1)، قال القاضي أبو يعلى وغيره من أصحابنا: يعني إذا كان هناك شغل يبيح له ترك الجمعة والجماعة جاز له الجمع، يجوز عنده وعند مالك

(1) هو ما رواه النسائي (1/ 286) أخبرنا أبو عاصم خُشيش بن أصرم حدثنا حبان بن هلال حدثنا حبيب وهو ابن أبي حبيب عن عمرو بن هرم عن جابر بن زيد عن ابن عباس أنه صلى بالبصرة الأولى والعصر ليس بينهما شيء، والمغرب والعشاء ليس بينهما شيء، فعل ذلك من شغل وزعم ابن عباس:«أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الأولى والعصر ثمان سجدات ليس بينهما شيء» . إسناده لا بأس به، وحبيب حدث عنه ابن مهدي.

ص: 54

وطائفة من أصحاب الشافعي الجمع للمرض ويجوز عند الثلاثة الجمع للمطر بين المغرب والعشاء، وفي صلاتي النهار نزاع بينهم، ويجوز في ظاهر مذهب أحمد ومالك الجمع للوحل والريح الشديدة الباردة ونحو ذلك، ويجوز للمرضع أن تجمع إذا كان يشق عليها غسل الثوب في وقت كل صلاة نص عليه أحمد (1).

وسئل رحمه الله (24/ 29) عن رجل يؤم قومًا وقد وقع المطر والثلج فأراد أن يصلي بهم المغرب، فقالوا له: يجمع، فقال: لا أفعل. فهل للمأمومين أن يصلوا في بيوتهم أم لا؟

فأجاب: الحمد الله، نعم يجوز الجمع للوحل الشديد والريح الشديدة الباردة في الليلة الظلماء ونحو ذلك وإن لم يكن المطر نازلًا في أصح قولي العلماء وذلك أولى من أن يصلوا في بيوتهم، بل ترك الجمع مع الصلاة في البيوت بدعة مخالفة للسنة إذ السنة أن تصلي الصلوات الخمس في المساجد جماعة، وذلك أولى من الصلاة في البيوت باتفاق المسلمين والصلاة جمعًا في المسجد أولى من الصلاة في البيوت مفرقة باتفاق الأئمة الذين يجوزون الجمع كمالك والشافعي وأحمد، والله تعالى أعلم.

وقال رحمه الله ص [50] من الجزء نفسه: والنبي صلى الله عليه وسلم لما كان يصلي بأصحابه جمعًا وقصرًا لم يكن يأمر أحدًا منهم بنية الجمع والقصر.

وقال أيضًا ص [51]: والإمام أحمد لم ينقل عنه فيما أعلم أنه اشترط النية في جمع ولا قصر.

(1) وفي الاختيارات قال الشيخ ص [74]: (ويجوز الجمع للطباخ والخباز ونحوهما ممن يخشى فساد ماله.

ص: 55

وقال ص [54]: والصحيح أنه لا تشترط الموالاة بحال في وقت الأولى ولا في وقت الثانية، فإنه ليس لذلك حد في الشرع، ولأن مراعاة ذلك يسقط مقصود الرخصة.

وقال ص [52]: وقال أحمد: إذا صلى إحدى صلاتي الجمع في بيته والأخرى في المسجد فلا بأس وهذا نص منه على أن الجمع هو جمع في الوقت لا تشترط فيه المواصلة. انتهى كلامه رحمه الله.

تم تحريره في غرة شعبان 1416هـ.

ص: 56