المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما ورد في الوباء والطاعون - نفح العبير - جـ ٣

[عبد الله بن مانع الروقي]

الفصل: ‌ما ورد في الوباء والطاعون

فقالت: إني أُصرع وإني أتكشف فادع الله لي، قال:«إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك» ، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله لي ألا أتكشف فدعا لها.

وفي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت النبي رضي الله عنه يقول: «إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة» يريد عينيه.

وفي صحيح البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي دخل على أعرابي يعوده وكان النبي رضي الله عنه إذا دخل على مريض يعوده قال: «لا بأس طهور إن شاء الله» .

والصبر على بعض الأمراض سبب لدخول الجنة كما في الصبر على العمى وعلى الصرع، وكما جاء في المبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والمطعون، والمحترق وغيرهم أنهم شهداء.

‌ما ورد في الوباء والطاعون

مما جاء في الطاعون حديث عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه» ، أخرجه البخاري وأخرج نحوه عن أسامة بن زيد.

تعريف الطاعون:

قال الخليل: هو الوباء.

وقال ابن الأثير: الطاعون المرض العام الذي يفسد له الهواء، وتفسد به الأمزجة والأبدان.

وقال ابن العربي: الطاعون الوجع الغالب الذي يطفئ الروح كالذبحة سمي

ص: 37

بذلك لعموم مصابه وسرعة قتله.

وقال الداودي: الطاعون حبة تخرج في الأرقاع وفي كل طي من الجسد، والصحيح أنه الوباء.

وقال عياض: أصل الطاعون القروح الخارجية من الجسد، والوباء عموم الأمراض؛ فسميت طاعونًا لشبهها بها في الهلاك، وإلا فكل طاعون وباء وليس كل وباء طاعونًا.

وقال ابن سينا وغيره: الطاعون مادة سمية تحدث ورمًا قتالًا يحدث في المواضع الرخوة والمغابن من البدن وأغلب ما يكون تحت الإبط أو خلف الأذن أو عند الأرنبة. قال: وسببه دم رديء مائل إلى العفونة والفساد ويستحيل إلى جوهر سمي يفسد العضو ويغير ما يليه ويؤدي إلى القلب كيفية ردئية فيحدث القيء والغثيان والغشي والخفقان

إلى أن قال: والطواعين تكثر عند الوباء في البلاد الوبئة، ومن ثم أطلق على الطاعون وباء وبالعكس، وأما الوباء: فهو فساد جوهر الهواء الذي هو مادة الروح ومدده (1).

وقصة عمر مشهورة لما وقع الطاعون المسمى طاعون عمواس بالشام أخرجها البخاري ومسلم وغيرهما، وفيها: أن عمر رجع بالناس لما بلغه الحديث الذي فيه النهي عن دخول أرض الوباء والطاعون.

قال ابن القيم في «زاد المعاد» (4/ 24): وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم للأمة في نهيه عن الدخول إلى الأرض التي هو فيها، ونهيه من الخروج منها بعد وقوعه كمال التحرز منه؛ فإن في الدخول في الأرض التي هو فيها تعرض للبلاء، وموافاة له في محل

(1)«الفتح» (10/ 180)، وانظر:«الهدي» (4/ 37).

ص: 38

سلطانه، وإعانة للإنسان على نفسه، وهذا مخالف للشرع والعقل؛ بل تجنب الدخول إلى أرضه من باب الحمية التي أرشد الله سبحانه إليها وهي حمية عن الأمكنة والأهوية المؤذية، وأما نهيه عن الخروج من بلده ففيه معنيان:

أحدهما: حمل النفوس على الثقة بالله والتوكل عليه، والصبر على أقضيته والرضى به.

الثاني: ما قاله الأئمة من الأطباء أنه يجب على كل محترز من الوباء أن يخرج عن بدنه الرطوبات الفضيلة، ويقلل الغذاء، ويميل إلى التدبير المجفف من كل وجه إلا الرياضة والحمام .. إلى أن قال: ويجب عند وقوع الطاعون السكون والدعة وتسكين هيجان الأخلاط، ولا يمكن الخروج من أرض الوباء والسفر إلا بحركة شديدة وهي مضرة جدًا

إلى أن قال: وفي المنع من الدخول إلى الأرض التي قد وقع بها عدة حكم:

أحدها: تجنب الأسباب المؤذية، والبعد عنها.

الثاني: الأخذ بالعافية التي هي مادة المعاش والمعاد.

الثالث: ألا يستنشقوا الهواء الذي قد فسد وعفن فيمرضوا.

الرابع: ألا يجاوروا المرضى الذين قد مرضوا بذلك فيحصل لهم بمجاورتهم من جنس أمراضهم.

الخامسة: حمية النفوس عن الطيرة والعدوى .. وبالجملة ففي النهي عن الدخول في أرضه الأمر بالحذر والحمية والنهي عن التعرض لأسباب التلف، وفي النهي عن الفرار منه الأمر بالتوكل، والتسليم والتفويض: فالأول تأديب وتعليم، والثاني تفويض وتسليم. (1) اهـ.

(1)(4/ 37).

ص: 39