المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مسألة شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم - نفح العبير - جـ ٣

[عبد الله بن مانع الروقي]

الفصل: ‌مسألة شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

‌مسألة شد الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم

-

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

أما بعد:

فإن هذه المسألة (مسألة شد الرحل وإنشاء السفر)؛ لقصد قبر النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لغرض ما يسمى بالزيارة.

هي مسألة كثر الجدل فيها بين المتأخرين خاصة، ولم تكن هذه المسألة عند المتقدمين كحجمها عند المتأخرين؛ لأن السلف رحمهم الله من الصحابة والتابعين وأهل القرون الثلاثة المفضلة كانوا من أشد الناس اتباعًا وأحرصهم على الخير وهم أعظم الأمة تعظيمًا للتوحيد وخوفًا من الشرك وحذرًا من الوقوع في وسائله والذرائع إليه، ولما كان كل خلاف يرد إلى الله والرسول امتثالًا لقوله تعالى:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59]، ولقوله:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10]، فالواجب الرد إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه المسألة التي نحن بصددها قد جاءت فيها نصوص خاصة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وانضم إلى هذا فهم الصحابة رضي الله عنهم مع الإجماع على عدم شرعية ذلك واستحبابه فرأيت أن أكتب في هذه المسألة بحثًا أستخلصه من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، كما ذكره أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي في كتابه «الصارم المُنكي في الرد على السبكي،» وهو كتاب مطبوع متداول، فلخصت كلام شيخ الإسلام رحمه الله،

ص: 13

وقربته وجعلته موجزًا وافيًا إن شاء الله وقسمته إلى أقسام:

أولاً: الأدلة على المنع.

ثانيًا: تفسير الأدلة ومعناها.

ثالثًا: الأقوال في شد الرحل.

رابعًا: فهم الصحابة المنع من ذلك.

خامسًا: مخالفة فاعل ذلك للإجماع.

سادسًا: أنه لا يلزم الوفاء بالنذر لو نذر السفر لمجرد القبر.

سابعًا: ضعف الأحاديث الواردة في مشروعية شد الرحل والزيارة.

ثامنًا: مراد من أطلق الزيارة من الأئمة.

تاسعًا: أقسام الناس في الزيارة.

سالكًا في ذلك الاختصار، وجميع الألفاظ الموجودة في البحث للشيخ رحمه الله.

أولاً: الأدلة على المنع:

فمن ذلك ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة سدد خطاكمعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى» ، هكذا رواه الشيخان بلفظ الخبر، وقد رواه مسلم بلفظ النهي وهو معنى الخبر السابق فروى عن أبي سعيد الخدري سدد خطاكم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى» ورواه إسحاق بن راهويه في مسنده بصيغة الحصر: «إنما تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد: مسجد إبراهيم، ومسجد محمد، ومسجد بيت المقدس» .

ص: 14

ثانيًا: تفسير الأحاديث ومعناه:

اعلم أن الخبر معناه النهي، فقوله:«لا تشد الرحال» ، معناه: لا تشدوا الرحال، وهذا نهي يفيد حرمة شد الرحل لغير المساجد الثلاثة، وقال بعضهم: ليس بنهي وإنما معناه أنه لا يشرع وليس بواجب ولا مستحب، بل مباح كالسفر في التجارة وغيرها. ورده شيخ الإسلام بقوله؛ تلك الأسفار لا يقصد بها العبادة، بل يقصد بها مصلحة دنيوية مباحة والسفر إلى القبور إنما يقصد به العبادة، والعبادة إنما تكون بواجب أو مستحب، فإذا أحصل الاتفاق على أن السفر إلى القبور ليس بواجب ولا مستحب، كان فعله على وجه التعبد مبتدعًا مخالفًا للإجماع، والتعبد بالبدعة ليس بمباح لكن من لم يعلم أن ذلك بدعة فإنه قد يعذر فإذا تبين له السنة لم يجز له مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم ولا التعبد بما نهى عنه.

قلت: فعلم أن الحديث أراد الأسفار المنشئة للتعبد لا الأسفار المباحة للمصالح الدنيوية وبهذا يرتفع الإشكال الذي عرض لمن سوغ سفر الزيارة. والله المستعان.

ثالثًا: أقوال أهل العلم في مسالة شد الرحال للقبر النبوي:

اعلم أن الأقوال في شد الرحل وأعمال المطي إلى مجرد زيارة القبر، إنما هي قولان:

أحدهما: القول بالإباحة كما يقول بعض أصحاب الشافعي وأحمد.

ص: 15

والثاني: أنه منهي عنه كما نص عليه إمام دار الهجرة مالك بن أنس ولم ينقل عن أحد من الأئمة الثلاثة خلافه، وإليه ذهب جماعة من أصحاب الشافعي وأحمد.

وقال شيخ الإسلام في موضع آخر: فمن سافر إلى المسجد الحرام أو المسجد الأقصى أو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فصلى في مسجده وصلى في مسجد قباء وزار القبور كما مضت به سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الذي عمل العمل الصالح، ومن أنكر هذا السفر فهو كافر يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وأما من قصد السفر لمجرد زيارة القبر ولم يقصد الصلاة في المسجد وسافر إلى مدينته فلم يصل في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولا سلم عليه في الصلاة، بل أتى القبر ثم رجع فهذا مبتدع مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والإجماع والصحابة ولعلماء أمته، وهو الذي فيه القولان:

أحدهما أنه محرم، والثاني أنه لا شيء عليه ولا أجر له، والذي يفعله علماء المسلمين هو الزيارة الشرعية يصلون في مسجده صلى الله عليه وسلم ويسلمون عليه في الدخول للمسجد وفي الصلاة، وهذا مشروع باتفاق المسلمين - إلى أن قال - مع أنه فيه نزاعًا إذ من العلماء من لا يستحب زيارة القبور مطلقًا ومنهم من يكرهها مطلقًا كما نقل ذلك عن إبراهيم النخعي والشعبي ومحمد بن سيرين، وهؤلاء من أجلة التابعين ونقل ذلك عن مالك، وعنه أنها مباحة ليست مستحبة، وأما إذا قدر من أتى المسجد فلم يصل فيه ولكن أتى القبر ثم رجع فهذا هو الذي أنكره الأئمة كمالك وغيره وليس هذا مستحبًا عند أحد من العلماء، وهو محل النزاع، هل هو حرام أو مباح، وما علمنا أحدًا من العلماء استحب مثل هذا والله أعلم.

وقال شيخ الإسلام في موضع آخر: وأما التصريح باستحباب السفر لزيارة قبره دون مسجده فهذا لم أره عن أحد من أئمة المسلمين، ولا رأيت أحدًا من علمائهم صرح به، وإنما غاية الذي يدعي ذلك أنه يأخذه من لفظ مجمل قاله بعض المتأخرين، مع أن صاحب ذلك اللفظ قد يكون صرح بأنه لا يسافر إلا إلى ثلاثة مساجد أو أن السفر إلى غيرها منهي عنه، فإذا جمع كلامه علم أن الذي استحبه ليس هو السفر لمجرد القبر بل للمسجد، ولكن قد يقال: إن كلام بعضهم

ص: 16

ظاهر في استحباب السفر لمجرد الزيارة، فيقال: هذا الظهور إنما كان لما فهم المستمع من زيارة قبره ما يفهم من زيارة سائر القبور، وأطلق هذا كان ذلك متضمنًا لاستحباب السفر لمجرد القبر، فإن الحُجاج وغيرهم لا يمكنهم زيارة قبره إلا بالسفر إليه، لكن قد علم أن الزيارة المعهودة من القبور ممتنعة في قبره فليست من العمل المقدور ولا المأمور فامتنع أن يكون أحد من العلماء يقصد بزيارة قبره هذه الزيارة وإنما أرادوا السفر إلى مسجده والصلاة والسلام عليه والثناء عليه هناك لكن سموا هذا زيارة لقبره كما اعتادوه ولو سلكوا مسلك التحقيق الذي سلكه الصحابة رضي الله عنهم ومن اتبعهم لم يسموا هذا زيارة لقبره، وإنما هو زيارة لمسجده وصلاة وسلام عليه ودعاء له وثناء عليه في مسجده سواء أكان القبر هناك أم لم يكن.

رابعًا: فهم الصحابة للمنع من شد الرحل للزيارة:

قال شيخ الإسلام: إن أبا هريرة لما سافر إلى الطور الذي كلم الله عليه موسى بن عمران عليه السلام، فقال له بصرة بن أبي بصرة الغفاري: لو أدركتك قبل أن تخرج لما خرجت، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، ومسجد بيت المقدس» .

وقال الشيخ في مكان آخر: فالطوائف متفقة على أنه ليس مستحبًا، وما علمت أحدًا من أئمة المسلمين قال إن السفر إليها مستحب، وإن كان قاله بعض الأتباع فهو ممكن، وأما الأئمة المجتهدون فما منهم من قال هذا وإذا قيل هذا كان قولًا ثالثًا في المسألة وحينئذٍ يبين لصاحبه أن هذا القول خطأ مخالف للسنة ولإجماع الصحابة، فإن الصحابة في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبعدهم إلى انقراض عصرهم لم يسافر أحد منهم إلى قبر نبي ولا رجل صالح وقبل الخليل عليه السلام بالشام لم يسافر إليه أحد من الصحابة، كانوا يأتون بيت

ص: 17

المقدس ويصلون فيه ولا يذهبون إلى قبر الخليل .. إلى أن قال: ولم يكن أحد من الصحابة يسافر إلى المدينة لأجل قبر النبي صلى الله عليه وسلم بل كانوا يأتون فيصلون في مسجده ويسلمون عليه في الصلاة ويسلم من يسلم عند دخول المسجد والخروج منه وهو مدفون في حجرة عائشة فلا يدخلون الحجرة ولا يقفون خارجًا عنها في المسجد عند السور، وكان يقدم في خلافة أبي بكر وعمر أمداد اليمن الذين فتحوا الشام والعراق وهم الذين قال الله فيهم:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]، ويصلون في مسجده كما ذكرنا، ولم يكن أحد يذهب إلى القبر ولا يدخل الحجرة ولا يقوم خارجها في المسجد بل السلام عليه خارج الحجرة.

وقال في موضع آخر: ولم يعرف عن أحد من الصحابة أنه تكلم باسم زيارة قبره صلى الله عليه وسلم لا ترغيبًا في ذلك ولا غير ترغيب فعلم أن مسمى هذا الاسم لم يكن له حقيقة عندهم.

وقال أيضًا: ومن ظن أن زيارة المسجد إنما شرعت لأجل القبر فقد أخطأ ولم يقل هذا أحد من الصحابة والتابعين.

وقال رحمه الله: فأما السفر لأجل القبور فلا يعرف عن أحد من الصحابة، وكان عمر ومن معه من المهاجرين والأنصار يقدمون إلى بيت المقدس ولم يذهبوا إلى قبر الخليل عليه السلام، وكذلك سائر الصحابة الذين كانوا ببيت المقدس وسائر الشام لم يعرف عن أحد منهم أنه سافر إلى قبر الخليل عليه السلام ولا غيره، كما لم يكونوا يسافرون إلى المدينة لأجل القبر، وما كان قربة للغرباء فهو قربة لأهل المدينة كإتيان قبور الشهداء وأهل البقيع وما لم يكن قربة لأهل المدينة لم يكن قربة لغيرهم كاتخاذ بيته عيدًا واتخاذ قبره وقبر غيره مسجدًا وكالصلاة

ص: 18

إلى الحجرة والتمسح بها وإلصاق البطن بها والطواف وغير ذلك مما يفعله جُهال القادمين، فإن هذا بإجماع المسلمين ينهى عنه الغرباء كما ينهى عنه أهل المدينة ينهون عنه صادرين وواردين باتفاق المسلمين وبالجملة فجنس الصلاة عليه والثناء عليه صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك مما استحبه بعض العلماء عند القبر للواردين والصادرين هو مشروع في مسجده وسائر المساجد، وأما إذا ما كان سؤالًا له فهذا لم يستحبه أحد من السلف لا الأئمة ولا غيرهم.

وقال الشيخ أيضًا: وسائر الصحابة الذين كانوا ببيت المقدس وغيرهم من الشام مثل معاذ بن جبل وأبي عبيدة بن الجراح وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وغيرهم، لم يعرف عن أحد منهم أنه سافر لقبر من القبور التي بالشام لا قبر الخليل ولا غيره، كما لم يكونوا يسافرون إلى المدينة لأجل القبر، وكذلك الصحابة الذين كانوا بالحجاز والعراق وسائر البلاد كما قد بسطنا هذا في غير هذا الموضع.

وقال رحمه الله: ولهذا كان الصحابة بالمدينة على عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم إذا دخلوا المسجد لصلاة أو اعتكاف أو تعليم أو تعلم أو ذكر الله ودعاء له ونحو ذلك مما شرع في المساجد لم يكونوا يذهبون إلى ناحية القبر فيزورونه هناك ولا يقفون خارج الحجرة كما لم يكونوا يدخلون الحجرة أيضًا لزيارة قبره، فلم يكن الصحابة بالمدينة يزورون قبره لا من المسجد خارج الحجرة ولا داخل الحجرة، ولا كانوا أيضًا يأتون من بيوتهم لمجرد زيارة قبره، بل هذا من البدع التي أنكرها الأئمة والعلماء، وإن كان الزائر منهم ليس مقصوده إلا السلام والصلاة عليه وبينوا أن السلف لم يفعلوها كما ذكره مالك في «المبسوط» ، وقد ذكره أصحابه كأبي الوليد الباجي والقاضي وغيرهما.

ص: 19

خامسًا: مخالفة فاعل ذلك للإجماع:

قال رحمه الله: وأما من قصد السفر لمجرد زيارة القبر ولم يقصد الصلاة في مسجده وسافر إلى مدينته فلم يصل في مسجده صلى الله عليه وسلم ولا سلم عليه في الصلاة، بل أتى القبر ثم رجع فهذا مبتدع ضال مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولإجماع الصحابة ولعلماء أمته.

وقال أيضًا: وما علمنا أحدًا من علماء المسلمين المجتهدين الذين تذكر أقوالهم في مسائل الإجماع والنزاع ذكر أن ذلك مستحب فدعوى من ادعى أن السفر إلى مجرد القبور مستحب عند جميع علماء المسلمين كذب ظاهر وكذلك إن ادعى أن هذا قول الأئمة الأربعة أو جمهور أصحابهم أو جمهور علماء المسلمين فهو كذب بلا ريب، وكذلك إن ادعى أن هذا قول عالم معروف من الأئمة المجتهدين، وإن قال: إن هذا قول بعض المتأخرين أمكن أن يصدق في ذلك وهو بعد أن تعرف صحة نقله نقل قولًا شاذًا مخالفًا لإجماع السلف مخالفًا لنصوص الرسول فكفى بقوله فسادًا أن يكون قولًا مبتدعًا في الإسلام مخالفًا للسنة والجماعة لما سنّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها.

سادسًا: أنه لا يلزم الناذر للسفر لمجرد القبر الوفاء بنذره:

قال رحمه الله: ولو سافر من بلد مثل أن يسافر إلى دمشق من مصر لأجل مسجدها أو بالعكس أو يسافر إلى مسجد قباء من بلد بعيد لم يكن هذا مشروعًا باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، ولو نذر ذلك لم يف بنذره باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم.

وقال أيضًا: ولو نذر السفر إلى غير المساجد أو السفر لمجرد قبر نبي أو صالح لم يلزمه الوفاء بنذره باتفاقهم فإن هذا السفر لم يأمر به النبي صلى الله عليه وسلم، بل قال: «لا

ص: 20

تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد»، وإنما يجب بالنذر ما كان طاعة، وقد صرح مالك وغيره بأن من نذر السفر إلى المدينة النبوية إن كان مقصوده الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وفى بنذره، وإن كان مقصوده مجرد زيارة القبر من غير صلاة في المسجد لم يفِ بنذره، قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد» .

وقال الشيخ أيضًا: وهذا الذي قاله مالك وغيره، ما علمت أحدًا من المسلمين قال بخلافه بل كلامهم يدل على موافقته.

وقال أيضًا: وقال مالك للسائل الذي سأله عمن نذر أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن كان أراد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فليأته وليصل فيه، وإن كان أراد القبر فلا يفعل للحديث الذي جاء فيه:«لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد» .

سابعًا: ضعف الأحاديث الواردة في مشروعية شد الرحل لأجل القبر وزيارته:

قال الشيخ رحمه الله: الأحاديث المذكورة في هذا الباب مثل قوله: «من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي، ومن زارني بعد مماتي حلت له شفاعتي» ، ونحو ذلك كلها أحاديث ضعيفة بل موضوعة ليست في شيء من دواوين المسلمين التي يعتمد عليها ولا نقلها إمام من أئمة المسلمين لا الأئمة الأربعة ولا نحوهم، ولكن روى بعضها البزار والدارقطني ونحوهما بإسناد ضعيف؛ لأن من عادة الدارقطني وأمثاله أن يذكروا هذا في السنن ليعرف وهو وغيره يبينون ضعف الضعيف من ذلك.

وقال أيضًا: ولهذا لما احتاج المنازعون في هذه المسألة إلى ذكر سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه وما كان عليه أصحابه لم يقدر أحد منهم على أن يستدل في

ص: 21

ذلك بحديث منقول عنه إلا وهو حديث ضعيف، بل موضوع مكذوب وليس معهم بذلك نقل عن إمام من أئمة المسلمين أنه قال يستحب السفر إلى مجرد زيارة القبور، ولا السفر إلى مجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين ولا السفر لمجرد زيارة قبره.

ثامنًا: مراد من أطلق الزيارة من الأئمة:

قال رحمه الله: ومعلوم أن زيارة القبر لها اختصاص بالقبر، ولما كانت زيارة قبره المشروعة إنما هي سفر إلى مسجده وعبادة في مسجده ليس فيها ما يختص بالقبر، كان قول من كره أن يسمى هذا زيارة لقبره أولى بالشرع والعقل واللغة ولم يبق إلا السفر إلى مسجده وهذا مشروع بالنص والإجماع والذين قالوا: يستحب زيارة قبره إنما أرادوا هذا فليس بين العلماء خلاف في المعنى بل في التسمية والإطلاق.

وقال أيضًا: وذلك أن لفظ الزيارة ليس المراد بها نظير المراد بزيارة قبر غيره فإن قبر غيره يوصل إليه ويجلس عنده ويتمكن الزائر مما يفعله الزائرون للقبور عندها من سنة وبدعة وأما هو صلى الله عليه وسلم فلا سبيل لأحد أن يصل إلا إلى مسجده ولا يدخل أحد بيته ولا يصل إلى قبره بل دفنوه في بيته بخلاف غيره.

وقال أيضًا: وقبر النبي صلى الله عليه وسلم خُصَّ بالمنع شرعًا وحسًا كما دفن في الحجرة ومنع الناس من زيارة قبره من الحجرة كما يزار سائر القبور فيصل الزائر إلى عند القبر وقبر النبي صلى الله عليه وسلم ليس كذلك فلا تستحب هذه الزيارة في حقه ولا تمكن.

تاسعًا: أقسام الناس في الزيارة:

قال رحمه الله: ثم إن الناس أقسام منهم من يقصد السفر الشرعي إلى مسجده ثم إذا صار في مسجده المجاور لبيته الذي فيه قبره فعل ما هو مشروع، فهذا سفر

ص: 22

مجمع على استحبابه وقصر الصلاة فيه ومنهم من لا يقصد إلا مجرد القبر ولا يقصد الصلاة في المسجد ولا يصلي فيه فهذا لا ريب أنه ليس بمشروع ومنهم من يقصد هذا وهذا، فهذا لم يذكر في الجواب إنما ذكر في الجواب من لم يسافر إلا لمجرد زيارة قبور الأنبياء الصالحين. اهـ كلامه رحمه الله.

ولمزيد الفائدة إليك رقم الصفحات للفقرة السابقة: (إحالات الأقسام التسعة من كتاب: «الصارم المنكي»):

1 -

ص [27].

2 -

ص (46، 47).

3 -

ص (26، 53، 54، 84، 85).

4 -

ص (44، 47، 83، 107، 108، 109، 110، 166).

5 -

ص (53، 219).

6 -

ص (45، 46، 125، 218).

7 -

ص (67، 84).

8 -

ص (84، 127، 167، 204، 213).

9 -

ص (122، 127).

والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 23