المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بحث في تكفير الأعمال الصالحة هل هو خاص بالصغائر أم لا؟وهل إجتناب الكبائر شرط أم لا - نفح العبير - جـ ٣

[عبد الله بن مانع الروقي]

الفصل: ‌بحث في تكفير الأعمال الصالحة هل هو خاص بالصغائر أم لا؟وهل إجتناب الكبائر شرط أم لا

‌بحث في تكفير الأعمال الصالحة هل هو خاص بالصغائر أم لا؟

وهل إجتناب الكبائر شرط أم لا

؟

الحمد لله:

قال النووي رحمه الله في «شرح مسلم» على حديث عثمان سدد خطاكم: «ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله» ، قال: معناه أن الذنوب كلها تغفر، إلا الكبائر فإنها لا تغفر، وليس المراد أن الذنوب ما لم تكن كبيرة فإن كانت لا يغفر شيء من الصغائر فإن هذا وإن كان محتملًا فسياق الأحاديث يأباه، قال القاضي عياض: هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تؤت كبيرة هو مذهب أهل السنة، وإن الكبائر إنما تكفرها التوبة (1) أو رحمة الله تعالى وفضله والله أعلم.

وقال ابن رجب (2) في «شرح الأربعين» : وقد اختلف الناس في مسألتين:

أحدهما: هل تكفر الأعمال الصالحة الكبائر والصغائر أم لا تكفر سوى الصغائر؟ فمنهم من قال: لا تكفر سوى الصغائر، وقد روى هذا عن عطاء وغيره من السلف في الوضوء أنه يكفر الصغائر، وقال سلمان الفارسي سدد خطاكم في الوضوء: إنه يكفر الجراحات الصّغار، والمشي إلى المساجد يكفر أكبر من ذلك، والصلاة تكفر أكبر من ذلك. خرجه محمد نصر المروزي (3).

وأما الكبائر فلابد لها من توبة؛ لأن الله أمر العباد بالتوبة، وجعل من لم يتب

(1) انظر: «أسئلة وأجوبة» لابن حجر، ص [40]، عناية مرزوق إبراهيم.

(2)

عند حديث: «اتق الله حيثما كنت» .

(3)

إسناده صحيح، برقم [99]، (157/ 1) من تعظيم الصلاة.

ص: 24

ظالمًا، واتفقت الأمة على أن التوبة فرض، والفرائض لا تؤدى إلا بنية وقصد، ولو كانت الكبائر تقع مكفرة بالوضوء والصلاة وأداء بقية أركان الإسلام؛ لم يحتج إلى التوبة، وهذا باطل بالإجماع (1)، وأيضًا فلو كفرت الكبائر بفعل الفرائض، لم يبق لأحد ذنب يدخل به النار إذا أتى بالفرائض وهذا يشبه قول المرجئة وهو باطل، هذا ما ذكره ابن عبد البر في كتابه «التمهيد». وحكى إجماع المسلمين على ذلك واستدل بأحاديث منها قول النبي صلى الله عليه وسلم:«الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفِّرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر» ، وهو مخرج في الصحيحين (2) من حديث أبي هريرة، وهذا يدل على أن الكبائر لا تكفرها هذه الفرائض، وقد حكى ابن عطية في تفسيره (3) في معنى هذا الحديث قولين:

أحدهما: وحكاه عن جمهور أهل السنة أن اجتناب الكبائر شرط لتكفير هذه الفرائض للصغائر، فإن لم تجتنب، لم تكفر هذه الفرائض شيئًا بالكلية.

والثاني: أنها تكفر الصغائر مطلقًا، ولا تكفر الكبائر وإن وجدت، لكن بشرط التوبة من الصغائر وعدم الإصرار عليها ورجح هذا القول، وحكاه قول الحذاق وقوله بشرط التوبة من الصغائر وعدم الإصرار عليها مرادُه أنه إذا أصر عليها صارت كبيرة فلم تكفرها الأعمال والقول الأول الذي حكاه غريب مع أنه قد حكي عن أبي بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا مثله.

ثم سرد ابن رجب أحاديث فيها تكفير الأعمال الصالحة للسيئات نحو ما تقدم ثم قال: (وذهب قوم من أهل الحديث وغيرهم إلى أن هذه الأعمال تكفر الكبائر ومنهم ابن حزم الظاهري، وإياه عنى ابن عبد البر في كتاب «التمهيد» بالرد

(1) وفي هذا نظر يأتي بيانه - إن شاء الله - في كلام شيخ الإسلام.

(2)

بل هو من أفراد مسلم.

(3)

انظره: (9/ 236).

ص: 25

عليه، وقال: وقد كنت أرغب بنفسي عن الكلام في هذا الباب لولا قول ذلك القائل، وخشيت أن يغتر به جاهل، فينهمك في الموبقات اتكالًا على أنها تكفرها الصلوات دون الندم والاستغفار والتوبة والله نسأله العصمة والتوفيق (1).

قلت- ابن رجب: وقد وقع مثل هذا في كلام طائفة من أهل الحديث في الوضوء ونحوه، ووقع مثله في كلام ابن المنذر في قيام ليلة القدر قال: يُرجى لمن قامها أن يغفر له جميع ذنوبه صغيرها وكبيرها (2).اهـ. وانظر: «الفتاوى» (7/ 489).

وقال ابن رجب أيضًا في «فتح الباري شرح صحيح البخاري» ط. الغرباء (4/ 223):

وقد ذهبت طائفة من العلماء منهم أبو بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا إلى أن اجتناب الكبائر شرط لتكفير الصلوات الخمس الصغائر، فإن لم يجتنب الكبائر لم تكفر الصلوات شيئًا من الصغائر (3)، وحكاه ابن عطية في تفسيره عن جمهور أهل السنة لظاهر قوله:«ما اجتنبت الكبائر» ، والصحيح الذي ذهب إليه كثير من العلماء، ورجحه ابن عطية، وحكاه عن الحذاق وأن ذلك ليس بشرط، وأن الصلوات تكفر الصغائر مطلقًا إذا لم يصر عليها فإنها بالإصرار عليها تصير من الكبائر (4)، وقال الحافظ ابن حجر في «الفتح» (1/ 260) على حديث عثمان في الوضوء قوله:(من ذنبه) ظاهره يعم الكبائر والصغائر، لكن العلماء خصوه بالصغائر لوروده مقيدًا باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية وهو في حق من له

(1) راجع «التمهيد» (4/ 44 - 49) من المجلد الرابع.

(2)

من كلام ابن رجب (1/ 428) في شرح حديث «اتق الله حيثما كنت» من «جامع العلوم» ط. شعيب.

(3)

وهذا يبين ويحدد القول الذي استغربه ابن رجب قبلًا.

(4)

وانظر: عقيدة السفاريني «لوامع الأنوار» (1/ 374، 380).

ص: 26

كبائر وصغائر، فمن ليس له إلا صغائر كفرت عنه، ومن ليس له إلا كبائر خفف عنه منها بمقدار ما لصاحب الصغائر، ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزداد في حسناته بنظير ذلك.

وقال الحافظ أيضًا في «الفتح» (2/ 12) على حديث أبي هريرة يرفعه: «أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسًا» ، وفيه:«فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله به الخطايا» ، قال القرطبي: ظاهر الحديث أن الصلوات الخمس تستقل بتكفير جميع الذنوب، وهو مشكل، لكن روى مسلم قبله حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا:«الصلوات الخمس كفارة لما بينها ما اجتنبت الكبائر» ، فعلى هذا المقيد يحمل ما أطلق في غيره.

فائدة: قال ابن بزيزة في «شرح الأحكام» : يتوجه على حديث العلاء إشكال يصعب التخلص منه؛ وذلك أن الصغائر بنص القرآن مكفرة باجتناب الكبائر وإذا كان كذلك فما الذي تكفره الصلوات الخمس؟ انتهى، وقد أجاب شيخنا الإمام البُلقيني بأن السؤال غير وارد لأن مراد الله {إِنْ تَجْتَنِبُوا} [النساء: 31]، في جميع العمر، ومعناه الموافاة على هذه الحالة من وقت الإيمان أو التكليف إلى الموت. والذي في الحديث أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها- أي في يومها- إذا اجتنبت الكبائر في ذلك اليوم، فعلى هذا لا تعارض بين الآية والحديث. اهـ. وعلى تقدير ورود السؤال فالتخلص منه بحمد الله سهل، وذلك أن لا يتم اجتناب الكبائر إلا بفعل الصلوات الخمس، فمن لم يفعلها لم يعد مجتنبًا للكبائر؛ لأن تركها من الكبائر، فوقف التكفير على فعلها والله أعلم. وقد فصّل شيخنا الإمام البلقيني أحوال الإنسان بالنسبة إلى ما يصدر منه من صغيرة وكبيرة، فقال: تنحصر في خمسة:

أحدها: ألا يصدر منه شيء ألبته، فهذا يعاوض برفع الدرجات.

ثانيها: يأتي

ص: 27

بصغائر بلا إصرار، فهذا تكفر عنه جزمًا.

ثالثها: مثله لكن مع الإصرار فلا تكفر إذا قلنا إن الإصرار على الصغائر كبيرة.

رابعها: أن يأتي بكبيرة واحدة وصغائر.

خامسها: أن يأتي بكبائر وصغائر، وهذا فيه نظر يحتمل إذا لم يجتنب الكبائر أن لا تكفر الكبائر بل تكفر الصغائر، ويحتمل أن لا تكفر شيئًا أصلًا، والثاني أرجح؛ لأن مفهوم المخالفة إذا لم تتعين جهته لا يعمل به، فهنا لا تكفر شيئًا إما لاختلاط الكبائر والصغائر أو لتمحض الكبائر أو تكفر الصغائر فلم تتعين جهة مفهوم المخالفة لدورانه بين الفصلين فلا يعمل به، ويؤيد أن مقتضى تجنب الكبائر أن هناك كبائر، ومقضى ما اجتنبت الكبائر، إن لا كبائر فيصان الحديث عنه

اهـ.

وقال الحافظ أيضًا (8/ 357): وتمسك بظاهر قوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114] والمرجئة وقالوا: إن الحسنات تكفر كل سيئة كبيرة كانت أو صغيرة، وحمل الجمهور هذا المطلق على المقيّد في الحديث:«إن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر» ، فقالت طائفة: إن اجتنبت الكبائر كانت الحسنات كفارة لما عدا الكبائر من الذنوب وإن لم تجتنب الكبائر لم تحط الحسنات شيئًا، وقال آخرون: وإن تجتنب الكبائر لم تحط الحسنات شيئًا منها وتحط الصغائر وقيل المراد بالحسنات ما تكون سببًا في ترك السيئات كقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45]، لا أنها تكفر شيئًا حقيقة، وهذا قول بعض المعتزلة، وقال ابن عبد البر: ذهب بعض أهل العصر إلى أن الحسنات تكفر الذنوب. قلت: تقدم أن المراد بعصريه ابن حزم وتقدم قوله.

ص: 28

وقال الحافظ (3/ 598) على حديث: «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» ، واستشكل بعضهم كون العمرة كفارة مع اجتناب الكبائر يكفر فماذا تكفره العمرة؟ والجواب: أن تكفير العمرة مقيد بزمنها وتكفير الاجتناب عام لجميع عمر العبد (1) اهـ.

وقال الحافظ في «الفتح» (11/ 251) على حديث عثمان وفيه: «لا تغتروا» قال: حديث شرحه في الطهارة وحاصله لا تحملوا الغفران على عمومه في جميع الذنوب فتسترسلوا في الذنوب اتكالًا على غفرانها بالصلاة فإن الصلاة التي تكفر الذنوب هي المقبولة ولا اطلاع لأحد عليه، وظهر لي جواب آخر وهو أن المكفر بالصلاة هي الصغائر فلا تغتروا فتعملوا الكبيرة

إلخ (2).

وقال الأبُي على مسلم (2/ 14): وقوله: «ما لم تؤت كبيرة» ؛ لأن الكبيرة لا يكفرها إلا التوبة أو فضل الله عز وجل، قلت (3): يريد عندنا وأما عند المعتزلة فلا يكفرها إلا التوبة، وليس المعنى على ما يقتضيه الظاهر من أن ترك الكبيرة شرط في محو الصغائر بالوضوء، وإنما المعنى أن بالوضوء يغفر ما تقدم إلا أن يكون فيما تقدم كبيرة، فإن تلك الكبيرة لا يكفرها إلا التوبة أو فضل الله تعالى. اهـ.

وقال أيضًا في شرح حديث: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه» ، أي: بلا ذنب وهو يتضمن الصغائر والكبائر. قلت: قال ابن العربي هذه الطاعة لا تكفر الكبائر وإنما يكفرها الموازنة أو التوبة والصلاة لا تكفرها فكيف تكفرها العمرة أو الحج؟ ولكن هذه الطاعات ربما أثرت في القلب فحمله على التوبة، ويحتمل أن يكون الثواب بالجنة بعد المؤاخذة بمقدار الذنب. قلت:

(1) قلت: هذا جواب شيخه البُلقيني فكأنه تبناه وفيه تأمل!

(2)

وانظر مواضع مهمة في «فتح الباري» (2/ 372)، (3/ 382 - 383)، (12/ 124)، (10/ 108)، (10/ 193).

(3)

من المتن من شراح مسلم انظر: (ج 1، من ص أإلى ص د).

ص: 29

وقوله: ويحتمل أن يكون الثواب بالجنة بعد المؤاخذة بمقدار الذنب لا يصح لأنه لا فائدة، إذن للعبادة الخاصة؛ لأن دخول الجنة بعد المؤاخذة بمقدار الذنب ثابت في كل العصاة على مذهب الأشعرية، واختار ابن بزيزة أن هذه الطاعات تكفر الكبائر، قال: ويدل لذلك حديث مباهاة الملائكة عليهم السلام بالحاج؛ لأن الملائكة مطهرون مطلقًا ولا يباهي المطهر مطلقًا إلا بمطهر مطلقًا (1)

(ثم استدل ابن بزيزة بحديث غفران الذنوب لأهل عرفة وضمان التبعات)(2).

ثم قال: (فإن قلت): قد جاء أن الجهاد يكفر كل شيء إلا الدَّين فما بال الحج يكفر كل شيء على مقتضى هذه الأحاديث، قال:(قلت): أسرار الله تعالى لا يطلع عليها غيره فنقف مع ما فهمنا ولا سبيل إلى الخروج عنه. اهـ.

وقال المباركفوري في «شرح الترمذي» (1/ 628) بعدما نقل كلام ابن عبد البر والنووي، قال: قال العلامة الشيخ محمد بن ظاهر في «مجمع البحار» ما لفظه: (لابد في حقوق الناس من القصاص ولو صغيرة وفي الكبائر من التوبة، ثم ورد وعد المغفرة في الصلوات الخمس والجمعة ورمضان فإذا تكرر يغفر بأولها الصغائر وبالبواقي يخفف عن الكبائر وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة يرفع بها الدرجات) اهـ.

وقال شيخنا ابن باز في تعليقه على «فتح الباري» (2/ 372): وظاهر المذكور أن اجتناب الكبائر شرط لتكفير الصغائر.

وأفاد نحو هذا الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في حاشيته على «صحيح

(1) وفيه نظر لا يخفى.

(2)

هو حديث العباس بن مرداس الأسلمي، وجاء من حديث عبادة بن الصامت وأنس وأبي هريرة وغيرهم وكلها ضعاف وألَّفَ الحافظ فيها جزءًا مطبوعًا أسماه قوة الحجاج في عموم المغفرة للحاج. فلينظر.

ص: 30

الترغيب والترهيب» ص [141].

وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله في «شرح رياض الصالحين» (3/ 221): (واختلف العلماء رحمهم الله في قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا اجتنبت الكبائر»، هل معنى الحديث أن الصغائر تكفر إذا اجتنبت الكبائر وأنها لا تكفر إلا بشرطين وهما: الصلوات الخمس واجتناب الكبائر، أو أن معنى الحديث أنها كفارة لما بينهن إلا الكبائر فلا تكفرها، وعلى هذا فيكون لتكفير السيئات الصغائر شرط واحد وهو إقامة هذه الصلوات الخمس، أو الجمعة إلى الجمعة، أو رمضان إلى رمضان، وهذا هو المتبادر- والله أعلم- أن المعنى أن الصلوات الخمس تكفر ما بينها إلا الكبائر فلا تكفرها. وكذلك الجمعة إلى الجمعة، وكذلك رمضان إلى رمضان؛ وذلك لأن الكبائر لابد لها من توبة خاصة، فإذا لم يتب توبة خاصة فإن الأعمال الصالحة لا تكفرها، بل لابد من توبة خاصة) اهـ.

قلت: فتلخص لنا من أقوال العلماء في هذه المسألة أقوال:

1 -

أن الأعمال الصالحة تكفر الصغائر والكبائر وهو منسوب لابن حزم.

2 -

أن الأعمال الصالحة منها ما يكفر الصغائر بل والكبائر، وتقدم هذا عن ابن المنذر وابن بزيزة، واختاره شيخ الإسلام (1) وابن القيم، وقال في قصة حاطب: إن الكبيرة العظيمة مما دون الشرك قد تكفر بالحسنة الكبيرة (2)(3).

(1)«الفتاوى المصرية» ص [578].

(2)

«الهدي» (3/ 423).

(3)

وهو اختيار شيخ الإسلام المستدرك في ابن قاسم (1/ 128). وانظر النقل الآتي عنه في المنهاج.

ص: 31

3 -

ومن العلماء من قال: إن الأعمال الصالحة تكفر الصغائر دون الكبائر وهذا الذي اختاره ابن رجب والنووي وابن عطية وحكاه عن الحذاق؛ بل حكاه القاضي عن أهل السنة، وكذلك ابن الملقّن قال: هو مذهب أهل السنة (1)، واختاره وهو ظاهر كلام ابن القيم كما في «طريق الهجرتين» عند كلامه على الطبقة التاسعة.

4 -

ومنهم من قال: إن الأعمال الصالحة لا تعمل في الصغائر أصلًا إلا باجتناب الكبائر، وهذا الذي حكاه ابن عطية عن جمهور أهل السنة (2)، وحكاه ابن رجب عن أبي بكر عبد العزيز واستغربه واختاره شيخنا ابن باز رحمه الله (3)، وتقدم النقل عنه قريبًا.

5 -

ومنهم من خصّ التكفير للأعمال الصالحة بانتفاء الكبائر في اليوم لا مطلق وجود الكبائر.

6 -

راجح - والعلم عند الله - القول الثالث، والقول الثاني، حيث لا منافاة.

فائدة مهمة:

قال شيخ الإسلام في «منهاج السنة النبوية» (6/ 216): (العمل الذي يمحو الله به الخطايا ويكفر به السيئات هو العمل المقبول، والله تعالى إنما يتقبل من المتقين، والناس لهم في هذه الآية وهي قوله تعالى:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]، ثلاثة أقوال: طرفان ووسط، فالخوارج يقولون: لا يتقبل الله إلا ممن اتقى الكبائر، وعندهم صاحب الكبيرة لا يقبل منه حسنة بحال، والمرجئة يقولون: من اتقى

(1) انظر: «الإعلام بفوائد عمدة الأحكام» له (1/ 358).

(2)

انظره عند تفسير سورة هود {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114].

(3)

وهو مستفاد من دروسه وما كتبت عنه من تعليقات.

ص: 32

الشرك، والسلف والأئمة يقولون: لا يتقبل الله إلا ممن اتقاه في ذلك العمل ففعله كما أُمر به خالصًا لوجه الله .. ثم قال رحمه الله: فالمحو والتكفير يقع بما يُتقبل من الأعمال وأكثر الناس يقصدون في الحسنات حتى في نفس صلاتهم، فالسعيد منهم من يُكتب له نصفها وهم يفعلون السيئات كثيرًا، فلهذا يكفر بما يُقبل من الصلوات الخمس شيء، وبما يقبل من الجمعة شيء، وبما يقبل من رمضان شيء آخر، وكذلك سائر الأعمال، وليس كل حسنة تمحو كل سيئة، بل المحو يكون للصغائر تارة ويكون للكبائر تارة باعتبار الموازنة) (1) اهـ.

ونبه على مثله ابن القيم كما في «الوابل الصيب» (2).

وتقدم قول الحافظ: أن الصلاة التي تكفر الذنوب هي المقبولة ولا اطلاع لأحد عليه

إلخ.

فائدة: ظاهر الآية الكريمة: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31] تكفير الصغائر بسبب اجتناب الكبائر، وعليه فتكفير الصغائر يقع بشيئين:

أحدهما: الحسنات الماحية.

والثاني: اجتناب الكبائر (3)، وقد نص عليها سبحانه وتعالى في كتابه فقال:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]، وقال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا

} [النساء: 31] الآية. اهـ من كلام ابن القيم بنصه في «طريق الهجرتين» عند كلامه على الطبقة التاسعة طبقة أهل النجاة.

والله نسأله النجاة من عذابه ودخول جنته بمنِّه وكرمه آمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد

تم تحريره في 10/ 7/1420هـ.

(1) وذكر كلامًا نفيسًا قبل وبعد فانظره.

(2)

ص [20]، بأوّله، ونسخ الكتاب مختلفة.

(3)

وقد نصّ عليه جمهورهم.

ص: 33