الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التمسك بالقرآن الكريم وأثره في حياة المسلمين
أ. د/ عبد الله بن عمر محمد الأمين الشنقيطي
كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - عام 1421هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين وكفى، أنزل كتابه رحمة وفرقاناً للعالمين وهُدى، وكان حبله المتين والعرْوة الوثقى، من تمسك به سعد واهتدى، وفاز واعتز في الآخرة والأولى، ومن أعرض عنه خسر وغوى، ولم يزل مرتداً عن الحق وسائراً القهقرى، حتى يُزَجَّ به في النار على القفا، عياذاً بالله تعالى من الشر وإتباع الهوى:
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. صلى اللهم وسلم على رسولك المجتبى ونبيك المرتضى خير من صام وحج وصلى وزكَّى، أحسنُ الهدى ما وفقه الله تعالى له وهدى.
كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن (1) ، فإذا أمره امتثل الفعل، وإذا نهاه اجتنب المحظور، فلذلك كان صلى الله عليه وسلم أكمل الناس خلقاً، وألينهم عريكةً، وأهداهم سبيلاً وقد سار على نهجه القويم صحابته الكرام رضي الله عنهم، وأسأل ربي رضاه ومن تبعهم في ذلك وتابعوهم بإحسان، فكانوا هم ومن سلك طريقهم خير أُمَّةٍ أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله تعالى.
(1) كما ورد في الحديث عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها أنها قالت في وصف خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان خلقه القرآن، رواه مسلم، مسافرين 139.
أدان الله تعالى لهم البلاد، وفتح عليهم - حباً - قلوب العباد، وقمع بهم الشر والفساد فرفرفت عليهم - بعد الحروب المدمرة رايات السلام وأتم عليهم الله بعد الفاقة غاية الإنعام وأكرمهم بعد الإهانة أيما إكرام.
ولقد جعل الله تعالى تلك سنةً ماضية وسبيلاً جارية، أنه يكرم من اتبع هداه، وابتغى بطاعته رضاه وأن يجعل الذل والهوان على من جانب صراطه المستقيم وأتبع في الغيّ هواه.
قال ربنا تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأعراف: 96) .وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} (المائدة:66)(1) .
هذا ولقد بعدت بين العمل بكتاب الله تعالى وبين المسلمين الشُّقة، واتسعت دائرة الهوة إلا من رحمهم الله تعالى. الأمر الذي يندى له جبين كل مسلم، غيور على دين الإسلام، فيحزن لغربته بين الأنام، وإذا كان الله تعالى يقيّض لهذا الدين على رأس كل مائة سنة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم
(1){أقاموا التوراة والإنجيل} أي عملوا بما فيهما ومنه الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وإتباعه {لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} بأن يُفيض عليهم الرزق ويوسع عليهم من كل جانب (انظر تفسير الجلالين بتصرف) .
من يجدده (1) . فإنه مشاهد أنه لا تزال طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الحق ظاهرة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله عز وجل (2) .
ولابد في ظل ذلك من أن يوجد من المسلمين من يرثي لحال أكثر المسلمين، الذي لا يحسدون عليه في بعدهم عن القرآن الكريم، ويأسى لواقعهم المؤلم الذي قد صاروا إليه لتجنبهم صراطه المستقيم، فيُعنى بالقرآن الكريم، وينادي المسلمين للعودة إلى نهجه القويم، وهذا الشعور النبيل، وإن وجد في جميع أنحاء العالم في أفراد وجماعات فإنه يوجد في الدولة السعودية - أفراداً وجماعات ودولة - بأوضح صورة وأجلى حالةٍ منظورة، لازالت ربوعها بالإسلام، معمورة.
وإن من مظاهر ذلك، الكثيرة ولا أزكي على الله أحداً، إنشاءَ مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، الذي أمر بإنشائه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله تعالى وجعله هديةً للمسلمين في جميع أنحاء الأرض، وما تبع ذلك من خدمة للقرآن الكريم من تفسيره بمختلف اللغات وتوزيعه في العالم في جميع الجهات وإنشاء مركز خدمة السنة التي تُعَدُّ المبين الأول للكتاب العزيز، بعد بيانه ببعضه.
وإن إدارة المجمع بفضل من الله تعالى ثم بتوجيه من قادة هذه البلاد، ماضية.. في سبيلها الطيب لتحقيق هدفها النبيل وهو تزويد المسلمين بالقرآن الكريم بأحسن طباعة وتعليمهم معانيه بأوضح عبارة ودعوتهم إلى الرجوع
(1) ورد بذلك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أبو داود 4/ الحديث رقم4291
(2)
ورد بذلك حديث أخرجه البخاري انظر 9/414.
إليه والعمل به بأحسن دعاية وإن من دعايتها الإسلامية التي تدعو بها المسلمين للعودة إلى كتاب الله تعالى المبين، عقدها ندوة عن عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم وعلومه لإبراز ما قامت به المملكة من دور ريادي في هذا العصر لتشجيع وتوسيع نطاق البحث الجادّ عن القرآن الكريم وعلومه، فإذا فقه المسلمون القرآن الكريم استبان لهم سبيل الحق، وأضاء لهم القرآن الكريم منار الهدى، فرجعوا إليه سراعاً، لما يرون فيه من توجيهات سامية، ودلالة على صنوف الخيرات، وبعد عن المنكرات فيسعدون بما سعد به سلفهم ويقتدي بهم في المعروف خلفهم، ويستعيدون من أمجادهم ما فقدوه بسبب ما حصل بينهم وبين القرآن الكريم من جفاء، وإنهم إذا رجعوا إليه وأنابوا أفلحوا قال تعالى:{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر:17-18)(1) .
وقد كان لي بحمد الله تعالى شرف المشاركة في هذه الندوة في هذا الجانب الذي يغري المسلمين بالعودة إلى القرآن الكريم وتحكيمه في شؤونهم لما في ذلك من نفع لهم في حاضرهم ومستقبلهم في حالهم ومآلهم. ألا وهو التمسك بالقرآن الكريم وأثره في حياة المسلمين.
هذا وقد قسمت البحث في هذا الجانب إلى مقدمة: ومباحث ثلاثة.
المبحث الأول: في تعريف القرآن الكريم وذكر طرفٍ مما يدل على فضله.
(1) أنابوا إليه: اي أقبلوا إليه. أنظر تفسير الجلالين.
وتحته مطلبان:
المطلب الأول: في تعريف القرآن الكريم.
المطلب الثاني: في ذكر طرف مما يدل على فضله.
المبحث الثاني: في التمسك بالقرآن الكريم ومظاهره.
المبحث الثالث: في أثر التمسك بالقرآن الكريم في حياة المسلمين وما شوهد منه.
وتحته مطالب ثلاثة.
المطلب الأول: في أثر التمسك بالقرآن الكريم.
المطلب الثاني: فيما شوهد من ذلك في ماضي الأمة الإسلامية.
المطلب الثالث: فيما هو مشاهد من ذلك في واقع الأمة اليوم.
الخاتمة:
أسأل الله تعالى حسن الختام في عافية.
وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.