الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذات، في سبيل لم شعث المسلمين وجمع كلمتهم حول آيات القرآن الكريم البينات.
فنزل الحق عن نصابه، ورفل الباطل المزيف، في ثيابه، وضاعت الأمانة وانتشرت الخيانة، وتفرقت كلمة المسلمين بعد اجتماعها، فتاه أكثرهم في بيداء الضلال، وانتشر فيهم الجهل، حتى لم يفرقوا بين حرام وحلال، فانفلت من أيديهم زمام القيادة، واصبحوا - إلا من رحم ربي منهم - تابعين فيما لا خير لهم فيه بعد أن كانوا متبوعين فيما فيه سعادة الدنيا والآخرة.
فسار الإسلام عن أكثر أهله، مشّرقاً لما ساروا عنه مغربّين وشتان بين مشرّق ومغرّب.
ومع ذلك، فلا تزال طائفة من أمة القرآن الكريم متمسكين به مهتدين بهديه لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم قائمين لله تعالى بأمره منتهين عن نهيه يهتدون بالقرآن الكريم وبه يعدلون (1) .
فعسى أن يتأسى بهم من خالفهم من المسلمين ويرجعوا إلى رشدهم بالعودة إلى القرآن الكريم والاهتداء بهديه القويم، فعندها سيرد الله تعالى لأمة الإسلام مكانتها العليا ويُعيدها إلى الخير، سيرتها الأولى.
والله تعالى المستعان وعليه التكلان وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(1) كما ورد بذلك المعنى حديث قال فيه صلى الله عليه وسلم "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين" الحديث أخرجه البخاري 9/414 ومسلم.
المطلب الثالث: فيما هو مشاهد من أثر التمسك بالقرآن في حياة المسلمين اليوم
سبق أن تكلمت - أسأل الله تعالى مغفرته - عن أثر التمسك بالقرآن الكريم في حياة المسلمين وما عاد عليهم ذلك التمسك به من نفع في حياتهم،
وما مكن الله تعالى لهم بسببه في الأرض، حتى أقاموا دولة انتشرت بالخير العميم، في القارات الثلاث المعروفة في ذلك الزمان، في وقت قصير جداً في أعمار الناس فضلاً عن أعمار الدول بالمقارنة بما أنجز فيه من أعمال خيّرة وإنجازات عظيمة.
فأكل الناس في تلك الدولة في ظل القرآن الكريم والتمسك به - أكلوا من فوقهم، ومن تحت أرجلهم، واستقام على الحق أمرهم، وثابوا بعد الضلال إلى رشدهم فسعدوا في معاشهم، وأملوا من ربنا تعالى بإتباع القرآن الكريم، الخير في معادهم.
أما اليوم: وقد كادت غربة الإسلام تبلغ غايتها، والعزلة عن منهج القرآن الكريم تصل نهايتها فلا تكاد ترى للعمل به في حياة كثير من المسلمين أثراً، ويعز على المتأمل في حال أكثر المنتسبين إلى القرآن الكريم أن يرى له في سلوكهم نهياً ولا أمراً أما الحكم به بين عباد الله في معاملاتهم وأقضياتهم فيقل جداً، أن تعرف بينهم وبينه، في ذلك المجال، نسباً أو صهراً.
وإن كان العمل بالقرآن الكريم يترك أثره الحسن على حياة الفرد والمجتمع ويورث سعادة الدنيا والآخرة، فإن هجره قد أورث صاحبه سلوكاً منحرفاً وشقاء عياذاً بالله تعالى فأفراد تلك المجمعات قد مُسخت شخصيتها وضلت في بيداء الضياع هويتها، وتخبطت حكوماتها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، في مسيرتها.
قال ربي الله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه: 123-124) .
وقال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُور} (الحج: 40-41) .
ولئن تنكَّب كثير من الناس في هذا العصر، صراط القرآن المستقيم أفراداً وجماعات وحكومات، فاحترقوا في سعير المعاصي فتراهم صرعى في أودية الهلاك وغرقى في بحار الردى لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً ولا يأمن إنسان على نفس ولا عرض ولا مال، إلا على وجه الندور، تراهم غرقى حيث اضطربت سفُن السياسة في بحار الردى بعواصف الخلافات المدمرة والأهواء المبعثرة التي لا يحدو أصحابها إلا حبُّ المناصب والرغبة في الظهور فيضطرب أمن البلاد والعباد وتلتهم نيران الجشع الأخضر واليابس مما فيها من خيرات واقتصاد، ويعم جنباتها الشرُّ والفساد.
قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم:41) .
إن كان الأمر كذلك، فإننا بحمد الله تعالى نعيش في هذه البلاد - بلاد المملكة العربية السعودية التي آثرت في نشأتها الخيرة الأولى أن تكون دولة تتفيأ ظلال القرآن الكريم رغبة منها - ولا أزكي على الله تعالى أحداً - في أن تنعم بما وعد الله تعالى به من تمسك بالقرآن الكريم، من سعادة في الدنيا والآخرة.
فأعلنت القرآن الكريم دستورها يتعلمه صغيرها وكبيرها، فلا تخلو منه مرحلة دارسية مطلقاً. بدءاً من رياض الأطفال - حتى الدكتوراه - وفتحت له المدارس الخاصة ودعمت الجمعيات الخيرية القائمة على تعليمه، في دورها الخاصة والمساجد في مختلف الأحياء، وقد أعطت طلاب مدارس تحفيظ القرآن الكريم عناية خاصة فأجرت لهم مكافآت شهرية، وأجرت بينهم المسابقات التي تنتهي بإعطاء مكافآت وشهادات للمتفوقين كل ذلك يصب في قالب حفز الطلاب على حفظ القرآن الكريم، وفي نفس الإطار قامت الدولة وتقوم بتنظيم مسابقات القرآن الكريم الدولية كل عام كما نظمت مسابقات في حفظ القرآن الكريم، أعطت الطلابَ في ذلك المجال، جوائزَ مالية ومعنوية كبيرة أعطاها بعض أمراء البلاد وفقني الله تعالى وإياهم للخير، مثل جائزة الأمير سلمان في هذا المجال وقد لا تسعف الذاكرة في هذه العجالة لاستقصاء جميع الجهود الخيرة التي تبذلها المملكة العربية السعودية في خدمة كتاب الله تعالى، دراسة لنصه الكريم، وتفسيراً لمعناه العظيم لكن لا أنسى أنه لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لا أنسى ذينك المشروعين العملاقين اللذين توجت السعودية بهما عملها، في مجال خدمة القرآن الكريم. ألا وهما:
أولاً: مجمع الملك فهد ملك المملكة العربية السعودية
وفقني الله وإياه للخير لطباعة المصحف الشريف الذي قام بطباعة المصحف الشريف طباعة حسنة، وبالروايات المقروء بها في أغلب أنحاء العالم الإسلامي اليوم - حفص، وورش وقالون (1)
وقامت بتوزيعه في مختلف أنحاء العالم مستخدمة في ذلك سفارات السعودية وممثلاتها الدبلوماسية وغيرها من الوسائل لإيصال المصحف الشريف إلى يد كل مسلم حسب الاستطاعة.
كما قام المجمع - وفقني الله تعالى والقائمين عليه للخير - بعمل تفاسير كتاب الله تعالى بمختلف اللغات، وعمل على توزيع ذلك على المسلمين داخل السعودية وخارجها.
هذا وقد انبثق عن مجمع الملك فهد - في إطار خدمة كتاب الله تعالى - مركز خدمة السنة الذي تتضافر على القيام عليه، جهود من مجمع الملك فهد وأخرى من الجامعة الإسلامية، وقد قام بإنجازات في مجال مهمته ممتازة خدمت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) الإمام حفص بن سليمان الكوفي صاحب عاصم ت 180هـ رحمني الله وإياه. انظر معرفة القراء الكبار، للذهبي 1/140هـ وغاية النهاية لابن الجزري 1/254
ورش: عثمان بن سعيد يلقب بورش، قرأ على نافع ت سنة 197 رحمني الله وإياه انظر القراء 1/152، وغاية النهاية 1/502
قالون: اسمه عيسى وكان ربيباً لنافع، ولقبه بقالون لجودة قراءته ت سنة 220 رحمني الله وإياه
انظر معه القراء نفسه 1/155، وغاية النهاية نفسه 1/615.
ثانيهما: إذاعة القرآن الكريم
تلك الإذاعة التي لا يسمع فيها إلا كتاب الله تعالى أو ما يؤخذ منه كسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ينير عقول المسلمين من تعليم أحكام فقهية أو آداب شرعية، أو فتوى في نور على الدرب، توضح للمسلم ما بشكل عليه من أمور دينه، أو سؤال على هاتف كذلك، أو لغة عربية يفهم بها القرآن الكريم أو نحو ذلك وإنها لتتعاون معها إذاعة نداء الإسلام من مكة المكرمة، تلك الإذاعة التي تنادي إلى الإسلام، الناس كافة، وتدعوهم بدعايته، ليتعلموا منه ما جهلوا وتذكرهم من تعاليمه ما نسُّوا، لتقيم عليهم الحجة البالغة، وتوضح لهم به المحجة الواضحة، التي لا يزيغ عنها إلا هالك، أعوذ بالله تعالى من ذلك فإذا كان هذا بعض ما قامت به السعودية مما فعلت من رعاية لكتاب الله تعالى - ومهما فعلت هي أو غيرها للقرآن من رعاية فلن توفيه حقه - إذا كان ذلك كذلك فما أثر ذلك القيام للقرآن الكريم علماً وعملاً، وتعليماً - ما أثر ذلك في حياة المجتمع السعودي، وماذا جنت السعودية من ثمار بسبب تطبيقها لتعاليمه؟
أثر تطبيق المملكة العربية السعودية للقرآن الكريم في حياة مجتمعها:
لقد أعلنت المملكة العربية السعودية، منذ أن تم الاتفاق بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والإمام محمد بن سعود - رحمني الله تعالى وإياهما على إعلاء كلمة الله تعالى في هذه الجزيرة أعلنت بهذا العمل أن سياستها مستمدة من القرآن الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لأن إعلاء كلمة الله تعالى بالجهاد في سبيله لا تتأتى إلا بتحكيم القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في جميع الأمور، واستمر الأمر كذلك، حتى عهد الملك عبد
العزيز - رحمني الله تعالى وإياه الذي ضرب الناس بعطنه (1) أوج تحكيم الشريعة الغراء في التاريخ المعاصر، فهاهي السعودية تعلن تحكيمها للقرآن الكريم في نفوس الناس وأموالهم وأعراضهم، وهاهي تستمد سياستها التعليمية، من تلك التعاليم السامية، فلا يتم الطالب التعليم الابتدائي، حتى يتعلم أغلب مراتب الدين، من إسلام وإيمان وإحسان وبعبارة أخرى حتى يتعلم معظم فروض الأعيان. ولا شك أن التعليم هو الذي ينير العقول، ويصقل الأذهان، فإذا كان أساس ذلك القرآن الكريم، استنار القلب بنور الوحي، فهداه الله تعالى به صراطاً سوياً.
بعض مظاهر النعمة التي تعيشها السعودية في ظل العمل بالقرآن الكريم وتطبيق الشريعة الإسلامية:
تلك هي سياسة الدولة السعودية التعليمية، التي تتبعت وتتبع بها فلول الجهل، وشلت وتشُل بها ظلام الأمية. وتلك هي سياستها المزدانة بإتباع الشريعة الإسلامية، التي لم تتبعها أمة إلا تسنمت ذرى العز والفلاح، وتبوأت من الخير كل مكانة علية.
فما مظاهر النعمة التي تنعم بها هذه البلاد - حرسني الله وإياها – في ظل استمداد سياستها من الشريعة الإسلامية، وتطبيقها أحكامها العظيمة السامية؟
إن مظاهر تلك النعمة لمتعددة ومتكاثرة، ولا يمكن استقصاؤها في هذه السطور المتناثرة، ولكن أذكر منها جملاً على سبيل التمثيل لا الحصر:
(1) ضرب الناس بعطنه، عبارة يقصد منها بلوغ الناس غاية مرادهم وحصولهم على أربهم.
فهل سألت نفسك أخي المسلم: ما أعظم نعمة أنعم الله تعالى بها على أحدٍ بعد نعمة الإيمان؟
- إن أعظم نعمة ينعم بها الله تعالى المنعِمُ على عبدٍ بعد نعمة الإيمان، هي التوفيق للعمل بشرعه الحنيف.
فما أحسن دولة في هذا الميدان الحسن قد عرفها التاريخ المعاصر؟
- إنها السعودية، التي لو طوفت ما طوفت في هذه الأرض، لما وجدت – فيما أعلم - أحسن منها التزاماً بالسلوك الإسلامي القويم، والتمسك بأحكام الشرع الحكيم.
فانظر إلى المساجد في أوقات الصلاة، تجدها مكتظة بالمصلين، وتجد الأسواق حولها، تكاد تقفر من المارين، لتوجه المصلين إلى بيوت رب العالمين.
أما أن يبقى متجر مفتوح أثناء الصلاة، أو مكان واضح يقصده رجل في اتجاه، فذلك لا يكون بأرض السعودية - حرسني الله وإياها من كل رزية - لوقوف داعي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمرصاد لمن يخالف أمر الدين، فلا يشهد الصلاة مع المصلين فإما أن يشهد الرجل مع المسلمين الخير، أو يتوارى عن الأنظار في سراديب الاختفاء وهو ذليل حقير.
هل نظرت في عصرنا الحاضر، الذي ماجت فيه الفتن في البوادي والحواضر إلى شارعٍ لا يُرى فيه النساء سافرات، ولا يرفع منه لأصوات الكنائس والصوامع والبيع مكبرات، ولا يبنى فيه لأماكن الدعارة والخمور حانات؟
- إن ذلك لعزيز في هذا العصر – إن لم يكن غير موجود – إلا في بلاد السعودية – وقاني الله وإياها كل بلية – فلا يُرَى شيء من ذلك – بحمد الله تعالى – بل نساء هذه البلاد محجَّبات مستورات، وإنْ رؤيت امرأةٌ هنا سافرة،
فليست من أهل تقاليد هذا البلد، بل شيطانة مارَّة مسافرة، لا يعبأ بها، ولا يحكم على خلق هذا البلد الطيِّب بسوء تصرفها، ولا بإهمال ولي أمرها إياها.
أمَّا أن يُرْفَع لغير صوت الحق في السعودية - من كنيسة أو غيرها - منار أو يقر لغير داعي الهدى قرار، فهيهات هيهات - بحمد الله تعالى - بل مآذن الحق تُرْفَع هنا وهناك، فُتشَنَّف بآذانها الآذان في كل وقت ومكان، والحمد لله رب العالمين الحنَّان المنَّان.
فما يُؤَسس أساس لمرفقٍ حيويٍّ أو غير حيوي إلا كان المسجد فيه أوَّل مبنى، ويستوي في ذلك المكانُ العام، والحيّ، والإدارات الحكومية المدني منها والعسكريّ، وحدائق النزهة، واستراحات المسافر من حضريّ وبدويِّ.
وهكذا هيأت الدولة السعودية - كفاني الله وإياها كل رزية - للصلاة ما يقيم عمودها ويشد على أساس من التقوى عودَها، بما لم يُر له - حسب علمي - في عالم اليوم مثيل، فأعاننا الله تعالى وإياها على إقامة ما سواها من شعائر الدين، بمثل تلك الندرة في عالم زمانها.
وقل مثل ذلك التوفيق في الزكاة، والصوم، والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك.
ولا غرابة إذا أنعم الله تعالى على هذه الدولة بالتوفيق لطاعته في جميع شعائر الدين لمَّا رَسَّت قواعد المحافظة على الصلاة بمثل ما تقدم. لا غرابة في ذلك، فإنَّ الصلاة عمود الدين، فمن أقامها أقام الدين كله، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
إنه مثال لا يقتضي حصراً، لما أنعم الله تعالى به على هذه البلاد بفضله تعالى، بتطبيقها شرع الله تعالى الحكيم أنْ وَفَّقَها لكُلِّ عملٍ صالحٍ، بما لم يعرف له اليوم نظير، غير مُزَك على الله تعالى أحداً.
ومن مظاهر النعمة التي تنعم بها هذه البلاد في ظل العمل بالقرآن الكريم وتطبيق الشريعة الإسلامية الاستقرار السياسي:
- فمن عرف ما في الشريعة من النهي عن الفتن الهوجاء، وكون الناس فوضى، لا سراة لهم ولا قائد يجمع تحت راية الحق شملهم، وما فيه من النهي الشديد عن الخروج على الإمام، ما لم يُرَ كفر بواح واضح مَن عرف ذلك كله أدرك سبب ما تعيشه هذه البلاد - بحمد الله تعالى - من استقرار سياسي، وهدوء إداري، خاصة إذا انضم إلى ذلك التحذير الشرعي الشديد من الفتن والخروج على الإمام، الترابطُ الشديد بين الحاكم والمحكوم، وبين القمة والقاعدة في ظل العدالة الإسلامية التي تعطي كل ذي حق حقه فإذا حصل ذلك، وجد الحق إلى نصابه طريقه، وأدرك كُلٌّ من الفرد والجماعة مراده ومطلبه
وما من إشكال يقع فيه مجتمع، ولا رزية تبتلى بها أمَّة، أعظم من الاضطراب السياسي، وعدم الاستقرار الإداري، فالاستقرار السياسي هو القاعدة العريضة التي يبنى عليها صرح الحضارة بمختلف مقوماتها العلمية، والاقتصادية، والبشرية.
وقد رسّخ تطبيق الشرع الحنيف في المملكة العربية السعودية، قاعدة عريضة من الاستقرار السياسي، فتفرغت الدولة - بحمد الله تعالى - للبناء الحضاري المثمر حتى ضرب الناس في ظل الإسلام بخير عطن، وعم نفع ذلك القاضي والداني، من هذا الوطن.
الأمن:
هل أنعم الله تعالى على أمة من الأمم - بعد الإيمان - والتوفيق للعمل الصالح بأعظم من نعمة الأمن؟ وتيسير سبل العيش؟
لم ينعم الله تعالى على عبده المؤمن الميسر له سبل الإطعام من الجوع، بأعظم من نعمة الأمن.
فمن أمِنَ، عَبَدَ الله تعالى كما أمره ومن أمِنَ، استجمع قوى فكره وطاقات عقله، ووجهها للبناء المثمر، والعمل الهادف.
أمَّا الخائف - عياذاً بالله تعالى - فيطيش عقله، وينخلع لبه، ويكون كُلُّ همه أن يأمن الضرر على نفسه وأهله وماله. أما أن يهتدي - مع الخوف - إلى عمل يتقنه، أو بناء حضارة ينجزه، فهيهات هيهات. فالعنصر الأصيل في عمارة الأرض بالخيرات هو الطعام والأمن، فكما لا يستغني الجسم عن الطعام، فلا تستغني النفس عن الأمن.
ولذا امتن الله تعالى على عباده بهاتين النعمتين في معرض إقامة الحجة عليهم، مع أنه ما بهم من نعمةٍ إلا وهو تعالى مسديها إليهم. قال تعالى:{لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} (سورة قريش) .
نعم، ما أعظمهما من نعمتين مقيمتين الحجة بأعظم برهان، على وجوب عبادة من أنعم بهما، سبحان الله تعالى ربي وبحمده.
إذا عرف ذلك، فاعلم أنه لم ينعم على أمة من الأمم بأمن في التاريخ الحديث بمثل ما نعمت به الدولة السعودية في ظل العمل بالقرآن الكريم وتطبيق الشريعة الإسلامية، وذلك عن طريق الوقاية والعلاج:
- الوقاية بالتوعية الإسلامية الحثيثة، ممثلة في نشر علم دين الله تعالى الحنيف عن طريق الدراسة النظامية في المناهج الدراسية المعدة بخطط مهيأة.
وكذا بالخطب في المساجد، واللقاءات العامة في المدارس ومختلف المؤسسات الدعوية، وعن طريق المحاضرات والندوات في مختلف الأماكن العامة والخاصة.
فإذا وعى المسلم دينه، قوي إيمانه، فرغب فيما رغَّب فيه الشرع الحنيف ورهب مما رهّب منه، فأصبح مصدر أمن وأمان، وأمنه الناس على كل شيء.
- أما العلاج، فبإقامة حدود الله تعالى على كل من بسط لسانه أو يده بالسوء ليؤذي عباد الله تعالى، في أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم، فيجد الجزاء الشرعي الرَّادع الذي يوقفه عند حده، ويقي المسلمين من شره وما يكيده لهم في شدِّه وعده.
وهكذا وفرت المملكة العربية السعودية - بفضل الله تعالى - الأمن لمواطنيها، وللمقيمين بها ومرتاديها، فعم الخير والعطاء والنفع جميع أراضيها.
هذه دعوى، والدعاوى إن لم تكن بينات فأبناؤها أدعياء، فأين الأمن في هذه البلاد؟ وقاني الله وإياها شر الحاضر والباد؟
أخي: ألا ترى الأمن الفكري؟ ألا ترى الأمن النفسي على الأرواح والأموال والأعراض؟ بل وانظر أي شيء يخاف عليه الإنسان، تجده مؤمناً عليه في هذه البلاد، بفضل الله تعالى رب العباد.
أما الأمن الفكري فإن ما يشيع في ربوع هذه البلاد من نور العلم الإسلامي المشتمل على العقيدة الصافية، والأوامر والنواهي الإلهية - حمى الله تعالى بها العقول والأفكار من المبادئ الهدامة، من مختلف مصادر الضلال، فقد اجتثت ما نبت من جذور الشرك، لما عرف الناس بنور العلم، الحرام والحلال فحوربت البدعة والخرافة والشعوذة بشتى صورها، فإن باتت مختفية، فما ظلت، بل طوردت حيثما في هذه الديار حلت.
وبذلك أمن الناس على أفكارهم فما تنطلي عليهم الأمور، ولا يغرهم في متاهات الانحراف الفكري والارتكاس العقلي الغرور.
وأما الأمن النفسي، فَحَدِّث - بحمد الله تعالى - ولا حرج، فقد أمن الناس في الديار السعودية - حرسني الله وإياها من كل أذية - أمنوا على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وغير ذلك بما لم يأمن به أحد في هذا التاريخ - حسب علمي.
ففي الوقت الذي لا تكاد تستخبر وسيلة إعلام عن جهة من جهات العالم إلا وقعت عينك على جريمة تقشعر لها الأبدان، أو قرع سمعك منكر تهتز له الأركان، أو امتلأ قلبك حزناً لما يرى ويسمع، مما يقاسيه من الويلات بنو الإنسان. ففي الوقت نفسه يعيش الناس هنا - في السعودية - في أمن وأمان، ويتفيأون ظلال الخير والإحسان.
متى كان الراكب أو الماشي في هذا العصر، يغدو ويروح في حواضر وبوادي هذه الديار، لا يخشى إلا الله تعالى، أو الذئب على غنمه إن كانت؟ لم يعرف ذلك إلا في العهد السعودي الميمون.
سل أحد المسافرين الذين يجوبون الديار السعودية - حرسني الله وإياها من كل بلية - يحملون معهم المال والعيال وكل ما يحتاج إليه فهل يعكر صفو سفرهم خوف من لص غادر أو مستبد كاسر؟
لا - ولله الحمد - بل قضى رحلته الميمونة في ظلال من الأمن والنعم الوارفة حتى عاد بنفس مطمئنة غير خائفة.
سل أصحاب المتاجر العامرة، أو محلات المجوهرات المتكاثرة: هل يحتاج أحدهم في إغلاق محله بأكثر من قطعة قماش يضفيها على واجهة محله تُشعر الغادي أو الرائح بأن صاحبه غير موجود؟
لن يحتاج في ديار السعودية لأكثر من ذلك، ولن تمتد لشيء من ذلك إلا يد هالك. فقد حرس الديار والدكان الحكم السعودي بما أقام للإسلام من حدود.
سل أولئك الحجاج وهؤلاء المعتمرين: من ذا أمَّن لهم به الله تعالى بعد الخوف، السبيل، وأقام بعد الجهل على معالم الهدى والخير كل دليل، ووفر لهم بعد الجوع والعطش، مختلف ما يحتاج إليه من أنواع الطعام وصنوف الفواكه، وأجرى لهم بما لا تكدره الدلاء، الماء العذب السلسبيل، وسهل لهم إلى بلوغ كل ما يريدونه من عبادة في يسر وراحة وهدوء، كل صعب وذليل؟
- إنها الدولة السعودية - حرسني الله وإياها من كل بلية، وجعلني وإياها من خير البرية.
سل المواطن السعودي: هل سمعت في البلاد بأمن فكري ونفسي، واستقرار في رغد من العيش بأحسن مما تعيشه في بلادك؟
ولا شك أن إجابته ستكون: لا.
وسل المقيم في هذه الديار: متى تضع عن عاتقك من الخوف عصا التسيار، ويستقر بك على نفسك وأهلك ومالك القرار.
ولا شك أن إجابته ستكون بأنه لا يجد تلك النعمة، إلا في الديار السعودية - حرسها الله تعالى وإيانا من كل رزية، وجعلنا وإياها في كل حالة مرضية.
هذه تفاريق ومشاهد، مما حصدته وتحصده السعودية من ثمار جنتها من غراس تطبيقها للشريعة الإسلامية، وما ذكرته قليل من كثير، وسح من غدق، وليس هو بغريب، ولا بدعاً من السنن الكونية والنسق، أن يحسن الله تعالى لمن أحسن بطاعته في أرضه الخلافة على كل حال ولشرعه طبَّق.
هذا بعض ما تفيأته المملكة العربية السعودية من خير، في ظلال تطبيقها الشريعة الإسلامية، فرفرف عليها باليمن والبركة والسعادة، علم لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبارك الله تعالى في نواحيها، وفضلها على دول زمانها وكرم، ولا أزكي على الله تعالى أحداً، فهو ربنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وإن مما جنته السعودية من ثمار تطبيق القرآن الكريم أن أكسبها حب واحترام المسلمين، وذلك لما وجدوا فيها من التزام بشرع ربها وربهم ومحبةٍ لهم وسعي في مصالحهم، وعونٍ على إنجاح قضاياهم الدولية والمحلية وسرعة لنجدة منكوبيهم، وخدمة للحرمين الشريفين، مهوى أفئدتهم، وإيصال الخير والنفع المادي والمعنوي، إلى بلادهم، والاهتمام بأمورهم، العامة والخاصة، حتى غدت السعودية بحق مستحقة لأن تكنى في التاريخ المعاصر، بأم المسلمين الرؤوم، ولو أَجلْت خاطرك في حال السعودية مع المسلمين لبدا لك صبح الحقيقة وعرفت أن ذلك لا ينكره إلا مكابرٌ أعمى عينيه عن الحقائق حسد أجّج في صدره نارَه، أو مغفلٌ أرخى الجهل بالحقائق على عقله أستاره هكذا أحسب السعودية والله تعالى حسيبها، ولا أزكى على الله تعالى، أحداً، فهو تعالى حسبنا ونعم الوكيل (1) .
وآخر دعواي أن الحمد لله رب العالمين.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
(1) انظر بحث أسئلة عن الخير في سطور جوابها السعودية عبر العصور للمؤلف عفا الله عنه بمنه ص 83 فما بعدها.