الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكما أن العلم بالتواتر ينقسم إلى عام وخاص فيتواتر عند الخاصة ما لا يكون معلوما لغيرهم فضلا أن يتواتر عندهم فأهل الحديث لشدة عنايتهم بسنة نبيهم وضبطهم لأقواله وأفعاله وأحواله يعلمون من ذلك علما لا يشكون فيه مما لا شعور لغيرهم به البتة.
فساد قياس الخبر الشرعي على الأخبار الأخرى في إفادة العلم:
قال ابن القيم رحمه الله تعالى "2/368":
وإنما أتي منكر إفادة خبر الواحد العلم من جهة القياس الفاسد فإنه قاس المخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرع عام للأمة أو بصفة من صفات الرب تعالى على خبر الشاهد على قضية معينة ويا بعد ما بينهما فإن المخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قدر أنه كذب عمدا أو خطأ ولم يظهر ما يدل على كذبه لزم من ذلك إضلال الخلق إذ الكلام في الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول وعملت بموجبه وأثبت به صفات الرب وأفعاله فإن ما يجب قبوله شرعا من الأخبار لا يكون باطلا في نفس الأمر لاسيما إذا قبلته الأمة كلهم وهكذا يجب أن يقال في كل دليل يجب اتباعه شرعا لا يكون إلا حقا فيكون مدلوله ثابتا في نفس الأمر هذا فيما يخبر به عن شرع الرب تعالى وأسمائه وصفاته بخلاف الشهادة المعينة على مشهود عليه معين فهذه قد لا يكون مقتضاها ثابتا في نفس الأمر
وسر المسألة أنه لا يجوز أن يكون الخبر الذي تعبد الله به الأمة وتعرف به إليهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في إثبات أسمائه وصفاته كذبا وباطلا في نفس الأمر فإنه من حجج الله على عباده وحجج الله لا تكون كذبا وباطلا بل لا تكون إلا حقا في نفس الأمر ولا يجوز أن تتكافأ أدلة الحق والباطل ولا يجوز أن يكون الكذب على الله وشرعه ودينه مشتبها بالوحي الذي أنزله على رسوله وتعبد به خلقه بحيث لا يتميز هذا عن هذا فإن الفرق بين الحق والباطل والصدق والكذب ووحي الشيطان ووحي الملك عن الله أظهر من أن يشتبه أحدهما بالآخر ألا وقد جعل الله على الحق نورا كنور الشمس يظهر للبصائر المستنيرة وألبس الباطل ظلمة كظلمة الليل.
وليس بمستنكر أن يشتبه الليل بالنهار على أعمى البصر كما يشتبه الحق بالباطل على أعمى البصيرة قال معاذ بن جبل في قضيته تلق الحق مما قاله فإن على الحق نورا "ولكن لما أظلمت القلوب وعميت البصائر بالإعراض عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وازدادت الظلمة باكتفائها بآراء الرجال التبس عليها الحق بالباطل فجوزت على أحاديثه صلى الله عليه وسلم الصحيحة التي رواها أعدل الأمة وأصدقها أن تكون كذبا وجوزت على الأحاديث الباطلة المكذوبة المختلقة التي توافق أهواءها أن تكون صدقا فاحتجت بها قال "2/379":
وإنما المتكلمون أهل ظلم وجهل يقيسون خبر الصديق والفاروق وأبي بن كعب بأخبار آحاد الناس مع ظهور الفرق المبين بين المخبرين فمن أظلم ممن سوى بين خبر الواحد من الصحابة وخبر الواحد من الناس في عدم إفادة العلم؟ وهذا بمنزلة من سوى بينهم في العلم والدين والفضل. قال "2/379":
سبب ادعائهم "عدم إفادة حديث الآحاد العلم" هو جهلهم بالسنة:
فإذا قالوا: أخباره صلى الله عليه وسلم وأحاديثه الصحيحة لا تفيد العلم فهم مخبرون عن أنفسهم أنهم لم يستفيدوا منها العلم فهم صادقون فيما يخبرون به عن أنفسهم كاذبون في إخبارهم أنها لا تفيد العلم لأهل الحديث والسنة. "وقال 2/432" إذ لم يحصل لهم من الطرق التي استفاد بها العلم أهل السنة ما حصل لهم فقولهم: لم نستفد بها العلم لم يلزم منه النفي العام على ذلك "وهذا" بمنزلة الاستدلال على أن الواجد للشيء العالم به غير واجد له ولا عالم به فهو كمن يجد من نفسه وجعا أو لذة أو حبا أو بغضا فينتصب له من يستدل على أنه غير وجع ولا متألم ولا محب ولا مبغض ويكثر له من الشبه التي غايتها أني لم أجد ما وجدته ولو كان حقا لاشتركت أنا وأنت فيه وهذا عين الباطل وما أحسن ما قيل:
أقول للائم المهدى ملامته
…
ذق الهوى فإن استطعت الملام لم