المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مثالان على موقف بعض الفقهاء من الحديث وجهلهم بالسنة: - الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: وجوب الرجوع إلى السنة وتحريم مخالفتها

- ‌مدخل

- ‌الأحاديث الداعية إلى اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء:

- ‌تحكم الخلف بالسنة بدل التحاكم إليها:

- ‌أصول الخلف التي تركت السنة بسببها:

- ‌الفصل الثاني: بطلان تقديم القياس وغيره على الحديث

- ‌مدخل

- ‌أمثلة من الأحاديث الصحيحة التي خولفت بتلك القواعد:

- ‌الفصل الثالث: حديث الآحاد حجة في العقائد والأحكام

- ‌مدخل

- ‌الأدلة على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة:

- ‌إفادة كثير من أخبار الآحاد العلم واليقين:

- ‌فساد قياس الخبر الشرعي على الأخبار الأخرى في إفادة العلم:

- ‌مثالان على موقف بعض الفقهاء من الحديث وجهلهم بالسنة:

- ‌الفصل الرابع: التقليد واتخاذه مذهبا ودينا

- ‌حقيقة التقليد والتحذير منه:

- ‌العلم هو قول الله ورسوله:

- ‌جواز التقليد للعاجز عن معرفة الدليل:

- ‌محاربة المذهبيين للاجتهاد وإيجابهم التقليد على كل أحد:

- ‌كثرة الخلاف في المقلدين وقلته في أهل الحديث:

- ‌واجب الشباب المسلم المثقف اليوم:

الفصل: ‌مثالان على موقف بعض الفقهاء من الحديث وجهلهم بالسنة:

فيقال له: اصرف عنايتك إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم واحرص عليه وتتبعه واجمعه و"الزم" معرفة أحوال نقلته وسيرتهم وأعرض عما سواه واجعله غاية طلبك ونهاية قصدك بل احرص عليه حرص أتباع المذاهب على معرفة مذاهب أئمتهم بحيث حصل لهم العلم الضروري بأنها مذاهبهم وأقوالهم ولو أنكر ذلك عليهم منكر لسخروا منه وحينئذ تعلم: هل تفيد أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم العلم أو لا تفيده فأما مع إعراضك عنها وعن طلبها فهي لا تفيدك علما ولو قلت: لا تفيدك أيضا ظنا لكنت مخبرا بحصتك ونصيبك منها".

ص: 68

‌مثالان على موقف بعض الفقهاء من الحديث وجهلهم بالسنة:

أقول: وهذه حقيقة يلمسها كل مشتغل بعلم الحديث متتبع لطرقه وألفاظه مطلع على موقف بعض الفقهاء من بعض رواياته وأضرب على ذلك مثلين اثنين أحدهما قديم والآخر حديث:

الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" فهو مع كونه صحيحا مخرجا في "الصحيحين" فقد رده الحنفية بدعوى أنه مخالف لظاهر القرآن وهو قوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] فتأولوه لكونه حديث آحاد بزعمهم مع أن أمير المؤمنين في الحديث وهو الإمام البخاري صرح في مطلع كتابه "جزء القراءة" بأنه حديث متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 68

ترى ألم يكن من الواجب على هؤلاء أن يستفيدوا من علم هذا الإمام المختص بالحديث ويغيروا رأيهم فيه أنه آحاد ويضموه إلى الآية ويخصصوها به؟ هذا مع العلم بأن الآية الكريمة المذكورة هي في موضوع صلاة الليل وليست في موضوع القراءة المفروضة في الصلاة

والآخر: حديث نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان وهو مروي في "الصحيحين" أيضا فقد سئلت عنه منذ سنين مشيخة الأزهر فأجاب أحدهم في مجلة "الرسالة" بأنه حديث آحاد وأن مدار طرقه على وهب بن منبه وكعب الأحبار.

والحقيقة التي يشهد بها أهل الاختصاص والمعرفة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حديث متواتر وقد كنت تتبعت أنا شخصيا طرقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرأيته قد رواه عنه عليه الصلاة والسلام نحو أربعين صحابيا أسانيد عشرين منهم على الأقل صحيحة وبعضها له عند بعضهم أكثر من طريق واحد صحيح في "الصحيحين" و "السنن" و "المسانيد" و "المعاجم" وغيرها من كتب السنة

ومن الغريب أن كل هذه الطرق ليس فيها ذكر مطلقا لوهب وكعب وقد كنت كتبت خلاصة للتتبع المشار إليه في صفحتين أرسلتهما إلى "الرسالة" يومئذ راجيا أن تنشرهما خدمة للعلم ولكن لم يكتب لهما النشر

ص: 69

فهذان المثالان من مئات الأمثلة تبين لنا أن الحديث النبوي لم ينل من أهل العلم العناية الواجبة عليهم على اعتبار أنه الأصل الثاني للشريعة الإسلامية الذي بدونه لا يمكن أبدا أن يفهم الأصل الأول فهما صحيحا كما أراده الله تبارك وتعالى فوقعوا بسبب ذلك في هذا الجهل الفاضح بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الانحراف المكشوف عن التصديق بها وهي قطعا مما جاء به عليه السلام والله تعالى يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ

} فأخذوا بعضه وتركوا بعضه {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا..} .

والخلاصة أنه يجب على المسلم أن يؤمن بكل حديث ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم به سواء كان في العقائد أو الأحكام وسواء أكان متواترا أم آحادا وسواء أكان الآحاد عنده يفيد القطع واليقين أو الظن الغالب على ما سبق بيانه فالواجب في كل ذلك الإيمان به والتسليم له وبذلك يكون قد حقق في نفسه الاستجابة المأمور بها في قول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24] وغيرها من الآيات التي سبق ذكرها في مطلع هذه الكلمة التي أرجو الله تعالى أن ينفع بها ويجعلها خالصة لوجهه ناصرة لكتابه خادمة لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم تسليما

ص: 70