المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر عدة حوادث - الحوادث الجامعة والتجارب النافعة

[ابن الفوطي]

الفصل: ‌ذكر عدة حوادث

أنظر تجد نظم الثريا في ذرى

شرفاته وضياء نور المشتري

ضحك الزمان وذاك بعد عبوسه

ورأى الصواب وذالك بعد تحير

فالأفق بين مفضض ومذهب

والجو بين مكوفر ومعنبر

والأرض حاسرة القناع كأنها

خود تبرج في رداء أخضر

تزهو بما عمر الخليفة فوقها

علما لاحكام البشير المنذر

بالجانب الشرقي باشاطي الذي

هو طور سينا كل صاحب منبر

ومنها:

ماحق دجلة أن تفوه بلفظة

قهرت وأي مساجل لم يقهر

غلب العطاء الماء فيها وانثنى

سدا يفوق صناعة الاسكندر

أن أصبحت بحرا فإن بنانه

بافاضة المعروف خمسة أبحر

وضع الإمام بها أساس بنائه

والموج بين مجمجم ومزمجر

قصراً ومدرسة لمن طلب الغنى

أو رام شأو العالم المتجر

هي جنة الفردوس يجري تحتها

من ماء دجلة ماء نهر الكوثر

حصباؤها در النظام وتربها

مسك الجندب؟ وطينها كالعنبر

أضحى سليمان الزمان وأهله

مستخدما فيها بجنة عبقر

لبس الغبي بها شهامة ماهر

وغدا المقل مزاحما للمكثر

لم تخل من حبر وشيخ فاضل

يروي الحديث وساجد ومعفر

قد كانت الفقهاء قبل بنائها

في كل قطر واحد لم يذكر

فرقى يشق على المريد طلابها

في الشرع والمطلوب كالمعتذر

فاليوم قد جمعت أمور الدين في

أرجائها وأزيل عذر المقصر

وأورد بعده جماعة كثيرة، ثم ذكر المدرسان المقدم ذكرهما الدروس كل واحد منهما على حدته، والنائبان كل واحد منهما تحت السدة ثم قسمت الأرباع فسلم ربع القبلة الأيمن إلى الشافعية، والربع الثاني يسرة القبلة للحنفية، والربع الثالث يمنة الداخل للحنابلة، والربع الرابع يسرة الداخل للمالكية، وأسكنت بيوتها وغرفها وأجري لهم الجراية الوافرة. عملاً بشرط الواقف، ثم نهض نصير الدين وأرباب الدولة والحاضرون وكان يومئذ الخليفة جالساً في الشباك الذي في صدر الإيوان، ينظر جميع ماجرت الحال عليه.

‌تلخيص شروط هذه المدرسة

شرط أن يكون عدة الفقاء مائتين وثمانية وأربعين متفقها من كل طائفة أثنان وستون بالمشاهرة الوافرة والجراية الدارة واللحم الراتب والمطبخ الدائر إلى غير ذلك من الحلواء، والفواكه، والصابون والبزر، والفرش، والتعهد، وشرط أن يكون في دار الحديث التي بها شيخ عالي الأسناد وقارئان وعشرة أنفس يشتغلون بعلم الحديث النبوي، وأن يقرأ الحديث في كل يوم سبت واثنين وخميس من كل أسبوع، وشرط لهم الجراية، والمشاهرة، والتعهد أسوة بالفقهاء وشرط، أن يكون في الدار المتصلة بالمدرسة، ثلاثون صبياً أيتاماً يتلقنون القرآن المجيد من مقرىء متقن صالح، ويحفظهم معيد معه ولهم من الجراية، والمشاهرة، والتعهد، ما للمشتغلين بعلم الحديث، وشرط، أن يرتب بها طبيب حاذق مسلم، وعشرة أنفس من المسلمون يشتغلون بعلم الطب، ويوصل إليهم مثل ما للمقدم ذكرهم، وأن يكون الطبيب يطب من يعرض له مرض من أرباب هذا الوقف، ويعطي المريض ما يوصف له من أدوية وأشربة وغير ذلك، وشرط أن يكون بها من يشتغل بعلم الفرائض والحساب إلى غير ذلك، مما إذا أستقصي ذكره، طال تعداده.

‌ذكر عدة حوادث

في تاسع رجب، رتب القاضي أبو النجيب عبد الرحمن بن القاضي يحيى بن القاسم التكريتي ناظراً في مصالح المدرسة المستنصرية، ورتب العدل عبد الله بن ثامر مشرفاً عليه، ورتب معهما العدل أبو منصور الفاضل بن محمد كاتباً، ورتب العدل بن أبي البدر خازناً، وخلع على جميع.

وفي شهر رمضان، وصل محيي الدين يوسف بن الجوزي من مصر وخلع عليه بذار الوزارة، خلعة التدريس على الحنابلة، بالمدرسة المستنصرية، وحضرالمدرسة بالخلعة ومعه جميع الولاة والحجاب فجلس على السدة وخطب وذكر دروساً.

وفي ذي القعدة، توفي محيي الدين أبو المظفر بن البوقي، أصله من واسط من أولاد الفقهاء، أحب التصرف ودخل فيه فخدم عدة خدمات آخرها صدرية بلاد خوزستان، بقي على ذلك مدة ثم عزل.

ص: 15

وفيها، وصل الأمير مظفر الدين بهنام الرومي الناصري زعيم تستر معزولاً، وولي عوضه الأمير علاء الدين الدكز الناصري شحنة بغداد، وولي ظهير الدين الحسن بن عبد الله، ناظراً في أعمال خوزستان ومتوالياً لديوانها.

وفيها، خلع أمير الحاج شمس الدين قركان وتوجه بالحاج، فلما وصلو بعض المنازل بلغهم أن العرب الاجاودة طموا الآبار في منزل سلمان، وعزموا على أخذهم، فأشاروا على أمير الحاج بالعود إلى بغداد، فاستفتى من كان في الحاج من الفقهاء في ذلك، فأفتوا بجواز الرجوع، فرجع بالناس فلما وصلوا ذكروا أنهم طلبوا منهم المصالحة على مال، وتجاوزوا حد الكثرة فيه، وطلبوا اطلاق محبوسين لهم ببغداد، وأخذ وجوه الحاج رهائن على اطلاقهم وترددت الرسل بينهم في ذلك، هذا كله: والحاج نازلون على ماء قليل يصل إلى بعضهن بالقوة الجاه، وتمادت الأيام وتحقق فوات الحج، فعدلوا عن مصالحتهم، وتوجهوا عائدين، فمات منهم خلق كثير، ومعظم الجمال، وأحرقوا من أزوادهم وأمتعتهم قبل رحيلهم شيئاً كثيراً لئلا تأخذه العرب، فقال الفقيه أبو الحسن علي بن البطريق قصيدة: كتبها إلى الخليفة يحرضه على قتال العرب، هذه الأبيات منها:

الكفر في الترك دون الكفر في العرب

أليس منهم إذا عدوا أبو لهب

أليس منهم أبو جهل وبنتهم

عدوة المصطفى حمالة الحطب

فيا إمام الهدى يا خير من نظمت

له المدائح، يابن السادة النجب

يا أيها القائم المنضور أنت إذا

حضرت وجه رسول الله لم تعب

فاغز الأعاريب بالأتراك منتقما

منهم ولا تر فيهم حرمة النسب

فقد غزاهم رسول الله في حرم

الله المنيع بإذن الله وهو نبي

وما رعى فيهم آلا ولا نسبا

ولم يقل أن أمي منهم وأبي

أن أدعوا أنهم قد أسلموا فقدار

تدوا بمنعهم للحج عن كثب

وكان قد وصل تابوت مظفر الدين كوكبري صاحب أربل ونفذ صحبة الحاج ليدفن في مكة فلما رجع الحاج، دفن في مشهد علي عليه السلام.

وفيها، نقل تاج الدين معلى من صدرية المخزن، إلى صدرية ديوان الزمام، ونقل عميد الدين بن عباس من الأشراف عليه هناك، وجعل مشرفاً عليه في الديوان.

وولي جمال الدين عبد الله بن الناقد صدرا بالمخزن نقلاً من الحجبة به، وخلع عليه في دار أخيه نصير الدين، ورتب فخر الدين أحمد بن الدامغاني مشرفاً عليه نقلاً من أشراف ديوان الزمام، وخلع عليه.

وفيها، توفى أبو عبد الله العباس بن الخليفة الظاهر، وتوفي أيضاَ الشيخ أبو العباس أحمد بن ثبات الهمامي الواسطي، كان أحد عدول واسط، وتولى قضاء الهمامية مدة ثم ترك ذلك، وقدم بغداد، وأقام بالمدرسة النظامية نحواً من أربعين سنة، يقرىء الناس علم الحساب والفرائض، وصنف في ذلك كتباً، وكان لا يخرج من المدرسة إلا لصلاة الجمعة، مضى على ذلك عمره إلى أن توفي، وكان شيخاً بارد الكلام جداً، من يسمع كلامه يخاله أبله، فإذا أملي مسائل الحساب أتى بكل حسن.

وتوفي مجد الدين مخمد بن زعرور، كان أولَا يتصرف في أعمال السواد، ثم رتب نائباً بالجانب الغربي مدة، ثم ولي نظارة واسط وأقام بها سنين، ثم فصل عنها فأقام ببغداد مدة، ثم عين عليه صدراً بنهر عيسى. ونهر الملك. وهبت والأنبار، وجعل له ديوان مفرد، فكان على ذلك إلى أن توفي.

وتوفي، تاج الدين أبو الحسن علي بن الأنباري الواسطي، ولد بواسط وخدم في أعمالها، ثم قدم بغداد وخدم ناظراً في ديوان العقار، ثم رتب ناظراً بديوان واسط، ثم عزل ورتب مشرفاً في البلاد الحلية مدة، ثم ناب في أعمال المخزن، ثم ولي أشراف الديوان ثم نقل إلى صدرية ديوان الزمام، فلم يزل على ذلك إلى أن مات، وكان ظالماً متحيفاً.

ص: 16

وفيها، توفي أبو عبد الله محمد بن يحيى بن فضلان، كان فقيهاً عالماً، درس بعد أبيه بمدرسة فخر الدولة بن المطلب، ورتب كاتبا بدار التشريفات، ثم تولى تدريس المدرسة النظامية والنظر في أوقافها إضافة في دار التشريفات، ثم عزل عن النظامية خاصة وتوفر على خدمته بدار التشريفات وتدريس - دار الذهب - ورفع الطرحة، ثم قلد قضاء القضاة، ورد إليه النظر في ديوان الحسبة والنظر في أوقاف المدارس والأربطة، فلم يزل على ذلك إلى أن توفي الخليفة الناصر لدين الله، فلما بويع الظاهر بأمر الله، عزله فلزم منزله لا يخرج منه إلا لصلاة الجمعة، ثم استدعي وولي نظارة المارستان العضدي، فكان على ذلك شهوراً، ثم عزل نفسه ولزم بيته إلى أن استدعي وولي النظر بديوان الجوالي واستيفاء ثروات أهل الذمة، ثم ولي تدريس - مدرسة الأصحاب - فتردد إليها مدة ثم تركها، وتوفر على ديوان الجوالي ثم نفذ في رسالة إلى ملك الروم، فلما عاد رتب مدرس الطائفة الشافعية: بالمدرسة المستنصرية فكان على ذلك إلى أن توفي.

ص: 17

حكي عنه: أنه كتب للخليفة الناصر لدين الله لما كان يتولى ديوان الجوالي رقعة طويلة يقول فيها: مذهب الشافعي رضي الله يقضي أن المأخوذ من أهل الذمة، أعني اليهود والنصارى وكل سنة أجرة عن سكناهم في دار السلام، والارتفاق بمرافقها لا يتقدر في الشرع بمقدار معين في طرف الزيادة ويتقدر في طرف النقصان بدينار، فلا يؤخذ من أحد منهما على الاطلاق أقل من دينار ويجوز أن يؤخذ مايزيد علي الدينار إلى المائة، حسب امتداد اليد عليهم مهما أمكن، فإن رأى أن يتضاعف على كل شخص منهم ما يؤخذ منه، فللاراء الشريفة علوها في ذلك، وهذا لا يبين عليهم لا في أحوالهم ولا في ذات أيديهم لأن الغالب على الجميع التخفيف في القدر المأخوذ منهم، وهم ضروب وأقسام، منهم من هو في خدمات الديوان وله المعيشة السنية غير بركة يده الممتدة إلى أموال السلطان والرعية من الرشا والبراطيل، ولعل الواحد منهم ينفق في يومه القدر المأخوذ منه في السنة، هذا مع مالهم من الحرية الزائدة والجاه القاطع والترقي على رقاب خواص المسلمين، وقد شاهد العبد وغيره من الفقهاء الحاضرين في المخزن لتناول البر المتقبل: أن أبن الحاجب قيصر، أقام ابن محرز الفقيه من طرف موضع كان به، وأقعد مكانه ابن زطينا كاتب المخزن لمكان خدمته وقد روي عن علي عليه السلام أنه قال: أمرنا أن لا نساويهم في المجلس ولا نشيع جنائزهم ولا نعود مرضاهم ولا نبدأهم بسلام وقد كان أبن مهدي استفتى العبد وغيره، في تولية ابن ساوا النظر بواسط، فقال له العبد: لا يجوز ذلك، وذكر له قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أبي موسى الأشعري وذلك أنه عرض عليه حسبة عمل من الأعمال فأعجبته، فقال من كاتب هذه؟ وكان عمر جالساً في المسجد، فقال له أبو موسى: رجل بباب المسجد، فقال عمر: ما باله لا يدخل المسجد أجنب هو؟ قال: لا إنما هو نصراني، فغضب عمر وقال: أتقربونهم وقد أبعدهم الله وتأتمنونهم وقد وخونهم الله وترفعونهم وقد وضعهم الله لا يعمل لي هذا عملاً في بلد من بلاد الإسلام، ثم ليس لهم في بلد من الحرمة والجاه والمكانة ما لهم في مدينة السلام، فلو تضاعف المأخوذ منهم مهما تضاعف، كان لهم الربح الكثير. ومنهم الاطباء أصحاب المكاسب الجزيلة، بترددهم إلى منازل الأعيان، وأرباب الأحوال ودخولهم على المتوجهين في الدولة، والناس يتحملون فيما يعطون الطبيب زائداً على القدر المستحق، وهو أمر من قبل المروآت فلا ينفكون عن الخلع السنية والدنانير الكثيرة والطرف في المواسم والفصول مع ما يحطون في المعالجات ويفسدون الأمزجة والأبدان، ويخرج الصبي منهم ولم يقرأ غير عشر مسائل حنين، وخمس قوائم من تذكرة الكحالين وقد تقمص ولبس العمامة الكبيرة وجلس في مقاعد الأسواق والشوارع على دكة حتى يعرف، وبين يديه المكحلة والملحدان يؤذي هذا في بدنه وبجرب على ذا في عينه، فيفتك من أول النهار إلى آخره ويمضي آخر النهار إلى منزله ومكحلته مملوءة قراضة فإذا عرف بقعوده على الدكة وصار له الزبون، قام يدور ويدخل الدور، ومنهم أرباب المعايش من العطارين والمخلطين والكسارين أصحاب المكاسب الظاهرة والارتفاقات الكثيرة بأموال التجار المسلمين وأخذهم من الحجر بالمدة وما يعفوا في ميزان الذهب، وميزان الارطال وما يغشون في الحوائج ويدغلون، ومنهم أصحاب الحرف والصناعات من الصاغة وغيرهم وما يتقلبون فيه من الذهب والفضة ويسرقون الذهب ويجعلون عوضه المس ويعدلونه ويسرقون الفضة ويجعلون عوض ذلك في المواضع المستورة بحسب احتمالها، تارة قارا وغير ذك ومنهم الجهابذة وما يسرقون في القبض والتقبيض، ومنهم الصيارف واحتجاجهم ببضاعة دار الضرب مع مالهم من التبسط في المسلمات والمسلمين وبذل جزيل المال في تحصيل أغراضهم في الفساد ورفاهية العيش والتلذذ في المآكل والمشارب، ثم ما زالوا على اختلاف الزمان يؤخذون بالصغار ولبس الغيار الذي أوجبه الشرع عليهم، وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأمصار، أن احملوا أهل الذمة على جز نواصيهم وأن يختموا أعناقهم بخواتم من رصاص أو حديد، وأن يركبوا على الأكف عرضاً، وأن يشدوا الزنانير علي أوساطهم ليتميزوا بذلك عن المسلمين، وعلى ذلك جرى الأمر في زمن الخلفاء الراشدين وآخر من شدد عليهم المقتدي بأمر الله واجراهم على العادة التي كانت في زمن

ص: 18