المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة ثلاثين وستمائة - الحوادث الجامعة والتجارب النافعة

[ابن الفوطي]

الفصل: ‌سنة ثلاثين وستمائة

وفي يوم الاثنين تاسع عشر شوال ولي مؤيد الدين أبو طالب محمد بن العلقمي استاذية الدار، وخنع عليه في دار الوزارة وركب في جمع كثير واسكن في الدار المقابلة لباب الفردوس، ولما قبض على القمي، قال الشعراء في ذلك أشعار كثيرة منها ما قاله الحاجب محمد بن عبد الملك الوظائفي وحرض الخليفة على قتلهما بألفاظ رمات البندق. وهو:

لقد انتحى المستنصر المنصور

يوم المكين كما انتحى المنصور

ملك الخراساني ذاك ببغية

وكذا خراسانينا المأسور

لا تبقه ياخير من وطىء الحصا

فالحزم أن لا يهمل الموتور

وأفصم عرى عنق القصير فدونه

في المكر والكيد الوكيد قصير

مولاي في وجه العداة صرعت

مصطحباً وطير المخر فيه وكور

أخليت منه الجو في ندب وكم

حامت عليه ولم تنله نسور

خيشته لكن مفيقا فاتبع

ما سنه في البندق الجمهور

والرأي تذكية المفيق فإنه

مازال يملك روعة ويطير

فالكي مخلفه لديه واضع

في حده عضد له وظهير

لا تأمنن عليهما في محبس

ضنك فعندهما له تدبير

كم هارب من قلة في قلعة

ولكم نجا بقيوده مطمور

فاقتلهما بالسيف أحوط حارس

لهما وهذا أول وأخير

ضل المكين بكل ما صنعت به

آراؤه في دسته المغرور

وتر الخلافة بالخلاف ولم يكن

قد رد تدبير الملوك وزير

فعزمت فيه عزمة نبوية

كادت لسطوتها السماء تمور

حرست ثغور المسلمين بعزلة

وتبسمت للعالمين ثغور

وفيها، ولي جمال الدين علي ابن البوري حجابة باب النوبي، وفيها، قطع الشيخ محمد المعروف بالواعظ عن الوعظ ومنع من الجلوس بباب بدر، وكذلك العدل اسماعيل بن النعال الواعظ.

وفي ذي القعدة، استناب نصير الدين أبو الأزهر أحمد بن الناقد نائب الوزارة أخاه جمال الدين عبد الله في الوكالة ليتوفر هو على أمر الوزارة، وفيه، انعم الخليفة على الأمير علاء الدين الطبرسي المعروف بالدويدار، الكبر بالدار المقابلة لباب الحرم المجاورة لداره، وانتقل عنها معلى بن الدباهي.

وحج بالناس في هذه السنة الأمير شمس الدين أصلان تكير الناصري.

وفيها، توفى أبو بكر محمد بن عبد الغني المعروف بابن نقطة وكان على طريقة حميدة وقاعدة جميلة، عني بعلم الحديث وسماعه، وسافر البلاد في طلبه.

وفي خامس شوال، توفي جمال الدين محمد بن علي بن خالد الكاتب شيخ فاضل عالم بالسير والأخبار، كتب بخطه كثيراً وجمبع عدة مجاميع، واختصر كتاب الأغاني للاصفهاني وخدم في عدة أعمال. منها كتابة المخزن وخزانة الغلات بباب المراتب، وأشراف البلاد الحلية وغير ذلك، وصنف كتاباً في علم الكتابة وسماه جوهر اللباب في كتابة احساب.

‌سنة ثلاثين وستمائة

في المحرم، قلد العدل مجد الدين أبو القاسم هبة الله بن المنصوري الخطيب، نقابة نقباء العباسيين والصلاة والخطابة وخلع عليه قميص اطلس بطراز مذهباً ودراعة خارا اسود، وعمامة ثوب خارا اسود مذهب بغير ذوابة، وطيلسان قصب كحلي، وسيف محلى بالذهب وامتطى فرساً بمركب ذهباً، وقرىء بعض عهده في دار الوزارة وسلم إليه، وركب في جماعة إلى دار أنعم عليه بسكناها في المطبق من دار الخلافة وأنعم عليه بخمسمائة دينار، وهو من أعيان عدول مدينة السلام وأفاضل أرباب الطريقة المتكلمين بلسان أهل الحقيقة. كان يصحب الفقراء دائماً ويأخذ نفسه بالرياضة والسياحة والصوم الدائم والتخشن التباعد من العالم، وكان الموفق عبد الغافر ابن الفوطي من جملة تلامذته فعمل فيه أبياتاً طويلة، لما انتهى حالها إلى الديوان أنكر ذلك عليه ووكل به أياما ولم يخرج إلا بشفاعته، وأول الأبيات:

في دسته جالسا ببسملة

بين يديه أن قام في أدب

وركبة منه كنت أعهده

يذم أربابها على الرتب

وكان أبناؤها لديه على

سخط من الله شامل الغضب

أصاب في الرأي من دعاك لها

وأنت لما أجبت لم تصب

ص: 9

أول صوت دعاك عن غرض

لبيته مقبلا على السبب

ويقول فيها:

قد كنت ذاك الذي تظن به

لو لم تكن مسرعاً إلى الرتب

شيخي أين الذي يعلمنا الز

هد ويعتده من القرب

أين الذي لم يزل يسلكنا

إلى خروج عن كل مكتسب

أين الذي لم يزل يعرفنا

فضل العتري بالجوع والتعب

ومنها:

أين الذي لم يزل يرغبنا

في الصوف لبسا له وفي الجشب

وأين من غرنا بزخرفه

متى اعتقدناه زاهد العرب

وأين ذاك التجريد يشعرنا

أن سواه في السعي لم يخب

وأين من لم يزل يذم لنا

الدينا وقول المحال والكذب

وأين من لم يزل بأدمعه

يخدعنا باكياً على الخشب

وأين من كان في مواعظه

يصول زجراً عن كل مجتذ ب

ويقطع القول لا يتممه

منظبا بالسماع والطرب

يقسم الغمر أنه رجل

ليس في الوجود من أرب

لو كانت الأرض كلها ذهباً

أعرض عنها أعراض مكتئب

أسفر ذاك الناموس مختيلاً

عن راغب في التراث مستلب

وكان ذاك الصرخ يزعجنا

شكوى فقير على الدنا وصب

شيخي بعد الذم الصريح لما

أبينه جئته على طلب

نسيت ما قلته على ورع

عني لما اكتسبت بالدأب

ويل له أن يمت بخدمته

يمت كفوراً وليس بالعجب

ما كان مال السلطان مكتسباً

لمؤمن سالم منالعطب

هذا ورزقي من وقف أربطه

قدر طفيف أعطاه بالتعب

ولست في ثروة أسر بها

دنياي منها موفورة النشب

فليت شعري ماذا أقول

وقد حلت منها في مرتع خصب

أعطيت كراثة فتهت بها

عن طلب كان أشرف الطلب

لو أنها نجمة خشيت على

دينك شركا يكون عن كثب

وأن ذاك الحنيك منعطفا

لجام من يدعي ولم ينب

شيخي بعد التفضيل منتقيا

ثوباً قصيراً مجاوز الركب

اختلت في ملبس ذلاذله

تسحب من طولها على الترب

يرفعها كل شادن غنج

يفتن نساكنا على الرهب

واعتضت من عصي الزهادة من

حولك مشي الغلمان بالقضب

لو كنت والله زاهداً ورعاً

لم ترضى دنيا الغرور باللعب

وكان في الله شاغل أبداً

عما تراه بعين محتجب

لا يغتر بعد ذا أخو ثقة

بمحسن في جميل مطلب

وليتعظ مدعي تقريه

بحال شيخي الفتون وليتب

فكتب النقيب قطب الدين الحسن بن الاقساسي إلى النقيب مجد الدين المذكور أبياتاً كالمعتذر عنه والمسلي له، يقول في أولها:

أن صحاب النبي كلهم

غير علي وآله النجب

مالو إلى الملك بعد زهدهم

وضطربوا بعده على الرتب

وكلهم كان زاهدا ورعاً

مشجعاً في الكلام والخطب

فأخذ عليه فيها مآخذ فيما يرجع إلى ذكر الصحابة والتابعين وتصدى له جماعة وعملوا قصائد في الرد عليه، وبالغوا في التشنيع عليه، حتى أن قوما استفتوا عليه الفقهاء ونسبوه إلى أنه طعن في الصحابة والتابعين ونسبهم إلى قلة الدين فافتاهم الفقهاء بموجب ما صدرت به الفتيا.

وفيها، قدم راجح بن قتادة مكتة شرفها الله تعالى في جمع كبير ودخلها واستولى عليها، وطرد من كان بها من عساكر الكامل أبي المعالي ودخلها واستولى عليها، وطرد من كان بها من عسكر الكامل أبي المعالي محمد بن العادل صاحب مصر، فلما بلغ الكامل ذلك أرسل إلى مكة عسكرا فلما علم راجح بقدومهم نزح عنها فدخلها العسكر بغير محاوبة، وطبيوا قلوب أهلها وأحسنوا إليهم، بخلاف ما فعل راجح لما وليها

ص: 10