المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة ثلاث وثلاثين وستمائة - الحوادث الجامعة والتجارب النافعة

[ابن الفوطي]

الفصل: ‌سنة ثلاث وثلاثين وستمائة

وفيها، توفي الشيخ شهاب الدين أبو حفص عمر بن محمد بن عبد الله السهروردي الصوفي الواعظ ولد بسهرورد ونشأ بها وقدم بغداد واستوطنها وهو أبن أخي الشيخ أبي النجيب السهروردي، صحبة كثيراً وعنه أخذ علم الصوفية والوعظ ومعرفة الحقيقة والطريقة وصنف في شرح أحوال الصوفية كتاباً حسناً وتكلم في الوعظ بباب بدر ومدرسة عمه أبي النجيب وتولى عدة ربط للصوفية، منها رباط الزوزني ورباط المأمونية وبنى له الخليفة الناصر لدين الله رباطاً بالمرزبانية على نهر عيسى وبنى إلى جنبه دارا واسعة وحماماً وبستاناً يسكنها بأهله ونفذه الخليفة رسولاً إلي عدة جهات وكان الملوك الذين يرد عليهم يبالغون في اكرامه وتعظيمه واحترامه اعتقاداً فيه وتبركاً، ودفن في الوردية في تربة عملت له هناك على جادة سور الظفرية، ومات عن اثنتين وتسعين سنة لم يخلف شيئاً من عروض الدينا بعد أن حصل له منها الشيء الكثير فأخرجه جميعه لأنه كان كريم النفس وكان مهيب الشكل طيب الأخلاق كثير العبادة.

وتوفي، عبد السلام بن أبي عصرون التميمي الحلبي الفقيه الشافعي المفتي المدرس، من بيت مشهور بالعلم والقضاء والرئاسة والقدم عند الملوك بحلب، كان فاضلاً ذا أموال فائضة وعنده سعة نفس وكان يقول الشعر.

وتوفي، أبو سليمان داود بن يوسف بن أيوب بن شادي المعروف بالملك الزاهر صاحب البيرة.

وتوفي، أبو حفص عمر بن محمد بن أبي نصر الفرغاني الفقيه الحنفي شيخ صالح قدم بغداد وأقام بها مدة برباط الزوزني المجاور لجامع المنصور، ثم انحدر إلى واسط وأقام عند بني الرفاعي، سائحاً متعبداً وانتفع به بنو الرفاعي واشتغلوا عليه ثم عاد إلى بغداد بعد سنين وأصعد إلى سنجار فأقام بها مدة يقرأ عليه في جامعها الفقه والأدب ثم عاد إلى بغداد وأقام برباط العميد مدة ثم ندب إلى تدريس الطائفة الحنفية لما فتحت المدرسة المستنصرية، فلم يزل بها إلى أن مات قبل أن دخل إليه الشيخ محمد بن الرفاعي فصبحه غلطاً وكان مساء فقال ارتجالاً:

أتاني مساء نور عيني ونزهتي

فخرج عني كربتي وأزاحا

فصبحته عند المساء لأنه

بطلعته رد المساء صباحاً

‌ذكر فتح المدرسة الشرقية الشرابية بواسط

وفي هذه السنة في سابع عشر شعبان، فتحت المدرسة التي أمر بأنشائها شرف الدين أبو الفضائل الشراب للشافعية بالجانب الشرقي من واسط على دجلة مجاورة لجامع كان دائراً، فأمر بتجديد عمارته ورتب به مدرسا العدل أحمد بن نجا الواسطي ورتب بها معيدان واثنان وعشرون فقيهاً وخلع على الجميع وعلى من تولى عمارتها من النواب والصناع والحاشية الذين رتبوا لخدمتها وعمل فيها دعوة حسنة حضرها صاحب الديوان ابن الدباهي والناظر بواسط والقاضي والنقيبان والقراء والشعراء، وكان المتولي لعمارتها والذي جعل النظر إليه وإلى عقبه في وقفها أبو حفص عمر بن أبي بكر بن أسحق الدروقي.

‌سنة ثلاث وثلاثين وستمائة

ص: 21

في المحرم، وصل الملك الناصر ناصر الدين داود بن الملك المعظم عيسى بن الملك العادل أبي بكر محمد بن أيوب إلى بغداد واجتاز بالحلة السفيفة وبها الأمير شرف الدين علي بن جمال الدين قشتمر زعيم الحلة وفتلقاه بالاكرام والمد والإقامات وعمل له دعوة عظيمة بلغ الخرج عليها زيادة على اثني عشر ألف دينار، ثم توجه إلى بغداد فخرج إلى لقائه النقيب الطاهر قطب الدين أبو عبد الله الحسين بن الاقساسي وخادمان من خدم الخليفة وجميع الحجاب والدعاة فدخل وقبل عتبة باب النوبي ثم قصد دار الوزارة ولقي نصير الدين نائب الوزارة فاحترمه وبجله وخلع عليه خلعة احضرت من المخزن وهي قباء أطلس وسربوش وقدم له فرس عربي بمركب وذهباً وأسكن في دار بمحلة المقتدية تعرف بمعد الموسوي، وسبب قدومه إلى بغداد أنه كان قد ملك دمشق بعد وفاة أبيه الملك المعظم بعهد منه له، فقصده عماه الكامل أبو المعالي محمد صاحب مصر يومئذ والاشراف أبو الفتح موسى ابنا العادل أبي بكر، والاشرف حينئذ صاحب حران والرها وخلاط وغير ذلك، ونزلا بعساكرها ظاهر دمشق محاصرين لها واقاما على ذلك شهوراً وذلك في سنة ست وعشرين وستمائة فلما طال حصار البلد وضاق على أهله وكثر عبث العساكر وفسادهم وتخريبهم نرل ناصر الدين على حكمهما وفتح لهما البلد وخلاه فلما تمكنا من البلد سيراه إلى الكرك في جماعة من أصحابه فحضر لينهي حاله إلى الخليفة فوعده بأصلاح امره ثم أنفذ إليها في المعنى فأجابا إلى ذلك وسأل ناصر الدين في مدة اقامته ببغداد أن يحضر المدرسة المستنصرية فأمر الخليفة بعمل دعوة واحضار فقهاء المدارس، ثم حضر ناصر الدين فجلس على طرف ايوانها الشمالي ووقف مماليكه وأصحابه في ربعي المالكية والحنفية، ووقف عند كل طائفه حاجب وحضر قراء الديوان وقرئت الحتمات وأنشد جماعة من الفقهاء قصائد ثم قدم المشروب وبعده أنواع الأطعمة فتناول ناصر الدين من ذلك بعد أن قبل الأرض مرارا فلما فرغوا من ذلك انصرف إلى داره.

وفي ثامن عشر شعبان، تقدم إلى أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي بالجلوس في الرباط المجاور لمعروف الكرخي المقابل لتربة واقفته وحضر ناصر الدين، ولما انقضى المجلس مد سماط عظيم ثم خلع عليه في حادي عشرية في دار الوزارة وقدم له فرس عربي بمركب ذهباً ومشدة وأعطي علماً بمشاد وجفتايين، وخلع على حميع أصحابه وأتباعه ومماليكه وأعطي عدة ارؤس من الخيل وثياباً كثيرة وخمسة وعشرين ألف دينار وخمسين جملاً وكراعاً كثيراً وآلات ومفارش وغير ذلك وتوجه إلى مستقره وقد اصلحت الحال بينه وبين عميه الكامل والاشرف.

وفي سلخ ربيع الأول، وصل الأمير ركن الدين اسماعيل بن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل إلى بغداد وخرج إلى لقائه النقيب الطاهر الحسين بن الاقساسي وخادمان من خدم الخليفة وموكب الديوان فلقيه بظاهر البلد ودخل معه إلى باب النوبي فقبل العتلة ودخل إلى نصير الدين نائب الوزارة فأكرمه وخلع عليه قباءا أطلس وسربوش شاهي وقدم له فرساً بعدة كاملة وأسكن دار الأمير علي بن سنقر الطويل بدرب فراشا وأسكن الأمراء الذين كانوا صحبته في دور، وبعد أيام قصد زيارة أخته زوجة الأمير علاء الدين أبي شجاع الطبرسي الدويدار فعمل له دعوة جميلة عمت جميع أصحابه وخلع عليه وأعطاه أحد عشر رأساً من الخيل العربيات وعشر جون فيها من أنواع الثياب وخمسة آلاف دينار وخلع على جميع أصحابه واتباعه ومماليكه.

وفي سابع عشر ربيع الآخر، حضر بالبدرية عند شرف الدين أقبال الشرابي فخلع عليه وعلى جميع أصحابه ووصله بذهب كثير وخيل وتحف واهدايا.

وفي العشرين من الشهر، حضر في دار نصر الدين نائب الوزارة فخلع عليه وقلد سيفاً وأمطي فرساً بعدة كاملة وخلع على جميع أصحابه وأنعم عليه بقدر صالح من العين برسم نفقة الطريق ثم توجه مصعداً في ثامن عشر الشهر، وفي مدة مقامه ببغداد عملت له دعوة في رباط الخلاطية فحضر هناك وتفرج في الرباط، ثم عملت له دعوة أخرى في رباط والده الخليفة الناصر لدين الله، ثم عملت له دعوة أخرى في المدرسة المستنصرية فحضر وجلس على أيوانها وقرأ وذكر المدرسون الدروس ثم طيف به في رواقها.

وفيها، عزل علي بن غزالة المدائني عن النظر بواسط وولي عوضه على بن الشاطر الانباري وولي الأمير بكتين الناصري شحنكيتها.

ص: 22

وفيها، وصل الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر المغربي الأصل الشرمساحي المولد الاسكندراني المنشأ والدار، إلى بغداد ومعه أهله وولده وجماعة من الفقهاء فلقي بالقبول من الديوان ثم أحضر دار الوزارة واحضر جميع المدرسين فذكر مسألة تفرع منها عدة مسائل على مذهب الإمام مالك بن أنس وبحثت الجماعة معه واستجادوا كلامه فخلع عليه وأمطي بغلة بعدة كاملة أسوة بالمدرسين بالمدرسة المستنصرية وتقدم بحضور أرباب الدولة والمدرسين بسائر المدارس والفقهاء فحضروا، فخطب خطبة بليغة وذكر اثني عشر درساً وختمها بدرس من الوعظ وأعربت دروسه عن فضل ظاهر وجعل له في كل رجب مائة دينار وخلع على أخيه وجعل معيداً لدرسه ثم خلع على الفقها الذين وصلوا صحبته وأثبتوا، وفي ربيع الآخر نقل القاضي فخر الدين أبو سعيد المبارك بن المخرمي من وكالة باب طراد، ونظره بدار التشريفات إلى صدرية المخزن، وخلع عليه وأعطي مركوباً بعدة كاملة وأنعم عليه بألف دينار وأسكن في الدار المنسوبة إلى الوزير عبيد الله بن يونس المجاورة للديوان ورتب علي بن غزالة المدائني مشرفاً عليه ورتب هبة الله بن خليد كاتباً معه، وخلع عليهما، ثم نقل فخر الدين بن المخرمي إلى صدرية ديوان الزمام، ونقل ابن غزالة إلى الأشراف عليه، وخلع عليهما وانحدراً إلى واسط.

واستناب نصير الدين بن الناقد نائب الوزارة اخاه أبا الفضل في الدكالة.

وفيها، ولي الأمير سراج الدين سرابه الناصري شحنكية البصرة.

وفيها تكامل بناء الايوان الذي انشىء مقابل المدرسة المستنصرية وعمل تحته صفة يجلس فيها الطبيب وعنده جماعته الذين يشتغلون عليه بعلم الطب ويقصده المرضى فيداويهم وبني في حائط هذه الصفة دائرة وصور فيها صورة الفلك وجعل فيها طاقات لطاف لها أبواب لطيفة، وفي الدائرة بأزان من ذهب في طاستين من ذهب ووراءهما بندقتان من شبه لايدركهما الناظر فعند مضي كل ساعة ينفتح فما البازين ويقع منهما البندقتان وكلما سقطت بندقة انفتح باب من أبواب تلك الطاقات والباب من ذهب فيصير حينئذ مفضفضاً، وإذا وقعت البندقتان في الطاستين تذهبان إلى مواضعهما، ثم تطلع أقمار من ذهب في سماء لازوردية في ذلك الفلك مع طلوع الشمس الحقيقية وتدور مع دورانها وتغيب مع غيبوبتها فإذا جاء الليل فهناك أقمار طالعة من ضوء خلفها كلما تكاملت ساعة تكامل ذلك الضوء في دائرة القمر ثم يبتدىء في الدائرة الأخرى إلى انقضاء الليل وطلوع الشمس فيعلم بذلك أوقات الصلاة، ونظم الشعراء في ذلك اشعاراً: منها قول أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي. من أبيات مدح بها الخليفة.

يا أيها المنصور يا مالكا

برأيه صعب الليالي يهون

شيدت لله ورضوانه

أشرف بنيان يروق العيون

أيوان حسن وضعه مدهش

يحار في منظره الناظرون

صور فيه فلك دائر والش

مس تجري ما لها من سكون

دائرة من لازورد حكت

نقطة تبر فيه سرمصون

فتلك في الشكل وهذي معا

كمال هاء ركبت وسط نون

وفيها، حضر عند قاضي القضاة أبي المعالي عبد الرحمن بن مقبل الواسطي حاجب الديوان وشافهه بالعزل عن القضاء وتدريس المدرسة المستنصرية وأمره بالانتقال من الدار التي سكنها القضاة، وولي عوضه أبو الفضل عبد الرحمن بن عبد السلام بن اللمغاني أقضى القضاة.

وفيها عاد تاج الدين أبو الفتوح على بن الدوامي من أربل مفارقاً للخدمة بها، وقد تقدم ذكر أصعاده إليها متولياً لأعمالها وصدراً لديوانها، فلما نقل فخر الدين أبو سعيد المبارك بن المخرمي من صدرية المخزن إلى صدرية ديوان الزمام رتب تاج الدين في صدرية المخزن وخلع عليه وقلد سيفاً وأمطى فرساً.

ص: 23