المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سنة أربع وثلاثين وستمائة - الحوادث الجامعة والتجارب النافعة

[ابن الفوطي]

الفصل: ‌سنة أربع وثلاثين وستمائة

وفيها، وصلت الأخبار من أربل أن عساكر المغول اجتازوا بها قاصدين الموصل فحاربهم عسكر أربل وقتل من الفريقين وجرح جماعة ثم انفصلوا قاصدين أعمال الموصل فعاثوا بها أشد العبث وقتلوا ونهبوا وأسروا، فأمر الخليفة بتجهيز العساكر والتوجه إلى تلك الجهة واستنفار الأعراب من البوادي والرجالة من جميع الأعمال فلما حضروا فرقت عليهم الأموال والسلاح وجعل مقدم العساكر الأمير جمال الدين قشتمر وتوجهوا، فلما وصلوا دربند، بلغهم أن المغول قد عادوا راجعين إلى بلادهم فرجع حينئذ قشتمر والعسكر إلى بغداد.

وفيها، صرف محمد بن الغنم من الوكالة ورتب عوضه ابن الطبال الدلال وظهرت منه نجابة ومعرفة وجلادة تامة.

وفيها، توفي أبو عبد الله بن حمد بن المرشد شيخ من أهل - المرية - قرية من أعمال البصرة، يعرف الفقه علي مذهب الشافعي تولى قضاء واسط سنين عدة في الأيام الناصرية وولي الاشراف بديوان واسط وعزل في الأيام المستنصرية وكان عنده دعابة ومزح وكيس وتواضع، قدم بغداد بعد عزله وهو شيخ طوال قليل البصر وقصد يوما كمال الدين عبد الرحيم ابن ياسين فطرق الباب فقال من بالباب فقال ثلاثة عميان فأذن له فلما دخل رآه وحده فاستفسره عما قال فقال أنا الثلاثة العميان، لأني غريب والغريب كما يقال أعمى، وطالب حاجة وطالب الحاجة أعمى لا يرى إلا قضاءها، والعمى الحقيقي فمشاهد، وكان أب ياسين ضعيف النظر جداً فقال له ياسيدي صرنا أربعة، كانت وفاته في المرية، وقد أضر وعمره ثمانون سنة.

وتوفي جمال الدين أبو الحسن عبد الله بن الناقد أخو نصير الدين نائب الوزارة، رتب أولاً حاجبا بالديوان ثم نقل إلى حجة المخزن ثم ولي صدرية المخزن وكان على ذلك إلى أن توفي، صعد ليلة إلى غرفة داره فعرض له فالج فلم يتمكن من النزول فبقي على تلك أياماً ومات في صفر.

وتوفي، بعد أخوه نور الدين أبو الفضل يحيى، كان أحد الحجاب بالديوان وناب عن أخيه نصير الدين نائب الوزارة في الوكالة في هذه السنة وتوفي في ذي الحجة.

وفيها، توفي أبو صالح نصر بن أبي بكر بن عبد الرزاق بن أبي محمد عبد القادر الجيلي الفقيه الحنبلي الواعظ، شيخ وقته ومقدم مذهبه من بيت العلم والصلاح، سمع الحديث ورواه وتفقه على أبيه وعلى الشيخ النوقاني الشافعي وتكلم في مسائل الخلاف ودرس في مدرسة جده بباب الازج والمدرسة الشاطئية بباب الشعير وتكلم في الوعظ وشهد عند قاضي القضاة ابن الدامغاني وقلد قضاء القضاة في خلافة الظاهر بأمر الله ولم يقلد قضاء القضاة حنبلي سواه فسار سيرة حسنة من فتح بابه ورفع حجابه والجلوس للناس عموماً والآذان على بابه والصلاة بالجماعة والخروج إلى صلاة الجمعة راجلاً ولبس القطن وتجنب لبس الابريسم، ثم عزل في سنة ثلاث وعشرين، فانتقل إلى مدرسته وجلس على عادته بذكر الدروس ويفتي الناس، ولما تكامل بناء الرباط المستجد بدير الروم، جعل شيخاً على من به من الصوفية فلم يزم على ذلك إلى أن توفي، ودفن في دكة الإمام أحمد رضي الله عنه فأنكر الخليفة ذلك وأمر بتحويله فحول ليلاً ودفن قريباً منه، خارجاً عن تربته ولما عزل عن القضاء قال أبياتاً أولها:

حمدت الله عز وجل لما

قضالي بالخلاص من القضاء

وفيها، توفي أبو منصور معلى بن الدباهي الفخري من قرية تعرف - بالفخرية - من أعمال نهر عيسى من أهل بيت ذوي رئاسة وتناية، ومعلى هذا رتب ناظراً بدجيل، ثم بنهر عيسى، ثم نقل إلى صدرية المخزن، ثم نقل إلى صدرية ديوان الزمام، فكان على ذلك إلى أن أمر بملاحظة أربل وأعمالها، فتوجه إليها في هذه السنة فتوفي بأربل ودفن بها.

وحج بالناس في هذه السنة، الأمير أبو فراس بن جعفر بن أبي فراس.

وفيها، توفي عز الدين ابن الأثير الجزري صاحب الكامل في التاريخ بالموصل.

‌سنة أربع وثلاثين وستمائة

ص: 24

في خامس صفر، وصل إلى بغداد نور الدين أرسلان شاه بن عماد الدين زنكي صاحب شهر زور فخرج موكب الديوان إلى لقائه وفي صدره عارض الجيوش أبو الحسن علي بن المختار وخادمان من خدم الخليفة، فلقيه بظاهر السور ودخل معه وقصد باب النوبي وقبل العتبة ثم دخل إلى نصير الدين بن الناقد نائب الوزارة فرفع قدره وخلع عليه ثم خرج ومضى إلى دار عينت له بمحلة المقتدية منسوبة إلى النقيب الطاهر معد الموسوي وأسكن أصحابه في دور مجاور لها، وكان جميل الصورة ظريف الشكل لطيف القد، واستدعي في حادي عشر الشهر إلى البدرية فحضر عند شرف الدين أقبال الشرابي فشرفه بلباس الفتوة نيابة ووكالة عن الخليفة وخلع عليه، وفي رابع عشرية، عمل له دعوة بالمدرسة المستنصرية وحضر إليها وجلس على طرف أيوابها الصغير وفرقت الربعات وقرئت الختمات وذكر المدرسون بها الدروس ثم نهض فدخل دار كتبها فجلس بها ساعة، ثم خرج متوجهاً إلى داره، واستدعي في خامس عشري الشهر إلى دار الوزارة وخلع عليه وقلد سيفاً وحمل على فرس بمركب ذهباً وعدة كاملة وأعطي خمسة أحمال كوساة ونقارات وما يناسب ذلك من الآعلام وغيرها وأنعم عليه بخمسة آلاف دينار، وأذن له في العودة إلى بلده فتوجه في ذلك اليوم.

في ربيع الأول، ختم الأمير أبو القاسم عبد العزيز ولد الخليفة المستنصر بالله القرآن المجيد، على مؤدبه العدل أبي المظفر علي بن النيار وجرت الحال في الدعوة وخلع على ما تقدم شرحه في ختمة أخيه.

وفيه، عزل تاج الدين علي بن الدوامي عن صدرية المخزن مراسلة بحاجب وكان في عقابيل مرض ورتب عوضه أبو فضلة هاشم بن علي بن الأمير السيد العلوك ثم ولي تاج الدين في شهر رجب حجبة باب النوبي وأمر الشرطة.

وفيها، قصد جماعة عيادة مريض وهو على سطح دارة فقعدوا عنده ساعة فوقع السقف ووقعوا كلهم فماتوا جميعهم إلا المريض.

كم من مريض قد تحاماه الردى

فنجا ومات طبيبه والعود

وفيها، وصل أمير الحاج أبو فراس أبن أبي فراس ومعه العرب الأجاودة الذين تعرضوا لأذية الحاج ومنعوهم الحج في سنة اثنتين وثلاثين وستمائة وكل منهم قد كشف رأسه وجعل على عنقه كفنه وبيده سيفه ومعهم نساؤهم وأولادهم فقصدوا باب النوبى وقبلوا الأرض ورمى النساء براقعهن وضججن بالبكاء والتضرع فعرفوا قبول توبتهم والعفو عنهم وأنعم عليهم باكسوات وغيرها وعادوا إلى أماكنهم.

وفيها، حضر عبد الله الشرمساحى مدرس المالكية بالمدرسة المستنصرية بالبدرية عند شرف الدين أقبال الشرابي وأنعم عليه بلباس الفتوة نيابة ووكالة عن الخليفة.

وفي هذه السنة، قصد ملك الروم مدينة آمد وحصرها وضيق على أهلها وجرى بين العسكرين قتال وقتل من الفريقين خلق كثير وقلت الأقوات وتعذرت على أهل البلد فأرسل صاحبها إلى الخليفة يعرفه ذلك ويسأله مراسلة ملك الروم في الكف عنه فأمر الخليفة بانقاذ أبي محمد بن الجوزي فتوجه نحوه، وقال: لما وصلت إليه وجدت عساكره قد أحاطت بمدينة آمد وأهل البلد في ضر عظيم فعرضت عليه مكتوب الديوان فذكر أن أولئك هم الذين ابتدأوا وقتلوا أصحابه، قال: فأخرجب خط الخليفة بقلمه وتلوت قوله تعالى (كتاب أنرلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) وقبلته وسلمته إليه فقام ووضعه على عينه ورأسه وقرأه وأمر في الحال بالكف عن القتال والرحيل عن البلد.

وفيها، أمر الخليفة بعمل مزملة بالقرب من قبر أحمل بن حنبل رضي الله عنه لاجل الزوار الواردين فلما تكامل بناؤها فتحت وجعل فيها الحباب وملئت من الجلاب، ورتب فيها قيم يقوم بمصالحها ونظم الشعراء في ذلك قصائد منها: ما قاله جعفر بن مهدوية الكاتب من قصيدة يمدح بها الخليفة:

وقبر أحمد قد طرزت حليته

بحلية زينت منه مبانيه

ثم أتخذت لنا فيه مزملة

ندل أنك يوم الحوض ساقية

فاسلم فدتك الرعايا يا أمام هدى

تهدي إلى الحق من قد ضل في البته

وفيها، قلد أقضى القضاة عبد الرحمن بن المغاني علي بن البصري قاضي دجيل قضاء واسط وأعمالها.

ص: 25

وفيها، وصل الأمير عز الدين قيصر الظاهري مخبراً بوصول ابنة بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، وكان قد نفذ لاحضارها لنزف على زوجها مجاهد الدين أبيك المستنصري المعروف بالدويدار الصغير فخرج إلى تلقيها بدر الظاهري المعروف بالشحنة أحد خدم الخليفة وفي صحبته ثلاثون خادماً والأمير بدر الدين سنقر جاه أمير آخور الخليفة وجماعة من المماليك والحاجب، أبو جعفر أخو استاذ الدار ومؤيد الدين محمد بن العلقمي فتلقاها بدر الشحنة في المزرفة وعادوا الجماعة معه وانحدرت هي في شبارة، حملت لها إلى هناك في جماعة من خدمها وجواريها وصعدت في باب البشرى ليلاً، وقد أعد لها بلغة فركبت واجتازت بدار الخلافة وخرجت من باب النوبي إلى دار زوجها مجاهد الدين - بدرب الدواب - وهي الدار المنسوبة إلى أحمد بن القمي فنثر عليها خادم لزوجها ألف دينار عند دخولها الدار.

وفي رابع جمادي الآخرة، خلع الخليفة علي مجاهد الدين بين يديه وقدم له مركوب بعدة كاملة فخرج وقبل حافرة وركب من باب الأتراك ورفع وراءه أربعة عشر سيفاً إلى غير ذلك من الحراب والنشاب وأشهرت السيوف من باب دار الضرب وخرج معه جماعة من خدم الخليفة والحاجب أبو جعفر بن العلقمي أخو استاذ الدار ومهتر الفراشين وحاجب ديوان الأبنية وغيرهم، وتوجه إلى داره فلما اجتاز بباب البدرية، نشر عليه خادم من خدم الشرابي أربعة آلاف دينار ولما اجتاز بدرب الدواب، نثر عليه في عدة مواضع من دار الأمير جمال الدين قشتمر ودار ابنته زوجة الأمير نصرة الدين كنج أرسلان، وكان ورائه الاعلام والطبول والكوسات.

في عشية هذا اليوم، نفذ له أحد عشر طبلاً، للخلق وأحد عشر قصعه وزوج صنج برسم طبل النوبة في الصلوات الثلاث، وزفت عليه زوجته فاجتمع له فرحتان فرح الإمارة وفرح العرس ولم يبلغ أحد من أبناء جنسه مع حداثة سنة ما بلغ ومن الغد عرضت عليه الهدايا من رقيق الترك والخدم والحبوش وأنواع الثياب والطيب والخيل وآلة الحرب وغير ذلك، من جميع الزعماء وأرباب الدولة وخدم الخليفة وسائر المماليك، ثم الوزير والشرابي واستاذ الدار والديودار الكبير، ولم ينفذ له أحد شيئاً إلا وخلع على المنفذ على يده، ثم ركب وبين يديه الأمراء والمماليك ورفع وراءه السلاح وقيدت بين يديه الخيل المجنونة وشهرت حوله السيوف وسعى السكيانية وبأيديهم الحرب والاطبار، والجاووشية بأيديهم الجوالكين الذهب والفضة وقصد دار الخلافة فخدم وعاد، ثم ركب عشية هذا اليوم وقصد دار الخليلة فخدم، وخرج وقت عشاء الآخرة في الأضواء والشموع واستمر دخوله إلى دار الخليفة في كل يوم بكرة وعشية على هذا الوضع.

وفي عاشر الشهر، خلع على أخواجته أبي الحسن علي بن المختار العلوي وعلى وكيله ماري بن صاعد بن توما النصراني وعلى نواب ديوانه وجميع الأمراء الذين أضيفوا إليه أيضاً ثم على أتباعه وحواشيه وغلمان البلدرية ومقدمها، وبوابي دار الخلافة الذين جوازه عليهم ولم يزل مقيماً في هذه الدار إلى أن تكاملت عمارة الدار المنسوبة إلى علاء الدين تتامش على دجلة وما أضيف إليها مما جاورها فانتقل إليها في ذي القعدة من السنة، وأنعم الخليفة عليه باصطبله المقابل لها على دجلة.

وفيها، أستحجب عبد الرحمن بن يحيي بن المخرمي أخو صاحب الديوان وجعل أسوة بحجاب المناطق.

وفيها، قصد الخليفة مشهد موسى بن جعفر عليه السلام في ثالث رجب فلما عاد أبرز ثلاثة آلاف دينار إلى أبي عبد الله الحسين بن الاقساسي نقيب الطالبيين وأمره أن يفرقها على العلويين المقيمين في مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والحسين وموسى بن جعفر عليهم السلام.

وفي رجب، أعيد فخر الدين أبو طالب أحمد بن الدامغاني إلى أشراف المخزن وخلع عليه.

وفيها، وصل بشر خادم الأمير ركن الدين اسماعيل بن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ونفران من رماة البندق ومعهم طائر قد صرعه ركن الدين وانتسب ذلك إلى شرف الدين أقبال الشرابي فقبله وأمر بتعليقه فعلق تجاه باب البدرية وأن ينثر عليه ألفا دينار، ثم خلع على الخادم والواصلين صحبته وأعطاهم ثلاثمائة آلاف دينار.

وفيها، توفي محمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن العجمي وهو من بيت رئاسة

قديمة.. وله شعر حسن فمنه: سقى الله ذا العيش غض والحبيب قريب لح في رياضه ويدعوننا داعي..

ص: 26