المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر فتح أربل - الحوادث الجامعة والتجارب النافعة

[ابن الفوطي]

الفصل: ‌ذكر فتح أربل

وفيها، حصر الكامل أبو المعالي المذكور مدينة آمد، وضيق على أهلها وأضعفهم بقلة الميرة وغيرها، واستولى عليها وملكها عنوة، وكان صاحبها الملك مسعود الدوادار الملك.

وفيها، رد النظر في أوقاف مدارس الحنيفة والربط وجامع السلطان إلى فخر الدين أبي طالب أحمد ابن الدامغاني مشرف الديوان وكفت يد نواب قاضي القضاة ابن مقبل عنها.

وفيها، وصل الأمير حسام الدين أبو فراس بن جعفر بن أبي فراس الذي كان أمير الحاج في الأيام الناصرية وقد تقدم ذكر مفارقته للحاج مسيره إلى الشام، ومصر، ملتجأ إلى الكامل أبي المعالي محمد بن العادل، هرباً من الوزير القمي وحدراً من قصيدة أياه، فلما بلغه عزله كاتب الديوان واستأذن في العودة فأجيب سؤاله فلما وصل إلى مدينة السلام، حضر عند نصير الدين بن الناقد نائب الوزارة فخلع عليه ومضى إلى داره بسوق العجم ثم استدعي بعد أيام وخلع عليه وأعطي سيفاً محلى بالذهب وأمطي فرساً وأعطي سبعة أحمال كوسات وأعلاماً، وضم إليه جماعة من العسكر وأقطع بلد دقوقاً.

وفيها، صرف تاج الدين أبو الفتوح علي بن هبة الله بن الدوامي، عن أشراف دار التشريفات وخرج راجلاً إلى داره، ورتب عوضه تاج الدين أبو المظفر محمد بن الضحاك.

وفي جمادى الآخرة، فرج عن ولد مؤيد الدين القمي وجميع أصحابه وأتباعه.

وفي شهر رمضان، فتحت دور الضيافة بجانبي مدينة السلام جرياً علي العادة في كل سنة وزيد فيها داران أحداهما بدار الخلافة لاولاد الخلفاء المقيمين في دار الشجرة، والأخرى بخربة ابن جردة، للفقراء الهاشميين.

وفي هذه السنة، سير جمال الدين بكلك الناصري إلى قلعة زرده ومعه عدة من العسكر، فحصرها وضيق على من بها وجرت بينهم حروب كثيرة وقتال شديد، فملكها عنوة وقهراً واستولي عليها وأرسل إلى الخليفة يعرفه ذلك، فاستبشر به ونظم الشعراء في ذلك أشعاراً كثيرة.

‌ذكر فتح أربل

في سابع عشر شهر رمضان، ورد الخبر إلى بغداد بوفاة مظفر الدين أبي سعيد كوكبري بن زين الدين علي كوجك صاحب أربل فتقدم الخليفة بتعيين جماعة من الأمراء يكون مقدمهم الأمير أرغش الناصري الرومي، وعلاء الدين الدكز الناصري للتوجه إلي أربل وتقدم إلى ظهير الدين أبي علي الحسن بن عبد الله عارض الجيش بالتوجه أيضاً فتوجهوا مصعدين في خامس عشر الشهر.

ص: 11

وفي ثالث شوال، توجه شرف الدين أبو الفضائل أقبال الشرابي بالعسكر فوصلوا في ثالث عشر شوال، وكان في القلعة خادمان أحدهما اسمه برنقش والآخر اسمه خالص، كانا قد كتبا إلى الخليفة وإلى عماد الدين زنكي صهر مظفر الدين والي بني أيوب حيث ثقل مظفر الدين في المرض يعرفانهم ذلك وقالا: من سبق إلينا كانت منتنا عليه. وكتبا إلى الملك الصالح أيوب بن الكامل أبي المعالي محمد يعلمانه بموته ويحثانه على المجيء فلما شاهدا عساكر الخليفة سقط في أيديهما وعلما أنه قد انتهى إلى الخليفة ما فعلا فامتنعا من فتح البلد فلما رأى الشرابي أنهم أغلقوا أبواب المدينة دونه، استدعى الأمير جمال الدين قشتمر وقال له: ما لهذا الأمر سؤال وإذا فعلت شيئاً لا يسع غيرك إلا موافقتك فركب في الحال من غير استراحة ودار ليله أجمع حول البلد وهم على السور، بالاضواء والطبول ثم قسم أبواب البلد على الأمراء وضرب هو خيمة مقابل باب عمكا واللونه أعظم الأبواب وأكثر المقاتلة هناك، ونصب البيت الخشب مقابل الباب بالقرب منه بحيث يسمع كلامهم ويسمعون كلامه، ويصل نشاب الجرخ إليه ولم يزل نهاره أجمع يرقب ما يعملون ويشاهد ما يصنعون وفي الليل يدور على العساكر ويحرض على الحراسة والحفظ، والشرابي يراسل الخادمين المذكورين ويخوفهما عاقبة العصيان فسألا أن يؤخرا يومين فأجيبا وكان وغرضهما أن يصل الملك الصالح أيوب المقدم ذكره، فلما انقضى الامد نفذ جمال الدين قشتمر إلى أحد زعمائهم وقال له: أخلفتم الوعد، وخوفهم وحذرهم، فرد عليه جواباً غير مرضي ثم رمى وراء رسوله بالنشاب فوقع قريباً من الاطناب فقال قشتمر لجماعة من مماليكه أقربوا منهم وتحرشوا بهم فأخذوا في سبهم ورموا بالنشاب إلى جهتهم فما زال الأمر يزداد حتى وقع الزحف على البلد وقت العصر واشتد الرمي من فوق السور بالنار وأنواع السلاح، وكثر في الفريقين القتل والجراح وسار قشتمرحتى وقف على الخندق فاشتد القتال حينئذ وقوي جأش المقاتلين بوجوده فركب الشرابي في لامة حربه ووقف على نشز فأخبر قشتمر بركوبه فقصده ووقف إلى جانبه، فساعة اجتماعمها أخبرا بالنصر والفتح وتسليم القلعة، ونهب أوباش العسكر بعض دورها، واستولى العسكر على البلد عنوة، وكتب الشرابي على جناح طائر إلى الخليفة بصورة الحال فحصل الاستبشار بذلك وضربت الطبول على باب النوبي، وأفرج عن جميع المعتقلين في الحبوس وحضر الشعراء في الديوان وأوردوا قصائد تتضمن الهناء بهذا الفتج والنصر. فمن أورد القاضي أبو المعالي القاسم بن أبي الحديد المدائني قصيدة أولها:

مايثبت الملك بين الخوف والخطر

حتى يقام ويسقى من دم البشر

لكل شيء طريق يستفاد به

وليس للعز غير الصارم الذكر

ومنها:

مافتح أربل عن بخت لذي دعه

ولا اتفاقاً كبعض النصر والظفر

لكنه كان قصد القادرين وأف عال المطيعين عن قصد وعن فكر

فليسمح الاشعري اليم لي فأنا

في فتح أربل لا الوي على القدر

وقال أخوه عز الدين عبد الحميد الكاتب قصيدة، اتفق له فيها أن الوزير كان ترتيبه يوم سابع عشر شوال سنة تسع وعشرين وفتح أربل يوم سابع عشر شوال سنة ثلاثين فقال:

يا يوم سابع عشر شوال الذي

رزق السعادة أولا وأخيرا

هنئت فيه بفتح أربل مثلما

هنئت فيه وقد جلست وزيرا

ص: 12