الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرآن الكريم وحوار الثقافات
بين القرآن الكريم في آيات عديدة أن تعدد الثقافات الإنسانية واختلاف الناس في الدين أمر من مقاصد الخلق. قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} . فالاختلاف أمر قدري مثلما هو أمر مقصود لتقوم الحجة على المخالف لكن ليس للاقتتال والنزاع إذ ليس الكفر في ذاته مبيحاً لقتل الكافر ولإزهاق روحه. أما التنوع في الأعراق والأجناس والألوان واللغات فإنما يقصد به التعارف والتقارب، لا التنافر والتفرق. قال الله تعالى:{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} فالقصد من التعدد والتنوع الثقافي في أدنى مراحله هو التلاقي والتعارف وتبادل الأفكار والخبرات التي تطورها أنماط الحياة المختلفة. وذلك مما يزيد من عمق مكونات كل ثقافة بما تولده من الثقافات الأخرى. وبتواصل الاحتكاك السلمي بين الثقافات يتعلم أفراد البشر أن يقللوا من تحيزاتهم، وأن يلطفوا من مشاعرهم السلبية تجاه أصحاب الثقافات الأخرى، فيزيد التسامح بين البشر، وتصحح تلك الأفكار الخاطئة تجاه
الآخرين، وهذا أمر يعرفه الإنسان حتى من تجاربه الخاصة مع الأفراد، فما أكثر ما يحمل الواحد منا فكرة سلبية عن فرد آخر يكون الدافع الوحيد لها هو عدم الحوار مع هذا الآخر وعدم معرفته معرفة قريبة وثيقة أكيدة، ولكن سرعان ما تنجلي غشاوة ذلك التحيز بمجرد أن يتم الحوار والتعارف الوثيق معه.
وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تؤكد تنوع تجارب البشر وعدم احتقار الآخرين لمجرد الاختلاف عنهم، وقد صارت الثقافة الإسلامية غنية بفعل الاحتكاك بالشعوب الأخرى وتبادل الأفكار معها وأخذ ما عندها من الحق حتى ولو جاء ذلك الحق من عند من يعادون الإسلام. ولقد قبلت الشعوب المسلمة عقيدة الإسلام واحتفظت بعاداتها وتقاليدها الخاصة التي لا تخالف الإسلام وإن كانت لا تتفق مع عادات شعوب إسلامية أخرى ولا تقاليدها. وتلك هي رحابة الإسلام وسماحته التي ضمت الجميع. ولعل خير ما يمكن أن يستخلص من ذلك هو أن التنوع في الحوار هو أداة خصوبة وإغناء، مثلما عبر عن ذلك المفكر الاجتماعي سكوت بيك حيث قال:" إن الرسالة الإجمالية للتواصل والحوار الإنساني تتلخص (أو ينبغي أن تتلخص) في البلوغ إلى التصالح. . . إن التواصل والحوار الكفء يستطيع أن يصل في النهاية إلى تحقيق إزالة الجدران والحواجز التي تؤدي إلى سوء التفاهم الذي يبعد البشر عن بعضهم الآخر ".
لقد دعا القرآن الكريم إلى الحوار مع الآخرين حواراً رفيعاً مهذباً كما قال الله تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، وكما قال سبحانه:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} ، وقال تعالى:{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} ، فمجرد الغلظة في الحوار واستخدام المفردات الجافة الفظة غير مرغوب ناهيك عن سباب الناس وإيذائهم وتحقيرهم وازدرائهم وغير ذلك من الممارسات الناجمة أساساً عن عدم الاعتراف بالآخرين وعدم الإيمان بجدوى الحوار نفسه، وهؤلاء لا ينبغي لهم أن يتصدوا للحوار أو لا يمكن أن يحققوا منه أي نتائج إيجابية.