المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌شبهات حول جدوى الحوار - الحوار مع أصحاب الأديان مشروعيته وشروطه وآدابه

[أحمد بن سيف الدين تركستاني]

الفصل: ‌شبهات حول جدوى الحوار

‌شبهات حول جدوى الحوار

هناك بعض الشبهات حول جدوى الحوار وفائدته خاصة في حوار الأديان، وتدور هذه الشبهات حول بعض الحجج التي تحتاج منا إلى بيانها وكيفية الرد عليها بما يثبت أهمية مبدأ الحوار دون تطبيقه في كل حين ومع كل أحد، ومن هذه الحجج:

1-

أن الحوار قد يؤدي إلى التشويش والاضطراب وذلك بما ينتج عنه من التأثير الفكري غير المحمود، ففي حالة الحوار بين المسلمين والنصارى مثلاً: يخشى بعض المسلمين من أن يؤدي الخطاب النصراني إلى إدخال بعض الشبهات والخلط الفكري في أذهان المسلمين فتضطرب بعض مفاهيمهم من جراء ذلك الخلط. وهذا الكلام صحيح إذا كان المحاور قليل البضاعة في موضوع الحوار، أو كان ضعيف الحجة غير قادر على البيان والتوضيح. أما إذا كان مؤهلاً للحوار محصناً بالعلم والحجة وحسن الالتزام بدينه فإن الحوار يزيده صلابة وقوة وكشفاً لزيف الطرف الآخر ورد شبهاته وتفنيدها.

ص: 21

2-

أن الحوار قد يؤدي إلى مزيد من التعصب والتصلب عند طرفي الحوار. ففي حالة حوار الأديان يكون الحوار عادة بين منطلقات ومفاهيم كلية للوجود والألوهية والشرائع، وهذه مفاهيم من القوة والتجذر بحيث لا يؤثر فيها حوار، وتكون النتيجة الحتمية هي بقاء ما كان على ما كان أو على أشد مما كان عليه. وللرد على هذا، يكفي ذكر الحقيقة الواضحة كما كان الحال في أكثر حوارات القرآن الكريم، حيث حاور رسل الله عليهم الصلاة والسلام أقوامهم حول إثبات ربوبية الله عز وجل وألوهيته وإثبات البعث والجزاء، ولا ضير في حوار يتأسس على هذه القواعد الكبرى لتنطلق منها إلى ما هو دونها. وأما القول بأن كل أصحاب موقف سيتصلبون عليه، فيمكن القول بأنه نجم عن بعض حوارات الأديان تحولات كبرى في العقيدة كسب منها الإسلام قديماً وحديثاً كثيراً، إذ هو أكثر الأديان كسباً من هذا الباب إلى جانب ما يحققه من بيان موقفه من التوضيح لعقائده فيدفع عنها اللبس ويصد عنها العداوة أو يخففها.

ص: 22

3-

أن الحوار يقود إلى الفتنة والصدام: وتقوم هذه الحجة على قاعدة سد الذرائع وإقامة الحواجز، ولكنه قد يبالغ فيها حتى تقيم الحواجز مع الآخرين وتبقى الحقيقة الإسلامية مغيبة. إن الحوار غير المنضبط بشروط الحوار وآدابه قد يتحول إلى فتنة وصدام، ولكن ليس كل حوار مرشحاً لذلك المآل بالتأكيد، ما دام هناك أخذ بشروط الحوار الصحيح الخالي من الجدل العقيم أو غير الملتزم بآداب الحوار كما سيأتي بيانه لاحقاً.

4-

أن الحوار يعطي الفرصة لتلميع الآراء الباطلة: في هذا القول تعميم لا يصح في كل حال، فإن الغالب أن الآراء الباطلة إنما تكتسب بريقها إذا انفردت بالأجواء والأضواء، بعيداً عن الاعتراض عليها والتصدي لها بالحوار. إن الحوار يعطي الفرصة لتوهين الآراء الباطلة وخفض درجة توهجها وبريقها، وذلك بما يكشفه من الحق المناقض لها ومن الباطل المنطوي فيها.

ص: 23

5-

أن الحوار قد يؤدي إلى المساومة على المبادئ والتلاعب بها ومزجها ببعضها الآخر للوصول إلى مواقف وسطى للتراضي أو القول بنسبية الحقيقة وأن الحقائق والآراء مهما اختلفت وتضاربت فهي كلها على صواب. والحق أن هذا المحذور وارد متى غاب عن المحاور من الطرف الإسلامي وضوح مبدئه وعدالة قضيته وإلا كان محامياً فاشلاً. إن الحرص على الحوار من أصحابه الأكفاء هو صمام الأمان ضد الوقوع في هذه الهوة السحيقة، وعلى المحاور معرفة أن المساومة على المبادئ وأن مزج الإسلام مع غيره في مبادئه وعقائده ليس هدفاً من أهداف الحوار وذلك حتى لا يجعله المحاور هدفاً وهمياً للإنجاز.

6-

أن الحوار قد يوقع أصحاب الحق في المزالق والإحراجات: وذلك إذا ما لم يؤدوا دورهم جيداً، وبذلك ينتصر أصحاب الرأي الباطل بسبب حسن إعدادهم لأنفسهم واستخدامهم الأفضل للمنطق. وفي ذلك ما فيه من تشكيك لأصحاب الحق في حقهم. وهذه النتيجة واردة الحدوث. ولكن السبب في ورودها هو الضعف العلمي للمحاورين أو تهاونهم في الإعداد وليس السبب في الحوار نفسه.

ص: 24

إن بعض من يرددون تلك الحجج ينطلقون من الحرص على الإسلام وثقافته وصفاء منهجه، وهذا أمر محمود، وربما ساعد في تقوية هذه الحجج ما رافق بعض جولات الحوار من الفشل في تحقيق نتائج ملموسة نظراً لعدم جدية المحاور من الطرف الآخر. وقد يكون السبب هو أن من تصدوا للحوار قد خاضوه على غير علم أو استعداد أو على غير انضباط بشروط الحوار وآدابه وبدلاً من أن يعيدوا النظر في أنفسهم لجؤوا إلى تخطئة مبدأ الحوار بدلاً من ذلك.

ص: 25