المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر موازاة الأنبياء في فضائلهم بفضائل نبينا صلى الله عليه وسلم - الخصائص الكبرى - جـ ٢

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌ذكر المعجزات الَّتِي وَقعت عِنْد انفاد كتبه صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمُلُوك

- ‌ففزعوا لذَلِك وَقَالَ أدخلوه فادخلت عَلَيْهِ وَعِنْده بطارقته فأعطيته الْكتاب فقرىء عَلَيْهِ فَإِذا فِيهِ (بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم) من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى قَيْصر صَاحب الرّوم فنخر إِبْنِ أَخ لَهُ أَحْمَر أَزْرَق سبط الشّعْر فَقَالَ لَا تقْرَأ الْكتاب الْيَوْم لِأَنَّهُ بَدَأَ بِنَفسِهِ

- ‌ذكر حلية الانبياء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام

- ‌ذكر المعجزات الَّتِي وَقعت عِنْد وفادة الْوُفُود عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر بَقِيَّة المعجزات الَّتِي لم تدخل فِي الْأَبْوَاب السَّابِقَة

- ‌ذكر معجزاته فِي ضروب الْحَيَوَانَات

- ‌ذكر معجزاته صلى الله عليه وسلم فِي أَنْوَاع الجمادات

- ‌فَائِدَة فِي عدم احتراق المنديل الَّذِي كَانَ يمسح بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَجهه وَخُرُوجه من النَّار مبيضا

- ‌ذكر المعجزات فِي رُؤْيَة الْمعَانِي بِصُورَة الاجسام

- ‌ذكر المعجزات فِي رُؤْيَة أَصْحَابه الْمَلَائِكَة وَسَمَاع كَلَامهم مِمَّا لم يتَقَدَّم ذكره

- ‌دَعَا جِبْرِيل عليه السلام

- ‌ذكر المعجزات فِي رُؤْيَة أَصْحَابه الْجِنّ وَسَمَاع كَلَامهم مِمَّا لم يتَقَدَّم ذكره

- ‌كرّ المعجزات فِيمَا أخبر بِهِ من المغيبات فَكَانَ كَمَا أخبر سوى مَا تقدم فِي الْأَبْوَاب السَّابِقَة

- ‌ذكر المعجزات فِيمَا أخبر بِهِ من الكوائن بعده فَوَقع كَمَا أخبر

- ‌أَخْبَار خلَافَة عمر بن عبد الْعَزِيز رضي الله عنه

- ‌خلَافَة بني الْعَبَّاس

- ‌ذكر وقْعَة صفّين

- ‌ذكر المعجزات فِي إِجَابَة الدَّعْوَات مِمَّا لم يتَقَدَّم ذكره

- ‌رقية الْحمى وَدُعَاء أَدَاء الدّين

- ‌رقية الْجِنّ

- ‌دُعَاء النّوم

- ‌دُعَاء النجَاة من الظَّالِمين وتسيير الْحَوَائِج

- ‌دُعَاء دفع الْفقر

- ‌ذكر أيات فِي منامات رؤيت فِي عَهده صلى الله عليه وسلم غير مَا تقدم

- ‌ذكر موازاة الْأَنْبِيَاء فِي فضائلهم بفضائل نَبينَا صلى الله عليه وسلم

- ‌زِيَادَة إِيضَاح لهَذَا الْبَاب

- ‌دُعَاء قَضَاء الْحَوَائِج وَدُعَاء زَوَال الشدائد

- ‌دُعَاء رد الْبَصَر للأعمي

- ‌ذكر الخصائص الَّتِي اخْتصَّ بهَا عَن أمته من وَاجِبَات ومحرمات ومباحات وكرامات مِمَّا لم يتَقَدَّم لَهُ ذكر

- ‌قسم الْوَاجِبَات وَالْحكمَة فِي اخْتِصَاصه بهَا زِيَادَة الدَّرَجَات والزلفى

- ‌فَائِدَة

- ‌قسم الْمُحرمَات

- ‌قسم الْمُبَاحَات

- ‌فَائِدَة

- ‌قسم الكرامات

- ‌فَائِدَة

- ‌ذكر مَا وَقع عِنْد وَفَاته صلى الله عليه وسلم من المعجزات والخصائص

- ‌ذكر آيَات وَقعت على إِثْر وَفَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي غزوات أَصْحَابه وَنَحْوهَا

الفصل: ‌ذكر موازاة الأنبياء في فضائلهم بفضائل نبينا صلى الله عليه وسلم

‌ذكر موازاة الْأَنْبِيَاء فِي فضائلهم بفضائل نَبينَا صلى الله عليه وسلم

قَالَ الْعلمَاء مَا أُوتِيَ نَبِي بمعجزة وَلَا فَضِيلَة إِلَّا ولنبينا صلى الله عليه وسلم نظيرها أَو أعظم مِنْهَا

بَاب مَا أُوتِيَ آدم عليه السلام من المعجزات والخصائص وَمَا لنبينا صلى الله عليه وسلم نَظِيره

من ذَلِك أَن الله تَعَالَى خلقه بِيَدِهِ وأسجد لَهُ مَلَائكَته وَعلمه أَسمَاء كل شَيْء

قَالَ بعض الْعلمَاء ذهب قوم إِلَى أَن آدم نبىء فِي ذَلِك الْوَقْت وَأرْسل إِلَى الْمَلَائِكَة وَكَانَت معجزته هَذِه الأنباء يَعْنِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمَّا أنبأهم بِأَسْمَائِهِمْ} وَأَن الله كَلمه كَمَا أخرج الطَّبَرَانِيّ عَن أبي ذَر قَالَ قلت يَا رَسُول الله آدم نَبِي كَانَ نعم كَانَ نَبيا رَسُولا كَلمه الله قبلا وَقد أُوتى النَّبِي صلى الله عليه وسلم نَظِير ذَلِك كُله أما الْكَلَام فَتقدم فِي الْإِسْرَاء

وَأما تَعْلِيم الله أَسمَاء كل شَيْء فَأخْرج الديلمي فِي مُسْند الفردوس عَن أبي رَافع قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (مثلت لي أمتِي فِي المَاء والطين وَعلمت الْأَسْمَاء كلهَا كَمَا علم آدم الْأَسْمَاء كلهَا)

ص: 304

وَأما السُّجُود فَقَالَ بعض الْعلمَاء فِي قَوْله تَعَالَى {إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على النَّبِي} الْآيَة هَذَا التشريف الَّذِي شرف بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أتم وأعم فِي الْإِكْرَام من تشريف آدم عليه السلام حَيْثُ أَمر الْمَلَائِكَة بِالسُّجُود لَهُ من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن ذَاك وَقع وَانْقطع وتشريفه صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ مُسْتَمر أبدا وَالثَّانِي أَن ذَاك حصل من الْمَلَائِكَة لَا غير وتشريفه صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ حصل من الله وَالْمَلَائِكَة وَالْمُؤمنِينَ

بَاب فِيمَا أوتيه إِدْرِيس عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام

قَالَ تَعَالَى {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانا عليا} وَقد رفع صلى الله عليه وسلم إِلَى قاب قوسين

بَاب فِيمَا أوتيه نوح عليه الصلاة والسلام

قَالَ أَبُو نعيم آيَته الَّتِي أُوتِيَ إِجَابَة دَعوته وإغراق قومه بالطوفان وَكم لنبينا صلى الله عليه وسلم من دَعْوَة مجابة مِنْهَا دَعوته على الَّذين وضعُوا السلا على ظَهره وَقد دَعَا بالمطر عِنْد الْقَحْط فهطلت السَّمَاء بدعائه

قَالَ أَبُو نعيم وَزَاد نَبينَا صلى الله عليه وسلم فِي نوح بِأَنَّهُ فِي مُدَّة عشْرين سنة آمن بِهِ أُلُوف كَثِيرَة وَدخل النَّاس فِي دينه أَفْوَاجًا ونوح أَقَامَ فِي قومه ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما فَلم يُؤمن بِهِ إِلَّا دون الْمِائَة نفس

قلت وَمِمَّا أوتيه نوح عليه السلام تسخير جَمِيع الْحَيَوَانَات لَهُ فِي السَّفِينَة وَقد سخرت أَنْوَاع الْحَيَوَانَات لنبينا صلى الله عليه وسلم كَمَا تقدم فِي مَوْضِعه ونوح كَانَ السَّبَب فِي نزُول الْحمى إِلَى الأَرْض وَنَبِينَا صلى الله عليه وسلم نفى الْحمى من الْمَدِينَة إِلَى الْجحْفَة

ص: 305

بَاب فِيمَا أوتيه هود عليه السلام

قَالَ أَبُو نعيم أُوتِيَ الرّيح وَقد نصر بهَا صلى الله عليه وسلم كَمَا تقدم فِي غَزْوَة الخَنْدَق قلت وَفِي غَزْوَة بدر

بَاب فِيمَا أوتيه صَالح عليه السلام

قَالَ أَبُو نعيم أُوتِيَ النَّاقة ونظيرها لنبينا صلى الله عليه وسلم كَلَام الْجمل وطاعته لَهُ

بَاب فِيمَا أوتيه إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام

أُوتِيَ النجَاة من النَّار وَقد تقدم نَظِير ذَلِك لنبينا صلى الله عليه وسلم فِي بَاب الْآيَة فِي النَّار وأوتي الْخلَّة وَقد أخرج ابْن ماجة وَأَبُو نعيم عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (إِن الله اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتخذ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا فمنزلي ومنزل إِبْرَاهِيم فِي الْجنَّة تجاهين وَالْعَبَّاس بَيْننَا مُؤمن بَين خليلين)

وَأخرج أَبُو نعيم عَن كَعْب بن مَالك سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول قبل وَفَاته بِخمْس (إِن الله اتخذ صَاحبكُم خَلِيلًا)

وَأخرج عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (لَو كنت متخذا خَلِيلًا غير رَبِّي لأتخذت أَبَا بكر خَلِيلًا وَلَكِن صَاحبكُم خَلِيل الله)

قَالَ أَبُو نعيم وَقد حجب إِبْرَاهِيم عَن نمْرُود بحجب ثَلَاث وَكَذَلِكَ حجب نَبينَا صلى الله عليه وسلم عَمَّن أَرَادَ قَتله كَمَا قَالَ تَعَالَى {إِنَّا جعلنَا فِي أَعْنَاقهم أغلالا فَهِيَ إِلَى الأذقان فهم مقمحون وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سدا وَمن خَلفهم سدا فأغشيناهم فهم لَا يبصرون} وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذا قَرَأت الْقُرْآن جعلنَا بَيْنك وَبَين الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة حِجَابا مَسْتُورا}

ص: 306

قلت وَقد تقدّمت الْأَحَادِيث فِي ذَلِك فِي بَاب عصمته

قَالَ أَبُو نعيم وَقد نَاظر إِبْرَاهِيم نمْرُود فبهته بالبرهان وَالْحجّة كَمَا قَالَ تَعَالَى (فبهت الَّذِي كفر) وَكَذَلِكَ نَبينَا صلى الله عليه وسلم أَتَاهُ أبي بن خلف يكذب بِالْبَعْثِ بِعظم بَال ففركه وَقَالَ الله {من يحيي الْعِظَام وَهِي رَمِيم} فَأنْزل الله تَعَالَى (قل يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أول مرّة) وَهَذَا الْبُرْهَان الساطع

قَالَ أَبُو نعيم وَقد كسر إِبْرَاهِيم أصنام قومه غَضبا لله تَعَالَى وَنَبِينَا صلى الله عليه وسلم أَشَارَ إِلَى أصنام قومه وَهِي ثَلَاث مائَة وَسِتُّونَ صنما فتساقطت وَتقدم حَدِيثهَا فِي بَاب فتح مَكَّة قلت وَمِمَّا أوتيه إِبْرَاهِيم كَلَام الأكبش

أخرج ابْن أبي حَاتِم عَن علْبَاء بن أَحْمَر أَن ذَا القرنين قدم مَكَّة فَوجدَ إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل يبنيان الْبَيْت فَقَالَ مَا لَكمَا ولأرضي فَقَالَا نَحن عَبْدَانِ مأموران أمرنَا بِبِنَاء هَذِه الْكَعْبَة قَالَ فهاتا بِالْبَيِّنَةِ على مَا تدعيان فَقَامَ خَمْسَة أكبش فَقُلْنَ نَحن نشْهد أَن إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل عَبْدَانِ مأموران أمرا بِبِنَاء هَذِه الْكَعْبَة فَقَالَ قد رضيت وسلمت وَقد تكلم بِحَضْرَة النَّبِي صلى الله عليه وسلم عدَّة من الْحَيَوَانَات

وَمن معجزاته مَا أخرجه ابْن سعد أَنا هِشَام بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما هرب إِبْرَاهِيم من كوثي وَخرج من النَّار وَلسَانه يَوْمئِذٍ سرياني فَلَمَّا قبر عبر الْفُرَات غير الله لِسَانه فَقيل عبراني حَيْثُ عبر الْفُرَات وَبعث نمْرُود فِي أَثَره وَقَالَ لَا تدعوا احدا يتَكَلَّم بالسُّرْيَانيَّة إِلَّا جئتموني بِهِ فَلَقوا إِبْرَاهِيم فَتكلم بالعبرانية فَتَرَكُوهُ وَلم يعرفوا لغته وَقد تقدم نَظِير ذَلِك لنبينا صلى الله عليه وسلم فِي الرُّسُل الَّذين أرسلهم إِلَى الْمُلُوك فَأصْبح كل مِنْهُم يتَكَلَّم بلغَة الْقَوْم الَّذِي أرسل إِلَيْهِم

ص: 307

وَمن معجزاته مَا أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف حَدثنَا مُحَمَّد بن أبي عُبَيْدَة بن معن حَدثنِي أبي عَن الْأَعْمَش عَن أبي صَالح قَالَ انْطلق إِبْرَاهِيم عليه السلام يمتار فَلم يقدر على الطَّعَام فَمر بسهلة حَمْرَاء فَأخذ مِنْهَا ثمَّ رَجَعَ إِلَى أَهله فَقَالُوا مَا هَذَا قَالَ حِنْطَة حَمْرَاء ففتحوها فوجدوها حِنْطَة حَمْرَاء فَكَانَ إِذا زرع مِنْهَا شَيْء خرج سنبلة من أَصْلهَا إِلَى فروعها حبا متراكما وَقد تقدم نَظِير ذَلِك لنبينا صلى الله عليه وسلم فِي السقاء الَّذِي زوده لأَصْحَابه وملأه مَاء ففتحوه فَإِذا لبن وزبد

بَاب فِيمَا أُوتِيَ إِسْمَاعِيل عليه السلام

أُوتِيَ الصَّبْر على الذّبْح وَقد تقدم فِي بَاب شقّ الصَّدْر أَن ذَلِك نَظِيره بل أبلغ مِنْهُ لِأَنَّهُ وَقع حَقِيقَة وَالذّبْح لم يَقع

وأوتي الْفِدَاء من الذّبْح وَكَذَلِكَ عبد الله أَبُو النَّبِي صلى الله عليه وسلم وأوتي زَمْزَم وَكَذَلِكَ عبد الْمطلب جد النَّبِي صلى الله عليه وسلم وأوتي الْعَرَبيَّة أخرج الْحَاكِم عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (ألهم إِسْمَاعِيل هَذَا اللِّسَان الْعَرَبِيّ إلهاما)

وَأخرج أَبُو نعيم وَغَيره عَن عمر أَنه قَالَ يَا رَسُول الله مَالك أفصحنا وَلم تخرج من بَين أظهارنا قَالَ (كَانَت لُغَة إِسْمَاعِيل درست فجَاء بهَا جِبْرِيل فحفظنيها)

بَاب فِيمَا أُوتِيَ يَعْقُوب عليه السلام

قَالَ الْجِرْجَانِيّ فِي أَمَالِيهِ الْمَشْهُورَة حَدثنَا أَبُو الْحسن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا أبي حَدثنَا نوح بن حبيب البذشي حَدثنَا حَامِد بن مَحْمُود حَدثنَا أَبُو مسْهر الدِّمَشْقِي حَدثنَا ابْن عبد الْعَزِيز التنوخي حَدثنِي ربيعَة قَالَ لما أَتَى يَعْقُوب عليه السلام فَقيل لَهُ إِن يُوسُف أكله الذِّئْب فَدَعَا الذِّئْب فَقَالَ أكلت قُرَّة عَيْني وَثَمَرَة فُؤَادِي قَالَ لَا لم أفعل قَالَ فَمن أَيْن جِئْت وَأَيْنَ تُرِيدُ

ص: 308

قَالَ جِئْت من أَرض مصر وَأُرِيد أَرض جرجان قَالَ فَمَا يَعْنِيك لَهَا قَالَ سَمِعت الْأَنْبِيَاء قبلك يَقُولُونَ من زار حميما أَو قَرِيبا كتب الله لَهُ بِكُل خطْوَة ألف حَسَنَة وَحط عَنهُ ألف سَيِّئَة وَرفع لَهُ ألف دَرَجَة فَدَعَا بنيه فَقَالَ اكتبوا هَذَا الحَدِيث فَأبى أَن يُحَدِّثهُمْ فَقَالَ مَالك لَا تحدثهم قَالَ إِنَّهُم عصاة وَقد أُوتِيَ نَبينَا صلى الله عليه وسلم كَلَام الذِّئْب كَمَا تقدم

قَالَ أَبُو نعيم وَمِمَّا اعطيه يَعْقُوب عليه الصلاة والسلام أَنه ابتلى بِفِرَاق وَلَده فَصَبر حَتَّى يكون حرضا من الْحزن وَنَبِينَا صلى الله عليه وسلم فجع بولده وَلم يكن لَهُ من الْبَنِينَ غَيره فَرضِي واستسلم ففاق صبره صَبر يَعْقُوب

بَاب مَا أُوتِيَ يُوسُف عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام

قَالَ أَبُو نعيم أعطي يُوسُف من الْحسن مَا فاق بِهِ الْأَنْبِيَاء وَالْمُرْسلِينَ بل والخلق أَجْمَعِينَ وَنَبِينَا صلى الله عليه وسلم أُوتِيَ من الْجمال مَا لم يؤته أحد وَلم يُؤْت يُوسُف إِلَّا شطر الْحسن وأوتي نَبينَا صلى الله عليه وسلم جَمِيعه وَقد تقدم فِي أول الْكتاب قَالَ ويوسف أَبْتَلِي بِفِرَاقِهِ عَن أَبَوَيْهِ وغربته عَن وَطنه وَنَبِينَا صلى الله عليه وسلم فَارق الْأَهْل وَالْعشيرَة والأحبة والوطن مُهَاجرا إِلَى الله تَعَالَى

بَاب مَا أُوتِيَ مُوسَى عليه الصلاة والسلام

أُوتِيَ نبع المَاء من الْحجر وَقد وَقع ذَلِك لنبينا صلى الله عليه وسلم كَمَا تقدم فِي أول الْبَعْث وَزَاد بنبعه من بَين ألأصابع الشَّرِيفَة

قَالَ أَبُو نعيم وَهُوَ أعجب فَإِن نبعه من الْحجر مُتَعَارَف مَعْهُود وَأما من بَين اللَّحْم وَالدَّم فَلم يعْهَد

وأوتي تظليل الْغَمَام وَقد تقدم ذَلِك لنبينا صلى الله عليه وسلم فِي عدَّة أَحَادِيث

وأوتي الْعَصَا قَالَ أَبُو نعيم ونظيرها لنبينا صلى الله عليه وسلم حنين الْجذع ونظيرها فِي قَلبهَا ثعبانا قصَّة الْفَحْل الَّذِي رَآهُ أَبُو جهل

ص: 309

وَقلت وأوتي الْيَد ونظيرها النُّور الَّذِي جعله آيَة للطفيل فَصَارَ فِي وَجهه ثمَّ خَافَ أَن يكون مثله فتحول إِلَى سَوْطه كَمَا تقدم فِي بَاب إِسْلَام الطُّفَيْل

وأوتي انفلاق الْبَحْر وَقد تقدم نَظِيره فِي بَاب الْإِسْرَاء أَن الْبَحْر الَّذِي بَين السَّمَاء وَالْأَرْض انْفَلق لَهُ حَتَّى جاوزه وَجعل أَبُو نعيم نَظِير هَذَا مَا تقدم فِي بَاب إحْيَاء الْمَوْتَى فِي قصَّة الْعَلَاء ابْن الْحَضْرَمِيّ وَسَيَأْتِي فِي آخر الْكتاب وقائع مثلهَا

وأوتي الْمَنّ والسلوى قَالَ أَبُو نعيم وَنَظِيره إحلال الْغَنَائِم وإشباع الجم الْغَفِير من الطَّعَام الْيَسِير

ودعا مُوسَى على قومه بالطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم قَالَ أَبُو نعيم وَنَظِيره دعاؤه صلى الله عليه وسلم على قومه بِالسِّنِينَ

وَقَالَ مُوسَى لرَبه {وعجلت إِلَيْك رب لترضى} وَقَالَ الله تَعَالَى لمُحَمد صلى الله عليه وسلم {ولسوف يعطيك رَبك فترضى} {فلنولينك قبْلَة ترضاها} وَقَالَ تَعَالَى لمُوسَى (وألقيت عَلَيْك محبَّة مني) وَقَالَ فِي حق مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم (قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله)

بَاب مَا أُوتِيَ يُوشَع عليه السلام

أُوتِيَ حبس الشَّمْس حِين قَاتل الجبارين وَقد حبست لنبينا صلى الله عليه وسلم كَمَا تقدم فِي الْإِسْرَاء وأعجب من ذَلِك رد الشَّمْس حِين فَاتَ عصر عَليّ رَضِي الله عَنهُ

ص: 310

بَاب فِيمَا أوتيه دَاوُد عليه الصلاة والسلام

قَالَ أَبُو نعيم أُوتِيَ تَسْبِيح الْجبَال وَنَظِير ذَلِك لنبينا صلى الله عليه وسلم تَسْبِيح الْحَصَى وَالطَّعَام كَمَا تقدم فِي بَابه وأوتي تسخير الطير وَقد تقدم تسخير سَائِر الْحَيَوَانَات لَهُ صلى الله عليه وسلم

وأوتي الإنة الْحَدِيد وَقد لينت الحجارلنبينا صلى الله عليه وسلم وصم الصخور واستتر من الْمُشْركين يَوْم أحد مَال بِرَأْسِهِ إِلَى الْجَبَل ليخفي شخصه عَنْهُم فلين الله لَهُ الْجَبَل حَتَّى أَدخل فِيهِ رَأسه وَذَلِكَ ظَاهر بَاقٍ يرَاهُ النَّاس وَكَذَلِكَ فِي بعض شعاب مَكَّة حجر أَصمّ إستروح إِلَيْهِ فِي صلَاته صلى الله عليه وسلم فِي صلَاته فلَان لَهُ الْحجر حَتَّى أثر فِيهِ بذراعيه وساعديه وَذَلِكَ مَشْهُور وَهَذَا أعجب لِأَن الْحَدِيد تلينه النَّار وَلنْ تَرَ النَّار تلين الْحجر هَذَا كُله كَلَام أبي نعيم

وأوتي دَاوُد نسج العنكبوت على الْغَار وَوَقع ذَلِك لنبينا صلى الله عليه وسلم كَمَا تقدم فِي الْهِجْرَة

بَاب فِيمَا أوتيه سُلَيْمَان عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام

قَالَ ابو نعيم أُوتِيَ ملكا عَظِيما وَقد أعطي نَبينَا صلى الله عليه وسلم مَا هُوَ أعظم من ذَلِك مَفَاتِيح خَزَائِن الأَرْض

وأوتي سُلَيْمَان الرّيح تسير بِهِ غدوها شهر ورواحها شهر وَقد أعطي نَبينَا صلى الله عليه وسلم مَا هُوَ أعظم من ذَلِك الْبراق سَار بِهِ مسيرَة خمسين ألف سنة فِي أقل من ثلث لَيْلَة فَدخل السَّمَوَات سَمَاء سَمَاء وأري عجائبها ووقف على الْجنَّة وَالنَّار

وسخرت لِسُلَيْمَان الْجِنّ وَكَانَت تعتاص عَلَيْهِ حَتَّى يصفدها ويعذبها وَنَبِينَا صلى الله عليه وسلم أَتَتْهُ وُفُود الْجِنّ طَائِعَة مُؤمنَة وسخر لَهُ الشَّيَاطِين والمردة مِنْهُم حَتَّى هم أَن يرْبط الشَّيْطَان الَّذِي اخذه بِسَارِيَة الْمَسْجِد وَقد تقدم ذَلِك فِي غير مَا قصَّة

ص: 311

وَعلم سُلَيْمَان منطق الطير وَأعْطِي نَبينَا صلى الله عليه وسلم فهم كَلَام جَمِيع الْحَيَوَانَات وَزِيَادَة كَلَام الشّجر وَالْحجر والعصا وَقد تقدم كل ذَلِك

بَاب فِيمَا أُوتِيَ يحيى بن زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام

قَالَ أَبُو نعيم أُوتِيَ الحكم صَبيا وَكَانَ يبكي من غير ذَنْب وَكَانَ يواصل الصَّوْم وَأعْطِي نَبينَا صلى الله عليه وسلم أفضل من هَذَا فَأن يحي لم يكن فِي عصر الْأَوْثَان والأصنام والجاهلية وَنَبِينَا صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي عصر أوثان وجاهلية وَمَعَ ذَلِك أُوتِيَ الْفَهم وَالْحكم صَبيا بَين عَبدة الْأَوْثَان وحزب الشَّيْطَان فَمَا رغب لَهُم فِي صنم قطّ وَلَا شهد مَعَهم عيدا وَلم يسمع مِنْهُ قطّ كذب وَلَا عرفت لَهُ صبوة وَكَانَ يواصل الْأُسْبُوع صوما وَيَقُول إِنِّي أَبيت يطعمني رَبِّي ويسقيني وَكَانَ يبكي حَتَّى يسمع لصدره أزيز كأزيز الْمرجل

قَالَ فَإِن قيل كَانَ يحيى حصورا والحصور الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاء قيل نَبينَا صلى الله عليه وسلم بعث رَسُولا إِلَى الْخلق كَافَّة فَأمر بِالنِّكَاحِ ليقتدي بِهِ الْخلق جَمِيعًا فِيهِ لما جبلت عَلَيْهِ النُّفُوس من التوقان إِلَيْهِ

بَاب فِيمَا أُوتِيَ عِيسَى عليه الصلاة والسلام

قَالَ تَعَالَى {ورسولا إِلَى بني إِسْرَائِيل أَنِّي قد جِئتُكُمْ بِآيَة من ربكُم أَنِّي أخلق لكم من الطين كَهَيئَةِ الطير فأنفخ فِيهِ فَيكون طيرا بِإِذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الْمَوْتَى بِإِذن الله وأنبئكم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تدخرون فِي بُيُوتكُمْ} وَقد تقدم نَظِير ذَلِك لنبينا صلى الله عليه وسلم فِي بَاب إحْيَاء الْمَوْتَى وَبَاب إِبْرَاء المرضى وَذَوي العاهات وَفِي غَزْوَة بدر وَأحد رد عين قَتَادَة وَفِي غَزْوَة خَيْبَر تفله فِي عَيْني عَليّ

ص: 312

وَفِي أَبْوَاب أخباره بالمغيبات وَجعل أَبُو نعيم نَظِير خلق الطين طيرا جعل العسيب سَيْفا من حَدِيد كَمَا تقدم فِي غَزْوَة بدر

وَقَالَ تَعَالَى {إِذْ قَالَ الحواريون يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم هَل يَسْتَطِيع رَبك أَن ينزل علينا مائدة من السَّمَاء} الْآيَة وَقد تقدم نَظِير ذَلِك لنبينا صلى الله عليه وسلم أَنه أُتِي بِطَعَام من السَّمَاء فِي عدَّة أَحَادِيث

وَقَالَ تَعَالَى {ويكلم النَّاس فِي المهد} وَقد تقدم ذَلِك لنبينا صلى الله عليه وسلم فِي بَاب عقب وِلَادَته

وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لما ولد عِيسَى لم يبْقى فِي الأَرْض صنم إِلَّا خر لوجهه وَقد تقدم فِي بَاب ولادَة نَبينَا صلى الله عليه وسلم نَظِير ذَلِك

وأوتي عِيسَى الرّفْع إِلَى السَّمَاء قَالَ أَبُو نعيم وَقد وَقع ذَلِك لجَماعَة من أمة نَبينَا صلى الله عليه وسلم مِنْهُم عَامر بن فهَيْرَة وخبيب والْعَلَاء ابْن الْحَضْرَمِيّ كَمَا تقدم فِي أَبْوَاب

ص: 313

ذكر الخصائص الَّتِي فضل بهَا على جَمِيع الانبياء وَلم يُعْطهَا بنى قبله صلى الله عليه وسلم

قَالَ أَبُو سعيد النَّيْسَابُورِي فِي شرف الْمُصْطَفى الْفَضَائِل الَّتِي فضل بهَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم على سَائِر الْأَنْبِيَاء سِتُّونَ خصْلَة انْتهى

قلت وَلم أَقف على من عدهَا وَقد تتبعت الْأَحَادِيث والْآثَار فَوجدت الْقدر الْمَذْكُور وَثَلَاثَة أَمْثَاله مَعَه وَقد رَأَيْتهَا أَرْبَعَة اقسام قسم اخْتصَّ بِهِ فِي ذَاته فِي الدُّنْيَا وَقسم اخْتصَّ بِهِ فِي ذَاته فِي الْآخِرَة وَقسم اخْتصَّ بِهِ فِي أمته فِي الدُّنْيَا وَقسم اخْتصَّ بِهِ فِي امته فِي الْآخِرَة وَهَا أَنا أوردهَا مفصلة فِي الْأَبْوَاب

بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ أول النَّبِيين وَتقدم نبوته

فَكَانَ نَبيا وآدَم منجدل فِي طينته وَتقدم أَخذ الْمِيثَاق وَأَنه أول من قَالَ بلَى يَوْم السِّت بربكم وَخلق آدم وَجَمِيع الْمَخْلُوقَات لأَجله وَكتابه إسمه الشريف على الْعَرْش وَالسَّمَوَات والجنان وَسَائِر مَا فِي الملكوت وَذكر الْمَلَائِكَة لَهُ فِي كل سَاعَة وَذكر إسمه فِي الآذان فيعهد آدم وَفِي الملكوت الْأَعْلَى وَأخذ مِيثَاق على النَّبِيين وآدَم فَمن بعده أَن يؤمنو بِهِ وينصروه والتبشير بِهِ فِي الْكتب السَّابِقَة ونعته فِيهَا ونعت أَصْحَابه وخلفائه وَأمته وحجب إِبْلِيس من السَّمَوَات لمولده وشق صَدره فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَجعل خَاتم النُّبُوَّة بظهره بازاء قلبه حَيْثُ يدْخل الشَّيْطَان وَبِأَن لَهُ ألف إسم وباشتقاق إسمه من إسم الله تَعَالَى وَبِأَنَّهُ سمي من أَسمَاء الله تَعَالَى بِنَحْوِ

ص: 314

سبعين إسما وبإظلال الْمَلَائِكَة لَهُ فِي سَفَره وَبِأَنَّهُ أرجح النَّاس عقلا وَبِأَنَّهُ أُوتِيَ كل الْحسن وَلم يُؤْت يُوسُف إِلَّا شطره وبغطه عِنْد ابْتِدَاء الْوَحْي وبرؤيته جِبْرِيل فِي صورته الَّتِي خلق عَلَيْهَا فِيمَا ذكره الْبَيْهَقِيّ وبانقطاع الكهانة لمبعثه وحراسة السَّمَاء فِي استراق السّمع وَالرَّمْي بِالشُّهُبِ فِيمَا ذكره ابْن سبع وإحياء أَبَوَيْهِ لَهُ حَتَّى آمنا بِهِ وَقبُول شَفَاعَته فِي الْكفَّار لتخفيف الْعَذَاب كَمَا فِي قصَّة أبي طَالب وقصة القبرين وبوعده بالعصمة من النَّاس وبالإسراء وَمَا تضمنه من اختراق السَّمَوَات السَّبع والعلو إِلَى قاب قوسين ووطئه مَكَانا مَا وَطئه نَبِي مُرْسل وَلَا ملك مقرب وإحياء الْأَنْبِيَاء لَهُ وَصلَاته إِمَامًا بهم وبالملائكة وإطلاعه على الْجنَّة وَالنَّار فِيمَا ذكره الْبَيْهَقِيّ ورؤيته من آيَات ربه الْكُبْرَى وَحفظه حَتَّى مَا زاغ الْبَصَر وَمَا طَغى ورؤيته الْبَارِي تَعَالَى مرَّتَيْنِ وقتال الْمَلَائِكَة مَعَه فَهَذِهِ نَحْو أَرْبَعِينَ خصيصة تقدّمت أحاديثها فِي الْأَبْوَاب السَّابِقَة

بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عليه وسلم بِأَن كِتَابه معجز زمحفوظ من التبديل والتحريف على ممر الدهور وجامع لكل شَيْء ومستغن عَن غَيره ومشتمل على مَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ جَمِيع الْكتب وَزِيَادَة وميسر للْحِفْظ وَنزل منجما وَنزل على سَبْعَة أحرف وَمن سَبْعَة أَبْوَاب وَبِكُل لُغَة

قَالَ تَعَالَى {قل لَئِن اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُوا بِمثل هَذَا الْقُرْآن لَا يأْتونَ بِمثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضهم لبَعض ظهيرا} وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} وَقَالَ تَعَالَى {وَإنَّهُ لكتاب عَزِيز لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ وَلَا من خَلفه} وَقَالَ تَعَالَى ونزلنا عَلَيْك الْكتاب تبيانا لكل شَيْء وَقَالَ تَعَالَى {إِن هَذَا الْقُرْآن يقص على بني إِسْرَائِيل أَكثر الَّذِي هم فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَد يسرنَا الْقُرْآن للذّكر فَهَل من مدكر} وَقَالَ

ص: 315

تَعَالَى {وقرآنا فرقناه لتقرأه على النَّاس على مكث} وَقَالَ تَعَالَى وَقَالَ الَّذين كفرُوا لَوْلَا نزل عَلَيْهِ الْقُرْآن جملَة وَاحِدَة كَذَلِك لتثبت بِهِ فُؤَادك الآتين

وَأخرج البُخَارِيّ عَن أبي هُرَيْرَة صلى الله عليه وسلم (مَا من الْأَنْبِيَاء نَبِي إِلَّا أعْطى مَا مثله آمن عَلَيْهِ الْبشر وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتهُ وَحيا أوحاه الله إِلَيّ فأرجو أَن أكون أَكْثَرهم تَابعا)

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن الْحسن فِي قَوْله تَعَالَى {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِل من بَين يَدَيْهِ} الْآيَة قَالَ حفظه الله تَعَالَى من الشَّيْطَان فَلَا يزِيد فِيهِ بَاطِلا وَلَا ينقص مِنْهُ حَقًا

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن يحيى بن أَكْثَم قَالَ دخل يَهُودِيّ على الْمَأْمُون فَتكلم فَأحْسن الْكَلَام فَدَعَاهُ الْمَأْمُون إِلَى الْإِسْلَام فَأبى فَلَمَّا كَانَ بعد سنة جَاءَنَا مُسلما فَتكلم على الْفِقْه فَأحْسن الْكَلَام فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُون مَا كَانَ سَبَب إسلامك قَالَ انصرفت من حضرتك فَأَحْبَبْت أَن أمتحن هَذِه الْأَدْيَان فعمدت إِلَى التَّوْرَاة فَكتبت ثَلَاث نسخ فزدت فِيهَا ونقصت وأدخلتها ونقصت وأدخلتها الْكَنِيسَة فاشتريت مني وعمدت إِلَى الانجيل فَكتبت ثَلَاث نسخ فزدت فِيهَا ونقصت وأدخلتها الْبيعَة فاشتريت مني وعمدت إِلَى الْقُرْآن فَعمِلت ثَلَاث نسخ فزدت فِيهَا ونقصت وأدخلتها الوراقين فتصفحوها فَلَمَّا أَن وجدوا فِيهَا الزِّيَادَة والنقصات رموا بهَا فَلم يشتروها فَعلمت أَن هَذَا كتاب مَحْفُوظ فَكَانَ هَذَا سَبَب إسلامي

قَالَ يحيى ابْن أَكْثَم فححجت تِلْكَ السّنة فَلَقِيت سُفْيَان بن عُيَيْنَة فَذكرت لَهُ الحَدِيث فَقَالَ لي مصداق هَذَا فِي كتاب الله تَعَالَى قلت فِي أَي مَوضِع قَالَ فِي قَول الله تَعَالَى فِي التَّوْرَاة والأنجيل {بِمَا استحفظوا من كتاب الله} فَجعل حفظَة إِلَيْهِم فَضَاعَ وَقَالَ {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} فحفظه الله تَعَالَى علينا فَلم يضع

ص: 316

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ فِي شعب الْإِيمَان عَن الْحسن الْبَصْرِيّ قَالَ أنزل الله مائَة وَأَرْبَعَة كتب أودع علومها أَرْبَعَة مِنْهَا التَّوْرَاة والانجيل وَالزَّبُور وَالْفرْقَان ثمَّ أودع عُلُوم التَّوْرَاة والانجيل وَالزَّبُور فِي الْفرْقَان

وَأخرج سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن مَسْعُود قَالَ من أَرَادَ الْعلم فَعَلَيهِ بِالْقُرْآنِ فَإِن فِيهِ خبر الْأَوَّلين والآخرين

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ أنزل الله فِي هَذَا الْقُرْآن كل علم وَبَين لنا فِيهِ كل شَيْء وَلَكِن علمنَا يقصر عَمَّا بَين لنا فِي الْقُرْآن

وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب العظمة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِن الله لَو أغفل شَيْئا لأغفل الذّرة والخردلة والبعوضة)

وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (كَانَ الْكتاب الأول ينزل من بَاب وَاحِد على حرف وَاحِد وَنزل الْقُرْآن من سَبْعَة أَبْوَاب على سَبْعَة أحرف زاجر وآمر وحلال وَحرَام ومحكم ومتشابه وأمثال)

وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ (أَقْرَأَنِي جِبْرِيل على حرف فراجعته فَلم أزل أستزيده ويزيدني حَتَّى انْتهى إِلَى سَبْعَة أحرف)

واخرج مُسلم عَن أبي بن كَعْب أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ (إِن رَبِّي أرسل إِلَيّ أَن أَقرَأ الْقُرْآن على حرف فَرددت إِلَيْهِ أَن هون على أمتِي فَأرْسل إِلَيّ أَن أَقرَأ على حرفين فَرددت إِلَيْهِ أَن هون على أمتِي فَأرْسل إِلَيّ أَن أقرأه على سبعت أحرف)

وَأخرج ابْن أبي شيبَة فِي المُصَنّف وَابْن جرير عَن أبي ميسرَة قَالَ نزل الْقُرْآن بِكُل لِسَان وَأخرج ابْن أبي شيبَة عَن الضَّحَّاك مثله

وَأخرج ابْن الْمُنْذر فِي تَفْسِيره عَن وهب بن مُنَبّه قَالَ مَا من اللُّغَة شَيْء إِلَّا مِنْهَا فِي الْقُرْآن شَيْء قيل وَمَا فِيهِ منالرومية قَالَ {فصرهن} يَقُول قطعهن قَالَ الإِمَام الرَّازِيّ فضل الْقُرْآن على سَائِر الْكتب الْمنزلَة بِثَلَاثِينَ خصْلَة لم تكن فِي غَيره

ص: 317

بَاب معجزته مستمرة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

واختص بِأَن معجزته مستمرة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَهِي الْقُرْآن ومعجزات سَائِر الْأَنْبِيَاء انقرضت لوَقْتهَا عد هَذِه الشَّيْخ عز الدّين ابْن عبد السَّلَام وَبِأَنَّهُ أَكثر الْأَنْبِيَاء معجزات فقد قيل إِنَّهَا تبلغ ألف وَقيل ثَلَاثَة آلَاف ذكر ذَلِك الْبَيْهَقِيّ آلَاف ذكره ذَلِك الْبَيْهَقِيّ

وَقَالَ الْحَلِيمِيّ وفيهَا مَعَ كثرتها معنى آخر وَهُوَ أَنه لَيْسَ فِي شَيْء من معجزات غَيره مَا ينحو نَحْو إختراع الْأَجْسَام وأنما ذَلِك فِي معجزات نَبينَا صلى الله عليه وسلم خَاصَّة

قلت وَمِمَّا يعد فِي خَصَائِصه أَنه جمع لَهُ كل مَا أوتيه الْأَنْبِيَاء فِي معجزات وفضائل وَلم يجمع ذَلِك لغيره بل اخْتصَّ كل بِنَوْع

وعد ابْن عبد السَّلَام من خَصَائِصه تَسْلِيم الْحجر وحنين الْجذع قَالَ وَلم يثبت لوَاحِد من الْأَنْبِيَاء مثل ذَلِك وعد أَيْضا نبع المَاء من بَين الْأَصَابِع وَقد عد هَذِه غَيره وعد غَيره أَيْضا إنشقاق الْقَمَر

بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ خَاتم النَّبِيين وَآخرهمْ بعثا وَأَنه أدْركهُ الْأَنْبِيَاء لوَجَبَ عَلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة وناسخ لجَمِيع الشَّرَائِع قبله وَبِأَن شَرعه مؤبد إِلَى أَتْبَاعه

قَالَ تَعَالَى {مَا كَانَ مُحَمَّد أَبَا أحد من رجالكم وَلَكِن رَسُول الله وَخَاتم النَّبِيين} وَقَالَ تَعَالَى {وأنزلنا إِلَيْك الْكتاب بِالْحَقِّ مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ من الْكتاب ومهيمنا عَلَيْهِ} وَقَالَ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله بِالْهدى وَدين الْحق لِيظْهرهُ على الدّين كُله} أورد ابْن سبع هَاتين الْآيَتَيْنِ إستدلالا على أَن شَرعه نَاسخ لكل شرع قبله

ص: 318

وَأخرج أَبُو نعيم عَن عمر بن الْخطاب قَالَ أتيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمَعِي كتاب أصبته من بعض أهل الْكتب فَقَالَ (وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو أَن مُوسَى كَانَ حَيا الْيَوْم مَا وَسعه إِلَّا أَن يَتبعني)

بَاب من خَصَائِصه

وَمن خَصَائِصه صلى الله عليه وسلم أَن فِي كِتَابه النَّاسِخ والمنسوخ قَالَ تَعَالَى {مَا ننسخ من آيَة أَو ننسها نأت بِخَير مِنْهَا أَو مثلهَا} وَلَيْسَ فِي سَائِر الْكتب مثل ذَلِك وَلذَا كَانَ الْيَهُود يُنكرُونَ النّسخ والسر فِي ذَلِك أَن سَائِر الْكتب نزلت دفْعَة وَاحِدَة فَلَا يتَصَوَّر أَن يجْتَمع فِيهَا النَّاسِخ والمنسوخ لِأَن شَرط النَّاسِخ أَن يتَأَخَّر نُزُوله عَن الْمَنْسُوخ

بَاب أعطي كنز الْعَرْش

وَمن خَصَائِصه صلى الله عليه وسلم أَنه أعطي من كنز الْعَرْش وَلم يُعْط مِنْهُ أحد سَيَأْتِي حَدِيثه بعد أَبْوَاب

بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عليه وسلم بِعُمُوم الدعْوَة للنَّاس كَافَّة وَبِأَنَّهُ أَكثر الْأَنْبِيَاء تَابعا وبإرسال إِلَى الْجِنّ بِالْإِجْمَاع وَإِلَى الْمَلَائِكَة فِي قَول وبإتيانه الْكتاب وَهُوَ أُمِّي لَا يقْرَأ وَلَا يكْتب

وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس} وَقَالَ {تبَارك الَّذِي نزل الْفرْقَان على عَبده ليَكُون للْعَالمين نذيرا}

وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (أَعْطَيْت خمْسا لم يُعْطهنَّ أحد من الْأَنْبِيَاء قبلي نصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر وَجعلت لي الأَرْض مَسْجِدا

ص: 319

وَطهُورًا فأيما رجل من أمتِي أَدْرَكته الصَّلَاة فَليصل وَأحلت لي الْغَنَائِم وَلم تحل لأحد قبلي وَأعْطيت الشَّفَاعَة وَكَانَ النَّبِي يبْعَث إِلَى قومه خَاصَّة وَبعثت إِلَى النَّاس عَامَّة)

وأحرج البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (أَعْطَيْت خمْسا لم يُعْطهَا أحد قبلي من الْأَنْبِيَاء جعلت لي الأَرْض مَسْجِدا وَطهُورًا وَلم يكن أحد من الْأَنْبِيَاء يُصَلِّي حَتَّى يبلغ محرابه ونصرت بِالرُّعْبِ مسيرَة شهر يكون بَين يَدي إِلَى الْمُشْركين فيقذف الله الرعب فِي قُلُوبهم وَكَانَ النَّبِي يبْعَث إِلَى خَاصَّة قومه وَبعثت أَنا إِلَى الْجِنّ وَالْإِنْس وَكَانَت الْأَنْبِيَاء يعزلون الْخمس فتجيء النَّار فتأكله وَأمرت أَنا أَن أقسمه بَين فُقَرَاء أمتِي وَلم يبْق نَبِي إِلَّا أعطي سؤله وأخرت أَنا دَعْوَتِي شَفَاعَة لأمتي)

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَعُثْمَان بن سعيد الدَّارمِيّ فِي كتاب الرَّد على الْجَهْمِية عَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم خرج فَقَالَ (إِن جِبْرِيل أَتَانِي فَقَالَ أخرج فَحدث بِنِعْمَة الله الَّتِي أنعم بهَا عَلَيْك فبشرني بِعشر لم يؤتها نَبِي قبلي إِن الله بَعَثَنِي إِلَى النَّاس جَمِيعًا وَأَمرَنِي أَن أنذر الْجِنّ ولقاني كَلَامه وَأَنا أُمِّي قد أُوتِيَ دَاوُد الزبُور ومُوسَى الألواح وَعِيسَى الانجيل وغفرلي مَا تقدم من ذَنبي وَمَا تَأَخّر وَأَعْطَانِي الْكَوْثَر وأمدني بِالْمَلَائِكَةِ وأتاني النَّصْر وَجعل بَين يَدي الرعب وَجعل حَوْضِي أعظم الْحِيَاض وَرفع لي ذكري فِي التأذين ويبعثني يَوْم الْقِيَامَة مقَاما مَحْمُودًا وَالنَّاس مهطعين مقنعي رُؤْسهمْ ويبعثني فِي أول زمرة تخرج من النَّاس وَأدْخل الْجنَّة بشفاعتي سبعين ألفا من أمتِي لَا يحاسبون ويرفعني فِي أَعلَى غرفَة من جنَّات النَّعيم لَيْسَ فَوقِي إِلَّا الْمَلَائِكَة الَّذين يحملون الْعَرْش وأتاني السُّلْطَان وَطيب الْغَنِيمَة لي ولأمتي وَلم تكن لأحد قبلنَا

وَأخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ إِن الله تَعَالَى فضل مُحَمَّدًا على أهل السَّمَاء وعَلى الْأَنْبِيَاء قَالُوا يَا ابْن عَبَّاس مَا فَضله على أهل السَّمَاء

ص: 320

قَالَ إِن الله تَعَالَى قَالَ لأهل السَّمَاء {وَمن يقل مِنْهُم إِنِّي إِلَه من دونه فَذَلِك نجزيه جَهَنَّم} وَقَالَ لمُحَمد (إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر) فقد كتب لَهُ بَرَاءَة قَالُوا فَمَا فَضله على الْأَنْبِيَاء قَالَ إِن الله تَعَالَى قَالَ {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه} وَقَالَ لمُحَمد {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا كَافَّة للنَّاس} فَأرْسلهُ إِلَى الْإِنْس وَالْجِنّ

وَأخرج ابْن سعد عَن الْحسن قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (أَنا رَسُول من أدْركْت حَيا وَمن يُولد بعدِي)

وَأخرج ابْن سعد عَن خَالِد بن معدان قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (بعثت إِلَى النَّاس كَافَّة فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا إِلَيّ فَإلَى الْعَرَب فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا إِلَيّ فَإلَى قُرَيْش فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا إِلَيّ فَإلَى بني هَاشم فَإِن لم يَسْتَجِيبُوا فَإِلَيَّ وحدي)

وَأخرج مُسلم عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (أَنا اكثر الْأَنْبِيَاء تَابعا)

وَأخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ (يَأْتِي معي من أمتِي يَوْم الْقِيَامَة مثل السَّيْل وَاللَّيْل فيحطم النَّاس حطمة فَتَقول الْمَلَائِكَة لما جَاءَ مَعَ مُحَمَّد أَكثر مِمَّا جَاءَ مَعَ سَائِر الْأُمَم والأنبياء)

وَأخرج مُسلم عَن أنس قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (مَا صدق نَبِي من الْأَنْبِيَاء مَا صدقت إِن من الْأَنْبِيَاء من لم يصدقهُ من أمته إِلَّا الرجل الْوَاحِد)

فصل

الْإِجْمَاع على أَنه صلى الله عليه وسلم مَبْعُوث إِلَى جَمِيع الْإِنْس وَالْجِنّ وَأما بعثته إِلَى الْمَلَائِكَة فَاخْتلف فِيهَا وَالَّذِي رَجحه السُّبْكِيّ أَنه مَبْعُوث إِلَيْهِم ويستدل لَهُ بِمَا أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن عِكْرِمَة قَالَ صُفُوف أهل الأَرْض على صُفُوف أهل السَّمَاء فَإِذا وَافق آمين فِي الأَرْض آمين فِي السَّمَاء غفر للْعَبد

ص: 321

بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ بعث رَحْمَة للْعَالمين حَتَّى الْكفَّار بِتَأْخِير الْعَذَاب وَلم يعاجلوا بالعقوبة كَسَائِر الْأُمَم المكذبة

قَالَ تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ الله ليعذبهم وَأَنت فيهم} الْآيَة

وَأخرج أَبُو نعيم عَن أبي أُمَامَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (إِن الله بَعَثَنِي رَحْمَة للْعَالمين وَهدى لِلْمُتقين)

وَأخرج مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قيل يَا رَسُول الله أَلا تَدْعُو على الْمُشْركين قَالَ (إِنَّمَا بعثت رَحْمَة وَلم أبْعث عذَابا)

وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين} قَالَ من آمن تمت لَهُ الرَّحْمَة على الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمن لم يُؤمن عوفي مِمَّا كَانَ يُصِيب الْأُمَم فِي عَاجل الدُّنْيَا من الْعَذَاب من الْخَسْف وَالْمَسْخ وَالْقَذْف

بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عليه وسلم باقسام الله تَعَالَى بحياته

قَالَ تَعَالَى {لعمرك إِنَّهُم لفي سكرتهم يعمهون}

وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا حلف الله بحياة أحد إِلَّا بحياة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم قَالَ {لعمرك إِنَّهُم لفي سكرتهم يعمهون} وحياتك يَا مُحَمَّد

ص: 322

بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عليه وسلم بِإِسْلَام قرينه وَبِأَن أَزوَاجه عون لَهُ

أخرج الْبَزَّار عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (فضلت على الْأَنْبِيَاء بخصلتين كَانَ شيطاني كَافِرًا فَأَعَانَنِي الله عَلَيْهِ حَتَّى أسلم ونسيت الْخصْلَة الْأُخْرَى)

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن ابْن عمر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (فضلت على آدم بخصلتين كَانَ شيطاني كَافِرًا فَأَعَانَنِي الله عَلَيْهِ حَتَّى أسلم وَكن أزواجي عونا لي وَكَانَ شَيْطَان آدم كَافِرًا وَزَوجته عونا على خطيئته)

وَأخرج مُسلم عَن ابْن مَسْعُود قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا وَمَعَهُ قرينه من الْجِنّ وقرينه من الْمَلَائِكَة قَالُوا وَإِيَّاك يَا رَسُول الله قَالَ وإياي وَلَكِن الله أعانني عَلَيْهِ فَأسلم فَلَا يَأْمُرنِي إِلَّا بِخَير) وَأخرج الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة مثله

وَأخرج ابْن عَسَاكِر عَن عبد الرَّحْمَن بن زيد أَن آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة السَّلَام ذكر مُحَمَّدًا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (إِن أفضل مَا فضل بِهِ عَليّ ابْني صَاحب الْبَعِير أَن زَوجته عون لَهُ على دينه وَكَانَت زَوْجَتي عونا لي على الخطيئته)

بَاب تَفْضِيل الله لَهُ صلى الله عليه وسلم فِي مخاطبته

قَالَ أَبُو نعيم وَمن خَصَائِصه أَن الله فصل مخاطبته من مُخَاطبَة الْأَنْبِيَاء قبله تَشْرِيفًا لَهُ وإجلالا وَذَلِكَ أَن الْأُمَم كَانُوا يَقُولُونَ لأنبيائهم رَاعنا سَمعك فَنهى الله تَعَالَى هَذِه الْأمة أَن يخاطبوا نَبِيّهم بِهَذِهِ المخاطبة فَقَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَقولُوا رَاعنا وَقُولُوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عَذَاب أَلِيم}

ص: 323

بَاب تشريفه بمخاطبة الله لَهُ صلى الله عليه وسلم

قَالَ الْعلمَاء وَمن خَصَائِصه أَن الله تَعَالَى لم يناده فِي الْقُرْآن بإسمه بل قَالَ {يَا أَيهَا النَّبِي} {يَا أَيهَا الرَّسُول} {يَا أَيهَا المدثر} {يَا أَيهَا المزمل} بِخِلَاف سَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فَأَنَّهُ خاطبهم بِأَسْمَائِهِمْ كَقَوْلِه تَعَالَى {يَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة} {يَا نوح اهبط} {يَا إِبْرَاهِيم أعرض عَن هَذَا} {يَا مُوسَى إِنِّي اصطفيتك} يَا عِيسَى أذكر نعمتي عَلَيْك يَا دَاوُد إِنَّا جعلناك خَليفَة فِي بِالْأَرْضِ {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نبشرك} {يَا يحيى خُذ الْكتاب}

بَاب تَحْرِيم ندائه بإسمه

قَالَ أَبُو نعيم وَمن خَصَائِصه تَحْرِيم ندائه بإسمه على الْأمة بِخِلَاف سَائِر الْأَنْبِيَاء فَإِن أممهم كَانَت تخاطبهم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ تَعَالَى حِكَايَة عَنْهُم {قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لنا إِلَهًا كَمَا لَهُم آلِهَة} {إِذْ قَالَ الحواريون يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم} وَقَالَ تَعَالَى لهَذِهِ الْأمة {تجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُول بَيْنكُم كدعاء بَعْضكُم بَعْضًا}

ص: 324

وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس فِي الْآيَة قَالُوا كَانُوا يَقُولُونَ يَا مُحَمَّد يَا أَبَا الْقَاسِم فَنَهَاهُمَا الله عَن ذَلِك إعظاما لنَبيه فَقَالُوا يَا نَبِي الله يَا رَسُول الله

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَلْقَمَة الْأسود فِي الْآيَة قَالَ لَا تَقولُوا يَا مُحَمَّد وَلَكِن قُولُوا يَا رَسُول الله يَا نَبِي الله وَأخرج أَبُو نعيم مثله عَن الْحسن وَسَعِيد بن جُبَير

وَأخرج عَن قَتَادَة فِي الْآيَة قَالَ أَمر الله تَعَالَى أَن يهاب نبيه وَأَن يعظم ويفخم ويسود

بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عليه وسلم بِأَن الْمَيِّت يسْأَل عَنهُ فِي قَبره

أخرج أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ (أما فتْنَة الْقَبْر فِي تفتنون وعني تسْأَلُون فَإِذا كَانَ الرجل الصَّالح اجْلِسْ فَيُقَال لَهُ مَا هَذَا الرجل الَّذِي كَانَ فِيكُم فَيَقُول مُحَمَّد رَسُول الله الحَدِيث قَالَ الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ سُؤال المقبور خَاص بِهَذِهِ الْأمة وَكَذَا قَالَ ابْن عبد الْبر وَالْمَسْأَلَة مبسوطة فِي كتاب البرزخ

بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عليه وسلم بِأَن عَوْرَته لم تَرَ قطّ وَلَو رَآهَا أحد طمست عَيناهُ

وَسَيَأْتِي حَدِيثه فِي أَبْوَاب الْوَفَاة

بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عليه وسلم باستئذان ملك الْمَوْت عَلَيْهِ

سَيَأْتِي حَدِيثه فِي أَبْوَاب الْوَفَاة وَقد أوردت فِي البرزخ أَحَادِيث دُخُول ملك الْمَوْت على إِبْرَاهِيم ومُوسَى وَدَاوُد عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام بِغَيْر إستئذان

ص: 325

بَاب اخْتِصَاصه صلى الله عليه وسلم بِتَحْرِيم نِكَاح ازواجه من بعده

قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لكم أَن تُؤْذُوا رَسُول الله وَلَا أَن تنْكِحُوا أَزوَاجه من بعده أبدا إِن ذَلِكُم كَانَ عِنْد الله عَظِيما} وَلم يثبت ذَلِك لأحد من الْأَنْبِيَاء بل قصَّة سارة مَعَ الْجَبَّار وَقَول إِبْرَاهِيم لَهُ هَذِه أُخْتِي وَأَنه هم أَن يطلقهَا ليتزوجها الْجَبَّار قد يسْتَدلّ بِهِ أَن ذَلِك لم يكن لسَائِر الْأَنْبِيَاء

وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن حُذَيْفَة أَنه قَالَ لزوجته إِن سرك أَن تَكُونِي زَوْجَتي فِي الْجنَّة فَلَا تزوجي بعدِي فَإِن الْمَرْأَة لآخر أزواجها فِي الدُّنْيَا فَلذَلِك حرم على أَزوَاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن ينكحن بعده لِأَنَّهُنَّ أَزوَاجه فِي الْجنَّة

وَمِمَّا قيل فِي تَعْلِيل ذَلِك أَنَّهُنَّ أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وَأَن فِي ذَلِك غَضَاضَة ينزه عَنْهَا منصبه الشريف وَأَنه صلى الله عليه وسلم حَيّ فِي قَبره وَلِهَذَا حُكيَ الْمَاوَرْدِيّ وَجها أَنه لَا يجب عَلَيْهِنَّ عدَّة الْوَفَاة وفيمن فَارقهَا فِي الْحَيَاة كالمستعيذة وَالَّتِي رأى بكشحها بَيَاضًا أوجه

أَحدهَا يحرمن أَيْضا وَهُوَ الَّذِي نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَصَححهُ فِي الرَّوْضَة لعُمُوم الْآيَة وَلَيْسَ المُرَاد بِمن بعده بعدية الْمَوْت بل بعدية النِّكَاح وَقيل لَا

وَالثَّالِث وَصَححهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ والرافعي فِي الشَّرْح الصَّغِير تَحْرِيم الْمَدْخُول بهَا فَقَط لما روى أَن الْأَشْعَث بن قيس نكح المستعيذة فِي زمن عمر فهم برجمه فَأخْبر أَنَّهَا لم تكن مَدْخُولا بهَا فَكف

وَالْخلاف جَار أَيْضا فِيمَن اخْتَارَتْ الْفِرَاق لَكِن الْأَصَح فِيهَا عِنْد إِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ الْحل وَقطع بِهِ جمَاعَة لتحصل فَائِدَة التَّخْيِير وَهُوَ التَّمَكُّن من زِينَة الدُّنْيَا

ص: 326

وَفِي أمة فَارقهَا بعد وطيها أوجه ثَالِثهَا تحرم إِن فَارقهَا بِالْمَوْتِ كمارية وَلَا تحرم إِن بَاعهَا فِي الْحَيَاة

بَاب تولي الله لَهُ وَالرَّدّ على اعدائه

قَالَ أَبُو نعيم وَمن خَصَائِصه أَن من تقدمه من الْأَنْبِيَاء كَانُوا يدافعون عَن أنفسهم ويردون على أعدائهم كَقَوْل نوح {يَا قوم لَيْسَ بِي ضَلَالَة} وَقَول هود {يَا قوم لَيْسَ بِي سفاهة} وَأَشْبَاه ذَلِك وَنَبِينَا صلى الله عليه وسلم تولى الله تبريته عَمَّا نسبه إِلَيْهِ اعداؤه ورد عَلَيْهِم بِنَفسِهِ فَقَالَ {مَا أَنْت بِنِعْمَة رَبك بمجنون} وَقَالَ {مَا ضل صَاحبكُم وَمَا غوى وَمَا ينْطق عَن الْهوى} وَقَالَ {وَمَا علمناه الشّعْر} إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات

بَاب إِنَّك لمن الْمُرْسلين

قَالَ أَبُو نعيم وَمن خَصَائِصه أَن الله تَعَالَى أقسم على رسَالَته فَقَالَ {يس وَالْقُرْآن الْحَكِيم إِنَّك لمن الْمُرْسلين}

بَاب جمعه صلى الله عليه وسلم بَين الْقبْلَتَيْنِ والهجرتين

وَمن خَصَائِصه أَنه جمع بَين الْقبْلَتَيْنِ والهجرتين وَأَنه جمعت لَهُ الشَّرِيعَة والحقيقة وَلم يكن للأنبياء إِلَّا إِحْدَاهمَا بِدَلِيل قصَّة مُوسَى مَعَ الْخضر وَقَوله إِنِّي على علم من علم الله لَا يَنْبَغِي لَك أَن تعلمه وَأَنت على علم من علم الله لَا يَنْبَغِي لي أَن أعلمهُ

ص: 327