المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قوله: {افتراه} : الهاءُ تعودُ على إفك. وقال أبو البقاء: - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون - جـ ٨

[السمين الحلبي]

الفصل: قوله: {افتراه} : الهاءُ تعودُ على إفك. وقال أبو البقاء:

قوله: {افتراه} : الهاءُ تعودُ على إفك. وقال أبو البقاء: «الهاء تعود على» عَبْدِه «في أول السورة» ولا أظنَّه إلَاّ غَلَطاً، وكأنه أراد أَنْ يقولَ: الضمير المرفوع في افتراه فَغَلِط.

قوله: {ظُلْماً} فيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّه مفعولٌ به؛ لأنَّ «جاء» يتعدى بنفسِه وكذلك «أتى» . والثاني: أنه على إسقاطِ الخافضِ أي: جاؤوا بظلمٍ. الثالث: أنه في موضعِ الحال، فيجيءُ فيه ما في قولك «جاء زيدٌ عَدْلاً» من الأوجه.

ص: 455

قوله: {اكتتبها} : يجوز فيه ثلاثةُ أوجهٍ، أحُدها: أَنْ يكونَ حالاً من أساطيرُ، والعاملُ فيها معنى التنبيه، أو الإِشارةِ المقدرةِ؛ فإنَّ «أساطيرُ» خبرُ مبتدأ محذوفٍ، تقديرُه: هذه أساطيرُ الأَوَّلِين مُكْتَتَبَةً. والثاني: أن يكونَ في موضع خبرٍ ثانٍ ل «هذه» . والثالث: أَنْ يكونَ «أساطيرُ» مبتدأً و «اكْتَتَبها» خبرُه، واكْتَتَبها: الافتعالُ هنا يجوز أَنْ يكونَ بمعنى أَمَر بكتابتها كاقتصد واحتَجم، إذا أَمَر بذلك، ويجوز أَنْ يكونَ بمعنى كَتَبَها، وهو مِنْ جملةِ افترائِهم عليه لأنه [عليه السلام] كان أمِّيَّاً لا يَقْرأ ولا يَكْتب، ويكون كقولهم: اسْتَكَبَّه واصْطَبَّه أي: سكبه وصبَّه. والافتعالُ مُشْعِرٌ بالتكلُّفِ. ويجوز أَنْ يكونَ مِنْ كَتَبَ بمعنى جَمَعَ، من الكَتْبِ وهو الجَمْعُ، لا من الكتابة بالقلَم.

وقرأ طلحةُ «اكْتُتِبَها» مبنياً للمفعولِ. قال الزمخشري: «والمعنى اكتتبها له كاتِبٌ لأنه كان أمِّيَّاً لا يكتُب بيدِه، ثم حُذِفَتِ اللامُ فأفضى الفعلُ إلى الضمير فصار: اكتتبها إياه كاتبٌ. كقولِه: {واختار موسى قَوْمَهُ} [الأعراف: 1‌

‌5

5] ثم بُني

ص: 455

الفعلُ للضمير الذي هو» إياه «فانقلب مرفوعاً مستتراً بعد أن كان منصوباً بارزاً، وبقي ضمير الأساطير على حالِه فصارَ» اكْتُتِبَها «كما ترى» .

قال الشيخ: «ولا يَصِحُّ ذلك على مذهبِ جمهورِ البصريين؛ لأنَّ» اكتتبها له كاتب «وَصَل الفعلُ فيه لمفعولين أحدُهما مُسَرَّح، وهو ضميرُ الأساطير، والآخرُ مقيدٌ، وهو ضميرُه عليه السلام، ثم اتُّسِع في الفعلِ فحُذِفَ حرفُ الجر، فصار: اكتتبها إياه كاتبٌ. فإذا بُني هذا للمفعولِ: إنما ينوبُ عن الفاعلِ المفعولُ المُسَرَّحُ لفظاً وتقديراً لا المسرَّحُ لفظاً، المقيَّدُ تقديراً. فعلى هذا يكون التركيب اكْتُتِبَه لا اكتتبها، وعلى هذا الذي قُلْناه جاء السماعُ. قال: الفرزدق:

3472 -

ومِنَّا الذي اختير الرجالَ سماحةً

وجوداً إذا هَبَّ الرياحُ الزَّعازِعُ

ولو جاء على ما قَرَّره الزمخشريُّ لجاء التركيبُ:» ومنا الذي اختيره الرجالُ «لأنَّ» اخْتير «تَعدَّى إلى الرجال بإسقاطِ حرفِ الجرِّ؛ إذ تقديرُه: اختير من الرِّجال» . قلت: وهو اعتراضٌ حَسَنٌ بالنسبة إلى مذهبِ الجمهورِ، ولكن الزمخشريَّ قد لا يلْتزمه، ويوافق الأخفشَ والكوفيين، وإذا كان الأخفشُ وهم، يتركون المَسرَّحَ لفظاً وتقديراً، ويُقيمون المجرورَ بالحرفِ مع وجودِه فهذا أَوْلَى وأحرى.

والظاهر أنَّ الجملةَ مِنْ قوله: {اكتتبها فَهِيَ تملى} مِنْ تَتِمَّةِ قولِ الكفارِ. وعن الحسن أنَّها من كلامِ الباري تعالى، وكان حَقُّ الكلام على هذا أَنْ يَقْرَأَ «

ص: 456

أَكْتَتَبها» بهمزةٍ مقطوعةٍ مفتوحةٍ للاستفهام كقولِه: {أفترى عَلَى الله كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ} [سبأ: 8] . ويمكنُ أن يُعْتَذَرَ عنه: أنه حَذَفَ الهمزةَ للعلمِ بها كقولِه تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ} [الشعراء: 22] . وقول الآخر:

3473 -

أَفْرَحُ أَنْ أُرْزَأَ الكرامَ وأَنْ

أُوْرَثَ ذَوْداً شَصائِصا نَبْلا

يريدُ: أو تلك، وأَأَفْرَحُ، فُحُذِفَ لدلالةِ الحالِ، وحَقُّه أَنْ يقفَ على «الأوَّلين» . قال الزمخشري:«كيف قيل: اكْتَتَبها فهي تُمْلَى عليه، وإنما يُقال: أَمْلَيْتُ عليه فهو يكتتبها؟ قلت: فيه وجهان، أحدُهما: أراد اكتتابَها وطَلَبه فهي تُمْلَى عليه أو كُتِبَتْ له وهو أُمِّيٌّ فهي تُمْلَى عليه أي: تُلْقَى عليه مِنْ كتابٍ يَتَحفَّظُها؛ لأنَّ صورةَ الإِلقاءِ على الحافظِ كصورة الإِلقاءِ على الكاتبِ» .

وقرأ عيسى وطلحة «تُتْلَى» بتاءَيْن مِنْ فوقُ، من التلاوة. و {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} ظرفا زمان للإِملاء. والياءُ في «تملَى» بدلٌ من اللامِ كقولِه:{فَلْيُمْلِلْ} [البقرة: 282] وقد تقدَّمَ.

ص: 457

قوله: {مَالِ هذا} : «ما» استفهاميةٌ مبتدأةٌ. والجارُّ بعدَها خبرٌ. «ويَأْكل» جملةٌ حاليةٌ، وبها تَتِمُّ فائدةُ الإِخبار كقوله:{فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ} . وقدت تقدم في النساء أنَّ الجرِّ كُتِبَتْ مفصولةً من مجرورِها وهو خارجٌ عن قياسِ الخطِّ.

/ والعاملُ في الحالِ الاستقرارُ العاملُ في الجارِّ، أو نفسُ الجارِّ، ذكرَه أبو البقاء.

قوله: {فَيَكُونَ} العامَّةُ على نصبِه. وفيه وجهان، أحدُهما: نصبٌ على جوابِ التحضيضِ. والثاني قال أبو البقاء: فيكونَ منصوبٌ على جوابِ الاستفهام «وفيه نظرٌ؛ لأنَّ ما بعدَ الفاءِ لا يَتَرَتَّبُ على هذا الاستفهامِ. وشرطُ النصبِ: أن ينعقدَ منها شرطٌ وجزاءٌ. وقُرِىء» فيكونُ «بالرفعِ، وهو معطوفٌ على» أُنْزِل «. وجاز عطفُه على الماضي؛ لأنَّ المرادَ بالماضي المستقبلُ، إذ التقدير: لولا نُنَزِّلُ.

ص: 458

قوله: {أَوْ يلقى} : «أو تكونُ» معطوفان على «أُنْزِلَ» لِما تقدَّم مِنْ كونِه بمعنى نُنَزِّل. ولا يجوزُ أَنْ يُعْطفا على «فيكونَ» المنصوبِ في الجواب، لأنهما مُنْدَرجان في التحضيض في حكم الواقعِ بعد «لولا» . وليس المعنى على أنهما جوابٌ للتحضيضِ فيعطفا على جوابِه. وقرأ الأعمش وقتادةُ «أو يكونُ له» بالياء من تحتُ؛ لأن تأنيثَ الجنةِ مجازيٌّ.

ص: 458

قوله: {يَأْكُلُ مِنْهَا} الجملةُ في موضعِ الرفعِ صفةً ل «جنةٌ» . وقرأ الأخَوان «نَأْكُلُ» بنون الجمعِ. والباقون بالياء من تحتُ أي: الرسول.

قوله: {وَقَالَ الظالمون} وَضَعَ الظاهرَ موضعَ المضمرِ، إذ الأصل: وقالوا. قال الزمخشري: «وأرادَ بالظالمين إياهم بأعيانهم» . قال الشيخ: «وقوله ليس تركيباً سائغاً، بل التركيبُ العربيُّ أَنْ يقولَ: أرادَهم بأعيانِهم» .

ص: 459

قوله: {جَنَّاتٍ} : يجوز أَنْ يكونَ بدلاً مِنْ «خيراً» ، وأَنْ يكونَ عطفَ بيانٍ عند مَنْ يُجَوِّزه في النكراتِ، وأَنْ يكونَ منصوباً بإضمارِ أعني. و {تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} صفةٌ.

قوله: {وَيَجْعَل لَّكَ} قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر برفع «ويجعَلُ» والباقون بإدغامِ لامِ «يَجْعَلْ» في لام «لك» . وأمَّا الرفعُ ففيه وجهان، أحدُهما: أنَّه مستأنفٌ. والثاني: أنه معطوفٌ على جوابِ الشرط. قال الزمخشري: «لأنَّ الشرطَ إذا وقع ماضياً جاز في جوابِه الجزمُ، والرفعُ كقولِه:

3474 -

وإنْ أتاه خليلٌ يومَ مَسْألةٍ

يقولُ لا غائبٌ مالي ولا حَرِمُ

ص: 459

قال الشيخ:» وليس هذا مذهبَ سيبويه، بل مذهبُه: أنَّ الجوابَ محذوفٌ، وأنَّ هذا المضارعَ مَنْوِيُّ به التقديمُ، ومذهبُ المبرد والكوفيين أنه جوابٌ على حَذْفِ الفاءِ. ومذهبُ آخرين: أنه جوابٌ لا على حَذْفِها، بل لمَّا كان الشرطُ ماضياً ضَعُفَ تأثيرُ «إنْ» فارتفع «. قلت: فالزمخشريُّ بنى قولَه على هذين المذهبين. ثم قال الشيخ:» وهذا التركيبُ جائزٌ فصيحٌ. وزعم بعضُ أصحابِنا أنه لا يجيءُ إلَاّ في ضرورة «.

وأمَّا القراءةُ الثانيةُ فتحتمل وجهين، أحدُهما: أنَّ سكونَ اللامِ للجزمِ عطفاً على مَحَلِّ» جَعَل «؛ لأنَّه جوابُ الشرط. والثاني: أنه مرفوعٌ، وإنما سُكِّن لأجلِ الإِدغام. قال الزمخشري وغيرُه وفيه نظرٌ؛ من حيث إنَّ مِنْ جملةِ مَنْ قرأ بذلك وهو نافعٌ والأخَوان وحفصٌ ليس مِنْ أصولِهم الإِدغامُ، حتى يدعى لهم في هذا المكانِ. نعم أبو عمرو أصلُه الإِدغامُ وهو يقرأ هنا بسكونِ اللامِ، فيُحتمل ذلك على قراءته، وهذا من محاسِنِ علمِ النحوِ والقراءاتِ معاً.

وقرأ طلحةُ بن سليمان» ويَجْعَلَ «بالنصبِ؛ وذلك بإضمارِ» أنْ «على

ص: 460

جوابِ الشرطِ، واستضعفها ابنُ جني. ومثلُ هذه القراءة:

3475 -

فإنْ يَهْلَكْ أبو قابوسَ يَهْلَكْ

رَبيعُ الناسِ والبَلدُ الحرامُ

ونَأْخُذْ بعدَه بذِنابِ عيشٍ

أَجبَّ الظهرِ ليسَ له سَنامُ

بالتثليث في» نَأْخذ «.

ص: 461

قوله: {إِذَا رَأَتْهُمْ} : هذه الجملةُ الشرطيةُ في موضعِ نصبٍ صفةً ل «سَعيراً» لأنَّه مؤنَّثٌ.

قوله: {سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} إنْ قيل: التغيُّظُ لا يُسْمع. فالجوابُ من ثلاثةِ أوجه، أحدُها: أنه على حَذْفِ مضافٍ أي: صوتَ تغيُّظِها. والثاني: أنه على حَذْفٍ تقديرُه: سَمِعوا وَرَأَوْا تغيُّظاً وزفيراً، فيرتفع كلُّ واحدٍ إلى ما يَليقُ به أي: رَأَوْا تغيُّظاً وسَمِعوا زَفيراً. والثالث: أَنْ يُضَمَّن «سمعوا» معنىً يَشْمَلُ الشيئين أي: أَدْرَكوا لها تغَيُّظاً وزفيراً. وهذان الوجهان الأخيران منقولان من قولِه:

3476 -

يا ليتَ زوجَك قد غَدا

متقلِّداً سيفاً ورُمْحاً

ومن قوله:

3477 -

فَعَلَفْتُها تِبْناً وماءً بارداً

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 461

أي: ومُعْتَقِلاً رمحاً، وسَقَيْتُها ماءً، أو تضمِّنُ «مُتَقَلِّداً» معنى مُتَسَلِّحاً، و «عَلَفْتُها» معنى: أَطْعَمْتُها تِبْناً وماءً بارداً.

ص: 462

قوله: {مَكَاناً} : منصوب على الظرف و «منها» في محلِّ نصبٍ على الحالِ مِنْ «مكان» لأنه في الأصل صفةٌ له. و «مُقَرَّنين» حال مِنْ مفعول «أُلْقُوا» . و «ثُبوراً» مفعول به. فيقولون: يا ثُبوراه. ويجوزُ أَنْ يكونَ مصدراً من معنى «دُعُوا» وقيل: منصوبٌ بفعلٍ من لفظِه مقدرٍ تقديرُه: ثَبَرْنا ثُبوراً. وقرأ/ معاذ بن جبل «مُقَرَّنُوْنَ» بالواو. ووجهُها أَنْ تكونَ بدلاً من مفعول «أُلْقُوا» .

وقرأ عمر بن محمد «ثَبورا» بفتح الثاء. والمصادرُ التي على فَعُوْل بالفتح قليلةٌ جداً. ينبغي أن يُضَمَّ هذا إليها، وقد ذكرْتُها في البقرةِ عند قولِه {وَقُودُهَا الناس} [البقرة: 24] .

ص: 462

قوله: {خَالِدِينَ} : منصوبٌ على الحالِ: إمَّا مِنْ فاعل «يَشاؤون» وإمَّا مِنْ فاعل «لهم» لوقوعِه خبراً. والعائدُ على «ما» محذوفٌ أي: لهم فيها الذي يَشاؤُونه حالَ كونِهم خالدين.

قوله: {كَانَ على رَبِّكَ} في اسمِ كان وجهان، أحدهما: أنه ضميرُ «

ص: 462

ما يَشاؤون» ، ذكره أبو البقاء. والثاني: أَنْ يعودَ على الوَعْدَ المفهومِ مِنْ قولِه {وُعِدَ المتقون} . و {مَّسْئُولاً} على المجازِ أي: يُسْأَلُ: هل وُفِّي بك أم لا؟ أو يَسْأله مَنْ وُعِدَ به؟ .

ص: 463

قوله: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} : قرأ ابنُ عامر «نَحْشُرهم» ِ «فنقول» بالنون فيهما. وابنُ كثير وحفصٌ بالياء مِنْ تحت فيهما. والباقون بالنونِ في الأولِ، وبالياءِ في الثاني. وهنَّ واضحاتٌ. وقرأ الأعرج «نَحْشِرُهم» بكسر الشين في جميع القرآن. قال ابن عطية:«هي قليلةٌ في الاستعمالِ قويةٌ في القياس؛ لأنَّ يَفْعِلِ بكسرِ العين في المتعدِّي أَقْيَسُ مِنْ يَفْعُل بضمِّ العين» . وقال أبو الفضل الرازي: «وهو القياس في الأفعالِ الثلاثيةِ المتعديةِ؛ لأنَّ يَفْعُل بضهم العين قد يكونُ من اللازمِ الذي هو فَعُل بضمِّها في الماضي» . قال الشيخ: «وليس كما ذكرا، بل فِعْلُ المتعدِّي الصحيحُ جميعُ حروفِه، إذا لم يكن للمغالبةِ ولا حلقيَّ عينٍ ولا لامٍ فإنه جاء على يَفْعِل ويَفْعُل

ص: 463

كثيراً. فإنْ شُهرِ أحدُ الاستعمالين اتُّبعَ، وإلَاّ فالخيارُ. حتى إنَّ بعضَ أصحابِنا خَيَّر فيهما: سُمِعا للكلمة أو لم يُسْمَعا» . قلت: الذي خَيَّرَ في ذلك هو ابنُ عصفور فيُجيزُ أَنْ تقولَ: «زيد يَفْعِل» بكسرِ العينِ، و «يَضْرُب» [بضمِّ] الراءِ مع سماعِ الضمِّ في الأول والكسرِ في الثاني. وسبَقَه إلى ذلك ابنُ درستويهِ، إلَاّ أنَّ النحاةَ على خلافِه.

قوله: {وَمَا يَعْبُدُونَ} عطفٌ على مَفْعولِ «نَحْشُرهم» ويَضْعُفُ نصبُه على المعيَّة. وغَلَّب غيرَ العاقلِ فأتى ب «ما» دونَ «مَنْ» .

قوله: {هَؤُلَاءِ} يجوزُ أن يكونَ نعتاً لعِبادي، أو بدلاً، أو بياناً.

قوله: {ضَلُّوا السبيل} على حَذْفِ الجرِّ وهو «عن» ، كما صَرَّح به في قوله {يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ} [الأنعام: 117] ثم اتُّسِع فيه فَحُذِف نحو: «هَدَى» ، فإنه يتعدَّى ب «إلى» ، وقد يُحْذَفُ اتِّساعاً. و «ظَلَّ» مطاوعُ أَضَلَّ.

ص: 464

قوله: {يَنبَغِي} : العامَّةُ على بنائِه للفاعل. وأبو عيسى الأسودُ القارىء «ينبغى» مبنياً للمفعولِ. قال ابنُ خالويه: «

ص: 464

زعم سيبويه أن ينبغى لغة» .

قوله: {أَن نَّتَّخِذَ} فاعلُ «ينبغي» أو مفعولٌ قائمٌ مقامَ الفاعلِ في قراءةِ الأسود. وقرأ العامَّةُ «نَتَّخِذَ» مبنياً للفاعل. و «من أولياء» مفعولُه، وزِيْدَتْ فيه «مِنْ» . ويجوز أن يكونَ مفعولاً أولَ على أنَّ «اتَّخَذَ» متعديةٌ لاثنين، ويجوز أَنْ لا تكون المتعديةَ لاثنين بل لواحدٍ، فعلى هذا «مِنْ دونِك» متعلِّقٌ بالاتِّخاذ، أو بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ مِنْ «أولياء» .

وقرأ أبو الدَّرْداء وزيد بن ثابت وأبو رجاء والحسن وأبو جعفر في آخرين «نُتَّخَذَ» مبنيَّاً للمفعول. وفيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّها المتعديةُ لاثنينِ، والأولُ همز ضمير المتكلمين. والثاني: قولُه: «مِنْ أولياء» و «مِنْ» للتبعيضِ أي: ما كان ينبغي أَنْ نَتَّخِذَ بعضَ أولياء، قاله الزمخشري. الثاني: أنَّ «مِنْ أولياء» هو المفعولُ الثاني ايضاً، إلَاّ أنَّ «مِنْ» مزيدةٌ في المفعولِ الثاني. وهذا مردودٌ: بأنَّ «مِنْ» لا تُزاد في المفعول الثاني، إنما تُزاد في الأولِ. قال ابن عطية:«ويُضْعِفُ هذه القراءةَ دخولُ» مِنْ «في قوله:» مِنْ أولياء «. اعتَرَض بذلك سعيدُ بن جبير وغيرُه» . الثالث: أَنْ يكونَ «مِنْ أولياء» في موضعِ الحالِ. قاله ابن جني إلَاّ أنه قال: «ودَخَلَتْ» مِنْ «زيادةً لمكانِ النفيِ المتقدم، كقولك: ما اتَّخذت زيداً مِنْ وكيل» . قلت: فظاهرُ هذا أنه جَعَلَ

ص: 465

الجارَّ والمجرورَ في موضعِ الحالِ، وحينئذٍ يَسْتحيلُ أَنْ تكونَ «مِنْ» مزيدةً، ولكنه يريدُ أنَّ هذا المجرورَ هو الحالُ نفسُه و «مِنْ» مزيدةٌ فيه، إلَاّ أنه لا تُحفظ زيادةُ «مِنْ» في الحالِ وإنْ كانَتْ منفيةً، وإنما حُفِظ زيادةُ الباءِ فيها على خلافٍ في ذلك.

وقوله: {أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ} {أَمْ هُمْ ضَلُّوا} إنما قَدَّم الاسمَ على الفعل لمعنىً ذكرْتُه في قولِه تعالى: {أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ} [المائدة: 116] .

وقرأ الحَجَّاج «نتخذ مِنْ دونِك [أولياءَ] » فبلغ عاصماً فقال: «مُقِتَ المُخْدِجُ. أَوَ عَلِم أنَّ فيها» مِنْ «؟

قوله: {ولكن مَّتَّعْتَهُمْ} لَمَّا تََضَمَّن كلامُهم أنَّا لم نُضِلَّهم، ولم نَحْمِلْهم على الضلالِ، حَسُن هذا الاستدراكُ وهو أَنْ ذَكَرُوا سبَبَه أي: أَنْعَمْتَ عليهم وتَفَضَّلْتَ فَجَعَلوا ذلك ذَرِيْعةً إلى ضلالهم عكسَ القضية.

قوله: {بُوراً} يجوز فيه وجهان أحدُهما: أنه جمعُ بائرِ كعائذِ وعُوذ. والثاني: أنه مصدرٌ في الأصلِ، فَيَسْتوي فيه المفردُ والمثنى والمجموعُ والمذكرُ والمؤنثُ. وهو مِنْ البَوارِ وهو الهَلاكُ. وقيل: من الفسادِ. وهي لغةٌ للأزد يقولون: / بارَتْ بضاعتُه أي: فَسَدَتْ. وأمرٌ بائِرٌ أي: فاسدٌ. وهذا

ص: 466