المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لأنه يَصيرُ التقديرُ: لا تأْتيهم الآياتُ على حسبِ اقتراحِهم، بل - الدر المصون في علوم الكتاب المكنون - جـ ٨

[السمين الحلبي]

الفصل: لأنه يَصيرُ التقديرُ: لا تأْتيهم الآياتُ على حسبِ اقتراحِهم، بل

لأنه يَصيرُ التقديرُ: لا تأْتيهم الآياتُ على حسبِ اقتراحِهم، بل تأتيهم بغتةً، فيكون الظاهرُ أن الآياتِ تأتي بغتةً، وليس ذلك مُراداً قطعاً. وإنْ أراد أن يكونَ التقديرُ: بل تَأتيهم الساعةُ أو النارُ فليس مطابقاً لقاعدةِ الإِضراب.

ص: 160

قوله: {مِنَ الرحمن} : متعلقٌ ب «يَكْلؤُكم» على حذفِ مضافٍ أي من أمرِ الرحمنِ أو بَأْسِه كقوله: {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله} [الرعد: 11] . و «بالليل» بمعنى في الليل. والكِلاءَةُ: الحِفْظُ يقال: كَلأَه يَكْلَؤُه اللهُ كِلاءة بالكسر. كذا ضبطه الجوهري فهو كالِىءٌ ومَكْلُوْءٌ. قال ابنُ هَرْمة:

33‌

‌42

- إنَّ سُلَيْمَى واللهُ يَكْلَؤُها

ضَنَّتْ بشَيْءٍ ما كان يَرْزَؤها

واكْتَلأْتُ منه: احتَرَسْتُ، ومنه سُمِّي النباتُ كَلأً؛ لأنَّ به تقومُ بُنْيَةُ البهائمِ وتُحْرس. ويقال:«بَلَّغَ الله بك أَكْلأَ العُمُرِ» والمُكَلأُ: موضعٌ تُحْفظ فيه السفن. وفي الحديث: «نهى عن بيع الكالِىء بالكالِىءِ» أي: بَيْعِ الدَّيْن بالدَّيْن؛ كأنَّ كلاً من رَبِّ الدَّيْنَيْنِ يكلأُ الآخَرَ أي: يراقبه.

ص: 160

وقوله: {بَلْ هُمْ} إضرابٌ عن ما تَضَمَّنه الكلامُ الأول من النفي، إذ التقدير: ليس لهم كالىءٌ ولا مانعٌ غيرُ الرحمنِ.

وقرأ الزهري وابن القعقاع «يَكْلَوُكم» بضمةٍ خفيفةٍ دونَ همزٍ. وحكى الكسائي والفراء «يَكْلَوْكم» بفتحِ اللامِ وسكونِ الواو ولم أعرفْها قراءةً، وهو قريبٌ من لغةِ مَنْ يخفِّف «أكلَتْ الكلا على الكلَوْ» وقفاً إلَاّ أنه أجرى الوصل مُجْرَى الوقف.

ص: 161

قوله: {أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ} : «أم» منقطعةٌ أي: بل ألهم آلهةٌ. وقد تقدم ما فيها. وقوله: {مِّن دُونِنَا} فيه وجهان أحدهما: أنه متعلقٌ ب «تَمْنَعُهم» قيل: والمعنى: ألهم آلهةٌ تجعلُهم في مَنْعَةٍ وعزٍّ. وإلى هذا ذهب الحوفي. والثاني: أنه متعلقٌ بمحذوفٍ لأنه صفةٌ ل «آلهة» أي: آلهةٌ من دونِنا تمنعُهم؛ ولذلك قال ابن عباس: «إنَّ في الكلام تقديماً وتأخيراً» . وقوله: {لَا يَسْتَطِيعُونَ} مستأنفٌ فلا محلَّ له، ويجوز أن يكونَ صفةً ل «آلهة» وفيه بُعْدٌ من حيث المعنى.

ص: 161

قوله: {وَلَا يَسْمَعُ} : قرأ ابنُ عامر هنا «ولا تُسْمِعُ» بضمِّ التاءِ للخطابِ وكسر الميم، «الصُّمَّ الدعاءَ» منصوبين. وقرأ ابنُ كثير

ص: 161

كذلك في النمل والروم. وقرأ باقي السبعةِ بفتح ياء الغَيْبة والميمِ، «الصُّمُّ» بالرفع، «الدعاءَ» بالنصب في جميع القرآن.

وقرأ الحسن كقراءة ابن عامر إلَاّ أنه بياءِ الغَيْبة وروى عنه ابنُ خالويه «ولا يُسْمَعُ» بياءٍ الغيبة مبنياً للمفعول، «الصُّمُّ» رفعاً، «الدعاءَ» نصباً. ورُوي عن أبي عمرو بن العلاء «ولا يُسْمِعُ» بضمِّ الياءِ مِنْ تحتُ وكسرِ الميمِ «الصُّمَّ» ، نصباً «الدعاءُ» رفعاً.

فأمَّا قراءةُ ابنِ عامر وانب كثير فالفاعل فيها ضميرُ المُخاطبِ وهو الرسولُ عليه السلام، فانتصب «الصُّمَّ» و «الدعاءَ» على المفعولين، وأَوَّلُهما هو الفاعلُ المعنوي. وأمَّا قراءةُ الجماعةِ فالفعلُ مسندٌ ل «الصُّمَّ» فانتصب الدعاء مفعولاً به/ وأمَّا قراءةُ الحسنِ الأولى فَأُسْند الفعلُ فيها إلى ضميرِ الرسول صلى الله عليه وسلم. وهي كقراءةِ ابنِ عامر في المعنى. وأمَّا قراءتُه الثانيةُ فإنه أُسْنِدَ الفعلُ فيها إلى «الصُّمُّ» قائماً مقامَ الفاعلِ، فانتصب الثاني وهو «الدعاء» .

وأمَّا قراءةُ أبي عمرو فإنه أُسْند الفعلُ فيها إلى الدعاء على سبيل الاتساع، وحُذِف المفعولُ الثاني للعلمِ به. والتقديرُ: ولا يُسْمِعُ الدعاءُ الصمَّ

ص: 162

شيئاً البتة. ولمَّا وصل أبو البقاء هنا قال: «ولا يَسْمَعُ» فيه قراءاتٌ وجوهها ظاهرة «ولم يَذْكُرْها.

و [قوله] :» إذا «في ناصِبه وجهان، أحدُهما: أنَّه» يَسْمَعُ «. الثاني: أنه» الدعاءُ «فأَعمل المصدرَ المعرَّفَ ب أل، وإذا أعملوه في المفعولِ الصريحِ ففي الظرفِ أحرى.

ص: 163

قوله: {نَفْحَةٌ} : قال الزمخشري: «في هذا ثلاثُ مبالغاتٍ: لفظُ المَسَّ وما النفحِ مِنْ معنى القلَّةِ والنَّزَارةِ. يقال: نَفَحَتْه الدابَّةُ: رَمَحَتْه رَمْحاً يسيراً. ونَفَحه بعَطيَّةٍ أي: بنائلٍ قليلٍ، ولبناء المَرَّةِ منه أي: بأدنى إصابة يخضعون. والنَّفْحُ: الخَطْرة. ونَفَحَ له من عطائِه: أي رَضَخَ له بشيءٍ. قال الشاعر:

3343 -

إذا رَيْدَةٌ من حيث ما نَفَحَتْ له

أتاه برَيَّاها خليلٌ يواصِلُهْ

و {مِّنْ عَذَابِ} صفةٌ ل» نَفْحَة «.

ص: 163

قوله: {القسط} : في نصب «القِسْطَ» وجهان أحدهما: أنه نعتٌ للموازين، وعلى هذا: فلِمَ أُفْرِد؟ وعنه جوابان، أحدهما:

ص: 163

أنه في الأصلِ مصدرٌ، والمصدر يوحَّد مطلقاً. والثاني: أنَّه على حَذْفِ مضاف. الوجه الثاني: أنه مفعولٌ من أجله أي: لأجلِ القسطِ. إلَاّ أنَّ في هذا نظراً من حيث إن المفعولَ له إذا كان معرَّفاً بأل يَقِلُّ تجرُّده من حرف العلة تقول: جئتُ للإِكرام، ويَقِلُّ: جئت الإِكرامَ، كقول الآخر:

3344 -

لا أَقْعُدُ الجبنَ عن الهَيْجاءِ

ولو توالَتْ زُمَرُ الأعداءِ

وقرىء «القِصْطَ» بالصاد لأجل الطاء، وقد تقدم.

قوله: {لِيَوْمِ القيامة} في هذه اللام أوجه، أحدها: قال الزمخشري: «مثلُها في قولك: جِئْتُ لخمسٍ خَلَوْنَ من الشهر، ومنه بيتُ النابغة.

3345 -

تَوَهَّمْتُ آياتٍ لها فَعَرَفْتُها

لستةِ أعوام وذا العامُ سابعُ

والثاني: أنها بمعنى في. وإليه ذهب ابن قتيبة وابن مالك. وهو رأيُ الكوفيين ومنه عندهم: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلَاّ هُوَ} [الأعراف: 187] وكقول مسكين

ص: 164

الدارمي:

3346 -

أولئك قومي قد مضَوْا لسبيلِهم

كما قد مضى مِنْ قبلُ عادٌ وتُبَّعُ

وكقول الآخر:

3347 -

وكلُّ أبٍ وابنٍ وإنْ عُمِّرا معاً

مُقِيْمَيْنِ مفقودٌ لوقتٍ وفاقدُ

والثالث: أنَّها على بابِها مِنَ التعليل، ولكنْ على حَذْفِ مضاف.

أي: لحسابِ يومِ القيامة.

قوله: {شَيْئاً} يجوز أن يكون مفعولاً ثانياً، وأن يكون مصدراً، أي: شيئاً من الظلم.

قوله: {مِثْقَال} قرأ نافعٌ هنا وفي لقمان برفع» مِثْقال «على أنَّ» كان «تامة، أي: وإنْ وُجِد مثقال. والباقون بالنصب على أنَّها ناقصةٌ، واسمها مضمر أي: وإنْ [كان] العملُ. و {مِّنْ خَرْدَلٍ} صفةٌ لحَبَّة.

وقرأ العامَّة» أَتَيْنَا «من الإِتيان بقَصْرِ الهمزة أي: جِئْنا بها، وكذا قرأ ابن مسعود وهو تفسيرُ معنى لا تلاوة. وقرأ ابنُ عباس ومجاهدٌ وسعيد وابن أبي

ص: 165

إسحاق والعلاء بن سيابة وجعفر بن محمدٍ» آتَيْنا «بمدِّ الهمزة وفيها أوجهٌ، أحدُها: وهو الصحيحُ أنه فاعَلْنا من المؤاتاة وهي المجازاةُ والمكافَأَة. والمعنى: جازَيْنا بها، ولذلك تعدى بالباء. الثاني: أنها مُفاعَلَةٌ من الإِتيان بمعنى المجازاة والكافأةِ لأنهم أَتَوْه بالأعمال وأتاهم بالجزاءِ، قاله الزمخشري. الثالث: أنه أفْعَل من الإِيتاء. كذا توهَّمَ بعضُهم وهو غلطٌ. قال ابن عطية:» ولو كان آتَيْنا أعطينا لَما تعدَّى بحرفِ جرّ. ويُوْهِنُ هذه القراءةَ أنَّ بدلَ الواوِ المفتوحةِ همزةً ليس بمعروفٍ، وإنما يُعْرَفُ ذلك في المضمومةِ والمكسورة «يعني أنَّه كان مِنْ حَقِّ هذا القارىءِ أَنْ يَقْرَأَ» واتَيْنا «مثل واظَبْنا؛ لأنها من المُواتاةِ على الصحيح، فأبدل هذا القارِىءُ الواوَ المفتوحةًَ همزةَ. وهو قليلٌ ومنه أَخَذَ» واتاه «.

وقال أبو البقاء:» ويُقرأ بالمدِّ بمعنى جازَيْنا بها، فهو يَقْرُبُ مِنْ معنى أَعْطَيْنا؛ لأنَّ الجزاءَ إعطاءٌ، وليس منقولاً مِنْ أَتَيْنا، لأن ذلك لم يُنْقَلْ عنهم.

وقرأ حميد «أَثَبْنا» من الثواب. والضمير في «بها» عائد على المِثْقال، وأنَّث ضميرَه لإِضافتِه لمؤنث فهو كقوله:

3348 -

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كما شَرِقَتْ صدرُ القناةِ من الدَّمِ

ص: 166

في اكتسابِه بالإِضافةِ التأنيثَ.

ص: 167

قوله: {وَضِيَآءً وَذِكْراً} : يجوزُ أن يكونَ من باب عطفِ الصفاتِ، فالمرادُ به شيءٌ واحدٌ أي: آتَيْناه الجامعَ بين هذه الأشياءَ. وقيل: الواوُ زائدةٌ. قال أبو البقاء: «ف» ضياءً «حالٌ على هذا» /.

ص: 167

قوله: {الذين يَخْشَوْنَ} : في محلِّه ثلاثةُ الأوجهِ: وهي الجرُّ على النعتِ أو البدلُ أو البيانُ. والرفعُ والنصبُ على القطع.

ص: 167

قوله: {رُشْدَهُ} : مفعول ثان. وقرأ العامَّة «رُشْدَه» بضم الراء وسكونِ الشين. وعيسى الثقفي بفتحِهما. وقد تقدَّم الكلامُ عليهما.

قوله: {مِن قَبْلُ} أي: من قبلِ موسى وهارون. وهذا أحسنُ ما قُدِّر به المضافُ إليه. وقيل: من قبلِ بلوغِه أو نبوَّتِه. والضميرُ في «به» يعودُ على إبراهيم. وقيل: على «رُشْدَه» .

ص: 167

قوله: {إِذْ قَالَ} : يجوزُ أن يكونَ منصوباً ب «آتَيْنا» أو ب «رُشْدَه» أو بعالِمين أو بمضمر أي: اذكر وقت قوله. وجَوَّز أبو البقاء فيه أن يكونَ بدلاً من موضع قبلُ أي: إنه يَحُلُّ مَحَلَّه فيَصِحُّ المعنى، إذ يصير التقديرُ: ولقد آتَيْناه رُشْدَه إذ قال. وهو بعيدٌ من المعنى بهذا التقديرِ.

قوله: {لَهَا} قيل: اللامُ للعلةِ أي: عاكفون لأجلها. وقيل: بمعنى على

ص: 167

أي: عاكفون عليها. وقيل: ضَمَّنَ «عاكفون» معنى عابِدين فلذلك أتى باللام. وقال أبو البقاء: وقيل: أفادت معنى الاختصاصِ. وقال الزمخشري: «لم يَنْوِ للعاكفين محذوفاً» ، وأَجْراه مُجْرى ما لا يَتَعدَّى كقوله: فاعِلون العكوفَ «. قلت: الأَولى أن تكونَ اللامُ للتعليل، وصلةُ» عاكفون «محذوفة أي: عاكفون عليها لأجلها لا لشيءٍ آخرَ.

والتماثيل: جمع تِمْثال، وهو الصورةُ المصنوعةُ من رُخامٍ أو نحاسٍ أو خَشَبٍ، يُشَبَّه بخَلْقِ الآدميِّ وغيرِه من الحيوانات. قال امرؤ القيس:

3349 -

فيا رُبَّ يومٍ قد لَهَوْتُ وليلةٍ

بآنِسَةٍ كأنَّها خَطُّ تمثالِ

ص: 168

قوله: {لَهَا عَابِدِينَ} : «عابدين» مفعولٌ ثانٍ ل «وَجَدْنا» و «لها» لا تَعَلُّقَ له؛ لأنَّ اللامَ زائدةٌ في المفعول به لتقدُّمه.

ص: 168

قوله: {أَنتُمْ} : تأكيدٌ للضميرِ المتصلِ. قال الزمخشري: «وأنتم من التأكيدِ الذي لا يَصِحُّ الكلامُ مع الإِخلالِ به؛ لأنَّ

ص: 168

العطفَ على ضميرٍ هو في حكمِ بعضِ الفعلِ ممتنعٌ. ونحوه {اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة} [البقرة: 35] . قال الشيخ:» وليس هذا حكماً مُجْمعاً عليه؛ فلا يَصِحُّ الكلامُ مع الإِخلالِ به؛ لأنَّ الكوفيين يُجيزون العطفَ على الضمير المتصلِ المرفوعِ من غير تأكيدٍ بالضمير المنفصل ولا فصلٍ. وتنظيرُ ذلك ب {اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة} مخالِفٌ لمذهبِه في {اسكن أَنْتَ وَزَوْجُكَ} لأنَّ مذهبَه يزعم أنَّ «وزوجُك» ليس معطوفاً على الضمير المستكنِّ في «اسكُنْ» ، بل مرفوعٌ بفعلٍ مضمر أي: وَلْتَسْكُنْ، فهو عنده من قبيل عطفِ الجمل، وقوله هذا مخالفٌ لمذهبِ سيبويه «.

قلت: لا يَلْزَمُ من ذلك أنه خالفَ مذهبَه، إذ يجوزُ أن يُنَظَّر بذلك عند مَنْ يعتقدُ ذلك، وإنْ لم يعتقدْه هو.

و {فِي ضَلَالٍ} يجوز أَنْ يكونَ خبراً إنْ كانَتْ» كان «ناقصةً، أو متعلقاً ب» كنتم «إن كانَتْ تامةً.

ص: 169

قوله: {بالحق} : متعلقٌ ب «جِئْتَ» . وليس المرادُ به حقيقةَ المجيء؛ إذ لم يكنْ غائباً. و «أم أنت» «أم» متصلةٌ وإنْ كان بعدها جملةٌ لأنها في حكم المفردِ، إذ التقديرُ: أيُّ الأمرَيْن واقعٌ: مجيئُك بالحقِّ أم لَعِبُك؟

ص: 169

كقوله:

3350 -

ما أبالي أنَبَّ بالحَزْنِ تَيْسٌ

أم جفاني بظهرِ غَيْبٍ لئيمُ

وقوله:

3351 -

لَعَمْرُك ما أَدْرِي وإن كنتُ دارياً

شُعَيْثُ بنُ سَهْمٍ أم شُعَيْثُ بنُ مِنْقَرِ

يريد: أيُّ الأمرَيْنِ واقع؟ ولو كانَتْ منقطعةً لقُدِّرَتْ ب بل والهمزةِ، وليس ذلك مُراداً.

ص: 170

قوله: {الذي فطَرَهُنَّ} : يجوزُ أَنْ يكونَ مرفوعَ الموضعِ، أو منصوبَه على القطع. والضميرُ المنصوبُ في «فَطَرَهُنَّ» للسماواتِ والأرض. قال الشيخ:«ولَمَّا لم تكنْ السماواتُ والأرضُ تبلُغُ في العددِ الكَثيرِ منه جاء الضميرُ ضميرَ القلة» . قلت: إنْ عنى لم يَبْلُغْ كلُّ واحدٍ من السماواتِ والأرض فمُسَلَّم، ولكنه غيرُ مرادٍ بل المرادُ المجموعُ. وإنْ عنى لم يبلُغْ المجموعُ منهما فغيرُ مُسَلَّمٍ؛ لأنه يبلغ أربعَ عشرةَ، وهو في حَدّ جمع الكثرةِ،

ص: 170

اللهم إلَاّ أَنْ نقولَ: إنَّ الأرضَ شخصٌ واحدٌ، وليسَتْ بسبعٍ كالسماءِ على ما رآه بعضُهم فَيَصِحُّ له ذلك ولكنه غيرُ مُعَوَّلٍ عليه.

وقيل: على التماثيل. قال الزمخشري: «وكونُه للتماثيل أثبتُ لتَضْليلِهم، وأدخلُ في الاحتجاجِ عليهم» . وقال ابن عطية: فَطَرَهُنَّ عبارةٌ عنها كأنها تَعْقِلُ، وهذه من حيث لها طاعةٌ وانقيادٌ، وقد وُصِفَتْ في مواضعَ بوَصْفِ مَنْ يَعْقِلُ «. وقال غيرُه:» فَطَرَهُنَّ: أعادَ ضميرَ مَنْ يَعْقِلُ لَمَّا صَدَرَ منهنَّ من الأحوالِ التي تَدُلُّ على أنَّها من قبيل مَنْ يَعْقِلُ؛ فإنَّ اللهَ تعالى أخبر بقولِه: {أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} [فصلت: 11] . وقوله عليه السلام: «أطَّتِ السماءُ وحُقَّ لها أَنْ تَئِطَّ» .

قلت: كأنَّ ابنَ عطيةَ وهذا القائلَ تَوَهَّما أن «هُنَّ» ، من الضمائرِ المختصةِ بالمؤنثات العاقلاتِ، وليس كذلك بل هو لفظٌ/ مشتركٌ بين العلاقاتِ وغيرها. قال تعالى:{مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] ثم قال تعالى: {فَلَا تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ} .

قوله: {على ذلكم} متعلقٌ بمحذوفٍ، أو ب «الشاهدين» اتساعاً، أوعلى البيان. وقد تقدَّم نظيرُه نحو:{لَكُمَا لَمِنَ الناصحين} [الأعراف: 21] .

ص: 171

قوله: {وتالله} : قرأ العامَّة بالتاءِ مثنَّاةً من فوقُ. وقرأ معاذ بن جبل وأحمد بن حنبل بالباء موحدة. قال الزمخشري: «فإن قلتَ: ما الفرقُ بين الباءِ والتاءِ؟ قلت: الباءُ هي الأصلُ، والتاءُ بدلٌ من الواوِ المُبْدَلِ منها، وإنَّ التاءَ فيها زيادةٌ معنىً، وهو التعجبُ، كأنه تَعَجَّبَ من تسهيلِ الكيدِ على يدِه وتَأَتِّيه» . أمَّا قولُه: «إن الباءَ هي الأصلُ» فيدلُّ على ذلك تَصَرُّفُها في الباب، بخلافِ الواوِ والتاءِ، وإن كان السهيليُّ قد رَدَّ كونَ الواوِ بدلاً منها.

وقال الشيخ: «النظرُ يقتضي أنَّ كلاً منها أصلٌ. وأمَّا قولُه» التعجبُ «فنصوصُ النَّحْويين أنه يجوزُ فيها التعجبُ وعدمُه، وإما يلزمُ ذلك مع اللامِ كقوله:

3352 -

للهِ يَبْقى على الأيَّامِ ذو حِيَدٍ

بمُشْمَخِرّ به الظَّيَّانُ والآوسُ

و» بعدَ «منصوبٌ ب» لأَكِيْدَنَّ «. و» مُدْبرين «حالٌ مؤكّدةٌ، لأنَّ» تُوَلُّوا «

ص: 172

تُفْهِمُ معناها. وقرأ العامَّة» تُوَلُّوا «بضم التاءِ واللامِ مضارعَ» ولى «مشدداً. وقرأ عيسى بن عمر» تَوَلَّوا «بفتحِهما مضارعَ» تولى «والأصل» تَتَوَلَّوا «فحذف إحدى التاءين: إمَّا الأولى على رأي هشام، وإمَّا الثانية على رأي البصريين. ويَنْصُرُها قراءةُ الجميع {فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ} [الصافات: 90] ولم يقرأ أحدٌ» فَوَلَّوْا «وهي قياسُ قراءةِ الناس هنا. وعلى كلتا القراءتين فلامُ الكلمةِ محذوفٌ وهو الياءُ لأنه مِنْ وَلي.

ومتعلِّقُ هذا الفعلِ محذوفٌ تقديرُه: تُوَلُّو إلى عيدكم، ونحوُه.

ص: 173

قوله: {جُذَاذاً} : قرأ العامَّة «جُذاذاً» بضمِّ الجيم. والكسائيُّ بكسرِها، وابن عباس وأبو نهيك وأبو السَّمَّال بفتحِها. قال قطرب: هي في لغاتها كلِّها مصدرٌ فلا يثنَّى ولا يُجمع ولا يؤنَّثُ. والظاهرُ أن المضمومَ اسمٌ للشيءِ المكسَّرِ كالحُطام والرُّفات والفُتاتِ بمعنى الشيء المحطَّمِ والمفتَّتِ. وقال اليزيديُّ: «المضمومُ جمعُ جُذاذة بالضم نحو: زُجاج في زُجاجة، والمكسورُ جمع جَذيذ نحو: كِرام في كريم» . وقال بعضُهم: المفتوحُ مصدرٌ بمعنى المفعولِ أي: مَجْذوذين. ويجوز على هذا أن يكونَ على حَذْفِ مضافٍ أي: ذوات جُذاذ. وقيل: المضمومُ جمع جُذاذَة بالضمِّ، والمسكورُ جمع جِذاذَة بالكسر، والمفتوح مصدرٌ.

وقرأ ابن وثاب «جُذُذاً» بضمَّتين دونَ إلفٍ بين الذَّالَيْن، وهو جمع جَذِيذ كقَليب وقُلُب. وقُرِىء بضمِّ الجيمِ وفتحِ الذال. وفيها وجهان، أحدهما:

ص: 173

أن يكونَ أصلٌُها ضمتين، وإنما خُفِّف بإبدال الضمةِ فتحةً نحو: سُرَر وذُلَل في جمع سَرير وذَليل، وهي لغةٌ لبني كَلْب. والثاني: أنه جمع جُذَّة نحو: فُتَت في فُتَّة، ودُرَر في دُرَّة.

والجَذُّ: القطعُ والتكسير، وعليه قوله:

3353 -

بنو المهلبِ جَذَّ اللهُ دابِرَهُمْ

أَمْسَوْا رَماداً فلا أَصْلٌ ولا طَرَفُ

وقد تقدَّم هذا مستوفىً في هود.

وأتى ب «هم» وهو ضميرُ العقلاءِ معاملةً للأصنام معاملةً العقلاءِ، حيث اعتقدوا فيها ذلك.

قوله: {إِلَاّ كَبِيراً} استثناءٌ من المنصوب في «فَجَعَلهم» ، أي: لم يكسِرْه بل تركه. و «لهم» صفةٌ له، والضمير يجوز أن يعود على الأصنام. وتأويلُ عودِ ضميرِ العقلاءِ عليها تقدَّم. ويجوز أن يكون عائداً على عابديها. والضميرُ في «إليه» يجوز أن يعود إلى إبراهيم أي: يَرْجِعون إلى مقالتِه حين يظهر لهم الحقُّ، ويجوز أَنْ يكونَ عائداً على الكبير، وبكلٍ قِيل.

ص: 174

قوله: {مَن فَعَلَ} : يجوز في «مَنْ» أن تكونَ استفهاميةً. وهو الظاهر. فعلى هذا تكونُ الجملةُ مِنْ قولِه «إنَّه لمِن الظالمين» استئنافاً لا محلَّ لها من الإِعراب، ويجوزُ أَنْ تكونَ موصولةً بمعنى الذي، وعلى هذا فالجملةُ من «إنَّه» في محلِّ رفع خبراً للموصولِ. والتقديرُ: الذي فَعَلَ هذا بآلهتنا إنه.

ص: 174

قوله: {يَذْكُرُهُمْ} : في هذه الجملةِ [وجوهٌ] أحدُها: أنَّ «سمع» هنا تتعدَّى لاثنين لأنها متعلقةٌ بعين، فيكونُ «فتىً» مفعولاً أول، و «يَذْكُرُهم» هذه الجملةُ في محلِّ نصبٍ/ مفعولاً ثانياً، ألا ترى أنَّك لو قلتَ:«سمعتُ زيداً» وسكتَّ لم يكن كلاماً بخلافِ سمعت قراءتَه وحديثَه. والثاني: أنَّها في محلِّ نصب أيضاً صفةً لإِبراهيم، قال الزمخشري:«فإن قلتَ: ما حكمُ الفعلَيْن بعد» سمعنا «وما الفرقُ بينهما؟ قلت: هما صفتان ل» فَتَىً «؛ إلَاّ أنَّ الأولَ وهو» يَذْكُرهم «لا بُدَّ منه ل» سَمِعَ «؛ لأنك لا تقول: سمعت زيداً، وتسكتُ، حتى تذكرَ شيئاً ممَّا يُسْمع، وأمَّا الثاني فليس كذلك» .

قلت: هذا الذي قاله لا يتعيَّنُ؛ لِما عَرَفْتَ أنَّ «سَمِعَ» إنْ تعلَّقَتْ بما يُسْمع نحو «سمعت مقالةَ بكرٍ» فلا خلاف أنها تتعدَّى لواحدٍ، وإن تَعَلَّقَتْ بما لا يُسْمَع فلا يُكتْفى به أيضاً بلا خلافٍ؛ بل لا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ شيءٍ يُسْمَعُ فلو قلت:«سمعتُ زيداً» وسَكَتَّ، أو «سمعتُ زيداً يركبُ» لم يَجُزْ. فإنْ قلتَ: سمعتُه يَقْرأ صَحَّ. وجرى في ذلك خلافٌ بين النحاةِ، فأبوا علي يجعلُها متعديةً لاثنين ولا يتمشى عليه قولُ الزمخشري، وغيرُه يَجْعلها متعديةً لواحد، ويجعلُ الجملةَ بعد المعرفةِ حالاً، وبعد النكرةِ صفةً، وهذا أراد الزمخشري.

قوله: {إِبْرَاهِيمُ} في رفع «ابراهيمُ» أوجهٌ أحدُها: أنه مرفوعٌ على ما لم يُسَمَّ فاعلُه أي: قال له هذا اللفظَ، ولذلك قال أبو البقاء:«فالمرادُ الاسمُ لا المُسَمَّى» وفي هذه المسألةِ خلافٌ بين النحويين: أعني تَسَلُّطَ القولِ على المفردِ الذي لا يؤدي معنى جملة، ولا هو مقتطعٌ من جملة، ولا هو مصدرٌ ل «قال» ، ولا هو صفةٌ لمصدرِه نحو: قلتُ زيداً، أي: قلت هذا اللفظ،

ص: 175

فاختاره جماعة كالزجاجيِّ والزمخشريِّ وابنِ خروف وابنِ مالك، ومنعه آخرون. وممَّن اختارَ رفعَ «إبراهيمُ» على ما ذكرْتُ الزمخشري وابنُ عطية. أمَّا إذا كان المفردُ مؤدياً معنى جملةٍ كقولهم: قلتُ خطبةً وشعراً وقصيدةً، أو اقْتُطِع من جملة كقوله:

3354 -

إذا ذُقْتُ فاها قلت طعمُ مُدامَةٍ

مُعَتَّقَةٍ ممَّا يجيءُ به التُّجُرْ

أو كان مصدراً نحو: قلتُ قولاً، أو صفةً له نحو: قلتُ حقاً أو باطلاً، فإنَّه يَتَسَلَّطُ عليه. كذا قالوا: وفي قولهم «المفردُ المقتطعُ من الجملة» نظرٌ لأن هذا لم يَتَسَلَّطْ عليه القولُ، إنما يتسلَّطُ على الجملةِ المشتملةِ عليه.

الثاني: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: يقال له: هذا إبراهيمُ، أو هو إبراهيمُ. الثالث: أنه مبتدأٌ محذوفُ الخبر أي: يقال له: إبراهيمُ فاعلٌ ذلك. الرابع: أنّه منادى وحرف النداءِ محذوفٌ أي: يا إبراهيمُ، وعلى الأوجه الثلاثةِ فهو مقتطعٌ من جملةٍ، وتلك الجملةُ مَحْكِيَّةٌ بيُقال. وقد تقدَّم تقريرُ هذا في البقرة عندَ {وَقُولُواْ حِطَّةٌ} [الآية: 58] رفعاً ونصباً. وفي الأعرافِ عند قولِه {قَالُواْ مَعْذِرَةً} [الآية: 164] رفعاً ونصباً.

والجملةُ من «يُقال له» يُحتمل أَنْ تكونَ مفعولاً آخرَ نحو قولك: «ظننتُ

ص: 176

زيداً كاتباً شاعراً» وأن تكونَ صفةً على رأيِ الزمخشريِّ ومَنْ تابعه، وأَنْ تكونَ حالاً مِنْ «فتى» . وجاز ذلك لتخصُّصِها بالوصف.

ص: 177

قوله: {على أَعْيُنِ} : في محلِّ نصبٍ على الحال من الهاء في «به» أي: ائتُوا به ظاهراً مكشوفاً بمَرْأَىً منهم ومَنْظَرٍ. قال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: ما معنى الاستعلاء في» على «؟ قلت: هو واردٌ على طريقِ المثلِ أي: يَثْبُتُ إتيانُه في الأعين ويتمكَّنُ ثباتَ الراكبِ على المركوبِ وتمكُّنه منه» .

ص: 177

قوله: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ} : في «أنت» وجهان، أحدهما: أنه فاعلٌ بفعلٍ مقدرٍ يُفَسِّرُه الظاهرُ بعدَه. والتقدير: أفعلتَ هذا بآلهتِنا، فلمَّا حُذِفَ الفعلُ انفصَلَ الضميرُ. والثاني: أنه مبتدأٌ، والخبرُ بعده الجملةُ. والفرقُ بين الوجهين من حيثُ اللفظُ واضحٌ: فإنَّ الجملةَ مِنْ قولِه «فَعَلْتَ» الملفوظِ بها على الأولِ لا محلَّ لها لأنها مُفَسّرةٌ، ومحلُّها الرفعُ على الثاني، ومن حيث المعنى: إن الاستفهامَ إذا دَخَلَ على الفعلِ أَشْعَرَ بأن الشَّكَّ إنما تعلَّق به: هل وقع أم لا؟ من غيرِ شكٍ في فاعلِه. وإذا دخل على الاسم وقع الشكُّ فيه: هل هو الفاعلُ أم غيرُه، والفعل غيرُ مشكوكٍ في وقوعه، بل هو واقعٌ فقط. فإذا قلت:«أقام زيدٌ» ؟ كان شكُّك في قيامِه. وإذا قلتَ: «أزيدٌ قام» وجعلتَه مبتدأً كان شُكَّكَ في صدورِ الفعل منه أم من عمرٍو. والوجه الأولُ هو المختارُ عند النحاةِ لأنَّ الفعلَ تقدَّم ما يطلبُه وهو أداةُ الاستفهام.

ص: 177

قوله: {بَلْ فَعَلَهُ} : هذا الإِضرابُ عن جملةٍ محذوفةٍ تقديرُه: لم أفعَلْه، إنما الفاعلُ حقيقةً اللهُ تعالى، بل فعله. وإسنادُ الفعلِ إلى «كبيرهم» مِنْ أبلغِ/ المعاريض.

ص: 177

قوله: {هذا} فيه ستةٌ أوجه، أحدُها: أن يكونَ نعتاً ل «كبيرُهم» ، الثاني: أن يكونَ بدلاً من «كبيرُهم» . الثالث: أن يكونَ خبراً ل «كبيرهم» على أنَّ الكلامَ يَتِمُّ عند قوله {بَلْ فَعَلَهُ} ، وفاعل الفعلِ محذوفٌ، كذا نقله أبو البقاء، وقال:«وهذا بعيدٌ لأنَّ حَذْفَ الفاعلِ لا يَسُوغ» ، قلت: وهذا القولُ يعزى للكسائي، وحينئذٍ لا يَحْسُن الردُّ عليه بحذفِ الفاعلِ فإنه يُجيز ذلك ويلتزمُه، ويجعلُ التقديرَ: بل فعله مَنْ فعله. ويجوزُ أَنْ يكونَ أراد بالحذفِ الإِضمارَ لأنه لَمَّا لم يُذكر الفاعلُ لفظاً سُمِّي ذلك حَذْفاً.

الرابع: أن يكونَ الفاعلُ ضميرَ «فتى» . الخامس: أن يكون الفاعلُ ضميرَ «إبراهيمُ» . وهذان الوجهان يؤيِّدان ما ذكَرْتُ من أنه قد يكون مرادُ القائلِ بحذفِ الفاعل إنما هو الإِضمارُ. السادس: أنَّ «فَعَلَه» ليس فعلاً، بل الفاء حرف عطف دخلَتْ على «عَلَّ» التي أصلها «لعلَّ» حرفَ تَرَجّ. وحَذْفُ اللامِ الأولى ثابتٌ، فصار اللفظُ فَعَلَّه أي فَلَعَلَّه، ثم حُذفت اللامُ الأولى وخُفِّفت الثانيةُ. وهذا يُعْزَى للفراء. وهو قولٌ مرغوبٌ عنه وقد اسْتَدَلَّ على مذهبِه بقراءةِ ابنِ السَّمَيْفَع «فَعَلَّه» بتشديدِ اللام وهذه شاذَّةٌ، لا يُرْجَعُ بالقراءة المشهورة إليها، وكأن الذي حَمَلَهم على هذا خفاءُ وجهِ صدورِ هذا الكلامِ من النبيِّ عليه السلام.

ص: 178

قوله: {إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ} جوابُه محذوفٌ لدلالة ما قبلَه. ومَنْ يجوِّزْ التقديمَ يجعلْ «فسألوهم» هو الجوابَ.

ص: 179

قوله: {ثُمَّ نُكِسُواْ على رُءُوسِهِمْ} : قرأ العامَّةُ «نُكِسُوا» مبنياً للمفعول مخففةَ الكاف أي: نَكَسَهم اللهُ أو خَجَّلهم. و {على رُءُوسِهِمْ} حالٌ أي: كائنين على رؤوسهم. ويجوز أن يتعلَّق بنفسِ الفعل.

والنَّكْسُ والتَّنْكيسُ: القَلْبُ يقال: نَكَس رأسَه ونَكَّسه مخففاً ومشدداً أي: طَأطأه حتى صار أعلاه أسفله. وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة وابن الجارود وابن مقسم «نُكِّسوا» بالتشديد. وقد تقدَّم أنه لغةٌ في المخفف، فليس التشديدُ لتعديةٍ ولا تكثيرٍ. وقرأ رضوان بن عبد المعبود «نَكَسُوا» مخففاً مبنياً للفاعل، وعلى هذا فالمفعولُ محذوفٌ تقديرُه: نَكَسوا أنفسَهم على رؤوسهم.

قولهم: {لَقَدْ عَلِمْتَ} هذه الجملةُ جوابُ قسمٍ محذوفٍ، والقسمُ وجوابُه معمولان لقولٍ مضمرٍ، وذلك القولُ المضمرُ حالٌ من مرفوع «نُكِسُوا» أي: نُكِسُوا قائلين واللهِ لقد علمتَ.

قوله: {مَا هؤلاء يَنطِقُونَ} يجوز أَنْ تكونَ «ما» هذه حجازيةً فيكونَ «هؤلاء» اسمَها و «يَنْطِقون» في محلِّ نصب خبرَها، أو تميميةً فلا عملَ لها. والجملةُ المنفيةُ بأَسْرِها سادَّةٌ مَسَدَّ المفعولَيْنِ، إن كانت «عَلِمْتَ» على بابِها، ومَسَدَّ واحدٍ إن كانَتْ عِرْفانية.

ص: 179