المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكتاب الثاني في السنة ومباحثها - الدرر اللوامع في شرح جمع الجوامع - جـ ٣

[أحمد بن إسماعيل الكوراني]

الفصل: ‌الكتاب الثاني في السنة ومباحثها

‌الكتاب الثاني في السنة ومباحثها

ص: 5

الكتاب الثاني: في السنة

قوله: "الكتاب الثاني في السنة، وهي: أقوال محمد صلى الله عليه وسلم وأفعاله".

أقول: لما فرغ من مباحث الكتاب، والمباحث المشتركة بينه وبين السنة، أردفه بمباحث تخص بالسنة.

فالسنة - لغة -: الطريقة (1)، وفي عرف الفقهاء ترادف النافلة (2).

(1) وتطلق - أيضًا -: على الوجه، أو دائرته، أو الصورة، أو الجبهة، والجبينين أو السيرة، والطبيعة، وكلها معان متقاربة تشترك في الدلالة على صورة، معينة، حسية، أو معنوية.

راجع: المفردات للراغب: ص/ 245، وتهذيب الصحاح: 2/ 847، والمصباح المنير: 1/ 292، ولسان العرب: 7/ 90، والقاموس المحيط: 4/ 237.

(2)

اختلف الفقهاء في تعريفاتهم للسنة إلى أقوال منها ما ذكر في الشرح، وهو قول جمهور الفقهاء، وعرفها الأحناف: بأنها ما يقابل الفرض والواجب، وقد ذكر اللكنوى تعاريف كثيرة لها، ثم ردها، واختار: أنها ما في فعله ثواب وفي تركه عتاب، لا عقاب.

راجع: فتح الباري: 17/ 3، ونسيم الرياض: 3/ 318، وتحفة الأخيار: ص/ 9، وأصول مذهب أحمد: ص/ 199، والسنة ومكانتها للسباعي: ص/ 47، وإرشاد الفحول: ص/ 33.

ص: 7

وعند الأصولي: قول النبي [صلى الله عليه وسلم](1)، وفعله، وتقريره: لأنه فعل - أيضًا - إذ هو كف النفس، ولخفائه أفردوه بالذكر (2).

ولما توقف كونها دليلًا على عصمة (3) من صدرت عنه، قال:"الأنبياء معصومون لا يصدر عنهم ذنب ولو صغيرة سهوًا".

(1) سقط من (أ)، والمثبت من (ب).

(2)

وعرفها علماء الحديث: أنها ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلْقية، أو خُلُقية.

وذكر ابن حزم: أنها الشريعة كلها.

راجع: الحدود للباجي: ص/ 160، وأصول السرخسي: 1/ 113، والإحكام لابن حزم: 1/ 553، والإحكام للآمدي: 1/ 127، والموافقات: 4/ 4، وشرح العضد على المختصر: 2/ 22، ونهاية السول: 3/ 4، والتلويح على التوضيح: 2/ 2، وفواتح الرحموت: 2/ 97، وتيسير التحرير: 3/ 20، ومناهج العقول: 2/ 194، والتعريفات: ص/ 122، والإبهاج: 2/ 263، والحديث والمحدثين: ص/ 10، والبدعة لعزة علي عطية: ص/ 97.

(3)

العصمة - لغة -: الحفظ، والمنع، والوقاية، يقال: عصمه الله من المكروه يعصمه من باب، ضرب، حفظه، ووقاه، ومنه قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] وفي المثل: كن عصاميًا، ولا تكن عظاميًا، يريدون به قول القائل:

نفس عصام سودت عصامًا

وعلمته الكر والإقداما

واصطلاحًا: سلب قدرة المعصوم على المعصية، فلا يمكنه فعلها؛ لأن الله سلب قدرته عليها. وقيل: هي صرف دواعي المعصية عن المعصية، بما يلهم الله المعصوم من ترغيب وترهيب، وعن الأشعرية: أنها تهيؤ العبد للموافقة مطلقًا. وعرفها المعتزلة: أنها خلق ألطاف تقرب إلى الطاعة، ولم يردوها إلى القدرة لأن القدرة عندهم على الشيء صالحة لضده. =

ص: 8

وتحقيق هذه المسألة: هو أن حالهم ينقسم إلى ما قبل النبوة، وبعده.

أما قبل النبوة، فالأشاعرة على جوازه عقلًا، خلافًا للمعتزلة، والروافض بناء على ذلك الأصل الفاسد من القبح العقلي.

وأما بعد الرسالة، فما طريقه التبليغ لا يكون كذبًا، لا عمدًا، ولا سهوًا، لأنه {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4].

وأما غيره، فالجمهور: على أن الكبائر، والصغيرة التي لا تشعر بخسة لا تصدر عنهم، وغيرهما، فالأكثر على جوازه (1).

= راجع: المفردات للراغب: ص/ 336، ومختار الصحاح: ص/ 437، والمصباح المنير: 2/ 414، وشرح المقاصد: 4/ 312 - 313، وشرح جوهرة التوحيد: ص/ 134، والتعريفات: ص/ 150، والمحصل للرازي: ص/ 317، وفواتح الرحموت: 2/ 97، وتيسير التحرير: 3/ 20.

(1)

بحث هذه المسألة من بحوث علم الكلام، وإنما يذكرها علماء الأصول في حجية السنة لتوقف الأدلة على عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخلاف فيها على نحو ما ذكره الشارح في الحالتين قبل البعثة، والمخالف فيها المعتزلة، والروافض، وبعد البعثة الإجماع منعقد على عصمتهم من تعمد الكذب في الأحكام لدلالة المعجزة على الصدق، وفي صدور ذلك عنهم على سبيل السهو، والنسيان منعه الجمهور من الأئمة لدلالة المعجزة على صدقهم.

وجوزه القاضي، ومن تبعه مصيرًا منه إلى عدم دخوله في التصديق المقصود بالمعجزة. كما أجمعوا على عصمتهم من الكفر غير أن الأزارقة من الخوارج جوزوا عليهم الذنب، مع أنهم يعتبرون كل ذنب عندهم كفرًا، وجوز الشيعة إظهاره تقية، وهم في هذا متناقضون، إذ قد سبق أنهم منعوا صدور صغيرة، أو كبيرة عنهم قبل البعثة، فبعدها يكون أولى. =

ص: 9

ونقل (1) / ق (86/ ب من أ) المصنف عن/ ق (88/ أمن ب) جماعة المنع مطلقًا، وأقره ونعم ما فعل، هو الذي عليه نحيا، وعليه نموت إن شاء الله تعالى (2).

فعلى عدم صدوره منه مطلقًا يكون سكوته عند صدور فعل من مكلف - سواء كان، مع استبشار، أو بدونه، وسواء كان الفاعل كافرًا، أو مسلمًا، أو منافقًا - دليل الجواز لجميع الأمة.

وقيل: سكوته عمن يغريه الإنكار لا يكون دليل الجواز.

= راجع: الإرشاد للجويني: ص/ 356، أصول الدين للبغدادي: ص/ 167، الأربعين في أصول الدين للغزالي: ص/ 20، المحصل للرازي: ص/ 318، معالم أصول الدين: ص/ 108، والأربعين في أصول الدين له: ص/ 330، والمواقف: ص/ 358 - 359.

(1)

آخر الورقة (86/ ب من أ).

(2)

وهو اختيار أبي إسحاق الإسفراييني، وابن فورك، وابن برهان، والقاضي حسين، وأبي الفتح الشهرستاني، وشيخ الإسلام البلقيني، والمصنف، ووالده، والبيضاوي، والشارح، والقاضي عياض، وابن مجاهد، وابن حزم، وبعض الحنابلة، وهذا المذهب يرى المنع من كل ذنب، صغيرًا كان أو كبيرًا، عمدًا أو سهوًا في الأحكام وغيرها، قبل النبوة، وبعدها: لأنا أمرنا باتباعهم في أفعالهم، وآثارهم، وسيرهم على الإطلاق.

راجع: الشفاء للقاضي عياض: 2/ 160، والملل والنحل: 1/ 134، والفصل في الملل والأهواء والنحل: 4/ 2 - 3، والبرهان: 1/ 485، والمنخول: ص/ 223 - 225، والإحكام للآمدي: 1/ 128، وشرح العضد: 2/ 22، وتشنيف المسامع ق (79/ أ - ب) والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 59، وشرح الكوكب المنير: 2/ 169، وتيسير التحرير: 3/ 21، وإرشاد الفحول: ص/ 34 - 35.

ص: 10

وقيل: مع الكافر لا يدل: لأنه غير مكلف بالفروع منافقًا كان، أو غيره.

وقيل: في المنافق يدل: لأنه تجري عليه أحكام الإسلام دون غيره لأنه غير مكلف بالفروع، والكل باطل، كما بين في موضعه (1).

قوله: "وفعله غيرُ مُحَرَّمٍ للعصمة".

أقول: فعله صلى الله عليه وسلم لا يوصف بالحرمة لأنه معصوم، فلا يقع منه، كما تقدم ولا مكروه لأنه نادر، وهو كالمعدوم.

واعلم أن المكروه إن صدر عنه نادرًا، فلا يوصف بالكراهة في حقه، بل يوصف بالوجوب عليه: لأن بيان المشروعات واجب عليه (2)، وما كان من أمر الجِبِلَّة كالقيام، والقعود، والأكل، فواضح أن أمته مثله (3).

(1) راجع: اللمع: ص/ 38. والإحكام لابن حزم: 1/ 436، والمنخول: ص/ 229، والإحكام للآمدي: 1/ 141 - 142، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 290، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 25، وغاية الوصول: ص/ 92، وفواتح الرحموت: 2/ 183، وتيسير التحرير: 3/ 128، والغيث الهامع ق (81/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 95 - 96.

(2)

وقد مثلوا له في تشبيكه بين أصابعه، كما في حديث ذي اليدين الذي رواه البخاري، ومسلم، وأحمد، وأبو داود، وغيرهم.

راجع: صحيح البخاري: 1/ 173، وصحيح مسلم: 2/ 86 - 87، وسنن أبي داود: 1/ 231، وسنن النسائي: 3/ 20، ونيل الأوطار: 3/ 170.

(3)

يعني أنه مباح لأنه لم يقصد به التشريع، ولم نُتعبد به، ولهذا نسب إلى الجِبِلّة، وهى الخِلْقة، لكن لو تأسى به متأس، فلا بأس، كما كان يفعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ونقل الغزالي، وغيره قولًا بالندب، وأيده شيخ الإسلام ابن تيمية. =

ص: 11

وما كان بيانًا فحكمه حكم المبين من الوجوب وغيره (1)، وما كان خاصًا به كالضحى، والأضحية فكذلك، إذ أمته لا تشاركه فيها (2)، وما كان مترددًا بين الجِبِلِّي والشرعي فيه تردد لتعارض الأصل، يحتمل إلحاقه بالجِبِلِّي لأن الأصل عدم التشريع، فلا يكون مستحبًا، ويحتمل أن يلحق بالشرعي لأنه بعث لبيان المشروعات (3)، وما سوى المذكور، إن عُلِمت جهته من الوجوب، والندب، والإباحة، فأمته مثله سواء كان عبادة، أو لا.

= راجع: المنخول: ص/ 226، والمسودة: ص/ 191، ونهاية السول: 3/ 17، وغاية الوصول: ص/ 97، وتشنيف المسامع ق (79/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 247، وإرشاد الفحول: ص/ 35، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 97.

(1)

كصلاته المبينة لقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43]. راجع: المستصفى: 2/ 214، وتشنيف المسامع: ق (79/ ب).

(2)

راجع: الرسالة: ص/ 29، والإحكام لابن حزم: 1/ 431، والمنخول: ص/ 225، وفواتح الرحموت: 2/ 180.

(3)

كجلسة الاستراحة بين الخطبتين في صلاة الجمعة، وركوبه في الحج، ودخوله مكة من ثنية كداء، وخروجه منها، وذهابه، ورجوعه في العيد، حيث كان يذهب من طريق، ويرجع من أخرى، ولبسه النعل السبتي، والخاتم: فذهب الأكثر إلى أنه مباح، وقيل: إنه مندوب، ورجحه الإمام الشوكاني ونقل عن أكثر المحدثين، واختاره الشيخ زكريا الأنصاري.

راجع: غاية الوصول: ص/ 92، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 97، والغيث الهامع: ق (81/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 247، وإرشاد الفحول: ص/ 35 - 36.

ص: 12

وتُعلم تلك الجهة إما بنص عليه مثل: أن يقول: هذا واجب، أو يحكم بمساواته للواجب، مثل أن يقول: هذا مثل ذاك في الوجوب، أو يكون ببيانه (1).

فإن قلت: قد كرر المصنف البيان ما وجه صحته؟ لأن الأقسام متباينة، فلا يصدق أحد الأقسام على آخر.

قلت: أراد بالبيان أولًا: بيان المجمل مثل قطع يد السارق من الكوع بعد نزول قوله تعالى: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، ومثله قوله:"خذوا عني مناسككم" بعد نزول قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97].

وبالثاني: أراد بيان فعل لم يسبقه إجمال، كما إذا شرب قائمًا (2)، وقال: الشرب قائمًا مباح، وقال: الطلاق في الحيض حرام (3).

(1) راجع: الإحكام للآمدي: 1/ 131، والمسودة: ص/ 197، ونهاية السول: 3/ 18.

(2)

روى البخاري، ومسلم، وأحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي عن علي وابن عباس، وعمرو بن شعيب، وابن عمر، وأم سليم رضي الله عنهم:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب قائمًا".

راجع: صحيح البخاري: 2/ 182، وصحيح مسلم: 6/ 111، ومسند أحمد: 1/ 101، 134، 2/ 120، وسنن أبي داود: 2/ 302، وتحفة الأحوذي: 6/ 4، وسنن النسائي: 5/ 237، وسنن ابن ماجه: 2/ 336، وسنن الدارمي: 2/ 120.

(3)

روى البخاري، ومسلم، وغيرهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلق امرأته، وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم =

ص: 13

والشراح لما أرادوا توجيه كلام المصنف، ولم يهتدوا إلى ما ذكرناه.

قال بعضهم (1): "الكلام هنا فيما يعلم به صفة الفعل، لا بقيد كونه سوى ما تقدم".

وقال الآخر (2): "البيان له جهتان من حيث البيان تابع للمبين، ومن حيث التشريع واجب مطلقًا". ولم يدر أنه إذا كان واجبًا مطلقًا لم يعلم به صفة الفعل من الندب، والإباحة (3)، وكلام المصنف صريح في ذلك.

= عن ذلك، فقال:"مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة إلى أمر الله أن تطلق لها النساء".

راجع: صحيح البخاري: 7/ 52، وصحيح مسلم: 4/ 180.

(1)

جاء في هامش (أ، ب): "المحلي"، وراجع: شرحه على جمع الجوامع: 2/ 98.

(2)

جاء في هامش (أ، ب): "الزركشي".

وراجع: تشنيف المسامع: ق (80/ أ).

(3)

جاء في هامش (أ): "هذا عجيب منه، مع قوله قريبًا، واعلم أن المكروه، وإن صدر عنه نادرًا، فلا يوصف بالكراهة في حقه، بل يوصف بالوجوب عليه؛ لأن بيان الشرعيات واجب عليه، فقد أثبت له ثَمَّ جهتين، مع الكراهة، فبالأولى أن تثبت له جهتان مع الندب، والإباحة، فتأمل! ولا مانع من أن يدل فعله على الندب، أو الإباحة من حيث عدم المواظبة كعدم التبييت في نية الصوم، مثلًا، أو نجد تلك من الأمارات على الندب، ويكون واجبًا عليه من حيث التشريع، فإن المقصود بوجوبه عليه تشريعًا أن يقع منه واجب لأجله، لا أنه إذا فعل فعلًا مطلقًا يستمر واجبًا عليه، فتأمله! والله أعلم". محسن الغزي عفا الله عنه.

ص: 14

وإن فعله امتثالًا -[لدال](1) على وجوب، أو ندب، أو إباحة - فهو تابع لتلك الدلالة.

وقد يعلم الحال بالأمارة الخاصة به شرعًا كالأذان للصلاة المفروضة، فيعلم بالأذان وجوب ما أذن لها (2).

أو بكونه ممنوعًا لولا الوجوب كالختان، والحد (3)، فإنه ضرر ظاهر (4) / ق (88/ ب من ب)، وكل ما يضر ممنوع شرعًا إلا ما أوجبه الشارع.

وفيه نظر: لأن المندوب، وإن كان فيه ضرر ربما يرتكب لنيل الثواب، ومن أمارة الندب مجرد قصد القربة، وهو كثير كالصلاة المندوبة، والصوم، والصدقة، وقراءة القرآن.

قوله: "وإن جهلت، فللوجوب، وقيل: للندب، وقيل: للإباحة".

(1) في (ب): "لذاك" والمثبت من (أ) هو الصواب.

(2)

لأنه تقرر في الشرع أن الأذان، والإقامة من أمارات الوجوب، ولهذا لا يطلبان في صلاة عيد، ولا كسوف، ولا استسقاء.

راجع: نهاية السول: 3/ 29، وغاية الوصول: ص/ 92، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 92، وتشنيف المسامع: ق (80/ أ)، والغيث الهامع: ق (81/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 248.

(3)

إذ الجرح في الختان، والإبانة في قطع اليد بالسرقة ممنوع منهما في غيرهما فجوازهما فيهما يدل على وجوبهما.

راجع: المحلي على جمع الجوامع: 2/ 98، وغاية الوصول: ص/ 92.

(4)

آخر الورقة (88/ ب من ب).

ص: 15

أقول: ما تقدم/ (87/ أمن أ) كان حكم ما علم جهته، وأما إذا لم تعلم جهته ففيه مذاهب:

الوجوب (1)، وقيل: الندب (2)، وقيل: الإباحة (3)، وقيل: بالوقف في الثلاثة (4).

(1) هذا هو الصحيح من مذهب مالك، واختاره من الشافعية ابن سريج، وابن أبي هريرة، وأبو علي بن خيران، والإصطخري، وصححه ابن السمعاني، وهو قول الإمام أحمد، وأكثر أصحابه، ونقل عن بعض المعتزلة.

راجع: شرح تنقيح الفصول: ص/ 288، وكشف الأسرار: 3/ 201، والمسودة: ص/ 187، ونهاية السول: 3/ 16، وفواتح الرحموت: 2/ 181، وتشنيف المسامع: ق (80/ أ)، والغيث الهامع: ق (82/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 248، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 99، وإرشاد الفحول: ص/ 36.

(2)

ونقل عن الشافعي، وأحمد في رواية، والظاهرية، وبعض المعتزلة، واختاره إمام الحرمين، وابن حزم، وابن الحاجب، وبعض الحنابلة، وحكي عن القفال وأبي حامد المروزي، واقتصر عليه الشيخ زكريا الأنصاري.

راجع: البرهان: 1/ 488 - 491، والإحكام لابن حزم: 1/ 422، 429، والمسودة: ص/ 187، 188، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 22، وغاية الوصول: ص/ 92.

(3)

وهذا هو الصحيح عند أكثر الحنفية كالكرخي، والسرخسي، والجصاص وغيرهم، وهي رواية عن الإمام مالك.

راجع: أصول السرخسي: 2/ 87، وكشف الأسرار: 3/ 201 - 203، والتوضيح لمتن التنقيح: 2/ 15، وفواتح الرحموت: 2/ 181، 183، وتيسير التحرير: 3/ 122، وحاشية التفتازاني على المختصر: 2/ 25، وإرشاد الفحول: ص/ 37.

(4)

وهو قول أكثر الأشعرية، وأكثر المتكلمين، وبه قال الصيرفي، وأبو بكر الدقاق، والقاضي أبو الطيب الطبري، وصححه الشيرازي، واختاره الغزالي والرازي، والآمدي، والبيضاوي، وأكثر المعتزلة، وحكي عن جمهور المحققين، وبعض الحنابلة. =

ص: 16

وقيل: في الأولين، أي: الوجوب، والندب في أي فعل كان سواء ظهر قصد القربة، أو لا.

وقيل: إن ظهر، فالوقف فيهما، وإن لم يظهر، فالإباحة (1).

لنا - على مختار المصنف، وهو الوجوب -: أنه الأحوط لبراءة الذمة، ولقوله:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7]، وفعله منه، وقوله:{فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، والأمر للوجوب، ولقوله:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ، ولَمَّا خلع نعله خلعوا نعالهم (2)، ففهموا التأسي،

= راجع: اللمع: ص/ 37، وشرح اللمع: 1/ 546، والمستصفي: 2/ 214، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 346، والإحكام للآمدي: 1/ 131، والإبهاج: 2/ 265، ونهاية السول: 3/ 21، والمسودة: ص/ 188.

(1)

راجع: تشنيف المسامع: ق (80/ ب) والغيث الهامع: ق (82/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 99، وهمع الهوامع: ص/ 249.

(2)

لما رواه أبو داود، وأحمد، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم عن أبي سعيد الخدري قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه، فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، قال:"ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ " قالوا: رأيناك ألقيت نعليك، فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن جبريل صلى الله عليه وسلم أتاني، فأخبرني أن فيهما قذرًا، أو قال: أذى، وقال: إذا جاء أحدكم إلى المسجد، فلينظر، فإن رأى في نعليه قذرًا، أو أذى، فليمسحه، وليصل فيهما".

وقد صححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، ورواه مرسلًا، والحديث متكلم فيه.

راجع: مسند الإمام أحمد: 3/ 20، وسنن أبي داود: 1/ 151، والمستدرك: 1/ 260، وتلخيص الحبير: 1/ 278، ونيل الأوطار: 2/ 121.

ص: 17

ولَمَّا أمرهم بالتمتع، ولم يتمتع توقفوا، كما ورد في الأحاديث الصحيحة (1).

ولَمَّا اختلفوا في وجوب الغسل. بمجرد التقاء الختانين رجعوا إلى فعله على ما روي عن عائشة رضي الله عنها (2)، وهذه كلها ظواهر، وللبحث فيها مجال، كما لا يخفى، ولهذا ذهب ابن الحاجب إلى أن ما ظهر منه قصد القربة، فندب، وما لا، فمباح، والبيضاوي مال إلى التوقف لأن الكل محتمل.

والندب هو المروي عن الشافعي، والوجوب عن مالك، والإباحة عن ابن سريج، والتوقف عن الصيرفي.

قوله: "وإن تعارض القول، والفعل".

(1) وذلك في صلح الحديبية، وقد رواه البخاري، وغيره من حديث طويل وفيه:"فلما فرغ من قضية الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا، فانحروا، ثم احلقوا، قال مسور بن مخرمة راوى الحديث: والله ما قام منهم أحد حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك، فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك. . . . فلما رأوا ذلك قاموا، فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كان بعضهم أن يقتل بعضًا غمًا".

راجع: صحيح البخاري: 3/ 239، 243، وسنن أبي داود: 2/ 78، والإحكام لابن حزم: 1/ 423، ونيل الأوطار: 5/ 92.

(2)

لما روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله، ثم يكسل هل عليهما من غسل؟ وعائشة جالسة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إني لأفعل ذلك أنا وهذه، ثم نغتسل". راجع: صحيح مسلم: 1/ 187.

ص: 18

أقول: إذا تعارض قوله صلى الله عليه وسلم، وفعله إما أن يدل دليل على تكرار القول، أو لا، وعلى تقدير تكرره إما أن يكون القول خاصًا به، أو بنا، أو عامًا في الأمة وفيه.

فإن لم يدل على تكرار، فإن تقدم الفعل، ثم قال: لا يجوز الشيء الفلاني، فلا نسخ؛ لأن الفعل حين وقوعه لم يكن له معارض، وبعده لا رفع.

وإن تقدم القول بأن قال: لا يجوز الشيء الفلاني في وقت كذا، ثم فعله كان ذلك نسخًا الحاكم القول، وهو من قبيل النسخ قبل التمكن من الفعل.

وإن دل القول على التكرار، فالمتأخر ناسخ (1).

وإن جهل التأريخ، فأقوال ثلاثة في الخاص به: التوقف (2) عن ترجيح أحدهما على الآخر، وترجيح القول لقوته في الدلالة لوضعه لها (3)، وترجيح الفعل لأنه يقع بيان للقول كثيرًا.

(1) راجع: الإحكام لابن حزم: 1/ 435، والمعتمد: 1/ 359، والإحكام للآمدي: 1/ 143، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 386، والإبهاج: 2/ 273، ونهاية السول: 3/ 35، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 292، وتيسير التحرير: 3/ 148، وحاشية التفتازاني على المختصر: 2/ 27، وتشنيف المسامع: ق (80/ ب).

(2)

وهذا ما رجحه صاحب الأصل تبعًا لابن الحاجب، واختاره الكمال ابن الهمام، والتفتازاني، والزركشي، والمحلي، والعراقي.

راجع: مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 26، وتيسير التحرير: 3/ 148، تشنيف المسامع: ق (80/ ب)، وحاشية التفتازاني على المختصر: 2/ 27، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 100، والغيث الهامع: ق (82/ ب).

(3)

لأن الفعل لا يدل إلا بقرينة، وحكي عن الجمهور، واختاره أبو الحسين البصري والرازي، والآمدي، والأشموني، وهو المشهور عن الحنابلة. =

ص: 19

وإن خص بنا، فالمتأخر ناسخ إن دل دليل على وجوب التأسي في الفعل. وإن جهل التأريخ، فلا نسخ لعدم إمكانه، وهناك ثلاثة أقوال:

ترجيح الفعل، والتوقف، وترجيح القول، وهو الأصح.

وإنما اختلفت المسألتان تصحيحًا لأنا متعبدون بالقول، أو الفعل، فلا وجه للتوقف بخلاف المخصوص به، فإنه لا عمل بالنسبة إلينا، فالوقف أحوط.

وإن كان القول عامًا فيه، وفي أمته، فكما تقدم إن علم التأريخ، فالمتأخر ناسخ، وإن جهل، ففي حقه المختار/ ق (89/ أمن ب) الوقف وفي حقنا يقدم الفعل.

هذا إن علم وجوب التأسي، وإلا فالعمل بالقول مطلقًا (1).

وفصل المصنف العام في حقه بأن يكون العام نصًا فيه، مثل أن يقول: يجب عليَّ وعليكم، وأما إذا كان ظاهرًا فيه مثل: أن يقول يجب على كل واحد، فالفعل يخصص القول في حقه، تقدم أو تأخر لأن التخصيص أهون.

= راجع: المعتمد: 1/ 260، والمحصول: 1/ ق/ 3/ 388، والإحكام للآمدي: 1/ 144، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 293، ونهاية السول: 3/ 45، وغاية الوصول: ص/ 93، وشرح الكوكب المنير: 2/ 204، وإرشاد الفحول: ص/ 39، وهمع الهوامع: ص/ 250.

(1)

راجع: المراجع السابقة.

ص: 20