الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكتاب الرابع في القياس، ومباحثه
الكتاب الرابع في القياس
قوله: "الكتاب الرابع في القياس".
أقول: رابع الأدلة، المتفق عليها بين الأئمة الأربعة القياس (1).
وهو الرتبة العظمى بعد النبوة إلى خص الله بها من شاء من عباده (2) / ق (98/ ب من أ) الذين مهدوا الشريعة الغراء، وشيدوا أركان الحنيفية السمحاء، ناطوا الفروع بالأصول، وألحقوا المعقول بالمنقول، جلوا عرائس الأحكام مناط الفكر، ونثروا عليها فرائد الكتاب والخبر، حفظوا الأصول من الزيادة والنقصان، مع تزايد الفروع إلى انصرام الزمان، فيا فوز من كان معدودًا من حزبهم، أو ناله شربة من شربهم، عليهم من الله رحمة توازي عناءهم في إظهار دينه، ونصرهم لشرعة نبيه، وأمينه، وحشرنا في زمرتهم، وإن لم نكن من جملتهم.
(1) القياس - لغة -: التقدير، والمساواة، ومنه قست الثوب بالذراع إذا قدرته به، وقست الجراحة، إذا جعلت الميل فيها لتعرف غورها.
راجع: الصحاح: 3/ 967 - 968. ومعجم مقاييس اللغة: 5/ 40، ولسان العرب: 8/ 70، والمصباح المنير: 2/ 521، والقاموس المحيط: 2/ 244.
(2)
آخر الورقة (98/ ب من أ).
ولما كان الحكم على الشيء فرع تصور ماهيته، عرفه المصنف، بأنه "حمل معلوم على معلوم في علة حكمه عند الحامل". وهو أحسن التعاريف، نقله الإمام عن القاضي أبىِ بكر (1). وبالقيد الأخير دخل الفاسد، وإن شئت تعريف الصحيح حذفته، فينحصر فيه.
وهو حجة في الأمور الدنيوية (2)، نقله عن الإمام الرازي، وأما في العقلية، والسمعية، قال: بمنع القياس فيهما عقلًا بعض
(1) ووافقه عليه معظم الشافعية، كإمام الحرمين والغزالي، وذكر الرازي أن هذا التعريف اختاره جمهور المحققين من الشافعية. وعرفة أبو الحسين البصري: بأنه تحصيل حكم الأصل في الفرع لاشتباههما في علة الحكم عند المجتهد، واختاره أبو الخطاب من الحنابلة، وذكر الرازي أنه قريب، وأظهر منه أن يقال: إثبات مثل حكم معلوم لمعلوم آخر لأجل اشتباههما في علة الحكم عند المثبت، واختاره القاضي البيضاوي، وعرفه العلامة عبد العلي الأنصاري: أنه مساواة المسكوت للمنصوص في علة الحكم. وقد عرف بغير ذلك.
راجع: أصول السرخسي: 2/ 143، والبرهان: 2/ 745، واللمع: ص/ 53، والتمهيد لأبي الخطاب: 3/ 358، وأصول الشاشي: ص / 325، والمستصفى: 2/ 228، والمنخول: ص/ 323، وشفاء الغليل: ص / 18، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 9، 17، وروضة الناظر: ص/ 247، والإحكام للآمدي: 3/ 3، وكشف الأسرار: 3/ 368، وفواتح الرحموت: 2/ 246، وأعلام الموقعين: 1/ 130، والإبهاج: 3/ 2 - 3، ونهاية السول: 4/ 2، والمعتمد: 2/ 195، والتلويح 2/ 52، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 204، وتيسير التحرير: 3/ 263، ومختصر ابن اللحام: ص/ 142، وإرشاد الفحول:198.
(2)
كمداواة الأمراض، والأغذية ونحو ذلك.
راجع: المحصول: 2/ ق/ 2/ 29، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 387، ونهاية السول: 4/ 7، ونشر البنود: 2/ 207، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 203، وإرشاد الفحول: ص 199.
الشيعة (1)، والنظام (2). وسمعًا ابن حزم (3)، وكذا داود الأصفهاني، هو المشهور عنه، وقيده المصنف فيما عدا الجلي (4).
(1) هم الشيعة الإمامية حيث منعوا التعبد بالقياس عقلًا في كل الشرائع، وخص النظام المنع بشرعنا فقط لأنه مبني على الجمع بين المختلفات، والفرق بين المتماثلات، وذلك يمنع من القياس، وتابعة فريق من المعتزلة، وبعض الخوارج.
وذكر السرخسي أن أول من أحدث القول بإنكار القياس هو النظام، ويرى الجويني والغزالي أن النظام، ومن تبعه ينكرون القياس الشرعي دون العقلي.
راجع: أصول السرخسي: 2/ 118، والبرهان: 2/ 750، والتبصرة: ص/ 424، والإحكام لابن حزم: 7/ 1047، والمعتمد: 2/ 200، 215، 230، والمنخول: ص/ 331، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 33، والإحكام للآمدي: 3/ 97، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 248.
(2)
راجع: الإبهاج: 2/ 353، 3/ 7، حيث ذكر السبب الذي دفع إبراهيم النظام إلى إنكار الإجماع، والخبر المتواتر، والقياس، وكذا الغزالي في المنخول: ص/ 325، 331.
(3)
هو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، أبو محمد الأموي الظاهري، له دراية في علوم الحديث وكان حافظًا، متفننًا في علوم مختلفة، عاملًا بعلمه، زاهدًا في الدنيا بعد الرئاسة التي كانت له ولأبيه، وفقهه استنبطه من الكتاب، والسنة، بعد أن كان شافعي المذهب، أخذ عليه - عفا الله عنا، وعنه - شدته في الرد على الأئمة. والمخالفين له في الرأي، ظنًا منه أن الحق معه دون سواه، أما في مجال البحث، والمناقشة، وإيراد الحجج، فهو فارس لا يشق له غبار، ونحرير مبتكر ومبدع في ذلك، والمحلي يشهد له بما فيه من المناظرات، والحوار، ومن مؤلفاته أيضًا: الإحكام في أصول الأحكام، ومراتب الإجماع، والفصل في الملل والأهواء والنحل، وغيرها، وتوفي سنة (456 هـ).
راجع: وفيات الأعيان: 3/ 13، والصلة 2/ 415، وتذكرة الحفاظ 3/ 1146، وبغية المتلمس ص/ 403، وطبقات الحفاظ ص/ 435، وشذرات الذهب: 3/ 299. وراحع رأيه المذكور الإحكام له: 7/ 931.
(4)
وهو ما نقله الآمدي حيث ذكر أن داود، وابنه، والقاشاني، والنهرواني، لم يقضوا بوقوع القياس، إلا فيما كانت علته منصوصة، أو مومى إليها، وذكر المصنف في الإبهاج: - نقلًا عن ابن حزم - أن داود يقول بذلك.
وأبو حنيفة: في الحدود، والكفارات (1)، والرخص.
= قلت: لكني وجدت ابن حزم ذكر أن داود لا يقول بالقياس مطلقًا حتى وإن كانت العلة منصوصًا عليها، وهو أعلم بمذهبه من غيره، حيث قال - بعد ذكره العلة المنصوص عليها، والقائلين بذلك -:"وهذا ليس يقول به أبو سليمان رحمه الله، ولا أحد من أصحابنا، وإنما قول لقوم لا يعتد بهم في جملتنا كالقاشاني، وضربائه". الإحكام له: 8/ 1110، وهذا ما أكده إمام الحرمين، والغزالي، وغيرهما.
راجع: البرهان: 2/ 751، والمستصفى: 2/ 234، والمنخول: ص/ 325. وانظر: الإحكام للآمدي: 3/ 110، والإبهاج: 3/ 7، وحاشية العطار على المحلي: 2/ 242.
(1)
وكذا في التقديرات: لأن المعنى فيها لا يدرك، فلا قياس فيها عندهم. وأجيب: بأنه يدرك في بعضها، فيجري فيها القياس، وقد مثل لكل منها: وقد مثل الشارح للحدود كما سيأتي بقياس النباش على السارق في وجوب القطع، بجامع أخذ مال الغير من حرز خفية. ومثاله في الكفارات: قياس القاتل عمدًا على القاتل خطأ في وجوب الكفارة، بجامع القتل بغير حق.
ومثاله في الرخص: قياس غير الحجر عليه في جواز الاستنجاء به الذي هو رخصة، بجامع الجامد الطاهر القالع. وأبو حنيفة أخرج هذا عن القياس، بكونه في معنى الحجر، وسماه دلالة النص، فهو من قبيل المنطوق عنده، أما الشافعي فهو يعتبر دلالة النص، أي: مفهوم الموافقة بقسميه، قياسية، كما تقدم ذلك.
ومثاله في التقديرات: قياس نفقة الزوجة على الكفارة في تقديرها على الموسر بمدين، كما في فدية الحج، والمعسر بمد، كما في كفارة الوقاع، بجامع أن كلًا منهما مال يجب بالشرع، ويستقر بالذمة، وأصل التفاوت مأخوذ من قوله تعالى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7]، وقوله:{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233]. =
وقوم: ذهبوا إلى عدم جوازه ما دام يوجد النص (1)
وقوم: في الأسباب، والشروط، والموانع (2).
= راجع: التبصرة: ص/ 440، والوصول لابن برهان: 2/ 249، والمختصر مع شرح العضد: 2/ 245، وفواتح الرحموت: 2/ 317 - 319، وتيسير التحرير: 4/ 103 - 104، والتقرير والتحبير: 3/ 241. والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 205، وهمع الهوامع: ص/ 319، وإرشاد الفحول: ص/ 223، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 471، والروضة للنووي: 9/ 40، وشرح فتح القدير: 4/ 381، والمغني لابن قدامة: 7/ 565، ونيل الأوطار: 4/ 216، 5/ 11.
(1)
ونقل عن أبي الفضل بن عبدان من الشافعية.
راجع: تشنيف المسامع: ق (103/ أ)، والغيث الهامع: ق (110/ أ).
(2)
ذكر الرازي أن المنع فيها هو المشهور، وصححه الآمدي، وابن الحاجب، وجزم به البيضاوي، واختاره أبو زيد الدبوسي، وحكى الآمدي جريانه فيها عن أكثر الشافعية، ورجحه المصنف، وغيره، وقد ذكروا أمثله لذلك: فمثاله في الأسباب: قياس اللواط على الزنى في إيجاب الحد، بجامع إيلاج فرج في فرج محرم شرعًا، مشتهى طبعًا. وسيأتي الإشارة إليه في الشرح.
ومثاله في الشروط: قياس الطواف على الصلاة في وجوب الطهارة، بجامع الاختصاص بالبيت.
ومثاله في الموانع: قياس المنع من ملك الصيد دوامًا في الإحرام كالابتداء على منع لبس المخيط، بجامع الترفه.
راجع: المحصول: 2/ ق/ 2/ 465، والوصول لابن برهان: 2/ 256، والإحكام للآمدي: 3/ 138، والابتهاج: ص/ 222، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 255، والمسودة: ص/ 399، والغيث الهامع: ق (110/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 319.
وقوم: في أصول العبادات، مثل قياس الصلاة بالإيماء على الصلاة قاعدًا (1).
وقوم: القياس الجزئي الذي تدعو إليه حاجة، إذا لم يكن من الشارع نص، كضمان الدرك، وهو ضمان الثمن للمشتري، إن خرج الثمن [للمبيع](2) مستحقًا.
القياس: عدم جوازه، لكونه ضمان ما لم يجب (3). وذهب إليه الجمهور لعموم الحاجة.
وآخرون: في العقليات (4).
(1) وذكر الرازي أن هذا مذهب الجبائي، والكرخي، وحكاه الزركشي عن الحنفية.
وهذا المذهب يمنع جواز الصلاة إيماء بالعينين، والحاجبين، والرأس قياسًا على الصلاة قاعدًا، بجامع العجز، بل توخر الصلاة عنده، حتى يتمكن من أدائها قائمًا، أو قاعدًا. وذهب الجمهور إلى جواز أداء الصلاة إيماء قياسًا على الصلاة قاعدًا، بجامع العجز، وعلى هذا، فلا تؤخر الصلاة، بل تؤدى على أي حال يقدر عليه.
راجع: المحصول: 2/ ق/ 2/ 469، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 206، وشرح تنقيح الفصول: ص/ 415، وهمع الهوامع: ص/ 319 - 320.
(2)
ما بين المعكوفتين زيادة من هامش (أ).
(3)
ونقل هذا عن ابن سريج، وذهب الجمهور إلى الجواز، لعموم الحاجة إليه في معاملة الغرباء. راجع: تشنيف المسامع: ق (103/ أ)، والغيث الهامع: ق (110/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 207، وهمع الهوامع: ص/ 320.
(4)
ونقل هذا عن أبي بكر بن داود الأصفهاني. وذهب أكثر المتكلمين إلى جوازه وذكر الرازي نوعًا منه يسمونه: إلحاق الغائب بالشاهد، والجامع بينهما عقلي وهو أربعة أمور العلة، والحد، والشرط، والدليل، ثم مثل لكل منها. =
وطائفة أخرى: في النفي الأصلي (1)، والقياس في اللغة، قد تقدم بحثه (2).
ونحن نذكر أدلة المذهب الصحيح، ونورد المذاهب المردودة، مع أجوبتها. فنقول: القائلون: بعدم امتناع القياس عقلًا، وشرعًا، منهم من قال: بوجوب وقوعه في الشرعيات، لئلا تخلو الوقائع عن الأحكام، إذ النصوص لا تفي بالحوادث (3).
= راجع: المحصول: 2/ ق/ 2/ 449 - 450، والتمهيد لأبي الخطاب: 3/ 360، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 207، وتشنيف المسامع: ق (103/ أ)، والغيث الهامع: ق (110/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 320، وإرشاد الفحول: ص/ 199.
(1)
النفي الأصلي: هو البقاء على ما كان قبل ورود الشرع، كانتفاء صلاة سادسة، لانتفاء مدركه بأن لم يجده المجتهد بعد البحث عنه، فإذا وقع شيء ليشبه ذلك المبحوث عنه لا حكم فيه.
قيل: لا يقاس على ذلك المبحوث عنه للاستغناء عن القياس بالنفي الأصلي.
وقيل: يقاس، إذ لا مانع من ضم دليل إلى آخر.
وقيل: يجوز بقياس الدلالة، وهو الاستدلال بانتفاء آثاره، وخواصه على عدمه، دون قياس العلة، لأن العدم الأصلي سابق، والعلة حادثة بعده فلا يعلل بها، واختار هذا الغزالي، والرازي، وحكي عن الصفي الهندي أنه عزاه للمحققين.
النوع الثاني: نفي طارئ كبراءة الذمة من الدين، ونحوه، فهذا يجرى فيه قياس الدلالة، وقياس العلة، لأنه حكم شرعي وجودي، فهو كسائر الأحكام الوجودية.
راجع: المستصفى: 2/ 332، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 467، ومختصر الطوفي: ص/ 165، وهمع الهوامع: ص/ 221، وتشنيف المسامع: ق (103/ أ - ب).
(2)
سبق ذلك في مبحث اللغات: 2/ 19.
(3)
وقال به أبو الحسين البصري من المعتزلة، والقفال من الشافعية، وبعض الحنابلة، كأبي الخطاب، وغيره. راجع: التمهيد لأبي الخطاب: 3/ 368، والمعتمد: 2/ 215، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 31، وإرشاد الفحول: ص/ 199.
الجواب: تفي بأصول الأحكام، وأجناسها، فينص على جميع الأحكام بالعمومات.
والقائلون: بجوازه عقلًا، منهم من قال: بعدم وقوعه، إليه ذهب النهرواني (1)، والقاشاني (2).
والقائلون: بالوقوع اختلفوا في طريق ثبوته، منهم من قال: طريق ثبوته العقل.
والجمهور: على أنه السمع، وهؤلاء فرقتان: منهم من يقول: ثبوته ظني، ومنهم من يقول: قطعي، وهذا هو المختار (3).
(1) هو المعافي بن زكريا بن يحيى، أبو الفرج، وقيل: أبو سعيد النهرياني، ويلقب بالجريري لأنه كان على مذهب ابن جرير الطبري، وكان ذكيًا، متفننًا في علوم كثيرة، وله مؤلفات كثيرة ذكر له ابن النديم أكثر من عشرين مؤلفًا، وتوفى سنة (390 هـ).
راجع: الفهرست لابن النديم: ص/ 292 - 293، وطبقات الشيرازي: ص/ 176، والفتح المبين: 1/ 211.
(2)
القاشاني: نسبة إلى قاشان ناحية مجاورة لـ (قم)، ويقال: القاساني وهو قول الأكثر، وهي ناحية من نواحي أصبهان، وهو محمد بن إسحاق، أبو بكر، وكان في بداية أمره داوديًا في المذهب، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي حتى صار رأسًا فيه، ومتقدمًا عند أصحابه، نظارًا ومن مؤلفاته، كتاب إثبات القياس، وكتاب الرد على داود في إبطاله القياس، وغيرها.
راجع: الفهرست لابن النديم: ص/ 267، وطبقات الشيرازي: ص/ 176، واللباب لابن الأثير: 3/ 7.
(3)
وبه قال جمهور العلماء. راجع: أصول الشاشي: ص/ 308، وأصول السرخسي: 2/ 118، والتبصرة: ص/ 424، واللمع: ص/ 54، والفقيه والمتفقه: 1/ 178، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 36. وشرح تنقيح الفصول: ص/ 385، وكشف الأسرار: 3/ 270، وفتح الغفار: 2/ 10، والإبهاج: 3/ 9، وفواتح الرحموت: 2/ 249، وتيسير التحرير: 4/ 106.
لنا - على المختار -: إجماع الصحابة على العمل به من غير نكير، وشاع ذلك وذاع حتى كتب عمر إلى أبي موسى الأشعري:"اعرف الأشباه والنظائر، وقس الأمور برأيك"(1). وحديث عمر حيث سأل عن قبلة الصائم، فقال:"أرأيت لو تمضمضت، ثم مججته، أكنت شاربه! ؟ "(2). وحديث معاذ حيث ذكر بعد الكتاب، والسنة رأيه، وقرره عليه.
(1) هذا جزء من كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري في أصول القضاء، وقد شرح هذا الأثر العلامة ابن القيم شرحًا مفيدًا، وذكر أنه كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم، والشهادة، والحاكم، والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله، والتفقه فيه. أما ابن حزم، فيرى أنه لم يثبت الأمر بالقياس في الدين عن أحد من الصحابة من طريق صحيحة أبدًا، وقد بذل جاهدًا - عفا الله عنه - الطعن في صحة الأثر المذكور، وإبطاله سندًا ومتنًا.
راجع: سنن الدارقطني: 4/ 206، والسنن الكبرى للبيهقي: 10/ 135، والفقيه والمتفقه: 1/ 200، والإحكام لابن حزم: 7/ 1003، والمحلى له: 10/ 514، وجامع بيان العلم: 2/ 66، وأعلام الموقعين: 1/ 85 - 86 وما بعدها، وإرواء الغليل: 8/ 241.
(2)
رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، والدارمي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم عن عمر رضي الله عنه قال:"هششت يومًا، فقبلت وأنا صائم، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: صنعت اليوم أمرًا عظيمًا، فقبلت وأنا صائم"، فقال:"أرأيت لو تمضمضت بماء، ثم مججته وأنت صائم؟ " قلت: لا بأس بذلك، فقال:"ففيم؟ ""، قال الحاكم: على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، واستنكره النسائي، وغيره.
راجع: المسند: 1/ 21، 52، وسنن أبي داود: 1/ 556، وسنن الدارمي: 2/ 13، وصحيح ابن خزيمة: 3/ 245، وموارد الظمآن: ص/ 227، والمستدرك: 1/ 431، والفتح الرباني: 10/ 52 - 53.
وحديث الخثعمية، المشهور (1)، فإنه قاس صلى الله عليه وسلم دين الله على دين العباد، بالطريق الأولى/ ق (99/ أمن ب) فكان قياسًا جليًا.
وبالجملة الأحاديث الدالة على مشروعيته متواترة المعنى، والآيات الدالة عليه. وإن كان دلالتها ظاهرة، والأصول لا تثبت بالظواهر، إلا أنها من حيث الجملة قطعية الدلالة.
(1) روى البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"جاءت امرأة من خثعم عام حجة الوداع، قالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يستوي على الراحلة، فهل يقضي عنه أن أحج عنه؟ " قال: "نعم". وبهذه الرواية ليس فيها محل الشاهد للمسألة التي نحن بصددها، لكنه ورد عند ابن ماجه عن ابن عباس عن أخيه الفضل: أنه كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم غداة النحر، فأتته امرأة من خثعم، فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله في الحج على عباده أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يركب، أفأحج عنه؟ قال:"نعم، فإنه لو كان على أبيك دين قضيته"، وعند النسائي عنه أيضًا قال: أمرت امرأة سنان بن سلمة الجهني أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمها ماتت، ولم تحج، أفيجزئ عن أمها أن تحج عنها؟ قال:"نعم لو كان على أمها دين فقضته عنها ألم يكن يجزئ عنها، فلتحج عن أمها"، وعنه، أيضًا قال: قال رحل: يا رسول إن أبي مات ولم يحج، أفأحج عنه؟ قال:"أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيه؟ " قال: نعم، قال:"فدين الله أحق".
وكذا رواه البيهقي عن ابن الزبير، وفي رواية عن ابن عباس أيضًا قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أختي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين قال: "أرأيت لو كان على أختك دين أكنت تقضيه؟ قالت: بلى، قال: فحق الله أحق".
راجع: صحيح البخاري: 3/ 22، وصحيح مسلم: 4/ 101، وسنن أبي داود: 1/ 420، وعارضة الأحوذي: 4/ 157، وسنن النسائي: 5/ 116 - 119، وسنن ابن ماجه: 1/ 535، 2/ 213. والسنن الكبرى للبيهقي: 4/ 329.
منها: قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2]، والاعتبار، رد الشيء إلى نظيره، ومنها: ردًا على منكري البعث: {فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا/ق (99/ أمن أ) قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء: 51]، {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27]، {قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 78، 79] ، {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ} [الفرقان: 44].
وبالجملة: جميع ما في القرآن من التشبيهات، والاستعارات لا يخلو عن إلحاق فرع بأصل في حكم بعلة جامعة، فالمتأمل لا يتوقف في حجية القياس.
المانع - عقلًا -: لا يؤمن الغلط، فيجب تركه.
قلنا: لا خطر لأنه إما مصيب، فله أجران، أو مخطئ، فواحد.
المانع - شرعًا -: النصوص كافية. الجواب: المنع.
المجوز في الجلي - وهو ما قطع فيه بعدم الفارق بين الأصل، والفرع، أو ما يكون الحكم في الفرع أولى -: يؤمن فيه الغلط، بخلاف الخفي. الجواب: هو جواب المانع عقلًا.
الحنفية: لا يعقل المعنى في الحدود، والكفارات، وتعقله شرط القياس.
الجواب: منع ذلك في الجميع، فيلحق الفرع بالأصل، حيث عقل، كقياس النباش على السارق في وجوب القطع، بجامع أخذ مال الغير من الحرز بخفية.
وكفى دليلًا إجماع الصحابة على إلحاق حد شارب الخمر حين تشاوروا، فقال علي:"إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، فأرى عليه حد المفتري"(1). وعليه انعقد الإجماع (2).
(1) أخرجه مالك، والشافعي، والدارقطني بلفظ:"أن عمر استشار الناس في الخمر يشربها الرجل، فقال علي: نرى أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر. . ." إلخ. وقد رواه ابن حزم بألفاظ متقاربة، وطرق مختلفة عن علي رضي الله عنه، وناقش الروايات بتوسع، ثم ردها قائلًا:"كل ما ورد في ذلك قد تقصيناه، وكله ساقط لا حجة فيه مضطرب ينقض بعضه بعضًا".
وأخرج البخاري من حديث أنس، وعقبة بن الحارث، وأبي هريرة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم:"ضرب في الخمر، بالجريد، والنعال، وجلد أبو بكر أربعين"، وأخرج عن السائب بن يزيد قال:"كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أبي بكر، وصدرًا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا، ونعالنا، وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد أربعين حتى إذا عتوا، وفسقوا جلد ثمانين" وأخرج عن علي رضي الله عنه قال: "ما كنت لأقيم حدًا على أحد، فيموت، فأجد في نفسي إلا صاحب الخمر، فإنه لو مات وديته، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه". أي: لم يذكر فيه عددًا معينًا يتوقف عنده. وأخرج مسلم عن أنس بن مالك: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس، فقال عبد الرحمن بن عوف أخف الحدود ثمانين، فأمر به عمر".
راجع: صحيح البخاري: 8/ 196، وصحيح مسلم: 5/ 125، والموطأ: ص/ 526، ومسند الشافعي بهامش الأم: 6/ 230 - 231، وسنن الدارقطني: 3/ 157، والإحكام لابن حزم: 7/ 1011 - 1014، وتلخيص الحبير: 4/ 75.
(2)
ذكر البعض الإجماع على الثمانين بعد الاختلاف، ولكن لم يسلم، إذ قد اختلف العلماء في حد شارب الخمر، فذهب أبو حنيفة، ومالك، والأوزاعي، والثوري، وإسحاق وأحمد في رواية إلى أن حد شارب الخمر ثمانون جلدة. =
قالوا: قوله: "ادرؤوا الحدود بالشبهات" دليل واضح لأن القياس ظني بلازمة الشبهة.
قلنا: معارض بخبر الواحد، والشهادة. فإن الحدود تثبت بهما إجماعًا، مع وجود الشبهة فيهما.
القائل: بحجيته اضطرارًا في واقعة لا يوجد فيها، احتمال الغلط قائم في القياس، فحيث لا واقعة على الوصف المذكور، لا فائدة مع احتمال الضرر.
الجواب: دلائل الحجية لا تفرق بين قياس وقياس، والفائدة تحرير المسألة لوقت الحاجة.
القائل: بعدم جريانه في الأسباب، والشروط، والموانع، الوصف الذي هو سبب، أو شرط، أو مانع لو شاركه غيره في معناه، لكان السبب هو القدر المشترك وإذا لم يشاركه لا إلحاق هناك، وهذا مختار الآمدي، وابن الحاجب، والشارح المحقق (1).
= وذهب الشافعي، وأبو ثور، وأهل الظاهر، وأحمد في رواية أخرى، وغيرهم إلى أن حده أربعون جلدة فقط، وما زاد على ذلك يعتبر تعزيزًا من الإمام، لا حدًا مقدرًا شرعًا.
راجع: شرح فتح القدير: 5/ 310، والسنن الكبرى للبيهقي: 8/ 318 - 322، وشرح النووي على مسلم: 11/ 217، والمغني لابن قدامة: 8/ 307، وشرح معاني الآثار: 3/ 152 - 158، والمحلى لابن حزم: 13/ 66، ونيل الأوطار: 7/ 138 وما بعدها.
(1)
راجع: الإحكام للآمدي: 3/ 138، والمختصر مع شرح العضد: 2/ 225.
واختار المصنف: جريان القياس فيها: لأن أدلة القياس عامة، ولأن الأشياء المذكورة من قبيل الأحكام الوضعية، فلا بد من الجريان فيها، ولا إلحاق إلا حيث يوجد به الاشتراك.
قولكم: إذا وجد يكون هو العلة، ممنوع، إذ ربما كانت في الأصل منصوصة دون الفرع، كالزنى مع اللواط، فإن الأول له أصل يشهد له.
والحق: إن إثبات هذا على وجه التحقيق بعيد.
القائل: بعدم جوازه في أصول العبادات كالصلاة إيماء قياسًا على القعود بعلة العجز، هذه الأصول مما تتوفر الدواعي على نقلها، لو كان مشروعًا لنقل.
الجواب: ما تقدم من عدم تفرقة الأدلة.
القائل: بالعدم في الجزئي الذي لم يشهد له أصل، كضمان الدرك، فإنه لا يعقل ضمان ما لم يجب.
الجواب: خولف في ذلك للضرورة حفظًا على الحقوق، وعبارة المصنف تساعد هذا المعنى، فإنه ذكره في سياق المذاهب المزيفة، وإذا كان المنع من القياس الجزئي الحاجي مزيفًا يكون خلافه صحيحًا، ومثال ذلك بضمان الدرك غير صحيح لأنه ليس من القياس الحاجي في شيء، بل هو مستثنى من القياس للضرورة.
القائل: في العقليات لا يصح: لأن العقل كاف، ولأن العقل أحكامه قطعية، والقياس ظني.
الجواب: ما تقدم من عموم أدلة القياس من غير فرق، والدليل العقلي ربما يكون إمارة (1) / ق (99/ ب من أ).
القائل: بعدم جوازه في النفي الأصلي بأن يبحث المجتهد، فلم يجد دليلًا عليه، ثم وجد شيئًا آخر يشبه الأول، فهل يجب البحث عنه، أو يقاس على الأول، فلا يبحث عنه؟ لهم فيه خلاف، مختار المصنف جوازه، وهو الظاهر إذ لا فارق بينه، وبين سائر الأقيسة.
لا يقال: العدم الأصلي أزلي كيف يعلل؟ لأنا نقول: العلل الشرعية. معرفات. فتكون إمارات، بل الدليل العقلي يجوز تاخره عن المدلول كالعالم للصانع.
قوله: "إلا في العادِيَّة".
أقول: هذه أمور تمنع القياس - ذكرها المصنف بعد كونه دليلًا يظن جريانه مطلقًا - منها: العاديات، كأقل الحيض، وأكثره (2)، فلا يجري فيها القياس، لأن شرط القياس أن يكون الأصل معقول المعنى، والخِلْقِيَّة عطف تفسير للعادية.
(1) آخر الورقة (99/ ب من أ).
(2)
وكأقل الحمل، وأكثره، فلا يجوز القياس في إثبات ذلك، واختاره أبو إسحاق الشيرازي، وغيره. وقيل: يجوز لأن المعنى قد يدرك فيها، أما الآمدي، وابن الحاجب، فلم يذكرا هذه المسألة.
راجع: اللمع: ص/ 55، وشرحها 2/ 797، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 477، وتشنيف المسامع: ق (103/ ب)، والغيث الهامع: ق (110/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 209، وهمع الهوامع: ص/ 325.
ومنها: جميع الأحكام، فإن منها ما لا يعقل فيها المعنى، فلا وجه للقياس، كما تقدم (1).
ومنها: الأصل المنسوخ لا يقاس عليه لخروجه عن صلاحية القياس (2)، وكان الأولى تأخير هذا ليذكره مع شروط الأصل لأنه منها.
(1) مذهب الجمهور: أنه لا يجوز ثبوت كل الأحكام بالقياس؛ لأن القياس لا بد له من أصل، ولأن في الأحكام ما لا يعقل معناه، كضرب الدية على العاقلة، فإجراء القياس في مثله متعذر، وذهب البعض إلى أنه كما يجوز إثبات الأحكام كلها بالنص يجوز إثباتها كلها بالقياس، وقد ذكر شيخ الإسلام، وتلميذه العلامة ابن القيم أنه ليس في الشريعة ما يخالف القياس، وما لا يعقل معناه، وبينا ذلك بما لا مزيد عليه.
راجع: الوصول لابن برهان: 2/ 223، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 479، والإحكام للآمدي: 3/ 139، والمسودة: ص/ 374، والقياس لشيخ الإسلام: ص/ 1 وما بعدها، ومجموع الفتاوى: 20/ 504 - 584، وأعلام الموقعين: 2/ 1 - 75، وشرح العضد: 2/ 256.
(2)
تقدمت هذه المسألة في باب النسخ: 2/ 493، وإعادتها هنا قد يظن تكرارها بدون فائدة، والأمر بخلافه، فهي، وإن كررت إلا أن العبارة هناك دلت على ذلك التزامًا، وهنا دلت على امتناع القياس على المنسوخ مطابقة.
ومذهب الجمهور: أنه لا يجوز القياس على أصل منسوخ لانتفاء اعتبار الجامع بالنسخ.
وقيل: يجوز لأن القياس مظهر لحكم الفرع الكامن، ونسخ الأصل ليس نسخًا للفرع.
راجع: اللمع: ص/ 58، والمستصفى: 2/ 347، وفتح الغفار: 3/ 16، ومختصر البعلي: ص/ 142، والآيات البينات: 4/ 10 وتشنيف المسامع: ق (103/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 210، والغيث الهامع: ق (110/ ب)، وهمع الهوامع: ص/ 325، وتيسير التحرير: 3/ 287، وإرشاد الفحول: ص / 205.
ومنها: نص الشارع (1) / ق (99/ ب من ب) على العلة في صورة ليس ذلك أمرًا بالقياس، بل فائدته ثبوت الحكم معللًا، فإنه أوقع في النفس. . وقيل: أمر به مطلقًا. وقيل: في الترك دون الفعل، كما إذا قال: حرمت الخمر لإسكارها، احتياطًا، وفرارًا من المفسدة (2).
(1) آخر الورقة (99/ ب من ب).
(2)
مذهب أكثر الشافعية: أن النص على العلة في صورة ليس أمرًا بالقياس سواء أكان في جانب الفعل نحو تصدق على هذا لفقره، أم في جانب الترك، نحو حرمت الخمر لإسكارها، واختاره أبو الخطاب، وابن قدامة من الحنابلة، وبعض الظاهرية.
وذهب الحنفية، وأحمد، وأكثر أصحابه: إلى أن النص من الشارع على العلة أمر بالقياس مطلقًا، واختاره النظام، والقاساني، وأبو الحسين البصري، وجعفر بن مبشر، وابن حرب من المعتزلة، وبعض الظاهرية، وأبو إسحاق الشيرازي، والإسفراييني من الشافعية. وفرق أبو عبد الله البصري بين الترك والفعل، فأجازه في الترك دون الفعل: لأن العلة في الترك المفسدة، ولا يحصل الغرض من انعدامها إلا بالامتناع عن كل فرد مما تصدق عليه العلة، والعله في الفعل المصلحة، ويحصل الغرض من حصولها بفرد، وذكر المجد ابن تيمية أن هذا هو قياس مذهب الحنابلة في الأيمان، وغيرها لأن المفاسد يجب تركها كلها، بخلاف المصالح، فإنما يجب تحصيل ما يحتاج منها، فإذا أوجب تحصيل مصلحة، لم يجب تحصيل كل ما كان مثلها، للاستغناء عنه بالأول، لذا فإذا حلف على ترك أمر عم، وإن حلف على فعل أمر لم يعم.
راجع: التبصرة: ص/ 436، والتمهيد لأبي الخطاب: 3/ 428، والمعتمد: 2/ 235، والمستصفى: 3/ 272، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 164. والروضة: ص/ 261، والإحكام للآمدي: 3/ 131، والمسودة: ص / 390 - 391، وشرح العضد: 2/ 253، والوصول لابن برهان: 2/ 230، وشرح اللمع: 2/ 788، وفواتح الرحموت: 2/ 316، وتيسير التحرير: 4/ 111.
قوله: "وأركانه أربعة".
أقول: القياس مركب من أمور أربعة (1): الأول الأصل، وهو المقيس عليه، أي: محل الحكم المشبه به كالخمر الذي شبه به النبيذ في الحرمة.
وقيل: حكم المشبه به.
وقيل: دليل الحكم كالنص الدال على حرمة الخمر (2).
(1) وهي أركانه: جمع ركن، وركن الشيء - لغة -: جانبه الأقوى، ومنه قوله تعالى:{أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] أي: إلى عز، ومنعة وجبل ركين له أركان عالية، وأركان الشيء، أجزاء ماهيته.
واصطلاحًا: ما يقوم به ذلك الشيء من التقوم، إذ قوام الشيء بركنه، وقيل: ركن الشيء ما يتم به، وهو داخل فيه بخلاف شرطه، وهو خارج عنه.
والأربعة: هي الأصل، والفرع، وحكم الأصل، والوصف الجامع، ولم يعد حكم الفرع فيها لأنه عين حكم الأصل باعتبار الحقيقة، وإن كان غيره باعتبار المحل، ولأن حكم الفرع ثمرة القياس، متأخر عليه، فلا يعد من أركانه باعتبار محله.
راجع: مختار الصحاح: ص/ 255، والمصباح المنير: 1/ 237، والتعريفات: ص/ 112، والغيث الهامع: ق (110/ ب - 111/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 326.
(2)
وبالأول قال الفقهاء، وبعض المتكلمين، وذكر الآمدي أنه الأشبه، والثاني اختاره الإمام الرازي، وهو هنا تحريم الخمر، والثالث قال به المتكلمون، وذكر البعض أن الخلاف لفظي لصحة إطلاق الأصل على كل منها. واختار البعض أنه يطلق على الحكم، والعلة معًا.
راجع: اللمع: ص/ 57، والجدل لابن عقيل: ص/ 10، والكافية للجويني: ص/ 60، والحدود للباجي: ص/ 70، والمنهاج له: ص/ 70، والمعتمد: 2/ 197، والمحصول: =
وأما الفرع، فعلى الأول محل الحكم المشبه (1) إلى المقيس، وعلى الثاني حكمه، ولا يمكن القول: بأن الفرع دليل الحكم في المشبه، لأن دليله هو القياس.
ولما كان الأصل ما يبتنى عليه الشيء، فالمعاني المذكورة كلها محتملة إلا أن الأقرب ما قدمه المصنف:[لأنه](2) عرف الفقهاء في [نصب](3) الخلاف، وتحرير المباحث على ذلك.
وإذا علم معنى الأصل - وقد ثبت حجية القياس مطلقًا - فلا يحتاج إلى دليل دال على جواز القياس على ذلك الأصل بشخصه، أو نوعه، بل حيث كان المعنى معقولًا، للقياس فيه مجال، وكذا لا حاجة في إثبات العلة
= 2/ ق/ 2/ 24، والإحكام للآمدي: 3/ 9 - 10، وشرح العضد على المختصر: 2/ 208، وكشف الأسرار: 3/ 301، وفتح الغفار: 3/ 14، ومختصر البعلي: ص / 142، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 212، والآيات البينات: 4/ 11، وفواتح الرحموت: 2/ 248، وتيسير التحرير: 3/ 275، ونشر البنود: 2/ 115، وإرشاد الفحول: ص/ 204.
(1)
كالنبيذ المشبه بالخمر في الحرمة، وبه قال الفقهاء، والثاني يعني التحريم، وهو حكم المشبه به، وبه قال المتكلمون.
راجع: تشنيف المسامع: ق (105/ أ)، والغيث الهامع: ق (112/ ب)، ومختصر البعلي: ص/ 142، والآيات البينات: 4/ 20، ونشر البنود: 2/ 123، وإرشاد الفحول: ص/ 204.
(2)
في (أ): "لأن"، والمثبت من (ب).
(3)
في (أ): "نص"، والمثبت من (ب)، ويحتمل أن يكون في نصر.
على اتفاق الأمة على وجود العلة في الأصل، بل حيث استنبطها المجتهد له القياس (1).
قوله: "الثاني حكم الأصل".
أقول: الركن الثاني من الأربعة حكم الأصل، وله شروط: منها أن لا يكون ثبوته بالقياس، إذ لو كان كذلك. فإما أن تكون العلة متحدة في القياسين، كما إذا قاس السفرجل على التفاح في كونه ربويًا [بعلة](2) الطعم، وحكم التفاح ثابت بالقياس على البر، فلا فائدة في الواسطة، بل يقاس على البر ابتداء، وإن لم تتحد العلة فيهما، فلا تعقل التعدية (3).
(1) واشترط - في الحالة الأولى - عثمان البتي فنقل عنه أنه لا يقاس في مسائل البيع، إلا إذا قام دليل على جواز القياس فيه، واشترط في الأخيرة بشر المريسي، فذكر عنه أنه لا يقاس فيما اختلف في وجود العلة فيه، بل لا بد من الاتفاق على أن حكم الأصل معلل، أو نص على أن علته كذا، وقد أبطل الشيرازي ذلك، ورده لعدم الدليل عليه ولأنه مخالف لما عليه الأكثر.
راجع: اللمع: ص/ 58، وشرحها: / 826، وتشنيف المسامع: ق (104/ أ)، والغيث الهامع: ق (111/ أ)، وهمع الهوامع: ص / 327، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 213.
(2)
في (أ، ب): "فعلة" والمثبت أوضح.
(3)
وهذا هو مذهب الجمهور، وذهب أبو عبد الله البصري، وبعض الحنابلة إلى جواز ذلك.
راجع: اللمع: ص/ 58، والتبصرة: ص/ 450، والمستصفى: 2/ 325، وشفاء الغليل: ص/ 636، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 484، وكشف الأسرار: 3/ 303، وفتح الغفار: 3/ 16، وفواتح الرحموت: 2/ 253، وتيسير التحرير: 2/ 209، ومختصر البعلي: ص/ 143، والآيات البينات: 4/ 13، وإرشاد الفحول: ص/ 205.
مثاله: ما إذا قاس الجذام (1) في كونه عيبًا يفسخ به البيع، فيفسخ به النكاح كالرتق (2). فإذا منع كون الرتق مما يمنع به البيع.
أجاب المستدل: بأنه مفوت للاستمتاع، كالجب (3)، فهذه العلة ليست موجودة في الجذام.
قيل: ولا يجوز أن يكون حكم الأصل ثابتًا بالإجماع إلا أن يعلم النص الذي استند عليه الإجماع. وليس بشيء: لأن الإجماع أقوى الأدلة دلالة. فلا وجه لذلك القول، إلا أن يتوهم أن الإجماع ربما استند إلى القياس، وقد علم أن حكم الأصل لا يجوز أن يكون ثابتًا بالقياس.
(1) جذم الرجل، صار أجذم، وهو المقطوع اليد، وبابه طرب، والجمع جذمى مثل حمقى، والجذام - بضم الجيم، داء يقطع اللحم، ويسقطه، وقد جذم الرجل بضم الجيم، فهو مجذوم، أي: أصابه الجذام.
راجع: مختار الصحاح: ص/ 67، والمصباح المنير: 1/ 94.
(2)
الرتق: ضد الفتق، ومنه قوله تعالى:{كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} [الأنبياء: 30]، وهو مصدر، رتقت المرأة رتقًا من باب تعب، فهى رتقاء إذا استد مدخل الذكر من فرجها، فلا يستطاع جماعها.
راجع: مختار الصحاح: ص/ 232، والمصباح المنير: 1/ 218، والمطلع: ص/ 323، النظم المستعذب: 2/ 49.
(3)
الجب: جببت الشيء جبًا من باب قتل، أي: قطعته، وهو استئصال المذاكير، ومنه المجبوب، وهو مقطوع الذكر، والأنثيين.
راجع: المصباح المنير: 1/ 89، والنظم المستعذب: 2/ 210.
والجواب: أن ثبوت الحكم في المجمع عليه إنما هو بالإجماع / ق (100/ أمن أ) لا بسنده ولو فرض كون سنده الكتاب (1)، والسنة.
وبعض الشارحين (2) حار في الأمر، فأتى بكلام لم يفهمه، هو ولا غيره قال:"نعم يحتمل أن يكون الإجماع عن قياس، ويدفع بأن كون حكم الأصل حينئذ عن قياس مانع في القياس، والأصل عدم المانع".
[ومنها: كون حكم الأصل معتبرًا فيه القطع، واليقين، فلا يمكن الإلحاق به لأن القياس لا يفيد القطع (3) على ما تقدم في أول الكتاب من أن الفقه من الظنون](4).
ومنها: كون حكم الأصل شرعيًا. إذا استلحق المجتهد حكمًا شرعيًا، فإنه لا يتصور إلحاق الشرعي بغيره عقليًا كان أو لغويًا، وأما إذا كان القياس لغويًا، أو عقليًا عند القائل بهما، فلا مانع. فلو قال - في
(1) راجع: تشنيف المسامع: ق (104/ أ)، والغيث الهامع: ق (111/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 214، وهمع الهوامع: ص/ 328.
(2)
مراده جلال الدين المحلي في شرحه على جمع الجوامع: ص/ 214.
(3)
وقد اشترطه إمام الحرمين، ونقل عن الباقلاني، واختاره الغزالي، وذهب آخرون إلى ترجيح الجواز في ذلك لأن القياس قد يفيد العلم إذا علم حكم الأصل، والعلة فيه، وكونها موجودة في الفرع.
راجع: التلخيص للجويني: ق (180/ ب)، والبرهان: 2/ 787، والمستصفى: 2/ 331، وتشنيف المسامع: ق (104/ أ)، والغيث الهامع: ق (111/ أ - ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 215، وهمع الهوامع: ص/ 328.
(4)
ما بين المعكوفتين سقط من (أ) وأثبت بهامشها.
النبيذ -: شراب مشتد، فيوجب الحد، كما يوجب الإسكار، أو كما يسمى خمرًا. كان خلفًا من القول.
ولو قال: شراب مشتد، قذف بالزبد، فيلحق بماء العنب، الموصوف بما ذكر، فيسمى خمرًا، أو يلحق به في الإسكار، كان جائزًا عند القائل بهما (1).
ومنها: كونه غير فرع (2)، إذا لم يظهر للوسط - على تقدير كونه فرعًا - فائدة، وهذا تكرار في كلامه بلا فائدة، لأنه قد تقدم أن شرط حكم الأصل أن لا يكون ثابتًا بالقياس.
(1) راجع: أصول السرخسي: 2/ 150، وشفاء الغليل: ص/ 635، وكشف الأسرار: 3/ 313، وفتح الغفار: 3/ 16، والإبهاج: 3/ 156، ومختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 209، ومختصر الطوفي: ص/ 152، ومختصر البعلي: ص/ 142، والآيات البينات: 4/ 13، ونشر البنود: 2/ 116، وإرشاد الفحول: ص/ 205.
(2)
وبهذا ذكره الآمدي، وابن الحاجب، وذكره الرازي، والبيضاوي بأن لا يكون حكم الأصل ثابتًا بالقياس، ولم يجمعوا بينهما، والمصنف جمع بينهما، فاعترض عليه، ثم رد المصنف على الاعتراض في منع الموانع أنه لا يلزم من اشتراط كونه غير فرع اشتراط ثبوته بغير القياس، لأنه قد ثبت بالقياس، ولا يكون فرعًا للقياس المراد ثبوت الحكم فيه، وإن كان فرعًا لأصل آخر، ولذلك لا يلزم من كونه غير فرع أن لا يكون ثابتًا بالقياس، لجواز أن يكون ثابتًا بالقياس، ولكنه ليس فرعًا في هذا القياس الذي يراد إثبات الحكم فيه، والمحلي، والشارح جعلا الاعتراض واردًا على كلامه، ولا يغني رده المذكور عليه.
راجع: المحصول: 2/ ق/ 2/ 484، والإحكام للآمدي: 3/ 12، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 209، والإبهاج: 3/ 156، ومنع الموانع: ق (86/ ب - 87/ أ)، وتشنيف المسامع: ق (104/ أ - ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 215، وهمع الهوامع: ص/ 329، والغيث الهامع:(111/ ب).
وقد نقل (1) عن المصنف الجواب: بأنه: يجوز إذا كان فائدة ذلك بأن نقيس التفاح على الزبيب في الطعم، والزبيب على التمر في الطعم والكيل، والتمر على الأرز في الطعم والكيل والتقوت، والأرز على البر في الطعم والكيل والقوت الغالب، ولو قيس ابتداء التفاح على البر ربما منع كون الطعم علة وهذا تخيل منه: لأن الذي يمنع كون مجرد الطعم علة متي سلم قياس التفاح على الزبيب؟ وكون قياس الزبيب على التمر صحيحًا لا يستلزم صحته.
ومنها: أن لا يكون معدولًا عن سنن القياس، بأن لا يكون معقول المعنى، إما بأن يخرج عن قاعدة مقررة كشهادة خزيمة، وبيع العرايا (2)، فإن المستثنى من القاعدة لا يصلح أن يكون أصلًا يقاس عليه، فلا تكون
(1) الناقل لهذا الجواب المذكور عن المصنف هو الزركشي، والمحلي، والعراقي، وهم الذين يعنيهم الشارح، راجع مصادرهم السابقة.
(2)
العرية: هي النخلة يعريها صاحبها غيره ليأكل ثمرتها، وهي بيع الرطب على رؤوس النخل بقدر كيله من التمر خرصًا، فيما دون خمسة أوسق.
راجع: المصباح المنير: 2/ 406، وسبل السلام: 3/ 45، ونيل الأوطار: 5/ 199، وأخرج البخاري من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها".
راجع: صحيح البخاري: 3/ 94، وانظر المسألة المذكورة: أصول السرخسي: 2/ 149، واللمع: ص/ 47، والمستصفى: 2/ 326، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 489، وكشف الأسرار: 3/ 302 - 305، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 211، وفواتح الرحموت: 2/ 250، وتيسير التحرير: 4/ 20، ومختصر البعلي: ص/ 143.
شهادة الصديق رضي الله عنه مثل شهادة خزيمة. وإن كان أعلى منه اتفاقًا. أو شرع ابتداء، كالقسامة (1)، إذ تحليف المدعي خمسين يمينًا خارج
(1) القسامة - بفتح القاف، وتخفيف المهملة -: مصدر أقسم قسمًا، وقسامة، ومعناه حلف حلفًا، والمراد بها هنا: الإيمان المكررة في دعوى القتل تقسم على أولياء القتيل إذا ادعوا الدم، أو على المدعى عليهم الدم.
وصورتها: أن يوجد قتيل بموضع لا يعرف قاتله، ولا بينة، ويدعي وليه قتله على شخص، أو جماعة، وتوجد قرينة تشعر بتصديق الولي في دعواه، وهو الذي يعبر عنه باللوث، فيحلف الولي خمسين يمينًا، ويثبت القتل، فإن نكل حلف المدعى عليه خمسين يمينًا، وتسقط الدعوى عليه بالقتل.
والأصل فيها: حديث سهل بن أبي حثمة، ورافع بن خديج في قصة محيصة بن مسعود، وعبد الله بن سهل حيث ذهبا إلى خيبر، فتفرقا في النخيل، فقتل عبد الله بن سهل، فاتهموا اليهود، فجاء أخوه عبد الرحمن، وابنا عمه حويصة، ومحيصة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فتكلم عبد الرحمن في أمر أخيه، وهو أصغرهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"كبر، أو ليبدأ الأكبر"، فتكلما في أمر صاحبهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يقسم خمسون منكم على رجل منهم، فيدفع إليكم برمته"، فقالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف؟ قال: "فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم"، قالوا: يا رسول الله قوم كفار، ضلال، قال:"فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله".
وقد اختلف العلماء في هل يجب الحكم بها، أو لا؟ فذهب الأئمة، وجمهور علماء الأمصار إلى، وجوب الحكم بها، وذهب سالم بن عبد الله، وأبو قلابة، وعمر بن عبد العزيز، وابن علية إلى أنه لا يجوز العمل بها، ثم اختلف القائلون بالقسامة ماذا يجب بها، فقال مالك، وأحمد: يستحق بها الدم في العمد، والدية في الخطأ، وقال الشافعي، والثوري وجماعة: تستحق بها الدية فقط، وقال بعض الكوفيين: لا يستحق بها إلا دفع الدعوى على الأصل في أن اليمين إنما تجب على المدعى عليه، وقال بعضهم: يحلف المدعى عليه، ويغرم الدية، ثم اختلفوا فيمن يبدأ بالإيمان الخمسين، فقال الشافعي، =
عن سنن اليمين، وإنما فعل ذلك تغليظًا في حقن الدماء، وإلا لم يتعذر للأعداء القتل بغير مشهد الشاهدين، ولا للأشرار الذين لا يزعهم وازع/ ق (100/ أمن ب) التقوى الحلف عليه، حلفة واحدة، فروعي الجهتان.
ومنها: أن لا يكون دليله شاملًا لحكم الفرع، وإلا لا مزية لأحدهما على الآخر، فلا يتصور أصالته.
مثاله: قياس الذرة على البر في عدم جواز التفاضل، فإذا منع في الأصل فنقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا يدًا بيد سواء بسواء"(1).
= وأحمد، وداود بن علي، وغيرهم: يبدأ المدعون، وقال فقهاء الكوفة، والبصرة، وكثير من أهل المدينة: يبدأ المدعى عليهم بالأيمان، ثم أجمعوا على أنها لا تجب إلا بشبهة، لكنهم اختلفوا في الشبهة ما هي، فذهب أبو حنيفة، وأصحابه، والهادوية إلى أنها إذا وجد قتيل في محلة قوم، وبه أثر وجبت القسامة على أهل المحلة، وذهب مالك والشافعي، وأحمد، وغيرهم إلى أنه لا بد من وجود عداوة، ولوث، ومنهم من أوجب القسامة بنفس وجود القتيل في المحلة دون سائر الشرائط الأخرى، وهو مروي عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وبه قال الزهري، وجماعة من التابعين، وغيرهم.
راجع: المصباح المنير: 2/ 503، وصحيح البخاري: 9/ 11، وصحيح مسلم: 5/ 98 - 99، وشرح فتح القدير: 10/ 372، والمدونة: 6/ 423 - 425، وبداية المجتهد: 2/ 427 - 430، والروضة للنووي: 10/ 9 - 15، والمغني لابن قدامة: 8/ 64 - 92، وسبل السلام: 3/ 245 - 253، ونيل الأوطار: 7/ 35 - 39.
(1)
رواه مسلم، وأحمد، والبيهقي عن معمر بن عبد الله مرفوعًا بلفظ: . . . فإني كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الطعام بالطعام مثلًا بمثل. . ." =
ومنها: كون الحكم في الأصل متفقًا عليه، إما مطلقًا، أو بين الخصمين، وإنما شرط إجماع الخصمين: لأنه إذا منعه يحتاج المستدل إلى إثباته، فيوجب التطويل، ونشر الجدال (1).
وقيل: لا يشترط، وإلا لامتنع الاستدلال بمقدمة قابلة للمنع، وإليه ذهب الشيخ ابن الحاجب (2)، وربما يفرق بين المقدمة، والحكم الشرعي. وعلى الأصل المذكور، وهو كونه متفقًا عليه بين الخصمين، هل يشترط اختلاف الأمة فيه؟ قيل: يشترط، وإلا يكون مجمعًا عليه، فلا يتأتى للباحث منعه، وليس بشيء، إذ حجة منعه ليس أمرًا ضروريًا.
قوله: "فإن كان متفقًا بينهما".
= راجع: صحيح مسلم: 5/ 47، ومسند أحمد: 6/ 400، وسنن البيهقي: 5/ 285. وانظر الكلام على هذا الشرط: المحصول: 2/ ق/ 2/ 486، وشرح العضد: 2/ 213، وفتح الغفار: 3/ 16، وفواتح الرحموت: 2/ 253، ومختصر البعلي: ص/ 143، ونشر البنودة 2/ 119، وتشنيف المسامع: ق (104/ ب)، والغيث الهامع: ق (111/ ب)، والآيات البينات: 4/ 15، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 218، وإرشاد الفحول: ص/ 205.
(1)
فيكون انتقالًا من مسألة إلى أخرى.
راجع: الروضة: ص/ 283 - 284، والإحكام للآمدي: 3/ 14، والمسودة: ص/ 396، والإبهاج: 3/ 156، وحاشية البناني على المحلي: 2/ 220، والآيات البينات: 4/ 16.
(2)
راجع: المختصر مع شرح العضد: 2/ 213، وتشنيف المسامع: ق (104 / ب).
أقول: من شروط حكم الأصل أن لا يكون القياس مركب الأصل، أو الوصف. مثل الأول: قول الشافعي - في العبد المقتول عدوانًا -: لا يقتل به الحر كالمكاتب لأنه متفق عليه. فيقول الحنفي: العلة في المكاتب ليس كونه (1) / ق (100/ ب من أ) عبدًا، بل جهالة المستحق من السيد والورثة لاحتمال العجز، وأداء النجوم، فإذا كان المستدل شافعيًا، فالخصم بين أمرين، إما أن يمنع وجود العلة في الفرع، وهو الجهالة، أو يمنع حكم الأصل، وهو عدم قتله بالمكاتب إن أثبت العلة كونه عبدًا، وعلى التقديرين لا يتم القياس.
وإنما سمي هذا مركب الأصل: لأن كل واحد من الخصمين ركب علته على حكم الأصل المتفق عليه (2).
ومثال الثاني: أن يقال - في تعليق الطلاق قبل الدخول -: تعليق، فلا يصح، كما إذا قال: زينب التي أتزوجها طالق، فالخصم بين أمرين، منع علة الأصل، أي: يقول: لا تعليق في الأصل. بل هو تنجيزي، أو منع حكم الأصل إن ثبت أنه تعليق، وعلى التقديرين لا يتم القياس، وإنما سمي مركب الوصف تميزًا بينه وبين الأول، فالحكم والوصف هنا متفق عليه،
(1) آخر الورقة (100/ ب من أ).
(2)
راجع: المنخول: ص/ 396، والبرهان: 2/ 1103، وفواتح الرحموت: 2/ 255، وتيسير التحرير: 3/ 289، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 221، والآيات البينات: 4/ 18، وإرشاد الفحول: ص/ 206.
وهذا عند الأصوليين، وإما عند أهل الخلاف يقبلان: لأن المنع لا يوجب البطلان (1)، غايته أنه يحتاج إلى إثبات العلة بوجه من الوجوه المعتبرة.
ولو سلم الخصم العلة، واعترف بأنها علة حيث وجدت، وأثبت المستدل وجودها في الأصل، أو سلم وجودها في الفرع بعد الاتفاق على وجودها في الأصل ارتفع النزاع، واتضح الاستدلال. هذا إذا اتفقا على حكم الأصل، فإن لم يتفقا على ذلك، ولكن قصد المستدل إثبات حكم الأصل، ثم إثبات العلة، فالأصح صحة ذلك، وقبوله.
والحق: أن في هذا الكلام تناقضًا، وتكرارًا، فلأنه قدم أن من شرط الحكم في الأصل أن يكون متفقًا عليه، هو المختار عنده، وقد سلم هنا أنه لا يشترط ذلك، بل يجوز اختلافهما فيه، لأن الأصل الذي هو محل الحكم ليس متفقًا عليه. فالحكم [بالأولى](2). وأما التكرار فظاهر مما ذكرنا.
ولا يشترط النص على أن الحكم في الأصل معلل، ولا أن العلة فيه كذا، إذ لا ضرورة في ذلك، بل المجتهد يستنبطها. بمسالكها، كما سيأتي (3).
(1) ذكر الزركشي، والمحلي، والعراقي، والأشموني أن الصفي الهندي هو الذي نقل القبول عن الخلافيين.
راجع: تشنيف المسامع: ق (104/ ب - 105/ أ)، والغيث الهامع: ق (112/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 220 - 221، وهمع الهوامع: ص/ 331.
(2)
في (أ، ب): "بالأول".
(3)
وخالف في هذا بشر المريسي حيث اشترط الإجماع على كون حكم أصله معللًا أو كون علته منصوصة. =
قوله: "الثالث: الفرع، وهو المحل".
أقول: الثالث من أركان القياس الفرع المشبه كالنبيذ، أو حكمه كالحرمة، وقد تقدم أنه لا يجوز حمل الفرع على دليل الحكم.
ومن شروط الفرع: وجود العلة المعتبرة في الأصل بتمامها فيه من غير نقصان، وإنما عدل عن عبارة ابن الحاجب، وهي:"تساوي الفرع في العلة لعلة الأصل"(1)، لايهامه عدم جواز الزيادة، مع أنها لا تضير، كما في قياس ضرب الوالدين على التأفيف (2).
وهذا كلام قليل الجدوى: لأن مختار ابن الحاجب، - وتبعه المصنف - أن مفهوم الموافقة ليس من القياس في شيء، بل فهم المعنى إنما هو بحسب اللغة، فلا قدح فيما فعله ابن الحاجب، ولا نفع، فيما فعله المصنف (3).
= راجع: تشنيف المسامع: ق (105/ أ)، والغيث الهامع: ق (112/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 22، وهمع الهوامع: ص/ 332.
(1)
راجع: مختصر ابن الحاجب مع شرح العضد: 2/ 233.
(2)
انظر: أصول السرخسي: 2/ 149، والمسودة: ص/ 377، 389، وفواتح الرحموت: 2/ 257، وتيسير التحرير: 3/ 295، ونشر البنود: 2/ 123، وإرشاد الفحول: ص/ 209.
(3)
يرى الزركشي، والمحلي، والعراقي، والأشموني أن ما قاله المصنف أولى مما قاله ابن الحاجب للإيهام الذي ذكره الشارح، ورده، وهم قالوا: بعكسه.
راجع: تشنيف المسامع: ق (105/ أ)، والغيث الهامع: ق (112/ ب)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 222 - 223، وهمع الهوامع: ص/ 332.
قال إمام الحرمين - في البرهان -: "صار معظم الأصوليين إلى أن هذا ليس معدودًا من القياس"(1):
قال الغزالي - في المستصفى بعد تسمية هذا قياسًا لعدم توقفه على فكر واستنباط -:
"وأما إذا كان المسكوت مساويًا للمنطوق، فربما اختلفوا في تسميته قياسًا"(2).
وقال الإمام - في المحصول -: "شرط الفرع أن يوجد فيه علة الأصل من غير تفاوت البتة، لا في الماهية، ولا في الزيادة والنقصان"(3). ويتفرع - على وجود العلة بتمامها في الفرع - تقسيم القياس إلى القطعي، والظني؛ لأن العلة إن كانت قطعية/ ق (101/ أمن أ) في الأصل كالإسكار فالقياس قطعي (4)، وإلا فظني.
وقد يقال: قد اتفق القوم على أن المسائل الاجتهادية ظنية، فما وجه التوفيق؟
(1) راجع: البرهان: 2/ 786.
(2)
راجع: المستصفى: 2/ 283.
(3)
راجع: المحصول: 2/ ق/ 2/ 497. نقل ذلك عنهم بتصرف.
(4)
وفي المثال المذكور الفرع مساو للأصل، وهى الإسكار فيهما، وقد يكون الفرع أولى كما في قياس ضرب الوالد على التأفيف، بجامع الإيذاء فالقياس فيهما قطعي.
فنقول: لا تنافي بين [كون](1) حكم الأصل ظنيًا مستفادًا من خبر الآحاد، مع الإجماع على أن علة (2) / ق (100/ ب من ب) حكمه كذا، فإلحاق حكم الفرع بحكم الأصل لتلك العلة معلوم الصحة قطعًا، وإن كان الحكمان ظنيين.
والظني: قياس الأدون، كقياس التفاح على البر في الطعم، فالعلة المعتبرة بتمامها موجودة في الفرع، والأدونية إنما هي بالنظر إلى باقي الأوصاف الصالحة للعلية الموجودة في الأصل كالكيل، والقوت الغالب.
واعلم أن المساواة المعتبرة بين علة الفرع، وعلة الأصل، أعم من أن تكون في عين العلة، كما في الإسكار الجامع بين النبيذ، والخمر، أو في جنس العلة، كما في قياس القصاص في الأطراف على قصاص النفس، بجامع الجناية فيهما، إذ أحد الأمرين كاف في تعدية الحكم (3).
قوله: "وتقبل المعارضة فيه".
أقول: المعارضة في الفرع بما يقتضي نقيض الحكم، مثل أن يقول المعارض: ما ذكرته من الوصف، وإن اقتضى ثبوت الحكم في الفرع، فعندي وصف آخر يقتضي نقيضه.
(1) سقط من (أ، ب)، وأثبت بهامش (أ).
(2)
آخر الورقة (100/ ب من ب).
(3)
وذهب بعض الأحناف إلى أنه يكفي مجرد الشبه.
راجع: تيسير التحرير: 4/ 53، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 232، وشرح الكوكب المنير: 4/ 107.
وقد اختلفوا في قبولها، والمختار القبول: لأن مجرد الدليل لا يفيد ما لم ينتف المعارض.
وقيل: لا يقبل: لأنه قلب، وخروج مما قصداه من معرفة صحة نظر المستدل في دليله إلى أمر آخر هو معرفة صحة نظر المعترض في دليله.
الجواب: ليس مقصود المعترض إثبات نقيض الحكم حتى ينقلب المنصب، بل هدم دليل المستدل، وقصوره على صلاحية الاستدلال به، فكأنه قال: عليك أيها المستدل بإبطال ما أبديته ليسلم دليلك، وكيف يمكنه الاستدلال على نقيض الحكم، ودليله معارض بدليل المستدل؟
مثاله: المسح ركن، فيسن تثليثه، كما في الوجه، فيقول المعارض: مسح، فلا يسن تثليثه، كما في الخف، والتيمم، لا إذا استدل على خلاف الحكم. فإنه لا تنافي، فلا تقبل المعارضة.
مثاله: اليمين الغموس قول يأثم قائله، فلا يوجب الكفارة، كما في شهادة الزور، فيقال: قول مؤكد للباطل، فيوجب التعزير، كما في شهادة الزور.
وزاد المصنف على ابن الحاجب الضد (1)، ومثلوه بما إذا قيل: الوتر واجب: لأنه واظب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كالتشهد، فيقول المعارض: مؤقت بوقت صلاة من الخمس، فلا يجب، بل يستحب، كسنة الفجر.
(1) هذه المسألة ذكرها الآمدي، رمن تبعه كابن الحاجب، وغيره في الاعتراضات، ويرى بعض شراح كلام المصنف أن ذكرها هنا أنسب لأنها تؤول إلى شرط في الفرع. =
والحق: أنه لا حاجة إليه: لأن إقامة الدليل على نقيض الحكم يستلزم أحد الأضداد، وإن لم يكن متعينًا: لأنه إذا نفى سنية التكرار في المسح يلزم أحد الأحكام الباقية من الإباحة، أو الوجوب، أو الحرمة، أو الكراهة.
وإذا أثبت المعارض علية الوصف الذي أبداه بمسلك من مسالك العلة، طريقُ دفعِه ما سيأتي في الاعتراضات.
وهل يقبل الترجيح بوجوهه على ما يأتي في باب الترجيح؟ المختار قبوله: لأنه إذا ترجح وجب العمل به لوجوب العمل بالراجح إجماعًا. وإذا كان الترجيح مقبولًا، فهل يجب الإيماء إليه في الدليل ابتداء؟
قيل: يجب: لأن الدليل لا يتم بدونه، فكأنه جزء العلة، والصحيح خلافه، إذ لا حاجة إليه ابتداء.
ومن شروط الفرع: أن لا يقوم قاطع على خلافه في الحكم، لأن القياس لا يقاوم (1) / ق (101/ ب من أ) القاطع، وكذا خبر الواحد عند الأكثيرين لأنه مقدم على القياس، كما تقدم في بحث السنة.
قوله: "وليساوي الأصل".
= راجع: الإحكام للآمدي: 3/ 163 - 164، ومختصر ابن الحاجب: 2/ 275، وتشنيف المسامع: ق (105/ أ - ب)، والغيث الهامع: ق (112/ ب - 113/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 225، وهمع الهوامع: ص/ 334.
(1)
آخر الورقة (101/ ب من أ).
أقول: قد تقدم أن من شروط الفرع المساواة، فيما يقصد من عين العلة، أو جنسها، فأشار إلى أن مساواة حكم الفرع حكم الأصل يجب فيما يقصد من العين، أو الجنس (1).
أما العين، فكالقصاص بالمثقل على القصاص بالمحدد (2)، فإن الحكم في الفرع هو القتل، وهو حكم الأصل.
واعلم أنهم إذا قالوا: عين العلة، أو عين الحكم أرادوا الوحدة النوعية لاستحالة وجود الواحد الشخصي في محلين.
وأما المساواة في جنس الحكم مثل قياس إثبات الولاية على الصغيرة في النكاح على إثبات الولاية المتفق عليها في المال، وولاية النكاح، والمال متحدان جنسًا، وهو نفاذ (3) التصرف، وليست [عينها](4) لاختلاف حقيقة المتصرف فيه، فإذا خالف حكم الفرع حكم الأصل فسد القياس.
(1) راجع: المستصفى: 2/ 330، والإحكام للآمدي: 3/ 53، وروضة الناظر: ص/ 283، وشرح العضد: 2/ 333، ومختصر الطوفي: ص/ 152، ومختصر البعلي: ص/ 145، وكشف الأسرار: 3/ 318، ونشر البنود: 2/ 125.
(2)
في وجوب القصاص، وهو مذهب الجمهور، واختاره أبو يوسف، ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة، وذهب أبو حنيفة، وأصحابه إلى عدم وجوب القصاص في المثقل.
راجع: بدائع الصنائع: 10/ 461، ورد المختار: 5/ 349، وتبيين الحقائق: 6/ 100، والبناية على الهداية: 10/ 5، والمغني لابن قدامة: 7/ 638.
(3)
فالمال هو الأصل المقيس عليه، وبضع الصغيرة هو الفرع المقيس، وحكم الأصل ثبوت الولاية، عدي إلى البضع بجامع الصغر، فإن الولاية جنس لولايتي النكاح، والمال، وهي للأب، والجد على الصغيرة.
(4)
في (أ، ب): "عليها"، والصواب ما أثبته.
مثاله: استدلال الشافعي على أن ظهار الذمي يوجب الحرمة (1)، كالمسلم، فيقول الحنفي: الحرمة متناهية بالكفارة، والحرمة في الذمي مؤبدة لأنه ليس من أهل الكفارة (2).
والجواب: بالمنع، أي: لا نسلم أن الذمي ليس من أهل الكفارة.
قوله: "منصوصًا بموافق".
أقول: من شروط الفرع أن لا يكون حكمه منصوصًا عليه بنص موافق لأن وجود النص يغني عن القياس لتقدمه عليه (3)، خلافًا لمن يجوز قيام دليلين على مدلول واحد، فإنه يجتمع عنده النص، والقياس على حكم واحد (4).
(1) يعني حرمة الوطء، فيحرم عليه إذا ظاهر كالمسلم حتى يكفر.
(2)
المعنى أن حرمة الوطء بالنسبة للمسلم تنتهي إذا كفر عن ذلك إما بالعتق أو الصوم، أو الإطعام، ثم يحل له الوطء، أما الذمي لا يمكنه الصوم لفساد نيته، فلا تنتهى الحرمة في حقه، فاختلفا في الحكم، ورد بأنه عليه الصوم بأن يسلم، ويأتي به، ويصح إعتاقه، وإطعامه، مع الكفر اتفاقًا، وعلى هذا فهو من أهل الكفارة، فالحكم متحد، والقياس صحيح.
راجع: تشنيف المسامع: ق (105/ ب)، والغيث الهامع: ق (113/ أ)، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 228، وفواتح الرحموت: 2/ 257، وتيسير التحرير: 3/ 295، وهمع الهوامع: ص/ 335، وإرشاد الفحول: ص/ 209.
(3)
ذكر صاحب عمدة الحواشي على أصول الشاشي: ص/ 315 أن هذا مختار المشائخ من الحنفية.
(4)
وحكاه الإمام الرازي عن الأكثر لأن ترادف الأدلة على المدلول الواحد جائز ولا مانع من ذلك عقلًا، ولا شرعًا، وذكر صاحب عمدة الحواشي أن علماء سمرقند =
والتحقيق: أنه إن أراد أن طائفة جوزت قيام الدليلين بمعنى أن كلًا منهما يفيد العلم بالمدلول، فهذا / ق (101/ أمن ب) غير معقول لأنه تحصيل الحاصل.
وإن أراد إيضاحًا، واستظهارًا، فلم يخالف فيه أحد، ألا تراهم يقولون: الدليل على المسألة الإجماع، والنص، والقياس (1)، وأما إذا كان النص مخالفًا، فقد علمت أنه مقدم على القياس (2).
ومن شروطه - أيضًا - أن لا يتقدم على حكم الأصل، كقياس الوضوء على التيمم في وجوب النية، فإن التعبد بالتيمم، متأخر عن الوضوء، فلو ثبت به ثبت حكم شرعي بلا دليل، إذ الفرض أنه لا دليل
= قالوا: بذلك، وأنه الأشبه، لما فيه من التأكيد على معنى أنه لولا النص لكان الحكم ثابتًا بالتعليل، كما أنه قد ورد في الشرع آيات كثيرة، وأحاديث متعددة في حكم واحد، وملأ السلف كتبهم بالنص والمعقول في حكم واحد، ولم ينقل عن أحد نكير، فكان إجماعًا على جوازه، وهذا ما حققه الشارح، كما سيأتي.
راجع: المحصول: 2/ ق/ 2/ 499، ونشر البنود: 2/ 122، وعمدة الحواشي: ص/ 316، والإحكام للآمدي: 3/ 55، وشرح العضد: 2/ 233، وكشف الأسرار: 3/ 329، وفتح الغفار: 3/ 16، والآيات البينات: 4/ 29، 32.
(1)
راجع: شفاء الغليل: ص/ 675، والمستصفى: 2/ 331، مختصر البعلي: ص/ 145، وفواتح الرحموت: 2/ 260، وتيسير التحرير: 3/ 300، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 228، 230، والآيات البينات: 4/ 29، 32، وإرشاد الفحول: ص/ 209.
(2)
لأن التعدية إذا كانت على خلاف النص، فذلك باطل لمناقضة حكم النص.
عليه سوى القياس نعم لو قيل: ذلك إلزامًا صح (1)، كما قال الشافعي للحنفية: طهارتان أنى يفترقان (2)، هكذا قيل، وفيه نظر: لأن الحنفية ليس عندهم في المسألة قياس حتى يلزموا، ولا الشافعي قائل بالقياس، بل وجوب النية فيهما إنما ثبت بقوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات"، وقوله:"وجوزه الرازي عند دليل آخر"(3) مما لا وجه له، إلا أن يكون القياس استظهارًا وإيضاحًا؛ لأنه محال أن يعلم شيء بدليلين إلا على ما بيناه،
(1) أي: بطريق الإلزام للخصم لا بطريق مأخذ القياس، وقد زاد هذا القيد الآمدي، وابن الحاجب.
راجع: الإحكام: 3/ 55، والمختصر: 2/ 233، وذهب ابن قدامة، والمجد ابن تيمية، والطوفي من الحنابلة إلى أن هذا الشرط يشترط لقياس العلة، أما قياس الدلالة، فلا يحتاج إليه، وعلى هذا، فيجوز قياس الوضوء على التيمم، مع تأخيره عنه، لأن الدليل يجوز تأخيره عن المدلول. فإن حدوث العالم دليل على الصانع القديم، والدخان دليل على النار، والأثر دليل على المؤثر.
راجع: الروضة: ص/ 287، والمسودة: ص/ 387، ومختصر الطوفي: ص/ 152.
(2)
ومعنى ذلك أنهما طهارتان من حدث، وهما من جنس واحد، ومعناهما واحد من حيث أن كل واحد منهما طهارة حكمية، وتجبان بسبب واحد، وهو الحدث، دل على إن طريقهما واحد.
راجع: شرح اللمع: 2/ 812، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 229.
(3)
وهو مذهب أبى الحسين البصري، وغيره.
راجع: المحصول: 2/ ق/ 2/ 487، والمعتمد: 2/ 272، والمستصفى: 2/ 330، وشفاء الغليل: ص/ 673، ومختصر البعلي: ص/ 145، وفواتح الرحموت: 2/ 259، والآيات البينات: 4/ 30، ونشر البنود: 2/ 129، وإرشاد الفحول: ص/ 206.
وذلك لا يخالف أحد فيه، واستنادهم في ذلك على تأخر معجزاته عن ثبوت نبوته ليس بشيء إذ المعجزات المتأخرة ليست مثبتة للنبوة، بل هي إما لمعاند لم يقنع بنوع منها، أو لطالب مسترشد لم يسبق له رؤية معجزة، أو إظهارًا لكرامته بتكاثر معجزاته، ولهذا ترى من كان منهم أعظم شأنًا كان أكثرهم معجزة، وأنور برهانًا، ولو كان الدليل الأخير مثبتًا كان المفضول منهم أحرى بتلك المعجزات.
ولا يشترط في حكم الفرع أن يكون أصله في الجملة ثابتًا بنص، وثبت تفاريعه، وتفاصيله بالقياس (1)، خلافًا / ق (102/ أمن أ) لقوم زعموا ذلك منهم أبو هاشم.
قائلين: لولا ثبوت ميراث الجد في الجملة لما جاز توريثه مع الأخوة قياسًا (2)، وهذا باطل: لأن الأقيسة من الصحابة إلى آخر المجتهدين ثابتة من غير تفصيل واعتبار زيادة.
(1) وهذا هو مذهب الجمهور: لأن السلف رضي الله عنهم قاسوا قول القائل: أنتِ عليَّ حرام، على الطلاق تارة، وعلى الظهار أخرى، وعلى اليمين مرة بحسب اختلافهم فيه، وليس فيه نص لا جملة، ولا تفصيلًا.
راجع: اللمع: ص/ 54، والتبصرة: ص/ 443، والجدل لابن عقيل: ص/ 16، وشفاء الغليل: ص/ 675، والمستصفى: 2/ 330، والمحصول: 2/ ق/ 2/ 498، والإحكام للآمدي: 3/ 16، 55، والمسودة: ص/ 411، وشرح العضد: 2/ 233، وفواتح الرحموت: 2/ 260، وتيسير التحرير: 3/ 301، والمحلي على جمع الجوامع: 2/ 230، والآيات البينات: 4/ 31.
(2)
راجع: المعتمد: 2/ 274.
ولا يشترط - أيضًا - انتفاء نص، أو إجماع يوافق القياس (1)، خلافًا للغزالي، والآمدي (2).
وقد عرفت أنه الصواب: إذ لو كان القياس مسبوقًا بنص، أو إجماع لم يكن له وجه إلا الاستظهار لا تحصيل الحكم، وإن شئت زيادة التحقيق، قلت: دلائل الفقه أمارات، ومعرفات، ولا شك أن الأمارات تفيد الظن، والظن قابل للشدة والضعف، فلا مانع من توارد الأمارات والعلامات.
وكذلك الدلائل العقلية، المفيدة للقطع، واليقين، إن قلنا: إن اليقين قابل للشدة والضعف، كما هو المذهب المنصور في زيادة الإيمان، أي: نفس التصديق، نعم لو كانت الدلائل عللًا، مؤثرات في الإيجاد لاستحال الإيجاد مرتين، ولكن لا مؤثر بهذا المعنى سوى الله تعالى، وقولهم في باب القياس: علل مؤثرة يريدون بذلك اعتبار الشارع إياها لا التأثير بالمعنى بالمذكور.
(1) ذكر الزركشي هنا سؤالًا، وهو أنه قد يقال: ما الجمع بين هذا، وبين قوله - فيما سبق -: وأن لا يكون منصوصًا؟ ثم أجاب: بأن ذاك كان في الفرع نفسه، وهذا في النص على شبهه، ولم يرتض هذا الجواب ولي الدين العراقي.
راجع: تشنيف المسامع: ق (106/ أ)، والغيث الهامع: ق (113/ ب - 114/ أ)، وهمع الهوامع: ص/ 337 - 338.
(2)
راجع: المستصفى: 2/ 331، والإحكام للآمدي: 3/ 55.